الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا كان صاحب الرسالة القشيرية ينتقد كل هذه الآراء، فإنه إذًا لا يرى الاشتقاق ويقول: هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال: رجل صوفي وللجماعة: صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له: متصوف وللجماعة: المتصوفة.
وليس يشهد للاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، وإلا ظهر فيه أنه كاللقب1.
وحقيقة، إنني لا أرى من ثمرة لإعمال الذهن وتضييع الوقت في الربط بين الاسم والمسمى فليس من المحتم دائما -كما يقول عبد الحليم- أن يكون المعنى الأصلي للاسم هو المراد مما وضع الاسم له؛ إذ المعنى الأصلي قد يتطور ويتغير ويختلف وقد يقصد عكسه
…
حقيقة، إن الباحثين كثيرا ما يجدون صلة وثيقة بين المعنى الأصلي للاسم وما وضع الاسم له أو بين الاسم والمسمى، ولكن ذلك ليس مطردا2.
ومما يزيد الانفصام بين الاسم والمسمى خاصة في عصرنا هذا، ما اعترف به عبد الحليم هذا حيث قال:"على أني أرى -كما يرى كثير غيري وكما يثبت التاريخ- أن هذه الكلمة "تصوف" لم توضع في الأصل للتصوف بمعناه العادي الذي نفهمه الآن، وإنما وضعت في المبدأ لتدل على نمط من العزوف عن الدنيا، إنها كانت علامة الزاهدين والمتنسكين فسمي بها هؤلاء الذين انصرفوا عن الدنيا3.
1 قضية التصوف: عبد الحليم محمود ص30 و31.
2 المرجع السابق ص34.
3 المرجع السابق ص35.
المراد بالتصوف:
وأكثر من اختلافهم ذاك اختلفوا في معنى التصوف ولا أعد مبالغا إذا ما قلت: إنهم ذكروا مئات المعاني للتصوف، ونحن نحرص هنا على أن نذكر أقوال المعاصرين أو ما يصرح المعاصرون بترجيحه، فمن الأول ما ذكره الشيخ عبد الواحد يحيى حيث قال:"أما أصل هذه الكلمة "صوفي" فقد اختلف فيه
اختلافا كبيرا ووضعت فروض متعددة وليس بعضها أولى من بعض وكلها غير مقبولة أنها في الحقيقة تسمية رمزية، وإذا أردنا تفسيرها ينبغي لنا أن نرجع إلى القيمة العددية لحروفها وأنه لمن الرائع أن نلاحظ أن القيمة العددية لحروف "صوفي" تماثل القيمة العددية لحروف "الحكيم الإلهي" فيكون الصوفي الحقيقي إذًا هو الرجل الذي وصل إلى الحكمة الإلهية، إنه "العارف بالله" إذ إن الله لا يعرف إلا به"1.
وإني لأعجب لهذه العقليات التي تقيم عقائدها على أوهام ومتى كانت الأوهام أساسا تقام عليه العقائد؟! ولسنا نوافق الدكتور عبد الحليم محمود على وصفه للقول السابق بأنه رأي لا يمكن أن ينقض بالأدلة المنطقية وأنه ينفر منه آخرون من غير ما حجة وإن كنا نوافقه على أنه "ولكنه لا يمكن أيضا أن يؤيد بالأدلة المنطقية ويستسيغه قوم دون برهان"1 لا نوافقه في النصف الأول من عبارته ونحمد الله أنه لم يطلب الرد عليه بالأدلة الشرعية، إذ ننزه هذه الأدلة عن الخوض بها في مثل هذه الأوهام، أما الرد على الرجل بمثال منطقه فنقول قياسا على قوله: إن القيمة العددية لحروف "صوفي" تماثل القيمة العددية لحروف "مزل الحكيم"2 فيكون الصوفي الحقيقي إذًا هو الرجل الذي أوصل نفسه إلى منطقه إن كان حكيما زل بها، وإن كان دون كان أزل.
هذا هو الرد حسب منطقه وحسب مفهومه، وما كنا لنستدل بمثل هذه الأدلة لولا أنه جرنا إليها جرا.
ولندع هذا التعريف ونورد هنا بعض التعاريف التي رأى الدكتور عبد الحليم أنها تتجه الوجهة الصحيحة فيما يتعلق بالمعنى الحقيقي لهذا الموضوع، فأورد من هذه الأقوال:
1-
أبو سعيد الخراز، المتوفى سنة 268هـ.
1 قضية التصوف: ص32.
2 كلمة "صوفي""الحكيم الإلهي""مزل الحكيم" مجموع القيمة العددية لكل منها 186.