الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمهوريون:
وهذا الاسم مما يطلقه أتباع محمود محمد طه على أنفسهم ويطلقون على أنفسهم اسم: "المسلمون" وعلى دعوتهم: "الرسالة الثانية" ودجالهم محمود طه من متطرفي الباطنية والمتصوفة الذين ينكر أفعالهم وأقوالهم كل أحد حتى الصوفيون المعتدلون، أظهر أفكاره ودعوته في السودان.
وتقوم دعواه على الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين بعث في مكة جاء بالإسلام، ولما تبين له أن الناس في هذا الوقت لا يطيقون تلقي الإسلام1 انتقل إلى المدينة ودعا إلى الإيمان فأجابوه، فالرسول صلى الله عليه وسلم -بزعمهم- إنما جاء بالإيمان وفصله للناس. أما الإسلام فلم يقع في حقه التفصيل بل جاء به مجملا، وزعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو طليعة المسلمين المقبلين فكأنما جاء لأمته "المؤمنين" من المستقبل، فهو المسلم الوحيد بينهم كما أن أبا بكر طليعة المؤمنين وكان بينه وبين النبي أمد بعيد.
وسمى دعوته هذه بـ"الرسالة الثانية" لزعمه أن الرسالة الأولى المحمدية كانت للإيمان، والرسالة الثانية للإسلام. ووصف الأولى كما جاء في عنوان أحد كتبه "الرسالة الأولى لا تصلح للقرن العشرين"، فالرسالة الثانية بزعمه ناسخة للرسالة الأولى.
وقال عن الرسالة الثانية: "الرسالة الثانية هي الإسلام وقد أجملها المعصوم إجمالا، ولم يقع في حقها التفصيل إلا في التشاريع -كذا- المتداخلة بين الرسالة الأولى وبينها، كتشاريع العبادات وتشاريع الحدود"2.
1 رسالة الصلاة: محمود محمد طه 68؛ والرسالة الثانية من الإسلام: محمود طه ص121.
2 الرسالة الثانية: محمود محمد طه ص142.
وينكر أن الدين قد كمل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين القرآن.
ويزعم أن الأمة الإسلامية لم تظهر بعد وهي مرجوة -كذا- الظهور في مقبل أيام البشرية وسيكون يوم ظهورها يوم الحج الأكبر، وهو اليوم الذي يتم فيه الخطاب الرحماني بقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} 1، 2، وأن دخول الإسلام مرتبة لم تتحقق في المجتمعات الماضيات إلا للأنبياء حتى هؤلاء قصر عنهم بعضهم "!!! " كما يحدثنا القرآن:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} 3، 4 الآية، فهذا الدجال قد فهم من قوله تعالى:{الَّذِينَ أَسْلَمُوا} أن هناك أنبياء لم يسلموا وهذا سوء فهم وسوء معتقد؛ لأن قوله تعالى: {الَّذِينَ أَسْلَمُوا} وصف للنبيين يبين ما كانوا عليه، وليس للاحتراز من أنبياء غير مسلمين، فالوصف هنا للبيان لا للاحتراز؛ وذلك لأن الدين عند الله الإسلام:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 5، فكيف يبتغي هؤلاء الأنبياء غير الإسلام دينا ومن ابتغى سواه فهو من الخاسرين؟!
ذلكم إجمال نظرته إلى الإيمان وإلى الإسلام، ونظرته إلى موقع دعوته المزعومة من الإسلام.
وبعد أن ألزمت نفسي بقراءة كثير من كتبه والردود عليه، ظهر لي رأي فيه وفي دعوته لم أجد من أظهره وأبرزه عند الحديث عنه، ولعل ما توصلت إليه يكشف جانبا من أهداف دعوته الباطنية، فلئن كان يقف خلف الباطنية الأولى اليهودي عبد الله بن سبأ فلعل ابن سبأ نصراني يقف خلف دعوة الباطنية في
1 سورة المائدة: آية 3.
2 الرسالة الثانية: محمود محمد طه ص147 و148.
3 سورة المائدة: آية 44.
4 رسالة الصلاة: محمود محمد طه ص69.
5 سورة آل عمران: الآية 85.
العصر الحديث وما أكثر السبئيين، خاصة إذا علمنا أن الإفساد1 البريطاني كان وراء الدعوات الباطنية في العالم الإسلامي كالقاديانية والبابية والبهائية وكل ما من شأنه نشر الإلحاد والفساد في العالم الإسلامي، بل وزرع اليهود في أرض المسلمين.
أعود فأقول: إذا علم هذا، فليس بمستغرب أن يقف هؤلاء أو غيرهم من "سبئية" النصارى خلف دعوة محمود طه. ذلكم أن الدعوة الإسلامية تقوم على الوحدانية لله سبحانه وتعالى وتختلف عنها عقيدة النصارى فتقوم على عقيدة "التثليث"، وإذا نظرنا بتأمل إلى عقيدة محمود طه هذا وجدناها تقوم على "الثنائية" في كل شيء، وكأنها تريد أن تشكك في الوحدانية فتستعد للتثليث وجاءت الثنائية هذه في كثير من عقائد الجمهوريين هؤلاء.
فجاءت الثنائية بزعم وجود إلهين، واحد في السماء وآخر في الأرض وإله الخير وإله الشر، وأن الله والرحمن إلهان متحدان في واحد، وقال بوجود ذاتين ذات قديمة وذات حادثة، وإرادتين واحدة للخير وأخرى للشر، وأن الله واحد وله شركاء في نفس الوقت2.
وجاءت بزعم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو "الرسالة الأولى" وما سيأتي بأنه "الرسالة الثانية" وهو يكتب ويشرح عقائد الرسالة الثانية، وكأنه النبي الذي جاء بها؟!
وجاءت بزعم أن الإسلام إسلامان: إسلام أولي هو إسلام الأعراب الذين قالوا: {آمَنَّا} ورد عليهم القرآن: {قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 3، ثم الإيمان الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يليه الإسلام الثاني، وهو الذي حان وقته في هذا العصر، فالإسلام إسلامان4.
1 ويسميه بعض الناس "الاستعمار" وما هو بذاك.
2 جريدة المدينة، العدد 5634، مقال "دجال السودان" بقلم: سعد حسن لطفي ص8، الجمعة 8/ 11/ 1402هـ.
3 سورة الحجرات: من الآية 14.
4 رسالة الصلاة: محمود محمد طه ص68 و69.
وجاءت الثنائية بزعم أن للقرآن الكريم معنيين: معنى ظاهرا ومعنى باطنا.
وجاءت الثنائية في مفهوم الصلاة، فالصلاة بالمعنى القريب هي الصلاة الشرعية ذات الحركات المعروفة1، وهي للذي يمر بمرحلة الإيمان الذي هو مرتبة الأمة الأولى، فالصلاة الشرعية في حقه فرض له أوقات يؤدى فيها، وحين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية من ربه بلا واسطة تأسيا بالمعصوم
…
فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة وإنما يسقط عنه التقليد ويرفع من بينه وبين ربه بفضل الله، ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي الحجاب الأعظم
…
الحجاب النبوي2.
ولتوضيح هذه العبارات أقول: إن عقيدته تقوم على أن أمة المؤمنين هم أمة التقليد، فهم يتلقون الأوامر الإلهية بواسطة النبي. أما أمة المسلمين فهم كالأنبياء يتلقون من الله مباشرة فهم أمة التلقي، فإذا انتقل الإنسان من التقليد وسقط عنه ما سماه "الحجاب الأعظم" حجاب النبوة، أصبح يتلقى الأوامر من ربه مباشرة وأصبح في حدود الشريعة الفردية وخرج من الشريعة الجماعية:"وتكون شريعته الفردية من الله بلا واسطة، فتكون له شهادته وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه، ويكون في كل أولئك أصيلا"3، وله بعد ذلك أن لا يفعل شيئا من هذه العبادات؛ لأنه بزعمهم يتلقى الأوامر من الله مباشرة، ومن الذي يستطيع أن يحتج عليه بتشريعات أمة التقليد؟! ولهذا عرف عن محمود طه هذا أنه لا يصلي، وليس هذا بمستغرب منه.
وجاءت الثنائية بمفهوم العقل، فالعقل عنده عقلان: العقل الواعي والعقل الباطن4، والعلم عنده علمان: علم الظاهر وهو علم آيات الآفاق وعلم يقين وهو علم آيات النفوس وهو لابد آتٍ، ولكن الوقت بطبيعة الحال طرف فيه
1 المرجع السابق: ص74.
2 المرجع السابق: ص84 و85.
3 المرجع السابق: ص78.
4 رسالة الصلاة: محمود محمد طه ص32.
وهو لم يجئ بعد ذلك بأن "حكم الوقت" فيما مضى من تاريخ البشرية لم ينضح ليقضي بمثل هذا اليقين وإنه لآتٍ لا رب فيه، وبمثل هذا اليقين يجيء العلم الذي هو سبب الرزق1.
وجاءت الثنائية بمفهوم الساعة. قال محمود طه: "والساعة ساعتان: ساعة التعمير وساعة التخريب
…
فأما ساعة التعمير فهي لحظة مجيء المسيح ليرد الأشياء إلى ربها حسا ومعنى، وليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا
…
يومئذ يظهر الإسلام على جميع الأديان
…
وأما ساعة التخريب فهي لحظة مجيء المسيح للمرة الثانية ليرد الأشياء إلى الله حسا وقد أبطأ المعنى وذلك: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} 2، والساعتان منضويتان في بعضهما في سياق القرآن فهو عندما يقول:"الساعة" إنما يعني المعنى القريب للساعة وهي ساعة التعمير والمعنى البعيد للساعة وهي ساعة التخريب، وإنما يقع التمييز بينهما عند القادرين عليه بفضل الله، ثم بفضل التفريد في التوحيد"3.
وجاءت الثنائية أيضا في الزواج، وهما عنده: الزواج في الحقيقة والزواج في الشريعة، وقال: عامله الله بعدله عن الزواج في الحقيقة أنه زواج الإنسان الكامل بالله، وقال:"وتكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها -الإنسان الكامل- المعارف اللدنية"4، أما الزواج في الشريعة فهو الزواج المعروف بين الرجل والمرأة.
وإذا ضممنا إلى هذه المبادئ تقسيمه الإسلام إلى قسمين: "مرحلة الإيمان" الرسالة الأولى، و"مرحلة الإسلام" الرسالة الثانية، وقوله: "فأما مرحلة
1 الدين والتنمية الاجتماعية: محمود طه ص14 و15.
2 سورة الأنبياء: الآية رقم 104.
3 القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري: محمود محمد طه ص180.
4 تطوير شريعة الأحوال الشخصية: محمود محمد طه ص59 و60.
الإيمان -ويقصد بها دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فهي مرحلة أقرب إلى بدائية اليهود، ومرحلة الإسلام -ويقصد بها دعوته- فهي أقرب إلى روحانية النصرانية1.
فإذا قارنا بين عقيدة النصارى في أن الله هو المسيح عيسى ابن مريم واعتقاد هذا الدجال أن الله هو الحقيقة المحمدية أي: الإنسان الكامل واعتقاد النصارى أن الله هو زوج مريم، واعتقاد الدجال أن الله زوج نساء البشر، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وإذا ضممنا هذا إلى ذلك، فإن العلاقة تبدو لي واضحة أن هناك قوى نصرانية ذات نفوذ تقف خلف هذا الدخال، خاصة إذا علمنا أن أحد العلماء صرح بأن موظفي الإذاعة والتليفزيون قالوا له: إنهم يؤيدونه ضد الدجال وإنهم يكرهونه ولكنهم موظفون ويخافون على وظائفهم، وقال له بصراحة: إن الحكومة السودانية أعطت الدجال حصانة وجعلته فوق القانون، فلا يحاكم ولا ينشر أو يذاع نقد لدعوته2.
قال هذا في فترة من الفترات، لكنه حُوكم قبلها عدة مرات وحكم عليه بالردة ومع هذا فلم ينفذ شيء من هذه الأحكام. وهو الآن بحمد الله في سجون السودان بعد إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية وما زلنا ننتظر تطبيقها عليه وعلى أتباعه.
1 القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري: محمود طه ص168.
2 جريدة المدينة، العدد 5634، مقال "دجال السودان" بقلم: سعد حسن لطفي ص8، الجمعة 8/ 11/ 1402هـ.
يفسروا القرآن الكريم وفق نظرياتهم مهما أوتوا من الجرأة على التحريف والتبديل في معانيه، وقد يجدون أنفسهم بعد هذا بحاجة إلى الزعم بتحريف القرآن فيلجئون إليه، أو يعرضون عن تفسيره كاملا فيريحون ويستريحون.
وليس من السهل وقد يكون ليس في الإمكان استخراج منهج كامل لمسالك هذه الطريقة في تفسير القرآن الكريم، وإنما يمكن فيما أرى رسم خطوط عريضة لطريقته في التفسير.
فإن كان الأمر كذلك، فإني أحسب الخطوط العريضة لطريقة محمود طه هذا في تفسير القرآن الكريم لا تختلف اختلافا كبيرا عن سلفه الباطنيين.
فهو مثلا لا يلتزم تفسير القرآن الكريم بالمأثور في شتى أنواعه من تفسير القرآن بالقرآن أو بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أو أقوال أصحابه رضي الله عنهم أو أقوال التابعين، رحمهم الله تعالى.
ويفسر القرآن الكريم بما يخالف قواعد اللغة العربية، وأحيانا بما يتعارض معها.
ويقول بالتفسير الباطني للقرآن الكريم، ويأتي من المعاني لآيات القرآن الكريم على ضوء هذا المعنى عنده بما لا يستند إلى كتاب، ولا إلى سنة، ولا إلى لغة.
ويستشهد بأقوال غلاة الصوفية ويورد أقوالهم ويعتقد بوحدة الوجود.
هذا كله مع الآراء والاعتقادات الجديدة التي جاء بها والتي أراد أن يفسد بها شريعة الإسلام بما زعمه تطوير الشريعة وما أدخله من عقائد زعمها عقائد الإسلام، وما هي إلا عقائد الكفر والضلال ولعلي أذكر بعد هذا أمثلة من هذه التفاسير الضالة.
ثنائية الإله:
قلنا آنفا: إنه يعتقد بالثنائية حتى في الإله الذي اتفق المسلمون على وحدانيته، فهو يعتقد أن الرحمن هو إله الأرض، وأن الله هو إله السماء وهما إله
واحد فقال في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} 1: "فإله الأرض إله الإرادة
…
وإله السماء إله الرضا
…
وإله الأرض الرحمن
…
وإله السماء الله
…
وإنما هو إله واحد"2.
وقال: "اسم الله يطلق على معنيين أيضا: معنى بعيد وهو ذات الله الصرفة وهي فوق الأسماء والصفات، ومعنى قريب وهو مرتبة البشر الكامل الذي أقامه الله خليفة عنه في جميع العوالم وأسبغ عليه صفاته وأسماءه حتى اسم الجلالة "!! " فكلمة الله حيث قيلت تشير إلى هذين المعنيين"3، وأكد هذا القول في موضع آخر حيث قال:"الله هو الإنسان الكامل "!! " الذي ليس بينه وبين ذات الله المطلقة أحد وهو بين الذات وبين سائر الخلق، وهو الذي يتولى حسابهم نيابة عن الله، وهذا الإنسان الكامل المسمى الله هو المعني في المكان الأول بقوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} 4.
وقد فسر هذه الآية في مواضع عديدة من كتبه ومؤلفاته، فقال:{هَلْ يَنْظُرُونَ} الإشارة هنا إلى الكافرين والمنافقين، والمعنى: ما ينتظرون، قوله:{إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} يعني "الإنسان الكامل" يعني "الحقيقة المحمدية" قوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} يعني يأتيهم مجسدا في الدم واللحم، وتلك إشارة لمجيء المسيح، قوله:{وَالْمَلائِكَةُ} إشارة إلى أعوان المسيح
…
وقوله: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ} إشارة لساعة مجيئه، قوله:{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} إشارة إلى الكمالات التي تظهر بمجيء المسيح وأعوانه، وهي الكمالات التي بها تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا"5.
وإذا تأملت بعد ذلك في أقوال رأيت ما هو أعجب وأعجب، فهو يقرر في
1 سورة الزخرف: الآية 84.
2 تطوير شريعة الأحوال الشخصية: محمود طه ص21.
3 جريدة المدينة، الرسالة الثانية مستمدة من الفكر الكنسي المحرف بقلم: سعد حسن لطفي، العدد 5768 في الجمعة 23/ 3/ 1403هـ عن كتاب رسائل ومقالات: محمود طه ص26.
4 المقال السابق: عن كتاب رسائل ومقالات: محمود طه ص29.
5 القرآن ومصطفى محمود: محمود طه ص45.
أحد كتبه: "كما كانت عقيدة التعدد عقيدة إسلامية، وكلاهما قد كان مرادا ومرضيا من الله"1، ويقول:"قد مر وقت كانت فيه عبادة الصنم مرضية عند الله، وذلك بحكم الوقت"2!!
وقال أيضا عن الطاقة المتولدة عن انفلاق الذرة: "هذه القوة الهائلة هذه الطاقة إرادة الله
…
هي الله"3، وله نصوص أخرى كثيرة من هذا النوع، مما يدل على انحراف عقيدته وتخبطه وضلاله.
ومن تخبطه أيضا قوله: "إنك إن أشركت بالله غيره فأنت ضال، وإن نزهته عن الشريك فأنت ضال"4 ويقول: "إن الله تبارك وتعالى قد خلقنا على صورته"5، وقال عن الله عز وجل: "فهو لا يسمى ولا يوصف ومن ثم لا يعرف
…
ولولا أنه تقيد في منزلة الاسم "الله" لما كان إليه من سبيل"6، وقال: "إنه من الكفر أن ننفي النقص عن الله؛ لأن تصورك للنقص ذنب في حد ذاته"7، وقال: "إن أسماء الله هي قيد والله لا قيد له؛ ولذلك فإن ذكر الأسماء لله كفر صريح"7.
الصلاة:
وله فهم جديد لكلمة {مَوْقُوتًا} من قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} 8، فهو يعقد بحثا عنوانه:"الصلاة بين المؤمن والمسلم"،
1 الدين والتنمية الاجتماعية: محمود طه ص4.
2 القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري: محمود طه ص168.
3 الدين والتنمية الاجتماعية: محمود طه ص7.
4 القرآن ومصطفى محمود: محمود طه ص38.
5 المرجع السابق: ص42.
6 المرجع السابق: ص44.
7 جريدة المدينة، العدد 5768 الجمعة 23/ 3/ 1403، مقال الرسالة الثانية: سعد لطفي ص10.
8 سورة النساء: من الآية 103.
ويعني بالمؤمن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلم أتباعه، ويقول:"ماذا يكون من أمر آية: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} ؟ فاسمع إذن: المقصود هنا الصلاة الشرعية و {كِتَابًا مَوْقُوتًا} يعني فرضا له أوقات يؤدى فيها و {عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} مرحلة أمة البعث الأول وهي الأمة التي تعيش في أخريات "كذا" أيامها، وقد ندبت لتواصل سير ترقيها وتطورها إلى "أمة المسلمين".
إلى أن قال: "ويصبح شأن الآية: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} مع المسلم الذي يمر بمرحلة الإيمان الذي هو مرتبة الأمة الأولى أن الصلاة الشرعية في حقه فرض له أوقات يؤدى فيها، فإذا ارتقى بحسن أدائها بتجويده تقليد المعصوم حتى ارتقى في مراقي الإيقان
…
حتى بلغ حق اليقين وسكن قلبه واطمأنت نفسه فأسلمت، طالعه المعنى البعيد لكلمة {مَوْقُوتًا} في الآية:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وذلك المعنى في حقه هو أن الصلاة الشرعية فرض له وقت ينتهي فيه وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة ويخاطب بالاستقلال عن التقليد ويتهيأ ليأخذ صلاته الفردية من ربه بلا واسطة "!! " تأسيا بالمعصوم
…
فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة وإنما يسقط عنه التقليد ويرفع من بينه وبين ربه بفضل الله ثم بفضل كمال التبليغ المحمدي الحجاب الأعظم، الحجاب النبوي"1.
ولا تفهمن من قوله: "فهو حينئذ لا تسقط عنه الصلاة" أنه لا يسقطها، بل هو يسقط الصلاة المعروفة ذات الحركات والقيام والركوع والسجود عمن ارتقى من درجة الإيمان إلى درجة الإسلام وإلا فما معنى قوله: إن الصلاة الشرعية فرض له وقت ينتهي فيه، وذلك حين يرتفع السالك إلى مرتبة الأصالة"؟
فالصلاة الشرعية صلاة المقلدين، أما صلاته هو فصلاة الأصالة ولكل فرد صلاته الخاصة التي يتلقاها عن ربه مباشرة كما يزعمون، وهذا ولا شك منتهى الكيد للإسلام والمسلمين، كيف لا وهم يريدون هدم عموده؟
1 رسالة الصلاة: محمود محمد طه ص84 و85.
الزواج:
وقد احترت في اختيار عنوان لهذا البحث، ذلكم أنه تحدث فيه عن الذات الإلهية، وأنها هي النفس الواحدة "!! " وتحدث عن الزواج في الحقيقة والشريعة، وزعم زواج الله بالإنسان والعياذ بالله وعن خطيئة آدم وأنها الزنى بحواء قبل أن تباح له في الشريعة؟! كل هذه وغيرها مما ألحد فيه في هذا المبحث واخترت له العنوان الذي اختاره له صاحبه لا لشيء إلا لتنظر تشتّت الأفكار في مؤلفاته.
ففي تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} الآية1، قال:"وهذه النفس الواحدة هي في أول الأمر وفي بدء التنزل نفس الله تبارك وتعالى، هي الذات القديمة التي منها تنزلت الذات الحادثة وتلك هي الإنسان الكامل "الحقيقة المحمدية" والإنسان الكامل هو أول قابل لتجليات أنوار الذات القديمة -الذات الإلهية- وهو من ثم زوجها
…
وإنما كان الإنسان الكامل زوج الله؛ لأنه إنما هو في مقام العبودية
…
ومقام العبودية مقام انفعال في حين أن مقام الربوبية مقال فعل
…
فالرب فاعل والعبد منفعل ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته فكان مقامها منه مقامه هو من الذات، فهي منفعلة وهو فاعل
…
وهذا هو في الحقيقة مستوى العلاقة "الجنسية" بين الرجل والمرأة
…
وحين يكون إنجاب الذرية هو نتيجة العلاقة "الجنسية بيننا وبين نسائنا {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها -الإنسان الكامل- المعارف اللدنية"2.
ثم تحدث عن الزواج في الشريعة بعد أن أفاض الحديث عن الزواج في الحقيقة فقال: "أسلفنا القول عن الزواج في الحقيقة، وندخل الآن على الزواج في "الشريعة" ونبدأ بأن حواء قد كانت زوج آدم في الحقيقة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ، ففي هذا المقام فإن
1 سورة النساء: من الآية الأولى.
2 تطوير شريعة الأحوال الشخصية: محمود محمد طه ص59 و60 باختصار.
النفس الواحدة هي نفس آدم الإنسان الكامل الذي أقيم مقام الخلافة، وإنما كانت حواء زوج آدم في هذا المقام؛ لأنها تنزل عنه {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فهي انبثاق نفسه عنه خارجه
…
ثم إنه لما كان آدم أول رسول شريعة من رسل التوحيد، فقد أراد الله له ولزوجه أن يكونا زوجين في الشريعة
…
ومن أجل ذلك فقد نهاه أن يتصل بها قبل أن تحلل له بالشريعة. وإلى ذلك الإشارة بقوله: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
…
وقد جاءت هذه الإشارة في سياق هو في غاية الإمتاع والروعة يقول تعالى فيه: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} 1 الآيات
…
قوله: {وَيَا آدَمُ} يعني الخليفة يعني الإنسان الكامل {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} يعني زوجك في الحقيقة "الباطنة" والتي سيتم اقترانك بها في شريعتك "الظاهرة" فتنطبق بذلك الصنيع شريعتك وحقيقتك وظاهرك وباطنك
…
ولكن قبل أن يتم هذا الاقتران الشرعي يجب أن لا تقربها وقد وردت الإشارة اللطيفة إلى ذلك بقوله: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} فإنكما إن تفعلا تكونا من {الظَّالِمِينَ} المعتدين على حد الشرع. وهذه إشارة إلى أول الشرائع التي بدأ الإنسان يرتفع بها في مراقي النفوس وجاءت منظمة للغريزة الجنسية
…
و {الشَّجَرَةَ} هنا لها درجات من المظاهر: أولها وأدناها لآدم نفسه التي بين جنبيه.. ثم هي في تنزلها عنه شهوة نفسه هذه إلى الجنس
…
ثم هي حواء
…
ثم هي شجرة التين فإن شجرة التين إنما هي رمز النفس الأمارة.. وإنما نهي عنها لئلا تقوى بأكلها نفسه الحيوانية فتتكثف وتغلظ فلا تطيعه على التصعد باتباع الأمر الشرعي واجتناب النهي الشرعي
…
فشجرة التين هي الشجرة المعنية في الظاهر فلما وقع الخلاف بأكلها تلاحقت حلقات السلسلة حتى وقع الخلاف بالمماسة، فتغشى زوجه بغير شريعة "!! " وحلقات هذه السلسلة المتلاحقة طويت في عبارة:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} والإشارة بقوله: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}
1 سورة الأعراف: من الآيتين 20 و21.
إنما هي للأعضاء التناسلية فقد كانت محجوبة عنهما بنور البراءة والتقى، فظهرت بظلام الإثم والمخالفة قوله:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} إشارة إلى الحجاب الذي أملاه الخزي الذي صاحب الخطيئة"1.
ويظهر في تفسيره هذا تخبطه في عقيدة الإيمان بالله وتفسيره الباطني الذي يصله بأصول فرق الباطنية وأحسب أن أمر بطلان هذا التفسير واضح بين لا يحتاج القارئ لمثل هذا البحث إلى إيراده؛ لأن إبطاله وهدمه معلوم من الشريعة بالضرورة، وتنكره الأصول قبل الفروع.
الحجاب:
وهو يزعم أن الأصل في الإسلام السفور وليس الحجاب، ويقول:"الحجاب ليس أصلا في الإسلام والأصل في الإسلام السفور؛ لأن مراد الإسلام العفة وهو يريدها عفة تقوم في صدور النساء والرجال لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول"2.
ويفسر قوله تعالى عن آدم وحواء عليهما السلام لما أكلا من الشجرة وبدت لهما سوآتهما: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} بقوله الذي نقلناه آنفا: "إشارة إلى الحجاب الذي أملاه الخزي الذي صاحب الخطيئة، وقد تحدثنا عن ذلك في موضعه من كتابنا "الرسالة الثانية من الإسلام" تحت عنوان "الحجاب ليس أصلا في الإسلام"3.
وإذا رجعنا إلى الموضع الذي أشار إليه وجدناه يقول هناك: "فأخذا يستران عوراتهما بورق التين يومئذ بدأ الحجاب، فهو نتيجة الخطيئة وسيلازمها حتى يزول بزوالها إن شاء الله -هكذا يقول ويتمنى- ومن ذلك قوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} ، وهو يعني قد خلقناكم
1 تطوير شريعة الأحوال الشخصية: محمود طه ص64-66 باختصار.
2 القول الفصل في الرد على محمود طه: حسين زكي ص116؛ عن الرسالة الثانية: محمود طه ص129.
3 تطوير شريعة الأحوال الشخصية: محمود طه ص66.
وفرضنا عليكم لبس ثياب القطن والصوف وغيرهما مما يواري عوراتكم
…
وقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} يعني التوحيد والعفة والعصمة المودوعة في قلوبكم قوله: {ذَلِكَ} يعني إلباس العفة {خَيْرٌ} من إلباس القطن"1.
الإباحية المطلقة:
ويستدل بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآية2، على الإباحية المطلقة فيقول: وكلما استقامت السيرة ضاقت لذلك دائرة المحرمات وانداحت دائرة المباحات على قاعدة الآية الكريمة: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} 3 فإذا استمر السير بالسائر إلى نهايته المرجوة وهي تمام نقاء السريرة وكمال استقامته بالسيرة عادت جميع الأعيان المحسوسة إلى أصلها من الحل، وانطبقت الآية الكريمة:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 4.
واستدلاله هذا ينبئ عن جهل تام بأسباب النزول وتحريف لآيات الله، ذلكم أن هذه الآية نزلت فيمن شرب الخمر من المؤمنين ومات قبل تحريمها، فقد قال ابن عباس، رضي الله عنهما:"لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟، فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} الآية"5.
1 القول الفصل في الرد على محمود طه: حسين زكي ص116.
2 سورة المائدة: من الآية 93.
3 سورة النساء: من الآية 147.
4 سورة المائدة: الآية 93.
5 قال الأستاذ أحمد شاكر، رحمه الله تعالى:"إسناده صحيح، رواه أحمد في مسنده: 2088، 2452، 2691 مطولا، 2775، ورواه الترمذي في السنن "كتاب التفسير" وقال: هذا حديث حسن صحيح"، ورواه الحاكم في المستدرك 4/ 143 وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي وقال:"صحيح""تفسير الطبري ج10 ص577".
وما كنت لأرد عليه لولا أن هذه الشبهة قد تلتبس على بعض الأبصار فأردت بيان حقيقتها، وإلا فقد جاء بما هو أعظم فرية وأكثر انحرافا وإلحادا، ولم أعمد إلى الرد عليه؛ لأن الحق فيه واضح معلوم بالضرورة من الشريعة التي يزعم الانتساب إليها.
الظلم:
وقد ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم تفسير الظلم في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 1 بأنه الشرك. ولم يرتض محمود طه هذا التفسير مع علمه بوروده عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحته، وجاء بتفسير جديد قال:"ولما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ، شق على الناس فقالوا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ فقال: "إنه ليس الذي تعنون
…
ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: يا بنيّ لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم""2، فسري عنهم لأنهم علموا أنهم لم يشركوا مذ آمنوا
…
والحق أن المعصوم فسر لهم الآية في مستوى المؤمن"!! " وهو يعلم أن تفسيرها في مستوى المسلم فوق طاقتهم، ذلك بأن الظلم في الآية يعني الشرك الخفي، على نحو ما ورد في آية سر السر:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} 3، 4.
ولا يخفى ما في هذا التفسير من مخالفة لبيان الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الزعم بأنه فسر لهم الظلم على مستوى المؤمنين ولم يفسره لهم على مستوى المسلم فأمر باطل منكر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جاء بدين واحد
1 سورة الأنعام: الآية 82.
2 صحيح البخاري: كتاب التفسير ج6 ص20؛ صحيح مسلم: كتاب الإيمان ج1 ص114 و115.
3 سورة طه: الآية 111.
4 القول الفصل: حسين محمد زكي ص65 و66 عن الرسالة الثانية: محمود طه ص122.
كامل، الخطاب فيه لأول الأمة خطاب لآخرها، بل جعل أصحابه هم القدوة التي يقتدى بهم، وما عدا ذلك فمحض افتراء.
المؤمن والمسلم:
ويقول في تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} 1: فيه إشارة لطيفة جدا إلى أن المسلمين الذين يجيئون بعد المؤمنين ثم يكونون خيرا منهم2.
وبعد:
هذه إلمامة سريعة لأفكار محمود طه وتفسيراته الزائغة، ولست بأول من صنفه مع الباطنية، بل سبقني إلى ذلك علماء أعلام ممن رد عليه، فقد قال الأستاذ سعد حسن لطفي مثلا عن محمود طه و"الدجال" محمود:"من متطرفي الباطنية والمتصوفة"3.
وقال الأستاذ أحمد البيلي: "لقد تبين لي من مجموعة الكتب والرسائل التي وضعها لشرح آرائه، فوجدته يذهب مذهب الباطنيين في تفسير الآيات على النحو الذي ادعاه من قبل البهائية والقاديانية، وهما فرقتان خرجتا عن دائرة الإسلام وصارتا مستقلتين، وإن تمسح أتباعهما بالإسلام"4.
وفي موضع آخر قارن الأستاذ أحمد البيلي بين دعوة محمود طه وبين البابية والبهائية والقاديانية، ثم قال:"مما سبق نرى أن الجمهوريين أخذوا من كل فرقة من هذه الفرق شيئا، وأطلقوا على هذا الخليط "الدعوة الإسلامية الجديدة""5.
وغيرهما كثير ممن نسبه إلى الباطنية، أضف إلى ذلك عقائده الباطلة
1 سورة محمد: الآية 38.
2 الإسلام رسالة خاتمة لا رسالتان: إعداد وزارة الشئون الدينية والأوقاف في السودان، عن الرسالة الثانية: محمود طه ص126.
3 جريدة المدينة، العدد 5634؛ مقال دجال السودان: سعد حسن لطفي ص8.
4 الإسلام رسالة خاتمة لا رسالتان: ص65.
5 المرجع السابق: ص55.
وتفسيراته الإلحادية وإنكاره لأصول الدين وتشكيكه في كثير مما هو معلوم من الدين بالضرورة، كل هذا وغيره يدل على نهجه الذي سلكه، وأمر الباطنية معلوم لا يخفي، يلبسون لكل عصر لباسه:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} 1.
وأختتم حديثي عنه بخبر نشرته جريدة المدينة المنورة عنوانه: "استجابة لضغوط دينية حظر الأنشطة العامة لدجال السودان" ونصه كما يلي: "علمت المدينة أن السلطات الأمنية والدينية في السودان قد منعت الأنشطة والتجمعات العامة لجماعات -دجال السودان- محمود محمد طه الذي يسمي جماعته بـ"الجمهوريين" وكانت أنشطة هذا الدجال قد تواصلت بصورة مكثفة طيلة السنوات العشر الأخيرة في العاصمة السودانية المثلثة وبقية المدن السودانية الكبرى وخاصة عاصمة الإقليم الأوسط "مدني" وهي مسقط رأس الدجال الذي بدأ حياته كمهندس ري بمشروع الجزيرة، ثم تحول إلى الدجل والتحريف تحت زعم "الرسالة الثانية للإسلام" والتي قال: إنه هو داعيتها الوحيد، وكانت جهات سودانية دينية عديدة قد اشتكت من أنشطة هذا الدجال والذي استغل حظر السلطات السودانية بالأنشطة الحزبية والطائفية العامة وأخذ يجند "الشباب والشابات والصبايا والأحداث لخدمة دعوته بعد أن يقوم بتهيئتهم وشحنهم بأفكاره التخريبية ويدفع بهم إلى الشوارع والطرقات والمقاهي والحدائق العامة ليلا ونهارا؛ لتوزيع مطبوعاته الدجلية المنافية للإسلام.
والمعروف أن القضاء الشرعي السوداني كان قد أصدر في الستينات فتوى شرعية أعلن فيها ردة الدجال محمود محمد طه عن الإسلام.
هذا، وقد قوبل القرار السوداني الأخير بترحيب كبير من جماهير المسلمين السودانيين، كما أشاد كبار العلماء ورجالات الدين بدور وجهد "جريدة المدينة" في فضح أفكار الدجال المشبوه"2.
1 سورة الأنفال: من الآية 30.
2 جريدة المدينة المنورة، العدد 5750 يوم الاثنين 5/ 3/ 1403هـ.
بقي أن أقول: إن نشاطه في السودان قديم، فقد حدثنا الأستاذ محمد أمان بن علي الجامي في كتابه: أضواء على طريق الدعوة إلى الإسلام، أنه زار السودان في العطلة الصيفية من عام 1383 والتقى في عطبرة في "دار النشاط الإسلامي" بمحمود طه هذا وكان يبث أفكاره وإلحاده1.
أما الحكم عليه، فقد حكم عليه بالردة من محكمة الخرطوم العليا الشرعية، وذلك يوم الاثنين 27 شعبان 1388 الموافق 18/ 11/ 1968 لكن المحكمة صرفت النظر عن البنود من نمرة 2 إلى نمرة 6 من الدعوى التي أقامها ضده حسبة الأستاذ الأمين داؤد محمد والأستاذ حسين محمد زكي، وهي من الأمور التي تتعلق وتترتب على الحكم بالردة2.
ولهذا فلم يكن لهذا الحكم الأثر الذي ينتظره المسلمون، ولعله ينفذ بعد أن أعلنت السودان تطبيق الشريعة الإسلامية3، وفق الله العاملين المخلصين وحفظ الله الإسلام والمسلمين من كيد الأعداء، ورد كيدهم في نحورهم، إنه سميع مجيب.
1 طريق الدعوة إلى الإسلام: محمد أمان الجامي ص82.
2 انظر نص الحكم وما يتعلق به في ملحق "الإسلام رسالة خاتمة لا رسالتان" نشر وزارة الشئون الدينية والأوقاف، جمهورية السودان الديمقراطية ص83.
3 حمدا لله كثيرا، فقد تم بعد طباعة هذا البحث تنفيذ حكم الإعدام في محمود محمد طه في يوم الجمعة 26/ 4/ 1405 الموافق 19/ 1/ 1985م، وقد تصدر بيان رئاسة السجون عن تنفيذ حكم الإعدام فيه قوله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من بدل دينه فاقتلوه ".
انظر جريدة الأيام السودانية الصادرة يوم السبت 27/ 4/ 1405، العدد 460/ 11، السنة 32.
وانظر جريدة الصحافة السودانية الصادرة يوم السبت 27/ 4/ 1405، العدد 7946.