الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسماعيلة
…
الإسماعيلية:
افترقت هذه الفرقة عن الإمامية الاثني عشرية بعد وفاة جعفر بن محمد الصادق، فقالت الاثنا عشرية بإمامة ابنه موسى الكاظم إلى اثني عشر إماما، فسموا بالإمامية الاثني عشرية، وقالت الإسماعيلية بإمامة ابنه إسماعيل فنسبوا إليه، وانتهى بوفاته دور الظهور وبدأ دور الستر فكانت الأئمة عندهم سبعة فلقبوا بالسبعية، وكان ابنه محمد المكتوم أول الأئمة المستورين عندهم. وهذا جدول لتوضيح تسلسل الإمامة عند فرق الشيعة الثلاث الاثني عشرية، والإسماعيلية، والزيدية:
وإنما قال الإسماعيلية بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر؛ لأنهم يعتقدون أن جعفرا قد أوصى بالإمامة لابنه إسماعيل، وعندما توفي إسماعيل في حياة والده جعفر علموا أنه إنما نصب ابنه إسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد.
وقويت شوكة هذه الطائفة في عهد المأمون وكان على رأسهم ميمون القداح مولى "جعفر الصادق"، حيث تظاهر وصحبه بحب آل البيت وادعوا الولاء التام والموالاة لهم وأعلنوا الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر الذي "اضطر إلى ترك مسقط رأسه المدينة المنورة، وهاجر إلى خوزستان "جنب غرب إيران"، ثم تركها إلى بلاد الديلم "جنوب بحر قزوين" ولم يسمع عنه شيء بعد ذلك1.
ولا نستبعد أن يكون ميمون القداح هذا هو الذي دبَّر هذه الخطة ليتولى أمور الدعوة من بعده، فقد زعم أنه ابن لمحمد بن إسماعيل بن جعفر هذا، ثم انتقلت أمور الدعوة من بعده إلى ولده عبد الله بن ميمون الذي كان يدعي علم الغيب والأسرار الروحانية والعلوم الخفية، ويزعم أنها انتهت إليه من جده محمد بن إسماعيل بن جعفر2.
واتخذ من بلدة "ساباط" مركزا لدعوته ثم انتقل إلى الشام ولم تلعب الإسماعيلية دورا سياسيا إلا بعد الانتقال من "دور الستر" إلى دور "الظهور".
وقد بدأ دور الستر بتولي محمد بن إسماعيل بن جعفر للإمامة، وقد اختلف في عدد الأئمة وترتيبهم في هذا الدور، واستمر دور الستر هذا إلى ظهور عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في أواخر القرن الثالث الهجري وبه يبدأ دور الظهور.
وانبثق عن هذه الفرقة فرق باطنية أخرى كالقرامطة والنصيرية والدروز، بل ينسب إليها فرق باطنية أخرى حدثت، وما تزال تحدث في العصور المتأخرة
1 طائفة الإسماعيلية: محمد كامل حسين ص14.
2 إخوان الصفاء: عمر الدسوقي ص20.
كالبابية والبهائية والقاديانية وما يسمى بالرسالة الثانية التي عانى وما زال يعاني منها المسلمون الأذى الشديد.
وأصبحت هذه الفرق كلها تعرف باسم الحركات الباطنية، وهم جميعا كما وصفهم العلماء:"ظاهر مذهبهم الرفض، وباطنه الكفر المحض".
وأمر مؤلفاتهم اشتهر حتى لا يكاد يخفى على ذي معرفة ذلكم التستر الشديد والتكتم الذي يسدلونه على مؤلفاتهم وكتبهم، وأشار إلى ذلك كل من كتب عنهم شيئا، لا فرق بين من يؤيدهم ومن يخالفهم، فكلاهما يلاقي العناء الشديد في ذلك.
وقد اعترف أحد الدارسين عنهم وهو منهم بقوله: "وأعترف أني أثناء دراساتي الطويلة عن الإسماعيلية لم أقابل شيخا غيره عنده رغبة صادقة في إعارة كتبه أو تقديم يد المعونة لمن يدرس عقائد الفاطميين وتاريخهم وفقههم"، إلى أن قال:"ونرجو مخلصين أن تزول التقية والستر؛ فقد أصبحا لا قيمة لهما الآن"1.
وتحدث في موضع آخر عن إحدى النسخ المخطوطة لكتاب يحققه، فقد مكث ثماني سنوات ونصف في البلد الذي توجد به النسخة عند أحد أصدقائه الإسماعيليين، ولم يسمح له برؤيتها إلا ساعة من الزمان برقابة ابنه في مقره الرسمي2.
ولست بهذا أريد دفاعا عن نفسي وتبريرا لعجزي، ولكني أحكي واقعا عاناه كبار الباحثين المتخصصين مع صلتهم وصداقتهم بأصحاب المخطوطات، وإقامتهم معهم.
وقد بحثت ونقبت كثيرا عن كتب الإسماعيلية بل الباطنية عامة قديما وحديثا، وقد حصلت على مجموعة من مؤلفاتهم، والعجيب أني لم أجد لهم كتابا في
1 من مقدمة آصف بن علي أصغر فيضي، لتحقيقه كتاب دعائم الإسلام: النعمان بن حيّون ج1 ص15.
2 المرجع السابق ج1 ص21.
التفسير لا في القديم ولا في الحديث، بل إن بعض مؤلفاتهم خاصة الحديثة منها، تقرؤها من أولها إلى آخرها فلا تجد فيها آية، ولا حديثا، والحمد لله على ذلك.
وكل من كتب عن التفسير لدى الأقدمين منهم فإنما التمس نصوصا بين ثنايا مؤلفاتهم لم يفردوها بحديث ولم يقصدوا ذلك، بل عرضت لهم عرضا فقالوا بتفسيرها حسب ما يلائم عقائدهم.
وفي البابية والقاديانية مثل هذه النصوص، لكن أصحابها ليسوا من أهل القرن الرابع عشر. وقد وعد الشيخ محمد حسين الذهبي -رحمه الله تعالى- تفسير البابية مثالا للتفسير الباطني، فأورد1 منه جملة مبثوثة في بعض كتبهم.
ولئن أخذنا مفهوم الباطنية هذا وجعلناه يشمل كل فرقة انحرفت عن الإسلام وظهر إلحادها وتأويلاتها الضالة مع زعمها الانتماء إليه والالتزام به، خاصة إذا رأينا كثيرا من العلماء والمؤرخين مجمعين على أن فرق النصيرية والدروز والإسماعيلية كلها يجمعها "الفرقة الباطنية" مع أن فيما بينها اختلافا كبيرا في اعتقادها وتباينا ظاهرا في معبوداتها ويضمون إليها البابية والبهائية والقاديانية وهي كذلك أيضا، فإنا نعتقد بوجوب ضم طائفة جدّت في القرن الرابع عشر ولها أتباع ومؤلفات وكادت أن تكون لها دولة، لولا أن قيض الله للإسلام والمسلمين من أنقذهم من ذلك، أعني أتباع ما يسمى بـ"الرسالة الثانية" وداعيتها المتنبي المزعوم محمود طه. فإن كان الأمر كذلك فإني سأشير سريعا إليه كمثال للتفسير الباطني في العصر الحديث، وحسبك به من باطني.
1 التفسير والمفسرون: محمد حسين الذهبي ج2 ص264-279.