المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نماذج من تفسير أهل السنة والجماعة في العصر الحديث: - اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر - جـ ١

[فهد الرومي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد:

- ‌الباب الأول: الاتجاه العقائدي في التفسير

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: منهج أهل السنة والجماعة في تفسير القرآن الكريم:

- ‌التعريف بهم:

- ‌نشأتهم:

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة:

- ‌بيان بعض عقائدهم:

- ‌أسس تفسير أهل السنة:

- ‌نماذج من تفسير أهل السنة والجماعة في العصر الحديث:

- ‌نماذج من مفسرى أهل السنة

- ‌مدخل

- ‌أولا: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن:

- ‌ثانيا: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:

- ‌ثالثا: محاسن التأويل

- ‌رأيي في هذا المنهج:

- ‌الفصل الثاني: منهج الشيعة في تفسير القرآن الكريم

- ‌تعريف الشيعة:

- ‌بداية ظهور التشيع:

- ‌فرق الشيعة

- ‌مدخل

- ‌الإمامية الإثنى عشرية

- ‌الإسماعيلة

- ‌الجمهوريون:

- ‌الزيدية:

- ‌الفصل الثالث: منهج الأباضية في تفسير القرآن الكريم

- ‌التعريف بالأباضية:

- ‌عقائدهم:

- ‌التفسير الأباضي:

- ‌تفسيري: هميان الزاد إلى دار المعاد، وتيسير التفسير

- ‌التعريف بالمؤلف:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌رأيي في هذا التفسير:

- ‌الفصل الرابع: منهج الصوفية في تفسير القرآن الكريم

- ‌التعريف بالصوفية:

- ‌المراد بالتصوف:

- ‌نشأة التصوف وتطوره:

- ‌عقائد التصوف:

- ‌من شروط التصوف:

- ‌طبيعة التصوف:

- ‌أقسام التصوف:

- ‌موقف العلماء من هذا اللون في التفسير:

- ‌شروط قبول التفسير الإشاري:

- ‌أهم المؤلفات في التفسير الإشاري

- ‌مدخل

- ‌أولا: بيان السعادة في مقامات العبادة

- ‌ثانيا: ضياء الأكوان في تفسير القرآن

- ‌رأيي في التفسير الصوفي الحديث:

الفصل: ‌نماذج من تفسير أهل السنة والجماعة في العصر الحديث:

وقال ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن هذا النوع: "وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني"، وضرب لذلك مثالا بما ذكر عن أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة1، وغير ذلك.

1 مجموع الفتاوى: ابن تيمية ج13 ص367.

ص: 94

‌نماذج من تفسير أهل السنة والجماعة في العصر الحديث:

تزخر المكتبة الإسلامية بعدد كبير من تفاسير أهل السنة والجماعة والحمد لله، وحين نتناول هذه التفاسير بالدراسة هنا فإن هذا لا يعني سلامتها كلها من أي شائبة أو خطأ، لكنه يعني أنها في الجملة على هذا المنهج وإن كان في بعضها ما يؤخذ منها وما يرد.

تنزيه الله عن البداء:

قال الشيخ عبد الرحمن الدوسري1 في تفسيره لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 2: "لقد أقام اليهود -عليهم لعائن الله- حملات عنيفة مركزة ضد الإسلام والمسلمين متخذين من نسخ بعض

1 هو الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن خلف الدوسري، ولد في البحرين عام 1332 ونشأ في الكويت وتعلم في المدرسة المباركية واشتغل بالأعمال الحرة، وكان له نشاط كبير في الدعوة وفي الصحافة ومنابر المساجد في الداخل والخارج، وأنفق من ماله بسخاء في سبيل ذلك، وله عدد من المؤلفات منها تفسير "صفوة الآثار والمفاهيم في تفسير القرآن العظيم" وأذيع أكثره على شكل حلقات من إذاعة المملكة العربية السعودية، ثم بدأت مؤخرا طباعته فصدر منه حتى الآن أربعة مجلدات وله غيره كثير من المؤلفات، رحمه الله تعالى. وكتب الشيخ سليمان بن ناصر الطيار عنه رسالة نال بها درجة الماجستير بعنوان:"حياة الداعية الشيخ عبد الرحمن بن محمد الدوسري" من كلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

2 سورة البقرة: الآية 106.

ص: 94

الآيات والأحكام ذريعة للطعن في ذات الله، زاعمين أن النسخ منافٍ لعلم الله مستلزم للبداء"1 ثم رد رحمه الله على هذا الزعم وأبطله.

ورفض الأستاذ محمد حمزة2 الزعم بأن القول بالنسخ يلزم منه وصف الله بالبداء، رفض هذا وأنكره ورد عليه بأدلة العقل والنقل، قال: "وأما النقل، فإن الآيات التي تدل على إحاطة علم الله سبحانه وتعالى بجميع المعلومات أكثر من أن تذكر؛ قال الله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 3، وقال سبحانه:{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} 4، وقال جل شأنه:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} 5، نعلم من هذا أن البداء لا يجوز أن يتصف به الرب سبحانه وقد خسئ الروافض والمختارية إذ أجازوا على الله سبحانه أن يتصف بالبداء، فهذا ميزان العقل والشرع بين أيدينا ولكن شتان ما بين البداء والنسخ، فالبداء تجدد وحدوث في العلم، والنسخ تجدد في المعلوم لا في العلم، فالعلم واحد.

فإنه لم ينكشف لله تعالى ما كان جاهلا به حتى أمر بنقيض ما كان آمرا، بل علم الله سبحانه أنه يأمر عباده بأمر مطلق معلوم النهاية لديه مستور على خلقه لحكمة يعلمها ثم يقطع ذلك التكليف في الوقت المعلوم عنده للحكمة التي أرادها، فلا جهل ولا بداء ولكن حكمة واختبار6.

أما الدكتور أحمد الكومي والدكتور محمد طنطاوي، فأكدا في تفسيرهما لقوله

1 صفوة الآثار والمفاهيم: عبد الرحمن بن محمد الدوسري ج2 ص291.

2 لم أجد له ترجمة.

3 سورة الأنعام: الآية 59.

4 سورة الرعد: الآية 8، 9.

5 سورة النمل: الآية 65.

6 دراسات الأحكام والنسخ في القرآن الكريم: محمد حمزة ص60-61.

ص: 95

تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} 1 أكدا إحاطة علم الله سبحانه وتعالى بكل شيء وأنه يعلم الكليات والجزئيات فقالا: "إن علم الله تعالى محيط بالكليات والجزئيات وبكل شيء في هذا الكون، وبذلك يتبين بطلان رأي بعض الفلاسفة الذين قالوا بأن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات"2 وما دام علمه سبحانه في الكليات والجزئيات، فإنه منزه عن البداء.

إثبات الرؤية:

وقد أثبت مفسرو أهل السنة والجماعة رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، مستدلين بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية.

ففي تفسير قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 3 قال الشيخ محمد العثمان القاضي4: "أي: وجوه يومئذ حسنة مشرقة، تعرف فيها نضرة النعيم، تنظر إلى وجه ربها عيانا بلا حجاب، وقد تواترت بها أحاديث سنة رسول الله وهي من المتواتر"5.

وقال الأستاذ علي رفاعي محمد6 في تفسيرها بعد أن أورد بعض أحاديث

1 سورة الانعام: الآية 59.

2 تفسير سورة الأنعام: د. أحمد السيد الكومي، د. محمد سيد طنطاوي ص163.

3 سورة القيامة: الآيتان 22-23.

4 هو الشيخ محمد بن عثمان بن صالح بن عثمان القاضي من قبيلة آل تميم من الوهبة، قرأ على والده وعلى الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ثم على الشيخ محمد الصالح العثيمين وعلى غيرهم من العلماء. وله عدد من المؤلفات منها: مقتطفات العلوم الفائقة، والحديقة اليانعة، وهذا الكتاب في التفسير:"منار السبيل في الأضواء على التنزيل" يقع في أربعة أجزاء في مجلدين.

5 منار السبيل في الأضواء على التنزيل: محمد العثمان القاضي ج4 ص286.

6 علي رفاعي محمد، من علماء الأزهر الشريف ومدرس الدعوة إلى الله بالدراسات العليا بجامعة الأزهر.

ص: 96

الرؤية: "هذه الأحاديث وغيرها كثير تدل دلالة قاطعة على أن المؤمنين يوم القيامة ينظرون إلى ربهم في عرصات القيامة وفي الجنات، ومن تأول {نَاظِرَةٌ} بأنها تنتظر الثواب فقد بعد عن الحق والصواب ولم يفهم قوله تعالى في حق الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 1، فقد قال الإمام الشافعي: ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دلت عليه الآية الكريمة"2.

وقال به الشيخ محمد عبد الله الجزار3، فقال في تفسيرها:"في هذا اليوم نرى وجوه أهل الإيمان الخالص مشرقة مبتهجة ممتعة بالنظر إلى ربها الكريم، فتراه سبحانه بلا كيف ولا إحاطة فيكون ذلك كمال لذتها وتمام سرورها، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك" وفي معنى الحديث الآخر:"إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر"، ولما كانت رؤية المؤمنين لربهم سبحانه في الآخرة تكميلا لسرورهم فإن الله تعالى حرم الكفار من ذلك:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 4، ومن عقائد أهل السنة أن المؤمنين يرون الله تعالى في الآخرة ونعوذ بالله من طريقة من يلحد في آيات الله كالمعتزلة الذين يقولون تحريفا لمعنى الآية: منتظرة نعم ربها، فنحن نقول حقيقة: وجوه المؤمنين ناظرة إلى ربها ورائية له وهم يقولون: منتظرة

إلخ، ونعوذ بالله من اتباع غير سبيل المؤمنين"5.

وقد رجح الدكتوران أحمد السيد الكومي، ومحمد سيد طنطاوي في تفسيرهما لسورتي الأنعام والأعراف مذهب أهل السنة والجماعة في ذلك، فقالا في تفسير قوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} 6: "والذي نراه أن

1 سورة المطففين: آية 15.

2 بشائر الرضوان في تفسير القرآن: علي رفاعي محمد ج29 ص132.

3 لم أجد له ترجمة.

4 سورة المطففين: الآية 15.

5 الذخيرة في تفسير أجزاء قرآنية: محمد عبد الله الجزار ص516-517.

6 سورة الأنعام: الآية 103.

ص: 97

رأي أهل السنة أقوى؛ لأن ظواهر النصوص تؤيدهم ولا مجال هنا لبسط حجج كل فريق فقد تكفلت بذلك كتب علم الكلام"1، وقالا في تفسير قوله تعالى حكاية لقول موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 2: والذي نراه أن رؤية الله في الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تشهد بذلك"3.

وقال الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي4 في تفسيرها: "وفي هذا دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة؛ لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال" قال له: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} هذا كلام على سبيل الاستدراك، يريد أن يبين به أنه لا يطيق الرؤية، وفي تعليق الرؤية على الاستقرار دليل على جوازها لأن استقرار الجبل عند التجلي ممكن بأن يجعل الله تعالى له قوة على ذلك"5.

وقال الشيخ حسنين مخلوف6 في تفسير الزيادة في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} : هي النظر إلى وجه الله الكريم، وهي المغفرة والرضوان7.

وقال في تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} : "وأما في النشأة

1 تفسير سورة الأنعام: الدكتور أحمد الكومي والدكتور محمد طنطاوي ص201.

2 سورة الأعراف: من الآية 143.

3 تفسير سورة الأعراف: الدكتور أحمد الكومي والدكتور محمد طنطاوي ص181.

4 لم أجد له ترجمة.

5 تفسير القرآن الحكيم: محمد عبد المنعم خفاجي ج9 ص72.

6 حسنين محمد مخلوف، ولد سنة 1890م في القاهرة ولما أكمل الدراسة في الأزهر التحق بالقسم العالي بمدرسة القضاء الشرعي ونال شهادتها في سنة 1914، عضو في هيئة كبار العلماء وتولى رئاسة محكمة طنطا ومنصب مفتي مصر، وعضو لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ونال سنة 1403هـ جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، ومن مؤلفاته: صفوة البيان لمعاني القرآن في مجلدين، وكلمات القرآن "تفسير وبيان".

6 صفوة البيان: حسنين مخلوف ج1 ص345.

ص: 98

الأخرى فقد ثبت في الحديث الصحيح أن المؤمنين يرون ربهم في عرصات يوم القيامة وفي روضات الجنات، ويدل عليه قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 1، وفي الآية دلالة على إمكان الرؤية في ذاتها؛ لأنه تعالى علقها على استقرار الجبل وهو ممكن، وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه، وإليه ذهب أهل السنة"2.

وفسر الأستاذ عبد الله كنّون3 النظر في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} 4 بقوله: "ينظرون ما أعطاهم الله من عظيم الكرامة وجليل النعمة، وأفضلها النظر إلى وجهه الكريم فهذا في مقابل ما عومل به الفجار من حجبهم عن الله عز وجل"5.

وفسر قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 6 بقوله: "فلا يرونه كما يراه المؤمنون، قال الشافعي: لما حجب الله قوما بالسخط، دل على أن قوما يرونه بالرضى"7.

الاستواء:

وقد قال مفسرو أهل السنة والجماعة في القرن الرابع عشر الهجري في آيات الصفات، كما قال سلفهم.

1 سورة القيامة: الآيتان 22-23.

2 صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين مخلوف ج1 ص 278.

3 عبد الله عبد الصمد كنّون، من مواليد فاس بالمغرب سنة 1326، نال شهادة العالمية من جامعة القرويين سنة 1349، ونال بعض المناصب منها: الأمين العام لرابطة علماء المغرب، عضو مجمع اللغة العربية بمصر وعضو بمجمع البحوث الإسلامية بمصر وعضو المجمع العلمي بدمشق. ومن مؤلفاته: مفاهيم إسلامية، إسلام رائد، على درب الإسلام، تحركات إسلامية، وغيرها.

4 سورة المطففين: الآيتان 22-23.

5 تفسير سور المفصل من القرآن الكريم: عبد الله كنّون ص 338.

6 سورة المطففين: الآية 15.

7 تفسير سور المفصل: عبد الله كنّون ص337.

ص: 99

ففسر الأستاذ عبد الله كنون الاستواء في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 1 بقوله: "استواء يليق به كما هو مذهب السلف، وقد سئل عنه مالك رحمه الله فقال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عن هذا بدعة"2.

وفسره بهذا الأستاذ علي رفاعي محمد فقال: "استوى على العرش استواء يليق بجلاله، والله وحده هو الذي يعلم حقيقة معنى استوائه على العرش"3.

وفسره بهذا الأستاذ حسنين محمد مخلوف فال: "أي: استواء يليق بكماله تعالى، بلا كيف ولا تشبيه ولا تمثيل"4.

أما السيد عبد القادر ملا حويش آل غازي العاني، فرفض تفسير الاستواء في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 5 بالاستيلاء؛ لأن الاستيلاء معناه حصول الغلبة بعد العجز وهو محال في حقه تعالى ولأنه لا يقال: استولى على كذا إلا إذا كان له منازع فيه، وهذا في حقه تعالى محال أيضا، وإنما يقال: استولى إذا كان المستولى عليه موجودا قبل والعرش إنما حدث بتخليقه تعالى وتكوينه له وأيضا الاستيلاء واحد بالنسبة إلى كل المخلوقات فلا يبقى إلى تخصيص العرش بالذكر فائدة لذلك، فالأولى أن يفسر بما فسرناه هنا من أنه استواء يليق بذاته كما هو الحال في آيات الصفات من المجيء واليد والقبضة وغيرها؛ لأن القانون الصحيح وجوب حمل كل لفظ ورد في القرآن العظيم على ظاهره إلا إذا قامت الأدلة القطعية على وجوب الانصراف عن الظاهر ولا داعي للتأويل بما قد يوجب الوقوع في الخطأ وزلة القدم وانظر ما قاله السلف الصالح في هذا الباب6، ثم أورد عددا من أقوال علماء السلف -رحمهم الله تعالى- في الاستواء.

1 سورة الحديد: من الآية 4.

2 تفسير سور المفصل من القرآن الكريم: عبد الله كنون ص110.

3 بشائر الرضوان في تفسير القرآن: علي رفاعي محمد ج27 ص108.

4 صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين محمد مخلوف ج2 ص14.

5 سورة طه: الآية 5.

6 بيان المعاني: عبد القادر العاني ج2 ص184.

ص: 100

أما الشيخ محمد العثمان القاضي فاكتفى في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 1 بالاستشهاد بتفسير ابن كثير -رحمه الله تعالى- لذلك، ثم أورد قول مالك -رحمه الله تعالى- ورد بعد هذا تفسير المعتزلة للاستواء بالاستيلاء قائلا:"ورد هذا القول بأن العرب لا تعرف استوى بمعنى: استولى وإنما يقال: استولى فلان على كذا، إذا لم يكن في ملكه ثم ملكه والله تعالى لم يزل مالكا للأشياء كلها ومستوليا عليها، فأي تخصيص للعرش هنا دون غيره من المخلوقات"2.

يمين الرحمن:

قال الشيخ محمد العثمان القاضي في تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 3، قال:"كثير من المفسرين فسرها بالقدرة، وهذا صرف للفظ عن ظاهره، وقد روى البخاري في4 صحيحه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض الله الارض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ " والسلف الصالح يثبتون الصفات ولا يتعرضون للكيفية، قال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه، فتفسيره تلاوته والسكوت عن كيفيته"5.

وقال الشيخ فيصل بن عبد العزيز المبارك6 في تفسير قوله تعالى:

1 سورة الأعراف: من الآية 54.

2 منار السبيل في الأضواء على التنزيل: محمد العثمان القاضي ج1 ص141.

3 سورة الزمر: من الآية 67.

4 صحيح البخاري: كتاب الرقاق ج7 ص194.

5 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج4 ص40.

6 ولد في حريملاء سنة 1313 وأخذ العلم عن علماء الرياض وقطر، وتولى القضاء بالجوف وله عدد من المؤلفات منها: توفيق الرحمن في دروس القرآن في أربعة أجزاء، وخلاصة الكلام شرح عمدة الأحكام في مجلد واحد، وبستان الأحبار مختصر نيل الأوطار في جزأين كبيرين، ولذة القارئ مختصر فتح الباري في ثمانية أجزاء وغير ذلك في الفقه والفرائض والنحو.

ص: 101

{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} 1، قال ابن جرير: واختلف أهل الجدل في تأويل قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} فقال بعضهم: عنى بذلك: نعمتاه وقال آخرون منهم: عنى بذلك: القوة، وقال آخرون منهم: بل يد الله صفة من صفاته هي يد غير أنها ليست بجارحة كجوارح آدم وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال به العلماء وأهل التاويل. انتهى ملخصا. قال البغوي: ويد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه، وقال جل ذكره:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 2، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كلتا يديه يمين" والله أعلم بصفاته، فعلى العباد فيها الإيمان والتسليم، وقال أئمة السلف من أهل السنة في هذه الصفات: أمروها كما جاءت بلا كيف3.

القرآن كلام الله منزل، غير مخلوق:

قال الأستاذ محمد رشدي حمادي4 في تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوه} الآية5: احتج كثير من المعتزلة به6 على نفي الصفات وعلى أن القرآن مخلوق أما الثاني فلأن القرآن شيء فيدخل تحت العموم وأما الأول فلأن الصفات لو كانت موجودة له تعالى للزم أن تكون مخلوقة له. وأجيب بأنكم تخصون هذا العام بحسب ذاته ضرورة أنه يمتنع أن يكون خالقا لنفسه، وبحسب أفعال العباد، فنحن أيضا نخصصه بحسب الصفات وبحسب القرآن ونظرا لأن كثيرا من آراء المعتزلة تطل برءوسها عند كل آية من القرآن الكريم يشتمّون من لفظها الظاهري أنها يصح أن تكون دليلا على خلق القرآن، فسدا لهذه الذرائع وردا عليهم فيما يختص بقضية خلق القرآن

1 سورة المائدة: من الآية 64.

2 سورة ص: من الآية رقم 75.

3 توفيق الرحمن في دروس القرآن: فيصل المبارك ج2 ص44.

4 لم أجد له ترجمة.

5 سورة الأنعام: من الآية 102.

6 أي: عموم الآية.

ص: 102

فإني أحيلهم إلى كتاب "لكي تكون

من قادة الفكر" تأليف صاحب هذا التفسير1.

ثم نقل في تفسيره بعض الأقوال لعلماء السلف وجاء فيها: والقول المحفوظ عن جمهور السلف هو ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق2.

سلامة القرآن من التحريف:

وقد نص على حفظ القرآن قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 3، قال الشيخ فيصل المبارك في تفسيرها:"وقال في آية أخرى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} 4 فأنزله الله ثم حفظه فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلا ولا ينقص منه حقا حفظه الله من ذلك، وقال ابن كثير: ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل قلت: والحكمة في حفظ الله تعالى للقرآن دون سائر كتبه أنه آخرها وأن الذي جاء به خاتم الأنبياء فأبقاه الله محفوظا حجة على خلقه"5.

وقال الشيخ محمد العثمان القاضي في تفسيرها: "الضمير في قوله: {لَهُ} راجع إلى الذكر يعني: وإنا للذكر الذي أنزلناه على محمد لحافظون يعني: من الزيادة فيه والنقص منه والتغيير والتبديل والتحريف، فالقرآن العظيم محفوظ من هذه الأشياء كلها، لا يقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه أو ينقص منه حرفا واحدا أو كلمة واحدة، وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل في بعضها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان.

1 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج2 ص493.

2 المرجع السابق ج2 ص495.

3 سورة الحجر: الآية 9.

4 سورة فصلت: من الآية 42.

5 توفيق الرحمن في دروس القرآن: فيصل المبارك ج2 ص320.

ص: 103

ولما تولى الله عز وجل حفظ هذا الكتاب بقي مصونا على الأبد، محروسا من الزيادة والنقصان"1.

وكذا الشيخ حسنين مخلوف في تفسيرها قال: " {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: من كل ما يقدح فيه كالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان"2.

العصمة:

وعند تفسير قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} 3 عقد السيد عبد القادر ملا العاني مطلبا في عصمة الأنبياء جاء فيه: "واعلم أن خبط القول فيها على ما قاله الإمام فخر الدين الرازي يرجع إلى أربعة أقسام: الأول: ما يقع في باب الاعتقاد وهو اعتقاد الكفر والضلال، فإن ذلك غير جائز في حقهم البتة، الثاني: ما يقع بالتبليغ فكذلك ممتنع في حقهم حتى الخطأ والنسيان فضلا عن التعمد على الصحيح؛ لأن الأمة4 أجمعت على عصمتهم من الكذب ومواظبتهم على التبليغ والتحريض وإلا لارتفع الوثوق بالأداء واتفقوا على أن ذلك لا يجوز وقوعه منهم عمدا ولا سهوا ولا خطأ ولا نسيانا ومن الناس من جوز سهوا؛ لأن الاحتراز منه غير ممكن وليس بشيء، ولا عبرة ولا قيمة له، الثالث: ما يقع بالفتيا، فقد أجمعوا أيضا على أنه لا يجوز قطعا خطؤهم فيها ونسيانهم وسهوهم سواء، فعدم جواز العمد من باب أولى. وما أجازه بعضهم على طريق السهو لا صحة له؛ لأن الفتيا من قسم التبليغ بالنسبة إليهم إذ لا فرق في وجوب اتباعهم في أفعالهم وأقوالهم. الرابع: ما يقع من أفعالهم، قال الإمام الفخر: والمختار عندنا أهل السنة والجماعة أنه لم يصدر

1 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج2 ص96.

2 صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين محمد مخلوف ج1 ص418.

3 سورة طه: من الآيتين 121-122.

4 الذي ورد في النص هو: "لأن الآية"، وكذلك وردت في الأصل الذي نقل منه هذا النص، وقد تتبعت النص فلم أجد فيه ذكرا لآية وظهر لي أنه تصحيف لـ "لأن الأمة" وبه تستقيم العبارة فأثبته.

ص: 104

منهم ذنب لا صغيرة ولا كبيرة من حين تنبئهم؛ لأن الذنب لو صدر عنهم لكانوا أقل درجة من أحد الأمة.

ولأن معنى النبوة والرسالة أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم مثلا وهو يوم القيامة شاهد على الكل، راجع الآية 40 من سورة النساء، والآية 89 من سورة النحل

وهذا ما عليه إجماع أهل السنة والجماعة.

واجتمعت الأمة على أن الأنبياء كانوا يأمرون الناس بطاعة الله فلو لم يطيعوه هم لدخلوا تحت قوله تعالى: {تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 1، وقد قال تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام:{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} 2، وقال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} 4.

لا رجعة لأحد قبل يوم القيامة:

وقال بهذا أهل السنة والجماعة مستدلين بالكتاب والسنة، وقد سلف إيراد الأدلة.

وفسر الشيخ محمد علي الصابوني5 قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 6. قال:

1 سورة البقرة: من الآية 44.

2 سورة هود: من الآية 88.

3 سورة الأنبياء: من الآية 90.

4 بيان المعاني: عبد القادر ملا حويش العاني ج2 ص225-227 ملخصا.

5 هو الشيخ محمد علي بن جميل الصابوني، ولد في حلب سنة 1928م، أتم دراسته الثانوية في سوريا ثم التحق بالأزهر فنال العالمية 1952م والماجستير، تخصص في القضاء الشرعي 1954م ثم عاد إلى سوريا فدرس ثماني سنوات، ثم انتدب للتدريس بكلية الشريعة بمكة المكرمة ولا يزال بها، وله عدد من المؤلفات منها: النبوة والأنبياء؛ وروائع البيان في تفسير آيات الأحكام في القرآن؛ وصفوة التفاسير؛ ومختصر تفسير ابن كثير؛ وغير ذلك.

6 سورة الأنعام: الآيتان 27-28.

ص: 105

"أي: لو ردوا على سبيل الفرض؛ لأنه لا رجعة إلى الدنيا بعد الموت لعادوا إلى الكفر والإضلال، وإنهم لكاذبون في وعدهم بالإيمان"1.

الميزان:

قال الشيخ محمد العثمان القاضي في تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} 2: أي وزن الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها

واختلف في كيفية الوزن فقيل: توزن صحف الأعمال بميزان له لسان وكفتان تنظر إليه الخلائق تأكيدا للحجة وإظهارا للنصفة وقطعا للمعذرة

وقيل: توزن الأعمال قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا}

الآية4.

وقيل: يوزن الأشخاص دليله حديث: "يؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة" 5، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود:"ألا تعجبون من دقة ساقيه! لهما عند الله أعظم من جبل أحد "7.

1 صفوة التفاسير: محمد علي الصابوني ج1 ص385.

2 سورة الأعراف: من الآية 8.

3 سورة الزلزلة: الآيتان 7، 8.

4 سورة الأنبياء: في الآية 47.

5 صحيح البخاري: كتاب التفسير ج5 ص236؛ صحيح مسلم: كتاب صفات المنافقين ج4 ص2147.

6 رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص114 بلفظ عن أم موسى قالت: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد على شجرة أمره أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من حموشة ساقيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما تضحكون لرجل؟ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد" ج1 ص114. قال الأستاذ عبد القادر عطا والدكتور محمد عاشور: أخرجه الهيثمي 9/ 288، وعزاه إلى أبي يعلى الطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة، ورواه الحاكم عن معاوية بن قرة عن أبيه، بمعناه: 3/ 317 والحموشة: الدقة. ا. هـ. المسند للإمام أحمد ت. عبد القادر عطا ومحمد عاشور ج1 ص395.

7 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج1 ص137-138.

ص: 106

وقال الشيخ حسنين مخلوف في تفسيرها: "أي: والوزن الحق -أي العدل الذي لا ظلم فيه لصحائف الأعمال- كائن يوم يسأل الله الأمم ورسلهم، وإنما توزن الصحائف يومئذ بميزان لإظهار العدل الإلهي على رءوس الأشهاد"1.

أما الشيخ محمد علي الصابوني، فأورد في تفسيرها رأي ابن كثير -رحمه الله تعالى- ثم قال:"أقول: لا غرابة في وزن الأعمال ووزن الحسنات والسيئات بالذات، فإذا كان العلم الحديث قد كشف لنا عن موازين للحر والبرد واتجاه الرياح والأمطار أفيعجز القادر على كل شيء عن وضع موازين لأعمال البشر"2.

أهل الكبائر:

قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} 3. قال الشيخ محمد العثمان القاضي في تفسيرها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} الشرك وهم المؤمنون {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} جاثين على الركب. قالت المعتزلة: في هذه الآية حجة على مذهبنا وهو تخليد أهل الكبائر والفساق في النار، بدليل أن الله بين أن الكل يردونها ثم بين صفة من ينجو منها وهم المتقون، والفاسق لا يكون متقيا، فيبقى مخلدا في النار، وهذا احتجاج باطل. فالمتقي هنا هو الذي يتقي الشرك بقوله:"لا إله إلا الله" فصاحب الكبير متق للشرك؛ لأنه مؤمن بالله ورسوله، ومن آمن بذلك صح أن يقال: إنه متق للشرك، فصارت الآية التي توهموها حجة لهم هي عليهم لا سيما والنص شاهد بذلك، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه

1 صفوة البيان: حسنين مخلوف ج1 ص252.

2 صفوة التفاسير: محمد علي الصابوني ج1 ص437.

3 سورة مريم: الآيتان 71-72.

ص: 107

وزن ذرة من خير، وفي لفظ: من إيمان". وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة الطويل: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث إلى قوله: "ويحك يابن آدم ما أغدرك" الحديث بألفاظه. فصاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو، والنصوص الصحيحة تؤيد هذا قطعا1.

أما السيد عبد القادر ملا حويش فقال في تفسير هاتين الآيتين: "ولا دليل في هذه الآية لمن يقول: إن الفاسق وصاحب الكبيرة يخلد في النار؛ لأن المراد بالتقي المستثنى من الورود: من اتقى الشرك؛ لأن من آمن بالله ورسوله يصح أن يقال له: متقٍ الشرك، ولو كان مقترفا الكبائر من غير استحلال لأن المستحل لها كافر، ومن صدق عليه أنه متقٍ الشرك صح عنه أنه متقٍ؛ لأن التقى جزء من التقي من الشرك2. ومن صدق عليه المركب صدق عليه المفرد فثبت أن صاحب الكبيرة والفاسق متق، وإذا ثبت لك هذا وجب أن لا يخلد في النار وأنه يخرج منها لعموم هذه الآية، وعليه إجماع الأمة من علماء التوحيد"3، ثم استدل بالحديث السالف الذي رواه البخاري ثم قال:"فدلت الآية الأولى على أن الكل دخلوا النار، ودلت الثانية والأحاديث على أن الله أخرج منها المتقين والموحدين وترك فيها الظالمين المشركين فقط"3، وقال:"هذا، وإن مذهب أهل السنة والجماعة هو أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة، ويجوز أن يعفو الله عنه، وهذه الطريقة يجب التمسك بها والجنوح إليها فكل قول يخالف هذا باطل لا قيمة له، إذ لا مستند له على الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة، أما أقوال المخالفين فهي كيفية لا عبرة بها"3. ثم ذكر أقوال المخالفين وأبطلها.

1 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج3 ص25.

2 الصحيح أن التقى من الشرك جزء من التقي، وليس العكس ولعله سبق قلم من المؤلف.

3 بيان المعاني: عبد القادر ملا حويش ج2 ص170- 173 بتلخيص.

ص: 108

الولاء والبراء:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 1. فسرها الأستاذ محمد سيد طنطاوي وقال: "والخطاب في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} للمؤمنين جميعا في كل زمان ومكان، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأولياء جمع ولي، ويطلق بمعنى النصير والصديق والحبيب. والمراد بالولاية هنا: مصافاة أعداء الإسلام والاستنصار بهم والتحالف معهم دون المسلمين، أي: يا أيها الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر

لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ولا نصيرا أي: لا تصافوهم مصافاة الأحباب ولا تستنصروا بهم، فإنهم جميعا يد واحدة عليكم، يبغونكم الغوائل ويتربصون بكم الدوائر. فكيف يتوهم بينكم وبينهم موالاة؟ "2.

وأما المراد بالذين آمنوا من قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} 3، فقال في بيانه:"وما ورد من آثار تفيد أن المراد بالذين آمنوا شخص معين وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يعتمد عليها؛ لأنها كما يقول ابن كثير: "لم يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها"، وقد توسع الإمام الرازي في الرد على الشيعة الذين وضعوا هذه الآثار، فارجع إليه إن شئت"4.

وأكد الدكتور طنطاوي هذه المعاني عند تفسيره لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ

1 سورة المائدة: الآية 51.

2 تفسير سورة المائدة: الدكتور محمد سيد طنطاوي ص249.

3 سورة المائدة: الآية 55.

4 تفسير سورة المائدة: الدكتور محمد سيد طنطاوي ص265.

ص: 109

يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 1، بتحريم موالاة الكافرين مهما بلغت درجة قرابتهم، واعتبار هذه الموالاة من الكبائر؛ لوصف فاعلها بالظلم2.

أما الأستاذ محمد رشدي حمادي فبين المراد بالولاية، في آية سورة المائدة السابقة فقال:"المراد بالولاية التناصر والمحالفة، وقيده بعضهم بكونها على المؤمنين، وليس المقصود استعمالهم في الوظائف غير القيادية والشئون العامة التي لا تمس عزة المؤمنين"3. ثم قال: "وهذا الحكم" في قطع الموالاة "باقٍ إلى يوم القيامة"3.

أما الشيخ محمد العثمان القاضي فبين معنى الولاية في الآية المشار إليها بقوله: "والمراد من النهي عدم معاملتهم ومعاشرتهم ومناصرتهم، فلا يجوز وصفهم بالإخوة كما نسمع في بعض الإذاعات، والله يقول: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} 4، والمفهوم نفي الأخوة عنهم إذا لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. ويقول: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} 5، وليت المسلمين طبقوا أحكام شريعتهم وسلكوا ما كان عليه سلفهم الصالح"6، لكنه قال:"وأما مبايعتهم فلا بأس بها، فقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهون عند يهودي"6.

محبة الصحابة وسائر المؤمنين:

وقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 7، قال الشيخ محمد العثمان القاضي وفي قوله سبحانه:

1 سورة التوبة: الآية 23.

2 تفسير سورة التوبة: الدكتور محمد سيد طنطاوي ص86.

3 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج2 ص324-325.

4 سورة التوبة: آية 11.

5 سورة آل عمران: آية 73.

6 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج1 ص99-100.

7 سورة الحشر: الآية 10.

ص: 110

{سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} ، دليل على المشاركة فيه، وأنهم تابعون للصحابة في عقائد الإيمان وأصوله، وهم أهل السنة والجماعة، الذين لا يصدق هذا الوصف التام إلا عليهم ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن إخوانهم المؤمنين، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه وأن يكونوا كالعضو الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ثم قال: وفي ذلك حثّ على وجوب محبة من تقدم من المؤمنين ومراعاة حقوقهم علينا في السبق، وصفاء القلوب من بغض أحد منهم، عن ابن عمر أنه سمع رجلا يتناول بعض المهاجرين بالسب، فقرأ عليه:" {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} 1الآية. ثم قال: هؤلاء المهاجرون، أفمنهم أنت؟ قال: لا. ثم قرأ عليه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} 1 الآية، ثم قال: هؤلاء الأنصار، أفأنت منهم؟ قال: لا. ثم قرأ عليه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} 1 الآية، ثم قال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال: أرجو أن أكون منهم. قال: ليس من هؤلاء، واللهِ، من سبهم"2.

وقال الأستاذ علي رفاعي محمد في الآية السابقة: "وترشد الآية إلى الترغيب في الدعاء للصحابة ولكل مؤمن، وثمرة ذلك تصفية القلوب وتطهيرها من الحقد والعداوة، وفي الآية تحذير من بغض أحد من الصحابة، أخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما-3، ثم ساق الحديث السابق".

محبة أهل البيت:

قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} 4. قال الشيخ محمد القاضي في تفسيرها: "أي: لا أسألكم على تبليغ الرسالة جعلا "إلا المودة في القربى".

1 سورة الحشر: الآية 8-10.

2 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج4 ص200-201.

3 بشائر الرضوان في تفسير القرآن: علي رفاعي محمد ج28 ص40.

4 سورة الشورى: من الآية 23.

ص: 111

قال الزجاج: استثناء ليس من الأول أي: إلا أن تؤدوا قرابتي فتحفظوها، والخطاب لقريش خاصة. قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد. والمعنى: إلا أن تودوني في قرابتي منكم، أي: تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني. فالقربى ههنا قرابة الرحم، كأنه قال: اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة. وقيل: القربى: قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم أي: لا أسألكم أجرا إلا أن تؤدوا لقرابتي حقهم وهم أهل البيت، للحديث الصحيح:"أذكركم الله في أهل بيتي".

وقد وردت أحاديث صحيحة فيها الأمر بإكرام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته

فواجب على الإنسان مودتهم، وحب قرابته وآله من حبه1.

ووضح الأستاذ أبو الأعلى المودودي2 المراد بأهل البيت في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 3، فقال:"يظهر من السياق الذي وردت فيه هذه الآية أن المراد بأهل البيت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات؛ لأن الخطاب بدأ بقوله: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} ، وهن بعينهن المخاطبات فيما قبل الآية التي بين يدينا وما بعدها. كما أن لفظ "أهل البيت" -علاوة على هذا- يستخدم في اللغة العربية في نفس المعنى الذي نستخدم نحن4 فيه لفظ أصحاب البيت ويدخل بالطبع في هذا المعنى زوجة الرجل وأولاده ولا يستطيع أحد أن يطلق لفظ "أهل البيت" مستثنيا منه

1 منار السبيل: محمد العثمان القاضي ج4 ص66.

2 ولد سنة 1903م في حيدرآباد، وبدأ نشاطه في الصحافة، وأسس الجماعة الإسلامية بلاهور 1941م وانتخب رئيسا لها. سجن عدة مرات وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف إلى التأبيد وأطلق سراحه 1955م، واستمر في الدعوة إلى أن نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة 1399هـ وتوفي رحمه الله سنة 1979م، وله عدد من المؤلفات منها: تفهيم القرآن، تفسير سورة النور، تفسير سورة الأحزاب، ما هي القاديانية؟، الحجاب، الجهاد، وغير ذلك.

3 سورة الأحزاب: من الآية 33.

4 التفسير في أصله مؤلف بالأوردية، ثم ترجم إلى العربية.

ص: 112

الزوجة، بل إن هذا اللفظ جاء في موضعين آخرين من القرآن الكريم نفسه بمعنى يشمل "الزوجة" في داخله إن لم تكن مقدمة فيه على غيرها، فقد جاء في سورة هود حين بشرت الملائكة إبراهيم عليه السلام بولده إسحاق وتعجبت زوجته حين سمعت ذلك وقالت:{يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} فردت عليها الملائكة: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [آيات 72 و73]، وجاء في سورة القصص حين وصل موسى عليه السلام إلى بيت فرعون وهو رضيع وكانت امرأة فرعون تبحث عن مرضعة لترضع موسى فقالت أخته:{هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} [آية: 12] فاستخدام أهل اللغة إذن واستخدام القرآن نفسه لهذا اللفظ وسياق الآية ذاتها، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن زوجات النبي المطهرات يدخلن كذلك في أهل بيته صلى الله عليه وسلم، كما يدخل أولاده. بل الأصح أن الخطاب في الآية إليهن أصلا أما أولاده فيدخلون فيه ضمنا وعلى هذا الأساس قال ابن عباس وعروة بن الزبير وعكرمة: إن المراد بأهل البيت في هذه الآية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم1.

ثم قال: "وهناك فرقة لم تكتف في تفسير هذه الآية بارتكاب ظلم إخراج نساء النبي من زمرة أهل البيت وقصر اللفظ على سيدنا علي وفاطمة وأولادهما، بل بلغت في الظلم والعسف قدرا أكبر وأعظم، إذ استنتجت من قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} 2، أن عليا وفاطمة وأولادهما رضي الله عنهم معصومون كعصمة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فهم يقولون: إن المراد بالرجس الخطأ والذنب وقد طهر أهل البيت منه بنص هذه الآية غير أن لفظ الآية لا يقول: إن الله قد أذهب عنكم الرجس وطهركم تماما، بل إن الله يريد إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم وسياق الآية وما يتصل بها من قبل ومن بعد لا يفصح عن أن المقصود هنا ذكر

1 تفسير سورة الأحزاب: أبو الأعلى المودودي، ترجمة أحمد إدريس ص66-67.

2 سورة الأحزاب: الآية 33.

ص: 113

مناقب أهل البيت إنما الموضوع هنا هو نصح أهل البيت أن افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا؛ لأن الله يريد أن يطهركم. وبألفاظ أخر يعني أنكم إذا اخترتم كذا وكذا من السلوك فسوف تنالكم نعمة الطهر والنظافة وإلا فلا. ذلكم أننا لو فهمنا من قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أنه قد عصمهم فليس هناك ما يمنعنا من التسليم بأن كل المسلمين المتوضئين والمغتسلين والمتيممين معصومون كذلك؛ لأن الله تعالى قال فيهم: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] "1.

وقد بين المراد بأهل البيت وبالتطهير في الآية السابقة -آية الأحزاب- الدكتور مصطفى زيد فقال في المراد بأهل البيت: "إن نساء النبي هن سبب نزول هذه الآيات، فدخولهن في أهل البيت موضع اتفاق بين جميع المفسرين إما وحدهن على قول، وإما مع غيرهن على قول آخر هو الصحيح"2، ثم ذهب يستدل لما رجحه من القولين وأورد بعد هذا ما زعمه ابن المطهر الحلي من الشيعة بقوله:"وفي هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظ "إنما" وإدخال اللام في الخبر والاختصاص في الخطاب بقوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ، وغيرهم ليس بمعصوم

إلخ"، وعلق الدكتور مصطفى زيد على هذا الزعم بأنه لا اعتبار له وساق بعد هذا نصا لابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه: منهاج السنة في الرد على ما زعمه ابن المطهر وهو طويل، لكن فيه البيان كل البيان فليرجع إليه من شاء، وقد عقب الدكتور مصطفى عليه بقوله: "وقد آثرنا أن ننقل عن ابن تيمية هذا النص كاملا بالرغم من طوله؛ لأن مسألة الاستدلال بالآية على الإمامة والعصمة مسألة بالغة الخطر، فإن فيها تحميلا للآية ما لا تحتمله بحال ولا تدل عليه من قريب ولا بعيد، وفيها فوق هذا خروج على مبدأ مقرر ينبغي ألا يكون موضع رأي، وألا يكون محلا لاجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، وهذا المبدأ هو الوقوف بالآيات عند ما تدل عليه، دون تكلف ولا انحراف بها عما أنزلت لتقرره، وأنه إذا كان فريق من المفسرين يقصر ما تدل عليه الآية على سبب

1 تفسير سورة الأحزاب: أبو الأعلى المودودي ص68-69.

2 سورة الأحزاب: عرض وتفسير الدكتور مصطفى زيد ص104.

ص: 114

نزولها، فلا أقل من أن يعتبر سبب النزول داخلا دخولا أوليا فيما تدل الآية عليه وهو ما يقرره ويؤكده جمهور المفسرين الذين يرون العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أما أن يهمل سبب النزول ولا تعتبر الآية دالة عليه مما يوحي بأن له حكما آخر غير الحكم الذي تقرره الآية، فهذا مما يستنكره المفسرون بجملتهم ولا يفترقون في الحكم عليه.

لا تدل الآية إذن على حصر أهل البيت في علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، فإن سياقها صريح في النص على دخول نساء النبي فيهم. ومن ثم تقرر بحق أن الآية لم تتعرض للإمامة من قريب أو بعيد.

كذلك لا تدل الآية على عصمة أهل بيت الرسول من الخطأ، وإلا ففيم كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد نزول الآية؟ وفيم كانت الأوامر والنواهي التي وجهت في الآيات إلى نساء النبي وهن من أهل البيت؟ وفيم كان الوعيد لهن بمضاعفة العذاب ثم الوعد بالأجر المضاعف، حين يأتين بفاحشة وحين يقنتن؟ وأخيرا، فيم كان تذكيرهن بما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة؟ وما السر في أن هذا التذكير لم يجئ في الآيات إلا بعد تقرير أن الله يريد لهن أن يذهب الرجس عنهن، وأن يطهرهن تطهيرا؟ "1.

أما الشيخ الغزالي خليل عيد2 -رحمه الله تعالى- فقد بين المراد بأهل البيت عند تفسير الآية بقوله: "وقد اختلف في أهل البيت فقيل: هم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، وقيل، وهو الأولى: هم كل من يكون من إلزام النبي صلى الله عليه وسلم من

1 سورة الأحزاب: عرض وتفسير الدكتور مصطفى زيد ص114-115.

2 ولد شيخنا الغزالي خليل عيد سنة 1911م وتخرج في كلية أصول الدين بالأزهر سنة 1939م ودرس في المعاهد الدينية، ثم صار شيخا لمعهد بني سويف سنة 1969م، ثم عمل مدرسا في كلية الشريعة بالرياض ثم في كلية أصول الدين بها إلى أن توفي -رحمه الله تعالى- أواخر سنة 1402، ومن مؤلفاته: تفسير لأربع عشرة سورة من المفصل، الضياء في أحكام الضعفاء الثلاثة من سورة النساء، تفسير سورة الأحزاب، تفسير سورة الأنفال.

ص: 115

الرجال والنساء والأزواج والإماء والأقارب، وكلما كان الواحد منهم أقرب وبالنبي صلى الله عليه وسلم ألزم وأخص كان أجدر وأحق بالدخول تحت هذا اللقب فيكون أحرى بإرادة الله أن يذهب عنه الرجس"1.

أما الشيخ حسنين مخلوف فقد اكتفى بتفسير المراد بأهل البيت بقوله: "هم نساؤه صلى الله عليه وسلم بقرينة لاسياق"2.

وإنما أطلت -بعض الإطالة- في بيان هذا؛ لأنه أصل ضلت فيه طائفة الشيعة وتطرفوا في تقريره حتى كان هو أصل ضلالهم ومبدأ انحرافهم، نسأل الله لنا ولهم الهداية.

التقية والإكراه:

قال تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} 3، وقال سبحانه:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} 4.

قال الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي في تفسير الآية الأولى: "إلا أن تتقوا منهم تقاة أي: إلا أن تخافوا منهم مخافة فلكم موالاتهم باللسان دون القلب. وهذا قبل عزة الإسلام ويجري في بلد ليس قويا فيها، قال معاذ بن جبل: كان التقية في بدء الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، وأما اليوم فقد أعز الله الإسلام فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم"5، وقال: "هذا، وتدل هذه الآية على أن للمسلم أن يتقي ما يتقي من مضرة الكافرين، وقصارى

1 تفسير سورة الأحزاب: الغزالي خليل عيد ص68.

2 صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين مخلوف ج2 ص183.

3 سورة آل عمران: الآية 28.

4 سورة النحل: الآية 106.

5 تفسير القرآن الحكيم: محمد عبد المنعم خفاجي ج3 ص186.

ص: 116

ما تدل عليه آية سورة النحل أن ذلك من باب الرخص لأجل الضرورات العارضة لا من أصل الدين، المتبعة دائما1؛ ولذلك كان من مسائل الإجماع وجوب الهجرة على المسلم من المكان الذي يخاف فيه من إظهار دينه ويضطر فيه إلى التقية، ومن علامة المؤمن الكامل أن لا يخاف في الله لومة لائم، قال تعالى:{فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} 2، وقال:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3، وكان النبي وأصحابه يتحملون الأذى في ذات الله ويصبرون، وأما المداراة فيما لا يهدم حقا ولا يبني باطلا فهي كياسة مستحبة يقتضيها أدب المجالسة ما لم تنته إلى حد النفاق والدهان والاختلاق، وتكون مؤكدة في خطاب السفهاء تصونا من سفههم واتقاء لفحشهم"4.

وقد فسرها بنحو هذا الشيخ حسنين مخلوف فقال: "إلا أن تتقوا منهم تقاة أي: إلا أن تخافوا منهم مخافة أو تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه من الضرر في النفس أو المال أو العرض، وذلك إذا كان الكفار غالبين ظاهرين أو كنتم في قوم كفار فيرخص لكم في مداراتهم باللسان على أن لا تنطوي قلوبكم على شيء في مودتهم، بل تدارونهم وأنتم لهم كارهون وألا تعملوا ما هو محرم كشرب الخبر، واطلاعهم على عورات المسلمين والانحياز إليهم في مجافاة بعض المسلمين فلا رخصة إلا في المداراة باللسان، وعن معاذ ومجاهد أن هذا الحكم قد نسخ بعد قوة الإسلام، وعن الحسن جواز التقية في كل وقت؛ لدفع الضرر بقدر الإمكان"5.

أما الأستاذ محمد رشدي حمادي فقال في تفسيرها: "إلا أن تتقوا منهم تقاة" أي: من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته. قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل، إنما التقية باللسان. ويؤيد

1 كما تزعم الشيعة.

2 سورة البقرة: من الآية 150.

3 سورة آل عمران: الآية 175.

4 تفسير القرآن الحكيم: محمد خفاجي ج3 ص188-189.

5 صفوة البيان لمعاني القرآن: حسنين محمد مخلوف ج1 ص103-104.

ص: 117

ما قال ابن عباس، قوله تعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} الآية. وقال البخاري: قال الحسن: التقية إلى يوم القيامة. وللتقية أحكام منها: إذا كان الرجل في قوم كفار يخاف منهم على نفسه جاز له أن يظهر المحبة والموالاة ولكن بشرط أن يضمر خلافه ويُعرِّض في كل ما يقول ما أمكن، فإن التقية تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلب، ومنها: أنها رخصة فلو تركها كان أفضل لما روى الحسن: "أنه أخذ مسيلمة الكذاب رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: نعم، وكان مسيلمة يزعم أنه رسول بني حنيفة ومحمد رسول قريش فتركه ودعا الآخر، وقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فقال: نعم نعم نعم، فقال: أتشهد أني رسول الله؟ فقال: إني أصم ثلاثا، فقدمه وقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له، وأما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه"، ونظير هذه الآية:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} 1.

ومنها: إنما تجوز فيما يتعلق بإظهار الموالاة والمعاداة. وقد يجوز أن تكون أيضا فيما يتعلق بإظهار الدين، فأما الذي يرجع ضرره إلى الغير كالقتل والزنى وغصب الأموال وشهادة الزور وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين، فذلك غير جائز البتة"2.

وهأنت ترى أن التقية عند مفسري أهل السنة والجماعة لا تكون إلا عند تحقق الخوف من الكفار، وأنها مع هذا رخصة تركها أفضل، وبشرط أن لا يرجع ضررها إلى غير صاحبها وأنها باللسان لا بالعمل ولا بالقلب.

القضاء والقدر:

وقد وضح الأستاذ محمد عبد الله الجزار عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالقضاء والقدر عند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ

1 سورة النحل: من الآية 106.

2 موجز تفسير القرآن: محمد رشدي حمادي ج1 ص362-363.

ص: 118

إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} 1، فقال:"إن عقيدة القضاء والقدر من الدين وإنها لا تنافي اختيار الإنسان وتمكنه من سلوك سبيل السعادة، ففي قوله: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} إثبات أن للعبد مشيئة واختيارا وذلك يقتضي الاجتهاد والسعي وإثبات الأسباب والمسببات وذلك شرع الله. وفي قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إثبات قدر الله وعموم مشيئته وأنه لا يقع في ملكه شيء قهرا عنه، بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وذلك يقتضي الالتجاء إلى الله مع العمل والاستعانة به والتوكل عليه وعدم غرور النفس بقوتها ولا بعلمها، فإن ذلك من ظلمها وجهلها، جعلنا الله وإياكم ممن يتخذ إلى ربه سبيلا وممن يدخلهم سبحانه في رحمته آمين"2.

أما الأستاذ محمد رشدي حمادي فقال في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} 3، قال: "

ومثل هذه الآية قوله تعالى من هذه السورة: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْوا} [6: 106]، وقوله منها أيضا:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [36]، وأيضا:{مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [39]، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [5: 51]، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [11: 118]، وقوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [10: 99] ، فالآيات في هذا المعنى كلها بيان لسنة الله في خلق الإنسان، وهي حجة على المجبرة والقدرية جميعا لا لهما. وقد تبارى المعتزلة والأشعرية في تطبيق هذه الآيات على مذاهبهما"، ثم قال: "

وقد احتج السلف بالآية على منكري القدر قبل

1 سورة الإنسان: الآية 30.

2 الذخيرة الدينية في تفسير أجزاء قرآنية: محمد عبد الله الجزار ص539.

3 سورة الأنعام: الآيتان 148-149.

ص: 119

حدوث مذهبي المعتزلة والأشعرية، فقد روى أكثر مدوني التفسير المأثور وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قيل له: إن أناسا يقولون: إن الشر ليس بقدر، فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} إلى قوله: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ، وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال: انقطعت حجة القدرية عن هذه الآية. وقال الحافظ ابن كثير في قوله تعالى في رد الآية على شبهتهم أي بهذه الشبهة: ضل من ضل قبل هؤلاء وهي حجة داحضة باطلة؛ لأنها لو كانت صحيحة لما أذاقهم الله بأسه ودمر عليهم وأدال عليهم الرسل الكرام وأذاق المشركين من أليم الانتقام. ا. هـ. وقد جارى أحمد بن المنير صاحب الكشاف على جعل شبهة المشركين عين شبهة المجبرة، ثم جعل الآيتين مبطلتين لمذهبي المعتزلة والمجبرة جميعا"، ثم نقل نص أحمد بن المنير وجاء فيه: "

وجماع الرد على المجبرة

في قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} إلى قوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} ، وتتمة الآية رد صراح على طائفة الاعتزال القائلين بأن الله تعالى شاء الهداية منهم أجمعين فلم تقع من أكثرهم ووجه الرد أن "لو" إذا دخلت على فعل مثبت نفته، فيقتضي ذلك أن الله تعالى لما قال:{فَلَوْ شَاءَ} لم يكن الواقع أنه شاء هدايتهم ولو شاءها لوقعت فهذا تصريح ببطلان زعمهم ومحل عقدهم، فإذا ثبت اشتمال الآية على رد عقيدة الطائفتين المذكورتين المجبرة في أولها والمعتزلة في آخرها فاعلم أنها جامعة لعقيدة السنة منطبقة عليها، فإن أولها كما بينا يثبت للعبد اختيارا وقدرة على وجه يقطع حجته وعذره في المخالفة والعصيان، وآخرها يثبت نفوذ مشيئة الله في العبد وأن جميع أفعاله على وفق المشيئة الإلهية خير أو غيره وذلك عين عقيدتهم فإنهم كما يثبتون للعبد مشيئة وقدره، يسلبون تأثيرهما ويعتقدون أن ثبوتهما قاطع لحجته ملزم له بالطاعة على وفق اختياره ويثبتون نفوذ مشيئة الله أيضا وقدرته في أفعال عباده، فهم كما رأيت تبع للكتاب العزيز يثبتون ما أثبت وينفون ما نفى، مؤيدون بالعقل والنقل، والله الموفق". ا. هـ1.

1 الموجز في تفسير القرآن الكريم: محمد رشدي حمادي ج2 ص547-550 باختصار

ص: 120

هذه:

أمثلة تطبيقية لتفسير أهل السنة والجماعة حسب أصول عقائدهم، ليس قصدنا من إيرادها إثبات مذهب كل مفسر استشهدنا له بتفسير أو إنكار سلامة سواه، بل قصدنا إثبات القول بأصول أهل السنة وتفسيرهم في العصر الحديث.

أما القصد الآخر فيثبته إيراد نماذج من مفسري أهل السنة والجماعة وتحقيق ذلك في تفاسيرهم وتطبيقه.

ولقد اخترت من تفاسيرهم تفاسير ثلاثة، راعيت فيها أن يكون كل منها شاملا لآيات القرآن الكريم كلها، وأن يكون صاحبها ممن اشتهر بغزير عمله، وسعة اطلاعه، واستقامة أمره، وصلاح سيرته، وصحة مذهبه.

ومع هذا، فإني وقد اخترت هذه التفاسير لا أنكر فضل سواها ولا أغمط حق غيرها، وما لنا عذر إلا أن المقام مقام تمثيل وليس مقام استيفاء وشمول، والله الموفق.

ص: 121