الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد كنت قرأت قديماً في بعض الشروح مما لا أذكره الآن أن بعضهم استدل باللفظ الآخر: " يقولون من قول خير البرية " على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق بناءً على أنه هو المراد بقوله " خير البرية "، وإذا قد علمت أن اللفظ المذكور شاذ غير محفوظ، فلا يصح الاستدلال به على ما ذكر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
"إرواء الغليل"(8/ 120 - 123).
[1310] باب هل الأنبياء أفضل من الملائكة؟ وهل إبراهيم عليه السلام خير من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ومن الملائكة؟ وهل علي رضي الله عنه خير من الأنبياء
؟
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا خير البرية! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
…
«ذاك إبراهيم عليه السلام. يعني: أنّه خير البريّة» .
[قال الإمام]:
قلت: وظاهر الحديث يدل على أمرين:
أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام خير الخلق مطلقاً بما فيهم الملائكة.
والآخر: أنه أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأجاب العلماء عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن الله تعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه سيد الناس يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائه صلى الله عليه وآله وسلم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وبهذا أجاب الطحاوي، فراجعه فإنه هام مفيد.
وأما الأمر الأول؛ فلم يتعرض له الطحاوي، فأرى- والله أعلم- أن قوله
- صلى الله عليه وآله وسلم: "خير البرية" من حيث إنه لا يشمل الملائكة، كقوله تعالى في سورة (البينة):{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} بعد قوله: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} ، وأن المراد بـ (خير البرية) و (شر البرية)؛ إنما هم غير الملائكة- كما يشعر بذلك السياق-؛ فإن الملائكة {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}. وقد ذكر القرطبي أنه قد استدل بقوله تعالى:(خير البرية) مَنْ فَضَّل بني آدم على الملائكة، ثم أحال في بيان الخلاف في ذلك على سورة البقرة (1/ 289)، وهناك ذكر الخلاف في المسألة بشيء من التفصيل، وذكر دليل من قال بذلك، والقائل بأن الملائكة أفضل، ومن ذلك قوله:"وفي البخاري: "يقول الله تعالى: من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم "، وهذا نص "{(1)} .
ثم قال:
"وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم، لأن طريق ذلك خبر الله تعالى، وخبر رسوله، أو إجماع الأمة، وليس ههنا شيء من ذلك ".
ثم رأيت العلامة ابن أبي العز الحنفي قد توسع جداً في ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها، وبيان ما لها وما عليها في "شرح العقيدة الطحاوية"(301 - 311) - وتبعه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري "(13/ 384 - 388) -؛ وذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يقطع فيها بجواب، وقال: "وهذا هو الحق، فإن الواجب
(1) الحديث أخرجه مسلم أيضاً، وهو من حديث أبي هريرة، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأنس بن مالك، وهي مخرجة في "الصحيحة"(2011و 2287 و2942). [منه].
علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً .. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم! أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب .. ".
ثم شرع في البسط المذكور، وختمه بقوله:"وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة في الجواب عنها كما تقدم. والله أعلم بالصواب ".
قلت: ولقد كان التوقف المذكور هو الذي يقتضيه النظر والتأمل في أدلة الفريقين، وجواب كل منهما عن أدلة الآخر، لولا حديث البخاري الذي قال فيه القرطبي: إنه نص في المسألة كما تقدم؛ وقد حكاه الحافظ العسقلاني عن ابن بطال أيضاً، وإن كان الحافظ تكلف في رد دلالته وتأويله:"بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معاً؛ فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع ".
وقد كنت وقفت منذ القديم في "الترغيب والترهيب " على حديث من رواية البزار وابن حبان في "صحيحه " هو نص في الموضوع وأقوى؛ لأنه يبطل التأويل المذكور، ونصه: «أول من يدخل الجنة من خلق الله: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا! نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؛! قال: إن هؤلاء كانوا عباداً لي يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم
الثغور .. ، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك؛ فيدخلون عليهم من كل باب: {سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} .
وقال المنذري (4/ 86)، والهيثمي (10/ 259):
"ورجاله ثقات ".
وهو في "موارد الظمآن "(2565) - والسياق له-، ومخرج في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2559).
وإني لأستغرب جدا كيف فات على أولئك العلماء من الفريقين إيراده احتجاجاً ودفعاً؟! وبخاصة الحافظ ابن حجر العسقلاني، لنعلم رأيه في
شهادة الملائكة أمام ربهم: أنهم خيرة خلقه، وما أظن أنه يجد له تأويلاً إلا
التسليم لدلالته!
ونحوه حديث الترجمة، فما تعرض أحد منهم لذكره، ولعل ذلك لأنهم يرون أيضاً أنه خاص بالناس دون الملائكة؛ كما تقدم بيانه في طليعة هذا التخريج، وهو الذي استظهره الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني "(3/ 264)! والله ولي التوفيق.
وأما حديث: "علي خير البرية"؛ فمن موضوعات الشيعة، وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في "الضعيفة "(5593)، ومن حديث جابر بن جابر برقم (4925)، وذكره الآلوسي من حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم، وحديث عائشة وعلي وابن عباس عند ابن مردويه، ولم أقف على أسانيدها. ومن الظاهر أنها من عمل الشيعة أو غيرهم من الضعفاء والكذابين،