الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1263] باب تعريف النبي والرسول وبيان الفرق بينهما
[قال الإمام]:
النبي (من) بُعِثَ لتقرير شرعٍ سابق، والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة. والله أعلم.
"الصحيحة"(6/ 1/369)
[1264] باب الفرق بين النبي والرسول
[قال الإمام]:
اعلم أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، وقد ذكروا فروقاً بين الرسول والنبي تراها في " تفسير الآلوسي "(5/ 449 - 450) وغيرها، ولعل الأقرب أن الرسول من بُعِثَ بشرع جديد والنبي من بعث لتقرير شرع من قبله وهو بالطبع مأمور بتبليغه؛ إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك فهم بذلك أولى كما لا يخفى.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص19).
[1265] باب المغايرة بين الرسول والنبي
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
«كان آدم نبياًّ مكلماً، كان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر» .
[قال الإمام]:
اعلم أن الحديث وما ذكرنا من الأحاديث الأخرى، مما يدل على المغايرة بين الرسول والنبي، وذلك مما دل عليه القرآن أيضاً في قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّتِهِ
…
} [الحج:52] الآية.
وعلى ذلك جرى عامة المفسرين، من ابن جرير الطبري الإمام، إلى خاتمة المحققين الآلوسي، وهو ما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من فتاويه (المجموع10/ 290 و18/ 7) أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا.
وقال القرطبي في " تفسيره "(12/ 80): " قال المهدوي: وهذا هو الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً.
وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب "الشفا"، قال: والصحيح الذي
عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا واحتج بحديث
أبي ذر
…
قلت: ويؤكد المغايرة في الآية ما رواه أبو بكر الأنباري في كتاب " الرد" له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: [وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث]. وقال أبو بكر: فهذا حديث لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن، والمحدث هو الذي يوحى إليه في نومه؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي.
قلت: فإن صح ذلك عن ابن عباس فهو مما يؤكد ما ذكرنا من المغايرة، وإن كان لا يثبت به قرآن، ويؤيده أن المغايرة هذه رويت عن تلميذه مجاهد رحمه الله، فقد ذكر السيوطي في " الدر "(4/ 366) برواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عن
مجاهد قال: " النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه، ولا يرسل ". فهذا نص من هذا الإمام في التفسير، يؤيد ما تتابع عليه العلماء من القول بالمغايرة، الموافق لظاهر القرآن وصريح السنة.
وكان الدافع على تحرير هذا أنني رأيت مجموعة رسائل لأحد فضلاء العصر الحاضر، فيها رسالة بعنوان:" إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء " ذهب فيها إلى عدم التفريق بين الرسول والنبي.
وبحثه فيها يدل المحقق المطلع على بحوث العلماء وأقوالهم، على أن المؤلف لها حفظه الله ارتجلها ارتجالاً دون أن يتعب نفسه بالبحث عن أقوال العلماء في المسألة، وإلا فكيف جاز له أن يقول (ج 1/ 429):
1 -
" وأسبق من رأينا تكلم بهذا التفريق هو العلامة ابن كثير
…
"! وقد سبقه إلى ذلك مجاهد، التابعي الجليل (ت 104) وشيخ المفسرين ابن جرير (ت 310) والبغوي (ت 516) والقرطبي (ت 671) والزمخشري (ت 538)، وغيرهم ممن أشرت إليهم آنفاً.
2 -
كيف يقول (ص 431): " إن ابن تيمية لم يذكر التفريق المشار إليه في كتابه (النبوات) "! وليس من اللازم أن يذكر المؤلف كل ما يعلمه في الموضوع في كتاب واحد، فقد ذكر ذلك ابن تيمية في غير ما موضع من فتاواه، فلو أنه راجع " مجموع الفتاوى " له لوجد ذلك في (10/ 290 و18/ 7).
ومن ذلك تعلم بطلان قوله عقب ذلك: " فهذه الغلطة في التفريق بين الرسول والنبي يظهر أنها إنما دخلت على الناس من طريق حديث موضوع رواه
ابن مردويه عن أبي ذر، وهو حديث طويل جدا لا يحتمل أبو ذر حفظه مع طوله .. "!
أقول: ليس العمدة في التفريق المذكور على هذا الحديث الطويل الذي زعم أن أبا ذر لا يتحمل حفظه كما شرحت ذلك في هذا التخريج الفريد في بابه فيما أظن، وتالله إن هذا الزعم لبدعة في علم الجرح والتعديل ما سُبِقَ - والحمد لله - من أحد إلى مثلها! وإلا لزمه رد أحاديث كثيرة طويلة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، كحديث صلح الحديبية، وحديث الدجال والجساسة، وحديث عائشة:" كنت لك كأبي زرع لأم زرع "، وغيرها. ولعله لا يلتزم ذلك إن شاء الله تعالى وتقليده لابن الجوزي في حكمه على الحديث بالوضع مردود، لأن التقليد ليس بعلم، كما لا يخفى على مثله، ثم لماذا آثر تقليده على تقليد الذين ردوا عليه حكمه عليه بالوضع؟ كالحافظ العسقلاني والمحقق الآلوسي وغيرهما ممن سبقت الإشارة إلى كلامهم، لاسيما وهو يعلم تشدد ابن الجوزي في نقده للأحاديث، كما يعلم إن شاء الله أن نقده لو سلم به، خاص في بعض طرق الحديث التي خرجتها هنا.
ومن غرائبه أنه ذكر آية الأمنية: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى} وأن الواو تفيد المغايرة، ثم رد ذلك بقوله:" والجواب أن مثل هذا يقع كثيراً في القرآن وفي السنة يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}، فغاير بينهما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ".
فأقول: هذا غير معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ
الإسلام ابن تيمية في كتبه، وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص586): " الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى 49: 14: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} . فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك تمامها: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ
…
} الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس كل مسلم قانتا! ثم ذكر آية أخرى لا تصلح أيضا دليلا له، وهي قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ
…
}، قال: فعطف بجبريل وميكال على الملائكة وهما منهم ".
أقول: نعم، ولكن هذا ليس من باب عطف الشيء على الشيء ويراد بالتالي نفس الأول كما هو دعواه، وإنما هذا من باب عطف الخاص على العام. وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس موضع البحث كما هو ظاهر للفقيه. نعم إن ما ذهب إليه المومى إليه في الرسالة السابقة من إنكار ما جاء في بعض كتب الكلام في تعريف النبي أنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فهو مما أصاب فيه كبد الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا، لأن ذلك يستلزم جواز كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُون} .
ولعل المشار إليه توهم أن هذا المنكر إنما تفرع من القول بالتفريق بين الرسول والنبي، فبادر إلى إنكار الأصل ليسقط معه الفرع، كما فعل بعض الفرق قديماً حين بادروا إلى إنكار القدر الإلهي إبطالا للجبر، وبعض العلماء في العصر الحاضر إلى إنكار عقيدة نزول عيسى وخروج المهدي عليهما السلام، إنكاراً
لتواكل جمهور من المسلمين عليها. وكل ذلك خطأ، وإن كانوا أرادوا الإصلاح، فإن ذلك لا يكون ولن يكون بإنكار الحق الذي قامت عليه الأدلة. ولو أن الكاتب المشار إليه توسع في دراسة هذه المسألة قبل أن يسود رسالته، لوجد فيها أقوالاً أخرى استوعبها العلامة الآلوسي (5/ 449)، ولكان بإمكانه أن يختار منها ما لا نكارة فيه، كمثل قول الزمخشري (3/ 37):" والفرق بينهما، أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ".
ومثله قول البيضاوي في " تفسيره "(4/ 57): " الرسول: من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه، ومن بعثه لتقرير شرع سابق، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام، ولذلك شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم علماء أمته بهم ". يشير إلى حديث " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ولكنه حديث لا أصل له، كما نص على ذلك الحافظ العسقلاني والسخاوي وغيرهما.
ثم إنهم قد أوردوا على تعريفه المذكور اعتراضات يتلخص منها أن الصواب حذف لفظة " مجددة " منه، ومثله لفظة " الكتاب " في تعريف الزمخشري، لأن إسماعيل عليه السلام، لم يكن له كتاب ولا شريعة مجددة، بل كان على شريعة إبراهيم عليهما السلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله:{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا} .
ويبقى تعريف النبي بمن بعث لتقرير شرع سابق، والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة. والله أعلم.
"الصحيحة"(6/ 1/358، 364 - 369)