الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1353] باب هل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة
؟
سؤال: يسأل السائل فيقول: وهل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه عز وجل، وهل الإسراء والمعراج كان في المنام أم في اليقظة؟
الشيخ: أما الإسراء المعراج فقد كان يقظةً به عليه الصلاة والسلام، هذا لا شك ولا إشكال فيه، وإن كان هناك بعض الأقوال المرجوحة تقول: إنه كان في منام أو كان بين النوم واليقظة، ولكن الصحيح الذي لا نشك فيه أبدًا أن ذلك كان يقظةً.
وهناك أشياء كثيرة وكثيرة جدًا تدل على هذا الذي نجزم به، من ذلك أن القصة هذه العجيبة الغريبة لو كانت منامًا ولم تكن يقظة لم تكن فيها معجزة حملت بعض ضعفاء الإيمان أن يرتابوا في دينهم، وحملت المشركين على الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكل هذا وهذا يؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أصبح وأخبر الناس بما رأى من آيات ربه الكبرى، إنما كان قد حدثهم بأنه كان ذلك يقظة، ومن هنا كان الإعجاز وكانت كرامة من جهة، وكانت الفتنة لضعفاء الإيمان والمشركين في آن واحد من جهة أخرى.
أما الشق الثاني من السؤال وهو هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه فالمسألة خلافية منذ السلف الأول، والراجح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ربه بعينه، وإنما رآه ببصيرته وقلبه، ومما يؤكد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سئل صراحًة: هل رأيت ربك؟ قال: «نور أنى أراه؟!» فهذا نفي لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى ربه وأكد نفيه لذلك بقوله: أن هناك نورًا يمنع الإنسان من أن يرى ربه، وهذا أيضًا جاء في حديث آخر أن حجابه النور ولولا هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه تبارك وتعالى كل شيء مر به أو
كما قال عليه السلام، وكل من الحديث الأول وهذا الآخر مخرج في صحيح الإمام مسلم (1).
فالراجح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير ربه، وهو ظاهر قوله تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وبهذه الآية استدلت السيدة عائشة على رد من يقول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى ربه بعينيه، فقد جاء في الصحيحين من رواية مسروق رحمه الله أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها فقال لها: يا أم المؤمنين! هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري مما قلت، قال: يا أمر المؤمنين! ارحمني ولا تعجلي علي، أليس يقول الله تبارك وتعالى في كتابه:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} (النجم:13 - 14) قالت رضي الله عنها: أنا أعلم الناس بذلك، لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:«رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح .. » رأيت إذًا {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (النجم:13) قال: «رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق - بعظمته -» فإذًا: الضمير في الآية التي سأل مسروق عائشة عنها إنما يعود إلى جبريل وليس إلى الله تبارك وتعالى.
ولذلك فقد تابعت السيدة عائشة رضي الله عنها كلامها تأكيدًا لجوابها وإفادة للسائل وغيره ببعض ما في جعبتها من علم تلقته من زوجها ونبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية .. من حدثكم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم قالت محتجة على ما قالت: {وَمَا كَانَ
(1)(رقم 81).
لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (الشورى:51) وقالت: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} (الأنعام:103).
ثم قالت: ومن حدثكم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل:65)، ثم قالت: ومن حدثكم بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئًا أمر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قوله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (المائدة:67).
مداخلة: ما هي الفرية؟
الشيخ: الكذب.
مداخلة: شيخنا بالنسبة لحديث الإسراء والمعراج! تفضلتم وقلتم أنه رأى ربه بقلبه، ما معنى رأى ربه بقلبه؟
الشيخ: ببصيرته يعني: وليس بعينه بالجارحة هذه، رؤية قلبية، يعني: ممكن تقول علمي لا يمكن تمثيله.
مداخلة: في نفس حديث عائشة: ومن زعم أن محمدًا كتم شيئًا أمر بتبليغه، فبمفهوم المخالفة: إذا لم يؤمر بتبليغه يجوز للرسول أن يكتم؟
الشيخ: أولًا مفهوم المخالفة لا يحتج به دائمًا وأبدًا، وثانيًا: ممكن أن يقال ما ليس له علاقة بالشريعة أنه ما حدث به ممكن أن يقال هذا؛ لأنه في الآية السابقة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:67) نعم.
"فتاوى الإمارات"(4/ 00:05:52)