الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1220] باب الكلام على قصة لطم موسى عليه السلام لملك الموت وهل تصح تسمية ملك الموت بعزرائيل
؟
سؤال: يقول السائل: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن موسى عليه السلام لطم عين ملك الموت فأعوره» سمعت أحد العلماء يضعف إخراج هذا الحديث، ويقول: إن رائحة الإسرائيلية لتفوح من هذا الحديث، فكيف نرد عليهم، وهل يجوز أن نسمي ملك الموت عزرائيل، وهل هناك رواية صحيحة على أن اسمه عزرائيل، وكيف يجوز لنبي أن يضرب ملكًا، مع العلم بأن ملك الموت شديد، وهل أذن الله سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام بذلك؟
الشيخ: هذا السؤال له شعبتان: الشعبة الأولى: تتعلق بحديث لطم موسى عليه السلام للملك حتى فقأ عينه.
والشعبة الأخرى: هي هل صح أن ملك الموت يسمى بعزرائيل كما هو شائع عند كثير من الناس، نجيب عن هذا الشق الثاني: لأن الجواب فيه مختصر لنعود إلى الجواب عن الشق الأول: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إطلاقًا تسمية ملك الموت بعزرائيل، فقد جاء في كثير من الأحاديث اسم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، هذا ثابت لكن تسمية ملك الموت بعزرائيل فليس له أصل في السنة فضلًا عن القرآن الكريم.
نعود إلى الجواب عن الشق الأول من السؤال وهو حديث ملك الموت، وتضعيف من ضعفه من العلماء، بين يدي الجواب أريد أن أذكركم بقاعدة علمية معترف بها حتى عند من ليس مسلمًا، هذه القاعدة العلمية: هي أنه لا يجوز لمن
كان جاهلًا بعلم أن يتكلم فيه؛ لأنه يخالف نصوصًا من الكتاب والسنة من ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36) فالذي يريد أن يتكلم في الطب مثلًا لا يجوز أن يتكلم إذا كان مفسرًا؛ لأن الطب ليس من عمله، كما أن هذا الطبيب المختص في مهنته لا يجوز أن يتكلم في التفسير أو في الفقه أو في غير ذلك؛ لأن هذا وذاك إذا تكلما في غير اختصاصهما فقد قفا ما لا علم له به، ويكون قد خاف النص القرآني السابق.
هذا أظن من الأمور التي يصح أن يذكر معه المثل العربي القديم: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان، أي: أنه لا يجوز أن يتكلم في علم ما إلا أهل الاختصاص، إذا كان هذا أمرًا مسلمًا وهو كذلك عدنا إلى هذا الحديث أو غيره، من الذي يتكلم فيه، آلطبيب مثلًا؟ الجواب طبعًا: لا، آلكيمائي مثلًا؟ الجواب: لا، أسئلة كثيرة كثيرة نقترب من الحقيقة، آلمفسر؟ الجواب: لا، آلفقيه؟ الجواب: لا، إذًا: من الذي يتكلم؟ إنما هو العالم بالحديث، وعلماء الحديث كانوا كما قيل .. كانوا إذا عدو قليلًا فصاروا اليوم أقل من القليل.
ولذلك فلا يجوز لطلاب العلم أن يتورطوا بكلمة تنقل عن عالم لا نعرف هوية واختصاص هذا العالم إذا ما قال: الحديث الفلاني ضعيف، هذه قاعدة يجب أن نلتزمها دائمًا وأبدًا، ومن عجائب المصائب التي حلت في الأمة من الغفلة بالقواعد العلمية المبثوثة في الكتاب والسنة أنهم يبتعدون عنها كل البعد، وإذا جاء دور ما يتعلق بما يخص أنفسهم تجدهم يحققون مثل ذلك النص القرآني الذي يلزم المسلمين أن يرجعوا إلى أهل الاختصاص، مثلًا إذا أصاب أحدنا أو أحد من يخصنا مرض ما فهو لا يذهب إلى أي طبيب وإنما قبل كل شيء يسأل عن
المختص في ذاك المرض، ثم يتابع السؤال والبحث والتحقيق عن الطبيب الماهر المختص في ذلك المرض حينذاك يذهب إليه ويعرض نفسه أو حبيبه عليه، أما فيما يتعلق بالدين فأصبح الأمر فوضى لا نظام لها، ذلك أن الناس اليوم كلما رأوا إنسان يدندن حول بعض المسائل الفقهية أو حول بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ظنوا أنه عالم زمانه فيتوجهون في الأسئلة فيقعون في المحذور الذي جاء ذكره في الحديث الأول ألا وهو قوله عليه السلام:«قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا - أي: أهل العلم - فإنما شفاء العي السؤال» (1).
بعد هذا أعود لأقول: أي إنسان تكلم في غير اختصاصه لا يجوز له ذلك، وبخاصة إلا تبين أن كلامه مخالف لأهل الاختصاص في العلم الذي تكلم هو فيه بغير علم، فحديث لطم موسى عليه السلام لملك الموت حديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«جاء ملك الموت إلى موسى عليه الصلاة والسلام فقال له: أجب ربك» يعني: سلم لي نفسك وروحك، فما كان من موسى عليه السلام إلا أن لطمه تلك اللطمة ففقأ عينه، فرجع الملك ملك الموت إلى ربه، قال: يا رب! أرسلتني إلى عبد يكره الموت، فقال الله له: عد إليه وقل له: إن ربك يقول لك: ضع يدك على جلد ثور فلك من العمر من السنين بعدد كل الشعرات التي تكون تحت أصابعك، فرجع ملك الموت إلى موسى عليه السلام وقال له ما أمره به ربه، قال موسى: وماذا بعد ذلك؟ قال الموت، قال: فالآن، فقبض ملك الموت روح موسى عليه السلام في تلك اللحظة.
(1)"صحيح الجامع"(4362)
قال نبينا صلوات الله وسلامه عليه: «ولو كنت ثمة» أي: حيث قبض ملك الموت روح موسى «لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» هذا نص الحديث في الصحيحين.
الجواب الآن: يحتاج إلى أن أتكلم في أكثر من مسألة، المسألة الأولى: يتبين بعد ورود هذا الحديث في الصحيحين أن ذلك الذي ضعفه هو الضعيف؛ ذلك لأنه تكلم بغير علم، وفي ظني أن هذا المضعف هو من أولئك الناس الكثيريين الذين يسلطون ويحكمون عقولهم إن لم أقل أهوائهم في الحكم على الأحاديث الصحيحة بأنها ضعيفة وربما قالوا إنها موضوعة، ما الدليل على ما زعموه من الضعف والوضع؟ هو تحكيمهم عقولهم، واتباعهم لأهوائهم:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون:71] ذلك لأن الإيمان ضعف في صدور كثير من الناس ولو ممن قد ينتمون إلى العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى: لم يدرسوا السنة دراسةً واعيةً مستوعبة لطرق الحديث التي من عادتها أنها تزيل ما قد يقع في نفوس البعض من إشكال.
نحن الآن بعد أن بينا أن الذي ضعف الحديث هو الضعيف؛ لأنه خالف أولًا: الإمامين الذين وضعا كتابين يسميان بالصحيحين هما باتفاق علماء السنة أصح كتاب بعد كتاب الله تبارك وتعالى، صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليس هذا فقط بل تلقت الأمة ذلك بالقبول، ولذلك كان كل حديث جاء في الصحيحين لم يتكلم أحد من علماء الحديث الذين كانوا في مرتبة البخاري ومسلم بشيء من النقد، فهذه الأحاديث كلها ثابتة يقينًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذًا: فلا نقيم وزنًا لمن يضعف مثل هذا الحديث مهما كان شأنه ومهما ظن الناس فيه علمًا.
أما الإشكال الذي يصوره السؤال: أن ملك الموت كيف يضربه موسى عليه السلام؟ الجواب: وهذا فيه إشارة لما قلته أن هؤلاء الناس لا يدرسون السنة، الجواب: في رواية في مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال: كان ملك الموت يأتي الناس على صورة البشر، فإذًا: ملك الموت لما جاء إلى موسى فقال له: أجب ربك، ما جاءه بالعلامة التي تجعل موسى عليه السلام ينتبه إلى أن هذا الذي يقول له: أسلم روحك هو ملك مرسل من الله، فهو جاءه بصورة بشر، وأي إنسان منا لو جاءه شخص ويقول: سلم لي روحك، فماذا سيكون موقفه منه؟ سيكون موقف موسى عليه السلام بالذات؛ لأنه يتعدى على وظيفة لملك كريم لا يشاركه فيه الملائكة الآخرون، فكيف إنسان يتقدم إلى بشر مثله ويقول: أسلم روحك، فما كان منه إلا صفعه ففقأ عينه، هذا أمر طبيعي والشبهة تطيح وتزول من أصلها وفصلها حينما نتذكر هذه الرواية الأخرى أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا بصورة البشر، بذلك ترون في تتمة الحديث أن ملك الموت لما شكا أمره إلى الله وقال له: أرسلتني إلى عبد يكره الموت، أعطاه علامة وقال له: راجع إلى موسى وقل له: إن ربك يأمرك أن تضع يدك إلى آخر الحديث على جلد ثور فلك من العمر بكل شعرة تحت يدك، لما رجع الملك بهذا البرهان إلى موسى عليه الصلاة والسلام قال له: وماذا بعد ذلك؟ قال: الموت، قال: إذًا فالآن قبض روحه تلك الساعة، لماذا استسلم ثانيًا ولم يستسلم أولًا؟ وضح الجواب، أولًا كان الطالب بشرًا من البشر، فكأنه يهزأ، وما كان موسى يعلم أنه ملك من الله مرسل، لذلك ضربه فلما جاء الملك ومعه هذه العلامة من الله عز وجل واطمئن موسى إليها وسأله ذلك السؤال، وأجابه: ما بعد ذلك إلا الموت، قال: فالآن، إذًا: موسى لا يكره الموت ولكنه فقأ عين ذلك الرجل على ظنه أنه بشر من البشر.
فحينما ننظر إلى الحديث بتفسير هذه الرواية التي رواها الإمام أحمد في المسند يطيح الإشكال يبطل قول من قال: أنه ربما يكون هذا الحديث من الإسرائيليات، هذا كلام باطل؛ لأنه حين يقال الراوية الفلانية أو الحديث الفلاني هو من الإسرائيليات فذلك يعني أنه مما كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يتحدثون بينهم ببعض الروايات التي تلقوها عن أسلافهم، وفيها الحق وفيها الباطل لذلك قال عليه السلام:«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» (1) هذا هو معنى كون الشيء من الإسرائيليات، ولكن هناك تفصيل لا بد من ذكره لعلمي أن قليلًا ما يقرأ هذا التفصيل في كتب العلماء؛ الإسرائيليات نسبة إلى رواية قصص تتعلق ببني إسرائيل، تنقسم إلى قسمين: القسم الأول وهو الأكثر رواية وشيوعًا ما كان مرويًا كما ذكرنا آنفًا عن أهل الكتاب، وهذه روايات كثيرة وكثيرة جدًا كقصة مثلًا هاروت وماروت أنه ما كانا ملكين مقربين عند الله تبارك وتعالى، وأن الله عز وجل لما قال للملائكة:{إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] قال: الله أراد أن يمتحن هؤلاء الملائكة الذين قالوا: أتجعل فيها، قال: اختاروا ملكين منكم لأنزلهما إلى الأرض ولأبتليهم، فاختار هاروت وماروت، قصة طويلة خلاصتها: أن الله عز وجل كساهم ثوب البشرية فافتتنوا بامرأة فراودها عن نفسها فامتنعت حتى يقتلا غلامًا هناك، فامتنعا لأنهم يعلمون أن هذا حرام، فعرضت عليهم الخمر فشربا الخمر فسكرا وقتلا الغلام وفجرا بالمرأة، فعاقبهم الله تبارك وتعالى في الدنيا بأن علقهم في بئر منكسين رؤوسهم إلى أسفل وأرجلهم إلى أعلى ويخرج الدخان من أسفل
(1)"الصحيحة"(6/ 1/ 712).
ويدخل في مناخيرهم ويخرج من أدبارهم.
هذه قصة تروى في تفسير الآية السابقة، هذه من الإسرائيليات، وهي مما تنافي قول الله عز وجل في الملائكة في قوله تبارك وتعالى:{عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم:6) فهذه القصة تنافي مثل هذه الآية التي تصرح أن الملائكة معصومون لا يمكن أن يتصور أنهم يزنون ويقتلون النفس بغير حق إلى آخر ما جاء في تلك الإسرائيليات.
هذا النوع من الإسرائيليات حينما يقال هذا الخبر أو هذه الرواية من الإسرائيليات.
هناك قسم آخر ولو أنه قليل ولكن هذا يجب ألا يساق مساق القسم الأول: هذا القسم الآخر أخبار يتحدث بها رسول الله عن بني إسرائيل، هذه إسرائيليات صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدث بها وليست من قبيل ما يرويه أهل الكتاب، والأمثلة في هذا كثيرة، ولا بأس أن نذكر بحديث واحد قاله عليه السلام: بينما رجل ممن قبلكم يمشي في فلاة من الأرض، إذ سمع صوتًا من السحاب يقول: اسق أرض فلان، فتعجب الرجل الذي يمشي في الأرض وتوجه مع السحاب حتى رأى السحاب يفرغ مشحونه من المطر في بستان، فأطل هذا الرجل فرأى صاحب البستان يعمل في أرضه، فسلم عليه وكأنه سماه بالاسم الذي سمعه من السماء فتعجب الرجل وقال له: ما علمك؟ فقص عليه القصة أنه سمع هذا الاسم يخاطب به الملائكة السحاب ويأمرون السحاب أن ينطلق إلى هذه الأرض التي أنت تعمل فيها، فبم ذاك؟ لا أعلم أمرًا أستحق من الله هذا الإكرام سوى أنني أملك هذه الأرض، فأزرعها ثم أحصدها، فأجعل حصيدها ثلاثة أثلاث: ثلث أعيده إلى الأرض، وثلث أنفقه على نفسي وعيالي، وثلث آخر أتصدق به على