الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخيراً على جلالة قدر الكتاب وأهميته وما امتاز به من مميزات فريدة، فإن الملحظ البارز عليه خلوُّه من عرض الأدلة والمناقشات ونحو ذلك إلا نادراً، فرحم الله مصنِّفه وبارك في علمه.
ثانياً: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي الرجراجي
إن شرح الشوشاوي - نظراً لتأخره الزمني - يُعدُّ خلاصةً للشروح التي سبقته، فقد استفاد من شرح القرافي، وشرح المسطاسي، وأخرى لم يصرِّح بها، بل لقد نوَّع الشوشاوي مصادر شرحه وكثَّرها حتى قاربت الثمانين مصدراً، ولهذا زَخَر كتابه بنقولات عديدة لم يوردها القرافي في شرحه، فكان حجم كتابه ثلاثة أضعاف حجم شرح القرافي. فهو - بحقٍّ - أوسع الشروح وأكثرها بَسْطاً وإسهاباً.
وأما طريقة الشوشاوي في شرحه فإنه يشرح المتن بطريقة القول، فهو يأخذ المتن مَقْطعاً مَقْطعاً، ثم يُجزِّئه إلى جُمَلٍ صغيرة، كل جملة تتضمَّن موضوعاً محدداً، ثم يبدأ بشرح ما يتطلّبه الشرح من الناحية اللغوية والاصطلاحية، ويتطرَّق للخلاف، وذكر القوال والاستدلال إن كانت المسألة خلافية، مع تدعيم الشرح بعديدٍ من الأمثلة والتطبيقات الواقعية والفرضية، وهذا أبرز ما يتميز به، وبهذا يسهل فهم القواعد الأصولية (1) .
وليَجْرِ الحديث عن جوانب أخرى من سمات ومميزات هذا الشرح، من ذلك:
(1)
تميّز الشوشاوي بوضع تمهيدٍ لكثيرٍ من أبواب الكتاب، وبعض مسائله، هذا التمهيد بمثابة إرهاصة لما اشتمل عليه الباب من فصول، وما تحويه الفصول من مطالب ومسائل وموضوعات. خُذ مثلاً على ذلك:
أ - عند قول القرافي في الباب الثالث عشر: ((تفريع: إذا وجب الاتباع، وعارض فعلُه قولَه. . .)) (2) .
قال الشوشاوي ((كلام المصنف هاهنا في حكم الدليلين إذا تعارضا بنفي أو إثبات ينبغي أن نقدّم هاهنا أربعة أمور. . .)) (3) ثم ذكرها.
(1) راجع القسم الدراسي لكتاب: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للباحثين الفاضلين د. أحمد السراح،
د. عبد الرحمن الجبرين.
(2)
القسم التحقيقي ص 16.
(3)
رفع النقاب القسم 2 / 336.
ب - وفي الفصل الخامس: فيما يعرف به النسخ قال ((أي في بيان الطريق الذي يعرف به النسخ، وهو محصور في قسمين: لفظي، ومعنوي. . .)) (1) .
جـ - وفي الفصل الثالث: في ترجيح الأخبار قال ((اعلم أن الترجيح يكون في الأخبار، ويكون في الأقيسة، ويكون في طرق العلل، وقد عقد المؤلف لكل واحدٍ من هذه الثلاثة فصلاً يخصُّه. . . والترجيح في الأخبار على قسمين: إما في إسنادهما، وإما في متنها. ومعنى إسنادها: أي إسناد الحديث إلى رواته، ومعنى متنها: أي لفظ الحديث نفسه)) (2) .
(2)
في التبويب والترتيب سار الشوشاوي على طريقة القرافي، وهذا يحتِّمهُ كونه شرحاً للكتاب. ومع ذلك، كان الشوشاوي ينتقد القرافي ويعترض عليه في الترتيب، ويقترح تقديماً أو تأخيراً أو دمجاً ونحو ذلك: مثل:
أ - استنكر الشوشاوي على المصنف لما لم يُلحق مسائل الفصل الرابع: فيما يتوهم أنه ناسخ لمسائل الفصل الثالث: في الناسخ والمنسوخ (3) .
ب - تعرض القرافي في الفصل الثامن من باب الخبر للشروط المختلف فيها، هل تعتبر في الرواية أم لا؟ مع أن الفصل الذي سبقه كان بعنوان ((في عدده)) ، وهو ينبغي دخوله ضمن الشروط المختلف فيها، فكان الأولى دمجها تحت فصلٍ واحد (4) .
(3)
تبدو عند الشوشاوي عناية بمراعاة ما جاء في نسخ كتاب القرافي واختلافها، مثل:
أ - قوله ((وفي بعض النسخ: وبكونه جزءاً لسبب الوجوب كالنذر، من غير ألف قبل الهمزة)) (5) .
ب - قوله ((وفي بعض النسخ: والغزالي من الشافعية)) (6) .
(1) رفع النقاب القسم 2 / 465.
(2)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 980. وانظر أمثلة أخرى في القسم 2 / 313، 582، 840، 1020.
(3)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 435.
(4)
انظر: رفع النقاب 2 / 689.
(5)
رفع النقاب القسم 2 / 334.
(6)
رفع النقاب القسم 2 / 365.
جـ - قوله ((في بعض النسخ: لا من جهة الأدلة المنصوصة)) (1) .
(
4) اعتنى الشوشاوي عنايةً جيدة بالحدود والمصطلحات والألفاظ، وقد يشرح حدوداً لم يشرحها القرافي مثل حد العلم، والتواتر، والاجتهاد، والمندوب،
…
إلخ. ويذكر أكثر من تعريف وربما اختار وفضَّل ما لم يرجحه القرافي كحدِّ النسخ، ويهتم بالشرح اللغوي للمصطلح كحدِّ المرسل، والبخت، والذريعة، والتقليد. . . إلخ.
(5)
ينقل الشوشاوي عباراتٍ وجملاً من شرح القرافي في مواضع كثيرة جداً من كتابه (2) .
(6)
برع الشوشاوي في شرحه بجمع الأدلة، وأوجه الاستدلال بها، والاعتراضات عليها، والأجوبة عنها، وجاء في هذا بأكثر مما جاء في شرح القرافي، مثل: مسألة شرع من قبلنا (3) ، ومسألة حجية خبر الآحاد (4) ، ومسألة الترجيح في العقليات (5) .
(7)
حوى شرحه كثيراً من الاستطرادات الخارجة عن موضوع المسألة، مثل: تعيين الذبيح (6) . تعيين الصلاة الوسطى (7) ، أسماء علماء المدينة السبعة (8) ، تحديد أهل العِتْرة (9) ؟، تعذيب الميت ببكاء أهله (10) ، المواضع التي يجوز فيها حَذْف " أن " المصدرية (11) ، مصطلحات حديثية (12) ، أصل كلمة بغداد ومعناها (13) ، وغيرها.
(1) رفع النقاب القسم 2 / 1229.
(2)
انظر مثلاً الصفحات 348، 426، 595، 652، 742، 836، 910، 1139 من القسم الثاني.
(3)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 360 - 361.
(4)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 617 - 523.
(5)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 962 - 966.
(6)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 398.
(7)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 439.
(8)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 519.
(9)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 523.
(10)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 623.
(11)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 682.
(12)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 751.
(13)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1086.
(
8) في عرض الأقوال والآراء والمذاهب في المسألة كثيراً ما يقتصر على الأقوال التي يوردها القرافي، فيقول مثلاً:((ذكر المؤلف في جواز نسخ الخبر ثلاثة أقوال)) (1) ،
((ذكر المؤلف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة أقوال)) (2) وهكذا. . .
وفي حالات قليلة يزيد عليها بما يعرفه، ففي مسألة التعبد بشرع من قبلنا قبل النبوة، قال:((ذكر فيها المؤلف قولين، وفيها قول ثالث بالوقف)) (3) . وفي مسألة الإجماع السكوتي قال: ((اختلف الأصوليون فيه على خمسة أقوال، ذكر المؤلف أربعةً، والخامس هو: إجماع وحجة مطلقاً)) (4)، وفي مسألة العصمة (التفويض) قال:((ذكر المؤلف فيه ثلاثة أقوال. . . فهذه الثلاثة ذكرها المؤلف، وفيه قولان آخران)) (5) .
(9)
له إسهامات زائدة في تحرير مذهب الإمام مالك في بعض المسائل، من ذلك: مسألة اشتراط الفقه في الراوي (6) ، حجية إجماع أهل المدينة (7) ، الأصول التي انفرد بها الإمام مالك رحمه الله (8) .
(10)
له اهتمام بتحرير محل النزاع، مثل: الخلاف في النسخ بالأثقل (9) ، الخلاف في حجية قياس الأشباه (10) .
كما أنه يبيّن منشأ وسبب الخلاف، كما في: سبب الخلاف في نسخ الخبر (11) ، سبب الخلاف في إحداث قول ثالث (12) .
(1) رفع النقاب القسم 2 / 409.
(2)
رفع النقاب القسم 2 / 1132.
(3)
رفع النقاب القسم 2 / 349.
(4)
رفع النقاب القسم 2 / 504.
(5)
رفع النقاب القسم 2 / 1250.
(6)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 697.
(7)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 517.
(8)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(9)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 403.
(10)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 864.
(11)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 410.
(12)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 492.
(
11) انفرد الشوشاوي بمباحث مستقلة لم يبحثها القرافي في كتابه، مثل: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في زمان ومكان فعله (1) ، شروط الرواية بالمعنى (2) ، ما انفرد به المالكية في أصولهم كمراعاة الخلاف، والحكم بين حكمين (3) .
ولكن ذهل الشوشاوي أن يبحث مسألة نسخ القياس والنسخ به، وهي من مباحث شرح القرافي (4) .
(12)
استدرك الشوشاوي على القرافي في عددٍ من المسائل، من ذلك:
أ - قال ((قوله: أو بالاستصحاب في عدم الوجوب، وبالقربة على نفي الإباحة، يعني: أن من وجوه الاستدلال: أن الاستصحاب يدل على عدم الوجوب، وكونه قربةً يدلُّ على عدم الإباحة، وهذا تكرار؛ لأنه أحد أقسام ما يدل على نفي قسمين، فجعله المؤلف قسيماً للذي قبله مع أنه أحد أقسامه، لأنه حين انتفى الوجوب والإباحة تعيَّن الندب. فصوابه أن يقول: كالاستصحاب في عدم الوجوب مع القربة في نفي الإباحة فيحصل الندب)) (5) .
ب - قال ((انظر قول المؤلف: لو امتنع ذلك لامتنع وجود المقتضى والمانع، فإن مذهب الإمام منع اجتماعهما، فهو استدلال بمحل النزاع. . .)) (6) .
جـ - لما قال القرافي: ((أو بإذن غير الشرع: كقبض المبيع بإذن البائع والمُسْتام، والمبيع الفاسد، والرهون، والهبات. . . إلخ)) (7) قال الشوشاوي ((قوله: أو بإذن غير الشرع، بل نقول: هذه الأشياء كلها فيها أيضاً إذن الشرع)) (8) .
د - لما ذكر القرافي الخلاف في المقلِّد، هل يجب عليه الاجتهاد في أعيان المجتهدين أو لا يجب (9) ؟
(1) انظر: رفع النقاب القسم 2 / 326.
(2)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 760.
(3)
انظر: رفع النقاب القسم 2 / 1205.
(4)
انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 100.
(5)
رفع النقاب القسم 2 / 332.
(6)
رفع النقاب القسم 2 / 952.
(7)
انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 527 - 528.
(8)
رفع النقاب القسم 2 / 1278.
(9)
انظر: القسم التحقيقي من هذه الرسالة ص 481.