الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
عقيدته ومذهبه الفقهي
أولاً: عقيدة القرافي:
من الآثار العلمية والفكرية السائدة في عصر القرافي على شخصيته اعتقاده في مسائل أصول الدين بعقيدة الأشاعرة (1) .
فإن انتشار هذا المذهب في ديار مصر بصورة واسعة تمَّ عندما كانت تحت سلطنة السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، وقد كان صلاح الدين يحفظ هذه العقيدة في صباه، وهكذا كان قاضيه. فلذلك عقدوا الخناصر، وشَدُّوا البَنَان على المذهب الأشعري، وحَمَلوا في أيام دولتهم كافَّةَ الناس على التزامه. فتمادى الحال على ذلك جميعَ أيام الملوك من بني أيوب (2) .
ولقد أسهم القرافي - كغيره من العلماء - ببعض مصنفاته في شرح المذهب الأشعري الذي يعتقده ويؤمن به، فهو يشرح كتاب:" الأربعين في أصول الدين (3) " للفخر الرازي الذي هو من أكابر علماء الأشاعرة، ومن المنظِّرين لهذه العقيدة.
إن أشعرية القرافي تبدو واضحةً للعَيَان عند الاطلاع على كثير من كتبه، فمؤلفاته تنبيء بأنه أشعريٌ خالص متمسِّك بها، ويُسمِّي أهل مذهبه بأهل الحق (4) ، وبأهل السنة (5) .
ومن النصوص الصريحة في انتحال القرافي مذهب الأشاعرة ما يلي:
(1)
قال في كتابه: نفائس الأصول (1/419) ((. . . وليس كما قال، لأنَّا
- أيها الأشاعرة - نجوِّز تكليف مالا يطاق. .)) .
(1) انظر التعريف بها ص (28) من القسم التحقيقي.
(2)
انظر: الخطط المقريزية 4/184 وما بعدها.
(3)
انظر: مؤلفات القرافي في العقيدة ضمن مصنفاته ص (50) من القسم الدراسي.
(4)
انظر على سبيل المثال: كتابه الاستغناء في أحكام الاستثناء ص 420، 612، شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 48، 72.
(5)
انظر: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 138.
(2)
وقال في كتابه: شرح تنقيح الفصول ص (145)((. . . لم يقل بالكلام النفسي إلا نحن، ولذلك تُصُوِّر - على مذهبنا - تعلُّقه بالأزل. . .)) .
(3)
وقال في كتابه: الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة ص (65)((. . . ولذلك عَدَلْتُ عن بيان سماع موسى عليه السلام لكلام الله تعالى، وهو قائم بذاته بغير حَرْفٍ ولا صَوْتٍ، وهو مبسوط في كتبنا الكلامية، وقد ذكرته مستوعباً في: شرح الأربعين للإمام فخر الدين، فمن أراده نظره هناك)) .
(
4) وقال في كتابه: الذخيرة (13/244) - بعد أن أورد مَقُولَة الشافعي:
((لو وَجَدْتُ المتكلمين لضربتهم بالجريد)) - قال: ((قال لي بعض الشافعية - وهو مُتَعيِّن فيهم يومئذٍ - هذا يدل على أن مذهب الشافعي تحريم الاشتغال بأصول الدين. قلتُ له: ليس كذلك، فإن المتكلمين اليوم في عُرْفِنا إنما هم الأشعري وأصحابه، ولم يُدْرِكوا الشافعي ولا تلك الطبقة الأولى، وإنما كان في زمان الشافعي عَمْرو بن عُبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة أهل الضلالة، ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلاً عن الجريد، فكلامه (أي الشافعي) ذَمٌّ لأولئك لا لأصحابنا. وأما أصحابنا القائمون بحجة الله، والناصرون لدين الله، فينبغي أن يُعظَّموا ولا يُهْتَضَموا؛ لأنهم القائمون بفرض كفايةٍ عن الأمة. . .)) .
ومع كون القرافي على مذهب الأشاعرة إلا أن ذلك لم يَحْمِله على التعصب وبَطَر الحق، فقد كان يتخلَّى عن مذهب قومه، ويُنْصف خصمه إذا كانوا على الحق.
يدلُّ على ذلك: اختياره ما يخالف مذهب الأشاعرة والجمهور في مسألة تحريم الشارع واحداً لا بعينه، واختيار أنه لا يمكن تحريم واحدٍ لا بعينه، وقال:((والحق في هذا ما نسبه (أي الآمدي) للمعتزلة لا ما نسبه لأصحابنا)) (1) .
وما دام الحديث هنا عن عقيدة القرافي فمن إحقاق الحق أن نُشِيد بموقفه الباسل، وجهاده النبيل، النابع من إيمانه الراسخ بدين الإسلام عقيدةً وشريعةً ضِدَّ شبهات اليهود والنصارى ومفترياتهم. فلقد انْبَرَى لهم القرافي - وقد كانوا كُثُراً في عصره - يزيَّف معتقداتهم الباطلة، ويُفَنِّد طعونهم المسمومة في الإسلام وأهله. وفي هذا الصدد
(1) انظر: نفائس الأصول 1/271 - 274، الفروق 2/8.