الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
التعريف بمتن الكتاب: " تنقيح الفصول
"
إن التعريف بكتاب " شرح تنقيح الفصول " يستلزم باديء ذي بدء التعريف بالمتن " تنقيح الفصول "، ووجه هذا اللزوم: أن المتن صار كالقاعدة للبناء، فلولاه لما انتهض هذا الشرح وما قام على سوقه.
ومن التميّز الفريد الذي اتَّسم به هذا الشرح عن سائر الشروح امتزاجه بالمتن حتى غدا الكتاب (متناً وشرحاً) يشكّل وحدةً واحدة، وعروة وثقى لا انفصام لها.
فلو رُمْتَ فصل الشرح عن المتن لَعَيِيْتَ، ورُمْتَ المحال، وإلاّ كانت النتيجةُ الحصولَ على أشلاء ممزَّقة، ومقاطع مفرَّقة لا انسجام بينها.
وتأتي ضرورة إفراد التعريف بمتن الكتاب في مبحثٍ استقلالي أن المصنف ذكر فيه باعثَه على تأليفه، ومواردَه، وطريقتَه، وتسميتَه للكتاب، ونحو ذلك من الأمور التي تسهم بطريقٍ مباشر في التعرّف على شرح الكتاب.
والتعريف بالمتن سيكون وفق الخطوات التالية:
أولاً: عنوان المتن ونسبته إلى مؤلفه:
أطبقت نسخ المتن الخطية - التي وقفت عليها - على تسميته بـ" تنقيح الفصول في علم الأصول "(1) وهي تسمية المصنف له، قال - في صراحةٍ تامّةٍ -:((وسمّيته: تنقيح الفصول في علم الأصول)) (2) .
وهذه العنونة للكتاب صريحة لا تدع مجالاً للشكِّ فيها، لكن مما يعكّر صفوَها تواردُ جميع نسخ الشرح الخطّية التي وقفت عليها على قول المصنف فيها:((أما بعد: فإن كتاب " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " كان قد يسّره الله عليّ ليكون مقدّمة أول كتاب الذخيرة في الفقه. . .)) (3) .
(1) انظر صور هذه النسخ في الصفحات: 264، 266، 269، 272، 276.
(2)
انظر الهامش السابق، وانظر: الذخيرة 1 / 55.
(3)
لكن يلاحظ أن النسخ ص، و، ن جاء فيها " تنقيح الأصول " خِلافاً للنسخ الست البواقي. فلعلّه تحرَّف من النسَّاخ.
ففي هذا النص جاء اسم المتن على أنه: " تنقيح الفصول في اختصار المحصول ". فأيُّ التسميتين للكتاب أهدى سبيلاً وأقوم قيلاً؟
والجواب بداهةً: أن كلتا التسميتين حقٌ وصواب؛ لأنهما صادرتان من مشكاة واحدة، وهي ذات المصنف. ولو فرضنا وقوع تعارضٍ بين الاسمين لكان ترجيح الثاني أولى؛ لأن الشرح متأخر عن المتن، والمتأخر ينسخ المتقدم، فلعلَّ المصنف بعد أن سمّاه بـ" تنقيح الفصول في علم الأصول " بدا له أن يغيّر اسمه إلى: تنقيح الفصول في اختصار المحصول.
وإن لم تقع مصادمةٌ بين التسميتين، فلعلّ المصنف أوقعهما لهذا الكتاب قصداً وتنبيهاً للمطالع بأنهما صادقتان عليه (1) . وتعدُّدُ الاسم لمسمّىً واحدٍ ليس بمستغرب على صنيع القرافي، فها هو يسمي كتابه " الفروق " بأسماء متعددةٍ، فيقول:((وسمّيته لذلك: أنوار البروق في أنواءِ الفروق. ولك أن تسمِّيه كتاب: الأنوار والأنواء. أو كتاب الأنوار والقواعد السنّية في الأسرار الفقهية. كلُّ ذلك لك)) (2) .
ومما يصدِّق تسمية " تنقيح الفصول في اختصار المحصول " مجيء عبارات للمصنف تردَّدتْ بين الحين والآخر بأنه اختصر ما ذكره في المتن من المحصول، مثل قوله في شرح التنقيح (المطبوع) ص 149:((هذه المسألة نقلتها هاهنا (أي في التنقيح) واختصرتها كما وقعت في المحصول، وليست المسألة على هذه الصورة في أصول الفقه. . .)) .
وقال أيضاً في الشرح ص (121) من القسم التحقيقي: ((فهذه التفاصيل أولى من التعميم الأول (الذي جاء في المتن) ، وهو قول الإمام فخر الدين في المحصول)) (3) .
وكذلك قال في نسخ المتن الخطيّة: ((أما بعد: فإن هذا كتاب جمعتُ فيه مسائل
" المحصول " للإمام فخر الدين، وأضفتُ إليه مسائل كتاب الإفادة للقاضي
(1) قال الشوشاوي في رفع النقاب القسم (1 / 80) شارحاً قول القرافي: ((وسمَّيته بتنقيح الفصول في علم الأصول)) ، قال:((نبَّه المؤلف هاهنا على اسم كتابه هذا، وسمّاه في الشرح: تنقيح الفصول في اختصار المحصول، فله إذاً اسمان)) .
(2)
انظر: الفروق 1 / 4.
(3)
وانظر مزيداً من الأمثلة في: شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 67، 76، 238، 261، 281.
عبد الوهاب المالكي وهو مجلدان، وكتاب الإشارة للباجي، وكلاماً لابن القصار في الأصول. .)) .
فهذه النصوص تبرهن على صحة التسمية الأخيرة، ولكن هذا يوقعنا في إشكال وسؤال، وهو: هل كتاب التنقيح حقّاً اختصار للمحصول؟
والجواب عنه: لا، ليس هو في واقع الأمر اختصاراً للمحصول بالمعنى المعهود للاختصار الذي لا يغادر أصله في صغيرةٍ ولا كبيرة. والحجة على هذا الادعاء: أن المصنف نفسه أعلن في صراحةٍ تامةٍ بأن اعتماده في هذا المختصر الأصولي كان على أخذ جملة كتاب: " الإفادة " للقاضي عبد الوهاب، وكتاب:" الإشارة " للباجي، و" مقدّمة " ابن القصار في أصول الفقه، وكتاب " المحصول " للرازي. وهذا ظاهر جداً في الكتاب؛ فإنه طافحٌ بآراء المالكية الأصولية، وهذا غير موجود في المحصول. فإذا كان الكتاب في أصله خلاصةً لما ورد في الكتب الأربعة المتقدّمة، بالإضافة إلى ما ضُمَّ إليها من مباحث وفوائد أصولية قد لا توجد في غيره، فإن تسميته بـ" اختصار المحصول " فيها تجوُّز وتسمُّح قد لا يُغْتفر إلاّ بالنظر إلى أنه التزم ترتيب وتبويب المحصول، وإلاّ فالكتاب بمباحثه وفوائده ومادَّته يأخذ صِبْغةً خاصةً، وصفةً استقلاليةً تجعلنا لا نستطيع أن نستغني عنه بكتاب.
وزبدة القول في المسألة: أن كتاب " تنقيح الفصول " كتابٌ قائمٌ بنفسه، مستقلٌّ بذاته، يستحقُّ أن يُسمَّى: تنقيح الفصول في علم الأصول. لكن لمّا كثر اعتماد القرافي في إنشائه للكتاب على تبويب وترتيب المحصول، مع نقل كثير من عباراته - ولو بالمعنى - استحقّ أيضاً أن يوسم بأنه: تنقيح الفصول في اختصار المحصول. والله تعالى أعلم.
أما نسبته إلى القرافي، فهي نسبة لا يرتقي إليها شكٌّ، ومن الدلائل عليها:
1 -
مجيء ذكر الكتاب في كتب القرافي الأخرى، ومنها: نفائس الأصول
(1 / 333) ، الأمنية في إدراك النية، ص (58) ، العقد المنظوم في الخصوص والعموم (2 / 161) .