الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأوقاف، وحاسب بشدة من ينتهك حرمات الله كشرب الخمر واقتراف الزنا. وشدَّد على النصارى والرافضة، ولم تكن لهم صولة ولا جولة، والبلاد في عهده كانت محميَّة من الخطر الخارجي، مما جعل الأوضاع تستقر والناس ينعمون بالأمن (1) .
? ومن حسنات الدولتين الأيوبية والمملوكية: محاربة المذهب الشيعي الذي عشَّش وفرَّخ في مصر مدة طويلة أيام الحكم الفاطمي (العبيدي)(2) . وسعت الدولتان إلى سحق آثار المذهب الشيعي، ومنعهم من الخطابة والتدريس، بل ردَّ الظاهر بيبرس شهادتهم، ولما ثاروا عليه واجههم بحزم وصَلَبهم (3) .
ولكن من المآخذ على الدولتين: انتشار التصوف في عهديهما، وتعظيم مشايخ الصوفية، وبناء الرُّبط والزوايا لهم (4) .
وأما العلماء في هذا العصر فقد كانوا على فريقين:
- فريق آثر ما عند الله، فأخذ يصدع بالحق، وينصح الحكام، ويحذرهم من البعد عن شرع الله كالعز بن عبد السلام، وابن الحاجب وغيرهما.
- والفريق الآخر غلب عليهم الطمع، والمكانة عند السلطان، فوافقوهم، وأجروا لهم الفتاوى حسب الأهواء، وهؤلاء لم يكن لهم وزن عند الناس.
أثر الحالة الاجتماعية على حياة القرافي:
هذه الأجواء الاجتماعية كان لها أثر على شخصية القرافي، ويمكن تلمُّس هذه الآثار فيما يلي:
(1)
نظراً لتعايش المجتمع الإسلامي مع أهل الذمة، وحمايةً لأبناء المسلمين من الانزلاق وراء شبهات اليهود والنصارى انبرى القرافي لتأليف كتابه " الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة "، وقد سبق الكلام عن هذا في الأثر السياسي على القرافي (5) .
(1) انظر: البداية والنهاية 13 / 260، النجوم الزاهرة 7/94، عصر سلاطين المماليك لمحمود رزق سليم 1/27
(2)
الفاطمية: دولة شيعية كان أوّل ظهورها في تونس سنة 297هـ على يد عبيد الله المهدي، ولهذا تعتبر امتداداً للدولة العبيدية. كانت تنازع الدولة العباسية، امتدَّ نفوذها حتى شملت مصر والحجاز والشام واليمن. تعاقب عليها (14) خليفة. انتهت دولتهم سنة 567هـ. انظر: معجم المصطلحات والألقاب التاريخية ص317، 335.
(3)
انظر: الخطط المقريزية 4 / 161
(4)
انظر: الخطط المقريزية (2 / 414 - 436) لترى أعدادها والاهتمام بها.
(5)
انظر: ص 20 من القسم الدراسي.
(2)
ملازمة القرافي لشيخه العز بن عبد السلام ربما أكسبته نُفرةً من السلاطين، مع أن القرافي كانت لديه قدرة عجيبة على صنع التماثيل والمراصد الفلكية (1) التي كان السلاطين مولعين بها، ومع ذلك لم يكن له ذِكْرٌ على بلاطهم، ولم يتولَّ لهم شيئاً من مناصبهم.
(3)
كان القرافي يلهج بأشعار، ويتمثل بها كثيراً مما يدل على تأثره بالحالة السائدة في عصره. فهويقول:
وإذا جَلَسْتَ إلى الرِّجِالِ وأشْرَقَتْ في جَوِّ باطِنِكَ العُلومُ الشُّرَّدُ
فاحْذَرْ مُناظرةَ الحَسْودِ فإنَّما تَغْتاظُ أنتَ ويستفيد ويَحْرَدُ (2)
يمكننا أن نستخلص من هذين البيتين بأن عادة سيئة كانت منتشرة بين العلماء مما حدا بالقرافي أن يقول ما قال.
وكان يُردَّد:
عَتَبْتُ على الدنيا لِتَقْديمِ جَاهِلٍ
…
وتأخيرِ ذِيْ عِلْمٍ فقالتْ: خُذِ العُذْرا
بَنُو الجَهْل أبنائي وكلُّ فضيلةٍ فأبناؤها أبناءُ ضَرَّتي الأُخْرى (3)
فهذان البيتان يدلَاّن على مدى سخط القرافي على تولَّي بعض الحكام سلطة البلاد والحكم بين العباد، وتقديم العلماء غير المؤهَّلين أو الجديرين إلى مناصب الإفتاء والقضاء. والله أعلم.
(4)
ينبغي ألَاّ ننسى أن كثرة التآليف من الإمام القرافي التي نالت إعجاب العلماء، لعله إفرازٌ لما نَعِمتْ به البلاد من أَمْن واستقرار، وتشجيع للعلم وأهله في بعض الحِقَب الزمنية. ولهذا شَهِد بعض علماء عصره بأن القرافي حرَّر أحد عشر عِلْماً في ثمانية أشهر، أو قال: ثمانية علومٍ في أحد عشر شهراً (4) .
(1) سيأتي الحديث عن هذا ص (45) من القسم الدراسي.
(2)
لم أهتد إلى قائله، لكنه موجود في: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي
ص 130، ويَحْرَد: يَغْضب ويغتاظ فيتحرَّش بالذي غَاظَه ويَهِمُّ به. المعجم الوسيط مادة " حرد ".
(3)
انظره منسوباً إلى محيي الدين، المعروف بحافي رأسه في: الديباج المذهب ص 130
(4)
انظر: الديباج المذهب ص 129