الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هـ - تقسيمه لأدلة المجتهدين إلى قسمين: أدلة مشروعية الأحكام، وأدلة وقوع الأحكام (1) . وفي الحقيقة القرافي مسبوق إلى ذلك من شيخه العز بن عبد السلام،
فقد ذكر هذه القسمة في كتابه " قواعد الأحكام "(2) لكن القرافي وسَّع القول
فيها، وأجلاها، وميَّز الفروق بينها حتى كأنه المبتكر لها، ولاسيما في كتابه النفيس
" الفروق "(3) .
وسبقه في الكتابة عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وإن كان مسبوقاً إلى ذلك من غير المالكية (4) ، لكن لعلّ انتقال فكرة المقاصد إلى المذهب المالكي وتكريسها وترسيخها كانت قد تمَّت على يديه. ولسنا ننسى أن المصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والاستحسان من الأسس المعتمدة في أصول المالكية (5) .
ز - إتيانه بفوائد جديدة، وتفصيلات حميدة في مسألة فرض العين، وفرض الكفاية مع الأمثلة، وتقريره للضوابط لكلٍّ منها، ومن الذين يتعيَّن عليهم الفرض الكفائي. وقد جمع ذلك في موطن واحدٍ قلَّما يتعرض له الأصوليون بهذا التوضيح اللطيف، والتفصيل المنيف (6) .
سادساً: احتواء الكتاب على معلوماتٍ قيِّمةٍ فريدة خارج موضوع الأصول
لقد حفل الكتاب بعديدٍ من المسائل والقضايا التي وردت في طياته، والشأن فيها أنها لا تمتُّ إلى موضوعات أصول الفقه بِصِلةٍ، بَيْد أنها في تمام الجودة وغاية النفاسة، ولو رُحْنا نفتِّش عنها في مظانَّ أخرى ربما لم نظفر عليها بمثل هذا الازديان والإتقان. فمن الأمثلة على ذلك:
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 491.
(2)
انظرها فيه: ص 451.
(3)
انظرها فيه في: الفرق السادس عشر 1 / 128.
(4)
كإمام الحرمين في البرهان 2 / 782، والغزالي في المستصفى 1 / 416، 2 / 306، والرازي في المحصول 5 / 159، 6، 162، والآمدي في الإحكام 3 / 274، 4 / 275، والعز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام في مصالح الأنام ".
(5)
انظر الأمثلة على تطرّق القرافي للمقاصد في القسم التحقيقي في: ص 324، 494، 503.
(6)
انظر: القسم التحقيقي ص 456 - 458.
(1)
الوضع الاجتماعي للمرأة
ما رأي القرافي في موضوع المرأة؟ وما نظرته حيالها في ظل الموروثات والتقاليد الاجتماعية؟ والجواب: نجده في الفصل السادس من باب المجمل والمبين حيث قال: ((يجب البيان لمن أُريد إفهامه، ثم المطلوب قد يكون عِلْماً فقط كالعلماء بالنسبة إلى الحيض، أو عملاً فقط كالنساء بالنسبة إلى أحكام الحيض وفقهه. . .)) (1) .
ثم عقَّب في الشرح فقال: ((وقولهم: إن النساء أُردْن للعمل فقط غير مُتَّجِهٍ؛ بسبب أن النساء أيضاً مأمورات بتحصيل العلم، فكذلك مِنْ سَلَفِ هذه الأمة عائشةُ رضي الله عنها، التي قال فيها عليه الصلاة والسلام ((خذوا شطر دينكم عن هذه الحُميراء)) (2) ، وكانت من سادات الفقهاء، وكذلك جماعة من نساء التابعين وغيرهم. غاية ما في الباب أن التقصير عن رتبة العلم ظهر في النساء أكثر، وذلك لا يبعثنا على أن نقول: المطلوب منهنَّ العمل فقط، بل الواقع اليوم ذلك، أمَّا أنه حكم الله فغير ظاهر)) (3) .
فالمرأة المسلمة مطالبة بالتعلُّم ورفع الجهل عن نفسها؛ لأنها مربية الأجيال. ولكن تعلمها وعملها يجب أن ينضبط وفق أحكام الشريعة، لا كما يهوى دعاة تحرير المرأة على طريقة التحلُّل والتفسُّخ.
(2)
الرقائق والزهد مع تصحيح المفاهيم
أ - قال في فصل الحَصْر ((ومن ذلك قوله تعالى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ
وَلَهْوٌ. . .} [الحديد: 20] ، وحصرها في اللعب مع أنها مزرعة الآخرة، وفيها تُحصَّل الولاية والصدِّيقية، وتُكتسب المراتب العليَّة، والدرجات الرفيعة، وكل خيرٍ مكتسب في الآخرة فهو في هذه الدار، وهذه خيراتٌ حِسانٌ، وفضائل علميَّة للدنيا، فكيف تُحصر في اللَّعب؟! وإنما ذلك باعتبار من آثَرَها، فإنها في حقِّه لَعِبٌ صِرْف،
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 285.
(2)
حديث غريب جداً بل منكر، لا يُعرف له إسناد. انظر: كشف الخفاء ومزيل الإلباس للعجلوني
1 / 374.
(3)
شرح تنقيح الفصول ص 286.
وتلك المحاسن لا ينال هذا منها شيئاً، فهو حصر بحسب بعض الاعتبارات، وهو كثير في القرآن الكريم)) (1) .
ب - قال: ((فائدة: ما ضابط الإصرار الذي يُصيِّر الصغيرة كبيرة؟ قال بعض العلماء: حدُّ ذلك أن يتكرر منه تكراراً يخلُّ بالثقة بصدقه، كما تخلُّ به ملابسة الكبيرة، فمتى وصل إلى هذه الغاية، صارت الصغيرة كبيرة، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، واختلاف الأحوال، والنظر في ذلك لأهل الاعتبار، والنظر الصحيح من الحكَّام وعلماء الأحكام الناظرين في التجريح والتعديل - ثم قال - فائدة: ما تقدَّم من أن الكبيرة تتبع عظم المفسدة، فما لا تعظم مفسدته لا يكون كبيرة، استثنى صاحب الشرع من ذلك أشياء حقيرة المفسدة، وجعلها مسْقِطةً للعدالة، موجبة للفسوق لقبح ذلك الباب في نفسه، لا لعظم المفسدة، وذلك كشهادة الزور، فإنه فسوق مطلقاً، وإن كان لم يُتلِفْ بها على المشهود عليه إلا فَلْساً واحداً، ومقتضى القاعدة أنها
لا تكون كبيرة إلا إذا عظمت مفسدتها، وكذلك السرقة والغصْب لقبح هذه الأبواب في أنفسها)) (2) .
(3)
توضيح معاني الأحاديث المشتبهة
يقع في بعض الأحاديث إشكال في التوفيق بينها، وقد وقفت على بعض المواضع المفيدة التي أجاب فيها القرافي عن هذا الاشتباه والإشكال. منها:
أ - قوله: ((فائدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) (3) فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب (4) ،
فما الفرق وما الجواب؟ الجواب من وجهين، أحدهما: ذكره الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه، فقال: إن منصب الخطيب حقير قابل للزلل، فإذا نطق
(1) المصدر السابق ص 61.
(2)
انظر: القسم التحقيقي ص 233 - 235.
(3)
هذا الحديث ملفَّق من حديثين. انظرهما في مبحث المآخذ على الكتاب ص 160 من القسم الدراسي.
(4)
حديث الخطيب ذكره المصنف قبل ذلك وهو الذي قال في خطبته: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصيهما فقد غوى. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((بئس الخطيب أنت. قل: ومن يعْصِ الله ورسوله)) رواه مسلم
(
870) .
بهذه العبارة قد يتوهَّم فيه - لنقصه - أنه إنما جمع بينهما في الضمير؛ لأنه أهمل الفصل بينهما في الضمير والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية. ومنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غاية الجلالة والبعد عن الوهم والتوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام إيهام التسوية. وثانيهما: ذكره بعض الفضلاء، فقال: كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، وتقدم الظاهر من الجملة الواحدة يُبْعد استعمال الظاهر في موضع
الضمير، بل الضمير هو الحسن. وكلام الخطيب جملتان، إحداهما مدح، والأخرى ذم، فلذلك حَسُن منه استعمال الظواهر مكان المضمرات)) (1) .
ب - قال في معرض ردّه على الذين يكتفون بالظواهر عن أحوال الناس في أمر العدالة: ((وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم، ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكلُّ من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكِّياً ولا حاكماً لبُعْده من الحزم، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((الحزم سوء الظن)) ، فمن ضيَّع سوء الظن، فقد ضيع الحزم. نعم لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئاً إلا لمستندٍ شرعي، وهو معنى قوله تعالى:{اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] أي: اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريقٍ شرعي)) (2) .
(4)
الدراية بالواقع مع وقائع تاريخية:
يمكن تصيُّد بعض المواقف في الكتاب التي تدلُّ على معايشة القرافي لواقعه وفهمه وفقهه له، مع ما في ذلك من تسجيلها في صفحات التاريخ. من ذلك درايته الدقيقة بما حواه كتاب التوراة (العهد القديم) ، مما مكَّنه من تفنيد دعواهم الباطلة بإنكار النسخ (3) .
ومن الأمثلة أيضاً، قوله:((قال: تقلَّد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونصبها أو اجتمع أهل البلدة على بنائها. . .)) ثم قال في الشرح: ((قلت: هذا بشرط أن لا يشتهر الطعن فيها كمحاريب القرى
(1) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 100 - 101.
(2)
انظر: القسم التحقيقي ص 247 - 248.
(3)
انظر: القسم التحقيقي ص 53 - 60.
وغيرها بالديار المصرية، فإن أكثرها ما زال العلماء قديماً وحديثاً ينبِّهون على فسادها، وللزين الدمياطي في ذلك كتابٌ ولغيره. وقد قصد الشيخ عز الدين بن عبد السلام تغيير محراب قبة الشافعي والمدرسة، ومصلَّى خولان، فعاجله ما منعه من ذلك، وهو قضيته مع بني الشيخ وإسقاطه معين الدين، وعَزَل نفسه عقيب ذلك. وكذلك محاريب المحلَّة مدينة الغربية، والفيوم، ومنية ابن خصيب، وهي لا تعدُّ ولا تُحصى، لا يجوز أن يقلِّدها عالم ولا عامي)) (1) .
(5)
واقع الرافضة وشبهاتهم
نبَّه القرافي إلى بعض ألاعيبهم واحتيالهم إزاء النصوص بما يتوافق مع عقيدتهم. من ذلك:
أ - قال في اشتراط معرفة النحو للمجتهد: ((وأما النحو والتصريف واللغة، فلأن الحكم يتبع الإعراب، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ما تركنا صدقةٌ)) بالرَّفْع، فرواه الرافضة بالنَّصْب، أي: لا يورث ما تركناه وقْفاً، ومفهومه: أنهم يورثون في غيره. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)) رواه الشيعة ((أبا بكر وعمر)) فانعكس المعنى، أي: يا أبا بكرٍ وعمر، فيكونان مقتدِيَيْن
لا مقتدىً بهما، وهو كثير)) (2) .
ب - قال: ((وقال القاضي: فتح هذا الباب يحصِّل غرض الشيعة من الطعن على الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم يكفرون الصحابة، فإذا قيل لهم: إن الله تعالى وعد المؤمنين بالجنة، وهم قد آمنوا، يقولون: إن الإيمان الذي هو التصديق صدر منهم، ولكن الشرع نقل هذا اللفظ إلى الطاعات، وهم صدَّقوا وما أطاعوا في أمر الخلافة، فإذا قلنا: إن الشرع لم ينقل استدّ هذا الباب الرديء)) (3) .
(6)
إعلاء شأن الجهاد مع شدة الوطأة على الكفار
يمكن أن نلمح في تعبيرات القرافي في كتابه هذا اهتمامه بأمر الجهاد وبِغْضَته للكفر وأهله وضرورة إجبارهم على الإسلام، من هذه المواقف:
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 453 - 455.
(2)
انظر: القسم التحقيقي ص 466 - 467.
(3)
شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 43 - 44.
أ - قوله بأن آية السيف نسخت آيات الموادعة (1) .
ب - قال: ((حجة الجمهور: أن أصول الديانات مهمة عظيمة، فلذلك شرع الله تعالى فيها الإكراه دون غيرها، فيكره على الإسلام بالسيف والقتال والقتل وأخذ الأموال والذراري، وذلك أعظم الإكراه. . .)) (2) .
جـ - قال في معنى الإتلاف وأنه يكون لتعظيم الله تعالى: ((أو لتعظيم الله تعالى كقتل الكفار لمحو الكفر من قلوبهم، وإفساد الصُّلْبان، أو لتعظيم الكلمة كقتل
البغاة. . .)) ثم قال في الشرح ((من ذلك - أعني القتال للإتلاف - قتال الظلمة؛ لدفع ظلمهم، وحسم مادة فسادهم، وتخريب ديارهم، وقطع أشجارهم، وقتل دوابهم إذا لم يمكن دفعهم إلا بذلك - ثم قال - وكذلك إتلاف ما يُعصى الله تعالى به من الأوثان والملاهي)) (3) .
د - تكلم عن مدى ارتباط مراعاة المصلحة في مسألة تترُّس الكفار بجماعةٍ من المسلمين، فلو كففنا عنهم لصدمونا واستولوا علينا وقتلوا كافة المسلمين، ولو رميناهم لقتلنا الترس معهم (4) .
هـ - قال: ((ومرَّ بي في بعض الكتب - لست أذكره الآن - أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة، فالجهاد خاصٌ بالمؤمنين، لم يخاطب الله تعالى بوجوب الجهاد كافراً، وهو متَّجه أن يكون وجوب الجهاد مستثنىً من الفروع لعدم حصول مصلحته من الكافر. . .)) (5) .
وقال: ((إن التبليغ يقتضي المصلحة، فقد تكون في التعجيل، وقد تكون في التأخير، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لو أوحي إليه بقتل أهل مكة بعد سنة كانت المصلحة تتقاضى تأخير ذلك إلى وقته لئلا يستعدَّ العدو للقتال، ويعظم الفساد، ولذلك أنه عليه الصلاة والسلام لمَّا أراد قتالهم قطع الأخبار عنهم، وسد الطرق حتى
(1) انظر: القسم التحقيقي ص 51 - 53.
(2)
انظر: القسم التحقيقي ص 471.
(3)
انظر: القسم التحقيقي ص 535 - 536.
(4)
انظر: القسم التحقيقي ص 495.
(5)
شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص 166.