المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فِيهِمَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٢

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي فِي مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌[حُكْمُ سُجُود السَّهْو وَمَحَلُّهُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌تَتِمَّةٌ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌ أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ

- ‌ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَرَائِضُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[آدَابُ الْجُمُعَةُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ]

- ‌فَصْلٌفِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا]

الفصل: فِيهِمَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ

فِيهِمَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ جَهِلَ مَحَلَّهَا فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ، وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجْدَتَانِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ وَسُجُودٍ عَلَى عِمَامَةٍ، وَكَالْعِلْمِ بِتَرْكِ مَا ذُكِرَ الشَّكُّ فِيهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ السُّنَنِ فَقَالَ: (وَسُنَنُهَا) أَيْ الْمَكْتُوبَةِ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا (شَيْئَانِ) : الْأَوَّلُ (الْأَذَانُ) وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ قَالَ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَذَكَّرَ أَنَّهُ الْأَخِيرُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ وَكَمَّلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (رُبَاعِيَّةٍ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى رُبَاعِ الْمَعْدُولِ عَنْ أَرْبَعٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْآتِيَةَ لَا تَأْتِي فِي غَيْرِهَا اهـ م د.

قَوْلُهُ: (مَحَلَّ الْخَمْسِ) أَيْ عَلَى التَّوْزِيعِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ رَكْعَتَانِ) أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَرْكُ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ، فَتُجْبَرَانِ بِالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَرَكَ ذَلِكَ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ. فَالْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً إذْ الْأُولَى تَتِمُّ بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً فَيُتِمُّهَا، وَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(فَثَلَاثٌ) أَيْ فَثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي الْخَمْسِ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ، فَتَتِمُّ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَأَنَّهُ فِي السِّتِّ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ (جَهِلَ مَحَلَّهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ) لَمْ يَقُلْ جَهِلَ مَحَلَّهَا لِعَدَمِ تَأَتِّيه، وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَهْلُ فِيهَا أَيْضًا كَأَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَهُوَ فِي الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ سَجْدَتَيْنِ وَلَا يُحْسَبَانِ لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُبْهَمَ الثَّمَانِيَةُ فِي الْعَشَرَةِ وَيَجْهَلَ مَحَلَّهَا شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ إلَخْ لَمْ يَقُلْ هُنَا جَهِلَ مَوْضِعَهَا مَعَ إمْكَانِهِ كَأَنْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ فِي اعْتِدَالٍ، فَأَتَى مَعَ الْإِمَامِ بِسَجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ، وَقَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي ثَانِيَةٍ مَثَلًا فَسَجَدَ وَسَجَدَ هُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ إمَامِهِ، ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهَا عَلَى عِمَامَتِهِ فِي أَنَّهَا سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ أَوْ مَا أَتَى بِهِ لِلسَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهِ وَبَعْضَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَيُحْمَلُ الْمَتْرُوكُ عَلَى أَنَّهَا سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ لَا يَقُومُ مَقَامَ سُجُودِ صَلَاتِهِ لِعَدَمِ شُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ قَوْلُهُ:(وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ لَا تُتَصَوَّرُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ السُّجُودِ، فَنَبَّهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَفِيًّا اهـ اط ف. وَقَالَ ق ل: دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الشَّكُّ أَوْ الْجَهْلُ فَتَأَمَّلْ.

[سُنَنُ الصَّلَاة]

قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهَا أَيْ الْمَكْتُوبَةُ) أَيْ فَيَكُونُ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ اسْتِخْدَامٌ حَيْثُ أَرَادَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبَةِ، وَهَلْ الْمُرَادُ وَلَوْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَيُؤَذِّنُ لِلْمُعَادَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهَا عَقِبَ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ تَلْحَقُ بِالنَّفْلِ الَّذِي تُطْلَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فَيُقَالُ فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ؟ النَّفْسُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ كَمَا قَالَهُ سم. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ الْمَكْتُوبَةِ، خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَكْتُوبَةِ الْمُعَادَةُ فَلَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ اهـ قَوْلُهُ:(الْأَذَانُ) أَصْلُهُ النَّدْبُ وَقَدْ يَجِبُ بِالنَّذْرِ وَيَحْرُمُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ إنْ رَفَعَتْ صَوْتَهَا أَوْ قَصَدَتْ التَّشْبِيهَ بِالرِّجَالِ، وَيُكْرَهُ مِنْ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَأَعْمَى وَحْدَهُ كَمَا يَأْتِي وَلَا تَعْتَرِيهِ الْإِبَاحَةُ وَهُوَ كَالْإِقَامَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ. وَشُرِعَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ، وَإِنْ ضُمَّتْ إلَيْهَا الْإِمَامَةُ عَلَى الرَّاجِحِ وَهُمَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ، وَسُنَّةُ عَيْنٍ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَالسُّنَنُ عَلَى الْكِفَايَةِ سِتٌّ الْأُولَى الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَلَى الصَّحِيحِ،

ص: 47

وَشَرْعًا قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»

وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ وَسُمِّيَ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ بِهِ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الثَّانِيَةُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ، الثَّالِثَةُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، الرَّابِعَةُ التَّسْمِيَةُ عَلَى الْأَكْلِ، الْخَامِسَةُ مَا يُطْلَبُ لِلْمَيِّتِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ لِلْمَشْيِ، السَّادِسَةُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَؤُمُّ وَلَمْ يُؤَذِّنْ. قِيلَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَشْغُولًا بِمَا هُوَ أَهَمُّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ لَوَجَبَ الْحُضُورُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ حَتَّى الَّذِي يَخْبِزُ فِي التَّنُّورِ وَإِنْ أَدَّى الْحُضُورُ إلَى تَلَفِ الْخُبْزِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَالْإِمَامَ ضَمِينٌ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْخَلَلَ الَّذِي يَقَعُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَيَتَحَمَّلُ الْفَاتِحَةَ عَنْ الْمَسْبُوقِ، وَالْأَمِينُ أَشْرَفُ مِنْ الضَّمِينِ وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَوْلَا الْخَلِيفِيُّ مَا تَرَكْت الْأَذَانَ. وَالْخَلِيفِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ بِمَعْنَى الْخِلَافَةِ.

وَالسَّبَبُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَوَاتِ فَطَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْت: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَك مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ ثُمَّ تَأَخَّرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ. فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْتُهُ فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، قُمْ إلَى بِلَالٍ فَأَعِدْ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك» أَيْ أَرْفَعُ وَأَعْلَى، وَقِيلَ أَحْسَنُ وَأَعْذَبُ، وَقِيلَ أَبْعَدُ. «فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلَقِّنُهُ إلَيْهِ يُؤَذِّنُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» فَإِنْ قِيلَ رُؤْيَةُ الْمَنَامِ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنِدًا لِأَذَانِ الرُّؤْيَا فَقَطْ بَلْ وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَسَمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ، ثُمَّ قَدَّمَهُ جِبْرِيلُ قَامَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فَكَمُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» . وَكَانَ رُؤْيَا الْأَذَانِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ أَذَّنَ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ مَرَّةً فِي سَفَرِهِ قَالَ: فِي أَذَانِهِ «أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ» وَقِيلَ قَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» ، قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي مُخْتَصَرِ أَذْكَارِ النَّوَوِيِّ: إنَّ مَنْ تَكَلَّمَ حَالَ الْأَذَانِ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُقْتَضِيَةَ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ أَرْبَعَةٌ: التَّهَاوُنُ بِالصَّلَاةِ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (يُعْلَمُ بِهِ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْقَائِلِ إنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرِيضَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ لِلْفَائِتَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ مَطْلُوبٌ لِفَرِيضَةِ الصَّلَاةِ اهـ اج. فَإِنْ قُلْت: مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ يُنْتَقَضُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ تَوَالَى فَوَائِتُ أَوْ مَجْمُوعَتَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى. قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّانِيَةِ تَابِعَةٌ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ أَوْ صُورَةً فِي غَيْرِهِ صَيَّرَهَا كَجُزْءٍ مِنْ الْأُولَى، فَاكْتَفَى بِالْأَذَانِ لَهَا. اهـ. سُلْطَانٌ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الْإِقَامَةُ) حَتَّى لِلْمَرْأَةِ لَهَا وَلِلنِّسَاءِ وَحَتَّى لِلْخُنْثَى لِنَفْسِهِ وَلِلنِّسَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ إقَامَتُهُ لِلنِّسْوَةِ، وَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ وَلِلْخَنَاثَى، وَلَا إقَامَةُ الْخُنْثَى لَهُمَا اهـ سم قَوْلُهُ:(مَصْدَرُ أَقَامَ) أَيْ حَصَلَ الْقِيَامُ م د قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ يَكُونُ

ص: 48

مَشْرُوعَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُمَا سُنَّةٌ لِلْمَكْتُوبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ كَالسُّنَنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْمَنْذُورَةِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ بَلْ يُكْرَهَانِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ

وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى وَالْإِقَامَةُ فِي الْيُسْرَى كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَقِيقَةِ

. وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ أَيْضًا إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ لِخَبَرٍ صَحِيحٍ وَرَدَ فِيهِ.

وَيُنْدَبُ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهِ إلَّا بِمَوْضِعٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَانْصَرَفُوا وَيُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فَقَطْ مِنْ صَلَوَاتٍ وَالَاهَا

، وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ مَثْنَى وَمُعْظَمُ الْإِقَامَةِ فُرَادَى. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ:«أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ.

وَالْإِقَامَةُ إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَالْأَذَانُ كَلِمَاتُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً بِالتَّرْجِيعِ، وَيُسَنُّ الْإِسْرَاعُ بِالْإِقَامَةِ مَعَ بَيَانِ حُرُوفِهَا، فَيُجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ مِنْهَا بِصَوْتٍ وَالْكَلِمَةُ الْأَخِيرَةُ بِصَوْتٍ، وَالتَّرْتِيلُ فِي الْأَذَانِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

سَبَبًا فِي الْقِيَامِ لَهُمَا قَوْلُهُ: (مَشْرُوعَانِ) أَيْ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ وَلَوْ فَائِتَةً إذَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا أَوْ فِعْلًا أَوْ هُمَا. فَمِثَالُ مَا إذَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا فَقَطْ كَمَا إذَا صَلَّى فَائِتَةً أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأُخْرَى آخِرَهُ، وَمِثَالُ مَا تَفَرَّقَتْ فِعْلًا فَقَطْ كَمَا إذَا صَلَّى فَائِتَةً قُبَيْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ عَقِبَ سَلَامِهِ، وَمِثَالُ مَا تَفَرَّقَتْ وَقْتًا وَفِعْلًا مَا لَوْ صَلَّى فَائِتَةً أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا فَفِي ذَلِكَ يُسَنُّ الْأَذَانُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْهُمَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ آخِرَ وَقْتِهَا ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ عَقِبَ سَلَامِهِ فَيُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا وَقْتًا، فَالْمُرَادُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْفِعْلِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَدَاءً وَالْآخَرُ قَضَاءً، وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الْوَقْتِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَلَاةٍ وَقَعَتْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ لِلْأُخْرَى قَوْلُهُ:(لِعَدَمِ ثُبُوتِهِمَا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ أَعْنِي غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ) لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ أُمَّ الصِّبْيَانِ ق ل. وَيُشْتَرَطُ فِيمَا ذُكِرَ الذُّكُورَةُ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ م ر ز ي اُنْظُرْ لَوْ كَانَ الْمَوْلُودُ كَافِرًا وَلَا يَبْعُدُ. نَعَمْ إذْ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَوْلُودِ فَخَرَجَ ابْنُ الْكَافِرِ لِمُعَامَلَتِهِ فِي الدُّنْيَا مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ كَمَا نَقَلَهُ الَأُجْهُورِيُّ.

وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ: وَحِكْمَةُ الْأَذَانِ فِي الْيَمِينِ أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِقَامَةِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفْعًا، وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ مِنْ الْيَسَارِ فَجُعِلَ الْأَشْرَفُ لِلْأَشْرَفِ

قَوْلُهُ: (أَيْ تَمَرَّدَتْ) أَيْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ اهـ اج. قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَلَا قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى تَغْيِيرِهِمْ خِلْقَتَهُمْ وَالِانْتِقَالِ فِي الصُّوَرِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَلِمَاتٍ وَضَرَبَاتٍ مِنْ ضُرُوبِ الْأَفْعَالِ أَيْ أَنْوَاعٍ إذَا فَعَلَهَا وَتَكَلَّمَ بِهَا نَقَلَهُ اللَّهُ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى لِجَرْيِ الْعَادَةِ، وَأَمَّا أَنْ يُصَوِّرَ نَفْسَهُ فَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ إنَّمَا يَكُونُ بِنَقْضِ الْبِنْيَةِ وَتَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ. وَيُسَنُّ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ أَيْضًا خَلْفَ الْمُسَافِرِ، وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي أُذُنِ دَابَّةٍ شَرِسَةٍ وَفِي أُذُنِ مَنْ سَاءَ خَلْقُهُ وَفِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (لِلْمُنْفَرِدِ) أَيْ الذِّكْرُ يَقِينًا وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ إلَّا إنْ سَمِعَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَقَصَدَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى فِيهِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَهُوَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ أَيْ لِلْجَمَاعَةِ وَسُنَّةُ عَيْنٍ لِلْوَاحِدِ، وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَدْعُوًّا بِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَدْعُوًّا بِهِ بِأَنْ سَمِعَهُ مِنْ مَكَان وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى مَعَهُمْ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ الْأَذَانُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَانْصَرَفُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ إيهَامُ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ إيهَامُ وُقُوعِ الْأُولَى قَبْلَ وَقْتِهَا كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ وَقِ ل قَوْلُهُ:(وَيُؤَذِّنُ لِلْأُولَى) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْأُولَى، بَلْ لَوْ أَطْلَقَ كَانَ مُنْصَرِفًا لِلْأُولَى، فَلَوْ قَصَدَ بِهِ الثَّانِيَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ ح ل. أَيْ وَيُقِيمُ لِكُلٍّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(مِنْ صَلَوَاتٍ وَالَاهَا) كَفَوَائِتَ وَصَلَاتَيْ جُمَعٍ وَفَائِتَةٍ، وَحَاضِرَةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْأَذَانِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَالَاهَا كَانَتْ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ

قَوْلُهُ: (وَمُعْظَمُ الْأَذَانِ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ: وَمُعْظَمُ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ أَوَّلَ الْأَذَانِ أَرْبَعٌ وَالتَّوْحِيدَ آخِرَهُ وَاحِدٌ وَالتَّكْبِيرُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَلَفْظُ الْإِقَامَةِ فِيهَا مَثْنَى ش الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مَا قُلْنَاهُ) أَيْ الْمُعْظَمُ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (الْإِسْرَاعُ بِالْإِقَامَةِ) وَحِكْمَتُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْأَذَانُ فَالْغَرَضُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ فَيُنَاسِبُ تَطْوِيلُهُ

قَوْلُهُ: (وَهُوَ

ص: 49

بِصَوْتٍ، وَيُفْرَدُ بَاقِي كَلِمَاتِهِ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ

وَيُسَنُّ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا جَهْرًا.

وَالتَّثْوِيبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ

وَيُسَنُّ الْقِيَامُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى عَالٍ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَالتَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَلْتَفِتَ بِعُنُقِهِ فِيهِمَا يَمِينًا مَرَّةً فِي حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْأَذَانِ وَمَرَّةً فِي الْإِقَامَةِ، وَشِمَالًا فِي حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَقَدَمَيْهِ عَنْ مَكَانِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ عَدْلًا فِي الشَّهَادَةِ عَالِيَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ، وَكُرِهَا مِنْ فَاسِقٍ وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَأَعْمَى وَحْدَهُ، وَجُنُبٍ وَمُحْدِثٍ وَالْكَرَاهَةُ لِجُنُبٍ أَشَدُّ، وَهِيَ فِي الْإِقَامَةِ أَغْلَظُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَنْ يَأْتِيَ إلَخْ) وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ رَجَعَ إلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ أَنْ تَرَكَهُ، أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا ش الْمَنْهَجِ

وَالتَّثْوِيبُ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ، ثُمَّ عَادَ فَدَعَا إلَيْهَا بِذَلِكَ وَخُصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ ش م ر قَوْلُهُ:(وَالتَّثْوِيبُ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ) وَلَوْ فَائِتَةً ش م ر وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) أَيْ الْيَقِظَةُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ رَاحَةِ النَّوْمِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ. وَقَالَ الشِّهَابُ الْقَلْيُوبِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، وَلِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ، فَتَكُونُ الرَّاحَةُ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ فِي نَحْوِ اللَّيْلَةِ ذَاتِ الْمَطَرِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ اهـ مَعَ زِيَادَةٍ

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الْقِيَامُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ لِلِاتِّبَاعِ. وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَكِبَرِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مَنَارَةٌ سُنَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى الْبَابِ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى سَطْحِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ:(لِلْقِبْلَةِ) فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْبَلَدُ صَغِيرَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً عُرْفًا فَيُسَنُّ حِينَئِذٍ الدَّوَرَانُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. وَمِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ مَنَارَةُ الْقَرْيَةِ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَيَسْتَقْبِلُ الْقَرْيَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ كَمَا قَالَهُ ق ل اهـ قَوْلُهُ:(وَأَنْ يَلْتَفِتَ بِعُنُقِهِ فِيهِمَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ لِنَفْسِهِ وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُهُ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَقَدْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَهُ فَمَظِنَّةُ فَائِدَةِ الِالْتِفَاتِ قَائِمَةٌ لَكِنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ قَلَّ الْجَمْعُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَلْتَفِتُ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا لَوْ انْتَفَتْ الْمَظِنَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَلْ يُلْتَفَتُ فِي الْأَذَانِ لِتَغَوُّلِ الْغِيلَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الِالْتِفَاتُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَأَدْفَعُ لِشَرِّهِمْ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ لِلتَّغَوُّلِ فَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا الْأَذَانُ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَلَا الِالْتِفَاتُ الْمَذْكُورُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَبْعُدُ الِالْتِفَاتُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُطْلَبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ اهـ. وَاخْتَصَّ الِالْتِفَاتَ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا خِطَابُ آدَمِيٍّ كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا ش الْمَنْهَجِ، أَيْ لِأَنَّ السَّلَامَ يُلْتَفَتُ فِيهِ دُونَ مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ ش م ر. قَوْلُهُ:(يَمِينًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِيَلْتَفِتُ، وَقَوْله: مَرَّتَيْنِ حَالٌ مِنْ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا مَقُولَةً مَرَّتَيْنِ إلَخْ. أَوْ مِنْ فَاعِلِ يَلْتَفِتُ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ قَائِلًا ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ مَعْمُولٌ لِلْحَالِ قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْنِ) فَالِالْتِفَاتُ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْمَقُولُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ أَيْ فِي الْأَذَانِ، أَمَّا فِي الْإِقَامَةِ فَمَرَّتَيْنِ مَرَّةً يَمِينًا وَمَرَّةً شِمَالًا اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (عَدْلًا فِي الشَّهَادَةِ) مَحْمُولٌ عَلَى كَمَالِ السُّنَّةِ، أَمَّا أَصْلُهَا فَيَكْفِي فِيهِ عَدْلُ رِوَايَةٍ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْ الْوَالِدِ ش م ر وَقَوْلُهُ عَدْلًا لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا فِيمَنْ يُؤَذِّنُ حِسْبَةً، أَمَّا مَنْ يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّصْبِ شَرْعًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ بِأَمَارَةٍ أَوْ خَبَرٍ ثِقَةٍ عَنْ عِلْمٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا أَمِينًا، فَغَيْرُ الْعَارِفِ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَإِنْ صَحَّ أَذَانُهُ ش م ر. وَاقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّقْرِيرِ وَإِنْ حَرُمَ، وَحَيْثُ صَحَّ التَّقْرِيرُ اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ. اهـ. سم وم ر. وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ:(عَالِيَ الصَّوْتِ حَسَنَهُ) لِأَنَّهُ أَبْعَثُ عَلَى الْإِجَابَةِ قَوْلُهُ: (وَكُرِهَا مِنْ فَاسِقٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ ش الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (وَصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ) أَيْ فَيَتَأَدَّى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ الشِّعَارُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِدُخُولِ

ص: 50

وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ التَّرْتِيبُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ وَدُخُولُ وَقْتِ الْأَذَانِ صُبْحٌ فَمِنْ نِصْفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَقْتِ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. نَعَمْ قَدْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا احْتَفَتْ بِهِ قَرِينَةٌ كَإِذْنٍ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ، وَإِخْبَارِهِ بِطَلَبٍ فِي وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إنْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ م ر قَوْلُهُ:(وَأَعْمَى) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغْلَطُ فِي الْوَقْتِ قَوْلُهُ: (وَمُحْدِثٍ) أَيْ غَيْرِ فَاقِدٍ الطَّهُورَيْنِ إلَّا إنْ أَحْدَثَ فِي الْأَثْنَاءِ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إكْمَالُهُ، وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُ لِيَتَوَضَّأَ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا: صُورَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْأَذَانُ لِلْمُحْدِثِ ح ل.

وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إكْمَالُهُ فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى، وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْمُؤَذِّنِ الطَّهَارَةُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «لَا تُؤَذِّنْ إلَّا وَأَنْتَ مُتَوَضِّئٌ» وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ، فَلْيَكُنْ بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ مُتَّعِظٍ قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الطُّهْرُ مِنْ الْخَبَثِ قَوْلُهُ:(فِي الْإِقَامَةِ) أَيْ مِنْهُمَا أَغْلَظَ مِنْهَا فِي أَذَانِهِمَا لِقُرْبِهِمَا مِنْ الصَّلَاةِ ش الْمَنْهَجِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ إقَامَةَ الْمُحْدِثِ أَغْلَظُ مِنْ أَذَانِ الْجُنُبِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَسَاوِيهِمَا ح ل. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَهِيَ فِي الْإِقَامَةِ مِنْهُمَا أَيْ كَرَاهَةُ الْإِقَامَةِ مَعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ مَعَهُ، وَكَرَاهَةُ الْإِقَامَةِ مَعَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ مَعَهَا، وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ مُسَاوَاةَ أَذَانِ الْجُنُبِ لِإِقَامَةِ الْمُحْدِثِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْجُنُبِ لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ أَذَانِهِمَا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. قَالَ الْكُوكِيلُونِيُّ: الْكَرَاهَةُ فِي أَذَانِ الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَمِنْ إقَامَتِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي إقَامَةِ الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْ أَذَانِهِ وَمِنْ أَذَانِ الْمُحْدِثِ وَمِنْ إقَامَتِهِ، وَالْكَرَاهَةُ فِي إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ مِنْ أَذَانِهِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ رَمْلِيٌّ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ أَشَدُّ مِنْ الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَشَدَّ مِنْهَا مَعَهُمَا اهـ عَنَانِيٌّ

قَوْلُهُ: (التَّرْتِيبُ) لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ، فَإِنْ عَكَسَ وَلَوْ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ وَيَبْنِي عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى اهـ خ ض قَوْلُهُ:(وَالْوَلَاءُ) فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ طَوِيلٍ، فَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلٌ يَسِيرٌ سُكُوتٌ أَوْ كَلَامٌ وَلَوْ قَصَدَ الْقَطْعَ، وَلَا يَسِيرُ نَوْمٍ وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُطَوِّلَ الْفَصْلَ عُرْفًا بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ ح ل قَوْلُهُ:(وَلِجَمَاعَةٍ جَهْرٌ) بِحَيْثُ يُسْمِعُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ، وَفِي الْمُنْفَرِدِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ كَذَلِكَ ق ل. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَمُ بِنَاءِ الْغَيْرِ عَلَى أَذَانِهِ أَوْ إقَامَتِهِ وَإِنْ اشْتَبَهَا صَوْتًا وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي لَبْسٍ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَجَهْرٌ لِجَمَاعَةٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ أَيْ بِالْقُوَّةِ. وَيَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْفِعْلِ، وَيُجْزِيهِ فِي أَذَانِهِ لِنَفْسِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ الذِّكْرِ بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ اهـ. عب.

قَوْلُهُ: (وَدُخُولُ وَقْتِ) فَلَا يَصِحَّانِ قَبْلَهُ بَلْ وَيَحْرُمَانِ إنْ أَدَّى إلَى تَلْبِيسٍ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الْعِبَادَةَ. قَالَ سم: وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً صَغِيرَةً. وَبُولِغَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ كَبِيرَةٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ دُخُولُ وَقْتٍ أَيْ وُقُوعُهُمَا فِيهِ وَلَوْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَهُوَ فِي الْإِقَامَةِ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَكَذَا فِي الْأَذَانِ لِلْمَقْضِيَّةِ وَفِي الْمُؤَدَّاةِ وَقْتُهَا الْمَضْرُوبُ لَهَا شَرْعًا. قَالَ فِي الْعُبَابِ: فَإِذَا أَذَّنَ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَصَادَفَهُ اُتُّجِهَ الْإِجْزَاءُ اهـ. وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَافِي رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ: وَفَارَقَ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ثَمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا.

قَالَ الشَّيْخُ: وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ أَجْزَأَتْ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُطْبَةِ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ إنَّهَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ شَوْبَرِيٌّ. فَيَصِحُّ الْأَذَانُ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ وَتَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ ضَعِيفٌ أَوْ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ. نَعَمْ تَبْطُلُ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ اهـ خ ض.

ص: 51

اللَّيْلِ

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِمَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ.

وَيُسَنُّ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا إلَّا فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لِذَاتِهِمَا كَالْوَقْتِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْجَهْرِ لِجَمَاعَةٍ وَعَدَمِ بِنَاءِ غَيْرٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لَا لِذَاتِهِمَا بَلْ لِفَاعِلِهِمَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَكَذَا الذُّكُورَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَذَانِ قَوْلُهُ:(الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِنُطِقْهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عِيسَوِيًّا، وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ إلَّا إنْ أَعَادَهُ ثَانِيًا. وَالْعِيسَوِيُّ شَخْصٌ مِنْ طَائِفَةِ الْيَهُودِ، مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْفَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْفَخْرِ اهـ ح ل. وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِهِمَا، أَمَّا أَذَانُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِهِ اهـ سم اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ) لَوْ قَالَ: وَذُكُورَةُ الْمُؤَذِّنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النِّسَاءِ صُورَةُ أَذَانٍ لَا أَذَانٌ لِأَنَّهُ مِنْهُنَّ ذِكْرٌ فَقَطْ إذْ هُوَ مِنْ وَظَائِفِ الذُّكُورِ، فَلَا يُسَنُّ لِلْأُنْثَى وَلَا لِلْخُنْثَى مُطْلَقًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ مُطْلَقًا وَبِدُونِهِ مَعَ قَصْدِ التَّشْبِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى فَبَانَتْ ذُكُورَتُهُ عَقِبَ أَذَانِهِ أَجْزَأَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الْحُرْمَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ أَوْ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، وَالْعِلَّةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي ش الْمِنْهَاجِ، حَيْثُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ زِيَادِيٌّ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي ش م ر وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَعَ الرَّفْعِ فَوْقَ مَا يَسْمَعُ صَوَاحِبَاتُهَا حَرَامٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ، كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ أَمْ لَا لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ، وَمَعَ عَدَمِ الرَّفْعِ إنْ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَا يُشْكِلُ بِجَوَازِ غِنَائِهَا مَعَ اسْتِمَاعِ الرَّجُلِ لَهُ لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَالْأَذَانِ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا تَشْبِيهًا بِالرِّجَالِ بِخِلَافِ الْغِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَالْأَذَانَ عِبَادَةٌ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِيهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ حَالَ أَذَانِهِ، فَلَوْ اسْتَحْسَنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأُمِرَ السَّامِعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ مِنْهَا إنَّمَا يُبَاحُ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يُؤْمَنُ افْتِتَانُهُمْ بِصَوْتِهَا، وَالْأَذَانُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالْأَمْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ فَمُنِعَتْ مِنْهُ. وَفَارَقَ الرَّفْعُ هُنَا الرَّفْعَ بِالتَّلْبِيَةِ بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ لَكِنْ فِي الْأَذْكَارِ: وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَعُلِّلَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَتَأَمَّلْ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ غِنَائِهَا وَأَذَانِهَا جَوَازُ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِصْغَاءُ لِلْقِرَاءَةِ مَنْدُوبًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَفْتَى بِهِ م ر قَالُوا: فَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ جَهْرِهَا بِهَا فِي الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَعَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ يُؤَذِّنَانِ عَلَى التَّنَاوُبِ هَذَا فِي وَقْتٍ وَهَذَا فِي آخَرَ حَيْثُ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَسْجِدُ لَا أَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ح ل

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِسَامِعٍ إلَخْ) لِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ «إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجَابَتْ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ كَانَ لَهَا بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفُ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَلِلرَّجُلِ ضِعْفُ ذَلِكَ» شَرْحُ حَجّ. وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَقُولُوا أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَأَخَذُوا مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ يُجِيبُ فِي التَّرْجِيعِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ شَرْحُ م ر وحج. قَالَ سم: وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ النَّوَوِيِّ أَنَّ السَّامِعَ يُجِيبُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ فَبَحَثَهُ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي إجَابَتِهِ لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي وَجْهِ الْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ

ص: 52

حَيْعَلَاتٍ وَتَثْوِيبٍ وَكَلِمَتَيْ إقَامَةٍ فَيُحَوْقِلُ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فِي الْأُولَى، وَيَقُولُ فِي الثَّانِيَةِ: صَدَقْت وَبَرَرْت، وَفِي الثَّالِثَةِ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا.

وَيُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدَّتْهُ. تَنْبِيهٌ: الْأَذَانُ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَقِيلَ إنَّ الْأَذَانَ مَعَ الْإِقَامَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا فِي نُكَتِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

نَفْسَهُ أَخْذًا مِنْ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ اهـ. وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يُكْرَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إجَابَةُ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ، وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام. قَالَ م ر: وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ وَاخْتَلَطَتْ أَصْوَاتُهُمْ عَلَى السَّامِعِ وَصَارَ بَعْضُهُمْ يَسْبِقُ بَعْضًا فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُسْتَحَبُّ إجَابَةُ هَؤُلَاءِ.

وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ اهـ اج وَقَوْلُهُ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا وَلَوْ لِنَفْلٍ وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْكَلَامُ كَقَاضِي الْحَاجَةِ وَالْمَجَامِعِ وَمَنْ يَسْمَعُ الْخَطِيبَ ح ل.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَلِمَةٍ) أَيْ مِنْ الْحَيْعَلَاتِ، وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ

قَوْلُهُ: (الدَّعْوَةِ) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَوْلُهُ: (التَّامَّةِ) أَيْ السَّالِمَةِ مِنْ تَطَرُّقِ نَقْصٍ إلَيْهَا وَالْقَائِمَةُ الَّتِي سَتُقَامُ. وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَعَدْتَهُ أَيْ بِقَوْلِهِ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَوْلُهُ: (وَالْفَضِيلَةُ) مُرَادِفٌ أَوْ مَا أُعْطِيَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ ق ل. أَوْ الْمُرَادُ بِالْفَضِيلَةِ الشَّفَاعَةُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، أَمَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْوَسِيلَةِ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ وَبِالْفَضِيلَةِ مَنْزِلَةُ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فَالْكَلَامُ مُشْكِلٌ، إذْ كَيْفَ يُطْلَبُ لِلنَّبِيِّ مَا لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ؟ فَالصَّوَابُ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ؛ وَفَائِدَةُ طَلَبِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم عَوْدُ الثَّوَابِ عَلَى الدَّاعِي أَوْ إظْهَارُ شَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ:(مَقَامًا) مَفْعُولٌ بِهِ لِابْعَثْهُ بِتَضْمِينِهِ مَعْنَى أَعْطِهِ، أَوْ مَفْعُولٌ فِيهِ أَيْ أَقِمْهُ فِي مَقَامٍ أَوْ حَالٍ أَيْ ابْعَثْهُ ذَا مَقَامٍ مَحْمُودٍ شَرْحُ الْبُخَارِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ:(وَحْدَهُ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ) قَالُوا لِخَبَرِ «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِإِعْلَامِهِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ نَفْعًا مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ أَكْثَرُ رَجَاءً، لِأَنَّ رَاجِيَ الشَّيْءِ يَمُدُّ عُنُقَهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إسْرَاعًا إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ أَفْضَلَ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً، وَالْإِمَامَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَرَدِّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ شَرْحُ م ر، وَلِحَدِيثِ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ، وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ الْإِرْشَادِ اهـ اج. وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ قَالُوا إلَخْ تَبَرُّؤٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ. وَقَدَّمَ الْجِنَّ عَلَى الْإِنْسِ لِتَأَثُّرِهِمْ بِالْأَذَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِنْسِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى كَوْنِ الْأَذَانِ أَفْضَلَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، فَالْأُصُولُ فِيهِ التَّكْبِيرُ وَالشَّهَادَتَانِ، وَالْفُرُوعُ مِنْ قَوْلِهِ حَيِّ عَلَى الصَّلَاةِ إلَخْ. وَإِنَّمَا طُلِبَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْ الْمُجِيبِ لِلْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ إذْ لَوْ قَالَهُ السَّامِعُ لَكَانَ النَّاسُ كُلُّهُمْ دُعَاةً، فَمنْ الْمُجِيبُ فَيُسَنُّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اهـ اج. تَنْبِيهٌ: لِيُحْذَرْ مِنْ أَغْلَاطٍ تُبْطِلُ الْأَذَانَ بَلْ يُكَفَّرُ مُتَعَمِّدُ بَعْضِهَا كَمَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ وَهَمْزَتِهِ، وَهَمْزَةِ أَشْهَدُ وَأَلِفِ اللَّهُ، وَمِنْ

ص: 53

(وَ) سُنَنُهَا (بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ، فَأَبْعَاضُهَا ثَمَانِيَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (شَيْئَانِ) الْأَوَّلُ:(التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ) كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ. (وَ) الثَّانِي الْقُنُوتُ (فِي) ثَانِيَةِ (الصُّبْحِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَمَحَلُّ الِاقْتِصَارِ عَلَى الصُّبْحِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي حَالِ الْأَمْنِ، فَإِنْ نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ لَا نَزَلَتْ اُسْتُحِبَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْأَبْعَاضِ وَهُوَ: " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَدَمِ النُّطْقِ بِهَاءِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ بِلَحْنِهِ إنْ أَدَّى لِتَغَيُّرِ مَعْنًى أَوْ إيهَامِ مَحْذُورٍ، وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَشْتَبِهُ بِالْأَذَانِ وَلَا اللَّهُ الْأَكْبَرُ.

قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا مِنْ الْخَمْسِ الَّذِي أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِإِطْلَاقِهِ الْمُقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْإِطْلَاقَ هُنَا عَامٌّ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ وَهُوَ الْوِتْرُ ق ل قَوْلُهُ: (فَأَبْعَاضُهَا ثَمَانِيَةٌ) بَلْ عِشْرُونَ كَمَا يَأْتِي ق ل قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ إلَخْ) حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى أَلْفَاظِهِ فَقَطْ، وَلَوْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِقُعُودِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَقُعُودِهَا لَكَانَ أَوْلَى فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَبْعَاضٍ أَرْبَعَةٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ صَوَابُهُ إسْقَاطُ هَذِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي عَدِّهِ لَا فِي السُّجُودِ لِتَرْكِهِ فَتَأَمَّلْ.

وَقَوْلُهُ: وَالْقُنُوتُ إلَخْ لَوْ جَعَلَهُ شَامِلًا لِكُلِّ مَا يُطْلَبُ فِيهِ دَخَلَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَعْضًا كَمَا يَأْتِي ق ل بَلْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ الْقُنُوتُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى الْآلِ وَعَلَى الصَّحْبِ وَالسَّلَامُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهَذِهِ سَبْعَةٌ، وَالْقِيَامُ لِكُلٍّ مِنْهَا فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَإِنْ نَظَمَ الْبَعْضُ الْقُنُوتَ كَانَتْ سِتَّةَ عَشَرَ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فِيهِ سِتَّةٌ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فِيهِ وَالْقُعُودُ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ فِيهِ اثْنَانِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالْقُعُودُ لَهَا. فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، فَاضْرِبْ الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهَا هُوَ بِأَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامُهُ فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ فِيهَا يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ عَلَى أَلْفَاظِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهُ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ، فَإِنْ أَطَالَهُ بِدُعَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ عَمْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْقَاضِي بِالْبُطْلَانِ. نَعَمْ لَوْ فَرَغَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ مَا طُلِبَ مِنْهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ سُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَتَوَابِعُهَا اهـ اج.

قَوْلُهُ: (الْقُنُوتُ) هُوَ لُغَةً الثَّنَاءُ وَشَرْعًا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ كَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَا غَفُورُ فَلَوْ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِمَا لَمْ يَكُنْ قُنُوتًا وَمِثْلُ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ آيَةٌ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ كَآخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا الْقُنُوتَ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِهِ بِخِلَافِ تَرْكِ أَحَدِ الْقَنُوتَيْنِ كَأَنْ تَرَكَ قُنُوتَ سَيِّدِنَا عُمَرَ الْآتِي اهـ خ ض. قَوْلُهُ: (فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ) أَيْ فِي اعْتِدَالِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَخُصَّتْ الصُّبْحُ بِالْقُنُوتِ لِشَرَفِهَا وَلِأَنَّهُ يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُثَوَّبُ لَهَا وَهِيَ أَقْصَرُ الْفَرَائِضِ، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ أَلْيَقَ بِرْمَاوِيٌّ وَيَسْجُدُ تَارِكُهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ الْحَنَفِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بَلْ وَإِنْ فَعَلَهُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّ تَرْكَ إمَامِهِ لَهُ وَلَوْ اعْتِقَادًا مِنْ حُكْمِ السَّهْوِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمَأْمُومُ لَا لِاقْتِدَائِهِ فِي الصُّبْحِ بِمُصَلِّي سُنَّتِهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُهُ وَلَا خَلَلَ فِي صَلَاتِهِ ق ل. وَقَوْلُهُ: لَا لِاقْتِدَائِهِ أَيْ لَا يَسْجُدُ تَارِكُهُ لِلِاقْتِدَاءِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: يَحْمِلُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ لَهُ لِأَنَّ شَأْنَ الْإِمَامِ التَّحَمُّلُ قَوْلُهُ: (كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ) فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (فِي حَالِ الْأَمْنِ) صَوَابُهُ فِي حَالِ عَدَمِ النَّازِلَةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (بِالْمُسْلِمِينَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الْوَاحِدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ خ ض: وَلَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، لَكِنْ شَرَطَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَالْعَالِمِ وَالشُّجَاعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَاعْتَمَدَهُ م ر أَيْضًا اهـ.

قَوْلُهُ: (نَازِلَةٌ) كَوَبَاءٍ وَقَحْطٍ، وَمِنْهُ الطَّعْنُ وَالطَّاعُونُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الدُّعَاءِ بِرَفْعِ ذَلِكَ كَوْنُهُ شَهَادَةً لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ أَسْبَابَ الشَّهَادَةِ كَثِيرَةٌ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ:(لَا نَزَلَتْ) جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ بِرَفْعِ النَّازِلَةِ قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) وَيَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَالسِّرِّيَّةِ وَالْمُؤَدَّاةِ وَالْمَقْضِيَّةِ، وَيُسِرُّ بِهِ الْمُنْفَرِدُ مُطْلَقًا كَقُنُوتِ الصُّبْحِ. وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَةِ النَّفَلُ وَالنَّذْرُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ فِيهَا اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ اللَّهُمَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَاللَّهُمَّ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُوهِمُ الْحَصْرَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِلْقُنُوتِ بَلْ كُلُّ مَا تَضَمَّنَ ثَنَاءً

ص: 54

وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " لِلِاتِّبَاعِ.

(وَ) هَكَذَا (فِي) اعْتِدَالِ رَكْعَةِ (الْوِتْرِ فِي) جَمِيعِ (النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) سَوَاءٌ أَصَلَّى التَّرَاوِيحَ أَمْ لَا، وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ فِي أَلْفَاظِهِ وَجَبْرِهِ بِالسُّجُودِ، وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ قُنُوتَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَهُوَ مَشْهُورٌ وَقَدْ ذَكَرْته فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ. وَالْبَعْضُ الثَّالِثُ: الْقُعُودُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَدُعَاءً حَصَلَ بِهِ الْقُنُوتُ كَآخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إنْ قَصَدَهُ بِهَا، لَكِنْ إنْ شَرَعَ فِي قُنُوتِ النَّبِيِّ الَّذِي فِي الشَّرْحِ أَوْ فِي قُنُوتِ عُمَرَ تَعَيَّنَ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ، فَلَوْ تَرَكَهُ كَغَيْرِهِ أَوْ تَرَكَ كَلِمَةً أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَأَنْ يَأْتِيَ بِمَعَ بَدَلَ فِي فِي قَوْلِهِ " اهْدِنَا مَعَ مَنْ هَدَيْت " أَوْ تَرَكَ الْفَاءَ فِي فَإِنَّك وَالْوَاوَ مِنْ وَإِنَّهُ، وَخَرَجَ بِالشُّرُوعِ مَا لَوْ أَبْدَلَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ بِقُنُوتٍ آخَرَ وَلَوْ قَصِيرًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِحَقِيقَتِهِ، وَهِيَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى ثَنَاءٍ وَدُعَاءٍ نَحْوِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَا غَفُورُ فَلَا سُجُودَ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ أَصْلًا سَجَدَ قَوْلُهُ:(فِيمَنْ هَدَيْت) أَيْ مَعَهُمْ، فَفِي بِمَعْنَى مَعَ أَوْ التَّقْدِيرُ وَاجْعَلْنِي مُنْدَرِجًا فِيمَنْ هَدَيْت وَكَذَا الِاثْنَانِ بَعْدَهُ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ ز ي. قَوْلُهُ:(وَعَافِنِي) أَيْ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: وَتَوَلَّنِي أَيْ كُنْ نَاصِرًا وَحَافِظًا لِي مِنْ الذُّنُوبِ مَعَ مَنْ نَصَرْتَهُ وَحَفِظْتَهُ وَقَوْلُهُ: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ أَيْ شَرَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ السَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيُّ قَوْلُهُ: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت أَيْ قِنِي شَرَّ عَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، أَيْ رَضِّنِي بِالْقَضَاءِ أَيْ الْمَقْضِيِّ مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ قَوْلُهُ:(فَإِنَّك تَقْضِي) أَيْ تَحْكُمُ قَوْلُهُ: (لَا يَذِلُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَيَجُوزُ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا يَعِزُّ ق ل أَيْ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذ ل قَوْلُهُ: (تَبَارَكْتَ) أَيْ تَزَايَدَ خَيْرُك قَوْلُهُ (وَتَعَالَيْتَ) زَادَ م ر وَغَيْرُهُ " فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك " لَكِنْ إذَا تَرَكَهَا لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا قَالَهُ اج. وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْقُنُوتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَأَنْ يَقُولَ: اهْدِنَا إلَخْ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَالْمُنْفَرِدُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَخْ.

وَقَوْلُهُ: فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْت هُوَ شَامِلٌ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَعَلَيْهِ فَقَدْ يُقَالُ كَيْفَ حَمِدَ عَلَى قَضَاءِ الشَّرِّ وَقَدْ طَلَبَ رَفْعَهُ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي طَلَبَ رَفْعَهُ فِيمَا مَضَى هُوَ شَرُّ الْمَقْضِيِّ مِنْ مَرَضٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَكْرَهُهُ النَّفْسُ، وَالْمَحْمُودُ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْقَضَاءُ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى وَكُلُّهَا جَمِيلَةٌ يُطْلَبُ الثَّنَاءُ عَلَيْهَا. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (وَالْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي التَّحْرِيرِ وَوِتْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ وِتْرُ رَمَضَانَ لَا الْوِتْرُ الْوَاقِعُ فِيهِ، فَلَوْ قَضَى فِيهِ وِتْرَ غَيْرِهِ لَمْ يَقْنُتْ، وَلَوْ فَاتَهُ وِتْرُ رَمَضَانَ فَقَضَاهُ فِي غَيْرِهِ فَهَلْ يَقْنُتُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ احْتِمَالٌ لَكِنَّ قَضِيَّةَ مَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْعِجْلِيِّ وَأَقَرَّهُ مِنْ نَفْيِ اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مِنْ الْعِيدِ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ اهـ. وَأَقُولُ: إنْ أَرَادَ بِهِ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ غَيْرُ شَبِيهٍ بِالْقُنُوتِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ فِيهَا وَهَذَا خَارِجَهَا، وَإِنْ أَرَادَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَالرَّاجِحُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الْمَقْضِيَّةِ، وَقِيَاسُهُ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ بِالْقُنُوتِ فِي الْمَقْضِيَّةِ وَاسْتَوْجَهَهُ شَيْخُنَا. وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّكْبِيرِ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ فَاتَهُ وِتْرُ النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَقَضَاهُ فِي الثَّانِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. م د قَوْلُهُ:(أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ قُنُوتُ عُمَرَ) عِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: قُنُوتُ ابْنِ عُمَرَ وَنِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الَّذِي رَوَاهُ كَمَا عَلَيْهِ غَالِبُ الشُّرَّاحِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ الَّذِي قَالَهُ اهـ وَهُوَ " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ، نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ " اهـ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالثَّانِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَمُلْحَقٌ يَجُوزُ فِيهِ كَسْرُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحُهَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ. وَلَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ يُطَوِّلُ الِاعْتِدَالَ وَهُوَ مُبْطِلٌ. لِأَنَّ مَحَلَّ الْبُطْلَانِ بِتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ فِي غَيْرِ اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ تَطْوِيلُهُ فِي الْجُمْلَةِ. وَقَوْلُهُ: وَنَتْرُكُ

ص: 55

وَالْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اللَّفْظُ الْوَاجِبُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ دُونَ مَا هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ. وَالرَّابِعُ: الْقِيَامُ لِلْقُنُوتِ الرَّاتِبِ. وَالْخَامِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. وَالسَّادِسُ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْقُنُوتِ. وَالسَّابِعُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ بَعْدَ الْقُنُوتِ. وَالثَّامِنُ: الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْقُعُودَ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ بَعْدَ الْأَخِيرِ كَالْقُعُودِ لِلْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْقِيَامَ لَهُمَا بَعْدَ الْقُنُوتِ كَالْقِيَامِ لَهُ فَتَزِيدُ الْأَبْعَاضُ بِذَلِكَ.

وَسُمِّيَتْ هَذِهِ السُّنَنُ أَبْعَاضًا لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ مِنْ الْأَبْعَاضِ أَيْ الْأَرْكَانِ، وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ كَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِالسُّجُودِ. وَلَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِنَخْلَع، وَعَبَّرَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفَاجِرَ كَالْبَابُوجِ الَّذِي يُخْلَعُ مِنْ الرِّجْلِ. وَقَوْلُهُ: وَنَسْجُدُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إنْ أُرِيدَ بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرُ يَكُونُ مُغَايِرًا وَقَوْلُهُ: وَنَحْفِدُ أَيْ نُسْرِعُ وَقَوْلُهُ إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ أَيْ الْحَقَّ، وَقَوْلُهُ مُلْحَقٌ مِنْ أَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ وَهَذَا عَلَى كَسْرِ الْحَاءِ، وَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا فَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَلْحَقَهُ بِهِمْ. فَرْعٌ: لَوْ قَصَدَ أَنْ يَقْنُتَ لِنَازِلَةٍ ثُمَّ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ أَوْ رَاتِبَةَ الظُّهْرِ أَوْ أَرْبَعًا نَفْلًا بِقَصْدِ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَتَرَكَهُ فِي الْكُلِّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ خِلَافًا لحج فِي الْأَخِيرَةِ رَحْمَانِيٌّ فَسُجُودُ السَّهْوِ يَكُونُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى نَفْلًا أَرْبَعًا بِتَشَهُّدٍ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ عَزَمَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَنَسِيَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ، وَقِيلَ لَا يَسْجُدُ مُطْلَقًا، وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ م ر الْأَوَّلَ وحج الثَّانِيَ.

قَوْلُهُ: (مَا هُوَ سُنَّةٌ فِيهِ) أَيْ الْأَخِيرِ وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ، فَلَا تُسَنُّ فِي الْأَوَّلِ بَلْ قِيلَ بِكَرَاهَتِهَا فِيهِ، وَلَا سُجُودَ لِتَرْكِهَا وَلَا لِفِعْلِهَا فِيهِ أَيْضًا ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ. م د قَوْلُهُ:(بَعْدَ التَّشَهُّدِ إلَخْ) وَمَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ» إلَخْ. مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ، وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ وَرَدَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ:(فَتَزِيدُ الْأَبْعَاضُ بِذَلِكَ) أَيْ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَتَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَيَزِيدُ الْقُنُوتُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحْبِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى الْآلِ وَعَلَى الصَّحْبِ، وَالْقِيَامِ لِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَتَصِيرُ الْأَبْعَاضُ عِشْرِينَ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَالْأَبْعَاضُ الْحَقِيقِيَّةُ جَبْرُهَا بِالتَّدَارُكِ وَهَذِهِ لَمَّا طُلِبَ جَبْرُهَا بِالسُّجُودِ أَشْبَهَتْ الْأَبْعَاضَ الْحَقِيقِيَّةَ بِجَامِعِ طَلَبِ الْجَبْرِ فِيهِمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْبُورُ بِهِ فَلِهَذَا سُمِّيَتْ أَبْعَاضًا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(لِقُرْبِهَا بِالْجَبْرِ بِالسُّجُودِ) أَيْ بِسَبَبِ الْجَبْرِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَبْعَاضِ) مُتَعَلِّقٌ بِقُرْبِ وَبِالسُّجُودِ مُتَعَلِّقٌ بِجَبْرِ وَهَذَا بَيَانٌ لِلْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُ السُّجُودِ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الْجَبْرِ، وَإِنْ كَانَ الْجَابِرُ مُخْتَلِفًا فَالْجَبْرُ فِي الْأَرْكَانِ بِالتَّدَارُكِ وَفِي الْأَبْعَاضِ بِالسُّجُودِ.

وَقَوْلُهُ: مِنْ الْأَبْعَاضِ أَيْ الْحَقِيقِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّهَا لَيْسَتْ أَبْعَاضًا حَقِيقِيَّةً، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مُسَمَّى الصَّلَاةِ حَقِيقِيَّةُ الْأَرْكَانِ فَقَطْ فَلْيُتَأَمَّلْ. فَإِنَّ فِيهِ وَقْفَةً وَلَهُ تَوْجِيهِ سم. وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ الصَّلَاةُ لَهَا إطْلَاقَانِ، تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ أَيْ الْمُسْتَوْفِيَةُ بِمَا طُلِبَ فِيهَا، وَحِينَئِذٍ فَهِيَ أَبْعَاضٌ حَقِيقَةٌ، وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا مَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الطَّلَبُ وَتَسْمِيَتُهَا حِينَئِذٍ أَبْعَاضًا مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ قَوْلُهُ:(وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَخَرَجَ بِهَا بَقِيَّةُ السُّنَنِ فَلَا يَسْجُدُ لِتَرْكِهَا كَتَرْكِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا نُقِلَ، إذْ الْقُنُوتُ مَثَلًا ذِكْرٌ مَقْصُودٌ شُرِعَ لَهُ مَحَلٌّ خَاصٌّ بِهِ بِخِلَافِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا كَالْمُقَدِّمَةِ لِبَعْضِ الْأَرْكَانِ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّابِعُ كَالسُّجُودِ، فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْهَا ظَانًّا جَوَازَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا لِمَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَعْرِفُ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ مَحَلَّهُ رُدَّ بِمَنْعِ هَذَا التَّلَازُمِ لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَسْمَعُ مَشْرُوعِيَّةَ سُجُودِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا غَيْرَ فَيَظُنُّ عُمُومَهُ لِكُلِّ سُنَّةٍ،

ص: 56

(وَهَيْئَاتُهَا) جَمْعُ هَيْئَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا عَدَا الْأَبْعَاضَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي لَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَالْمَذْكُورَةُ مِنْهَا هُنَا (خَمْسَةَ عَشْرَ خَصْلَةً) الْأُولَى:(رَفْعُ الْيَدَيْنِ) أَيْ رَفْعُ كَفَّيْهِ لِلْقِبْلَةِ مَكْشُوفَتَيْنِ، مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعِ مُفَرَّقَةً وَسَطًا (عِنْدَ) ابْتِدَاءِ (تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) مُقَابِلَ مَنْكِبَيْهِ بِأَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِمَا أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، وَرَاحَتَاهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَعَدَمَ اخْتِصَاصِهِ بِمَحَلِّ الْمَشْرُوعِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) لَا مِنْ الْإِمَامِ وَلَا مِنْ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطِيلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إمَّا لِثِقَلِ لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَتَمَّهُ الْمَأْمُومُ سَرِيعًا اُسْتُحِبَّ لَهُ الدُّعَاءُ إلَى أَنْ يَقُومَ إمَامُهُ فَلَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَمَا بَعْدَهَا، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ تَشَهُّدَهُ الْأَخِيرَ، وَهُوَ أَوَّلٌ لِلْمَأْمُومِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ. وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَهَلْ بَقِيَّةُ التَّشَهُّدِ كَذَلِكَ أَوْ لَا يَأْتِي بِبَقِيَّةِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ كَنَقْلِ الْقَوْلِيِّ. اهـ. ح ل؟ وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر الْإِتْيَانُ بِبَقِيَّتِهِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِتْيَانُ بِدُعَائِهِ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَالْإِمَامُ يُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْإِتْيَانُ بِذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا) خَرَجَ بِهِ الطُّمَأْنِينَةُ لِأَنَّهَا تُسَمَّى هَيْئَةً لِمَا هِيَ فِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ) لِعَدَمِ وُرُودِ السُّجُودِ لِتَرْكِهَا، فَإِنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْهَا عَالِمًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا غَيْرَ مَعْذُورٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ:(رَفْعُ الْيَدَيْنِ) لِإِمَامٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ امْرَأَةً وَإِنْ اضْطَجَعَ، وَالْحِكْمَةُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَفْعُ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ، وَالْإِشَارَةُ فِي رَفْعِ السَّبَّابَةِ إلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَالْإِشَارَةُ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ ذُلٌّ بَيْنَ يَدَيْ عَزِيزٍ. وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُ يَدَيْهِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ اهـ قَوْلُهُ:(أَيْ رَفْعُ كَفَّيْهِ) أَتَى بِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَدِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَنْكِبِ فَدَفَعَهُ بِذَلِكَ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.

وَإِطْلَاقُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْكَفَّيْنِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، فَلَوْ قُطِعَتْ الْيَدُ مِنْ الْكُوعِ رَفَعَ السَّاعِدَ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ رَفَعَ الْعَضُدَ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا رَفَعَ سَاعِدَهَا مَعَ الْأُخْرَى، وَلَوْ رَفَعَ إحْدَاهُمَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى رَفْعِ الْأُخْرَى لَمْ يَحْصُلْ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ:(لِلْقِبْلَةِ) أَيْ مَا يُصَلَّى إلَيْهِ فَيَشْمَلُ مَقْصِدَ الْمُسَافِرِ أَوْ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ رَحْمَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعِ لِيَكُونَ لِكُلِّ عُضْوٍ اسْتِقْلَالٌ فِي الْعِبَادَةِ.

ضَابِطٌ لِلْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ سِتُّ حَالَاتٍ: إحْدَاهَا حَالَةُ الرَّفْعِ فِي تَحَرُّمٍ وَرُكُوعٍ وَاعْتِدَالٍ وَقِيَامٍ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ فَيُنْدَبُ تَفْرِيقُهَا. الثَّانِيَةُ: حَالُ قِيَامٍ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ فَلَا تُفَرَّقُ. الثَّالِثَةُ: حَالُ رُكُوعٍ فَيُنْدَبُ تَفْرِيقُهَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. الرَّابِعَةُ: حَالُ سُجُودٍ فَتُضَمُّ وَتُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ. الْخَامِسَةُ: حَالُ قُعُودٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالسُّجُودِ. السَّادِسَةُ: التَّشَهُّدُ فَالْيَمِينُ مَضْمُومَةُ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَالْيُسْرَى مَبْسُوطَةٌ وَالْأَصَحُّ فِيهَا الضَّمُّ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْتِدَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّفْعِ، أَيْ ابْتِدَاءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. وَقَوْلُهُ: مُقَابِلُ مَنْكِبَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يُنْهِيهِمَا مُقَابِلُ مَنْكِبَيْهِ قَوْلُهُ: (مَنْكِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ وَهُوَ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدَيْنِ وَالْكَتِفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ دُونَ حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَعَ فِعْلٍ ثَالِثٍ وَتَوَالَتْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَمَا ذَكَرَ هُوَ الْأَكْمَلُ، وَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِأَيِّ رَفْعٍ. اهـ. م د خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَوَى الرَّفْعَ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ، وَقَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا رَدَّ فِيهِ عَلَى مُنْكِرِي الرَّفْعِ، وَحِكْمَتُهُ كَمَا قَالَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

ص: 57

مَنْكِبَيْهِ (وَعِنْدَ) الْهَوِيِّ إلَى (الرُّكُوعِ وَ) عِنْدَ (الرَّفْعِ مِنْهُ) وَعِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا.

(وَ) الثَّانِيَةُ (وَضْعُ) بَطْنِ كَفِّ (الْيَمِينِ عَلَى) ظَهْرِ (الشِّمَالِ) بِأَنْ يَقْبِضَ فِي قِيَامٍ أَوْ بَدَلِهِ بِيَمِينِ كُوعِ يَسَارِهِ وَبَعْضِ سَاعِدِهَا وَرُسْغِهَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا صَوْبَ السَّاعِدِ. وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ فَلَا بَأْسَ. وَالْكُوعُ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ وَالْبُوعُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الرِّجْلِ يُقَالُ الْغَبِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ وَالرُّسْغُ هُوَ الْمِفْصَلُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إعْظَامُ إجْلَالِ اللَّهِ وَرَجَاءُ ثَوَابِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَوَجْهُ الْإِعْظَامِ مَا تَضَمَّنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ مِنْ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ عَلَى اعْتِقَادِ كِبْرِيَائِهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، وَالتَّرْجَمَةِ عَنْهُ بِاللِّسَانِ، وَإِظْهَارِ مَا يُمْكِنُ إظْهَارُهُ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ مَا سِوَاهُ تَعَالَى وَالْإِقْبَالِ بِكُلِّهِ عَلَى صَلَاتِهِ، وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الرَّفْعِ أَنْ يَرَاهُ الْأَصَمُّ فَيَعْلَمَ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَعْمَى يَعْلَمُ سَمَاعَ التَّكْبِيرِ، وَإِشَارَةٌ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَعْبُودِ اهـ. وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي رَفْعِهِمَا أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَالْأَصْنَامُ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَوَافَقَهُ الْمُنَافِقُونَ وَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَسَقَطَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَتَفْرِيقِ الْأَصَابِعِ وَكَوْنِهِ وَسَطًا وَإِلَى الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا أُثِيبَ عَلَيْهِ وَفَاتَهُ الْكَمَالُ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ فَعَلَهُ حَيْثُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ

قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْهَوِيِّ) أَيْ قَبْلَهُ بِأَنْ يَهْوِيَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّفْعِ ق ل. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض بِأَنْ يَبْتَدِئَ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَإِذَا حَاذَى كَفَاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى اهـ، وَلَوْ تَرَكَ الرَّفْعَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ رَفَعَ أَثْنَاءَهُ لَا بَعْدَهُ لِزَوَالِ الْهَيْئَةِ قَوْلُهُ:(وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَبْتَدِئَ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَإِذَا اسْتَوَى أَرْسَلَهُمَا إرْسَالًا خَفِيفًا تَحْتَ صَدْرِهِ فَقَطْ وَوَافَقْنَا عَلَى الرَّفْعِ الْحَنَابِلَةُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: لَا يُقَالُ هَلَّا يُسَنُّ تَرْكُ الرَّفْعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. لِأَنَّا نَقُولُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ لَا يُخَالِفَ سُنَّةً ثَابِتَةً وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ نَحْوِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي جَمِيعِ مَحَالِّهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَلَا تُتْرَكُ لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي فَلَا يَرْفَعُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَلْيُرَاجَعْ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقْبِضَ) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ، وَلَوْ أَرْسَلَهُمَا بِلَا عَبَثٍ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ بَعْدَ قَوْلِهِ:(وَرُسْغِهَا) أَيْ وَبَعْضِ رُسْغِهَا كَمَا هُوَ صَرِيحٌ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ أَيْ فَهُوَ مَجْرُورٌ، وَلَا يُقَالُ الْمَقْبُوضُ جَمِيعُ الرُّسْغِ بِمَعْنَى الْمِفْصَلِ لِأَنَّ هُنَاكَ فُرْجَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَلِي الْإِبْهَامَ مِنْ الْكَفِّ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: لَا يَبْعُدُ فِيمَنْ قُطِعَ كَفُّ يُمْنَاهُ مَثَلًا وَضْعُ طَرَفِ الزَّنْدِ عَلَى يُسْرَاهُ، وَفِيمَنْ قُطِعَ كَفَّاهُ وَضْعُ أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ عِنْدَ طَرَفِ الْآخَرِ تَحْتَ صَدْرِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ سُقُوطَ السُّجُودِ عَلَى الْيَدِ إذَا قُطِعَ الْكَفُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ بِسُقُوطِ مَحَلِّهِ دُونَ الِاسْتِحْبَابِ، وَأَيْضًا فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ اهـ وَالزَّنْدُ مُوصِلٌ طَرَفَ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ جَمْعُهُ زِنَادٌ وَأَزْنَادٌ اهـ قَوْلُهُ:(تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ) حَالٌ أَيْ وَلَوْ مُضْطَجِعًا. وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَضَعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ قَوْلُهُ: (الْمِفْصَلُ) كَمِنْبَرٍ قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ مِنْ الْقَبْضِ) أَيْ حِكْمَتُهُ ذَلِكَ وَقِيلَ حِكْمَتُهُ حِفْظُ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْعَادَةِ فِيمَنْ أَرَادَ حِفْظَ شَيْءٍ نَفِيسٍ، وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهِمَا كَذَلِكَ أَنْ تَكُونَا فَوْقَ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَيُسَنُّ أَنْ تَكُونَا إلَى جِهَةِ الْيَسَارِ أَمْيَلَ لِمَا ذُكِرَ إذْ هِيَ مَحَلُّهُ لِأَنَّ مَنْ احْتَفَظَ عَلَى شَيْءٍ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَفْضَلُ الْإِرْسَالُ تَشْبِيهًا بِالْمَيِّتِ {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148] شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَالْكُوعُ) الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي إبْهَامَ الْيَدِ

ص: 58

بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ

(وَ) الثَّالِثَةُ دُعَاءُ (التَّوَجُّهِ) نَحْوَ: " وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ أَصْلَ إبْهَامِ الْيَدِ إلَخْ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ أَصْلٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُوعِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبُوعِ فَلَا تَقْدِيرَ قَوْلُهُ:(الْغَبِيُّ) الْغَبَاوَةُ نِهَايَةُ الْبَلَادَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْغَبِيُّ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ كُرْسُوعِهِ لِأَنَّ الْكُرْسُوعَ قَرِيبٌ مِنْ الْكُوعِ. فَيَكُونُ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ بَيْنَهُمَا غَايَةً فِي غَبَاوَتِهِ قَوْلُهُ:(وَالرُّسْغُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمِفْصَلُ أَيْ مَا فَوْقَ الْمِفْصَلِ مِنْ عِظَامِ الْأَصَابِعِ بَيْنَ الْكُوعِ الْمَذْكُورِ وَالْكُرْسُوعِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ ق ل. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الثَّلَاثَةَ أَسْمَاءٌ لِمَا اتَّصَلَ بِالسَّاعِدِ لَا بِالْكَفِّ، فَهِيَ أَجْزَاءٌ مِنْ السَّاعِدِ لَا مِنْ الْكَفِّ م د. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:

وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي

لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطَ

وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ

بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ

وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَقْبِضَ إلَخْ هِيَ الْكَيْفِيَّةُ الْفُضْلَى، وَوَرَاءَهَا كَيْفِيَّتَانِ بَسْطُ أَصَابِعِ الْيَمِينِ فِي عَرْضِ الْمِفْصَلِ أَوْ نَشْرُهَا صَوْبَ السَّاعِدِ، فَلِوَضْعِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثُ كَيْفِيَّاتٍ. تَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الرَّفْعُ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْيَدَ فِي حَالِ الْقِيَامِ فَارِغَةٌ عَنْ الشُّغْلِ فَيُسَنُّ لَهَا الرَّفْعُ كَحَالَةِ الِافْتِتَاحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ السُّجُودِ فَإِنَّ الْيَدَ هُنَاكَ مَشْغُولَةٌ بِالْوَضْعِ عَلَى الْفَخِذِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَمْ يُسَنَّ لَهَا شُغْلٌ آخَرُ فَيَشْغَلَهَا عَنْهُ، وَلَا يُسَنُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلْقِيَامِ مِنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ

قَوْلُهُ: (دُعَاءُ التَّوَجُّهِ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ، وَالْمُصَنِّفُ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا أَيْ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا إلَّا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَلَا يُنْدَبُ فِيهَا كَالصُّورَةِ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَإِنْ صَلَّى عَلَى غَائِبٍ أَوْ قَبْرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَلَا يُطْلَبُ إلَّا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا اهـ اج. وَفِي تَسْمِيَتِهِ دُعَاءً تَجَوُّزٍ لِأَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبٌ وَهَذَا لَا طَلَبَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ فَسُمِّيَ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهِ كَمَا يُجَازَى عَلَى الدُّعَاءِ اهـ اج. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: سُمِّيَ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ آخِرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا هُنَا وَهُوَ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدَتْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. فَإِنَّ هَذَا مِنْهُ، وَمَحَلُّهُ بَعْدَ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَيَفُوتُ بِشُرُوعِهِ فِي التَّعَوُّذِ أَوْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ سَهْوًا وَبِجُلُوسِهِ مَعَ إمَامِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَجَلَسَ مَعَهُ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ: لَيْسَ لَنَا مَسْبُوقٌ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا مَنْ أَحْرَمَ فَسَلَّمَ إمَامُهُ، أَوْ قَامَ أَيْ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ جُلُوسِهِ أَيْ الْمَأْمُومِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ إنَّمَا يُسَنُّ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَأَنْ لَا يَخَافَ فَوْتَ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَأَنْ لَا يَخَافَ الْمَأْمُومُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ، وَأَنْ لَا يُدْرِكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ، فَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يَفْتَتِحْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَأَنْ لَا يَشْرَعَ الْمُصَلِّي مُطْلَقًا فِي التَّعَوُّذِ أَوْ الْقِرَاءَةِ، وَشُرُوطُ التَّعَوُّذِ شُرُوطُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إلَّا أَنَّهُ يُسَنُّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَعِبَارَةُ ابْنِ شَرَفٍ قَوْلُهُ: وَافْتِتَاحُ مَحَلِّهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، لَكِنْ فِي الثَّانِي نَظَرٌ بَلْ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَدِّ وَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ بِالسُّكُوتِ الْعَمْدِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى م ر سُئِلَ عَنْ الشَّخْصِ إذَا صَلَّى آخِرَ الْوَقْتِ وَلَوْ أَتَى بِسُنَنِ الصَّلَاةِ يَخْرُجُ بَعْضُهَا هَلْ يَأْتِي بِهَا أَوْ لَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِفَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَقَطْ؟ فَأَجَابَ حَيْثُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي وَقْتِهَا مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِسُنَنِهَا وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لَا يُقْصَدُ لِذَاتِهِ وَاشْتِغَالَهُ بِسُنَنِهَا مِنْ مَصَالِحِهَا اهـ. وَتَعْبِيرُنَا فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِنَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ بَعْضِهِمْ بِعَقِبَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ بَعْدَ

ص: 59

الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " لِلِاتِّبَاعِ. فَائِدَةٌ: مَعْنَى وَجَّهْت وَجْهِي أَيْ أَقْبَلْتُ بِوَجْهِي، وَقِيلَ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي. وَمَعْنَى فَطَرَ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّحَرُّمِ طَوِيلًا لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَيَبْقَى مَا لَوْ أَتَى بِذِكْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ قَبْلَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالْوَجْهُ فَوَاتُهُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ لِخُرُوجِ الِافْتِتَاحِ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ افْتِتَاحًا، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْعَقِبِيَّةِ عَدَمُ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَرُّمِ بِلَفْظِ مُطْلَقًا لَا بِسُكُوتٍ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْرَاضَ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَلَا يَفُوتُ الِافْتِتَاحُ بِتَأْمِينِهِ مَعَ إمَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (نَحْوَ وَجَّهْتُ وَجْهِي) أَفْهَمَ صَنِيعُهُ أَنَّ لَهُ صِيَغًا أُخَرَ غَيْرَ هَذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِرْمَاوِيٌّ. وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: نَحْوُ وَجَّهْت وَجْهِي إلَخْ إلَى أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ لَا يَنْحَصِرُ فِي وَجَّهْت إلَخْ. فَقَدْ صَحَّ فِيهِ أَخْبَارٌ مِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. وَمِنْهَا: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَخْ. وَبِأَيِّهَا افْتَتَحَ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَخْ أَفْضَلُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامٍ مِنْ ذَكَرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَرْتِيبِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَمُوَالَاتِهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِبَعْضِهِ وَتَأْتِي الْأُنْثَى بِمَا فِي الْآيَةِ لِلتَّغْلِيبِ فِي {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79] وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةُ الشَّخْصِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَطَرَ السَّمَوَاتِ إلَخْ) جَمَعَ السَّمَوَاتِ لِانْتِفَاعِنَا بِجَمِيعِهَا، لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَوَاكِبِ مَا عَدَا السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَرْكُوزَةٌ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ وَهُوَ الْكُرْسِيُّ، وَالسَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَثْبُوتَةٌ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:

زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ

فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ

فَزُحَلُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، وَالْمِرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ وَهَكَذَا. وَأَفْرَدَ الْأَرْضَ لِانْتِفَاعِنَا بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا فَقَطْ وَإِلَّا فَالْأَرْضُ سَبْعٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12] كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَهِيَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مَقَرُّ أَجْسَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْحَقُّ أَنَّ السَّمَاءَ أَفْضَلُ وَالْخُلْفُ فِي غَيْرِ الْبُقْعَةِ الَّتِي ضَمَّتْهُ صلى الله عليه وسلم أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (حَنِيفًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَجَّهْت، أَيْ مَائِلًا إلَى الدِّينِ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَأْسِيسٌ بِجَعْلِ النَّفْيِ عَائِدًا إلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ لَكِنْ لَا يَسُوغُ إرَادَةُ هَذَا إلَّا لِلْخَوَاصِّ قَوْلُهُ: (وَنُسُكِي) أَيْ عِبَادَتِي فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.

وَقَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أُمِرْت هَلْ الْمُشَارُ إلَيْهِ الدُّعَاءُ أَوْ الصَّلَاةُ أَوْ النُّسُكُ أَوْ أَحَدُهُمَا شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أَيْ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) نَظْمُ الْقُرْآنِ، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163] وَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ كَذَلِكَ نَظَرًا لِلتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ مُكَفِّرٌ لِحُكْمِهِ بِكُفْرِ مَنْ قَبْلَهُ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُ تَارَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ق ل. أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَإِلَّا فَهُوَ أَوَّلُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنَّ النُّورَ الْمُحَمَّدِيَّ أَوَّلُ مَا خُلِقَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِنَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (أَقْبَلْت بِوَجْهِي) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ أَعْظَمُ الْحَوَاسِّ، فَإِذَا خَضَعَ فَغَيْرُهُ

ص: 60

وَالْحَنِيفُ، الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ وَعِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ، وَالْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ.

(وَ) الرَّابِعَةُ (الِاسْتِعَاذَةُ) لِلْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ فِيهَا قِرَاءَةً، وَالْأُولَى آكَدُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَوْلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذَّاتُ فَمَعْنَى وَجَّهْت وَجْهِي أَقْبَلْت بِذَاتِي، وَكَنَّى عَنْهَا بِالْوَجْهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ وَجْهًا مُقْبِلًا عَلَى رَبِّهِ لَا يَلْتَفِتُ لِغَيْرِهِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا أَيْ الصَّلَاةِ، وَيَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ الصِّدْقِ خَوْفًا مِنْ الْكَذِبِ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُهُ:(الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ) لَوْ قَالَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ لَكَانَ أَوْلَى، وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَيْ الَّذِينَ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ صَرِيحًا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ أُجَرَاءَ إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى عَمَلٍ نَاجِزٍ وَغَيْرَ مُتَزَوِّجَاتٍ " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك، أَنَا بِك وَإِلَيْك فَتَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ " اهـ. وَقَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك أَيْ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَيْك وَقِيلَ: لَا يُفْرَدُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْك وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَقِيلَ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْك فَإِنَّك خَلَقْته لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ لِخَلْقِك. اهـ. خَطِيبٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ:(وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ) فَعَطْفُهُ عُلِمَ.

قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِعَاذَةُ لِلْقِرَاءَةِ) أَيْ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلِهَا مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ. اهـ. م ر خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إبْعَادُ الشَّيْطَانِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُهَا التَّعَوُّذَ تَعَوَّذَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَرَفٍ وَمِثْلُهُ ق ل. وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ الْمَسْبُوقِ إذَا خَافَ رُكُوعَ إمَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض وَالْمُعْتَمَدُ التَّعَوُّذُ لِلذِّكْرِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدَلِهِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الِافْتِتَاحِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ هُنَا كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَخِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي مُهِمَّاتِهِ وَالْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْخَطِيبِ حَيْثُ قَيَّدُوا نَدْبَ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ اهـ. وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الِانْتِصَابِ إذْ هُوَ تَابِعٌ لَهَا فِي الْمَحَلِّ، فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ لَا يُحْسَبُ وَكَانَ مَكْرُوهًا لِفَوَاتِ تَعْمِيمِ الرُّكْنِ بِالتَّكْبِيرِ إذْ يُسَنُّ مَدُّهُ إلَى تَمَامِ الِانْتِصَابِ، وَيُسِرُّ بِهِمَا أَيْ بِالتَّعَوُّذِ وَالِافْتِتَاحِ نَدْبًا فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا قَوْلُهُ:(أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَتَهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِرَادَةَ إذَا أُخِذَتْ مُطْلَقًا أَيْ مُتَّصِلَةً بِالْقِرَاءَةِ أَوْ لَا لَزِمَ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِعَاذَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أُخِذَتْ الْإِرَادَةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهَا بِالْقِرَاءَةِ اسْتَحَالَ الْعِلْمُ بِوُقُوعِهَا أَيْ الْإِرَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ اسْتِحْبَابُهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَقِيَ عَلَيْهِ قِسْمٌ آخَرُ بِاخْتِيَارِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَذَلِكَ أَنَّا نَأْخُذُهَا مُقَيَّدَةً بِأَنْ لَا يَعِنَّ لَهُ صَارِفٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ اهـ عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (فَقُلْ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، كَأَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِمُوَافَقَةِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] . وَلِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ لِي: قُلْ يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. هَكَذَا

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَخَذْته عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ» وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَقَالَ أَحْمَدُ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36] وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ".

وَقَدْ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَيُسْتَحَبُّ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَعَوَّذَ أَيْضًا، أَيْ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ حَالٍ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَالْمُخْتَارُ الْجَهْرُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هَذَا فِي اسْتِعَاذَةِ الْقَارِئِ عَلَى الْمُقْرِئِ أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، أَمَّا مَنْ قَرَأَ خَالِيًا أَوْ فِي الصَّلَاةِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى. وَمَحَلُّهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهَا بَسْمَلَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا بِالْبَسْمَلَةِ وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36] عَلَى النَّدْبِ. وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي جُمْلَةِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَذَهَبَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: 36] وَالْأَمْرُ فِيهَا لِلْوُجُوبِ حَتَّى إنَّهُمْ أَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَسْتَعِذْ، وَقَدْ جَنَحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَحَكَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَى التَّعَوُّذِ فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَلِأَنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إذَا تَعَوَّذَ الرَّجُلُ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ كَفَى فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ أُمَّتِهِ.

وَأُجِيبَ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ التَّعَوُّذُ مِثْلَهَا، وَوَقْتُ الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ. وَاحْتَجَّ مُخَالِفُ الْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِعَاذَةُ تُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إقْرَارٌ مِنْ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ، وَاعْتِرَافٌ مِنْ الْعَبْدِ بِقُدْرَةِ الْبَارِي عز وجل وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْقَادِرُ عَلَى رَفْعِ جَمِيعِ الْمَضَرَّاتِ وَالْآفَاتِ، وَاعْتِرَافُ الْعَبْدِ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ مُبِينٌ. فَفِي الِاسْتِعَاذَةِ الْتِجَاءٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ عَلَى دَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ الْفَاجِرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ الْعَبْدِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ وَلَوْ لِلْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ اهـ خ ض. وَلَوْ انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامِ أَجْنَبِيٍّ نَاسِيًا فَاسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ ثَانِيًا، وَلَوْ تَعَارَضَ الِافْتِتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ إلَّا أَحَدَهُمَا وَالصَّلَاةَ هَلْ يُرَاعِي الِافْتِتَاحَ لِسَبْقِهِ أَوْ التَّعَوُّذَ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ؟ اُنْظُرْهُ. قُلْت: مِمَّا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ ح ل، وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ فَاتَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَ التَّعَوُّذُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهُوَ أَيْ التَّعَوُّذُ عَلَى سَنَنِ

ص: 62

فَائِدَةٌ: الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَقِيلَ مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ وَقِيلَ الْمَرْجُومُ. وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَسْنُونَةِ

(وَ) الْخَامِسَةُ (الْجَهْرُ) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعِهِ) فَيُسَنُّ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَأُولَتَيْ الْعِشَاءَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقِرَاءَةِ إنْ جَهْرٌ فَجَهْرٌ وَإِنْ سِرٌّ فَسِرٌّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَتَى بِالدُّعَاءِ وَتَرَكَ التَّعَوُّذَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ آكَدُ، وَكَذَا لَوْ تَعَارَضَ الْإِتْيَانُ بِالِافْتِتَاحِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الِافْتِتَاحُ كَمَا أَجَابَ بِهِ م ر فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ:(لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى سُنِّيَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ.

قَوْلُهُ: (الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: الشَّيَاطِينُ الْعُصَاةُ مِنْ الْجِنِّ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ إبْلِيسَ وَالْمَرَدَةُ أَعْتَاهُمْ وَأَغْوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ بِاللِّسَانِ مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ: فَإِنْ ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا جِنِّيٌّ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لَلصِّبْيَانِ قَالُوا: أَرْوَاحٌ، فَإِذَا خَبُثَ وَتَعَرَّمَ أَيْ قَوِيَ قَالُوا: شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَذَا فِي لَقْطِ الْمَرْجَانِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ ذِكْرَ إبْلِيسٍ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ قَدْ يَنْبَغِي تَنْزِيهُ حَضْرَةِ اللَّهِ عَنْهُ. فَالْجَوَابُ: إنَّمَا أَمَرَنَا الْحَقُّ تَعَالَى بِذِكْرِ إبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ مُبَالَغَةً فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْنَا مِنْ وَسْوَسَتِهِ الَّتِي تُخْرِجُنَا مِنْ شُهُودِنَا لِلْحَقِّ تَعَالَى، وَلَوْلَا هَذِهِ الشَّفَقَةُ لَمَا كَانَ أَمَرَنَا بِذِكْرِ هَذَا اللَّعِينِ فِي حَضْرَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْأَشَدِّ وَهُوَ الْوَسْوَسَةُ بِالْأَخَفِّ وَهُوَ الِاسْتِعَاذَةُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ إبْلِيسٍ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيعِ لِأُمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا أَكَابِرَ أَوْ أَصَاغِرَ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ:(مِنْ شَطَنَ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مَصْرُوفٌ لِأَنَّ النُّونَ أَصْلِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ وَقَوْلُهُ مِنْ شَطَنَ بَابُهُ قَعَدَ اهـ قَوْلُهُ:

(وَقِيلَ الْمَرْجُومُ) لِرَجْمِهِ بِالشُّهُبِ وَهُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الرَّاجِمُ لِلنَّاسِ بِالْوَسْوَسَةِ لَكَانَ أَوْلَى، أَيْ فَيَكُونُ فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ اهـ وَقَوْلُهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ الْمَطْرُودُ عَنْ الرَّحْمَةِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إنَّ إبْلِيسَ كَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَعَبَدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ثَمَانِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَوَعَظَ الْمَلَائِكَةَ عِشْرِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الْكُرُوبِيِّينَ ثَلَاثِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الرُّوحَانِيِّينَ أَلْفَ سَنَةً وَطَافَ حَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةً، وَكَانَ اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى الْعَابِدَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الزَّاهِدَ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْعَارِفَ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْوَلِيَّ، وَفِي الْخَامِسَةِ التَّقِيَّ، وَفِي السَّادِسَةِ الْخَازِنَ، وَفِي السَّابِعَةِ عَزَازِيرَ، وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إبْلِيسَ، وَمَعَ ذَلِكَ غَافِلٌ عَنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِ اهـ كَشْفُ الْبَيَانِ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ.

وَرَنَّ إبْلِيسُ اللَّعِينُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: رَنَّةً حِينَ لُعِنَ، وَرَنَّةً حِينَ أُهْبِطَ، وَرَنَّةً حِينَ وُلِدَ النَّبِيُّ، وَرَنَّةً حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ اهـ خ ض

قَوْلُهُ: (وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ) أَيْ وَإِنْ خَافَ الرِّيَاءَ بِخِلَافِ الْجَهْرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ شَوْبَرِيٌّ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَحَلَّ الْخَلْوَةِ وَيُطْلَبُ فِيهِ السَّهَرُ شُرِعَ الْجَهْرُ فِيهِ طَلَبًا لِلَذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَخُصُّ بِالْأُولَيَيْنِ لِنَشَاطِ الْمُصَلِّي فِيهِمَا وَالنَّهَارُ لَمَّا كَانَ مَحَلَّ الشَّوَاغِلِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ طُلِبَ فِيهِ الْإِسْرَارُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّفَرُّغِ لِلْمُنَاجَاةِ، وَأُلْحِقَ الصُّبْحُ بِالصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّوَاغِلِ عَادَةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ اج: وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُ وَيَسُبُّونَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]

ص: 63

وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. وَالتَّرَاوِيحِ وَوِتْرِ رَمَضَانَ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَيْلًا أَوْ وَقْتَ الصُّبْحِ (وَالْإِسْرَارُ) بِهَا (فِي مَوْضِعِهِ) فَيُسِرُّ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ إلَّا فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ، فَيَتَوَسَّطُ فِيهَا بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ نَحْوِهِ. وَمَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطِ فِي الْمَرْأَةِ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ. وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

» الْآيَةَ. أَيْ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك كُلِّهَا وَلَا تُخَافِتْ بِصَلَاتِك كُلِّهَا {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] بِأَنْ تَجْهَرَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَتُخَافِتَ بِصَلَاةِ النَّهَارِ، فَكَانَ يُخَافِتُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَيَجْهَرُ فِي الْمَغْرِبِ لِشُغْلِهِمْ فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالْعَشَاءِ، وَالصُّبْحِ لِكَوْنِهِمْ رُقُودًا، وَفِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِأَنَّ إقَامَتَهُمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ لِلْكُفَّارِ فِيهَا مِنْ قُوَّةٍ. وَهَذَا الْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِغَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالْحُكْمُ بَاقٍ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ لِأَنَّهُ خُلِّفَ عَنْهُ عُذْرٌ آخَرُ هُوَ كَثْرَةُ اشْتِغَالِ النَّاسِ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا ذُكِرَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِدَلِيلِ الْإِطْلَاقِ فِيهَا وَالتَّقْيِيدِ فِي الطَّوَافِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (وَوِتْرِ رَمَضَانَ) أَيْ وَلَوْ لِمُنْفَرِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالتَّرَاوِيحِ قَوْلُهُ: (إلَّا فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ الْمُطْلَقَةِ) خَرَجَ بِهَا غَيْرُهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءَيْنِ فَيُسِرُّ فِيهَا اهـ خ ض قَوْلُهُ: (فَيَتَوَسَّطُ إلَخْ) حَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ، وَالْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا يُعْرَفُ بِالْمُقَايَسَةِ بِهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْأَحْسَنُ فِي تَفْسِيرِهِ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْهَرَ تَارَةً وَيُسِرَّ أُخْرَى إذْ لَا تُعْقَلُ الْوَاسِطَةُ. اهـ. ز ي.

وَفَسَّرَ الْحَلَبِيُّ التَّوَسُّطَ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْإِسْرَارِ إلَى أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْجَهْرِ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى أَدْنَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْلُغَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ إلَى سَمَاعِ مَنْ يَلِيهِ اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ إلَخْ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ التَّشْوِيشِ تَأَمَّلْ. فَالصَّوَابُ تَفْسِيرُ التَّوَسُّطِ بِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:(إنْ لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ) وَإِلَّا أَسَرَّ نَدْبًا إنْ شَرَعَا فِي النَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ قَبْلَ تَحَرُّمِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ قَالَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. أَيْ فَيُنْدَبُ وَلَوْ عَرَضَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ. قَالَ الرَّحْمَانِيُّ: فَإِنْ شَوَّشَ حُرِّمَ عِنْدَ ابْنِ الْعِمَادِ وَكُرِهَ عِنْدَ حَجّ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِغَيْرِ مَنْ يُسَنُّ إيقَاظُهُ لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ شَوَّشَ كُرِهَ فَقَطْ وَلَا يَحْرُمُ الْجَهْرُ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ قَوْلُهُ:(أَوْ نَحْوِهِ) كَمُدَرِّسٍ أَوْ مُتَفَكِّرٍ فِي آلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِثْلُهُ الْخَوْفُ مِنْ الرِّيَاءِ وَإِلَّا سُنَّ لَهُ الْإِسْرَارُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُقَاسُ عَلَى مَا ذَكَرَ مَنْ يَجْهَرُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ بِحَضْرَةِ مَنْ يَشْتَغِلُ بِمُطَالَعَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ تَصْنِيفٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ اهـ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ بِكَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يُنَافِي أَنْ يَجْهَرَ بِهِ أَوْ يُسِرّ يَكُونُ وَاجِبًا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْجَهْرِ وَالتَّوَسُّطِ إلَخْ) أَيْ مَحَلُّ طَلَبِهِمَا قَوْلُهُ: (حَيْثُ لَا يَسْمَعُ أَجْنَبِيٌّ) أَفْهَمَ أَنَّ الْخُنْثَى يَجْهَرُ كَالْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَلِذَا قَالَ: وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا يُخَالِفُهُ فِي الْخُنْثَى أَيْ فَقَالَ إنَّهُ يُسِرُّ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مَعَ أَنَّهُ مَعَ النِّسَاءِ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْرَارِهِ. قَالَ م ر: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّهُ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا اجْتَمَعَ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّكَرِ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَجْهَرَانِ إنْ لَمْ يَسْمَعْهُمَا أَجْنَبِيٌّ، وَيَكُونُ جَهْرُهُمَا دُونَ جَهْرِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ يَسْمَعُهُمَا كُرِهَ بَلْ يُسِرَّانِ، فَإِنْ جَهَرَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُمَا وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الْخُنْثَى يُسِرُّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَرَدَّهُ فِي الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّهُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَهْرُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَيَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِمَا عَلَى إسْرَارِهِ حَالَةَ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اهـ.

ص: 64

مَا يُخَالِفُهُ فِي الْخُنْثَى، وَأَجَبْت عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْفَرِيضَةِ الْمَقْضِيَّةِ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهَا الْعِيدُ، وَالْأَشْبَهُ خِلَافُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قُبَيْلَ بَابِ التَّكْبِيرِ عَمَلًا بِأَصْلِ أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْجَهْرِ بِصَلَاتِهِ فِي مَحَلِّ الْإِسْرَارِ فَيُسْتَصْحَبُ.

(وَ) السَّادِسَةُ (التَّأْمِينُ) عَقِبَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا لِلِاتِّبَاعِ بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، فَآمِينَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ فِيهِ وَلَوْ شَدَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ. وَيُسَنُّ فِي جَهْرِيَّةٍ جَهْرٌ بِهَا وَأَنْ يُؤَمِّنَ الْمَأْمُومُ مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ مَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَائِدَةٌ: الْإِمَامُ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْمُنْفَرِدُ لَا يَجْهَرُ بِهِ مُطْلَقًا اهـ عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي الْفَرِيضَةِ إلَخْ) لَيْسَتْ الْفَرِيضَةُ قَيْدًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ م ر. أَمَّا الْفَائِتَةُ فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ، فَيَجْهَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا وَيُسِرُّ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ. وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ طَلَعَتْ أَسَرَّ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً وَهُوَ الْأَوْجَهُ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى صَلَاةُ الْعِيدِ فَيَجْهَرُ فِي قَضَائِهَا كَالْأَدَاءِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ اهـ أَيْ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ جَهْرِيَّةً فِي وَقْتِ السِّرِّ، فَنَاسَبَ فِي قَضَائِهَا الْجَهْرَ لِأَجْلِ أَنْ يُحَاكِيَ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ، فَلَوْ قَضَى صَلَاةَ الضُّحَى لَيْلًا أَوْ وَقْتَ صُبْحٍ جَهَرَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَوَقْتَ الصُّبْحِ مَحَلُّ الْجَهْرِ، وَلَا يَرِدُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَوِتْرُ غَيْرِ رَمَضَانَ وَرَوَاتِبُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّ الْإِسْرَارَ وَرَدَ فِيهَا فِي مَحَلِّ الْجَهْرِ فَيُسْتَصْحَبُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْعِيدِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَالْعِبْرَةُ فِي قَضَاءِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ لَا الْأَدَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَجْهَرُ فِي قَضَاءِ الظُّهْرِ لَيْلًا وَيُسِرُّ فِي قَضَاءِ الْعِشَاءِ نَهَارًا اهـ. وَعَلَيْهِ يُلْغِزُ فَيُقَالُ: صَلَاةٌ يُسَنُّ فِي قَضَائِهَا شَيْءٌ وَلَا يُسَنُّ فِي أَدَائِهَا، فَإِنْ أُبْدِلَتْ السُّنَّةُ بِالْوُجُوبِ بِأَنْ قُلْت صَلَاةٌ يَجِبُ فِي قَضَائِهَا شَيْءٌ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجِبُ فِي أَدَائِهَا فَقُلْ صُورَتُهُ فِيمَا إذَا فَاتَتْ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ:(وَيُشْبِهُ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا الْعِيدُ) فَيَجْهَرُ فِيهِ فِي وَقْتِ الْجَهْرِ وَيُسِرُّ فِيهِ فِي وَقْتِ الْإِسْرَارِ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ خِلَافُهُ أَيْ بَلْ يَجْهَرُ فِيهِ مُطْلَقًا. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِأَصْلِ إلَخْ) وَلَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ بِالدَّلِيلِ ح ل. وَقَوْلُهُ: وَرَدَ بِالْجَهْرِ إلَخْ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَهْرِ بِهَا وَبِالْجُمُعَةِ إظْهَارُ شَوْكَتِهِمْ بَعْدَ أَنْ مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) أَوْ بَدَلِهَا إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِبَ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالتَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ سَهْوًا. نَعَمْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِوُرُودِهَا فِي الْحَدِيثِ لَا بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ، وَيَفُوتُ بِالشُّرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ فَوْرًا م د. وَقَالَ م ر: وَمُرَادُهُ أَيْ النَّوَوِيِّ بِالْعَقِبِ أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا لَفْظٌ إذْ تَعْقِيبُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ سَنِّ السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ سَهْوًا فِيمَا يَظْهَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى السَّكْتَةِ اللَّطِيفَةِ الْمَشْرُوعَةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَكْتَةٍ) أَيْ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَكَذَا بَقِيَّةُ السَّكَتَاتِ إلَّا الَّتِي بَعْدَ آمِينَ فَإِنَّهَا بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ. وَالسَّكَتَاتُ الْمَطْلُوبَةُ فِي الصَّلَاةِ سِتَّةٌ: بَيْنَ التَّحَرُّمِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَوُّذِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَسْمَلَةِ، وَبَيْنَ آخِرِ الْفَاتِحَةِ وَآمِينَ وَبَيْنَ آمِينَ وَالسُّورَةِ إنْ قَرَأَهَا، وَبَيْنَ آخِرِهَا وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ سُورَةً فَبَيْنَ آمِينَ وَالرُّكُوعِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ قَوْلُهُ:(وَخَارِجِهَا) ذِكْرُهُ اسْتِطْرَادِيٌّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَيْ الِاتِّبَاعَ دَلِيلُ الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا مَعَ أَنَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ مَقِيسٌ عَلَيْهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (اسْتَجِبْ) سِينُهُ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ، وَمَعْنَاهَا أَجِبْ. اهـ. شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ قَوْلُهُ:(وَلَوْ شَدَّدَهُ) أَيْ الْمِيمَ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَفِيهِ لُغَةُ الْمَدِّ مَعَ الْإِمَالَةِ فَيَصِيرُ فِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ هَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَالْخَامِسَةُ الْإِمَالَةُ اهـ اج قَوْلُهُ:(لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ) وَهُوَ اسْتَجِبْ، فَلَوْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سم. وَنُقِلَ عَنْ حَاشِيَةِ ن ز عَنْ شَرْحِ

ص: 65

وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فَائِدَةٌ: فِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ فِي آمِينَ، مِنْ أَحْسَنِهَا قَوْلُ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: آمِينَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ حَرْفٍ مَلَكًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمَنْ يَقُولُ آمِينَ. وَخَرَجَ بِفِي جَهْرِيَّةٍ السِّرِّيَّةُ فَلَا جَهْرَ بِالتَّأْمِينِ فِيهَا وَلَا مَعِيَّةَ بَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ سِرًّا مُطْلَقًا.

(وَ) السَّابِعَةُ (قِرَاءَةُ السُّورَةِ) وَلَوْ قَصِيرَةً (بَعْدَ) قِرَاءَةِ (الْفَاتِحَةِ) فِي رَكْعَتَيْنِ أُولَيَيْنِ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، جَهْرِيَّةً كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ سِرِّيَّةً لِلِاتِّبَاعِ. أَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ إنْ سَمِعَ لِلنَّهْيِ عَنْ قِرَاءَتِهِ لَهَا بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِرْشَادِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ:(جَهْرٌ بِهَا) لَوْ قَالَ: جَهْرٌ بِهِ أَيْ بِالتَّأْمِينِ لَكَانَ أَحْسَنَ.

قَوْلُهُ: (مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَا تُسَنُّ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ فِيهِ غَيْرُ التَّأْمِينِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينٌ وَاحِدٌ أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ. قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَرَادَ التَّأْمِينَ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ إلَخْ) أَيْ وَمَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ مُنْتِجًا لِلْمُدَّعَى كَمَا تَقَدَّمَ ح ف.

قَوْلُهُ: (تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ) قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ مَلَائِكَةٌ مُوَكَّلُونَ بِالصَّلَوَاتِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ.

قَوْلُهُ: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَاعْتَمَدَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ أَيْ الصَّغَائِرُ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ الْحَفَظَةِ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِفِي جَهْرِيَّةٍ السِّرِّيَّةُ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ يَجْهَرُ بِهِ إنْ طَلَبَ مِنْهُ الْجَهْرَ، وَيُسِرُّ بِهِ إنْ طَلَبَ مِنْهُ الْإِسْرَارَ. وَالْأَمَاكِنُ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا الْمَأْمُومُ خَلْفَ إمَامِهِ خَمْسَةٌ: تَأْمِينُهُ مَعَ إمَامِهِ، وَفِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِذَا فُتِحَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر اهـ قَوْلُهُ (وَلَا مَعِيَّةَ) هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ وَإِلَّا نُدِبَ لَهُ التَّأْمِينُ قِيَاسًا عَلَى نَدْبِ اسْتِمَاعِ قِرَاءَتِهِ، وَيَجْهَرُ بِهَا الْمَأْمُومُ أَوْ أَنَّ الشَّارِحَ أَرَادَ بِالسِّرِّيَّةِ الْمَفْعُولَةَ سِرًّا قَوْلُهُ:(بَلْ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ سِرًّا مُطْلَقًا) أَيْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ، وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْهَا وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ بِظَنِّهِ ق ل

قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ السُّورَةِ) أَيْ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ. وَالسُّورَةُ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ السُّورَةَ الْكَامِلَةَ أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ غَيْرِهَا، وَأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَفْضَلُ مِنْ سُورَةٍ أَقْصَرَ وَلَوْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لِأَنَّ نَظَرَهُمْ هُنَا لِكَثْرَةِ الْأَلْفَاظِ لَا لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ فَضَّلَ السُّورَةَ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَهَا أَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يُؤَدَّى فَرْضًا وَنَفْلًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلِأَنَّ الْفَاتِحَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالرُّكْنُ لَا يُشْرَعُ تَكْرَارُهُ عَلَى الِاتِّصَالِ. نَعَمْ لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَعَادَهَا يُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْإِجْزَاءُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ وَيُسَنُّ كَوْنُ السُّورَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ خِلَافُهُ كَقِرَاءَةِ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالسَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَعَكْسُهُ مَفْضُولٌ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سُورَةَ النَّاسِ وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ اهـ خ ض قَوْلُهُ:(فِي رَكْعَتَيْنِ أُولَيَيْنِ) وَلَوْ مُتَنَفِّلًا أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ سُنَّتْ لَهُ السُّورَةُ فِي الْكُلِّ، أَوْ أَكْثَرَ سُنَّتْ فِيمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. أج قَوْلُهُ (لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقِيسَ بِهِمَا غَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ: بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَفْعُولِ لَا بِالْمَشْرُوعِ قَوْلُهُ: (فَلَا تُسَنُّ) يَصْدُقُ بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى. وَقَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ قِرَاءَتِهِ يُنْتِجُ الْأَوَّلَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (بَلْ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ) أَيْ وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي سَكْتَةِ

ص: 66

إمَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ سَمَاعِ صَوْتٍ لَمْ يَفْهَمْهُ أَوْ إسْرَارِ إمَامِهِ وَلَوْ فِي جَهْرِيَّةٍ قَرَأَ سُورَةً إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ، فَإِنْ سُبِقَ الْمَأْمُومُ بِالْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْهُمَا مَعَهُ قَرَأَهَا فِي بَاقِي صَلَاتِهِ إذَا تَدَارَكَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ بِلَا عُذْرٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ قِرَاءَةَ أُولَى عَلَى ثَانِيَةٍ لِلِاتِّبَاعِ. نَعَمْ إنْ وَرَدَ نَصٌّ بِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ اُتُّبِعَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ لِيَلْحَقَهُ مُنْتَظِرُ السُّجُودِ، وَيُسَنُّ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ، وَفِي ظُهْرٍ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِمَامِ بَعْدَ آمِينَ، وَلَا يَقْرَؤُهَا حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ إلَّا إنْ خَافَ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ إمَامَهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ إلَّا سُورَةً قَصِيرَةً وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ أَنْ يَقْرَأَهَا مَعَهُ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ، وَتَعْبِيرُهُ بِعَلَى يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيمَا مَرَّ: لَا تُسَنُّ الْمُقَارَنَةُ إلَّا فِي التَّأْمِينِ وَأَيْضًا هُوَ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا إلَخْ) وَهَلْ يُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ أَوْ لَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ مُسْتَقِلًّا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهَا مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا كَمَا ذَكَرُوهُ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ لَكِنْ لَا يَسْجُدُ إلَّا إنْ سَجَدَ إمَامُهُ. نَعَمْ إنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ سَجَدَ وَحْدَهُ قَوْلُهُ:(أَوْ بُعْدٍ) أَيْ عَنْ إمَامِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ إسْرَارِ إمَامِهِ وَلَوْ فِي جَهْرِيَّةٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ أَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُ سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً، وَلَمْ يَجْهَرْ فِيهَا إمَامُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَفْعُولِ وَإِنْ خَالَفَ الْمَشْرُوعَ قَوْلُهُ:(إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ) وَكَذَا يُسَنُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ أَوْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ فِيهِمَا، أَوْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى وَهِيَ أَوْلَى اهـ وَمُرَادُ ابْنِ حَجَرٍ بِالْأُولَى الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَبِالثَّانِيَةِ التَّشَهُّدُ قَوْلُهُ:(فِي بَاقِي صَلَاتِهِ) أَيْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ، وَنُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ يُكَرِّرُ السُّورَةَ مَرَّتَيْنِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ ح ل قَوْلُهُ:(إذَا تَدَارَكَهُ) لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَإِذَا هُنَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَمَعْنَاهَا هُنَا الْوَقْتُ أَيْ وَقْتُ تَدَارُكِهِ أَيْ الْبَاقِي اهـ قَوْلُهُ:(إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَهَا) أَيْ وَلَا تَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَتِهَا شَوْبَرِيٌّ، فَالْمَدَارُ عَلَى إمْكَانِ الْقِرَاءَةِ وَعَدَمِهَا قَوْلُهُ:(وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَا تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا عَنْ الْمَأْمُومِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ؟ فَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا تَحَمَّلَ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْفَاتِحَةَ فَكَذَلِكَ السُّورَةُ وَهُوَ عَجِيبٌ اهـ. وَأَجَابَ ح ل بِأَنَّ سُقُوطَهَا عَنْهُ لِسُقُوطِ مَتْبُوعِهَا وَهُوَ الْفَاتِحَةُ لَا لِأَجْلِ كَوْنِ الْإِمَامِ تَحَمَّلَهَا عَنْهُ كَمَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةَ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي سُقُوطِهَا فِي الْأُولَى الَّتِي سُبِقَ فِيهَا وَمَا صُورَةُ سُقُوطِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا، وَصَوَّرَهُ شَيْخُنَا بِمَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ زَحْمَةٌ مَثَلًا عَنْ السُّجُودِ فَسَجَدَ وَقَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ مَنْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ) وَهُوَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ) بِأَنْ زُحِمَ إنْسَانٌ عَنْ السُّجُودِ، وَكَمَا فِي تَطْوِيلِ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِتَلْحَقَهُ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ. اهـ. ح ل قَوْلُهُ:(وَيُسَنُّ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ) هَذَا التَّقْيِيدُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي مَغْرِبٍ قِصَارُهُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُسَنُّ حَتَّى لِإِمَامِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ قَوْلُهُ:(مَحْصُورِينَ) أَيْ لَا يُصَلِّي وَرَاءَهُ غَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ بِالْعَدِّ اهـ ق ل. وَعِبَارَةُ خ ض مَعَ زِيَادَةٍ وَالْمَحْصُورُونَ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ وَإِنْ قَلَّ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ حَقٌّ كَأُجَرَاءَ أَوْ أَرِقَّاءَ أَوْ مُتَزَوِّجَاتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ قَوْلُهُ:(فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) أَيْ لِغَيْرِ الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مِنْهَا {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى عَمَّ، وَالْأَوْسَاطِ مِنْ عَمَّ إلَى الضُّحَى، وَالْقِصَارِ مِنْ الضُّحَى إلَى الْآخِرِ. اهـ. ح ل. وَهَذَا تَفْصِيلُ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا تَكْرَارَ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَتُعْرَفُ الطِّوَالُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْمُقَايَسَةِ فَالْحَدِيدُ وَقَدْ سَمِعَ مَثَلًا طِوَالٌ وَالطُّورُ مَثَلًا قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ، وَمِنْ تَبَارَكَ إلَى الضُّحَى أَوْسَاطُهُ، وَمِنْ الضُّحَى إلَى آخِرِهِ قِصَارُهُ انْتَهَى.

وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ فِي صَلَاةِ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَدْ كَانَ السُّبْكِيُّ

ص: 67

عَصْرٍ وَعِشَاءٍ أَوْسَاطُهُ، وَفِي مَغْرِبٍ قِصَارُهُ، وَفِي صُبْحِ جُمُعَةٍ فِي أُولَى الم تَنْزِيلُ، وَفِي ثَانِيَةٍ هَلْ أَتَى لِلِاتِّبَاعِ.

(وَ) الثَّامِنَةُ (التَّكْبِيرَاتُ عِنْدَ) ابْتِدَاءِ (الْخَفْضِ) لِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ (وَ) عِنْدَ ابْتِدَاءِ (الرَّفْعِ) مِنْ السُّجُودِ، وَيَمُدُّهُ إلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَفْعَلُهُ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَرَدَّ عَلَى الْمُنْكَرِ بِمَا مَرَّ أَيْ مِنْ الْوُرُودِ، وَكَمْ مِنْ مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا الرَّافِعِيُّ فَعَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ سُنِّيَّتِهَا اهـ مِنْ فَتَاوَى م ر. وَسُنَّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ، فَلَوْ قَرَأَ الْإِخْلَاصَ مَثَلًا فِي الْأُولَى قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ بَعْضَ سُورَةِ الْفَلَقِ أَقَلَّ مِنْ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ جَمْعًا بَيْنَ التَّرْتِيبِ وَتَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَلِمَةً وَفِيهِ نَظَرٌ. وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْفَائِدَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ شَيْءٍ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ بَعْضَ آيَةٍ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ إذَا كَانَ مُفِيدًا كَالْآيَةِ الْقَصِيرَةِ الْمُفِيدَةِ.

وَالْحِكْمَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَيُسَنُّ فِي صُبْحٍ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ إلَخْ. أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ فَنَاسَبَ تَطْوِيلُهُمَا، وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ ضَيِّقٌ فَنَاسَبَ فِيهِ الْقِصَارُ، وَأَوْقَاتُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ طَوِيلَةٌ وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ طَوِيلَةٌ أَيْضًا فَلَمَّا تَعَارَضَ ذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ التَّوَسُّطَ فِي غَيْرِ الظُّهْرِ وَفِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الطِّوَالِ. وَانْظُرْ حِكْمَةَ مُخَالَفَةِ الظُّهْرِ لِغَيْرِهَا مِنْ الرُّبَاعِيَّاتِ، وَلَعَلَّهَا لِكَوْنِ وَقْتِهَا وَقْتَ قَيْلُولَةٍ فَنَاسَبَهَا التَّخْفِيفُ بِقَرِيبٍ مِنْ الطِّوَالِ كَالنَّازِعَاتِ تَأَمَّلْ وَالْمُفَصَّلُ الْمُبَيَّنُ الْمُمَيَّزُ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3] أَيْ جُعِلَتْ تَفَاصِيلَ فِي مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ وَعْدٍ وَوَعِيدٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ أَيْ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي صُبْحِ جُمُعَةٍ فِي أُولَى الم تَنْزِيلُ) فَإِنْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَوْ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَوْ بِقَصْدِ السُّجُودِ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُمَا أَبْدَلَهُمَا بِسُورَةِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك وَإِلَّا فَسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَعْضِ وَلَوْ آيَتَهَا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ ضِيقَ الْوَقْتِ لَيْسَ قَيْدًا، وَلَوْ نَسِيَهَا فِي الْأُولَى جَمَعَ السُّورَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ لِأَنَّ صُبْحَ الْجُمُعَةِ مَحَلُّ السُّجُودِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ، وَلَوْ أَتَى بِغَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ السُّجُودِ وَسَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ السُّجُودِ. وَفِي حَاشِيَةِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا تُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةِ سَجْدَةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ الْأَوَّلَ اهـ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقُرْآنُ يَنْقَسِمُ إلَى فَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَتَبَّتْ، فَالْأَوَّلُ كَلَامُهُ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، وَالثَّانِي كَلَامُهُ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاضِلِ وَيَتْرُكَ الْمَفْضُولَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هِجْرَانِ بَعْضِ الْقُرْآنِ وَنِسْيَانِهِ

قَوْلُهُ: (وَالتَّكْبِيرَاتُ عِنْدَ الْخَفْضِ) نَعَمْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ يُقْطَعُ التَّكْبِيرُ فِيهَا أَيْ لَا يَمُدُّهُ فِي الْجِلْسَةِ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَيَقُومُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الْقَمُولِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيَدُلُّ لَهُ إطْلَاقُ التَّحْقِيقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ هُنَا تَكْبِيرَتَانِ قَالَهُ حَجّ. اهـ. إيعَابٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ) أَيْ لَا مِنْ الرُّكُوعِ الشَّامِلِ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ ق ل. أَمَّا الرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ فَيَقُولُ فِيهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ مَسْنُونَاتٍ. قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي: قَالَ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمُنِيرِ: الْحِكْمَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ أُمِرَ بِالنِّيَّةِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مَقْرُونَةً بِالتَّكْبِيرِ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَصْحَبَ النِّيَّةَ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَأُمِرَ أَنْ يُجَدِّدَ الْعَهْدَ فِي أَثْنَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ شِعَارُ النِّيَّةِ اهـ قَوْلُهُ:(إلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ) أَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ، فَخَرَجَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَمُدُّهُ إلَى الْقِيَامِ أَيْ بِحَيْثُ لَا

ص: 68

(وَ) التَّاسِعَةُ (قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ كَفَى (وَ) قَوْلُ (رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَوْ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَبِوَاوٍ فِيهِمَا قَبْلَ مِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَيْ بَعْدَهُمَا كَالْكُرْسِيِّ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] وَأَنْ يَزِيدَ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ أَيْ الْغِنَى، مِنْك

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ حَجّ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَوْلُهُ: (وَالْقِيَامِ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ الْقِيَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ أَوْ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ يَمُدُّهُ فِيهَا إلَى الْقِيَامِ إنْ لَمْ يُصَلِّ التَّسَابِيحَ وَإِلَّا فَإِلَى انْتِهَاءِ الْجُلُوسِ ثُمَّ يُسَبِّحُ وَإِذَا قَامَ سَاكِتًا وَفِي حَاشِيَةِ أج مَا نَصُّهُ. قَالَ الشِّهَابُ حَجّ: وَيَمُدُّهُ إلَى السُّجُودِ أَوْ الْقِيَامِ أَيْ أَوْ الرُّكُوعِ فَيَمُدُّهُ إلَى اسْتِقْرَارِ أَعْضَائِهِ، وَذَلِكَ لِئَلَّا يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَنْ ذِكْرٍ حَتَّى فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَيَمُدُّهُ عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ الْأَلِفِ وَالْهَاءِ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يُجَاوِزُ سَبْعَ أَلِفَاتٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَيْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَكَذَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عِنْدَ انْتِصَابِهِ. وَالسَّبَبُ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «أَنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه مَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ، فَجَاءَ يَوْمًا وَقْتَ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَظَنَّ أَنَّهَا فَاتَتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاغْتَمَّ بِذَلِكَ وَهَرْوَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَهُ صلى الله عليه وسلم مُكَبِّرًا فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَبَّرَ خَلْفَهُ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ «اجْعَلُوهَا فِي صَلَاتِكُمْ» . فَقَالَهَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرْكَعُ بِالتَّكْبِيرِ وَيَرْفَعُ بِهِ فَصَارَتْ سُنَّةً مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَرَكَةِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَوْلُهُ:(أَيْ تَقَبَّلْ اللَّهُ مِنْهُ حَمْدَهُ) فَالْمُرَادُ سَمِعَهُ سَمَاعَ قَبُولٍ لَا سَمَاعَ رَدٍّ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَمْدَنَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ سَمَاعَ اللَّهِ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ فِي أَصْلِ السُّنَّةِ، وَيَكْفِي أَيْضًا مِنْ حَمِدَ اللَّهُ سَمِعَهُ قَوْلُهُ:(وَقَوْلُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) أَيْ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصِّيَغِ س ل قَوْلُهُ: (وَبِوَاوٍ فِيهِمَا) فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ وَيُزَادُ ثِنْتَانِ لَك الْحَمْدُ رَبَّنَا وَالْحَمْدُ لِرَبِّنَا، وَأَفْضَلُهَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَعَلَى ثُبُوتِ الْوَاوِ فَهِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَطَعْنَاك وَلَك الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَيُنْدَبُ أَنْ يَزِيدَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ تَسَابَقَ إلَيْهَا ثَلَاثُونَ مَلَكًا يَكْتُبُونَ ثَوَابَهَا لِقَائِلِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَائِدَةٌ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَحُمِلَ حَدِيثُ «أَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» عَلَى الدُّخُولِ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِلْءُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِلْحَمْدِ، وَبِالنَّصْبِ حَالٌ أَيْ مَالِئًا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ جِسْمًا. وَأَحَقُّ مُبْتَدَأٌ، وَلَا مَانِعَ إلَخْ خَبَرُهُ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلِ الْعَبْدِ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَيْ أَحَقُّ قَوْلٍ قَالَهُ الْعَبْدُ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَعَائِدُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَحَقُّ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ الْعَبْدُ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُنَا فَقَطْ فَلَا يَرُدُّ أَحَقِّيَّةَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَحَقِّيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْدَ أَفْضَلُ اهـ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ (وَمِلْءُ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) وَيَقُولُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَلِمَنْ قَالَ إنَّهُ يَأْتِي بِذَلِكَ الذِّكْرِ كُلِّهِ اهـ س ل بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (بَعْدُ) أَيْ غَيْرَهُمَا، وَبَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ صِفَةٌ لِشَيْءٍ، وَيَكُونُ الْقُنُوتُ بَعْدَ هَذَا مُطْلَقًا أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْك الْجَدُّ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ قَوْلُهُ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] بَيَانٌ لِعِظَمِ الْكُرْسِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا أَيْ السَّمَوَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ، وَكَذَا كُلُّ سَمَاءٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُخْرَى ق ل قَوْلُهُ:(وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ) قَالَ السُّبْكِيُّ: لَمْ يَقُلْ عَبِيدٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَلْقُ أَجْمَعُونَ بِمَنْزِلَةِ

ص: 69

أَيْ عِنْدَك الْجَدُّ لِلِاتِّبَاعِ. وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُسِرُّ بِرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيُسِرُّ غَيْرُهُ بِهِمَا. نَعَمْ الْمُبَلِّغُ يَجْهَرُ بِمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ وَيُسِرُّ بِمَا يُسِرُّ بِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ شَارِحِي الْمِنْهَاجِ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي التَّشْنِيعِ عَلَى تَارِكِ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ اسْتَحْسَنَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ: يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا لِأَنَّ غَالِبَ عَمَلِ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ. وَتَرْكُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ.

(وَ) الْعَاشِرَةُ (التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ) بِأَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ " ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ، وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: " اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْتُ وَلَك أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَبْدٍ وَاحِدٍ وَقَلْبٍ وَاحِدٍ إيعَابٌ شَوْبَرِيٌّ. أَوْ يُقَالُ أُفْرِدَ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ كُلُّ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُرَاعَاةُ لَفْظِهَا وَمُرَاعَاةِ مَعْنَاهَا قَالَ تَعَالَى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 95] وَقَالَ تَعَالَى {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] . اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ قَوْلُهُ: (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَرْكِ تَنْوِينِ اسْمِ لَا، أَعْنِي مَانِعَ وَمُعْطِيَ مَعَ أَنَّهُ عَامِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ الْمُوجِبِينَ تَنْوِينَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَنْعِ عَمَلِهِ هُنَا فِيمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَهُ عَامِلٌ، أَيْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُ لِمَا أَعْطَيْت وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ، أَوْ يُخَرَّجُ عَلَى لُغَةِ الْبَغْدَادِيِّينَ فَإِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ تَنْوِينَ الشَّبِيهِ بِالْمُضَافِ وَيُجْرُونَهُ مَجْرَى الْمُفْرَدِ فِي بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ سم ز ي قَوْلُهُ (ذَا الْجَدِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى الْغِنَى وَيُرْوَى بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الِاجْتِهَادِ، وَقَوْلُهُ: مِنْك أَيْ عِنْدَك أَيْ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَ الْغِنَى عِنْدَك غِنَاهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفَعُهُ عِنْدَك رِضَاك وَرَحْمَتُك لَا غَيْرُ، وَتَفْسِيرُ مِنْك بِمَعْنَى عِنْدَك ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ

قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ) أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (بَلْ اسْتَحْسَنَهُ) أَيْ التَّشْنِيعَ.

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَتُهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْجَهْرُ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُبَلِّغِ وَالْإِسْرَارُ بِرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ كَثْرَةِ جَهْلِ الْأَئِمَّةِ) أَيْ إنْ كَانُوا شَافِعِيَّةً. وَقَوْلُهُ: وَالْمُؤَذِّنِينَ أَيْ الْمُبَلِّغِينَ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُبَلِّغُ. وَعِبَارَةُ حَجّ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ التَّبْلِيغَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ حَيْثُ بَلَغَ الْمَأْمُومِينَ صَوْتُ الْإِمَامِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَمُرَادُهُ بِكَوْنِهِ بِدْعَةً أَنَّهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ فَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ.

قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) وَيُسْتَحَبُّ زِيَادَةُ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا، وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِمَرَّةٍ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ ثُمَّ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهُوَ الْأَكْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ مَحْصُورِينَ بِشَرْطِهِمْ، أَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُقْتَدِينَ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك رَكَعْتُ) قَدَّمَ الظَّرْفَ هُنَا وَأَخَّرَهُ فِي قَوْلِهِ: خَشَعَ لَك سَمْعِي إلَخْ هَلْ لِهَذَا مِنْ نُكْتَةٍ؟ سَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الْعِبَادَةُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِجَمِيعِ ذَاتِهِمْ، قَدَّمَ الظَّرْفَ لِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إذْ تَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَلَمَّا لَمْ تَحْصُلْ الْعِبَادَةُ مِنْهُمْ بِالْخُشُوعِ بِالسَّمْعِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيمٍ بَلْ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ تَأْخِيرِ الْمَعْمُولِ اهـ. وَهُوَ بِمَكَانٍ مِنْ الدِّقَّةِ وَالنَّفَاسَةِ اهـ اج بِاخْتِصَارٍ.

قَوْلُهُ: (وَبِك آمَنْتُ) فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ الْإِيمَانُ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ قُلْت: يُجَابُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا أَوْجَبَهُ إيمَانٌ بِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْحَصْرُ الْإِضَافِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَبَدَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (خَشَعَ إلَخْ) يَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِهِ وِفَاقًا لَمْ ر. وَقَالَ حَجّ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى الْخُشُوعَ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا يَكُونُ كَاذِبًا مَا لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ بِصُورَةِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ. قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: وَفِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ مَا لَا مَزِيدَ لِأَنَّ الْخَاشِعَ هُوَ الشَّخْصُ بِجُمْلَتِهِ لَا أَبْعَاضُهُ، فَإِسْنَادُ الْخُشُوعِ لِلسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَنَحْوِهِمَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخُشُوعَ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ وَأَبْعَاضِهِ اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إضَافَةَ الْخُشُوعِ الَّذِي هُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ وَسُكُونُ الْجَوَارِحِ لِهَذِهِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّهَا آلَتُهُ، فَهِيَ إضَافِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْهَيْكَلُ الْإِنْسَانِيُّ

ص: 70

اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي " لِلِاتِّبَاعِ. وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ غَيْرِ الْقِيَامِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

(وَ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ التَّسْبِيحُ فِي (السُّجُودِ) بِأَنْ يَقُولَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " ثَلَاثًا لِلِاتِّبَاعِ. وَيَزِيدُ مُنْفَرِدٌ وَإِمَامُ مَحْصُورِينَ رَاضِينَ بِالتَّطْوِيلِ: " اللَّهُمَّ لَك سَجَدْتُ وَبِك آمَنْتُ وَلَك أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

جَمِيعُهُ، لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقَلْبِ بِدَلِيلِ «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ رَآهُ يَعْبَثُ فِي صَلَاتِهِ: لَوْ سَكَنَ قَلْبُ هَذَا لَسَكَنَتْ جَوَارِحُهُ» وَالسَّمْعُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَصَرِ قَوْلُهُ: (وَمُخِّي) يُطْلَقُ الْمُخُّ عَلَى الْوَدَكِ أَيْ الشَّحْمِ الَّذِي فِي الْعَظْمِ وَعَلَى خَالِصِ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى الدِّمَاغِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَيُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَيُرَادُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الْقَلْبُ لِأَنَّهُ خَالِصُ الْبَدَنِ وَسُلْطَانُهُ قَوْلُهُ: (وَعَصَبِي) وَبَعْدَهُ وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَفِي آخِرِهِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُحَرَّرِ.

قَوْلُهُ: (قَدَمِي) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَإِلَّا لَقَالَ قَدَمَايَ، وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَالْقَدَمُ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ تَعَالَى:{فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94] وَلَا يَصِحُّ هُنَا التَّشْدِيدُ لِفَقْدِ أَلِفِ الرَّفْعِ عَمِيرَةُ. لَا يُقَالُ: يَصِحُّ مُثَنًّى عَلَى لُغَةِ هُذَيْلٍ مِنْ قَلْبِ الْأَلِفِ يَاءً لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْمَقْصُورِ الْمُضَافِ لِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ.

وَفِي الْمَقْصُورِ عَنْ هُذَيْلٍ انْقِلَابُهَا يَاءً حَسَنٌ

، وَكَنَّى بِالْقَدَمِ عَنْ الذَّاتِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِهِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُنَالُ بِهَا غَالِبًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَارِحَةَ وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَنُكْتَتُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُنَالُ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ ذِكْرِ الْكُلِّ بَعْدَ الْجُزْءِ وَنَصَّ عَلَى الْأَجْزَاءِ أَوَّلًا لِخَفَاءِ دُخُولِهَا فِي الْقَدَمِ كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي إلَخْ لِلتَّوْكِيدِ قَوْلُهُ:(وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ) أَيْ بِقَصْدِهَا لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَحَلُّ الذِّكْرِ فَيَكُونُ صَارِفًا عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوْ أَطْلَقَ، وَعِبَارَةُ ق ل وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَإِلَّا فَلَا لِلصَّارِفِ كَمَا فِي الْجَنَابَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ أَوْجَبُوا الذِّكْرَ فِي قِيَامِ الصَّلَاةِ وَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُوجِبُوهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ أَنَّ كُلًّا رُكْنٌ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ يَقَعَانِ لِلْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ، فَاحْتَجْنَا إلَى ذِكْرٍ يُخْلِصُهُمَا لِلْعِبَادَةِ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يَقَعَانِ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِمَا ذِكْرٌ. اهـ.

قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ عَامِدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا جَبَرَ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَوْلُهُ:(اللَّهُمَّ لَك سَجَدْتُ) قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَلَوْ قَالَ: سَجَدْت لِلَّهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ خ ض. وَكَذَا لَوْ قَالَ سَجَدَ الْفَانِي لِلْبَاقِي لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالضَّرَرِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ اهـ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الثَّنَاءَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الثَّنَاءَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَك أَسْلَمْتُ) أَيْ انْقَدْت أَوْ فَوَّضْت أَمْرِي. قَوْلُهُ: (سَجَدَ وَجْهِي) أَيْ وَكُلُّ بَدَنِي، وَخَصَّ الْوَجْهَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ أَعْضَاءِ السَّاجِدِ، وَفِيهِ بَهَاؤُهُ وَتَعْظِيمُهُ فَإِذَا خَضَعَ وَجْهُهُ فَقَدْ خَضَعَ بَاقِي جَوَارِحِهِ اهـ خ ض. فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَجْهُ حَقِيقَةً وَيَلْزَمُ مِنْ سُجُودِهِ سُجُودُ بَاقِي بَدَنِهِ.

قَوْلُهُ: (لِلَّذِي خَلَقَهُ) أَيْ أَوْجَدَهُ مِنْ الْعَدَمِ وَصَوَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ، أَيْ جَعَلَ لَهُ فَمًا وَعَيْنَيْنِ وَأَنْفًا وَأُذُنَيْنِ وَرَأْسًا وَيَدَيْنِ وَبَطْنًا وَرِجْلَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَعَطْفُ التَّصْوِيرِ عَلَى الْخَلْقِ مُغَايِرٌ ز ي، وَهُوَ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَصَوَّرَهُ دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُقَالُ إنَّهُ خَلَقَ مَادَّةَ الْوَجْهِ دُونَ صُورَتِهِ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خ ض وَصَوَّرَهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ الْبَدِيعَةِ قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وَكَذَلِكَ صَرَّحُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ لَمْ تَكُونِي أَحْسَنَ مِنْ الْقَمَرِ فَأَنْتِ

ص: 71

سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ". وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» أَيْ فِي سُجُودِكُمْ. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ: أَنَّ الْأَعْلَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَالسُّجُودُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ، وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الرُّكُوعِ فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ مَعَ الْأَبْلَغِ انْتَهَى.

(وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (وَضْعُ) رُءُوسِ أَصَابِعِ (الْيَدَيْنِ عَلَى) طَرَفِ (الْفَخِذَيْنِ فِي الْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، نَاشِرًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

طَالِقٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً زِنْجِيَّةً إذْ لَا شَيْءَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِنْسَانِ.

قَوْلُهُ: (وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) أَيْ مَنْفَذَهُمَا إذْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْ الْمَعَانِي لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا شَقٌّ، وَهُمَا صِفَتَانِ حَادِثَتَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْمَوْجُودِ، فَالْأَوَّلُ خَاصٌّ بِالْمَسْمُوعِ وَالثَّانِي بِالْمُبْصِرِ. وَأَمَّا فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَهُمَا صِفَتَانِ أَزَلِيَّتَانِ يَتَعَلَّقَانِ أَيْ يُحِيطَانِ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَبَارَكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ يَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (تَبَارَكَ اللَّهُ) أَيْ تَعَالَى اللَّهُ، وَالتَّبَرُّكُ الْعُلُوُّ وَالنَّمَاءُ تَبَارَكَ تَفَاعَلَ مِنْ الْبَرَكَةِ وَهِيَ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ، وَمَعْنَى تَبَارَكَ اللَّهُ تَزَايَدَ خَيْرُهُ وَتَكَاثَرَ، أَيْ تَزَايَدَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَتَعَالَى فِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَهِيَ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْعَظَمَةِ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُكَفَّرُ بِهِ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ إلَّا الْمَاضِي فَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمُضَارِعُ وَلَا الْأَمْرُ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَإِلَّا فَالْخَلْقُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ الْمُصَوِّرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ حُسْنٌ مِنْ حَيْثُ تَصْوِيرُهُمْ لِأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَيُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا ذَكَرَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَقَوْلُهُ سُبُّوحٌ أَيْ كَثِيرُ التَّنْزِيهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَمَعْنَى قُدُّوسٌ أَيْ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ جِبْرِيلُ، وَقِيلَ مَلَكٌ لَهُ أَلْفُ رَأْسٍ، فِي كُلِّ رَأْسٍ مِائَةُ أَلْفِ وَجْهٍ، فِي كُلِّ وَجْهٍ مِائَةُ أَلْفِ فَمٍ، فِي كُلِّ فَمٍ مِائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقِيلَ خَلْقٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ وَلَا تَرَاهُمْ فَهُمْ لِلْمَلَائِكَةِ كَالْمَلَائِكَةِ لِبَنِي آدَمَ. اهـ. دَمِيرِيٌّ أج

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ سَنَّهُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَنُّ أَيْضًا فِي الرُّكُوعِ اج مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (أَقْرَبُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَقْرَبُ كَوْنِ الْعَبْدِ أَيْ أَكْوَانِهِ وَأَحْوَالِهِ حَاصِلٌ إذَا كَانَ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَقَوْلُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ. قَوْلُهُ:(وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْعَظِيمِ بِالرُّكُوعِ وَالْأَعْلَى بِالسُّجُودِ إلَخْ) هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ يُحْبِيَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ:«لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96] قَالَ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» . قَوْلُهُ: (فَجَعَلَ الْأَبْلَغَ) أَيْ وَهُوَ الْأَعْلَى مَعَ الْأَبْلَغِ وَهُوَ السُّجُودُ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ لِلتَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ:«أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ قُرْبَ مَسَافَةٍ، فَسُنَّ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَيْ عَنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ

قَوْلُهُ: (رُءُوسِ أَصَابِعِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ وَضْعَ الْيَدَيْنِ نَفْسِهِمَا، وَالشَّارِحُ حَمَلَهُ عَلَى وَضْعِ أَطْرَافِهِمَا عَلَى أَعْلَى أَطْرَافِ الْفَخِذَيْنِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بَاقِيَهُمَا عَلَى الْفَخِذَيْنِ لَكِنْ لَوْ أَبْقَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَيَّدَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي رُءُوسُ الْأَصَابِعِ طَرَفَ الْفَخِذِ لَكَانَ أَوْلَى، وَمُرَادُهُ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الْفَخِذَيْنِ أَيْ الْيُمْنَى عَلَى الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى الْأَيْسَرِ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَذَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ سم. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ رُءُوسِ إلَخْ صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ رُءُوسِ وَطَرَفِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ بِحَيْثُ يُسَامِتُ رُءُوسُهُمَا أَطْرَافَ الرُّكْبَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَمِثْلُهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدَيْنِ، لَكِنَّ كَيْفِيَّةَ الْوَضْعِ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ الْيَدَانِ

ص: 72

أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ، وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَخِيرِ (يَبْسُطُ) يَدَهُ (الْيُسْرَى) مَعَ ضَمِّ أَصَابِعِهَا فِي تَشَهُّدِهِ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِأَنْ لَا يَفْرِجَ بَيْنَهَا لِتَتَوَجَّهَ كُلُّهَا إلَى الْقِبْلَةِ (وَيَقْبِضُ) أَصَابِعَ يَدِهِ (الْيُمْنَى) كُلَّهَا (إلَّا الْمُسَبِّحَةِ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى (فَإِنَّهُ) يُرْسِلُهَا وَ (يُشِيرُ بِهَا) أَيْ يَرْفَعُهَا مَعَ إمَالَتِهَا قَلِيلًا حَالَ كَوْنِهِ (مُتَشَهِّدًا) عِنْدَ قَوْلِهِ: إلَّا اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ. وَيُدِيمُ رَفْعَهَا وَيَقْصِدُ مِنْ ابْتِدَائِهِ بِهَمْزَةِ إلَّا اللَّهُ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ، فَيَجْمَعُ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ اعْتِقَادِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ. وَلَا يُحَرِّكُهَا لِلِاتِّبَاعِ فَلَوْ حَرَّكَهَا كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَالْأَفْضَلُ قَبْضُ الْإِبْهَامِ بِجَنْبِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا تَحْتَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَبْسُوطَتَانِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ بَيَّنَهُمَا الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ: يَبْسُطُ الْيُسْرَى وَيَقْبِضُ الْيُمْنَى وَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. أَيْ فَقَالَ إنَّ إدَامَتَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ أَنَّهُ يُفَرِّقُ فَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى بَدَنِهِ، فَلِمَ لَمْ يَطْلُبْ التَّفْرِيقَ هُنَا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ بِهِ هُنَا: فَلْيُحَرَّرْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً، وَقَوْلَهُ مَعَ أَصَابِعِهَا أَيْ مَعَ تَفْرِيقٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ تَكُونُ مُتَوَجِّهَةً لِلْقِبْلَةِ، وَلَا يَضُرُّ انْعِطَافُ رُءُوسِهَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ سم فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (فِي تَشَهُّدِهِ) شَمِلَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْقَبْضُ يَكُونُ بَعْدَ وَضْعِ الْيَدِ مَنْشُورَةً لَا مَعَهُ وَلَا قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ سُلْطَانٌ وَقِيلَ مَعَ الْوَضْعِ. اهـ. ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمَنْهَجِ وَيَضَعُ يُمْنَاهُ قَابِضًا أَصَابِعَهَا وَالْأَصْلُ فِي الْحَالِ الْمُقَارَنَةُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْمُسَبِّحَةَ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ، وَتُسَمَّى السَّبَّابَةُ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ ق ل. وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْمُسَبِّحَةُ فَالْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِيَّةِ فَلَوْ كَانَتَا أَصْلِيَّتَيْنِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا جَاوَرَ الْإِبْهَامَ، فَلَوْ قُطِعَتْ هَلْ تَقُومُ الْأُخْرَى مَقَامَهَا أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى وَإِنْ فُقِدَتْ الْيُمْنَى، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ التَّشَهُّدِ وَقَعَدَ بِقَدْرِهِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَرْفَعَ مُسَبِّحَتَهُ كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقُنُوتِ سُنَّ فِي حَقِّهِ أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِهِ وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ ز ي: وَفِي م ر: وَلَوْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ أَوْ سَبَّابَتُهَا كُرِهَتْ إشَارَتُهُ بِيُسْرَاهُ لِفَوَاتِ سُنَّةِ بَسْطِهَا لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةٍ فِي مَحَلِّهَا لِأَجْلِ سُنَّةٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا كَمَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ يَأْتِي بِهِ فِي الْأَخِيرَةِ اهـ. فَائِدَةٌ: كَانَتْ سَبَّابَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَطْوَلَ مِنْ الْوُسْطَى نَقَلَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيُدِيمُ رَفْعَهَا) أَيْ إلَى الْقِيَامِ أَوْ السَّلَامِ. فَإِنْ قُلْت: الْمَعْنَى الَّذِي رُفِعَتْ لِأَجْلِهِ قَدْ انْقَضَى فَكَيْفَ بَقِيَ رَفْعُهَا؟ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ انْقِضَاءَهُ لِأَنَّ الْأَوَاخِرَ وَالْغَايَاتِ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَدَارُ، فَمِنْ ثَمَّ طُلِبَ مِنْهُ إدَامَةُ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ حَتَّى يُقَارِنَ آخِرَ صَلَاتِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَتُهَا عَلَى أَتَمِّ الْأَحْوَالِ وَأَكْمَلِهَا. وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبِّحَةِ بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ أَيْ عِرْقِهِ، فَكَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ، وَأَمَّا الْوُسْطَى فَقِيلَ إنَّ لَهَا اتِّصَالًا بِنِيَاطِ الذَّكَرِ فَلِذَا تَأْبَى النُّفُوسُ الزَّكِيَّةُ الْإِشَارَةَ بِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُهَا) فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَرَدَ التَّحْرِيكُ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ فَلِمَ قَدَّمَ النَّافِيَ؟ قُلْت: إنَّمَا قَدَّمَ النَّافِيَ هُنَا عَلَى الْمُثْبَتِ عَكْسَ الْقَاعِدَةِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ الْحَرَكَةِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا حَرَّكَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَيُكْرَهُ التَّحْرِيكُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ، وَعِبَارَةُ سم: وَلَا يُحَرِّكُهَا عِنْدَ رَفْعِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، بَلْ يُكْرَهُ تَحْرِيكُهَا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ يُحَرَّمُ وَتَبْطُلُ بِهِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَحْرِيكِهَا فِي خَبَرِهِ رَفْعَهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ، وَأَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيكِ أَنْسَبُ بِالصَّلَاةِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا سُكُونُ الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعُ الَّذِي قَدْ يُذْهِبُهُ أَوْ يُضْعِفُهُ التَّحْرِيكُ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ رَفْعِ مُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى خَاصًّا بِهَذَا الْمَحَلِّ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، فَمَا يَفْعَلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ لَا أَصْلَ لَهُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ حَرَّكَهَا) وَلَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُضْوًا وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ خَفِيفٌ وَالْكَلَامُ مَا لَمْ يُحَرِّكْ الْكَفَّ وَإِلَّا بَطَلَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ عَامِدًا عَالِمًا كَتَحْرِيكِ الزَّنْدِ الْمَقْطُوعِ الْكَفِّ سم رَحْمَانِيٌّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَحْرِيكِهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قَوْلٌ: بِالْكَرَاهَةِ، وَقَوْلَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا بِالْحُرْمَةِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَالْآخَرُ بِالنَّدْبِ

ص: 73

عَلَى طَرَفِ رَاحَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ أَرْسَلَهَا مَعَهَا أَوْ قَبَضَهَا فَوْقَ الْوُسْطَى أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ وَضَعَ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْنَ عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ أَتَى بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ مَا ذُكِرَ أَفْضَلُ.

(وَ) الثَّالِثَةَ عَشَرَ (الِافْتِرَاشُ) بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ، وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ مِنْهَا لِلْقِبْلَةِ يَفْعَلُ ذَلِكَ (فِي جَمِيعِ الْجَلْسَاتِ) الْخَمْسَةِ: وَهِيَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجُلُوسُ الْمَسْبُوقِ، وَجُلُوسُ السَّاهِي، وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ.

(وَ) الرَّابِعَةَ عَشَرَ (التَّوَرُّكُ) وَهُوَ كَالِافْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ لِلْأَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ (فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ) فَقَطْ، وَحِكْمَتُهُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ جُلُوسِ التَّشَهُّدَيْنِ وَلِيَعْلَمَ الْمَسْبُوقُ حَالَةَ الْإِمَامِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ) صَرَّحَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ كَمَا عَلِمْت ع ش.

قَوْلُهُ: (أَوْ حَلَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ أَوْقَعَ التَّحْلِيقَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامِ، أَيْ جَعَلَهُمَا حَلْقَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهَا مَعْنَى. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لَكِنَّ مَا ذُكِرَ) أَيْ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ

قَوْلُهُ: (عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ) بَعْدَ أَنْ يُضْجِعَهَا بِحَيْثُ يَلِي ظَهْرُهَا الْأَرْضَ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَزِيدَهَا عَلَى قَدْرِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهَا وَإِنْ كُرِهَ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَجُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ لَيْسَ مِنْ الرَّكْعَةِ بَلْ مُسْتَقِلٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ فِي الذَّخَائِرِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُولَى تَبَعًا لِلسُّجُودِ اهـ. وَكَلَامُ الذَّخَائِرِ طَرِيقَةٌ مَرْجُوحَةٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْحَلِفِ وَالتَّعَالِيقِ، فَإِذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا صَلَّيْت رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ) وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، وَيُتَابِعُهُ فَيَفْتَرِشُ فِيمَا عَدَا الرَّابِعَ وَيَتَوَرَّكُ فِي الرَّابِعِ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ فَجَلَسَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّخَلُّفُ فَإِنَّهُ يَسِيرٌ. وَبِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَتَخَلَّفَ لَهُ الْمَأْمُومُ.

ضَابِطُ الْجَلْسَاتِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعٌ: ثِنْتَانِ وَاجِبَتَانِ وَهُمَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَثِنْتَانِ سُنَّتَانِ وَهُمَا جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَجُلُوسُ السَّاهِي) أَيْ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَمَحَلُّهُ إنْ قَصَدَ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ تَرْكَ السُّجُودِ تَوَرَّكَ.

قَوْلُهُ: (وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ) وَكَذَا لِلِاعْتِدَالِ وَلِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ق ل.

وَجُمْلَةُ جَلْسَاتِ الِافْتِرَاشِ سِتَّةٌ وَهِيَ: الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَجُلُوسُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَجُلُوسُ الْمَسْبُوقِ، وَجُلُوسُ السَّاهِي، وَجُلُوسُ الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِلْقِرَاءَةِ اهـ. فَلَوْ قَالَ الْمُصَلِّي وَافْتِرَاشُهُ لِجَلْسَاتِهِ إلَّا الْأَخِيرَةَ لَكَانَ أَحْسَنَ. وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ رِجْلَهُ كَالْفُرُشِ لَهُ كَمَا سُمِّيَ التَّوَرُّكُ بِذَلِكَ لِجُلُوسِهِ عَلَى الْوَرِكِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ يُسَنُّ التَّوَرُّكُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ يُسَنُّ الِافْتِرَاشُ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: لَوْ عَجَزَ عَنْ هَيْئَةِ الِافْتِرَاشِ أَوْ التَّوَرُّكِ الْمَعْرُوفَةِ وَقَدَرَ عَلَى عَكْسِهَا فَعَلَهُ لِأَنَّهُ الْمَيْسُورُ.

قَوْلُهُ: (وَيُلْصِقُ) بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ فَهُوَ مِنْ الْمَزِيدِ لَا مِنْ الْمُجَرَّدِ قَوْلُهُ: (وَرِكُهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ أَلْيَيْهِ قَوْلُهُ: (فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ الَّتِي يَعْقُبُهَا سَلَامٌ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالسُّنَّةُ فِيهِمَا التَّوَرُّكُ أَيْ بَعْدَ السُّجُودِ وَقَبْلَ السَّلَامِ. وَأَفْهَمَ عَدَّهُ الِافْتِرَاشَ وَالتَّوَرُّكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ حَيْثُ شَاءَ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ

ص: 74

(وَ) الْخَامِسَةَ عَشَرَ (التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ لَهُ عَقِبَ الْأُولَى مَا يُنَافِي صَلَاتَهُ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى وَذَلِكَ كَأَنْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْأُولَى، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ، أَوْ شَكَّ فِيهَا، أَوْ تَخَرَّقَ الْخُفُّ، أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ الْإِقَامَةَ، أَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ نَجَسٌ لَا يُعْفَى عَنْهُ، أَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فِي الِاجْتِهَادِ، أَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةً. وَيُسَنُّ إذَا أَتَى بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى يَمِينًا وَالْأُخْرَى شِمَالًا. مُلْتَفِتًا فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى حَتَّى يُرَى خَدُّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقَفَّالُ: وَلَوْ قَعَدَ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَ رِجْلَيْهِ جَازَ اهـ. وَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَدَّهُمَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ غَيْرُ الْمَسْنُونِ وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ أَيْ أَصْلِ فَخِذَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَ فَخِذَيْهِ وَنَصَبَهُمَا وَلَمْ يَجْلِسْ بِمَقْعَدَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي خِلَافًا لِلْقَفَّالِ حَيْثُ قَالَ بِالْإِجْزَاءِ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ وَضْعَ الْمُقَدِّمَةِ سُنَّةٌ، وَتَعَقَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ بِقَوْلِهِ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْأَقْطَعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَامِ إذْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْقُعُودِ اهـ أَمَّا الْإِقْعَاءُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَأَلْيَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَهُوَ سُنَّةٌ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَصَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بِكَرَاهَتِهِ فِيمَا عَدَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: إنَّهُ حَرَامٌ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ شَاذٌّ، نَعَمْ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَكُلَّ جُلُوسٍ قَصِيرٍ وَالْجُلُوسَ مُحْتَبِيًا خِلَافَ السُّنَّةِ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْإِقْعَاءَ الْمَكْرُوهَ إنْ كَانَ فِي سُنَّةٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ مُنِعَ ثَوَابُهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُنَالُ بِالْمَكْرُوهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ذُو جِهَتَيْنِ اهـ سم.

قَوْلُهُ: (وَحِكْمَتُهُ التَّمْيِيزُ إلَخْ) عِبَارَةُ ش م: وَالْحِكْمَةُ فِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّهَا أَقْرَبُ لِعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَآهُ عَلِمَ فِي أَيِّ التَّشَهُّدَيْنِ. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُسْتَوْفِزٌ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ وَالْحَرَكَةُ عَنْ الِافْتِرَاشِ أَهْوَنُ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي التَّخْصِيصِ أَيْ تَخْصِيصِ الْأَوَّلِ بِالِافْتِرَاشِ وَالْأَخِيرِ بِالتَّوَرُّكِ. اهـ. ع ش

قَوْلُهُ: (التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ) أَيْ وَإِنْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ فَتُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ اج. قَالَ ق ل: وَهِيَ مِنْ مُلْحَقَاتِ الصَّلَاةِ لَا مِنْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: وَيُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ لَا يَزِيدُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُسَلِّمُ غَيْرُ الْإِمَامِ وَاحِدَةً وَكَذَا الْإِمَامُ إنْ قَلَّ الْقَوْمُ وَلَا لَغَطَ عِنْدَهُمْ وَإِلَّا فَتَسْلِيمَتَيْنِ. فَإِذَا قُلْنَا يُسَلِّمُ وَاحِدَةً جَعَلَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ:(إلَّا أَنْ يَعْرِضَ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالسُّنِّيَّةِ لَا فِي الْإِتْيَانِ بِهَا وَعَدَمِهِ مَعَ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ نَظَرًا ظَاهِرًا فَتَأَمَّلْ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُولَى) وَلَا عِبْرَةَ بِالثَّانِيَةِ لَوْ أَتَى بِهَا بَلْ يُحَرَّمُ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِفَرَاغِهَا بِالْأُولَى وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الصَّلَاةُ فَلَا تُقْبَلُ تَوَابِعُهَا قَالَ سم عَلَى حَجّ: إلَّا أَنَّهُ مُشْكِلٌ فِي وُجُودِ السُّتْرَةِ فَقَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ الْعَارِي سُتْرَةً إنْ أُرِيدَ تَحْرِيمُهَا مَعَ الْعُرْي فَوَاضِحٌ أَوْ مُطْلَقًا فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ م د. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ: وَتُحَرَّمُ إنْ عَرَضَ بَعْدَ الْأُولَى مُنَافٍ كَحَدَثٍ وَخُرُوجِ وَقْتِ جُمُعَةٍ أَيْ بِخِلَافِ وَقْتِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَنِيَّةِ إقَامَةٍ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَى الْقَاصِرُ إلَخْ) فِي ذِكْرِ ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الَّذِي عَرَضَ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَالْإِقَامَةَ هُنَا لَا تُنَافِي الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا تُنَافِي الْقَصْرَ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ قَبْلَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَكَانَ مُتَيَمِّمًا فَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَلَا يَأْتِي بِالثَّانِيَةِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَسْقُطُ بِالتَّيَمُّمِ قَوْلُهُ:(أَوْ وَجَدَ الْعَارِي إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَتَرَ أَتَى بِالْمَطْلُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مَا دَامَ عُرْيَانًا فَقَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ الْعَارِي إلَخْ أَيْ وَلَمْ يَسْتَتِرْ قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَكُونَ الْأُولَى يَمِينًا) وَلَوْ سَلَّمَ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ ع ش اهـ قَوْلُهُ:(يَمِينًا) فَلَوْ عَكَسَ كُرِهَ وَإِنْ أَتَى بِهِمَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، فَلَوْ ارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ وَابْتَدَأَ بِالْيَسَارِ هَلْ يُسَنُّ جَعْلُ الثَّانِيَةِ عَنْ

ص: 75

الْأَيْمَنُ فَقَطْ، وَفِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُرَى خَدُّهُ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ، فَيَبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَلْتَفِتُ وَيُتِمُّ سَلَامَهُ بِتَمَامِ الْتِفَاتِهِ، نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ الْتَفَتَ هُوَ إلَيْهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَمُؤْمِنِي إنْسٍ وَجِنٍّ فَيَنْوِيهِ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ عَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْيَمِينِ؟ قَالَ سم: يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ اج قَوْلُهُ: (حَتَّى يُرَى خَدُّهُ) أَيْ يَرَاهُ مَنْ خَلْفَهُ، وَقَوْلُهُ: فَقَطْ أَيْ لَا خَدَّاهُ وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ أَيْ فَقَطْ

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَلْتَفِتُ) أَيْ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ صَدْرُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْمِيمِ مِنْ عَلَيْكُمْ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَلْقِي، أَمَّا هُوَ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِالْتِفَاتُ لِأَنَّهُ مَتَى الْتَفَتَ لِلْإِتْيَانِ بِسُنَّةِ الِالْتِفَاتِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ الْمُشْتَرَطِ حِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِالْتِفَاتُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى هَكَذَا ظَهَرَ. وَبِهِ يُلْغِزُ فَيُقَالُ: لَنَا مُصَلٍّ مَتَى الْتَفَتَ لِلسَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ رَشِيدِيٌّ.

وَلَوْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَتَى بِهَا قِبَلَ وَجْهِهِ قَوْلُهُ: (نَاوِيًا السَّلَامَ) أَيْ ابْتِدَاءَهُ إلَخْ. وَهَذَا عَامٌّ فِي الْكُلِّ، وَأَمَّا نِيَّةُ الرَّدِّ فَفَصَّلَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْوِي مَأْمُومٌ الرَّدَّ إلَخْ. وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ نَاوِيًا السَّلَامَ إلَخْ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّيَّةِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لِوُجُودِ الْخِطَابِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ عَارَضَهُ فَاحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ وَالْمُعَارِضِ بِخِلَافِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَتَبَعِيَّةُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى صَارِفٌ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ. ح ل. وَعِبَارَةُ ز ي: وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسَلِّمَ خَارِجَهَا لَمْ يُوجَدْ لِسَلَامِهِ صَارِفٌ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِلنِّيَّةِ، وَأَمَّا فِيهَا فَكَوْنُهُ وَاجِبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهَا صَارِفٌ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ السَّلَامِ أَيْ سَلَامِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ، وَالْمُرَادُ مَعْنَاهُ وَهُوَ التَّحَلُّلُ مَعَ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ فَقْدُ الصَّارِفِ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ التَّحِيَّةُ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ مَدْلُولِهِ، فَاحْتِيجَ إلَى فَقْدِ الصَّارِفِ ثَمَّ لَا هُنَا. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر: اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ السَّلَامِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ نِيَّةُ سَلَامِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ نَوَى مُجَرَّدَ السَّلَامِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ أَوْ الرَّدَّ ضَرَّ لِلصَّارِفِ وَقَدْ قَالُوا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الصَّارِفِ أَوَّلًا فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى فِيهِ نَظَرٌ، وَالْقَلْبُ إلَى الِاشْتِرَاطِ أَمْيَلُ وَهُوَ الْوَجْهُ سم

وَالْأَقْرَبُ مَا مَالَ إلَيْهِ م ر مِنْ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلتَّحَلُّلِ لَمْ يَصْلُحْ لِلْأَمَانِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصْلُحُ صَارِفًا اهـ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ الضَّرَرَ إنَّمَا هُوَ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ السَّلَامِ، أَمَّا إذَا قَصَدَ السَّلَامَ أَوْ قَصَدَ مَعَهُ الرَّدَّ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ سَلَامُ الْمَأْمُومِينَ عَنْ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَهُوَ إنَّمَا يَنْوِي ابْتِدَاءً فَقَطْ بِكُلٍّ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ بِالثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ بِالْأُولَى وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ عَلَى يَمِينِهِ ابْتِدَاءً بِهَا أَيْضًا وَأَمَّا الْأَوْلَى لِمَنْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَنْوِي بِهَا الِابْتِدَاءَ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ سَلَامُهُمْ أَوْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِهَا وَإِلَّا نَوَى مَعَ الِابْتِدَاءِ الرَّدَّ فَيَنْوِي الِابْتِدَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ، كَمَا إذَا جَاءَك رَجُلَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَيْك وَلَمْ يُسَلِّمْ الْآخَرُ وَقُلْت: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ قَاصِدًا الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَالِابْتِدَاءَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ. قَالَ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِمَّنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ أَمَامَهُ اهـ.

وَأَمَّا مَنْ عَلَى يَسَارِ الْإِمَامِ فَتَقَدَّمَ حُكْمُ أُولَتِهِ، وَأَمَّا ثَانِيَتِهِ فَيَنْوِي بِهَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ الِابْتِدَاءَ زِيَادَةً عَلَى الرَّدِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ الرَّدُّ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ) أَيْ شَخْصٍ الْتَفَتَ هُوَ أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي الرَّدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ كَمَا فِي ع ش. وَعِبَارَةُ اج هَلْ إذَا قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّينَ مِنْ الْحَاضِرِينَ هَلْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ الرَّدُّ؟ قَالَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ: لَا يَبْعُدُ النَّدْبُ إذَا عَلِمُوا اهـ. وَأَبْرَزَ الضَّمِيرَ لِأَنَّهَا صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقًا حَيْثُ تَلَا

مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لَهُ مُحَصِّلَا

قَوْلُهُ: (إنْسٍ) هُمْ الْبَشَرُ الْوَاحِدُ إنْسِيٌّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَأَنَسٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْجَمْعُ أَنَاسِيُّ وَأَنَاسِيَّةٌ. مُنَاوِيٌّ

ص: 76

يَمِينِهِ، وَبِمَرَّةِ الْيَسَارِ عَلَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ، وَيَنْوِيهِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَالْأُولَى أَوْلَى، وَيَنْوِي مَأْمُومٌ الرَّدَّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، فَيَنْوِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِ الْمُسَلِّمِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى، وَمَنْ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الشَّمَائِلِ قَوْلُهُ: (فَيَنْوِيهِ بِمَرَّةِ الْيَمِينِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ السَّلَامِ فَقَطْ، بِأَنْ يَقْصِدَ السَّلَامَ وَحْدَهُ أَوْ يَقْصِدَهُ مَعَ الرَّدِّ أَوْ يُطْلِقَ فَالضَّرَرُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ السَّلَامِ وَحْدَهُ ع ش قَوْلُهُ:(وَيَنْوِي مَأْمُومٌ) أَيْ نَدْبًا وَغَيْرُ الْمَأْمُومِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَوْ لَا؟ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْجَهُ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ: (فَيَنْوِيهِ) أَيْ الرَّدَّ وَقَوْلُهُ: مَنْ عَلَى يَمِينِ الْمُسَلِّمِ أَيْ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَقَوْلُهُ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ الْأُولَى إذْ لَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَنْ هُوَ عَلَى يَمِينِهِ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الرَّدُّ، وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فَالتَّسْلِيمَةُ تَكُونُ لِلِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ ح ل قَوْلُهُ:(وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالْأُولَى) بِأَنْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ الْأُولَى عَنْ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، إذْ لَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا رَدَّ ح ل. وَعِبَارَةُ اج اسْتَشْكَلَ هَذَا فَإِنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ بِالثَّانِيَةِ، فَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا يُسَلِّمُ الْأُولَى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ إلَخْ) وَلَوْ سَلَّمَ الثَّانِيَةَ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ أَتَى بِالْأُولَى وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ لَمْ تُحْسَبْ وَسَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِنِيَّتِهَا وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ تِلْكَ الْجِلْسَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْجُلُوسِ، وَهَذِهِ سُنَّةٌ نَابَتْ مَنَابَ الْفَرْضِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَامِلَةٌ لِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهَا لَا مِنْ نَفْسِهَا، وَلِهَذَا لَوْ أَحْدَثَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَمِثْلُ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ سَهْوٍ أَنَّهَا لَا تَقُومُ مَقَامَ تِلْكَ السَّجْدَةِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ قَوْلُهُ:(إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ تَسْلِيمَتَيْهِ) وَلَوْ قَارَنَهُ جَازَ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مُفَوِّتَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا قَارَنَ فِيهِ فَقَطْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ. وَقَالَ إنَّهُ الْأَقْرَبُ اهـ شَرْحُ م ر وَمُرَادُهُ الْمُقَارَنَةُ فِي السَّلَامِ وَالْأَفْعَالِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ إمَّا حَرَامٌ وَمُبْطِلَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّحَرُّمِ، وَإِمَّا مَكْرُوهَةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامِ، وَإِمَّا سُنَّةٌ وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّأْمِينِ، وَإِمَّا وَاجِبَةٌ وَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قِرَاءَتِهَا بَعْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَإِمَّا مُبَاحَةٌ وَهِيَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ

تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَبْلَ السَّلَامِ بِمَا شَاءَ مِنْ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَاللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي رِزْقًا حَسَنًا. بَلْ نُقِلَ عَنْ النَّصِّ كَرَاهَةُ تَرْكِهِ، وَلَوْ دَعَا بِمَحْظُورٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ إمَامَ غَيْرِ مَحْصُورِينَ أَوْ مَحْصُورِينَ لَمْ يَرْضَوْا بِالتَّطْوِيلِ، بَلْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الدُّعَاءِ أَقَلَّ مِنْهُمَا، أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَهُ أَنْ يُطِيلَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَخَفْ وُقُوعَهُ فِي سَهْوٍ، وَالْمُرَادُ بِقَدْرِ مَا ذَكَرَ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْهُمَا أَيْ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ، فَإِنْ أَطَالَهُمَا أَطَالَ الدُّعَاءَ وَإِنْ خَفَّفَهُمَا خَفَّفَهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُمَا، وَأَمَّا التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ فَلَا يُسَنُّ بَعْدَهُ الدُّعَاءُ بَلْ يُكْرَهُ لِبِنَائِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ تَشَهُّدَهُ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَوَّلٌ لِلْمَأْمُومِ فَيُتِمُّهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمُوَافِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطِيلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إمَّا لِثِقَلِ لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَتَمَّهُ الْمَأْمُومُ سَرِيعًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ أَيْضًا بَلْ يُسْتَحَبُّ إلَى أَنْ يَقُومَ إمَامُهُ اهـ. وَمَأْثُورُ

ص: 77