الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ وَيُجْمَعُ عَلَى رِيَاحٍ وَأَرْوَاحٍ بَلْ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَهَا لِخَبَرِ «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ» أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ «تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا» وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي بَكْرٍ الْوَرَّاقِ: عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُبْعِدُنِي عَنْ النَّاسِ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَسْأَلَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يُبْعِدُك عَنْ النَّاسِ فَتَرْكُ مَسْأَلَتِهِمْ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» ثُمَّ أَنْشَدَ:
لَا تَسْأَلَنَّ بَنِي آدَمَ حَاجَةً
…
وَسَلْ الَّذِي أَبْوَابُهُ لَا تُحْجَبُ
اللَّهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْت سُؤَالَهُ
…
وَبَنِي آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا؛ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: لَعَلَّ هَذَا يَكُونُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ نَاهِيًا لَك عَنْ التَّعَرُّضِ إلَى عِلْمِ الْكَوَاكِبِ وَاقْتِرَانَاتِهَا وَمَانِعًا لَك أَنْ تَدَّعِيَ وُجُودَ تَأْثِيرَاتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ فِيك قَضَاءً لَا بُدَّ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَحُكْمًا لَا بُدَّ أَنْ يُظْهِرَهُ، فَمَا فَائِدَةُ التَّجَسُّسِ عَلَى غَيْبِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ وَقَدْ نَهَانَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَتَجَسَّسَ عَلَى غَيْبِهِ اهـ ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ.
[تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ]
قَوْلُهُ: (الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الرِّيحَ الْمُفْرَدَةَ تَأْتِي بِالْعَذَابِ وَالرِّيَاحَ الْمَجْمُوعَةَ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ خَيْرِ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيَاحُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيحُ» سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَ الْمَجْمُوعَةِ لِأَنَّهَا لِلرَّحْمَةِ وَتَعَوَّذَ بِهِ مِنْ شَرِّ الْمُفْرَدَةِ لِأَنَّهَا لِلْعَذَابِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْأُسْلُوبُ فِي كَلَامِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَيْنُ الرِّيحِ وَاوٌ لِقَوْلِهِمْ أَرْوَاحٌ وَرُوَيْحَةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَا تُفْلِحُ السَّحَابُ إلَّا مِنْ رِيَاحٍ، وَيُصَدِّقُهُ مَجِيءُ الْجَمْعِ فِي آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَالْوَاحِدِ فِي قَصَصِ الْعَذَابِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ:(مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُرَدَّ أَنَّهَا تَأْتِي بِالْعَذَابِ أَيْضًا شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ أَيْ مِنْ حَيْثُ مَا يَظْهَرُ لَنَا وَإِلَّا فَهِيَ رَحْمَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُطْلَقًا اهـ وَمِثْلُهُ ع ش عَلَى م ر. رَوَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ «رَجُلًا شَكَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْفَقْرَ فَقَالَ لَهُ: لَعَلَّك تَسُبُّ الرِّيحَ؟» وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ سَبَبَ الْمَطَرِ وَالْمَطَرُ سَبَبُ الرِّزْقِ فَمَنْ سَبَّهَا مُنِعَ الرِّزْقَ بِذَلِكَ اهـ دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (يُقَرِّبُنِي) بِالْجَزْمِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَيُبْعِدُنِي كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يُبْعِدُك) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُقَرِّبُهُ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلِذَا رُوِيَ " وَيُقَرِّبُنِي مِنْ النَّاسِ وَأَمَّا الَّذِي يُقَرِّبُك " إلَخْ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَيْ الَّتِي فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ تَرْكَ مَسْأَلَتِهِمْ فِيهِ إعْرَاضٌ عَنْهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْبُعْدَ عَنْهُمْ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَوَى) أَيْ الْوَرَّاقُ
1 -
خَاتِمَةٌ: تُفَارِقُ الْعِيدُ الِاسْتِسْقَاءَ فِي أَنَّ الْعِيدَ تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بِخِلَافِهَا وَصَلَاةُ الْعِيدِ تُقْضَى بِخِلَافِهَا، وَيُقْرَأُ فِي الْعِيدِ {ق} [ق: 1] وَ " اقْتَرَبَتْ " وَيُقْرَأُ فِي ثَانِيَةِ الِاسْتِسْقَاءِ سُورَةُ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] لِأَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ فِيمَا يُقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الشَّارِحَ قَاسَهَا عَلَى الْعِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ قَالَ قِيَاسًا لَا نَصًّا. وَيُفْتَتَحُ خُطْبَةُ الْعِيدِ بِالتَّكْبِيرِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَفِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ اسْتِدْبَارٌ وَتَحْوِيلٌ بِخِلَافِ الْعِيدِ؛ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ.
[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْف]
أَيْ الْخَائِفِ أَوْ حَالَةِ الْخَوْفِ أَوْ فِي الْخَوْفِ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخَائِفِ أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوْ مِنْ الْإِضَافَةِ لِلظَّرْفِ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَتَأْخِيرُهَا لِقِلَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا وَإِلَّا فَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي الْفَرْضِ
وَهُوَ ضِدُّ الْأَمْنِ، وَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْأَمْنِ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِفَصْلٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ وَالْأَخْبَارُ الْآتِيَةُ مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَتَجُوزُ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) بَلْ أَرْبَعَةٍ كَمَا سَتَرَاهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا مَذْكُورَةٍ فِي الْأَخْبَارِ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ:(أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ) أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ فِرْقَتَيْنِ) بِحَيْثُ تَكُونُ كُلُّ فِرْقَةٍ تُقَاوِمُ الْعَدُوَّ (فِرْقَةٌ تَقِفُ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالنَّفَلِ غَيْرِ الْمُطْلَقِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْخَوْفُ فَزَعُ الْقَلْبِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَنَالُهُ أَوْ مَحْبُوبٍ يَفُوتُهُ، وَسَبَبُهُ تَفَكُّرُ الْعَبْدِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ كَتَفَكُّرِهِ فِي تَقْصِيرِهِ وَإِهْمَالِهِ وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَكَتَفَكُّرِهِ فِيمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ إهْلَاكِ مُخَالِفِهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ وَقِيلَ: الْخَوْفُ تَوَقُّعُ مَكْرُوهٍ عَنْ أَمَارَةٍ مَظْنُونَةٍ أَوْ مَعْلُومَةٍ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَهُ) أَيْ الْخَوْفِ وَقَوْلُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَيْ الْأَمْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ. . . إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَارِدَةً فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ، فَقَوْلُهُ فِيهَا:" فَإِذَا سَجَدُوا " إنْ حُمِلَ عَلَى فَرَغُوا مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ تَمَامِ رَكْعَتِهِمْ كَانَتْ صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى صَلُّوا أَيْ فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ كَانَتْ بَطْنَ نَخْلٍ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَلَالُ، وَذَكَرَ الرَّشِيدِيُّ أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا تَشْمَلُ شِدَّةَ الْخَوْفِ فَهِيَ دَلِيلٌ لَهَا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَحَاصِلُ الصَّلَاةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْخَوْفِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مُؤَقَّتًا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ نَفْلًا مُؤَقَّتًا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ جَازَ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ شِدَّةُ الْخَوْفِ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَلَا يُفْعَلُ أَصْلًا، وَأَمَّا ذُو السَّبَبِ فَيُفْعَلُ مِنْهُ الْخُسُوفُ وَالْكُسُوفُ فِي الرَّابِعِ فَقَطْ؛ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْأَدَاءِ، أَمَّا الْقَضَاءُ فَإِنْ كَانَ فَائِتًا بِعُذْرٍ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا إنْ خَافَ الْمَوْتَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ إلَخْ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الرَّابِعَ وَهُوَ بَطْنُ نَخْلٍ يَجُوزُ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ.
قَوْلُهُ: (ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ) أَيْ اخْتَصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ بَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ لِلْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] الدَّالُ عَلَى الرَّابِعِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرُوهُ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالرَّابِعِ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً، فَيَكُونُ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ الشَّافِعِيُّ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً؛ وَقَوْلُهُ " رَابِعُهَا " أَيْ رَابِعُهَا فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، إذْ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا بِالرَّابِعِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ ثَالِثٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لِلشَّارِحِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ) أَيْ صَرِيحًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ جَاءَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ أَوْ بَطْنِ نَخْلٍ لِكَوْنِهِ لَيْسَ نَصَّا فِي أَحَدِهِمَا، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ وَبَعْضُهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رَابِعَهَا وَجَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَاخْتَارَ بَقِيَّتَهَا) أَيْ لِقِلَّةِ أَفْعَالِهَا قَوْلُهُ: (مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ) تَنَازَعَ فِيهِ ذَكَرَ وَاخْتَارَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الرَّابِعُ الْمُخْتَارَ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ السِّتَّةِ عَشَرَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الرَّابِعَ زَائِدٌ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ الصَّلَاةُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " وَإِلَّا فَقَوْلُهُ " أَنْ يَكُونَ إلَخْ " لَيْسَ صَلَاةً اُنْظُرْ م ر.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْعَدُوُّ قَلِيلٌ قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ) الْمُرَادُ بِالْكَثْرَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْعَدَدِ بِأَنْ يَكُونُوا مِائَتَيْنِ وَالْكُفَّارُ مِائَتَيْنِ مَثَلًا، فَإِذَا صَلَّى بِطَائِفَةٍ وَهِيَ مِائَةٌ يَبْقَى مِائَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مِائَتَيْ الْعَدُوِّ، وَهَذِهِ أَقَلُّ دَرَجَاتِ الْكَثْرَةِ، اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَيُفَرِّقُهُمْ الْإِمَامُ) وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ رُجِيَ زَوَالُ الْخَوْفِ، وَقَوْلُهُ:" الْإِمَامُ " لَيْسَ بِقَيْدٍ،
وَجْهِ الْعَدُوِّ) لِلْحِرَاسَةِ (وَفِرْقَةٌ) تَقِفُ (خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِالْفِرْقَةِ الَّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً) مِنْ الثُّنَائِيَّةِ بَعْدَ أَنْ يَنْحَازَ بِهِمْ إلَى حَيْثُ لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ (ثُمَّ) إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ نَدْبًا وَقَبْلَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ جَوَازًا، و (تَتِمُّ لِنَفْسِهَا) الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ (وَتَمْضِي) بَعْدَ سَلَامِهَا (إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ) لِلْحِرَاسَةِ. وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الْأُولَى لِاشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا هُمْ فِيهِ، وَيُسَنُّ لَهُمْ كُلِّهِمْ تَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ (وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ) أَيْ الْفِرْقَةُ (الْأُخْرَى) بَعْدَ ذَهَابِ أُولَئِكَ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُطِيلُ الْقِيَامَ نَدْبًا إلَى لُحُوقِهِمْ (فَيُصَلِّي بِهَا) بَعْدَ اقْتِدَائِهَا بِهِ (رَكْعَةً) فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ قَامَتْ (وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا) ثَانِيَتَهَا وَهُوَ مُنْتَظِرٌ لَهَا وَهِيَ غَيْرُ مُنْفَرِدَةٍ عَنْهُ بَلْ مُقْتَدِيَةٌ بِهِ وَلَحِقَتْهُ وَهُوَ جَالِسٌ (ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهَا) لِتَحُوزَ فَضِيلَةَ التَّحَلُّلِ مَعَهُ كَمَا حَازَتْ الْأُولَى فَضِيلَةَ التَّحَرُّمِ مَعَهُ. وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ. رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ لَمَّا تَقَرَّحَتْ، وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ هُنَاكَ، وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ يُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ، وَقِيلَ لِتَرَقُّعِ صَلَاتِهِمْ فِيهَا. وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ بَعْدَ قِيَامِهِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً بَعْدَهَا فِي زَمَنِ انْتِظَارِهِ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةِ، وَيَتَشَهَّدُ فِي جُلُوسِهِ لِانْتِظَارِهَا، فَإِنْ صَلَّى الْإِمَامُ مَغْرِبًا عَلَى كَيْفِيَّةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ الْجَائِزِ أَيْضًا، وَيَنْتَظِرُ مَجِيءَ الثَّانِيَةِ وَلَهُمْ فِي جُلُوسِ تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ، أَوْ صَلَّى رُبَاعِيَّةً فَبِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ. وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ مَحْمُولٌ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَكَذَا قَوْلُهُ " فِرْقَتَيْنِ " قَالَ الشَّمْسُ الشَّوْبَرِيُّ: هَلْ الْخِيَرَةُ فِي جَعْلِ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ تُصَلِّي مَعَهُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ أَوْ يُقْرِعَ إذَا حَصَلَ نِزَاعٌ؟ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: الْخِيَرَةُ لِلْإِمَامِ وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ وَجَبَ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَالْخِيَرَةُ لِلْقَوْمِ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِعُوا؛ وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ إمَامُ الْجَيْشِ فَإِنْ فَوَّضَهُ لِإِمَامِ الصَّلَاةِ كَانَ نَائِبًا عَنْهُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (إلَى حَيْثُ) أَيْ مَكَانٌ مُنْعَطِفٌ، وَقَوْلُهُ " لَا يَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ " أَيْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (جَوَازًا) وَعِنْدَ رُكُوعِهَا وُجُوبًا لِئَلَّا يَحْصُلَ السَّبْقُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ، أَيْ لَوْ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَهَوَى لِلسُّجُودِ قَبْلَ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ السَّبْقُ بِرُكْنَيْنِ إلَّا عِنْدَ الْهَوِي لِلسُّجُودِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ وُجُوبُ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ لَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نِيَّةَ الْمُفَارَقَةِ لَا بُدَّ مِنْهَا لَكِنَّ حُكْمَهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ الثَّلَاثَةِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَيُطِيلُ إلَخْ) فَإِنْ لَمْ يُطِلْ جَازَ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مَسْبُوقَةً.
قَوْلُهُ: (فَيُصَلِّي بِهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهَا بِهِ رَكْعَةً) هَذَا إنْ أَدْرَكَتْ مَعَهُ الرُّكُوعَ فَإِنْ لَمْ تُدْرِكْ مَعَهُ الرُّكُوعَ وَجَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْإِمَامُ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ كَمَا لَوْ صَلَّى بِأَرْبَعِ فِرَقٍ صَلَاةً رُبَاعِيَّةً، فَإِنَّ الْفِرْقَةَ الرَّابِعَةَ تَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَالْإِمَامُ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ، أَوْ تُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ جُلُوسِهِ وَرَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِهِ، أَوْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ عَدَمُ الْقِيَامِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَيَقُومُونَ كَالْمَسْبُوقِ فِي الْأَمْنِ؛ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثٌ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (غَطَفَانُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ) هَذَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِوُرُودِهِ فِي السِّيَرِ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ (لَفُّوا بِأَرْجُلِهِمْ الْخِرَقَ) وَالْخِرَقُ تُسَمَّى رِقَاعًا، فَظَهَرَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ بِاسْمِ جَبَلٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ اسْمُ الْجَبَلِ جُزْءُ الِاسْمِ أَيْ وَالِاسْمُ بِتَمَامِهِ ذَاتُ الرِّقَاعِ، فَهُوَ مِنْ الْأَعْلَامِ الْمُرَكَّبَةِ.
قَوْلُهُ: (لِتَرَقُّعِ صَلَاتِهِمْ) لِأَنَّ بَعْضَهَا جَمَاعَةٌ وَبَعْضَهَا فُرَادَى وَبَعْضَهَا فِيهِ الِاقْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَبَعْضَهَا فِيهِ الِاقْتِدَاءُ حُكْمِيٌّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ رَفَعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ.
قَوْلُهُ: (فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ وَتُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ شَرْحُ م ر أج.
قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ) لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّطْوِيلِ فِي عَكْسِهِ بِزِيَادَةِ تَشَهُّدٍ فِي أُولَى الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، أَيْ زِيَادَةِ التَّشَهُّدِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ.
قَوْلُهُ (الْجَائِزِ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ " الْجَائِزُ " إلَى أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، إذْ صُورَةُ الْعَكْسِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أج وَقَوْلُهُ " لَيْسَ عَلَى بَابِهِ " فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى بَابِهِ.
قَوْلُهُ: (فَبِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَبِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ
أُولَاهُمْ لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى لِانْفِرَادِهِمْ، وَسَهْوُ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأُولَى لِمُفَارِقِهِمْ قَبْلَ السَّهْوِ (وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ) وَلَا سَاتِرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَفِينَا كَثْرَةٌ بِحَيْثُ تُقَاوِمُ كُلُّ فِرْقَةٍ الْعَدُوَّ (فَيَصُفُّهُمْ الْإِمَامُ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ خَلْفَهُ (وَيُحْرِمُ بِهِمْ) جَمِيعًا وَيَسْتَمِرُّونَ مَعَهُ إلَى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْحِرَاسَةَ الْآتِيَةَ مَحِلُّهَا الِاعْتِدَالُ لَا الرُّكُوعُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (سَجَدَ مَعَهُ أَحَدُ الصَّفَّيْنِ) سَجْدَتَيْهِ (وَوَقَفَ الصَّفُّ الْآخَرُ) عَلَى حَالَةِ الِاعْتِدَالِ (يَحْرُسُهُمْ) أَيْ السَّاجِدِينَ مَعَ الْإِمَامِ (فَإِذَا رَفَعَ) الصَّفُّ السَّاجِدُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (سَجَدُوا) أَيْ الْحَارِسُونَ لِإِكْمَالِ رَكْعَتِهِمْ (وَلَحِقُوهُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَتْ الْفِرْقَةُ السَّاجِدَةُ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَتَشَهَّدَ الْإِمَامُ بِالصَّفَّيْنِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ خَلِيصٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ فِي هَذَا صَادِقَةٌ بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الْأَوَّلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهَا بِمَكَانِهِ أَوْ تَحُولُ بِمَكَانٍ آخَرَ، وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَهِيَ أَرْبَعُ كَيْفِيَّاتٍ وَكُلُّهَا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ تَكْثُرُ أَفْعَالُهُمْ فِي التَّحَوُّلِ، وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ سُجُودُ الْأَوَّلِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
صَلَّى بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً وَبِالْأُخْرَى ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَسَجَدَ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقً سَجَدُوا لِلسَّهْوِ أَيْضًا لِلْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ " سَجَدُوا " أَيْ غَيْرُ الْفِرْقَةِ الْأُولَى اهـ أج.
قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ) أَيْ الْفِرَقُ الْأَرْبَعُ، وَتُفَارِقُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَتُتِمُّ لِنَفْسِهَا وَهُوَ مُنْتَظِرٌ فَرَاغَهَا وَمَجِيءَ الْأُخْرَى فِي الْقِيَامِ، وَيَنْتَظِرُ الرَّابِعَةَ فِي تَشَهُّدِهِ لِيُسَلِّمَ بِهَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَيُنْدَبُ لَهُ وَلَهُمْ غَيْرَ الْفِرْقَةِ الْأُولَى سُجُودُ السَّهْوِ لِمُخَالِفَتِهِ الْوَارِدَ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتَى خَالَفَ الْوَارِدَ نُدِبَ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَتَطَرَّقَ الْخَلَلُ مِنْهُ إلَى الْمَأْمُومِينَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ سَهْوَ الْمَأْمُومِ حَالَ اقْتِدَائِهِ وَلَوْ حُكْمًا مَحْمُولٌ عَنْهُ، وَأَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ يَلْحَقُ مَنْ حَضَرَهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ لَا مَنْ فَارَقَهُ قَبْلَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي الثُّنَائِيَّةِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ فَهُمْ مُقْتَدُونَ بِهِ حُكْمًا.
قَوْلُهُ: (وَفِينَا كَثْرَةٌ) قَالَ شَيْخُنَا هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ لِصِحَّتِهَا وَجَوَازِهَا فَلَا تَصِحُّ مَعَ فَقْدِ شَرْطٍ مِنْهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ضِيقِ الْوَقْتِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَحِقُوهُ فِي الرَّكْعَةِ إلَخْ) أَيْ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَالْمَسْبُوقِ، فَإِنْ لَحِقُوهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ لَمْ يَنْوُوا الْمُفَارَقَةَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الِاعْتِدَالِ.
قَوْلُهُ: (بِعُسْفَانَ) وَكَانَ صلى الله عليه وسلم فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعِيدًا مِنْهُ فِي صَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ. اهـ. شَوْبَرِيُّ؛ ثُمَّ أَسْلَمَ خَالِدُ بَعْدَ ذَلِكَ رضي الله عنه.
قَوْلُهُ: (لِعَسْفِ السُّيُولِ فِيهَا) أَيْ لِتَسَلُّطِ السُّيُولِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَوَّلَ بِمَكَانٍ آخَرَ) أَيْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَبِعَكْسِ ذَلِكَ) بِأَنْ يَسْجُدَ الصَّفُّ الثَّانِي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ.
قَوْلُهُمْ: (إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ) فِي التَّحَوُّلِ بِأَنْ لَا يَأْتِي كُلٌّ بِثَلَاثِ حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَإِنْ قُلْت: الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَالِيَةُ مُغْتَفَرَةٌ فِي الْقِتَالِ فَلِمَ لَمْ يُغْتَفَرْ هُنَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا: هَذَا لَيْسَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْحِرَاسَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَحِلِّهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ) هَذَا أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ أج وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: وَصَلَاةُ عُسْفَانَ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَفَّهُمْ صَفَّيْنِ وَأَنَّهُ أَحْرَمَ بِهِمْ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ لَمَّا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ سَجْدَتَيْهِ وَتَخَلَّفَ الصَّفُّ الثَّانِي فِي اعْتِدَالِهِ لِلْحِرَاسَةِ، فَلَمَّا قَامَ وَقَامَ مَنْ مَعَهُ سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي وَلَحِقَهُ فِي الْقِيَامِ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي وَتَأَخَّرَ
فِي الثَّانِيَةِ مَعَ التَّحَوُّلِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ فَأَكْثَرُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الْحِرَاسَةُ بِالسُّجُودِ دُونَ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرِسَ جَمِيعَ مَنْ فِي الصَّفِّ، بَلْ لَوْ حَرَس فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِرْقَتَا صَفٍّ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَامَ غَيْرُهُمَا عَلَى الْمُتَابَعَةِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْحَارِسَةُ مُقَاوِمَةً لِلْعَدُوِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ وَاحِدًا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى اثْنَيْنِ، وَكَذَا يَجُوزُ لَوْ حَرَسَتْ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِكُلِّ ذَلِكَ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَ أَقَلُّ مِنْهَا (وَ) الضَّرْبُ (الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ) فِعْلُهُمْ الصَّلَاةَ (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ وَلَوْ وَلَّوْا عَنْهُ أَوْ انْقَسَمُوا (وَالْتِحَامِ الْحَرْبِ) أَيْ الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِحَيْثُ يَلْتَصِقُ لَحْمُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقُهُ (فَيُصَلِّي) كُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ (كَيْفَ أَمْكَنَهُ رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ لَهَا) فَيُعْذَرُ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ
لِلضَّرُورَةِ
. قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَاهُ إلَّا مَرْفُوعًا بَلْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَتَقَدَّمُوا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الصَّفُّ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَكَعَ وَاعْتَدَلَ بِهِمْ جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي تَقَدَّمَ وَاسْتَمَرَّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ الَّذِي تَأَخَّرَ عَلَى الْحِرَاسَةِ فِي اعْتِدَالِهِ، فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ أَتَمُّوا بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ وَجَلَسُوا مَعَهُ لِلتَّشَهُّدِ، فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا» وَعَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ حَمَلَ أَئِمَّتُنَا مَا جَاءَ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " أَيْ أَنَّهَا رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى ثُمَّ رَأَيْت فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ هِيَ صَلَاةُ عُسْفَانَ، عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ:«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ، فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَالُوا: قَدْ كَانُوا عَلَى حَالِ غِرَّةٍ» الْحَدِيثُ وَاشْتَرَطَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَهِيَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا سَاتِرَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَفٍّ مُقَاوِمًا لِلْعَدُوِّ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَلَعَلَّ صَلَاتَهُ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفَّيْنِ كَانَتْ كَذَلِكَ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَا الْقُرْآنُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ إلَّا بِصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَبِصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ أَوْ لَمْ يَأْمَنُوا هُجُومَ الْعَدُوِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِالسُّجُودِ) أَيْ فِي حَالِ سُجُودِهِمْ دُونَ رُكُوعِهِمْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّاكِعَ تُمْكِنُهُ الْمُشَاهَدَةُ) فِي نُسْخَةٍ: " تُمْكِنُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ " أَيْ تُمْكِنُهُ الْحِرَاسَةُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَمْ يَأْمَنُوا) بَيَانٌ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ: (وَلَّوْا عَنْهُ) كَمَا فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَقَوْلُهُ:" أَوْ انْقَسَمُوا " كَمَا فِي عُسْفَانَ قَوْلُهُ: (وَالْتِحَامُ الْحَرْبِ) قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَصِلَ سِلَاحُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى " أَوْ " لِأَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا قَبْلَهُ " وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ ".
قَوْلُهُ: (أَوْ يُقَارِبُ الْتِصَاقَهُ) أَيْ الْتِصَاقَ اللَّحْمِ قَوْلُهُ: (كَيْفَ أَمْكَنَهُ) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَا دَامَ يَرْجُو الْأَمْنَ لَا يَفْعَلُهَا، فَإِنْ رَجَاهُ وَلَوْ بِقَدْرِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ التَّأْخِيرُ ق ل وم ر؛ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ الْأَمْنَ فَلَهُ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ قِيَاسًا عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَأَمَّا بَاقِي الْأَنْوَاعِ فَالظَّاهِرُ فِيهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ ز ي وَسَوَّى سم بَيْنَ الْجَمِيعِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ رَاكِبًا) وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَلَوْ أَمِنَ الرَّاكِبُ نَزَلَ فَوْرًا وُجُوبًا وَبَنَى إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ الْعَدُوِّ) خَرَجَ مَا إذَا انْحَرَفَ لِجِمَاحِ الدَّابَّةِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ) أَيْ فِي سِيَاقِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرُ رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا بِذَلِكَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّفْظِ. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْجِهَةِ الَّتِي أَمْكَنَهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِبْلَةً إذْ هِيَ
عَلَى الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لِلضَّرُورَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ كَمَا فِي الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُعْذَرُ أَيْضًا فِي الْأَعْمَالِ الْكَثِيرَةِ كَالضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الْمَشْيِ وِتْرِك الِاسْتِقْبَالِ، وَلَا يُعْذَرُ فِي الصِّيَاحِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ السَّاكِتَ أَهْيَبُ، وَيَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ السِّلَاحَ إذَا دَمِي دَمًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ لِلْحَاجَةِ، وَيَقْضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ لِنُدْرَةِ عُذْرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَإِنْ عَجْزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ بِهِمَا لِلضَّرُورَةِ وَجَعَلَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا. وَلَهُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مُبَاحِ قِتَالٍ وَهَرَبٍ كَقِتَالٍ عَادِلٍ لِبَاغٍ، وَذِي مَالٍ لِقَاصِدٍ أَخَذَهُ ظُلْمًا، وَهَرَبٍ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ، وَسَبُعٍ لَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَغَرِيمٍ لَهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِمَنْزِلَةِ الْقِبْلَةِ لَهُ قَوْلُهُ: (وَطَالَ الزَّمَانُ) فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا بُطْلَانَ، لَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ انْفِرَادِهِمْ) إلَّا إنْ كَانَ الِانْفِرَادُ هُوَ الْحَزْمُ أَيْ الرَّأْيُ السَّدِيدُ فَهُوَ أَفْضَلُ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (الْمُتَوَالِيَةِ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ) لَوْ احْتَاجَ إلَى خَمْسِ ضَرَبَاتٍ مَثَلًا فَقَصَدَ الْإِتْيَانَ بِسِتٍّ فَهَلْ تَبْطُلُ بِالشُّرُوعِ أَوْ لَا تَبْطُلُ؟ قَالَ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: ظَهَرَ لِي الْآنَ الْأَوَّلُ اهـ قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّ مَا هُنَا مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا، بِخِلَافِ تِلْكَ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ذَلِكَ فَاقْتَضَى الْبُطْلَانَ فِيهَا دُونَ هَذِهِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْذَرُ فِي الصِّيَاحِ) وَمِثْلُهُ النُّطْقُ بِلَا صِيَاحٍ كَمَا فِي الْأُمِّ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَإِنْذَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ يُرَادُ الْفَتْكُ بِهِ مَثَلًا فَيَحْتَمِلُ اغْتِفَارَهُ وَعَدَمَ الْقَضَاءِ وَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ. اهـ. ز ي أج.
قَوْلُهُ: (إذَا دَمِي) أَيْ مَثَلًا فَالْمُرَادُ إذَا تَنَجَّسَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ فَتَارَةً يُسَنُّ حَمْلُهُ إذَا كَانَ لَا يُؤْذِي غَيْرَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِتَرْكِهِ خَطَرٌ وَتَارَةً يُكْرَهُ إذَا آذَى، بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ حُرِّمَ؛ وَتَارَةً يَجِبُ إذَا ظَهَرَ بِتَرْكِهِ خَطَرٌ، فَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ حَمْلُهُ مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: (أَمْسَكَهُ) أَيْ فَيَجِبُ حَمْلُهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا، وَيَجِبُ إبْقَاءُ بَيْضِهِ وَإِنْ مَنَعَتْ السُّجُودَ حَيْثُ انْحَصَرَتْ الْوِقَايَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ اسْتِسْلَامًا لِلْعَدُوِّ، وَيَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَوْ أَدَّى لِإِيذَاءِ غَيْرِهِ
حِفْظًا لِنَفْسِهِ
، وَلَا نَظَرَ لِضَرَرِ غَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاضْطِرَارِ حَيْثُ قَدَّمَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ لِمُضْطَرٍّ آخَرَ تَقْدِيمًا لِنَفْسِهِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ اهـ أج وَالْمُرَادُ بِالْبَيْضَةِ الطَّاسَةُ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْضِي) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ ضَعِيفٌ شَرْحُ م ر أج.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا إلَخْ) لَمَّا حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ احْتَاجَ لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مُبَاحِ قِتَالٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ؛ أَيْ قِتَالٌ مُبَاحٌ أَيْ جَائِزٌ، فَشَمَلَ الْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ وَالْمُبَاحَ؛ فَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ غَيْرُ الْحَرَامِ ز ي وَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ نَجَاسَةً، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ وَطِئَهَا قَصْدًا وَكَانَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا ح ل.
قَوْلُهُ: (كَقِتَالِ عَادِلٍ لِبَاغٍ) بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ، أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ فَإِنْ كَانَ لِلْبُغَاةِ تَأْوِيلٌ جَازَ لَهُمْ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (لِقَاصِدِ أَخْذِهِ) أَوْ لِمَنْ أَخَذَهُ كَخَطْفِهِ نَعْلَهُ، وَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوْرًا وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ مَوْضِعُهُ كَمَا قَالَهُ ق ل وَكَذَا إذَا شَرَدَتْ دَابَّتُهُ وَخَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَوْ خُطِفَ نَعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ إذَا خَافَ ضَيَاعَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَبَعًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَلَا يَضُرُّ وَطْؤُهُ النَّجَاسَةَ كَحَامِلِ سِلَاحِهِ الْمُلَطَّخِ بِالدَّمِ لِلْحَاجَةِ وَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا ثَانِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَفِي الْجِيلِيِّ: لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَحْرَمَ مَاشِيًا كَهَارِبٍ مِنْ حَرِيقٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، وَإِذَا أَحْرَمَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الْمَدِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَالْوَقْتُ يَسَعُهَا فَلَهُ الْمَدُّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: وَالْخَارِجُ مِنْ الْمَغْصُوبِ يُصَلِّي وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ حَالَ خُرُوجِهِ قِيلَ: وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ وَأَظُنُّهُ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ) بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ رَكْعَةً شَرْحُ الرَّوْضِ؛ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَرْجُو الْأَمْنَ كَمَا تَقَدَّمَ
الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ بِفَوْتِ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ إنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مَاكِثًا أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَاصِلٍ كَفَوْتِ نَفْسٍ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَاكِثًا وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوْ يُحَصِّلُ الْوُقُوفَ لِصُعُوبَةِ قَضَاءِ الْحَجِّ وَسُهُولَةِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ؟ وَجْهَانِ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ، وَالنَّوَوِيُّ الثَّانِيَ بَلْ صَوَّبَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَتَأْخِيرُهَا وَاجِبٌ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِشَيْءٍ ظَنُّوهُ عَدُوًّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهِمْ فَبَانَ خِلَافُهُ قَضَوْا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَثَمَّ سَاتِرٌ وَهُوَ قَلِيلٌ وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَخِيفَ هُجُومُهُ، فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ جَمِيعَ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، وَتَكُونُ الْفِرْقَةُ الْأُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَحْرُسُ، ثُمَّ تَذْهَبُ الْفِرْقَةُ الْمُصَلِّيَةُ إلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهَا مَرَّةً أُخْرَى جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَتَقَعُ الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ لِلْإِمَامِ نَفْلًا وَهَذِهِ صِفَةُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ مَكَانٌ مِنْ نَجْدٍ بِأَرْضِ غَطَفَانَ وَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ عَدُوِّهِمْ وَخَوْفِ هُجُومِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ. تَتِمَّةٌ: تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَيْثُ وَقَعَ بِبَلَدٍ كَصَلَاةِ عُسْفَانَ وَكَذَاتِ الرِّقَاعِ لَا كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ أُخْرَى، وَيُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لِمُحْرِمٍ) خَرَجَ بِهِ مَرِيدُ الْإِحْرَامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ إنْ ظَنَّ فَوَاتَ الصَّلَاةِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) وَكَذَا الْعُمْرَةِ إذَا نَذَرَ فِعْلَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَضَاقَ ذَلِكَ الْوَقْتُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِيهِ لَوْ صَلَّى مَاكِثًا م ر وَخَالَفَ حَجّ فَقَالَ: يُصَلِّي ثُمَّ يَعْتَمِرُ لِأَنَّ أَصْلَ الْعُمْرَةِ وَقْتُهَا الْأَبَدُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (إنْ صَلَّى الْعِشَاءَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُ الْوُقُوفِ إلَّا بِتَرْكِ صَلَوَاتِ أَيَّامٍ وَجَبَ التَّرْكُ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ ق ل: هُوَ مِثَالٌ، وَإِلَّا فَلَا يَتَقَيَّدُ بِصَلَاةٍ وَلَا بِأَكْثَرَ وَلَا بِأَيَّامٍ وَلَا بِأَشْهُرٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَهَا) فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرِ اسْمٍ لَيْسَ مُؤَخَّرٍ، وَقَوْلُهُ " لِمُحْرِمٍ " خَبَرُهَا مُقَدَّمٌ قَوْلُهُ:(حَاصِلٌ) أَيْ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إلَى الْآنَ لَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ إنْقَاذِ النَّفْسِ وَرَدِّ النَّعْلِ وَالْبَعِيرِ النَّادِّ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ، بِخِلَافِ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ يَرُومُ تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ م د وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ الْحَجَّ " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " لِأَنَّ عَرَفَةَ " لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ) هَذَا جَارٍ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ " قَضَوْا " يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ بِأَنْ يُقَالَ قَضَى مَنْ اشْتَمَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مُبْطِلٍ اُحْتُمِلَ فِي الْخَوْفِ وَلَمْ يُحْتَمَلْ فِي الْأَمْنِ، كَتَطْوِيلِ الِاعْتِدَالِ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ وَالِانْفِرَادِ بِرَكْعَةٍ فِي صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (ظَنُّوهُ) مِثْلُهُ الشَّكُّ.
قَوْلُهُ: (قَضَوْا) فَلَوْ بَانَ عَدُوًّا يُرِيدُ الصُّلْحَ فَلَا قَضَاءَ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (الَّذِي أَسْقَطَهُ الْمُصَنِّفُ) لَعَلَّهُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِالْخَوْفِ.
قَوْلُهُ: (نَفْلًا) أَيْ مُعَادَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمُعَادَةِ شَوْبَرِيُّ، وَأَقَرَّهُ أج قَالَ ع ش: وَفِي الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وُجُوبُ نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِيهِ) صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تُنْدَبُ فِي الْأَمْنِ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْأَصْلِيَّةَ خَلْفَ الْمُعَادَةِ مِنْ نَوْعِهَا مَنْدُوبَةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر ق ل وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَبْنَى الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَهِيَ رَاجِعٌ لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ خَلْفَهُ، فَهِيَ وَإِنْ جَازَتْ فِي الْأَمْنِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَيْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ فَهِيَ هُنَا مُسْتَحَبَّةٌ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ الْفَرْضِ خَلْفَ النَّفْلِ فِي غَيْرِ الْمُعَادَةِ ح ل وَأَيْضًا لَيْسَ الْإِعَادَةُ هُنَا كَثَمَّ لِأَنَّهُ هُنَا يَأْمُرُ مَنْ صَلَّى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ وَيُعِيدُ بِغَيْرِهِ شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ) فَهِيَ شُرُوطٌ لِلنَّدَبِ لَا لِلْجَوَازِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَرَاهَةُ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ مَحِلُّهَا فِي الْأَمْنِ ز ي، أَوْ أَنَّ مَحِلَّهُ فِي النَّفْلِ الْمَحْضِ ح ف.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ عَدَدٌ) أَيْ أَنْ يَسْمَعَ ثَمَانُونَ فَأَكْثَرَ وَيُصَلِّي