المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في صلاة الكسوف - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٢

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي فِي مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌[حُكْمُ سُجُود السَّهْو وَمَحَلُّهُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌تَتِمَّةٌ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌ أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ

- ‌ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَرَائِضُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[آدَابُ الْجُمُعَةُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ]

- ‌فَصْلٌفِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا]

الفصل: ‌فصل: في صلاة الكسوف

لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ.

وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ عَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ: بَابُ مَا رُوِيَ فِي قَوْلِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فِي الْعِيدِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْك وَسَاقَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَخْبَارٍ وَآثَارٍ ضَعِيفَةٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَجُّ لِعُمُومِ التَّهْنِئَةِ بِمَا يَحْدُثُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ يَنْدَفِعُ مِنْ نِقْمَةٍ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَالتَّعْزِيَةِ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَمَضَى إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ إلَيْهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَهَنَّأَهُ» وَيُنْدَبُ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِالْعِبَادَةِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِإِحْيَاءِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ.

‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ

لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ لِلْقَمَرِ وَهَذَا هُوَ الْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَيُقَالُ فِيهِمَا كُسُوفَانِ وَخُسُوفَانِ قَالَ عُلَمَاءُ الْهَيْئَةِ: إنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهَا فِي نَفْسِهَا لِاسْتِفَادَةِ ضَوْئِهَا مِنْ جِرْمِهَا، وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بِظُلْمَتِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَعَ بَقَاءِ نُورِهَا فَيُرَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

ذَلِكَ) أَيْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (مَشْرُوعَةٌ) أَيْ مَسْنُونَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ م د.

قَوْلُهُ: (تَقَبَّلَ اللَّهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ هَذَا مِنْ التَّهْنِئَةِ، وَمِنْهُ: أَعَادَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِخَيْرٍ، وَالْمُرَادُ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْأَضْحَى وَالْقِيَامِ. قَوْلُهُ: (وَسَاقَ مَا ذَكَرَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا، مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يَحْدُثُ. وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِالتَّعْزِيَةِ عَلَى التَّهْنِئَةِ أَنَّهَا تُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سُنَّتْ التَّعْزِيَةُ عَلَى الْمُصِيبَةِ سُنَّتْ التَّهْنِئَةُ عَلَى السُّرُورِ.

قَوْلُهُ: (كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) هُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْخَزْرَجِيُّ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْزَلَ فِيهِمْ {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] الْآيَةُ، وَالثَّلَاثَةُ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. خَاتِمَةٌ: اجْتِمَاعُ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ عَرَفَةَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ وَسَبَقَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ الشَّيْخُ الطُّوخِيُّ بِحُرْمَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ. قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ. الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ أَيْضًا مَا يُفْعَلُ فِي الْجَوَامِعِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ وَتَرْكِهَا إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعُ؛ وَهُوَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي كَنَائِسِهِمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ. وَأَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَيْضًا وُقُودُ الشَّمْعِ الْكَثِيرِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ بِمِنًى؛ وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ حَرَامٌ شَدِيدُ الْحُرْمَةِ اهـ. مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ لِابْنِ عَبْدَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

ِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيرِهِ لِمُنَاسَبَةِ اشْتِرَاكِهَا مَعَ الْعِيدَيْنِ فِي الْكَيْفِيَّةِ، وَوَجْهُ ذِكْرِهَا عَقِبَ صَلَاةِ الْعِيدِ تَمَامُ مُشَابَهَتِهَا لَهَا بِخِلَافِ الْكُسُوفِ أَبْعَدَ الشَّبَهَ فِيهَا زِيَادَةُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَلِأَنَّ وَقْتَهَا أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُخْتَارَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ اهـ. وَبِمَا ذُكِرَ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَكَمَا صَنَعَ فِي الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَيْهِ: وَإِنَّمَا قُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ عَقِبَ الْعِيدِ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ مِنْ طَلَبِ التَّكْبِيرِ فِيهَا وَإِنْ أُبْدِلَ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالِاسْتِغْفَارِ اهـ.

قَوْلُهُ: (الْأَفْصَحُ) وَالْوَاقِعُ أَيْضًا لِأَنَّ الْكُسُوفَ السَّتْرُ وَالْخَسْفَ الذَّهَابُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ " لَا حَقِيقَةَ لَهُ " أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَهَابُ ضَوْئِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ يَسْتَتِرُ هُنَا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً ق ل.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إلَخْ) وَأَبْطَلَهُ

ص: 226

لَوْنُ الْقَمَرِ كَمَدًا فِي وَجْهِ الشَّمْسِ فَيُظَنُّ ذَهَابُ ضَوْئِهَا، وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ بِذَهَابِ ضَوْئِهِ لِأَنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الشَّمْسَ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فَكَيْفَ يَحْجُبُ الْأَصْغَرُ الْأَكْبَرَ إذَا قَابَلَهُ؟ قَسْطَلَّانِيٌّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَسُئِلَ م ر: هَلْ الْقَمَرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي آخَرَ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَمَرًا جَدِيدًا. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ قُرْصِ الشَّمْسِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَقُرْصِ الْقَمَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّمْسَ يُؤْذَنُ لَهَا أَنْ تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ لِلَّهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَالْقَمَرَ لَا يُؤْذَنُ لَهُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعَ عَشْرَ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ يَزِيدُ كُلَّ لَيْلَةٍ فَرَحًا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي السُّجُودِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْقُصُ وَيَدُقُّ غَمًّا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَالْكُسُوفُ لُغَةً: التَّغَيُّرُ إلَى السَّوَادِ، يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ إذَا اسْوَدَّتْ وَذَهَبَ شُعَاعُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ كَاسِفُ الْحَالِ أَيْ مُتَغَيِّرُهُ، وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْخُسُوفُ الْمَحْوُ وَالْكُسُوفُ الِاسْتِتَارُ.

قَوْلُهُ: (بِظُلْمَتِهِ) أَيْ بِجِرْمِهِ الْمُظْلِمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ضُوءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ) أَيْ مُسْتَفَادٌ.

قَوْلُهُ: (بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ) أَيْ جِرْمِهَا كَمَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ. ق ل. وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الشَّمْسُ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ صَالِحَةٌ، فَإِذَا حَالَ جِرْمُ الْأَرْضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا انْمَحَى النُّورُ عَنْ جِرْمِهِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ الْخُسُوفُ إلَّا فِي أَنْصَافِ الْأَشْهُرِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَمَا وَقَعَ فِي غَيْرِهَا فَمِنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ وَاَللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ: وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الشَّمْسَ قَدْرَ الْأَرْضِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً وَجَعَلَ سَيْرَهَا فِي الْبُرُوجِ مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ لِأَنَّ الْبُرُوجَ اثْنَا عَشْرَ وَهِيَ تَسِيرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فِي بُرْجٍ مِنْهَا فَتَرْجِعُ فِي السَّنَةِ إلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي ابْتَدَأَتْ مِنْهُ السَّيْرَ، وَتَكُونُ فِي الشِّتَاءِ فِي أَسْفَلِ الْبُرُوجِ وَفِي الصَّيْفِ فِي أَعْلَى الْبُرُوجِ وَلَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْقَمَرِ فِي سُلْطَانِهِ لِئَلَّا يُبْطِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَاصِّيَّةَ صَاحِبِهِ، إذْ فِي الشَّمْسِ خَصَائِصُ لَا تُوجَدُ فِي الْقَمَرِ وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الشَّمْسَ طَبَّاخَةً لِلثِّمَارِ وَالْفَاكِهَةِ وَلَوْلَاهَا مَا نَبَتَ زَرْعٌ وَلَا خَرَجَتْ فَاكِهَةٌ، وَلَهَا خَصَائِصُ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا، وَجَعَلَ اللَّهُ الْقَمَرَ صَبَّاغًا لِسَائِرِ أَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ وَفِيهِ خَوَاصُّ أُخَرُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ: الْحِكْمَةُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَجْرَى فِي سَابِقِ عِلْمِهِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ وَخُصُوصًا النَّيِّرِينَ فَقَضَى عَلَيْهِمَا بِالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَصَيَّرَ ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ إشْرَاقِ نُورِهِمَا وَمَا يَظْهَرُ مَعَ حُسْنِ آثَارِهِمَا مَأْمُورَانِ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ مُسَيَّرَانِ وَفِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُكَوَّرَانِ فَسُبْحَانَ الْحَكِيمِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: سَبَبُ كُسُوفِ الشَّمْسِ تَخْوِيفُ الْعِبَادِ بِحَبْسِ ضَوْئِهَا لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ النِّعْمَةَ إذَا حُبِسَتْ لَمْ يَنْبُتْ زَرْعٌ وَلَمْ يَجِفَّ ثَمَرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ نُضْجٌ. وَقِيلَ: سَبَبُهُ تَجَلِّي اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ مَا تَجَلَّى لِشَيْءٍ إلَّا خَضَعَ، فَقَدْ تَجَلَّى لِلْجَبَلِ فَجَعَلَهُ دَكًّا. وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَجُرُّهَا وَفِي السَّمَاءِ بَحْرٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ حَالَ سَيْرِهَا اسْتَتَرَ ضَوْءُهَا. وَسَبَبُ مَغِيبِ الشَّمْسِ أَنَّهَا تَغِيبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] أَيْ ذَاتُ حَمَأٍ أَيْ طِينٍ. وَقِيلَ: سَبَبُ غُرُوبِهَا أَنَّهَا عِنْدَ وُصُولِهَا لِآخِرِ السَّمَاءِ تَطْلُعُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إنَّ قَوْمًا يَعْصُونَك، فَيَقُولُ: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ شِئْت فَتَنْزِلُ مِنْ سَمَاءٍ إلَى سَمَاءٍ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ الْمَشْرِقِ. وَمِنْ خَوَاصِّ الشَّمْسِ أَنَّهَا تُرَطِّبُ بَدَنَ الْإِنْسَانِ إذَا نَامَ فِيهَا وَتُسَخِّنُ الْمَاءَ الْبَارِدَ وَتُبَرِّدُ الْبِطِّيخَ الْحَارَّ. وَمِنْ خَوَاصِّ الْقَمَرِ أَنَّهُ إذَا نَامَ فِيهِ الْإِنْسَانُ يَصْفَرُّ لَوْنُهُ وَيَثْقُلُ رَأْسُهُ وَيُسَوِّسُ الْعِظَامَ وَيُبْلِي ثِيَابَ الْكَتَّانِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ عَلِيٍّ عَنْ السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ، فَقَالَ: إنَّهُ أَثَرُ مَسْحِ جَنَاحِ جِبْرِيلَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نُورَ الْقَمَرِ سَبْعِينَ جُزْءًا وَمِثْلُهُ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَ جِبْرِيلَ فَمَسَحَهُ بِجَنَاحِهِ فَمَحَا مِنْ الْقَمَرِ تِسْعَةً وَسِتِّينَ جُزْءًا فَحَوَّلَهَا إلَى الشَّمْسِ فَأَذْهَبَ عَنْهُ الضَّوْءَ وَأَبْقَى فِيهِ النُّورَ، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:{فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] . وَإِذَا نَظَرْت إلَى

ص: 227

قَوْله تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أَيْ عِنْدَ كُسُوفِهِمَا، وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ:«إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» (وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ) الشَّامِلِ لِلْخُسُوفِ (سُنَّةٌ) لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرُهُ مُؤَكَّدَةٌ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِخُسُوفِ الْقَمَرِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِهِ عَنْ الثِّقَاتِ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ أَيْ الْخَمْسِ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ» وَلِأَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا أَذَانَ لَهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةٍ لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّوَادِ الَّذِي فِيهِ وَجَدْتَهُ حُرُوفًا أَوَّلُهَا الْجِيمُ وَثَانِيهَا الْمِيمُ وَثَالِثُهَا الْيَاءُ وَاللَّامُ وَالْأَلِفُ آخِرُ الْكُلِّ أَيْ جَمِيلًا، وَقَدْ شَاهَدْت ذَلِكَ وَقَرَأْتُهُ مِرَارًا اهـ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحِفْنِيِّ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ. قَوْلُهُ:(أَلْبَتَّةَ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَالنَّصْبِ دَائِمًا ق ل.

قَوْلُهُ: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] أَيْ صَلُّوا. قَوْلُهُ: (آيَتَانِ) تَثْنِيَةُ آيَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الْمَخْلُوقَةُ لِلَّهِ الدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَعِظَمِ قُدْرَتِهِ، أَوْ عَلَى تَخْوِيفِ عِبَادِهِ مِنْ بَأْسِهِ وَسَطْوَتِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِ وَلَدِهِ مِنْ مَارِيَةِ الْقِبْطِيَّةِ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِأَنَّ كُسُوفَهَا لِأَجْلِ مَوْتِهِ؛ وَكَانَ مَوْتُهُ عَاشِرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَعَاشَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ عَاشَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا؛ كَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا لِحَيَاتِهِ) اُسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ السِّيَاقَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ الْكُسُوفَ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَيَاةَ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْحَيَاةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْفَقْدِ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْإِيجَادِ فَعَمَّمَ الشَّارِعُ الْمَنْفِيَّ لِدَفْعِ هَذَا التَّوَهُّمِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَلَا لِحَيَاتِهِ " لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ كَمَا تَكُونُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ تَكُونُ بِحَيَاتِهِ كَالْيَزِيدِ وَالْحَجَّاجِ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ) أَيْ شَيْئًا مِنْهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا عَادَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَصَلُّوا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَعْرُوفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم ق ل.

قَوْلُهُ: (وَادْعُوَا) نَدْبًا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ النُّفُوسَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْخَارِقِ تُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا وَتَتَوَجَّهُ لِلْحَضْرَةِ الْعَلِيَّا فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَقْرَبَ لِلْإِجَابَةِ. لَا يُقَالُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إذَا لَمْ تَنْجَلِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَقَدْ يُرَادُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَتَكُونُ الْغَايَةُ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَمْتَدَّ الدُّعَاءُ إلَى الِانْجِلَاءِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يُسَنُّ عِنْدَ الْكُسُوفِ الدُّعَاءُ بِكَشْفِهِ وَصَلَاةٍ تَخُصُّهُ، وَأَنَّهَا تُسَنُّ جَمَاعَةً، وَأَنَّ الْكَوَاكِبَ لَا فِعْلَ لَهَا وَلَا تَأْثِيرَ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ وَلَمَّا خَسَفَ الْقَمَرُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ جَعَلَتْ الْيَهُودُ يَرْمُونَهُ بِالسَّهْمِ وَيَضْرِبُونَ بِالطَّاسِ أَيْ بِالنُّحَاسِ وَيَقُولُونَ سُحِرَ الْقَمَرُ، فَصَلَّى عليه الصلاة والسلام صَلَاةَ الْخُسُوفِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّرْبَ عَلَى الطَّاسِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ فِعْلُ الْيَهُودِ فَيُنْكَرُ حِينَئِذٍ لِعُمُومِ نَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ اهـ عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ:(مَا بِكُمْ) أَيْ الَّذِي حَلَّ بِكُمْ مِنْ الْخَوْفِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْآيَةِ وَهُوَ لَا يَزُولُ إلَّا بِانْجِلَائِهَا. قَوْلُهُ: (وَوَاظَبَ عَلَيْهَا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ كُسُوفُهُمَا فِي زَمَنِهِ فَمَا مَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ تَأَمَّلْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَاظَبَ لَوْ وَقَعَ أَوْ الْمُرَادُ أَمَرَ بِذَلِكَ وَوَاظَبَ النَّاسُ عَلَيْهَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَكُسُوفَ الشَّمْسِ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ إلَّا مَرَّةً، فَالْمُرَادُ الْمُوَاظَبَةُ فِي الْجُمْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا إلَخْ) أَصْلُ الْكَلَامِ: وَلِأَنَّهَا كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَنَّهَا ذَاتُ رُكُوعٍ إلَخْ، فَقَوْلُهُ " ذَاتُ رُكُوعٍ " بَيَانٌ لِلْجَامِعِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لِرَدِّ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَلَمَّا

ص: 228

بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ

(فَإِنْ فَاتَتْ) وَفَوَاتُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً، وَفَوَاتُ صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ بِالِانْجِلَاءِ وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ لَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ (لَمْ تُقْضَ) لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَتْ، فَإِنْ حَصَلَ الِانْجِلَاءُ أَوْ الْغُرُوبُ فِي الشَّمْسِ أَوْ طُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْقَمَرِ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ (وَيُصَلِّي) الشَّخْصُ (لِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ رَكْعَتَيْنِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَيَقْرَأُ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ، وَيَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثَانِيًا ثُمَّ يَرْكَعُ ثَانِيًا ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثَانِيًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَانَتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ مُتَّفَقًا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا جَعَلَهَا أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ) وَهُوَ الْمُبَاحُ لِأَنَّهُ اسْتَوَى فِعْلُهُ وَعَدَمُ فِعْلِهِ وَهُمَا الطَّرَفَانِ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ " لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا " أَيْ لَا يُبَاحُ تَرْكُهَا بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ.

قَوْلُهُ: (وَفَوَاتُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ إلَخْ) بِمَعْنَى يَمْتَنِعُ فِعْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى فَوَاتِ الْأَدَاءِ، وَتَقْيِيدُ الْفَوَاتِ بِالصَّلَاةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ» اهـ عَبْدُ الْبَرِّ مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (بِالِانْجِلَاءِ) أَيْ التَّامِّ يَقِينًا، فَلَهُ الشُّرُوعُ فِيهَا مَعَ الشَّكِّ فِيهِ، وَإِذَا تَبَيَّنَ الْحَالَ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت: لِمَ فَاتَتْ صَلَاةُ الْخُسُوفِ بِالِانْجِلَاءِ وَلَمْ تَفُتْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِالسُّقْيَا؟ قُلْت: لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلنَّاسِ عَنْ مَجِيءِ الْغَيْثِ، فَتَكُونُ صَلَاتُهُمْ ثَمَّ لِطَلَبِ الْغَيْثِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُنَا لِأَجْلِ الْخُسُوفِ وَقَدْ زَالَ بِالِانْجِلَاءِ؛ وَالْمُعْتَمَدُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا فُعِلَتْ بَعْدَ السُّقْيَا أَنَّهُ إنَّمَا يَنْوِي بِهَا الشُّكْرَ عَلَى مَا حَصَلَ فَافْهَمْ وَلَوْ حَالَ دُونَ الشَّمْسِ سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ أَوْ الْكُسُوفِ وَقَالَ مُنَجِّمٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ انْجَلَتْ أَوْ انْكَسَفَتْ لَمْ يُؤَثِّرْ فَتُصَلَّى فِي الْأَوْلَى أَدَاءً، إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْكُسُوفِ دُونَ الثَّانِي، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ؛ وَقَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِمْ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ فَاحْتِيطَ لَهَا، وَبِأَنَّ دَلَالَةَ عِلْمِهِ أَيْ الْمُنَجِّمِ عَلَى ذَيْنِك أَيْ الْوَقْتِ وَالصَّوْمِ أَقْوَى مِنْهَا هُنَا وَذَلِكَ لِفَوَاتِ سَبَبِهَا. اهـ. م ر. وَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ ظَنًّا بَقَاءَ الْوَقْتِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَقَعَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِهَا فِي الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ مُطْلَقٌ عَلَى صُورَتِهَا وَلَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ سَوَاءٌ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا، اُنْظُرْ خ ض. قَوْلُهُ:(وَبِغُرُوبِهَا كَاسِفَةً) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِغُرُوبِهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ أَيَّامُ الدَّجَّالِ فَلَا يُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ لِأَنَّ هَذَا لَيْلٌ تَقْدِيرًا؟ أَوْ الْمُرَادُ بِغُرُوبِهَا حَقِيقَةً لَا حُكْمًا فَيُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ لَا نَهَارٌ مَوْجُودَةً بِالْفِعْلِ وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ مَالَ شَيْخُنَا ز ي إلَى أَنَّهُ يُصَلِّي لَهَا إذَا كَسَفَتْ فِيمَا يُقَدِّرُ أَنَّهُ لَيْلٌ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاتِهَا لِأَنَّهُ لَيْلٌ تَقْدِيرًا، فَالْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا مَا يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ. وَيُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا صَلَاةُ كُسُوفِ شَمْسٍ يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَصَلَاةُ خُسُوفِ قَمَرٍ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا ز ي أَنَّهُ يُصَلِّي لِلْقَمَرِ إذَا خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتِفَاعًا تَامًّا وَهُوَ مِنْ النَّهَارِ حَقِيقَةً، فَعُهِدَ لَنَا أَنَّا نُصَلِّي لِأَحَدِ الْكُسُوفَيْنِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ الْمَعْهُودِ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ. قَوْلُهُ:(وَبِطُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ جُزْءٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (لَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ) أَيْ وَلَا بِغُرُوبِ الْقَمَرِ خَاسِفًا كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ. وَيُفَارِقُ غُرُوبَ الشَّمْسِ كَاسِفَةً بِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ: " وَلَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ " لِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِضَوْئِهِ فِيهِ فَهُوَ مَحَلُّ سُلْطَانِهِ فَأُلْحِقَ بِاللَّيْلِ، بَلْ هُوَ لَيْلٌ حَقِيقَةً عِنْدَ عُلَمَاءِ الْهَيْئَةِ لِأَنَّ النَّهَارَ عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهُورِ الشَّمْسِ وَاللَّيْلُ عَدَمُهُ اهـ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُصَيِّرُهَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ هُنَا كَمَا بَعْدَهُ فَالْوَقْتُ وَاحِدٌ فَلَمْ يَخْرُجْ أَيُّ الْوَقْتِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (لَمْ تُقْضَ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهَا. وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تُقْضَ أَيْ لَمْ يُطْلَبْ قَضَاؤُهَا بَلْ لَا يَصِحُّ اهـ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ) لَكِنْ إذَا غَرَبَتْ وَقَدْ بَقِيَ الرَّكْعَتَانِ أَوْ رَكْعَةٌ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ حَيْثُ يُسِرُّ فِيمَا بَقِيَ، كَمَا لَوْ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ بَعْدَ فِعْلِ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ حَيْثُ يُسِرُّ فِي رَكْعَةِ الصُّبْحِ وَيَجْهَرُ فِي رَكْعَةِ الْعَصْرِ. أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِيهَا ظَانًّا بَقَاءَهُ فَتَبَيَّنَ الِانْجِلَاءَ قَبْلَ تَحَرُّمِهِ بَطَلَتْ، وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ صُلِّيَتْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى هَيْئَتِهَا اهـ سم.

قَوْلُهُ: (فَيُحْرِمُ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ كَوْنِهَا لِلشَّمْسِ أَوْ

ص: 229

ثُمَّ يَسْجُدُ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَأْتِي بِالطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَلِّهَا فَهَذِهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا أَقَلُّهَا أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَقَلُّ الْكَمَالِ وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ فَأَكْثَرَ لِطُولِ مُكْثِ الْكُسُوفِ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُ رُكُوعٍ لِلِانْجِلَاءِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْكَانِهَا، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا وَوَرَدَ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ، فَقُدِّمَتْ عَلَى بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ، وَأَكْمَلِهَا (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ) قَبْلَ السُّجُودِ.

(يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا) فَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَسَوَابِقِهَا مِنْ افْتِتَاحٍ وَتَعَوُّذٍ الْبَقَرَةَ بِكَمَالِهَا إنْ أَحْسَنَهَا وَإِلَّا فَقَدْرُهَا، وَيَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا، وَفِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا، وَفِي الْقِيَامِ الرَّابِعِ كَمِائَةٍ مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي آلَ عِمْرَانَ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الثَّالِثِ النِّسَاءَ أَوْ قَدْرَهَا، وَفِي الرَّابِعِ الْمَائِدَةَ أَوْ قَدْرَهَا، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ (وَفِي) كُلِّ رَكْعَةٍ (رُكُوعَانِ يُطِيلُ التَّسْبِيحَ فِيهِمَا) فَيُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكُوعَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَفِي الرُّكُوعِ الثَّانِي قَدْرَ ثَمَانِينَ مِنْهَا، وَفِي الرُّكُوعِ الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ مِنْهَا بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى السِّينِ، وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِلْقَمَرِ، ثُمَّ إنْ نَوَاهَا بِرُكُوعَيْنِ تُعَيَّنُ أَوْ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَثَلًا تُعَيَّنُ وَإِنْ أَطْلَقَ فَسَيَأْتِي ق ل.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْتَدِلُ) أَيْ قَائِلًا: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ " وَيَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَفْعٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الرَّفْعِ الْأَوَّلِ بَلْ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ اعْتِدَالًا اهـ أج مَعَ زِيَادَةِ. قَوْلِهِ:(كَسُنَّةِ الظُّهْرِ) إنَّمَا آثَرَ الظُّهْرَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فَلَوْ نَوَاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ يَزِيدَ رُكُوعًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ قَوْلُهُمْ إنَّ هَذَا أَقَلُّهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ زِيَادَةُ رُكُوعٍ ثَالِثٍ) فَتَبْطُلُ بِذَلِكَ كَمَا لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ بِهِ ق ل وَلَا يُكَرِّرُهَا قَوْلُهُ: (فِي الصَّحِيحَيْنِ) أَيْ فِي «صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَسَوَابِقِهَا إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَكْبِيرَ فِيهَا كَالْعِيدَيْنِ وَلَا اسْتِغْفَارَ، وَأَمَّا خُطْبَتَاهَا فَسَيَأْتِي يَقُولُ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا إلَخْ. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ سَنُّ الِاسْتِغْفَارِ فِيهِمَا كَالِاسْتِسْقَاءِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(الْبَقَرَةَ) أَيْ لِأَنَّهَا فُسْطَاطُ الْقُرْآنِ وَسَنَامُهُ وَلُبَابُهُ تَعَلَّمَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِفِقْهِهَا وَمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً، وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي ثَمَانِ سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ، أَخْذُهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكُهَا حَسْرَةٌ لَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ وَهُمْ السَّحَرَةُ لِمَجِيئِهِمْ بِالْبَاطِلِ إذَا قُرِئَتْ فِي بَيْتٍ لَمْ تَدْخُلْهُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا) أَيْ الْآيَاتِ الْمُعْتَدِلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَنُصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ) أَيْ فِي كِتَابِهِ؛ وَهُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ مِنْ بُوَيْطَ قَرْيَةٍ مِنْ صَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى، كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرَهَا) ذِكْرُ ذَلِكَ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مُدْرَجٌ فِي النَّصِّ الْمَذْكُورِ، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدُورِ أَوْ بِأَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَيْضًا الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِخُصُوصِ شَيْءٍ فِيهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهُمْ. اهـ. شَرْحُ م ر. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ بَعْضَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الثَّالِثِ النِّسَاءَ) إنْ قُلْت: هَذَا النَّصُّ يَقْتَضِي تَطْوِيلَ الْقِيَامِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي إذْ النِّسَاءُ أَطْوَلُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، بِخِلَافِ النَّصِّ الْأَوَّلِ فِيهِ تَطْوِيلُ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ وَهُوَ الْأَصْلُ، إذْ الثَّانِي فِيهِ مِائَتَانِ وَالثَّالِثُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَبَيْنَ النَّصَّيْنِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ تَفَاوُتٌ كَبِيرٌ فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِحُ لَيْسَ اخْتِلَافًا إلَخْ؟ قُلْت: نَعَمْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ؛ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ النَّصَّيْنِ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ تَطْوِيلِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي وَنَقْصِهِ عَنْهُ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَفِي الرَّابِعِ قَدْرُ خَمْسِينَ) هَلَّا قَالَ: قَدْرُ سِتِّينَ؟ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: قَالَ ع ش: وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَنَّهُ جَعَلَ نِسْبَةَ الرَّابِعِ لِلثَّالِثِ كَنِسْبَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَقَدْ نَقَصَ عَنْهُ عِشْرِينَ،

ص: 230

مِنْهَا تَقْرِيبًا فِي الْجَمِيعِ لِثُبُوتِ التَّطْوِيلِ مِنْ الشَّارِعِ بِلَا تَقْدِيرٍ (دُونَ السَّجَدَاتِ) أَيْ فَلَا يُطِيلُهَا كَالْجُلُوسِ بَيْنَهَا وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ الثَّانِي وَالتَّشَهُّدِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فِي صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم لِكُسُوفِ الشَّمْسِ» وَنُصَّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهَا قَالَ الْبَغَوِيّ: فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْإِطَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمَأْمُومُونَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِالنُّدْرَةِ، وَلَوْ نَوَى صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَأَطْلَقَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّهَا وَهِيَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ بِرُكُوعَيْنِ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُسَنُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ، وَذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ يُصَلِّينَ فِي بُيُوتِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، فَإِنْ اجْتَمَعْنَ فَلَا بَأْسَ، وَتُسَنُّ صَلَاتُهَا فِي الْجَامِعِ كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ

(وَيَخْطُبُ) الْإِمَامُ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (خُطْبَتَيْنِ) كَخُطْبَتَيْ عِيدٍ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ لِلْجَمَاعَةِ وَلَوْ مُسَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ، وَيَحُثُّ فِيهِمَا السَّامِعِينَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ مِنْ تَوْبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَنَحْوِهَا لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَأَمَّا التَّنْظِيفُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُ يُضَيِّقُ الْوَقْتَ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَكَذَلِكَ الرَّابِعُ يَنْقُصُ عَنْ الثَّالِثِ عِشْرِينَ. قَوْلُهُ: (وَنُصَّ) أَيْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا خَبَرُ قَوْلِهِ " وَالصَّحِيحُ " وَالْمُرَادُ يُطَوِّلُ السَّجَدَاتِ نَحْوَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ فِي الْمَقِيسِ دُونَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ أج: قَوْلُهُ: " فِي صَلَاةِ الْوِتْرِ " هَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي قَدَّمَهَا فِي الْوِتْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ تَخَيَّرَ. وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فِي الْوِتْرِ حُمِلَ عَلَى ثَلَاثٍ، وَأَمَّا الْكُسُوفُ فَيَتَخَيَّرُ اهـ. فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ صَلَاتَهَا هَلْ يَكْفِيهِ أَيُّ كَيْفِيَّةٍ مِنْهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ سم. قَالَ شَيْخُنَا: يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فَيَتَصَدَّقُ بِأَقَلِّ مُتَمَوَّلٍ، نَعَمْ لَوْ نَذَرَ كَيْفِيَّةً بِعَيْنِهَا تَعَيَّنَتْ وَلَا يَكْفِيهِ غَيْرُهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمٍ لَا يَكْفِيهِ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ) مُعْتَمَدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ ضَعِيفًا. وَالْفَرْقُ أَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ الْكُسُوفِ لَمْ تَخْتَلِفْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْكَيْفِيَّةُ، وَأَمَّا الْوِتْرُ فَعَدَدُ رَكَعَاتِهِ مُخْتَلِفَةٌ م د.

قَوْلُهُ: (كَنَظِيرِهِ فِي الْعِيدِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ ضَاقَ الْجَامِعُ خَرَجَ لِفِعْلِهَا فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ ضَاقَ؛ وَإِنَّمَا لَمْ تُسَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ إلَيْهَا يُعَرِّضُهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّحْرَاءُ قَرِيبَةً كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ اهـ أج

قَوْلُهُ: (خُطْبَتَيْنِ) أَيْ وَإِنْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْوَعْظُ وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الَأُجْهُورِيُّ. وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ:" وَفَوَاتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ إلَخْ " فَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (كَخُطْبَتَيْ عِيدٍ) أَيْ فَلَا يَكْفِي خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا قِيَامٌ وَلَا جُلُوسٌ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا طُهْرٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ؛ نَعَمْ يُعْتَبَرُ لِأَدَاءِ السُّنَّةِ الْإِسْمَاعُ وَالسَّمَاعُ وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً.

قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُكَبِّرُ فِيهِمَا) لِعَدَمِ وُرُودِهِ، قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ اهـ. قُلْت: وَمَا قَالَهُ النَّاشِرِيُّ لَائِقٌ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكُسُوفَ مِمَّا يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ خُصُوصًا إذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُهُمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ يُطْلَبُ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ مِنْهُ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَعِتْقٍ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَإِعْتَاقٍ " لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ أَعْتَقَ لَا عَتَقَ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، تَقُولُ: عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَا تَقُولُ: عَتَقْتُ الْعَبْدَ، بَلْ تَقُولُ: أَعْتَقْت الْعَبْدَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) أَيْ فَهُوَ سُنَّةٌ.

ص: 231

تَعَرَّضَ لَهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رُكُوعٍ أَوَّلٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ ثَانٍ أَوْ فِي قِيَامٍ ثَانٍ مِنْ أَيِّ رَكْعَةٍ فَلَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَقِيَامُهُ وَالرُّكُوعُ الثَّانِي وَقِيَامُهُ فِي حُكْمِ التَّابِعِ (وَيُسِرُّ فِي) قِرَاءَةِ (كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِأَنَّهَا نَهَارِيَّةٌ (وَيَجْهَرُ فِي) قِرَاءَةِ (خُسُوفِ الْقَمَرِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا وَهُوَ إجْمَاعٌ.

وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ قَدَّمَ الْأَخْوَفَ فَوَاتًا ثُمَّ الْآكَدَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كُسُوفٌ وَجُمُعَةٌ أَوْ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرَهَا قَدَّمَ الْفَرْضَ جُمُعَةً أَوْ غَيْرَهَا لِأَنَّ فِعْلَهُ مُحَتَّمٌ فَكَانَ أَهَمَّ هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ لِضِيقِ وَقْتِهِ، فَفِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ لَهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا ثُمَّ الْكُسُوفَ إنْ بَقِيَ ثُمَّ يَخْطُبُ لَهُ، وَفِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْكُسُوفِ مَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ لِتَعَرُّضِهَا لِلْفَوَاتِ بِالِانْجِلَاءِ، وَيُخَفِّفُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ قِيَامٍ الْفَاتِحَةَ وَنَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْجُمُعَةِ فِي صُورَتِهَا مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْصِدَهُ مَعَهَا لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ مَقْصُودٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ لِأَنَّ خُطْبَةَ الْكُسُوفِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ صَلَاتِهَا وَالْجُمُعَةُ بِالْعَكْسِ وَلَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَجِنَازَةٌ أَوْ كُسُوفٌ وَجِنَازَةٌ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ فِيهِمَا خَوْفًا مِنْ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ، وَلَكِنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِهَا إذَا حَضَرَتْ وَحَضَرَ الْوَلِيُّ وَإِلَّا أَفْرَدَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (فَلَا يُدْرِكُ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي فَاتَهُ مِنْهَا مَا فَاتَهُ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَرَادَ صَلَاتَهَا بِرُكُوعَيْنِ أَمَّا إذَا أَرَادَ صَلَاتَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ اهـ أج. قَوْلُهُ:(وَيَجْهَرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ. وَعِبَارَةُ سم: لَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ فِي الْوَقْتِ الْمَحْكُومِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَهْرٍ، لَكِنْ هَلْ يَنْوِي كُسُوفَ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ وَقْتُ شَمْسٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي لَيْلٍ حُكْمًا أَوْ كُسُوفَ الْقَمَرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ قَمَرٍ حُكْمًا لِلْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَيْلٌ؟ قَالَ م ر بِالثَّانِي، وَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ:(أَوْ مُلْحَقَةٌ بِهَا) أَيْ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ اجْتَمَعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ اجْتَمَعَ فَرْضُ جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَعَ كُسُوفٍ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْفَرْضِ فَقَطْ قَدَّمَهُ أَوْ فَوْتَ الْكُسُوفِ فَقَطْ قَدَّمَهُ أَوْ فَوْتَهُمَا قَدَّمَ الْفَرْضَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَفَرْضٌ كَجُمُعَةٍ قُدِّمَ إنْ ضَاقَ وَقْتُهُ وَإِلَّا فَالْكُسُوفُ. تَنْبِيهٌ: إذَا قَدَّمَ الْكُسُوفَ عَلَى فَرْضٍ غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ. وَأَيْضًا فَقَوْلُهُمْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَاتِحَةِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْت فِي تَحْرِيرِ الْعِرَاقِيِّ نَقْلًا عَنْ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُصَلِّي الْكُسُوفَ ثُمَّ الْفَرْضَ ثُمَّ يَخْطُبُ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ عَمِيرَةُ ز ي. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ) بِأَنْ خَافَ الْفَوَاتَ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى هَذَا) إلَى قَوْلِهِ " هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " ثُمَّ الْآكَدَ "، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " ثُمَّ الْآكَدَ " أَيْ ثُمَّ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمَا خَوْفًا، فَالْآكَدُ وَهُمَا الْآن مُسْتَوِيَانِ فِي الْخَوْفِ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ " مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " قَدَّمَ الْأَخْوَفَ وَمَعْنَى لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ " لَمْ يَشْتَدَّ خَوْفُ الْفَوَاتِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَأْمَنْ الْفَوَاتَ وَهُوَ خَوْفُ الْفَوَاتِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الصُّوَرِ، فَتَأَمَّلْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ خِيفَ فَوْتُهُ) أَيْ اشْتَدَّ خَوْفُ فَوْتِهِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ خَائِفٌ الْفَوَاتَ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْفَرْضِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ) أَيْ صَلَاتَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الْفَرْضَ ثُمَّ يَخْطُبُ لِلْكُسُوفِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ وَلَوْ كَانَ وَقْتُ الْفَرْضِ مُتَّسِعًا اهـ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مُتَعَرِّضًا لِلْكُسُوفِ " أَيْ لِمَا يُقَالُ فِي خُطْبَتِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ:" وَلَا يَصِحُّ إلَخْ " أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَلَا يَكْفِي الْإِطْلَاقُ لِوُجُودِ الصَّارِفِ ح ل.

قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ) اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ.

قَوْلُهُ: (خَوْفًا مِنْ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَظِنَّةٌ لِلتَّغْيِيرِ ح ل. قَالَ السُّبْكِيُّ: قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ بِخَوْفِ تَغْيِيرِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ عَلَى الْفَرْضِ وَلَوْ جُمُعَةً عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَاجِبٌ اهـ. وَمِنْ ثَمَّ تَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ مُخْطِئُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ الْآنَ مِنْ تَأْخِيرِ الْجِنَازَةِ مِنْ

ص: 232

الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ مَعَ الْبَاقِينَ بِغَيْرِهَا وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ مَعَهُ لِأَنَّ الْعِيدَ أَفْضَلُ مِنْهُ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ مَعَ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْمَقْصُودِ فَلَا تَضُرُّ نِيَّتُهُمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

اتِّسَاعِ وَقْتِ الْفَرْضِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ. اهـ. عَمِيرَةُ ز ي. قَالَ ح ل: وَهَذَا مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ يَسِيرًا لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي مَنْعُهُ، فَلَوْ خِيفَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى الْفَرْضِ وَإِنْ خِيفَ فَوْتُ وَقْتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعِيدُ مَعَ الْكُسُوفِ كَالْفَرْضِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ مِنْهُمَا مَا خِيفَ فَوْتُهُ، فَإِنْ خِيفَ فَوْتُهُمَا مَعًا قُدِّمَ الْعِيدُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْكُسُوفِ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ) وَهُوَ الْوَعْظُ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْمَقْصُودِ) وَهُوَ الصَّلَاةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَاعِي الْعِيدَ فَيُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ حِينَئِذٍ لَا يُنَافِي الْكُسُوفَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ فِي خُطْبَتِهِ لَا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِيهَا شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الزَّلَازِلِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: وَالزَّلَازِلُ الشَّدَائِدُ، وَقَوْلُهُ:" كَالصَّوَاعِقِ " قَالَ فِيهِ الصَّاعِقَةُ نَارٌ تَسْقُطُ مِنْ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ، يُقَالُ صَعَقَتْهُمْ السَّمَاءُ مِنْ بَابِ قَطْعَ إذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِمْ الصَّاعِقَةُ، وَالصَّاعِقَةُ أَيْضًا صَيْحَةُ الْعَذَابِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الصَّاعِقَةَ ثَلَاثَةٌ الْمَوْتُ، كَقَوْلِهِ:{فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الزمر: 68] وَالْعَذَابُ كَقَوْلِهِ: {أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] وَالنَّارُ كَقَوْلِهِ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} [الرعد: 13] وَتُطْلَقُ الصَّاعِقَةُ مَجَازًا عَلَى قَصْفَةٍ رَعْدُهَا هَائِلٌ مَعَهَا نَارٌ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ إلَّا أَتَتْ عَلَيْهِ، وَالْقَصْفَةُ صَوْتُ الرَّعْدِ أَوْ شِدَّةُ صَوْتِهِ؛ وَأَصْلُ الْقَصْفِ الْكَسْرُ، وَمَعْنَى أَتَتْ عَلَيْهِ أَهْلَكَتْهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَيْضَاوِيُّ مَسْأَلَةٌ: هَلْ لِلزَّلْزَلَةِ سَبَبٌ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ `: نَعَمْ قَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَنْ الْقَزْوِينِيِّ: وَسَبَبُ الزَّلْزَلَةِ أَنَّ بَعُوضَةً خَلَقَهَا اللَّهُ تبارك وتعالى وَسَلَّطَهَا عَلَى الثَّوْرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَرْضُ فَهِيَ تَطِيرُ أَبَدًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَتْ أَنْفَهُ حَرَّكَ الثَّوْرُ رَأْسَهُ فَيَتَحَرَّكُ جَانِبٌ مِنْ جَوَانِبِ الْأَرْضِ؛ وَيُقَالُ إنَّ عُرُوقَ جَبَلِ ق ذَاهِبَةٌ فِي أُصُولِ بِلَادِ الْأَرْضِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُعَذِّبَ أَهْلَ بَلْدَةٍ أَمَرَ مَلَكًا بِتَحْرِيكِ ذَلِكَ الْعِرْقِ الَّذِي هُوَ رَاسِخٌ تَحْتَهَا فَتُزَلْزَلُ تِلْكَ الْبَلْدَةُ. وَجَبَلُ ق هُوَ الْمُحِيطُ بِالدُّنْيَا. وَحَدِيثُ الثَّوْرِ ضَعِيفٌ، بَلْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقِيلَ: سَبَبُ الزَّلْزَلَةِ تَحْرِيكُ الْحُوتِ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الزَّلْزَلَةَ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ تَعَالَى. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: رَجَفَتْ الْمَدِينَةُ فِي حَيَاةِ عُمَرَ رضي الله عنه، فَخَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي بَلْدَةٍ حَتَّى يَكْثُرَ فِيهَا الزِّنَا وَالرِّبَا، فَإِذَا رَجَفَتْ ثَانِيَةً لَمْ أَقُمْ بَيْنَ ظَهْرَانِيكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زُلْزِلَتْ ثَانِيَةً حَتَّى قُبِضَ عُمَرُ رضي الله عنه اهـ. وَقَدْ وَقَعَتْ الزَّلْزَلَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ ثُمَّ فِي عَهْدِ عَلِيٍّ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ. وَفِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ الْمُتَوَكِّلِ كَانَتْ زَلْزَلَةٌ مَهُولَةٌ بِدِمَشْقَ سَقَطَتْ مِنْهَا دُورٌ وَهَلَكَ تَحْتَهَا خَلْقٌ وَامْتَدَّتْ إلَى أَنْطَاكِيَّةَ فَهَدَمَتْهَا وَإِلَى الْجَزِيرَةِ فَأَخْرَبَتْهَا، وَإِلَى الْمُوصِلِ فَيُقَالُ هَلَكَ مِنْ أَهْلِهَا خَمْسُونَ أَلْفًا. وَفِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زَلْزَلَةً عَظِيمَةً بِتُونِسَ وَأَعْمَالِهَا وَنَيْسَابُورَ وَطَبَرِسْتَانَ وَأَصْبَهَانَ وَتَقَطَّعَتْ جِبَالٌ وَتَشَقَّقَتْ الْأَرْضُ بِقَدْرِ مَا يُدْخِلُ الرِّجْلَ فِي الشَّقِّ. وَفِي سَنَةِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلَافَتِهِ أَيْضًا عَمَّتْ الزَّلَازِلُ الدُّنْيَا فَأَخْرَبَتْ الْمُدُنَ وَالْقِلَاعَ وَالْقَنَاطِرَ وَسَقَطَ مِنْ أَنْطَاكِيَّةَ جَبَلٌ فِي الْبَحْرِ، وَسُمِعَ مِنْ السَّمَاءِ أَصْوَاتٌ هَائِلَةٌ وَزُلْزِلَتْ مِصْرُ، وَسَمِعَ أَهْلُ بُلْبَيْسٍ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ صَيْحَةً هَائِلَةً فَمَاتَتْ خَلْقٌ مِنْ أَهْلِ بُلْبَيْسٍ وَغَارَتْ عُيُونُ مَكَّةَ. وَفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ زُلْزِلَتْ مِصْرُ زَلْزَلَةً صَعْبَةً هَدَمَتْ الْبُيُوتُ وَدَامَتْ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ. وَكَانَتْ زَلْزَلَةٌ لَطِيفَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ خِتَامَ سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ،

ص: 233