المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الدماء الواجبة وما يقوم مقامها] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٢

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي فِي مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌[حُكْمُ سُجُود السَّهْو وَمَحَلُّهُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌تَتِمَّةٌ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌ أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ

- ‌ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَرَائِضُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[آدَابُ الْجُمُعَةُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ]

- ‌فَصْلٌفِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا]

الفصل: ‌[فصل في الدماء الواجبة وما يقوم مقامها]

الْإِسْلَامِ بِالْقَضَاءِ وَلَا وَقْتَ لَهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ لَا الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ لِأَنَّ مَا أَحْرَمَ بِهِ تَضَيَّقَ وَقْتُهُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْحَجِّ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ عُمْرَةَ التَّحَلُّلِ لَا تُجْزِئُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ. (وَ) عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ (الْهَدْيُ) أَيْضًا وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَسَيَأْتِي.

(وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا) مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ غَيْرَ الْوُقُوفِ أَوْ مِنْ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ سَوَاءٌ أَتَرَكَهُ مَعَ إمْكَانِ فِعْلِهِ أَمْ لَا كَالْحَائِضِ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (لَمْ يَحِلَّ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَمْ يَخْرُجْ (مِنْ إحْرَامِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ) أَيْ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالْحَلْقَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، أَمَّا تَرْكُ الْوُقُوفِ فَقَدْ عُرِفَ حُكْمُهُ مِنْ كَلَامِهِ سَابِقًا.

(وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ سَوَاءٌ أَتَرَكَهُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا أَمْ جَهْلًا (لَزِمَهُ) بِتَرْكِهِ (دَمٌ) وَهُوَ شَاةٌ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً) مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ) كَتَرْكِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْهُ أَوْ صَابَرَ إحْرَامَهُ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْإِحْصَارِ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) أَيْ إنْ كَانَ نُسُكُهُ غَيْرَ فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ فَرْضًا فَفِي ذِمَّتِهِ إنْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ اُعْتُبِرَ اسْتِطَاعَتُهُ بَعْدُ، أَيْ بَعْدَ زَوَالِ الْحَصْرِ إنْ وُجِدَتْ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ " أَيْ الْمُحْصَرِ.

قَوْلُهُ: (الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ) وَهُوَ الْأَدَاءُ.

قَوْلُهُ: (تَضَيَّقَ وَقْتُهُ) فَلَمَّا تَضَيَّقَ وَقْتُهُ كَانَ فِعْلُهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي أُفْسِدَ فِيهَا أَدَاءً، فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَضَاءً حَقِيقِيًّا.

قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) أَيْ أَدَاؤُهَا وَقَوْلُهُ " مَعَ الْحَجِّ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ " مَعَ الْحَجِّ " ظَرْفٌ لِيَلْزَمَ فَالْمَعِيَّةُ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (كَالْحَائِضِ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " أَمْ لَا ". وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبَةً مِنْهَا لَزِمَهَا مُصَابَرَةُ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَأْتِيَ بِالطَّوَافِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مُحَرَّمَاتُ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ وَرَحَلَتْ الْقَافِلَةُ وَخَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا لَوْ تَخَلَّفَتْ فَتَخْرُجُ مَعَهُمْ حَتَّى تَصِلَ لِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهَا فِيهِ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ فَتَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ أَيْ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَيَسْتَقِرُّ الطَّوَافُ عَلَيْهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِإِحْرَامٍ أَيْ مُطْلَقٍ أَوْ لِأَجْلِ الطَّوَافِ لِأَنَّ إحْرَامَهَا بَطَلَ بِالتَّحَلُّلِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُحَرَّمَاتُ. قَوْلُهُ:(وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ) وَلِبَعْضِهِمْ:

اُضْمُمْ أَوْ اكْسِرْ فِي مُضَارِعٍ لِحَلِّ

هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْتَ فِي مَعْنَى نَزَلْ

أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلْتَ فِي فَكَّ فَضُمَّ

وَاكْسِرْهُ مِنْ حَلَّ الْمُقَابِلْ لِحَرُمْ

أَيْ فِي مُضَارِعِ حَلَّ الْمُقَابِلِ لِحَرُمَ: وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ يَحِلُّ وَغَالِبًا أَحَلَّ ذَا يُحِلُّ.

قَوْلُهُ: (الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ) أَيْ ذِكْرُ الْوَاجِبِ، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهَا

قَوْلُهُ: (مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ) كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ.

[فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا]

مِنْ الْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ هَذَا الْفَصْلِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ عَنْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي الْبَابِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ طَعَامٍ وَصِيَامٍ وَيُطْلَقُ عَلَى نَفْسِ الْحَيَوَانِ فَقَطْ، وَالشَّارِحُ جَرَى عَلَى هَذَا الثَّانِي حَيْثُ قَالَ: وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا، وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَحْكَامِهَا مِنْ كَوْنِهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ.

ص: 460

فَصْلٌ

فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا (وَالدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِحْرَامِ) بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ (خَمْسَةُ أَشْيَاءَ) بِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ وَبِطَرِيقِ الْبَسْطِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ، وَالدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، وَدَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ، وَدَمُ الْإِحْصَارِ، وَدَمُ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَدَمُ الْجِمَاعِ، وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَدَمُ الْقِرَانِ. فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَنْوَاعٍ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِالْأَخِيرِ مِنْهَا وَالثَّمَانِيَةُ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ إذْ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ دَاخِلَةٌ فِي تَعْبِيرِهِ بِالنُّسُكِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك، وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ دَاخِلٌ فِي تَعْبِيرِهِ بِالتَّرَفُّهِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا وَسَتَعْرِفُ التَّاسِعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (أَحَدُهَا) أَيْ الدِّمَاءِ (الدَّمُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ نُسُكٍ) وَهُوَ شَامِلٌ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ. الْأَوَّلُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَالثَّانِي دَمُ الْفَوَاتِ لِلْوُقُوفِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا مَرَّ. وَالثَّالِثُ: الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ (عَلَى التَّرْتِيبِ) وَالتَّقْدِيرِ وَسَيَأْتِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (خَمْسَةٌ) هِيَ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ مُنَوَّنَةٌ وَالشَّارِحُ حَذَفَ التَّنْوِينَ حَيْثُ أَضَافَهَا، فَفِيهِ عَدَمُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ؛ وَهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَاعْلَمْ أَنَّهَا بِالنَّظَرِ لِلْأَحْكَامِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْأَفْرَادِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مَشَى عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ أَفْرَدَ دَمَ الْجِمَاعِ بِالْعَدِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا لِغِلَظِهِ وَفُحْشِهِ، وَفِي جَعْلِ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التِّسْعَةِ أَنْوَاعًا نَظَرٌ فَإِنَّهَا أَفْرَادٌ لَا أَنْوَاعٌ؛ نَعَمْ الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ نَوْعٌ فَيَكُونُ غَلَّبَهُ م د.

قَوْلُهُ: (وَبِطَرِيقِ الْبَسْطِ تِسْعَةٌ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْخَاتِمَةِ، وَإِنْ أَزَادَ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إذْ هِيَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ؛ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْأَنْوَاعِ مَا بَعْضُهُ نَوْعٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ الْآخَرُ أَفْرَادًا فَفِيهِ تَغْلِيبُ النَّوْعِ عَلَى الْأَفْرَادِ، فَهَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْرَادًا إلَّا أَنَّ بَعْضَهَا وَهُوَ الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ نَوْعٌ فَغَلَّبَهُ وَعَبَّرَ بِالْأَنْوَاعِ. وَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ بِحَالِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَحْكَامِ لَكَانَ أَوْلَى، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَفْرَدَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْوَطْءِ لِغِلَظِهِ فَلَا يُنَافِيهِ عَدُّ غَيْرِهِ لَهَا أَرْبَعَةً. قَوْلُهُ:(الْمَنُوطُ) أَيْ الْمُتَعَلِّقُ.

قَوْلُهُ: (وَدَمُ الِاسْتِمْتَاعِ) كَالتَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ وَالدَّهْنِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ) قَدْ يُقَالُ لَا إخْلَالَ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ دَمُ تَرْكِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ فِيهِ تَرْكُ مِيقَاتِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِهِمَا مَعًا مِنْ مِيقَاتٍ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي: وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ هَذَا النَّوْعُ أَعْنِي الْقِرَانَ فِي تَعْبِيرِهِ بِتَرْكِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الدَّمُ الْمَنْدُوبُ لِتَرْكِ طَوَافِ الْقُدُومِ، أَوْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِعَرَفَةَ؛ فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ يُسَنُّ فِيهِ دَمٌ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهَا مَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ وَتَرْكِهِ، فَيُسَنُّ فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يُخْرِجَ فِيهِ دَمًا كَدَمِ التَّمَتُّعِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ أج.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ شَامِلٌ لِثَلَاثَةٍ) لِأَنَّ النُّسُكَ شَامِلٌ لِلرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ. وَفِي كَلَامِهِ مُسَامَحَةٌ، بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِتِسْعَةِ أَفْرَادٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي وَلَفْظُهُ فِيهِ:

أَرْبَعَةُ دِمَاءِ حَجٍّ تُحْصَرُ

أَوَّلُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ

تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا

وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى

وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ

أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ

نَاذِرُهُ يَصُومُ إنْ دَمًا فَقَدْ

ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ

فَهَذِهِ التِّسْعَةُ دَاخِلَةٌ فِي تَرْكِ النُّسُكِ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ، وَيَدَّعِي أَنَّ الْمَشْيَ الْمَنْذُورَ نُسُكٌ فَتَارِكُهُ قَدْ تَرَكَ النُّسُكَ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّحَلُّلِ) ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ ذَبْحُهُ إلَّا فِي عَامِ الْقَضَاءِ.

قَوْلُهُ: (الدَّمُ الْمَنُوطُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ) وَتَحْتَهُ تِسْعَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْوَاجِبَاتِ) انْدَفَعَ

ص: 461

بَيَانُ التَّقْدِيرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (شَاةٌ) مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ مَنْ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، وَأَنْ يَحُجَّ بَعْدَهَا فِي سَنَتِهَا وَأَنْ لَا يَعُودَ إلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) تَارِكُ النُّسُكِ شَاةً بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا حِسًّا بِأَنْ فَقَدَهَا أَوْ ثَمَنَهَا، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا، أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالُهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ الْحَرَمُ، سَوَاءٌ أَقَدَرَ عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَخْتَصُّ بِهِ (فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ) بَدَلَهَا وُجُوبًا (ثَلَاثَةٌ) مِنْهَا (فِي الْحَجِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ الِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ دَاخِلَانِ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ وَجَبَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ، وَدَمُ الْفَوَاتِ أَيْضًا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ وَهُوَ الْوُقُوفُ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ عَلَى التَّرْتِيبِ شَاةٌ) هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَعَلَى التَّرْتِيبِ خَبَرٌ أَوَّلٌ وَشَاةٌ خَبَرٌ ثَانٍ. قَوْلُهُ:(وَالتَّقْدِيرُ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَ مَا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّوْمُ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لَا يَخْفَى أَنَّ لِوُجُوبِهِ سَبَبَيْنِ: فَرَاغُ الْعُمْرَةِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْعُمْرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ، أَيْ مُنْتَفِعًا بِمَحْظُورَاتِهَا، أَيْ بِمَا كَانَ يَحْرُمُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ بِهَا. وَقَوْلُهُ " إلَى الْحَجِّ " أَيْ وَيَنْتَهِي انْتِفَاعُهُ بِهَا إلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.

قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ وُجُوبِهِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، إذْ شُرُوطُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا أَرْبَعَةٌ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ) لَيْسَ قَيْدًا.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَعُودَ) هَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا يَجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى آخِرِهِ.

قَوْلُهُ: (إلَى الْإِحْرَامِ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَوَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ ثُمَّ رَجَعَ فَلَا دَمَ أَيْضًا اهـ م د.

قَوْلُهُ: (الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَيَكْفِيهِ الْخُرُوجُ لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ إلَى أَيِّ مِيقَاتٍ وَلَوْ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ ق ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: وَلَمْ يَعُدْ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى مِيقَاتٍ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا ل " يَعُودَ " وَالتَّقْدِيرُ: أَنْ لَا يَعُودَ بَعْدَ مُجَاوَزَةٍ إلَخْ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ لَا دَمَ وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ " بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ " لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ " أَنْ لَا يَعُودَ " أَنَّهُ جَاوَزَ وَيَصِحُّ جَعْلُهَا ظَرْفًا لِقَوْلِهِ " أَحْرَمَ " أَيْ أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ الْأَصْلِيِّ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ تَمَّمَ الْأَعْمَالَ لِلْعُمْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الْحَجِّ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ فَلَا دَمَ. وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَكُونُ قَاصِرًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا، فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهَا، أَيْ حَذْفُ قَوْلِهِ " بَعْدَ مُجَاوَزَةِ إلَخْ " كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ بَقِيَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ، إذْ لَا مَعْنَى لَهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ لَهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ لَا دَمَ عَلَيْهِ، كَذَا بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ؛ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّكْرَارُ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ) أَيْ التَّقْصِيرِ بِتَرْكِهِ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ، أَيْ فَإِنْ وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَعَلَيْهِ دَمُ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي وُجُوبِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَابَ عَنْهُ مَالُهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (بَدَلَهَا) أَيْ الشَّاةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (فِي الْحَجِّ) مَحَلُّهُ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ بِالْحَجِّ وَفِي الْمُتَمَتِّعِ.

وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى أَوْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ الرَّمْيَ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَقَدْ فَرَغَ الْحَجُّ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى صَوْمُهَا فِي الْحَجِّ؟ وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ إذْ لَا حَجَّ، وَكَذَلِكَ إذَا تَرَكَ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ؛ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

ص: 462

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} [البقرة: 196] أَيْ الْهَدْيَ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الدَّمِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا كَالصَّلَاةِ، وَالدَّمُ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ فَأَشْبَهَ الزَّكَاةَ. وَيُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ فَيَحْرُمُ قَبْلَ سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ وَيَصُومُهُ وَتَالِيَيْهِ، وَإِذَا أَحْرَمَ فِي زَمَنٍ يَسَعُ الثَّلَاثَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً، وَلَيْسَ السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا لِأَنَّ صَوْمَهَا مُتَعَيِّنٌ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا بِخِلَافِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَكَذَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي الْجَدِيدِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِانْتِقَالِهِمْ، فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى (وَ) صَامَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (سَبْعَةَ) أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ) إلَى أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ إلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ صَامَهَا بِهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً كَانَتْ أَوْ قَضَاءً لِأَنَّ فِيهِ مُبَادَرَةً لِقَضَاءِ الْوَاجِبِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ. نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالصَّوْمُ فِي الْحَجِّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ

مُمْتَنِعٌ كَالصَّوْمِ لِلْمُعْتَمِرِ

وَصَوْمِ تَارِكِ الْمَبِيتَيْنِ مَعَا

وَالرَّمْيِ أَوْ صَوْمِ الَّذِي مَا وَدَّعَا

فَيَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَصَوْمُهَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يَكُونُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى حَيْثُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ لِلطَّوَافِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ قَالَ: فَإِنْ صَامَهَا كَذَلِكَ وُصِفَتْ بِالْأَدَاءِ وَإِلَّا وُصِفَتْ بِالْقَضَاءِ، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يُمْكِنُ وُقُوعُ الثَّلَاثَةِ فِيهِ فِي الْحَجِّ، سم بِتَغَيُّرٍ وَزِيَادَةٍ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أج.

وَقَوْلُهُ: " الْمَبِيتَيْنِ " أَيْ مَبِيتُ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ، وَقَوْلُهُ " حَيْثُ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّمُ إلَخْ " أَيْ أَمَّا قَبْلَ تَقَرُّرِهِ، بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ لِيَطُوفَ طَوَافَ الْوَدَاعِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ الدَّمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرْجِعَ وَيَطُوفَ؛ وَقَوْلُهُ " فِي الْحَجِّ " أَيْ فِي أَيَّامِ الِاشْتِغَالِ بِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ التَّحَلُّلِ، بَيْضَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ سَادِسِ) صَادَفَ بِمَا إذَا أَحْرَمَ لَيْلًا فَيَصُومُ السَّادِسَ وَتَالِيَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ جَمِيعِهَا لَا يَتَأَتَّى فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. وَالْأَوْلَى حَذْفُ يَوْمِ النَّحْرِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ فِيهِ؛ شِهَابٌ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ. قَوْلُهُ:(وَيَجُوزُ إلَخْ) مِنْ تَمَامِ التَّعْلِيلِ، أَيْ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ) أَيْ بِالدَّمِ.

قَوْلُهُ: (لِانْتِقَالِهِمْ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ أَيْ يَشْتَهُونَ الْمَاءَ فِيهِ لِقِلَّتِهِ إذْ ذَاكَ، مِنْ التَّرَوِّي وَهُوَ التَّشَهِّي. وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إنَّمَا يُنَاسِبُ تَسْمِيَتَهُ بِيَوْمِ النَّقْلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَسَبْعَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " ثَلَاثَةٍ " وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَهَا حَيْثُ جَعَلَهَا مَنْصُوبَةً وَجَعَلَهَا أَيْضًا غَيْرَ مَنُونَةٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَنُونَةً. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حَلَّ مَعْنًى. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ) أَيْ مَعَ الِاسْتِيطَانِ الْمَارِّ فِي الْجُمُعَةِ م ر. قَوْلُهُ: (صَامَهَا بِهَا) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ، أَيْ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ ق ل وع ش.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَاءً) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّلَاثَةِ لَا لِلسَّبْعَةِ، إذْ السَّبْعَةُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا، أَوْ يُتَصَوَّرُ فِيمَا لَوْ صَامَهَا وَلِيُّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ أَحْرَمَ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَإِذَا أَحْرَمَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا) أَيْ فَوْرًا إنْ فَاتَتْ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ فِي

ص: 463

بِالْحَجِّ سَادِسَ ذِي الْحِجَّةِ لَزِمَهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ مُتَتَابِعَةً فِي الْحَجِّ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَا لِتَتَابُعِ نَفْسِهِ، وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. وَيُفَرِّقُ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَمُدَّةِ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ كَمَا فِي الْأَدَاءِ، فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وِلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ وَلَا يُعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ.

(وَالثَّانِي الدَّمُ الْوَاجِبُ بِالْحَلْقِ وَالتَّرَفُّهِ) كَالْقَلْمِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ، وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ أَوْ إزَالَةِ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ وِلَاءً بِأَنْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] أَيْ شَعْرَهَا، وَشَعْرُ سَائِرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّفَرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ، سم.

قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ فِي قَضَائِهَا) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ، أَمَّا الْمَكِّيِّ فَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَلَوْ بِيَوْمٍ، سم عَلَى الْكِتَابِ. هَذَا غَيْرُ دَمِ التَّمَتُّعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الرَّابِعُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ:

وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ

إنْ شِئْتَ فَاذْبَحْ أَوْ فَجُدْ بِآصُعِ

لِلشَّخْصِ نِصْفٌ أَوْ فَصُمْ ثَلَاثًا

تَجْتَثَّ مَا اجْتَثَثْتَهُ اجْتِثَاثًا

فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَلُبْسِ دُهْنِ

طِيبٌ وَتَقْبِيلٌ وَوَطْءٌ ثُنِّيَ

أَوْ بَيْنَ تَحَلُّلَيْ ذَوِي إحْرَامِ

هَذِي دِمَاءُ الْحَجِّ بِالتَّمَامِ

ق ل. فَيَجِبُ هَذَا الدَّمُ فِي ثَمَانِيَةِ أَفْرَادٍ.

قَوْلُهُ: (وَالتَّرَفُّهُ) عَطْفٌ عَامٌّ.

قَوْلُهُ: (وَتَكْمُلُ الْفِدْيَةُ إلَخْ) هَذَا إذَا أَزَالَهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ أَزَالَ الْمُحْرِمُ مِنْ غَيْرِهِ الْحَلَالِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ الْمُحْرِمِ بِإِذْنِهِ أَثِمَا وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُحْرِمُ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْفِدْيَةَ عَلَى الْفَاعِلِ مَعَ إثْمِهِ زي مُلَخَّصًا، أج. قَوْلُهُ:(فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ) أَيْ فَأَكْثَرَ، فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ وَلَوْ مَعَ شَعْرِ بَاقِي بَدَنِهِ وِلَاءً لَزِمَتْهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يُعَدُّ فِعْلًا وَاحِدًا، وَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمَحْلُوقِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ مِنْهُ إنْ أَطَاقَ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا عَلَيْهِ حِفْظُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ بِيَدِهِ كَالْأَمَانَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مُتْلِفَاتِهَا. وَقَوْلُهُ " فِي إزَالَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ " أَوْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ بِأَنْ قَطَعَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بَعْضَهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْمَكَانُ) أَيْ مَكَانُ الْحَالِقِ، أَيْ الَّذِي أَزَالَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ الْمَنْهَجُ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمُزَالِ كَالرَّأْسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، حَتَّى لَوْ أَزَالَ شَعْرَةً مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ وَشَعْرَةً مِنْ بَاقِي بَدَنِهِ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. لَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَدُّدِ الْمَكَانِ تَعَدُّدُ الزَّمَانِ فَهَلَّا اكْتَفَى بِهِ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: التَّعَدُّدُ هُنَا عُرْفِيٌّ وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْمَكَانُ عُرْفًا وَلَا يَتَعَدَّدُ الزَّمَانُ عُرْفًا لِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ عَدَمُ طُولِ الْفَصْلِ عُرْفًا، وَبِاتِّحَادِ الْمَكَانِ أَنْ لَا يَتَعَدَّدَ الْمَكَانُ الَّذِي زَالَ فِيهِ؛ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَعِبَارَةُ ح ل: وَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى الْأَثَرِ الْمُعْتَادِ، وَإِلَّا فَالِاتِّحَادُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْفِعْلِ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مَعًا فِي مَكَان وَاحِدٍ، قَالَ ز ي: أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ مَحَلُّ الْإِزَالَةِ أَوْ زَمَنُهَا عُرْفًا فَيَجِبُ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ أَوْ بَعْضِهَا مُدٌّ وَالظُّفْرُ كَذَلِكَ اهـ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " مَكَانُ الْإِزَالَةِ " قِيلَ: هُوَ الْأَرْضُ الَّتِي يَجْلِسُ فِيهَا، وَقِيلَ: مَكَانُ الشَّعْرِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ وَلَوْ أَزَالَ الشَّعْرَةَ فِي ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَكَانُ أَوْ الزَّمَانُ لَزِمَ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ، وَإِنْ اتَّحَدَا فَقِيلَ فِدْيَةٌ كَامِلَةٌ وَقِيلَ مُدٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ تَوَاصَلَتْ الْإِزَالَةُ فَكَالشَّعْرَةِ وَلَوْ شَقَّ الشَّعْرَةَ نِصْفَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْهَا.

ص: 464

الْجَسَدِ مُلْحَقٌ بِهِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَقِيَاسًا عَلَى الشَّعْرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ. وَالشَّعْرُ يَصْدُقُ بِالثَّلَاثَةِ وَقِيسَ بِهِ الْأَظْفَارُ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِي لِلْإِحْرَامِ وَالْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَكَسَائِرِ الْإِتْلَافَاتِ وَهَذَا بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ فِي التَّمَتُّعِ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالدَّهْنِ وَالْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ لِاعْتِبَارِ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِيهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا، وَلَوْ أَزَالَهَا مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ صَبِيٌّ غَيْرُ مُمَيِّزٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي أَنَّهُمَا يَعْقِلَانِ فِعْلَهُمَا فَيُنْسَبَانِ إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ، وَلَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ بِقَطْعِ جِلْدٍ أَوْ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا أُزِيلَ تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ، وَيَلْزَمُهُ فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ أَوْ بَعْضِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا مُدُّ طَعَامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَيْنِ أَوْ الظُّفْرَيْنِ مُدَّانِ، وَلِلْمَعْذُورِ فِي الْحَلْقِ بِإِيذَاءِ قَمْلٍ أَوْ نَحْوِهِ كَوَسَخٍ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196] الْآيَةَ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِي كُلِّ مُحَرَّمٍ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: " رُءُوسَكُمْ " إذْ تَقْدِيرُهُ: شَعْرَهَا، وَهُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ:(جَمِيعُهُ) أَيْ قَصُّ جَمِيعِ الْأَظْفَارِ وَلَا إزَالَةُ جَمِيعِ الشَّعْرِ قَوْلُهُ: (فِي التَّمَتُّعِ) أَيْ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، وَقَوْلُهُ " فِيهِ " أَيْ التَّمَتُّعِ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقَصْدِ، وَقَوْلُهُ " مُنْتَفٍ فِيهِمَا " أَيْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقَوْلُهُ " وَلَوْ أَزَالَهَا " أَيْ الثَّلَاثَ شَعَرَاتٍ قَوْلُهُ:(لَمْ تَلْزَمْهُ) أَيْ الْأَحَدَ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ نَاقِصٌ. لَا يُقَالُ الْإِتْلَافُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمُمَيِّزِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ح ل مُلَخَّصًا، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف قَوْلُهُ:(عَلَى أَنَّ الْجَارِيَ إلَخْ) أَيْ فَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ النَّائِمُ) وَلَوْ نَتَفَ فِي نَوْمِهِ لِحْيَتَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَوْلُهُ:(تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِزَالَةِ) وَشَبَّهُوهُ بِالزَّوْجَةِ تُقْتَلُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ مَهْرُهَا عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْهَا زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى لَزِمَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْبِضْعَ فِي تِلْكَ تَلِفَ تَبَعًا، بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَوْلُهُ:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 196] مَرَضًا يَحُوجُهُ إلَى الْحَلْقِ {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] كَجِرَاحَةٍ وَقَمْلٍ {فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] أَيْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ حَلَقَ، بَيْضَاوِيٌّ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ: أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم فِي عِلَاجِ الْقَمْلِ بِحَلْقِ الرَّأْسِ لِتَنْفَتِحَ الْمَسَامُّ وَتَتَصَاعَدَ الْأَبْخِرَةُ وَتَضْعُفَ الْمَادَّةُ الْفَاسِدَةُ الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْقَمْلُ مِنْهَا. وَذُكِرَ فِي الْهَدْيِ أَنَّ أُصُولَ الطِّبِّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِفْرَاغُ، فَإِلَى الْأَوَّلِ شُرِعَ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَإِلَى الثَّانِي شُرِعَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِئَلَّا يَتَوَالَى مَعَهُ السَّفَرُ وَمَشَقَّةُ الصَّوْمِ، وَإِلَى الثَّالِثِ حَلْقُ رَأْسِ الْمُحْرِمِ إذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ قَمْلٍ. وَعِنْدَ أَئِمَّتِنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يَذْبَحُهُ مُجْزِيًا فِي الْأُضْحِيَّةِ ح ل فِي السِّيرَةِ. وَقَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: حَيْثُ أَطْلَقْنَا فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمَ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَمْ ارْتِكَابِ مَنْهِيٍّ أَمْ بِغَيْرِهِمَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، فَتُجْزِي الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكِ الرَّمْيِ بِهَا وَالتَّطَيُّبِ وَحَلْقِ شَعْرٍ وَقَلْمِ أَظْفَارٍ؛ وَسَيَأْتِي فِي الضَّحَايَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ، فَإِنْ ذَبَحَهَا أَيْ الْبَدَنَةَ عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْوَاجِبُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ فِي سِنِّهَا وَسَلَامَتِهَا، بَلْ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ، بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ شَاتِه أَيْ الْمِثْلِيِّ وَإِنْ أَجْزَأَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُمْ رَاعُوا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمُمَاثَلَةَ أَيْ فِي الْجِنْسِ، فَلَا يُشْكِلُ بِإِجْزَاءِ الْكَبِيرِ عَنْ الصَّغِيرِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ عَنْ الْبَقَرَةِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. وَمِثْلُهُ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ، إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يُفَارِقُ الشَّجَرَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ وَلَا يُجْزِي فِيهِ غَيْرُهُ وَلَوْ أَعْلَى، بِخِلَافِ مَا وَجَبَ فِي الشَّجَرِ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَ عَنْهُ مَا فَوْقَهُ أَجْزَأَ عَنَانِيٌّ.

ص: 465

الْمَقْطُوعَيْنِ، لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةَ الرَّجُلِ عَنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا فَخُفِّفَ فِيهِمَا وَالْحَصْرُ فِيمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ، فَقَدْ اُسْتُثْنِيَ صُوَرٌ لَا فِدْيَةَ فِيهَا مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ مَا نَبَتَ مِنْ شَعْرٍ فِي عَيْنِهِ وَتَأَذَّى بِهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ قَدْرَ مَا يُغَطِّيهَا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ إذَا طَالَ بِحَيْثُ سَتَرَ بَصَرَهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَقَطَعَ الْمُؤْذِيَ مِنْهُ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ التَّرَفُّهَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي تَعْدَادِ الْأَنْوَاعِ دَمُ الِاسْتِمْتَاعِ كَالتَّطَيُّبِ وَاللُّبْسِ، وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَالْجِمَاعِ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَدَهْنِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَلَوْ مَحْلُوقَيْنِ، وَأَلْحَقَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِذَلِكَ بَحْثًا الْحَاجِبَ وَالْعِذَارَ وَالشَّارِبَ وَالْعَنْفَقَةَ. وَفَصَّلَ ابْنُ النَّقِيبِ فَأَلْحَقَ بِاللِّحْيَةِ مَا اتَّصَلَ بِهَا كَالشَّارِبِ وَالْعَنْفَقَةِ وَالْعِذَارِ دُونَ الْحَاجِبِ وَالْهَدِبِ وَمَا عَلَى الْجَبْهَةِ وَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

(وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا (عَلَى التَّخْيِيرِ) وَالتَّقْدِيرِ فَتَجِبُ (شَاةٌ) مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ (أَوْ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً (أَوْ التَّصَدُّقُ بِثَلَاثَةِ آصُعَ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ صَاعٍ (عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَتَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بَيَانُ الصَّاعِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] أَيْ فَحَلَقَ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] . فَائِدَةٌ: سَائِرُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُزَادُ الْمِسْكِينُ فِيهَا عَلَى مُدٍّ إلَّا فِي هَذَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ) كَاللُّبْسِ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَوْلُهُ: (إلَّا لُبْسُ السَّرَاوِيلِ) أَيْ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَلَمْ يُمْكِنْ الِاتِّزَارُ بِهَا.

وَقَوْلُهُ " وَالْخُفَّيْنِ " أَيْ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَجُوزُ مِنْ النَّعْلَيْنِ وَالتَّاسُومَةِ وَالْقَبْقَابِ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا. وَقَوْلُ الْهَدْيِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِيَلْبَسَهَا؛ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَقَدْ يَكُونُ اشْتَرَاهَا لِبَعْضِ عِيَالِهِ.

قَوْلُهُ: (مَمْنُوعٌ) أَيْ إنْ كَانَ حَقِيقِيًّا قَوْلُهُ: (أَوْ مُؤَوَّلٌ) أَيْ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلُّبْسِ قَوْلُهُ: (مِنْهَا مَا إذَا أَزَالَ إلَخْ) وَيُحْمَلُ الْأَذَى الَّذِي فِي الْآيَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ، أَيْ بِسَبَبِ قَمْلٍ أَوْ وَسَخٍ مَثَلًا، قَوْلُهُ:(كَالتَّطَيُّبِ) بَقِيَ لِلْكَافِ الْجِمَاعُ الثَّانِي بَعْدَ الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ، فَكَمُلَتْ الْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ.

قَوْلُهُ: (وَفَصَّلَ ابْنُ النَّقِيبِ) ذُكِرَ فِيمَا سَبَقَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ دُونَ ابْنِ النَّقِيبِ، لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ ابْنُ النَّقِيبِ قَوْلُهُ:(آصُعَ) أَصْلُهُ أَصْوُعَ أُبْدِلَ مِنْ وَاوِهِ هَمْزَةٌ مَضْمُومَةٌ فَصَارَ أَصْؤُعَ، ثُمَّ نُقِلَتْ ضَمَّةُ الْهَمْزَةِ لِلصَّادِ فَصَارَ أَصْؤُعَ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الصَّادِ، ثُمَّ قُدِّمَتْ الْهَمْزَةُ عَلَى الصَّادِ فَصَارَ أَأْصُعَ، ثُمَّ قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ أَلِفًا فَصَارَ آصُعَ؛ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَعْمَالٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِإِيضَاحٍ. وَوَزْنُهُ أَعْفُلْ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ الْمُقَدَّمَةَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَالصَّادَ فَاؤُهَا قَوْلُهُ:(أَوْ نُسُكٍ) أَيْ ذَبْحِ شَاةٍ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ الدَّمُ الْوَاجِبُ) هَذَا هُوَ الثَّانِي فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي، وَنَصُّهُ:

وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ

فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ

إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى

بِهِ طَعَامًا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا

ثُمَّ لِعَجْزٍ عَدْلُ ذَاكَ صَوْمًا

أَعْنِي بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا

فَيَجِبُ هَذَا الدَّمُ فِي شَيْئَيْنِ، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَحَدَهُمَا وَسَيَذْكُرُ الْآخَرَ فِي الْخَامِسِ؛ وَأَخَّرَهُ لِفُحْشِهِ.

ص: 466

(وَالثَّالِثُ الدَّمُ الْوَاجِبُ) بِالْإِحْصَارِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ. وَسَكَتَ عَنْ بَيَانِ الدَّمِ هُنَا وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَمَا سَيَأْتِي (فَيَتَحَلَّلُ) جَوَازًا بِمَا سَيَأْتِي لَا وُجُوبًا سَوَاءٌ أَكَانَ حَاجًّا أَمْ مُعْتَمِرًا أَمْ قَارِنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَمْ بِغَيْرِهِ مَنَعَ مِنْ الرُّجُوعِ أَمْ لَا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] إذْ الْإِحْصَارُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُوجِبُ الْهَدْيَ، وَالْأَوْلَى لِلْمُحْصَرِ الْمُعْتَمِرِ الصَّبْرُ عَنْ التَّحَلُّلِ وَكَذَا لِلْحَاجِّ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّعْجِيلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ. نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ وَتَيَقَّنَ زَوَالَ الْحَصْرِ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ بَعْدَهَا أَوْ فِي الْعُمْرَةِ وَتَيَقَّنَ قُرْبَ زَوَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ امْتَنَعَ تَحَلُّلُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَانِعِ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ وَهِيَ سِتَّةٌ. وَثَانِي الْمَوَانِعِ الْحَبْسُ ظُلْمًا كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ كَمَا فِي الْحَصْرِ الْعَامِّ، وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ كَإِضْلَالِ طَرِيقٍ فَإِنْ شَرَطَ فِي إحْرَامِهِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ (وَيَهْدِي) الْمُحْصَرُ إذَا أَرَادَ التَّحَلُّلَ (شَاةً) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ سُبْعِ إحْدَاهُمَا حَيْثُ أُحْصِرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (بِالْإِحْصَارِ) أَيْ الْعَامِّ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ أَوْ الْخَاصِّ كَبَقِيَّةِ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ) فَلَوْ ظَنَّ أَنْ لَا طَرِيقَ آخَرَ فَتَحَلَّلَ فَبَانَ أَنَّ ثَمَّ طَرِيقًا آخَرَ يَتَأَتَّى مِنْهَا سُلُوكُهُ فَيَنْبَغِي تَبَيَّنَ عَدَمُ صِحَّةِ التَّحَلُّلِ، م ر سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ:(عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ) أَيْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ:(أَوْ الْعُمْرَةِ)(أَوْ) مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتَجَوَّزَ الْجَمْعُ قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ إلَخْ) يُحْتَمَلُ أَنَّ سُكُوتَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّمَ لَا بَدَلَ لَهُ، قَوْلُهُ:(فَيَتَحَلَّلُ) أَيْ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَوَرْطَتِهِ. قَوْلُهُ: (جَوَازًا) وَلَهُ أَنْ يُصَابِرَ الْإِحْرَامَ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (بِمَا سَيَأْتِي) أَيْ بِذَبْحِ شَاةٍ وَنِيَّةُ التَّحَلُّلِ الْمُقَارِنَةُ لَهُ. وَنَصُّ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي فِي مَعْنَى التَّعْدِيلِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ قَوْلُهُ: (أَمْ بِغَيْرِهِ) كَمَنْعِ الْكُفَّارِ مَثَلًا الْحَاجَّ عَنْ الْبَيْتِ حَسَدًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا أَوْ يَقْتُلُوا أَوْ يُخِيفُوا الطَّرِيقَ كَمَا فِي مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ لَهُ صلى الله عليه وسلم لَا كَالْحَبْسِ، لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي؛ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ مُنِعْتُمْ أَيْ وَأَرَدْتُمْ التَّحَلُّلَ قَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ، أَيْ تَيَسَّرَ أَيْ فَالْوَاجِبُ مَا اسْتَيْسَرَ أَوْ فَأَهْدُوا،. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ قَوْلُهُ:(لَا يُوجِبُ الْهَدْيَ) بَلْ إنَّمَا يُوجِبُهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى عَرَفَاتٍ فَالْأَوْلَى التَّعْجِيلُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ أَيْ فَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حَالَةَ إحْرَامِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ لَزِمْته الْإِعَادَةُ وَإِنْ تَحَلَّلَ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَلَالًا؛ تَأَمَّلْ، قَوْلُهُ (نَعَمْ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ قَوْلُهُ:(وَهُوَ) أَيْ قُرْبُ زَوَالِهِ، قَوْلُهُ:(وَهَذَا) أَيْ الْإِحْصَارُ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَيُسَمَّى الْإِحْصَارُ الْعَامُّ وَمَا بَعْدَهُ إحْصَارٌ خَاصٌّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ حُبِسَ بِدَيْنٍ) أَيْ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ قَوْلُهُ:(وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ) أَيْ لَا خُرُوجَ مِنْ الْإِحْرَامِ، أَيْ مَا لَمْ يَشْرِطْ التَّحَلُّلَ بِالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ " قَالَ أج: وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشُقَّ مَعَهُ بَقَاؤُهُ مُحْرِمًا وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ، ز ي قَوْلُهُ:(فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَا تَحَلُّلَ بِالْمَرَضِ إنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَإِنْ شَرَطَهُ إلَخْ، فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحَلُّلٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعُذْرِ، بِخِلَافِ التَّحَلُّلِ بِالْإِحْصَارِ؛ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ أَتَمَّهَا أَوْ بِحَجٍّ وَفَاته تَحَلَّلَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ؛ مَنْهَجٌ قَوْلُهُ:(بِسَبَبِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا حَيْثُ قَالَ: إذَا مَرِضْتُ تَحَلَّلْتُ، فَيَتَحَلَّلُ إذَا وُجِدَ الْمَرَضُ بِالْحَلْقِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ مَا لَمْ يَشْرِطْ هَدْيًا، وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ؛ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: إذَا مَرِضْتُ فَأَنَا حَلَالٌ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا بِنَفْسِ الْمَرَضِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ سُبْعِ إحْدَاهُمَا) أَيْ حَيًّا فَلَا يَكْفِي السُّبْعُ لَحْمًا قَوْلُهُ: (حَيْثُ أُحْصِرَ) أَيْ يُهْدِيَ الشَّاةَ فِي

ص: 467

فِي حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ إذَا شَرَطَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ إذَا أُحْصِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ فِي الْمَرَضِ أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِلَا هَدْيٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ حَصْرَ الْعَدُوِّ لَا يَفْتَقِرُ إلَى شَرْطٍ، فَالشَّرْطُ فِيهِ لَاغٍ، وَلَوْ أَطْلَقَ فِي التَّحَلُّلِ مِنْ الْمَرَضِ بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ هَدْيًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرَ الَّذِي أَحُصِرَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِالذَّبْحِ، وَنِيَّةُ التَّحَلُّلِ الْمُقَارَنَةُ لَهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ يَكُونُ لِلتَّحَلُّلِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ صَارِفٍ، وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ خُرُوجَهُ عَنْ الْإِحْرَامِ وَكَذَا الْحَلْقُ أَوْ نَحْوُهُ إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا مَرَّ. وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الذَّبْحِ وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُهُ عَنْ الذَّبْحِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ فَقَدَ الدَّمَ حِسًّا كَأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهُ أَوْ شَرْعًا كَأَنْ احْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ أَوْ وَجَدَهُ غَالِيًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ بَدَلًا قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَكَانِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يَذْبَحُ هُنَاكَ مَا لَزِمَهُ مِنْ دِمَاءِ الْمَحْظُورَاتِ قَبْلَ الْإِحْصَارِ وَمَا مَعَهُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَلَهُ ذَبْحُهُ عَنْ إحْصَارِهِ؛ سم عَلَى الْكِتَابِ أج قَوْلُهُ:(أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ) أَيْ بِلَا هَدْيٍ كَمَا فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ، كَأَنْ قَالَ: نَوَيْتُ الْإِحْرَامَ وَإِذَا أُحْصِرْتُ تَحَلَّلْتُ بِلَا هَدْيٍ قَوْلُهُ: (فَالشَّرْطُ) أَيْ شَرْطُ التَّحَلُّلِ بِلَا هَدْيٍ. وَقَوْلُهُ " لَاغٍ " أَيْ فَيَلْغُو نَفْيُ الْهَدْيِ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ الشَّرْطُ فِيهِ اُعْتُبِرَ فِيهِ نَفْيُ الْهَدْيِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَطْلَقَ) مُقَابِلَ قَوْلِهِ: " بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ إلَخْ " قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ الْهَدْيِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَيْثُ أَرَادَ التَّحَلُّلَ الْحَلْقُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ " ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلْقُ أَيْضًا. وَحَاصِلُ هَذِهِ أَنَّ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ لَا يُبِيحُ التَّحَلُّلَ بِدُونِ شَرْطٍ، أَمَّا إذَا شَرَطَهُ جَازَ التَّحَلُّلُ بِهِ ثُمَّ تَارَةً يَشْتَرِطُ التَّحَلُّلَ بِنَفْسِ الْمَرَضِ كَأَنْ قَالَ فِي إحْرَامِهِ: فَإِنْ مَرِضْتُ فَأَنَا حَلَالٌ فَإِنَّهُ يَصِيرُ حَلَالًا حِينَئِذٍ بِنَفْسِ الْمَرَضِ، وَتَارَةً يَشْتَرِطُ التَّحَلُّلَ أَيْ جَوَازَهُ بِسَبَبِ حُصُولِ الْمَرَضِ كَأَنْ قَالَ: فَإِذَا مَرِضْتُ تَحَلَّلْتُ، فَلَا بُدَّ فِي هَذِهِ مِنْ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ مَعَ النِّيَّةِ؛ وَأَمَّا الدَّمُ فَإِنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْضًا، فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ أَوْ نَفَاهُ فَلَا يَجِبُ، قَوْلُهُ:(بِمَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْإِحْصَارِ صَارَ فِي حَقِّهِ كَنَفْسِ الْحَرَمِ، شَرْحُ م ر. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُحْصِرَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمَنْقُولُ أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ كَالْبُقْعَةِ الْوَاحِدَةِ، أج. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ: صُورَتَانِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ وَصُورَتَانِ فِيمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْسِلَ الشَّاةَ إلَى الْحَرَمِ فَتُذْبَحَ فِيهِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الذَّبْحُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْحِلِّ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ. فَإِنْ أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ جَازَ لَهُ الذَّبْحُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرِ الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ، لِأَنَّ بِقَاعَ الْحَرَمِ لَا تَتَفَاوَتُ، وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إرْسَالُهُ إلَى مَحَلٍّ مِنْ الْحِلِّ لِيُذْبَحَ فِيهِ وَهِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدٍ) بِالتَّنْوِينِ. وَقَوْلُهُ " صَارِفٍ " أَيْ لِلتَّحَلُّلِ، قَوْلُهُ:(وَكَيْفِيَّتُهَا) أَيْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ، وَقَوْلُهُ " وَكَذَا الْحَلْقُ " بِالرَّفْعِ أَيْ يَتَحَلَّلُ بِهِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ " أَوْ نَحْوُهُ " أَيْ التَّقْصِيرُ قَوْلُهُ:(إنْ جَعَلْنَاهُ نُسُكًا) وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِبَاحَةً مَحْظُورٌ فَلَا يَجِبُ فِي التَّحَلُّلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ) أَيْ لِلْحَلْقِ قَوْلُهُ: (لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ) وَهِيَ: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَبُلُوغُهُ مَحِلَّهُ نَحْرُهُ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ قَوْلُهُ:(قِيَاسًا عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ، وَإِنْ كَانَ دَمُ التَّمَتُّعِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَدَمُ الْإِحْصَارِ دَمَ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: كَمَا فِي الدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ؛ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا هُنَا لِأَنَّهُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ كَالدَّمِ الْوَاجِبِ بِالْإِفْسَادِ. وَأَمَّا الدَّمُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ فَلَا يُنَاسِبُ قِيَاسَ مَا هُنَا عَلَيْهِ

ص: 468

وَغَيْرِهِ. وَالْبَدَلُ طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الطَّعَامِ صَامَ حَيْثُ شَاءَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا قِيَاسًا عَلَى الدَّمِ الْوَاجِبِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَهُ إذَا انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ التَّحَلُّلُ فِي الْحَالِ بِالْحَلْقِ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ لِتَضَرُّرِهِ بِالْمُقَامِ عَلَى الْإِحْرَامِ. وَثَالِثُ الْمَوَانِعِ الرِّقُّ، فَإِذَا أَحْرَمَ الرَّقِيقُ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَهُ تَحَلُّلُهُ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِالتَّحَلُّلِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ يُعَطِّلُ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا، فَإِنَّهُ قَدْ يُرِيدُ مِنْهُ مَا لَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ كَالِاصْطِيَادِ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ سَيِّدُهُ فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ لَزِمَهُ، فَيَحْلِقُ وَيَنْوِي التَّحَلُّلَ، فَعُلِمَ أَنَّ إحْرَامَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ مِنْهُ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ. وَرَابِعُ الْمَوَانِعِ الزَّوْجِيَّةُ، فَلِلزَّوْجِ الْحَلَالِ أَوْ الْمُحْرِمِ تَحْلِيلُ زَوْجَتِهِ كَمَا لَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةِ تَطَوُّعٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا مِنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَالنُّسُكُ عَلَى التَّرَاخِي. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا لَا تَطُولُ فَلَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ كَبِيرُ ضَرَرٍ. وَخَامِسُ الْمَوَانِعِ الْأُبُوَّةُ، فَإِنْ أَحْرَمَ الْوَلَدُ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنٍ مِنْ أَبَوَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (طَعَامٌ بِقِيمَةِ الشَّاةِ) أَيْ مَعَ الْحَلْقِ وَالنِّيَّةِ. وَالْمُرَادُ بِقِيمَةِ الشَّاةِ أَيْ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحَلِّ الْإِحْصَارِ، وَقَوْلُهُ " عِنْدَهُ " أَيْ الْحَلْقِ. قَوْلُهُ:(الرِّقُّ) أَيْ لِلْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً، أَوْ كَانَ مُهَايَأَةً وَوَقَعَ الْإِحْرَامُ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ.

قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَالِكُ مَنْفَعَتِهِ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ كَمَا قَالَهُ حَجّ؛ وَيَصَّدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ وَفِي تَصْدِيقِهِ فِي تَقَدُّمِ رُجُوعِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ تَرَدُّدٌ. وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا يَدَّعِيهِ السَّيِّدُ، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الرَّجْعَةِ كَمَا قَالَهُ م ر قَوْلُهُ:(وَلَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ) وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ جَوَازِ رِضَا السَّيِّدِ بِدَوَامِهِ م ر. وَالْمُرَادُ بِالسَّيِّدِ مَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْحُرَّ وَالرَّقِيقَ كَالْمُكَاتَبِ فَلَهُ تَحْلِيلُ رَقِيقِهِ.

قَوْلُهُ: (فَيَحْلِقُ) وَلَا يَذْبَحُ لِأَنَّ لَا مِلْكَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ تَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ. نَعَمْ لَوْ كَانَ حَلْقُ الرَّأْسِ يَشِينُهُ وَمَنَعَهُ سَيِّدُهُ مِنْهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ فَبَحَثَ بَعْضُهُمْ وُجُوبَ التَّقْصِيرِ، وَقَدْ يُتَّجَهُ؛ سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ صَوْمٌ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الدَّمِ الْغَيْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَعِبَارَةُ ق ل مُصَرِّحَةٌ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلْيُحَرَّرْ، ذَكَرَهُ م د. وَأَقَرَّ شَيْخُنَا كَلَامَ سم وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَالْمُدْرِكُ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّقِيقِ، قَوْلُهُ:(فَلِلزَّوْجِ الْحَلَالِ) وَلَوْ سَفِيهًا. وَشَمِلَ الزَّوْجَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَتَأَتَّى وَطْؤُهُ. فَيُعْتَدُّ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالتَّحَلُّلِ كَالْبَالِغِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْوَلِيِّ أَيْ وَلِيِّ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ، طَبَلَاوِيٌّ. وَتَتَحَلَّلُ الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ الْمُحْصِرُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُحْرِمِ) وَإِنْ زَادَ إحْرَامُهَا عَلَى إحْرَامِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ التَّحَلُّلُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِهِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا مَرَّ. وَالْفَرْقُ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْفَرْضِ لِوُقُوعِهِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ م د قَوْلُهُ:(تَطَوُّعٍ) هَلَّا حَذَفَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ: " وَلَهُ تَحْلِيلُهَا أَيْضًا إلَخْ " وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ شَامِلًا لِلْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ؟ وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ أَحْرَمَ رَقِيقٌ أَوْ زَوْجَةٌ بِلَا إذْنٍ فَلِمَالِك أَمْرِهِ تَحْلِيلُهُ أَيْ الْأَحَدَ قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَحْلِيلُهَا) أَيْ وَلَهُ مَنْعُهَا ابْتِدَاءً بِالْأَوْلَى. وَسَكَتَ عَنْهُ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (بِأَنَّ مُدَّتَهُمَا إلَخْ) بِخِلَافِ مُدَّةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ شَأْنَهُمَا طُولُ الْمُدَّةِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُرَدُّ أَنَّ مُدَّةَ الْعُمْرَةِ لَا تَطُولُ، قَوْلُهُ:(الْأُبُوَّةُ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأُمُومَةَ، فَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَصْلِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ " بِنَفْلٍ بِلَا إذْنٍ " أَيْ إنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ مُصَاحِبًا لَهُ فِي السَّفَرِ، فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُبُوَّةِ الْأُصُولُ مُطْلَقًا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ، مُسْلِمِينَ أَمْ كُفَّارًا، حَتَّى لِلْأَبْعَدِ الْمَنْعُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ؛ وَلَكِنْ لِلْمَنْعِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ كَمَا عَلِمْتَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ إذَا كَانَ حَجُّهُ نَفْلًا بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ، وَإِنْ كَانَ لَوْ وَقَعَ يَقَعُ فَرْضًا فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ سُنَّةٌ. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ " الْأُبُوَّةُ " أَيْ أَحَدُ الْآبَاءِ وَأَحَدُ الْأُمَّهَاتِ، فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ مَنْعُ فَرْعٍ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، أَمَّا الْفَرْضُ

ص: 469

فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُمَا لَهُ كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ فَرْضِ النُّسُكِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا دَوَامًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَيُفَارِقُ الْجِهَادَ بِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي الْجِهَادِ. وَيُسَنُّ لِلْوَلَدِ اسْتِئْذَانُهُمَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي النُّسُكِ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ كَانَ لِأَبَوَيْهَا مَنْعُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُسَافِرَ مَعَهَا الزَّوْجُ. وَسَادِسُ الْمَوَانِعِ الدَّيْنُ، فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَدِينِ تَحْلِيلُهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إذَا كَانَ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِيَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، فَإِنْ كَانَ نُسُكُهُ فَرْضًا مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ أَوْ كَانَتْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ اُعْتُبِرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِحْصَارِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمَنْعُ مِنْهُ وَلَا التَّحَلُّلُ وَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَفَاقِيِّ وَالْمَكِّيِّ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الْمَنْعِ بِالْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ تَبِعَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي مَتْنِ إرْشَادِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْرَمَ الْوَلَدُ إلَخْ) أَيْ أَوْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:" فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُ " فَالْمَنْعُ رَاجِعٌ لِلْإِرَادَةِ وَالتَّحْلِيلُ لِلْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (مَنْعُهُ) مَحِلُّهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ قَوْلُهُ: (كَتَحْلِيلِ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ، بِأَنْ يَأْمُرَ فَرْعَهُ بِالتَّحَلُّلِ كَمَا يَأْمُرُ السَّيِّدُ رَقِيقَهُ. هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ حُرًّا فَكَتَحَلُّلِ الْحُرِّ أَوْ رَقِيقًا فَكَتَحَلُّلِ الرَّقِيقِ قَوْلُهُ:(مَنْعُهُ مِنْ فَرْضِ النُّسُكِ) وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ م ر قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي الْجِهَادِ) أَيْ فَالْجِهَادُ أَقْوَى خَوْفًا، فَهَذَا فَارِقٌ آخَرَ، قَوْلُهُ:(مَنْعُهَا) أَيْ مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَسَادِسُ الْمَوَانِعِ الدَّيْنُ) الْأَوْلَى عَدَمُ عَدِّهِ مِنْ الْمَوَانِعِ، إذْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ " فَلَيْسَ لِغَرِيمِ الْمَدِينِ تَحْلِيلُهُ " نَعَمْ إنْ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إتْمَامِ النُّسُكِ وَخَافَ الْفَوَاتَ تَحَلَّلَ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ الدَّيْنُ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمَنْعِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ) أَيْ لِلسَّفَرِ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ: قَوْلُهُ " وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ " أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنْ فَاتَهُ النُّسُكُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَهُوَ مُوسِرٌ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ وَلَيْسَ لَهُ نَائِبٌ فِي قَضَائِهِ لِتَعَدِّيهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ كَمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا. وَإِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا بِإِتْيَانِ مَكَّةَ وَأَعْمَالُ الْعُمْرَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِتَعَدِّيهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ كَأَنْ حَبَسَهُ ظُلْمًا تَحَلَّلَ كَغَيْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اهـ. وَإِنَّمَا صَحَّ عَدُّ هَذَا مِنْ الْمَوَانِعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ التَّحَرُّمِ، فَقَوْلُ م د: عَدُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَوَانِعِ، فِيهِ نَظَرٌ غَيْر ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ:(لِيُوَفِّيَهُ حَقَّهُ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ حِينَئِذٍ بَلْ عَلَيْهِ التَّوْفِيَةُ وَالْخُرُوجُ لِإِتْمَامِ نُسُكِهِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمُحْصَرِ الْمُتَطَوِّعِ إلَخْ) أَيْ إنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ حَلَالٌ بِأَنْ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ ثُمَّ فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَهُوَ حَلَالٌ، أَمَّا إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِحْرَامِ فَيُفَصَّلُ؛ فَإِنْ اسْتَمَرَّ مَاكِثًا فِي طَرِيقِهِ وَصَابَرَ الْإِحْرَامَ غَيْرَ مُتَوَقِّعٍ زَوَالَ الْحَصْرِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَكَ طَرِيقًا آخَرَ أَقْصَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مُسَاوِيًا وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مُحْرِمًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَأَمَّا إذَا سَلَكَ طَرِيقًا أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ صَابَرَ الْإِحْرَامَ مُتَوَقِّعًا زَوَالَ الْحَصْرِ فَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي التَّطَوُّعِ، أَمَّا الْفَرْضُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِيمَا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى أَوْ كَانَ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا كَحِجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ بَعْدُ، فَإِنْ زَالَ عَنْهُ الْحَصْرُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُهُ " مَنْ سِنِي الْإِمْكَانِ " بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْمَحْذُوفَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَأَصْلُهَا سِنِينَ فَحُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ

ص: 470

(وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الصَّيْدِ) الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ، أَوْ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ الْبَرِّيِّ الْوَحْشِيِّ وَمِنْ غَيْرِهِ كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ ضَرْبَانِ مَا لَهُ مِثْلٌ مِنْ النَّعَمِ فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ تَقْرِيبًا فَيُضْمَنُ بِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَقْلٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِيهِ نَقْلٌ بَعْضُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضُهُ عَنْ السَّلَفِ فَيُتْبَعُ. وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فَقَالَ:(وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى التَّخْيِيرِ) بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ (إنْ كَانَ الصَّيْدُ) الْمَقْتُولُ أَوْ الْمُزْمِنُ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) أَيْ شَبَهٌ صُورِيٌّ مِنْ النَّعَمِ. وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَخْرَجَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ) أَيْ يَذْبَحُ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ، فَفِي إتْلَافِ النَّعَامَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بَدَنَةٌ كَذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ وَلَا سَبْعُ شِيَاهٍ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ تُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ، وَفِي وَاحِدٍ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ أَوْ حِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَفِي الْغَزَالِ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنَاهُ مَعْزٌ صَغِيرٌ، فَفِي الذَّكَرِ جَدْيٌ وَفِي الْأُنْثَى عَنَاقٌ، فَإِنْ طَلَعَ قَرْنَاهُ سُمِّيَ الذَّكَرُ ظَبْيًا وَالْأُنْثَى ظَبْيَةً، وَفِيهَا عَنْزٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ الَّتِي تَمَّ لَهَا سَنَةٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً، وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَهِيَ أُنْثَى الْمَعْزِ إذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الثَّعْلَبِ شَاةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَبَقِيَتْ الْيَاءُ عَلَى سُكُونِهَا ثُمَّ حُذِفَتْ.

قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ الدَّمُ الْوَاجِبُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الثَّالِثُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي وَتَحْتَهُ الصَّيْدُ وَالْأَشْجَارُ، وَنَصُّهُ:

وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي

صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفِ

إنْ شِئْت فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلُ مِثْلِ مَا

عَدَّلْت فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا

قَوْلُهُ: (بِقَتْلِ الصَّيْدِ) أَوْ أَيْ زَمِنًا بِجَرْحِهِ وَإِزْمَانِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (الْبَرِّيِّ) وَمَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ، وَالْبَحْرِ كَالْبَرِّيِّ؛ أَيْ فَيَحِلُّ بِالتَّذْكِيَةِ إذَا كَانَ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ أج. وَقَوْلُهُ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ إلَخْ " أَيْ كَقِرْشِ الْبَحْرِ، زَادَ الزِّيَادِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ نَظِيرُهُ " فِي الْبَرِّ مِمَّا يُؤْكَلُ وَالْمَنْفِيُّ حِلُّهُ مَيِّتًا " اهـ: وَقَوْلُهُ " وَالْمَنْفِيُّ " أَيْ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ حِلِّهِ وَمَا قَالُوهُ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّذْكِيَةِ وَمَا هُنَاكَ مِنْ الْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُذَكَّ.

قَوْلُهُ: (حِمَارٍ وَحْشِيٍّ) هُوَ مَأْكُولٌ، وَقَوْلُهُ " وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ " الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَحِمَارَةٍ أَهْلِيَّةٍ " لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى لَا بَيْنَ ذَكَرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَيَتْبَعُ) أَيْ النَّقْلُ، أَيْ وَاَلَّذِي لَا نَقْلَ فِيهِ بِحُكْمِ عَدْلَانِ قَوْلُهُ:(عَلَى التَّخْيِيرِ) أَيْ وَالتَّعْدِيلِ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةِ أُمُورٍ) أَيْ أَوْ أَمْرَيْنِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ الْمُزْمِنِ) أَيْ الْمُقْعَدِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ زَمِنَ الشَّخْصُ زَمَنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا وَأَزْمَنَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُزْمَنٌ.

قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ الْمِثْلَ) أَفْهَمَ ذِكْرُ الْمِثْلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ بَلْ تُقَوَّمُ حَامِلًا وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يُصَامُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ صَيْدٍ حَامِلٍ فَأَلْقَى جَنِينًا مَيِّتًا، فَإِنْ مَاتَتْ الْأُمُّ أَيْضًا فَهُوَ كَقَتْلِ الْحَامِلِ وَإِلَّا ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ الْأُمُّ، وَلَا يَضْمَنُ الْجَنِينَ؛ وَفَارَقَ جَنِينَ الْأَمَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِعُشْرِ قِيمَتِهَا بِأَنَّ الْحَمْلَ يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبَهَائِمِ وَيُنْقِصُ الْآدَمِيَّاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَاوُتِ فِي الْآدَمِيَّاتِ، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ كُلًّا مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ أَوْ الْوَلَدَ فَقَطْ ضَمِنَ الْوَلَدَ بِانْفِرَادِهِ وَضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (أَيْ يَذْبَحُ) وَالذَّبْحُ وَالتَّصَدُّقُ وَكَوْنُهُ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ وَاجِبَاتٌ ق ل.

قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً) أَيْ وَقَدْ بَلَغَتْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. قَوْلُهُ: (جَفْرَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَيُسَمَّى الذَّكَرُ جَفْرًا لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا؛ وَيُجْمَعُ عَلَى أَجْفَارٍ وَجِفَارٍ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الضَّبُعِ) هُوَ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى، فَيُلَقِّحُ فِي حَالَةِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالَةِ الْأُنُوثَةِ. وَهَذَا اللَّفْظُ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْأُنْثَى وَأَنَّ الذَّكَرَ ضِبْعَانِ بِكَسْرِ

ص: 471

وَمَا لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ الصَّيْدِ عَمَّنْ سَيَأْتِي يَحْكُمُ فِيهِ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ عَدْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] الْآيَةَ.

وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا، فَابْنُ النَّعَامَةِ مِنْ الْبَدَنَةِ لَا بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ، وَفِي الْأُنْثَى أُنْثَى، وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ، وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ، وَفِي السَّمِينِ سَمِينٌ، وَفِي الْهَزِيلِ هَزِيلٌ. وَلَوْ فَدَى الْمَرِيضَ بِالصَّحِيحِ أَوْ الْمَعِيبَ بِالسَّلِيمِ أَوْ الْهَزِيلَ بِالسَّمِينِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ فَقِيهَيْنِ فَطِنَيْنِ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَعْرَفُ بِالشَّبَهِ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا. وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْفِقْهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِقْهِ الْخَاصِّ بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْفِقْهَ مُسْتَحَبٌّ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَادَتِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِأَنَّ لَهُ مِثْلًا وَعَدْلَانِ بِعَدَمِهِ فَهُوَ مِثْلِيٌّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ حَكَمَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ آخَرَ تَخَيَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ.

ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِي مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ قَوَّمَهُ) أَيْ الْمِثْلَ بِدَرَاهِمَ بِقِيمَةِ مِثْلِهِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ (وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) مُجْزِئًا فِي الْفِطْرَةِ أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ الطَّعَامِ وُجُوبًا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ الْقَاطِنِينَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الضَّادِ فَسُكُون،. اهـ. خَضِرٌ. قَوْلُهُ:(عَمَّنْ سَيَأْتِي) الْأَوْلَى عَمَّنْ سَبَقَ، وَهُوَ النَّبِيُّ وَالسَّلَفُ.

قَوْلُهُ: (يَحْكُمُ) يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ حُكْمًا اشْتِرَاطُ ذُكُورَتِهِمَا وَحُرِّيَّتِهِمَا، وَهُوَ كَذَلِكَ م ر.

قَوْلُهُ: (عَدْلَانِ) أَيْ وَلَوْ ظَاهِرًا أَوْ بِلَا اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (بِالْخِلْقَةِ) أَيْ الصُّورَةِ، فَعَطْفُ الصُّورَةِ عَلَيْهِ تَفْسِيرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " لَا بِالْقِيمَةِ " عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْخِلْقَةِ.

قَوْلُهُ: (فَيَلْزَمُ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: " وَالْعِبْرَةُ بِالْمُمَاثَلَةِ إلَخْ ".

قَوْلُهُ: (وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ شَارِحِ الْمَنْهَجِ: وَيُجْزِئُ فِدَاءُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى وَعَكْسُهُ، فَلْيُحَرَّرْ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ " وَفِي الذَّكَرِ ذَكَرٌ " أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحِ صَحِيحٌ) وَيَجِبُ فِي الْحَامِلِ حَامِلٌ؛ لَكِنْ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْطَى حَيَّةً بَلْ تُقَوَّمُ بِمَكَّةَ فِي مَحَلِّ ذَبْحِهَا لَوْ ذُبِحَتْ وَيُتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا أَوْ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.

قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْعَيْبِ) كَالْعَوَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَحَلُّهُ، كَأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْوَرَ يَمِينًا وَالْآخَرُ شِمَالًا فَلَا يَضُرُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَيْبُ كَالْعَوَرِ وَالْجَرَبِ فَلَا يَكْفِي؛ سم قَوْلُهُ:(فَقِيهَيْنِ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّبَهِ وَيَحْتَمِلُ بِجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ. وَفِي م ر. الْأَوَّلُ: وَعِبَارَةُ حَجّ: فَقِيهَيْنِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشَّبَهِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إلَخْ ".

قَوْلُهُ: (فَطِنَيْنِ) تَثْنِيَةُ فَطِنٍ وَهُوَ الذَّكِيُّ.

قَوْلُهُ: (بِمَا يُحْكَمُ بِهِ هُنَا) أَيْ مِنْ كَوْنِ الصَّيْدِ لَهُ مِثْلٌ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَآخَرَانِ بِمِثْلٍ) وَانْظُرْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ أَكْثَرَ عَدَدًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِمِثْلٍ وَأَكْثَرُ بِمِثْلٍ آخَرَ هَلْ يَتَخَيَّرُ أَيْضًا أَوْ يُرَجَّحُ؟ الْأَكْثَرُ الْقِيَاسُ الثَّانِي؛ وَلَوْ ذَبَحَ الدَّمَ الْوَاجِبَ بِالْحَرَمِ فَسُرِقَ مِنْهُ أَوْ غُصِبَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لَمْ يُجْزِهِ، ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ آخَرَ وَهُوَ أَوْلَى، أَوْ يَشْتَرِيَ بَدَلَهُ لَحْمًا وَيَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ وُجِدَ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ التَّفْرِقَةِ وَإِلَّا فَلَا يَضْمَنُ، كَمَا لَوْ سُرِقَ الْمَالُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الزَّكَاةُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَالزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَيْ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَلَوْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَ الْوَاجِبَ الْمَالِيَّ حَتَّى يَجِدَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْلُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ النَّقْلُ كَالزَّكَاةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمِثْلُ) فَالْمُقَوَّمُ الْمِثْلُ لَا الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ.

قَوْلُهُ: (بِمَكَّةَ) الْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ الْحَرَمِ، شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ:(أَوْ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " بِقِيمَتِهِ " وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ أَخْرَجَ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ.

ص: 472

وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ. ثُمَّ ذَكَرَ الثَّالِثَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي قَوْلِهِ (أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ (وَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ) الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ (مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ) مِمَّا لَا نَقْلَ فِيهِ كَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ كَمَا سَيَأْتِي سَوَاءٌ كَانَ أَكْبَرَ جُثَّةً مِنْ الْحَمَامِ أَمْ لَا، (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ، وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ بِهَا فِي الْجَرَادِ وَلِأَنَّهُ مَضْمُونٌ لَا مِثْلَ لَهُ، فَضُمِنَ بِالْقِيمَةِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ وَيُرْجَعُ فِي الْقِيمَةِ إلَى عَدْلَيْنِ، أَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِمَّا فِيهِ نَقْلٌ وَهُوَ الْحَمَامُ وَهُوَ مَا عَبَّ أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ وَهَدَرَ أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَغَرَّدَ كَالْيَمَامِ وَالْقَمَرِيِّ وَالْفَاخِتَةِ وَكُلِّ مُطَوَّقٍ فَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْهُ شَاةٌ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ) الْأَوْلَى الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا دَمَ هُنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَزَائِهِ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ طَعَامًا أَوْ يَصُومَ. قَوْلُهُ:(كَالْجَرَادِ) هَذَا تَنْظِيرٌ، إذْ الْجَرَادُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:" الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الدَّمُ ".

قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ بِقِيمَتِهِ) أَيْ حَيًّا، فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إذْ لَا يَحِلُّ أَيْ بَاقِي الطُّيُورِ مَا عَدَا الْحَمَامِ، بِخِلَافِ الْجَرَادِ فَإِنَّ مَيْتَتَهُ حَلَالٌ. قَوْلُهُ:(وَقَدْ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ) لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَمْثِيلِهِ مَا لَا نَقْلَ فِيهِ بِالْجَرَادِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَرَادَ لَا نَقْلَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمِثْلُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ فِيهِ نَقْلًا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْحَمَامُ) قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَفَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَيُرْوَى أَنَّهُمَا بَاضَتَا وَفَرَّخَتَا، وَبَارَكَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحَمَامَتَيْنِ أَيْ وَفَرَضَ جَزَاءَ الْحَمَامِ وَانْحَدَرَتَا فِي الْحَرَمِ فَأَفْرَخَتَا كُلَّ شَيْءٍ فِي الْحَرَمِ مِنْ الْحَمَامِ؛ أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى حَمَامِ مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الطُّيُورِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَنُظِرَ فِي الْإِمْتَاعِ فِي كَوْنِ حَمَامِ الْحَرَمِ مِنْ نَسْلِ ذَلِكَ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ عليه السلام أَنَّهُ بَعَثَ الْحَمَامَةَ مِنْ السَّفِينَةِ لِتَأْتِيَهِ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَوَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَمِ فَإِذَا الْمَاءُ قَدْ نَضَبَ بِمَوْضِعِ الْكَعْبَةِ، وَكَانَتْ طِينَتُهَا حَمْرَاءَ فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْهُ فَمَسَحَ عُنُقَهَا وَطَوَّقَهَا طَوْقًا وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَةَ فِي رِجْلِهَا وَأَسْكَنَهَا الْحَرَمَ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ. فَفِي هَذَا أَنَّ الْحَمَامَ قَدْ كَانَ فِي الْحَرَمِ مِنْ عَهْدِ جُرْهُمٍ، أَيْ وَنُوحٍ؛ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ حَمَامَ مَكَّةَ أَظَلَّهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتَحَ مَكَّةَ فَدَعَا بِالْبَرَكَةِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَبَّ) بَابُهُ رَدَّ يَرُدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» وَهُوَ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ يَعْنِي وَجَعَ الْكَبِدِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا وَلَا تَعُبُّوهُ عَبًّا فَإِنَّ الْعَبَّ يُورِثُ الْكُبَادَ» اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهَدَرَ بَابُهُ ضَرَبَ يَضْرِبُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَهُوَ لَازِمٌ لِعَبَّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " عَبَّ " أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا مَصٍّ، هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ، فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ بَعْضِهِمْ: وَهَدَرَ؛ أَيْ صَوَّتَ، لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ. قَوْلُهُ:(وَغَرَّدَ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ؛ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ غَرِدَ غَرَدًا فَهُوَ غَرِدٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَطْرَبَ فِي صَوْتِهِ وَغِنَائِهِ كَالطَّائِرِ وَغَرَّدَ تَغْرِيدًا مِثْلُهُ. اهـ. وَالتَّطْرِيبُ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَمَدُّهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَاخِتَةُ) نَوْعٌ مِنْ الْحَمَامِ، وَالْمُطَوَّقُ مَا فِيهِ لَوْنٌ حَوْلَ رَقَبَتِهِ مُخَالِفٌ لِبَاقِي بَدَنِهِ.

قَوْلُهُ: (شَاةٌ) وَلَوْ صَغُرَتْ الْحَمَامَةُ جِدًّا وَالْمُرَادُ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ، وَإِنْ بَحَثَ عَدَمَ اعْتِبَارِ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَحَمَامٌ شَاةٌ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ. أَقُولُ: وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ فِي الصَّيْدِ أَنَّ فِي الْكَبِيرِ كَبِيرَةً وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرَةً أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا فِي الْحَمَامَةِ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِي الْحَمَامَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ، انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَإِنْ لَمْ تَجُزْ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا اسْتَوْجَهَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ اهـ، قَالَ الشَّيْخُ خ ض: لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُجْزِئَةً فِي الْأُضْحِيَّةِ. وَالْحِكْمَةُ فِي إيجَابِ الشَّاةِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّاةِ وَالْحَمَامِ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ، فَبَيْنَهُمَا مُشَابَهَةٌ فِي الطَّبْعِ وَإِلَّا فَلَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا فِي الصُّورَةِ.

قَوْلُهُ:

ص: 473

وَفِي مُسْتَنَدِهِمْ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَوْقِيفٌ بَلَغَهُمْ فِيهِ وَالثَّانِي مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ وَهُوَ إلْفُ الْبُيُوتِ وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الْحَمَامِ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي الْفَوَاخِتِ وَنَحْوِهَا، وَيُتَصَدَّقُ بِالطَّعَامِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَفُقَرَائِهِ كَمَا مَرَّ (أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ) مِنْ الطَّعَامِ (يَوْمًا) فِي أَيْ مَوْضِعٍ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْمِثْلِيِّ. تَنْبِيهٌ: تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ وَالطَّعَامِ فِي الزَّمَانِ بِحَالَةِ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْمَكَانِ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الذَّبْحِ لَا بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي الزَّمَانِ بِحَالَةِ الْإِتْلَافِ لَا الْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الْمَكَانِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَالْخَامِسُ الدَّمُ الْوَاجِبُ بِالْوَطْءِ) الْمُفْسِدِ (وَهُوَ) أَيْ الدَّمُ الْمَذْكُورُ (عَلَى التَّرْتِيبِ) وَالتَّعْدِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَجِبُ بِهِ (بَدَنَةٌ) عَلَى الرَّجُلِ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ الْمُفْسِدِ مَسْأَلَتَانِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلْفٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرُ أَلِف كَعَلِمَ بِمَعْنَى أَنِسَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ: بِالضَّمِّ نَقْلًا عَنْ خَطِّ الشَّارِحِ، قَالَ م د: وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمَامَ الَّذِي يَأْلَفُ الْبُيُوتَ أَصْلُهُ وَحْشِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ شَاةٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إذَا كَانَ لَهُ حَمَامٌ فِي بُرْجٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْرَمَ: زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " وَاصْطِيَادٌ " يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ، وَلَوْ أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَوَجَبَ إرْسَالُهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّحَلُّلِ، وَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ أَيْ مَنْ أَخَذَهُ يَمْلِكُهُ وَلَوْ قَبْلَ إرْسَالِهِ وَيَضْمَنُهُ هُوَ إنْ مَاتَ بِيَدِهِ؛ نَعَمْ يَتَّجِهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ إرْسَالِهِ وَلَمْ يُرْسِلْهُ، م ر اهـ.

قَوْلُهُ: (قِيمَةُ الْمِثْلِيِّ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَالْمِثْلِيِّ مُعْتَبَرَةٌ بِقِيمَةِ الْحَرَمِ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ، وَأَنَّ قِيمَةَ مَا لَا مِثْلَ لَهُ كَالْجَرَادِ مُعْتَبَرَةٌ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ زَمَانًا وَمَكَانًا ق ل. وَقَوْلُهُ:" يَوْمَ الْإِخْرَاجِ " كَمَا لَوْ أَتْلَفَ نَعَامَةً فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَأَخْرَجَ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَالْعِبْرَةُ فِي قِيمَةِ الْمَذْبُوحِ وَالطَّعَامِ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فِي الْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي مَحَلِّ الْإِتْلَافِ. وَأَمَّا مَا لَا مِثْلَ لَهُ فَحُكْمُهُ عَكْسُ مَالَهُ مِثْلٌ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (وَالطَّعَامُ فِي الزَّمَانِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ قِيمَتُهُ فَيُشْتَرَى بِهَا شَيْءٌ آخَرَ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ أَمْدَادًا وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِ زَمَانًا وَمَكَانًا، فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ) هُوَ بِالْيَاءِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ يُقَوَّمُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ بِسِعْرِ الطَّعَامِ فِي الْحَرَمِ لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بِمَكَانِ الْإِتْلَافِ، وَقِيمَةُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ تُعْتَبَرُ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَا بِوَقْتِ الْإِخْرَاجِ، وَتُعْتَبَرُ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ؛ مِثَالُ ذَلِكَ إذَا أَتْلَفَ نَعَامَةً مَثَلًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْحِلِّ وَأَرَادَ الْإِخْرَاجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِسِعْرِ مَكَّةَ لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي لَوْ كَانَ الْمُتْلَفُ جَرَادَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ لَا بِالْحَرَمِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَأَمَّا قِيمَةُ الْبَدَنَةِ فِي الْوَطْءِ فَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوُجُوبِ بِسِعْرِ مَكَّةَ؛ وَأَمَّا قِيمَةُ الدَّمِ فِي جَزَاءِ الشَّجَرِ فَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحَلِّ الْإِتْلَافِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِمَحِلِّ الْإِحْصَارِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَذْهَبِ) اُنْظُرْ مُقَابِلَهُ. قَوْلُهُ: (بَدَنَةٌ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا، وَتُجْمَعُ عَلَى بَدَنَاتٍ مِثْلُ قَصَبَةٍ وَقَصَبَاتٍ، وَعَلَى بُدْنٍ أَيْضًا بِضَمَّتَيْنِ أَوْ إسْكَانِ الدَّالِ؛ قَالَ تَعَالَى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} [الحج: 36] مِصْبَاحٌ.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ الْمُفْسِدِ) الْإِخْرَاجُ إنَّمَا هُوَ بِالْمُفْسِدِ.

قَوْلُهُ: (إنَّمَا تَلْزَمُهُ شَاةٌ) وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ. وَقَوْلُهُ " شَاةٌ " أَيْ لَا بَدَنَةٌ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الشَّاةِ وَبَيْنَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالتَّصَدُّقُ بِثَلَاثَةِ آصُعَ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ هُوَ الرَّابِعُ فِي نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي.

ص: 474

الْأُولَى أَنْ يُجَامِعَ فِي الْحَجِّ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُجَامِعَ ثَانِيًا بَعْدَ جِمَاعِهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا تَلْزَمُهُ شَاةٌ، وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ وَإِنْ شَمِلَتْهَا عِبَارَتُهُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا أَمْ غَيْرَهُ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَتْ الْبَدَنَةُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ الْمُرَادُ بِهَا الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْبَدَنَةَ (فَبَقَرَةٌ) تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْبَقَرَةَ (فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ) مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ أَوْ مِنْهُمَا (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ الْغَنَمَ (قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ) بِسِعْرِ مَكَّةَ حَالَةَ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ (وَاشْتَرَى بِقِيمَتِهَا) أَيْ بِقَدْرِهَا (طَعَامًا) أَوْ أَخْرَجَهُ مِمَّا عِنْدَهُ (وَتَصَدَّقَ بِهِ) فِي الْحَرَمِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَفُقَرَائِهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) طَعَامًا (صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا) فِي أَيِّ مَكَان كَانَ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُجْزِئُ عَنْ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الطَّعَامِ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي أَخْرَجَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَصَامَ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ، وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ. وَأَمَّا النَّوْعُ التَّاسِعُ الْمَوْعُودُ بِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ هَذَا النَّوْعُ فِي تَعْبِيرِهِ بِتَرْكِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ وَسَيَأْتِي جَمِيعُ الدِّمَاءِ فِي خَاتِمَةِ آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَلَا يُجْزِئُهُ الْهَدْيُ وَلَا الْإِطْعَامُ إلَّا بِالْحَرَمِ) مَعَ التَّفْرِقَةِ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَفُقَرَائِهِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهَا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ مِنْهُمَا وَلَوْ غُرَبَاءَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ الْحَرَمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَبِالرَّجُلِ الْمَرْأَةُ) وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ. وَلَوْ قُيِّدَ الرَّجُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِالْوَاطِئِ لَخَرَجَ الرَّجُلُ الْمَوْطُوءُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّ عَلَى كُلِّ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ.

قَوْلُهُ: (حَالَةَ الْوُجُوبِ) أَيْ وَهُوَ وَقْتُ الْوَطْءِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ غَالِبَ الْأَحْوَالِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ وَقْتُ الْوَطْءِ إلَى وَقْتِ الْإِخْرَاجِ.

قَوْلُهُ: (فِي الشَّرْحَيْنِ) أَيْ شَرْحَيْ الرَّافِعِيِّ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْوَجِيزِ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ) فَإِنْ بَقِيَ دُونَ مُدٍّ صَامَ عَنْهُ يَوْمًا. قَوْلُهُ: (فَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ) فَإِنْ قِيلَ: الْقِرَانُ تَرْكُ الْإِفْرَادِ وَالْإِفْرَادُ سُنَّةٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي السُّنَّةِ الدَّاخِلَةِ فِي النُّسُكِ وَالْإِفْرَادُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ) كَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ فِي الْبَلَدِ إذَا انْتَقَلَ لِلصَّوْمِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ أَخَّرَ الثَّلَاثَةَ لِبَلَدِهِ كَمَا مَرَّ وَأَنَّهُ يُسَنُّ التَّتَابُعُ فِي الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً وَقَضَاءً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (دَمُ جَبْرٍ لَا دَمُ نُسُكٍ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ جَبْرَ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَهُوَ دَمُ نُسُكٍ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْهُ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ جَبْرُ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي نُسُكِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَدَّى النُّسُكَيْنِ بِعَمَلٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّهُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ نُسُكٍ بِعَمَلٍ فَيَحْتَاجُ لِجَبْرِ ذَلِكَ بِدَمٍ، فَالْمُرَادُ جَبْرُ الْخَلَلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ جَبْرُ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَّا أَنَّهُ حَاصِلٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ.

قَوْلُهُ: (الْهَدْيُ) بِسُكُونِ الدَّالِ مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَبِكَسْرِ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالْأَصْلُ التَّشْدِيدُ: مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ النَّعَمِ، وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ اهـ خ ض. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدْيَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْحَاجُّ لِلْكَعْبَةِ تَطَوُّعًا أَوْ وُجُوبًا بِالنَّذْرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْأَوَّلَ.

قَوْلُهُ: (مَعَ التَّفْرِقَةِ) الْأَوْلَى مَعَ الصَّرْفِ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَقْطِيعُهُ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ غُرَبَاءَ) لَكِنْ الْقَاطِنُونَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ إذَا كَانَ وَاجِبًا، وَأَمَّا الْمُتَطَوَّعُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لِذَبْحِ مُعْتَمِرٍ) أَيْ غَيْرَ قَارِنٍ بِأَنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ مُرِيدَ تَمَتُّعٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

ص: 475

مِسْكِينًا وَلَا فَقِيرًا. تَنْبِيهٌ: أَفْضَلُ بُقْعَةٍ مِنْ الْحَرَمِ لِذَبْحِ مُعْتَمِرٍ الْمَرْوَةُ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ، وَلِذَبْحِ الْحَاجِّ مِنًى لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا سَاقَهُ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ مِنْ هَدْيِ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ مَكَانًا فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ. وَوَقْتُ ذَبْحِ هَذَا الْهَدْيِ وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْهَدْيُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يَسُوقُهُ الْمُحْرِمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَمِ الْجُبْرَانَاتِ، وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ.

(وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ) مَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّخْيِيرِ أَوْ الْعَجْزِ (حَيْثُ شَاءَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ كَمَا مَرَّ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ فِي صِيَامِهِ، وَيَجِبُ فِيهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَكَذَا تَعْيِينُ جِهَتِهِ مِنْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ.

(وَلَا يَجُوزُ) لِمُحْرِمٍ وَلَا لِحَلَالٍ (قَتْلُ صَيْدِ الْحَرَمِ) أَمَّا حَرَمُ مَكَّةَ فَبِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَوْ كَانَ كَافِرًا مُلْتَزِمَ الْأَحْكَامِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الْمَرْوَةُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا، لِأَنَّهَا مَقْصِدٌ وَالصَّفَا وَسِيلَةٌ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَلِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ خ ض.

قَوْلُهُ: (وَلِذَبْحِ الْحَاجِّ) بِأَنْ كَانَ مُرِيدَ إفْرَادٍ أَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (فِي الِاخْتِصَاصِ) أَيْ بِالْحَرَمِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلِيَّةُ) أَيْ الْمَرْوَةُ لِلْمُعْتَمِرِ غَيْرِ الْقَارِنِ، وَمِنًى لِلْحَاجِّ، وَهِيَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ مَكَّةَ بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ، لِكَوْنِهَا مَكَانًا أَوْ بُقْعَةً؛ وَتَخْفِيفُ نُونِهَا أَشْهُرُ مِنْ تَشْدِيدِهَا. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا يُمْنَى فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، أَيْ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَالضَّحَايَا، أَيْ يُرَاقُ؛ أَوْ لِأَنَّ آدَمَ لَمَا أَرَادَ مُفَارَقَةَ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ: تَمَنَّ قَالَ: أَتَمَنَّى الْجَنَّةَ. أَوْ لِتَقْدِيرِ الشَّعَائِرِ فِيهَا، مِنْ مَنَّى اللَّهُ الشَّيْءَ أَيْ قَدَّرَهُ، وَامْتَنُّوا أَيْ أَتَوْا مِنًى اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (هَذَا الْهَدْيُ) أَيْ الْمَنْذُورُ وَالنَّفَلُ. قَوْلُهُ: (وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ) مَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهُ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَبْحَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا ذَبَحَهُ قَضَاءً وَإِلَّا فَقَدْ فَاتَ، فَإِنْ ذَبَحَهُ كَانَتْ شَاةَ لَحْمٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُقُوعِ النَّفْلِ مَوْقِعَهُ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِمْ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " مَا لَمْ يُعَيِّنْ غَيْرَهُ " فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ وَقْتٌ بِخُصُوصِهِ لَا وَقْتُ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا مَا عَيَّنَهُ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا الثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ) وَكَذَا إذَا عَيَّنَ لِهَدْيِ التَّقَرُّبِ غَيْرِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ التَّخَيُّرِ) أَيْ إذَا كَانَ مُخَيَّرًا، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْعَجْزِ " أَيْ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا. قَوْلُهُ:(إذْ لَا مَنْفَعَةَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ) لَكِنَّهُ فِي الْحَرَمِ أَوْلَى لِشَرَفِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا تَعْيِينُ جِهَتِهِ) ضَعِيفٌ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَاصٌّ بِالْمُحْرِمِ وَمَا هُنَا عَامٌّ لَهُ وَلِلْحَلَالِ وَاهْتِمَامًا بِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِيَشْمَلَ التَّعَرُّضَ لِجُزْئِهِ كَشَعْرِهِ وَبَيْضِهِ أَيْ غَيْرِ الْمَذَرِ وَلَوْ بِإِعَانَتِهِ غَيْرَهُ، أَمَّا الْمَذَرُ فَلَا يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَلَا يُضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْضَ نَعَامٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحُدُودُ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ الَّذِي يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِصَيْدِهِ وَنَبَاتِهِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَمِنْ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ سَبْعَةٌ بِتَقْدِيمِ السِّينِ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ تِسْعٌ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ، وَمِنْ جَدَّةَ عَشْرٌ سم. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودَ فَقَالَ:

وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ

ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ

وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ

وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ

وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهِ

وَقَدْ كَمَلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ

قِيلَ: إنَّ حِكْمَةَ تَحْدِيدِ الْحَرَمِ بِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا نَزَلَ هُنَاكَ فَحَصَلَ لَهُ خَوْفٌ أَرْسَلَ اللَّهُ مَلَائِكَةً وَقَفَتْ عَلَى حَدِّ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ غَنَمَ إسْمَاعِيلَ لَمَّا كَانَتْ تَرْعَى تَذْهَب إلَى هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ عَلَّمَهَا لِإِبْرَاهِيمَ لَمَّا

ص: 476

وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ: «إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُعْضَدُ شَجَرُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ» أَيْ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ صَيْدِهِ لِمُحْرِمٍ وَلَا لِحَلَالٍ، فَغَيْرُ التَّنْفِيرِ أَوْلَى. وَقِيسَ بِمَكَّةَ بَاقِي الْحَرَمِ فَإِنْ أَتْلَفَ فِيهِ صَيْدًا ضَمِنَهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمُحْرِمِ، وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَحَرَامٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا» وَلَكِنْ لَا يَضْمَنُ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِلنُّسُكِ بِخِلَافِ حَرَمِ مَكَّةَ.

(وَلَا) يَجُوزُ (قَطْعُ) وَلَا قَلْعُ (شَجَرِهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ، وَمَحَلُّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَّمَهُ مَنَاسِكَ الْحَجِّ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَجَرَ لَمَّا نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ فَوَصَلَ شُعَاعُهُ إلَى هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَقِيلَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَدَّدَهُ حِينَ حَجَّ؛ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ،. اهـ. ق ل. وَقَوْلُهُ:" مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ " أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّنْعِيمِ، وَقَوْلُهُ " جِعْرَانَهْ " بِالتَّشْدِيدِ وَلَوْ قَالَ لِجِعْرَانَهْ بِاللَّامِ لَسَلِمَ مِنْ التَّشْدِيدِ الَّذِي أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ بَلْ عَيَّنَ فِيهَا التَّخْفِيفَ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَاكِنَةٍ بِهَا تُسَمَّى جِعْرَانَةُ اهـ. وَقَوْلُهُ:" إنَّ إبْرَاهِيمَ إلَخْ " وَيُرْوَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ أَنْ آدَمَ عليه الصلاة والسلام خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَاسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى مَلَائِكَةً حَفُّوا بِمَكَّةَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَكَانَ الْحَرَمُ مِنْ حَيْثُ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ كَمَا فِي مَنَاسِكِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْبَكْرِيِّ.

قَوْلُهُ: (صَيْدُ الْحَرَمِ) أَيْ الْحَرَمَيْنِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مُلْتَزَمُ الْأَحْكَامِ) لَيْسَ قَيْدًا إلَّا فِي الضَّمَانِ. قَوْلُهُ: (بِحُرْمَةِ اللَّهِ) أَيْ بِحُكْمِ اللَّهِ الْقَدِيمِ الْأَزَلِيِّ، الْمُتَعَلِّقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِهَا وَيَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا التَّعَلُّقُ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِتَحْرِيمِهَا يَوْمئِذٍ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ سم، اهـ شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَحَرَامٌ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَلِقَوْلِهِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدَّلِيلُ. قَوْلُهُ: (حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ أَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا، لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدِيمٌ، فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ؛ وَقَوْلُهُ:" وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَةَ " أَيْ أَحْدَثْتُ تَحْرِيمَهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّابَتَيْنِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَاللَّابَتَانِ تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ، وَهُمَا شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ وَغَرْبِيَّهَا، فَحَرَمُهَا مَا بَيْنَهُمَا عَرْضًا وَمَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا عَيْرٌ وَثَوْرٌ طُولًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ هُنَا وَهُوَ بِمَكَّةَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ " أُحُدٌ ". وَدُفِعَ بِأَنَّ وَرَاءَهُ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَهُوَ غَيْرُ ثَوْرٍ الَّذِي بِمَكَّةَ ز ي وح ف؛ لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَقُولَ مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَأُحُدٍ فَكَانَ يَأْتِي بِأُحُدٍ بَدَلَ ثَوْرٍ.

قَوْلُهُ: (عِضَاهُهَا) بِهَاءَيْنِ جَمْعُ عِضَاهَةٍ أَوْ عِضَهَةٍ أَوْ عِضَةٍ، وَالْهَاءُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ مِنْ تَمَامِهِ وَالْهَاءُ الثَّانِيَةُ مُضَافٌ إلَيْهَا عَائِدَةٌ لِلْمَدِينَةِ؛ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ:" عِضَاهَا " بِهَاءٍ، أَيْ شَجَرُهَا، وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل وَبِكَسْرِهَا كَمَا فِي ع ش. وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ بِوَزْنِ كِتَابٍ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ إلَخْ) وَلَوْ لِحَلَالٍ كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَلَا قَلْعُ شَجَرِهِ) أَيْ شَجَرِ الْحَرَمِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي بِأَنْ نَبَتَ فِيهِ أَصَالَةً وَلَوْ مُثْمِرًا فِي مِلْكِهِ، خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَلَوْ بِبَعْضِ أَصْلِهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ؛ أَيْ وَلَوْ كَانَ الشَّجَرُ بِبَعْضِ أَصْلِ الْحَرَمِ بِأَنْ كَانَ بَعْضُهَا فِيهِ وَبَعْضُهَا الْآخَرُ فِي الْحِلِّ سَوَاءٌ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَمَا يَسْتَنْبِتُهُ النَّاسُ كَالنَّخِيلِ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ مِنْ الْحِلِّ إلَيْهِ وَإِنْ نَبَتَ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ شَجَرِهِ. وَفَارَقَ صَيْدَ الْحِلِّ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ ثَابِتٌ فَاعْتُبِرَ مَكَانُهُ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ فَلَهُ حُكْمُ مَنْبَتِهِ. وَخَرَجَ بِالرَّطْبِ الْجَافُّ، فَيَجُوزُ قَطْعُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَلْعُهُ كَمَا فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلنَّوَوِيِّ. وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحَرَمِ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ حَرُمَ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، أَوْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْحِلِّ وَالْأَغْصَانُ فِي الْحَرَمِ حَلَّ قَطْعُهَا لَا رَمْيُ صَيْدٍ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَقَلَ شَجَرَةً مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ رَدُّهَا أَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ فَلَا، فَإِنْ جَفَّتْ بِالنَّقْلِ ضَمِنَهَا وَإِنْ نَبَتَتْ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ قَلَعَهَا قَالِعٌ لَزِمَهُ أَيْ الْقَالِعَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْجَزَاءُ لِبَقَاءِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ؛ قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَلَوْ غَرَسَ فِي الْحِلِّ نَوَاةَ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ ثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الْأَصْلِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: قَالَ أَئِمَّتُنَا: لَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ غَرَسَ فِي الْحَرَمِ نَوَاةً أَوْ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حِلِّيَّةٌ لَمْ تَصِرْ حَرَمِيَّةً نَظَرًا لِلْأَصْلِ، سم مَعَ تَصَرُّفٍ.

ص: 477

ذَلِكَ فِي الشَّجَرِ الرَّطْبِ غَيْرِ الْمُؤْذِي، أَمَّا الْيَابِسُ وَالْمُؤْذِي كَالشَّوْكِ وَالْعَوْسَجِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشَّوْكِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ. تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْقَطْعِ تَحْرِيمُ قَلْعِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، وَخَرَجَ بِالْحَرَمِ شَجَرُ الْحِلِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَقَلْعُهُ وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَمَّا مَا بَعْضُ أَصْلِهِ فِي الْحَرَمِ فَيَحْرُمُ تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ بِالشَّجَرِ الْحِنْطَةُ وَنَحْوُهَا كَالشَّعِيرِ وَالْخَضْرَاوَاتِ فَيَجُوزُ قَطْعُهَا وَقَلْعُهَا مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَمَانِ شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ، فَيَجِبُ فِي قَطْعِ أَوْ قَلْعِ الشَّجَرَةِ الْحَرَمِيَّةِ الْكَبِيرَةِ بِأَنْ تُسَمَّى كَبِيرَةً عُرْفًا بَقَرَةٌ سَوَاءٌ أَخْلَفَتْ أَمْ لَا.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبَدَنَةُ فِي مَعْنَى الْبَقَرَةِ، وَفِي الصَّغِيرَةِ إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ شَاةٌ، فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا فَفِيهَا الْقِيمَةُ، وَلَوْ أَخَذَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ حَرَمِيَّةٍ فَأَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ بِأَنْ كَانَ لَطِيفًا كَالسِّوَاكِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُخْلِفْ أَوْ أَخْلَفَ لَا مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا فِي سَنَتِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْوَاجِبُ فِي غَيْرِ الشَّجَرِ مِنْ النَّبَاتِ الْقِيمَةُ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يَدْفَعُهُ، وَيَحِلُّ أَخْذُ نَبَاتِهِ لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ وَلِلدَّوَاءِ كَالْحَنْظَلِ وَلِلتَّغَذِّي كَالرِّجْلَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (الْمُسْتَنْبَتُ) كَالنَّخْلِ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُهُ كَالسَّنْطِ وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ، وَأَمَّا غَيْرُ الشَّجَرِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لَهُ وَيَحِلُّ التَّعَرُّضُ لِلْمُسْتَنْبَتِ أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ النَّاسُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَحَرُمَ تَعَرُّضٌ لِنَابِتٍ حَرَمِيٍّ مِمَّا لَا يُسْتَنْبَتُ وَمِنْ شَجَرٍ لَا أَخْذُهُ لِعَلَفِ بَهَائِمَ وَلَا لِدَوَاءٍ وَلَا أَخْذُ إذْخِرٍ وَمُؤْذٍ اهـ. وَالْإِذْخِرُ بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ مُعْجَمَةٍ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ هُوَ حَلْفَاءُ مَكَّةَ ح ف.

قَوْلُهُ: (وَالْعَوْسَجُ) هُوَ الْمُسَمَّى بِأُمِّ الْغَيْلَانِ.

قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ قَطْعُهُ) أَيْ وَقَلْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " عُلِمَ إلَخْ " إنَّمَا ذَكَرَ الْقَلْعَ هُنَا ثَانِيًا لِإِفَادَةِ أَخْذِهِ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ بِالْأَوْلَى، فَلَا تَكْرَارَ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ:" وَلَا قَلْعُ شَجَرِهِ " وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ق ل حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَهُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى هَذَا فِيمَا سَبَقَ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ غَرْسِهِ) بِأَنْ نُقِلَ وَغُرِسَ فِيهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي الْحَرَمِ ثُمَّ نُقِلَ وَغُرِسَ فِي الْحِلِّ قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْحَرَمِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَانِعٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقْتَضَى قَوْلُهُ:(وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَنْبَتِ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ فِي تَحْرِيمِ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ " غَيْرِ " لِأَنَّ تَقْيِيدَ غَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ بِالشَّجَرِ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ أَيْضًا تَقْيِيدُ الْمُسْتَنْبَتِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَقَدَّمَ التَّعْمِيمُ بِقَوْلِهِ: وَسَوَاءٌ فِي الشَّجَرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَغَيْرِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَخَرَجَ بِالشَّجَرِ غَيْرُهُ، فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ الْمُسْتَنْبَتِ وَهُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَيَحِلُّ التَّعَرُّضُ لِلْمُسْتَنْبَتِ أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ النَّاسُ؛ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسْتَنْبَتَ إنَّمَا يَحْرُمُ إذَا كَانَ مِنْ الشَّجَرِ قَوْلُهُ:(مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ نَبَتَ بِنَفْسِهِ، وَيَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ق ل قَوْلُهُ:(بَقَرَةٌ) أَيْ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَا الشَّاةُ، بَلْ سَائِرُ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ إلَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَوْلُهُ:(وَالْبَدَنَةُ) أَيْ تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ م ر، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ ثُمَّ إنْ شَاءَ ذَبَحَ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَأَعْطَاهُمْ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ صَامَ لِكُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ كَدَمِ الصَّيْدِ، ز ي. قَوْلُهُ:(إنْ قَارَبَتْ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ) فَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُزَادُ فِيهِ مِنْ الشَّاةِ إلَى سَبْعِ شِيَاهٍ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَمَّا جَاوَزَ سُبْعَ الْكَبِيرَةِ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْكُبْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِ الْكَبِيرَةِ اهـ. فَإِذَا قَارَبَتْ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِهَا مَثَلًا وَجَبَتْ شَاةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَةِ فِي سُبْعِهَا قَوْلُهُ:(شَاةٌ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ سُبْعِ الْبَقَرَةِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ صَغُرَتْ جِدًّا) بِأَنْ لَمْ تُقَارِبْ السُّبْعَ، قَوْلُهُ:(فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ) أَيْ بِالْقِيمَةِ، فَإِنْ أَخْلَفَ مِثْلَهُ بَعْدَ وُجُوبِ ضَمَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ قُلِعَ سِنٌّ غَيْرُ مُتَعَوِّرٍ فَنَبَتَتْ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ:(مِنْ النَّبَاتِ) أَيْ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي

ص: 478

لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الزَّرْعِ وَلَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ لِلْبَيْعِ مِمَّنْ يَعْلِفُ بِهِ لِأَنَّهُ كَالطَّعَامِ الَّذِي أُبِيحَ أَكْلُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا أَخْذَ السِّوَاكِ كَمَا سَيَأْتِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ رَعْيُ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ بِالْبَهَائِمِ، وَيَجُوزُ أَخْذُ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ بِلَا خَبْطٍ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهَا وَخَبْطُهَا حَرَامٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَنُقِلَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ ثَمَرِهَا وَعُودِ السِّوَاكِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ الْغُصْنُ اللَّطِيفُ وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلَا يُضْمَنُ، وَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ الطَّائِفِ وَنَبَاتِهِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِمَا قَطْعًا.

فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ مِنْ الْحَرَمَيْنِ أَوْ أَحْجَارٍ أَوْ مَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا كَالْأَبَارِيقِ وَغَيْرِهَا إلَى الْحِلِّ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ طِيبِ الْكَعْبَةِ، فَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ مَسَحَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ ثُمَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ضَمَانِ الْمُتَقَوِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ مُتْلَفٌ، فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الْقِيمَةُ قَوْلُهُ:(وَيَحِلُّ أَخْذُ نَبَاتِهِ) أَيْ قَلْعًا وَقَطْعًا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، أَيْ لِلْحَاجَةِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَخْذُهُ بِالْإِضْمَارِ أَيْ النَّبَاتِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي لَا يُسْتَنْبَتُ، هَكَذَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَشِيشِ لَا الشَّجَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ لَفْظِ نَبَاتٍ، إذْ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّجَرِ لِذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّعْيِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ عَامٌّ فَيَجُوزُ فِي النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ م ر وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ قَوْلُهُ:(لِعَلَفِ الْبَهَائِمِ) أَيْ عِنْدَهُ وَإِنْ ادَّخَرَ لَهَا ح ل قَوْلُهُ: (وَلِلدَّوَاءِ) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَرَضُ بِأَنْ ادَّخَرَهُ لِمَرَضٍ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمُتَّجَهِ م ر.

قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَعْلِفُ) أَيْ لِمَنْ يَعْلِفُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ) أَيْ كَالطَّعَامِ الَّذِي قُدِّمَ لِلضَّيْفِ قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) هَلْ مِثْلُهُ الْوَرَقُ وَالثَّمَرُ؟ ح ل؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُهُ قَوْلُهُ: (بِالْبَهَائِمِ) أَيْ لِأَنَّ الْهَدَايَا كَانَتْ تُسَاقُ فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا كَانَتْ تُسَدُّ أَفْوَاهُهَا قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ضَعِيفٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ حُكْمَهُ مَا تَقَدَّمَ هُوَ أَنَّهُ إذَا أَخْلَفَ مِثْلَهُ فِي سَنَتِهِ فَلَا ضَمَانَ وَإِلَّا ضَمِنَ كَمَا فِي م ر؛ قَالَ بَعْضُهُمْ:

اقْطَعْ وَلَا ضَمَانَ غُصْنَ الْحَرَمِ

إنْ مِثْلُهُ فِي الْعَامِ يُخْلِفْ فَاعْلَمْ

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ أَخْذُ نَبَاتٍ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَلَفِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّبَاتِ هُنَا مُقَابِلُ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الشَّجَرِ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:(وَجِّ الطَّائِفِ) وَهُوَ وَادٍ بِصَحْرَائِهِ ح ل. وَسُمِّيَ بِوَجِّ ابْنِ عَبْدِ الْحَيِّ مِنْ الْعَمَالِقَةِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إلَى الطَّائِفِ فَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْإِيذَاءِ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى دَمِيَتْ رِجْلَاهُ، فَجَلَسَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَأُكْرِمَ فِيهِ غَايَةَ الْإِكْرَامِ، فَأُكْرِمَ الْمَكَانُ بِتَحْرِيمِ قَطْعِ شَجَرِهِ وَقَتْلِ صَيْدِهِ. وَسُمِّيَ الطَّائِفَ لِطَوَافِ جِبْرِيلَ بِهِ سَبْعًا حَوْلَ الْبَيْتِ لَمَّا اقْتَلَعَهُ مِنْ الشَّامِ، حِينَ قَالَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 126] وَالطَّائِفُ بَلَدٌ كَثِيرُ الْفَوَاكِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ.

قَوْلُهُ: (وَنَبَاتِهِ) أَيْ التَّعَرُّضُ لَهُمَا بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ قَلْعٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (يَحْرُمُ نَقْلُ تُرَابٍ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ، فَيَنْبَغِي تَقْلِيدُهُ. وَالْأَبَارِيقُ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ طِينِ الْحَرَمِ بَلْ مِنْ طِينِ الْحِلِّ قَوْلُهُ:(وَمَا عُمِلَ مِنْ طِينِ أَحَدِهِمَا) وَلَوْ لِلْحَرَمِ الْآخَرِ.

قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى الْحَرَمِ) فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ فَأَشْبَهَ الْكَلَأَ الْيَابِسَ، وَبِالرَّدِّ تَنْقَطِعُ الْحُرْمَةُ كَدَفْنِ بُصَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَقْلُ تُرَابِ الْحِلِّ وَأَحْجَارِهِ إلَى الْحَرَمِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّهْيِ فِيهِ؛ قَالَهُ م ر خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ. وَقَوْلُهُ " لِئَلَّا يَحْدُثَ لَهُ حُرْمَةٌ " أَيْ يُعْتَقَدَ احْتِرَامُهُ، فَرُبَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَخْذِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُهُ) بَلْ يُسَنُّ تَبَرُّكًا بِهِ،

ص: 479

يَأْخُذُهُ، وَأَمَّا سِتْرُهَا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ يَصْرِفُهُ فِي بَعْضِ مَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْبِلَى وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأَمُّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَجَوَّزُوا لِمَنْ أَخَذَهُ لُبْسَهُ وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا.

(وَالْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي تَحْرِيمِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَقَطْعِ شَجَرِهِ وَالضَّمَانِ (سَوَاءٌ) بِلَا فَرْقٍ لِعُمُومِ النَّهْيِ.

(قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ فِيمَا سَبَقَ) : مَا كَانَ إتْلَافًا مَحْضًا كَالصَّيْدِ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا كَانَ اسْتِمْتَاعًا أَوْ تَرَفُّهًا كَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَمَا كَانَ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْجِمَاعِ وَالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ فِي الْجِمَاعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَفِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ الْوُجُوبُ مَعَهُمَا.

خَاتِمَةٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْمَنَاسِكِ الدَّمُ فَالْمُرَادُ بِهِ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةِ، فَتُجْزِئُ الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ دِمَاءٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا، فَلَوْ ذَبَحَهَا عَنْ دَمٍ وَاجِبٍ فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا فَلَهُ إخْرَاجُهُ عَنْهُ وَأَكْلُ الْبَاقِي إلَّا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، فَيَجِبُ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرٌ وَفِي الْمَعِيبِ مَعِيبٌ كَمَا مَرَّ بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ ق ل قَوْلُهُ: (سِتْرُهَا) بِكَسْرِ السِّينِ قَوْلُهُ: (فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ) أَيْ إنْ كُسِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ كُسِيَتْ مِنْ مَوْقُوفٍ عَلَيْهَا رُوعِيَ شَرْطُ الْوَاقِفِ إنْ عُلِمَ، وَإِلَّا اتَّبَعَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ. أَمَّا إذَا كَسَاهَا شَخْصٌ مِنْ عِنْدِهِ وَقَصَدَ تَمْلِيكَ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهَا تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْكَعْبَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الْعَارِيَّةَ رَجَعَ فِيهِ مَتَى شَاءَ، قَوْلُهُ:(بَيْعًا) بِأَنْ يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ فِي الْمَصَارِفِ. وَقَوْلُهُ " وَعَطَاءً " الْأَوْلَى " وَإِعْطَاءً " بِأَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ؛ لِأَنَّ عَطَا بِلَا هَمْزَةٍ مَعْنَاهُ أَخَذَ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ هُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَطَاءً اسْمٌ مِنْ الْإِعْطَاءِ، وَلَمْ يُعَبَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَصَادِرِ فِي الْخَارِجِ بَلْ آثَارُهَا؛ ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْمُحَشِّي. قَوْلُهُ:(وَلَوْ جُنُبًا) لَكِنَّهَا الْآنَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا قُرْآنٌ وَذِكْرٌ فَيَنْبَغِي احْتِرَامُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ اللُّبْسِ مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْقُرْآنِ؛ شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (أَوْ حَائِضًا) وَلَا يَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ أَيْضًا ق ل، أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ سِتْرِ الْكَعْبَةِ.

قَوْلُهُ: (قَاعِدَةٌ نَافِعَةٌ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

مَا كَانَ مَحْضَ مُتْلَفٍ فِيهِ الْفِدَا

وَلَوْ يَكُونُ نَاسِيًا بِلَا اعْتِدَا

وَإِنْ يَكُنْ تَرَفُّهٌ كَاللُّبْسِ

فَعِنْدَ عَمْدِهِ بِدُونِ لَبْسِ

فِي آخِذٍ مِنْ دَيْنِ يَاذَا شُبِّهَا

خُلْفٌ بِغَيْرِ الْعَمْدِ لِمَنْ يَشْتَبِهَا

فَعِنْدَ حَلْقٍ مِثْلِ قَلْمٍ يَفْتَدِي

لَا وَطْؤُهُ بِغَيْرِ عَمْدٍ اعْتَمِدْ

قَوْلُهُ: (كَالصَّيْدِ) وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ الصَّيْدِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ ق ل قَوْلُهُ: (وَالنِّسْيَانِ) وَأَمَّا قَيْدُ التَّعَمُّدِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] إلَخْ فَقَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (أَوْ تَرَفُّهًا) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فِي التَّعْبِيرِ لِأَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ قَوْلُهُ:(كَالْجِمَاعِ) فَإِنْ فِيهِ إتْلَافُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ وَاسْتِمْتَاعًا، فَأَشْبَهَ إتْلَافَ الصَّيْدِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ: (حَيْثُ أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يُوصَفْ بِشَيْءٍ يُخَصِّصُهُ، كَقَوْلِهِمْ فِي كَذَا شَاةٌ أَوْ دَمٌ ق ل قَوْلُهُ:(فَالْفَرْضُ سُبْعُهَا) أَيْ لِإِمْكَانِ التَّجَزُّؤِ بَعْدَ الذَّبْحِ، لِأَنَّ الذَّبْحَ وَاجِبٌ هُنَا بِخِلَافِ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْمُخْرَجَةِ عَنْ دَمِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ حَيْثُ يَقَعُ جَمِيعُهَا فَرْضًا لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّجَزُّؤِ مَعَ وُجُودِ الْحَيَاةِ، فَتَأَمَّلْ م د قَوْلُهُ:(بَلْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ) أَيْ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ بِخُصُوصِهِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَمَامَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ) أَيْ مِنْ

ص: 480

شَاةٍ، وَحَاصِلُ الدِّمَاءِ تَرْجِعُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَالْمَنُوطِ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَطَوَافُ الْوَدَاعِ، فَهَذِهِ الدِّمَاءُ دِمَاءُ تَرْتِيبٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الذَّبْحُ وَلَا يُجْزِئُهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْهُ، وَتَقْدِيرٍ بِمَعْنًى أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَا يَعْدِلُ إلَيْهِ بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ فَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَعْدِيلٍ، بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَتَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ سَبْعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ عَجَزَ قَوَّمَ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ ثُمَّ طَعَامٌ بِالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ فَيَتَخَيَّرُ إذَا حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ أَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ وِلَاءً بَيْنَ ذَبْحِ دَمٍ وَإِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَصَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَعَلَى دَمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ التَّطَيُّبُ وَالدَّهْنُ بِفَتْحِ الدَّالِ لِلرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَبَعْضِ شَعْرِ الْوَجْهِ عَلَى خِلَافٍ تَقَدَّمَ وَاللُّبْسُ وَمُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ وَالِاسْتِمْنَاءُ وَالْجِمَاعُ غَيْرُ الْمُفْسِدِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ يَشْتَمِلُ عَلَى دَمِ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ، فَجُمْلَةُ هَذِهِ الدِّمَاءِ عِشْرُونَ دَمًا وَكُلُّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

حَيْثُ هِيَ غَيْرُ مَا سَبَقَ هَدْيًا. قَوْلُهُ: (إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) لِأَنَّ الدَّمَ إمَّا مُخَيَّرٌ أَوْ مُرَتَّبٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فَإِمَّا مُعَدَّلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ. وَلِابْنِ الْمُقْرِي:

أَرْبَعَةُ دِمَاءِ حَجٍّ تُحْصَرُ

أَوَّلُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ

تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قُرِنَا

وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ بِمِنَى

وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ

أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ

نَاذِرُهُ يَصُومُ إنْ دَمًا فَقَدْ

ثَلَاثَةً فِيهِ وَسَبْعًا فِي الْبَلَدْ

وَالثَّانِ تَرْتِيبٌ وَتَعْدِيلٌ وَرَدْ

فِي مُحْصَرٍ وَوَطْءِ حَجٍّ إنْ فَسَدْ

إنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَهُ ثُمَّ اشْتَرَى

بِهِ طَعَامًا طُعْمَةً لِلْفُقَرَا

ثُمَّ لِعَجْزٍ عَدْلُ ذَاكَ صَوْمَا

أَعْنِي بِهِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمَا

وَالثَّالِثُ التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ فِي

صَيْدٍ وَأَشْجَارٍ بِلَا تَكَلُّفٍ

إنْ شِئْتَ فَاذْبَحْ أَوْ فَعَدْلُ مِثْلِ مَا

عَدَّلْتَ فِي قِيمَةِ مَا تَقَدَّمَا

وَخَيِّرَنْ وَقَدِّرَنْ فِي الرَّابِعِ

فَاذْبَحْهُ أَوْ جُدْ بِثَلَاثِ آصُعَ

لِلشَّخْصِ نِصْفٌ أَوْ فَصُمْ ثَلَاثًا

تَجْتَثَّ مَا اجْتَثَثْتُهُ اجْتِثَاثًا

فِي الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَلُبْسِ دُهْنِ

طِيبٌ وَتَقْبِيلٌ وَوَطْءُ ثُنِّيَ

أَوْ بَيْنَ تَحَلُّلَيْ ذَوِي إحْرَامِ

هَذِي دِمَاءُ الْحَجِّ بِالتَّمَامِ

وَقَوْلُهُ " ثُنِّيَ " أَيْ فُعِلَ ثَانِيًا، قَوْلُهُ تَجْتَثَّ أَيْ تَقْطَعَ مَا اجْتَثَثْتَهُ.

قَوْلُهُ: (قَدْرُ مَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) وَهُوَ الصَّوْمُ قَوْلُهُ: (بِمَا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ) أَيْ بِنِيَّةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَعَاطَى عِبَادَةً فَاسِدَةً فَيَحْرُمُ حَيْثُ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ:(أُمِرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّعْدِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي التَّقْدِيرِ لِأَنَّ فِيهِ الْعُدُولَ فَقَطْ قَوْلُهُ:(وَعَلَى دَمِ الْإِحْصَارِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: " عَلَى دَمِ الْجِمَاعِ " فَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَمَيْنِ قَوْلُهُ: (وَبَعْضُ شَعْرِ الْوَجْهِ) أَيْ عَلَى مَا اُسْتُظْهِرَ مِنْ اعْتِمَادِ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ شَعْرِ الْوَجْهِ مُلْحَقٌ بِشَعْرِ اللِّحْيَةِ قَوْلُهُ:(عِشْرُونَ) وَزَادَ ابْنُ الْمُقْرِي: دَمُ نَذْرِ الْمَشْيِ إذَا أَخْلَفَ، وَهُوَ كَدَمِ التَّمَتُّعِ ق ل قَوْلُهُ:

ص: 481

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ كَقِرَاضٍ وَشَرِكَةٍ وَعَبَّرَ بِالْبُيُوعِ دُونَ الْبَيْعِ الْمُنَاسِبِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِطَرِيقِ الِاخْتِصَارِ نَظَرًا إلَى تَنَوُّعِهِ وَتَقْسِيمِ أَحْكَامِهِ، فَإِنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَأَحْكَامُهُ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، وَالصَّحِيحُ إلَى لَازِمٍ وَغَيْرِ لَازِمٍ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ.

وَالْبَيْعُ لُغَةً مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُجْزِئُ بَعْدَ دُخُولِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُدِمَ الْمَسَاكِينُ فِي الْحَرَمِ أَخَّرَهُ) فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا جَازَ نَقْلُهُ كَالزَّكَاةِ، أَيْ إذَا عُدِمَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ لِتَخْصِيصِ الْبَلَدِ بِهَا بِخِلَافِ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:(أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى فُقَرَائِهَا قَوْلُهُ: (مِائَةَ بَدَنَةٍ) ذَبَحَ مِنْهَا بِيَدِهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأَنَابَ عَلِيًّا فِي الْبَاقِي؛ قَالُوا: وَحِكْمَةُ اقْتِصَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا ذَبَحَهُ لِأَنَّهُ مِقْدَارُ عُمْرِهِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ عَامٍ فِدَاءً ق ل. قَوْلُهُ:(أَنْ يُقَلِّدَ الْبَدَنَةَ) أَيْ بَدَنَةَ الْهَدْيِ أَيْ يَجْعَلَ فَرْدَةً مِنْ النِّعَالِ الْمَذْكُورَةِ مُعَلَّقَةً فِي عُنُقِهَا لِيَعْلَمَ وَاجِدُهَا لَوْ ضَلَّتْ أَنَّهَا مِنْ الْهَدْيِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَجْرَحُ) فَهُوَ مِنْ التَّعْذِيبِ لِحَاجَةٍ فَيَجُوزُ، وَمِثْلُهُ التَّلْطِيخُ بِالدَّمِ فَهُوَ لِحَاجَةٍ قَوْلُهُ:(لِتُعْرَفَ) أَيْ إذَا ضَاعَتْ قَوْلُهُ: (وَالْغَنَمُ لَا تُجْرَحُ) أَيْ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجُرْحِ فِيهَا قَوْلُهُ: (عُرَى الْقِرَبِ) جَمْعُ قِرْبَةٍ؛ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعُرَى أَطْرَافُهَا أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُمْسَكُ مِنْهَا كَفَمِهَا، فَيُقْطَعُ فَمُ الْقِرْبَةِ مَثَلًا وَيُعَلَّقُ بِخَيْطٍ فِي رَقَبَتِهَا. وَعَطْفُ الْآذَانِ فِي قَوْلِهِ " وَآذَانُهَا " عَلَى الْعُرَى عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَقِيلَ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَقِيلَ إنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْعُرَى؛ لِأَنَّ آذَانَهَا عِبَارَةٌ عَنْ جِلْدِ يَدَيْ الْبَهِيمَةِ الْمَسْلُوخَةِ وَجِلْدِ رِجْلَيْهَا لِأَنَّهَا تُمْسَكُ مِنْهُمَا فَتُشَبَّهُ بِآذَانِ الْقُفَّةِ، أَوْ الْمُرَادُ آذَانُ الْحَيَوَانِ الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِرَبُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْآذَانُ فِي الْقِرَبِ فَإِضَافَتُهَا إلَيْهَا لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ قَوْلُهُ:(وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ إلَخْ) أَيْ بِالتَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ بِذَلِكَ وَاجِبَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ.

ص: 482