الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمْ الْحَاضِرَةِ، أَمَّا مَنْزُوعُ الزُّبْدِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ الْكَشْكُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ مَعْرُوفٌ وَلَا الْمَخِيضُ وَلَا الْمَصْلُ وَلَا السَّمْنُ وَلَا اللَّحْمُ وَلَا مُمَلَّحٌ مِنْ الْأَقِطِ أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْيَسِيرِ فَيُجْزِئُ، لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا.
وَالْأَصْلُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ زَكَاةَ مُوَلِّيهِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيلُ بِتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ مُوَلِّيهِ كَوَلَدٍ رَشِيدٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرَانِ أَوْ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي رَقِيقٍ لَزِمَ كُلَّ مُوسِرٍ قَدْرُ حِصَّتِهِ لَا مِنْ وَاجِبِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ بَلْ مِنْ قُوتِ مَحَلِّ الرَّقِيقِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي.
فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ
أَيْ الزَّكَوَاتِ عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِشْعَارِهَا بِصِدْقِ بَاذِلِهَا، وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخَرِ الزَّكَاةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِ الْمِنْهَاجِ لَهَا تَبَعًا لِلْمُزَنِيِّ بَعْدَ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ. (وَتُدْفَعُ الزَّكَاةُ) مِنْ أَيْ صِنْفٍ كَانَ مِنْ أَصْنَافِهَا الثَّمَانِيَةِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهَا (إلَى) جَمِيعِ (الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) عِنْدَ وُجُودِهِمْ فِي مَحَلِّ الْمَالِ وَهُمْ (الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ. قَوْلُهُ: (الْمَصْلُ) هُوَ مَا سَالَ مِنْ اللَّبَنِ إذَا طُبِخَ ثُمَّ عُصِرَ وَيُقَالُ لَهُ مَصَالَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَيُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِمِشِّ الْحَصِيرِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ: (جَوْهَرَهُ) أَيْ ذَاتَهُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمِلْحِ الْيَسِيرِ أَيْ بِخِلَافِ ذِي الْمِلْحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَيُجْزِئُ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (زَكَاةَ مُوَلِّيهِ) أَيْ وَهُوَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ.
وَقُيِّدَ بِالْغِنَى لِأَجْلِ قَوْلِهِ " وَلَهُ " وَإِلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بِتَمْلِيكِهِ) أَيْ فَيَجْعَلُ الدَّفْعَ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّمْلِيكِ. قَوْلُهُ: (كَوَلَدٍ رَشِيدٍ) أَيْ إذَا لَمْ تَلْزَمْ نَفَقَتُهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَكَانَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَكَذَا الْمَمْلُوكُ وَالزَّوْجَةُ.
قَوْلُهُ: (لَا مِنْ وَاجِبِهِ) أَيْ كُلِّ مُوسِرٍ.
قَوْلُهُ: (كَمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ) يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ بِمَحَلٍّ لَيْسَ فِيهِ قُوتٌ مُجْزِئٌ وَكَانَتْ بَلَدُ السَّيِّدِ أَقْرَبَ الْبِلَادِ إلَيْهِ ز ي، أَوْ كَانَ قُوتُ بَلَدِ الرَّقِيقِ مِنْ جِنْسِ قُوتِ بَلَدِ السَّيِّدِ فَيَأْذَنُ لِرَقِيقِهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ.
[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ]
ِ جَمْعُ صَدَقَةٍ، تَشْمَلُ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ وَالْمُرَادُ الْوَاجِبَةُ. وَلَوْ قَالَ فِي قَسْمِ الزَّكَوَاتِ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (أَيْ الزَّكَوَاتِ) احْتَاجَ لَهُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَعَمُّ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَتْ) أَيْ الزَّكَوَاتُ بِذَلِكَ أَيْ الصَّدَقَاتِ قَوْلُهُ: (وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ أَيْ الْقَسْمِ؛ لَكِنَّهُ أَنَّثَ الضَّمِيرَ لِاكْتِسَابِ الْمُضَافِ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْسَبُ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّكَاةِ وَذِكْرِهَا بَعْدَ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ، وَهِيَ أَنْ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ مَالٌ يَجْمَعُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ:(مِنْ أَصْنَافِهَا الثَّمَانِيَةِ) وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ قَوْلُهُ: (إلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) أَيْ إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ فَإِنْ قَسَمَ الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ اهـ مَرْحُومِيٌّ. وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ الثَّمَانِيَةَ فِي قَوْلِهِ:
صَرَفْت زَكَاةَ الْحُسْنِ لِمَ لَا بَدَأْت بِي
…
فَإِنِّي أَنَا الْمُحْتَاجُ لَوْ كُنْت تَعْرِفُ
فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ وَغَازٍ وَعَامِلٌ
…
وَرِقُّ سَبِيلٍ غَارِمٌ وَمُؤَلَّفُ
اهـ. شَوْبَرِيٌّ: قَوْلُهُ: (وَهُمْ) فِي تَقْدِيرِهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ قَوْلُهُ: (وَالْمَسَاكِينِ) جَمْعُ مِسْكِينٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي لُغَةِ بَنِي أَسْدٍ
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِمْ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اسْتِيعَابِهِمْ، وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الصَّدَقَاتِ إلَى الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ، وَإِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ لِلْإِشْعَارِ بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَتَقْيِيدُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلْ الصَّرْفُ فِي مَصَارِفِهَا اسْتَرْجَعَ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى عَلَى مَا يَأْتِي. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ عَلَى نَظْمِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَالْأَوَّلُ الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ لَائِقٌ بِهِ يَقَعُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتْحُهَا. وَهُوَ مِنْ السُّكُونِ، كَأَنَّ الْعَجْزَ أَسْكَنَهُ أَوْ لِسُكُونِهِ إلَى النَّاسِ قَوْلُهُ:(قَدْ عُلِمَ مِنْ الْحَصْرِ) أَيْ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَيُسَمَّى قَصْرًا، وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ وَهِيَ الصَّدَقَاتُ عَلَى الْمَوْصُوفِ؛ فَالْمَعْنَى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ. وَالْمَعْنَى عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا تُصْرَفُ لِهَؤُلَاءِ لَا لِغَيْرِهِمْ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِمْ وَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِصِنْفٍ مِنْهُمْ وَلَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ.
قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ: ثَلَاثَةُ مَسَائِلَ فِي الزَّكَاةِ يُفْتَى فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ: نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ وَدَفْعُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَأَضَافَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا بِلَفْظِ فِي مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِهَا فِي الْأُولَى كَمَا اكْتَفَى بِاللَّامِ فِي الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ؟ قُلْت: لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَالْغَارِمُونَ إنَّمَا يَأْخُذَانِ لِغَيْرِهِمَا وَالْأَخِيرَيْنِ يَأْخُذَانِ لِأَنْفُسِهِمَا اهـ أج. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَاللَّامُ الْمِلْكِ لِإِطْلَاقِ مِلْكِهِمْ لِمَا يَأْخُذُونَهُ، وَفِي الْبَقِيَّةِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوهُ إنْ لَمْ يُصْرَفْ فِيمَا هُوَ لَهُ سَوَاءٌ بَقِيَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، وَأَعَادَ فِي الظَّرْفِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] إشَارَةً إلَى مُخَالَفَتِهِمَا لِمَا قَبْلَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَوَّلَيْنِ أَخَذَا لِغَيْرِهِمَا، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَأْخُذُهُ لِسَيِّدِهِ وَالْغَارِمَ لِلدَّائِنِ وَهُمَا أَيْ الْغَازِي وَابْنُ السَّبِيلِ أَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا اهـ. وَأَتَى بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِإِفَادَةِ التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ الْمَوْجُودِينَ بِهَا، قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَآخَرُونَ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ: يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ فَكَذَا هُنَا، شَرْحُ عب. وَإِنَّمَا بَدَأَ فِي الْآيَةِ بِالْفَقِيرِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.
قَوْلُهُ: (بِإِطْلَاقِ الْمِلْكِ) الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَوْلُهُ: (وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بَلْ يُشْتَرَطُ صَرْفُهُ فِيمَا أَخَذُوهُ لَهُ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمِلْكِ، وَقَوْلُهُ " فِي الْأَرْبَعَةِ " أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ:(وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ) الْمُنَاسِبُ الْإِفْرَادُ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى التَّعْرِيفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: وَأَنَا أَذْكُرُهُمْ أَيْ التَّعْرِيفَاتِ قَوْلُهُ: (مَنْ لَا مَالَ لَهُ) أَيْ عِنْدَهُ وَلَا كَسْبَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَالٌ وَلَا كَسْبٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ لَا يَلِيقُ؛ لَكِنْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ قَوْلُهُ:(لَائِقٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَحَلِّ اسْمِ لَا قَبْلَ دُخُولِهَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ الْمُنَاسِبَ تَنْوِينُ اسْمِ لَا لِأَنَّهُ مَوْصُوفٌ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُضَافِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وُصِفَ بَعْدَ دُخُولِهَا لَا قَبْلَهُ، وَخَرَجَ غَيْرُ اللَّائِقِ لِكَوْنِهِ حَرَامًا أَوْ يُزْرَى بِهِ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " وَلَا كَسْبٌ " أَيْ لَائِقٌ بِهِ حَلَالٌ يَقَعُ مَوْقِعًا أَيْ يَسُدُّ مَسَدًّا، فَخَرَجَ بِاللَّائِقِ غَيْرُهُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ؛ وَأَفْهَمَ أَنَّ أَهْلَ الْبُيُوتِ الَّذِينَ لَا يَعْتَادُونَ الْكَسْبَ بِأَيْدِيهِمْ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَخَرَجَ بِالْحَلَالِ الْحَرَامُ فَلَا أَثَرَ لَهُ. وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ حَرَامٌ وَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ وَجْهُ إحْلَالِهِ اهـ. وَالْكَسُوبُ غَيْرُ فَقِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ وَقَدَرَ عَلَيْهِ وَلَاقَ بِهِ
جَمِيعُهُمَا أَوْ مَجْمُوعُهُمَا مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهَا مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ مُمَوِّنِهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ إلَى عَشَرَةٍ وَلَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَكْتَسِبُ إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَا يَمْلِكُهُ نِصَابًا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ
. وَالثَّانِي الْمِسْكِينُ وَهُوَ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ كَسْبٌ لَائِقٌ بِهِ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ كَمَنْ يَمْلِكُ أَوْ يَكْتَسِبُ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَلَا يَكْفِيهِ إلَّا عَشَرَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ الْعُمُرُ الْغَالِبُ وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ وَمَسْكَنَتَهُ كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ كَمُكْتَسِبٍ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِنَوَافِلَ، وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا لِاشْتِغَالِهِ بِعِلْمٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَلَّ لَهُ تَعَاطِيهِ. اهـ. م ر. وَذُو الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرُهُ دَيْنًا وَلَوْ حَالًّا غَيْرُ فَقِيرٍ، فَلَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ حَتَّى يَصْرِفَ مَا مَعَهُ فِي الدَّيْنِ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ: وَلَمْ يَكْتَفِ بِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ اهـ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ:" وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (يَقَعُ جَمِيعُهُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَقَوْلُهُ " أَوْ مَجْمُوعُهُمَا " أَيْ جُمْلَتُهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ هُنَا الْأَمْرَانِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ قَوْلُهُ:(مِنْ كِفَايَتِهِ) أَيْ لِبَقِيَّةِ عُمُرِهِ الْغَالِبِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً مِنْ وِلَادَتِهِ. اهـ. ق ل. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: نَعَمْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صِغَارٌ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانَاتٌ، فَهَلْ نَعْتَبِرُهُمْ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُمْ وَبَقَاءُ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ بِالنَّظَرِ لِلْأَطْفَالِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِلَى الْأَرِقَّاءِ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ الْغَالِبَةِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ؟ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ، وَكَلَامُهُمْ يُومِئُ إلَى الْأَوَّلِ، لَكِنَّ الثَّانِيَ أَقْوَى مَدْرَكًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ حَجّ اهـ قَوْلُهُ:(وَغَيْرَهَا) أَيْ مِنْ أَثَاثِ الْبَيْتِ مَثَلًا كَحَصِيرٍ وَمِخَدَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْلِكُ) أَيْ إذَا كَانَ لَا يَكْتَسِبُ، وَقَوْلُهُ " أَوْ لَا يَكْتَسِبُ إلَخْ " أَيْ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) زَادَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَوْ غَيْرَ زَمِنٍ وَمُتَعَفِّفٍ عَنْ الْمَسْأَلَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] أَيْ غَيْرِ السَّائِلِ قَوْلُهُ: (أَوْ أَرْبَعَةً) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَمْسَةً فَمَا فَوْقُ إلَى دُونِ الْعَشَرَةِ فَمِسْكِينٌ، مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ثَمَانِيَةً) أَيْ أَوْ سِتَّةً أَوْ خَمْسَةً، وَالْمُرَادُ النِّصْفُ فَمَا فَوْقَ أَيْ دُونَ مَا يَكْفِيهِ قَوْلُهُ:(لَا يَكْفِيهِ الْعُمُرُ الْغَالِبُ) أَيْ بَقِيَّتُهُ وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً ق ل.
قَوْلُهُ: (كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ، وَقَوْلُهُ " قَرِيبٌ " أَيْ أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ أَوْ زَوْجٌ وَلَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ وَهِيَ حَامِلٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِنُشُوزٍ لَمْ تُعْطَ لِقُدْرَتِهَا عَلَى النَّفَقَةِ حَالًّا بِالطَّاعَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ سَافَرَتْ بِلَا إذْنٍ وَمَنَعَهَا أُعْطِيت مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ حَيْثُ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْعَوْدِ حَالًّا لِعُذْرِهَا وَإِلَّا فَمِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ إذَا عَزَمَتْ عَلَى الرُّجُوعِ لِانْتِهَاءِ الْمَعْصِيَةِ.
وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ الْمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ مَتْبُوعٍ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ " كِفَايَتُهُ " أَنَّ الْكَلَامَ فِي زَوْجٍ مُوسِرٍ، أَمَّا مُعْسِرٍ لَا يَكْفِي فَتَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهَا بِالْفَقْرِ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكْفِهَا مَا وَجَبَ لَهَا عَلَى الْمُوسِرِ لِكَوْنِهَا أَكُولَةً تَأْخُذُ تَمَامَ كِفَايَتِهَا بِالْفَقْرِ وَلَوْ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَنَّهُ لَوْ غَابَ زَوْجُهَا وَلَا مَالَ لَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَيْهِ وَعَجَزَتْ عَنْ الِاقْتِرَاضِ أَخَذَتْ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ. كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَفَتَاوَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُنْفِقَ لَوْ أُعْسِرَ أَوْ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ مُنْفِقًا وَلَا مَالًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أُعْطِيت الزَّوْجَةُ أَوْ الْقَرِيبُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا وَلَوْ بِالْفَقْرِ وَإِنْ أَنْفَقَهَا عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلْقَاضِي، شَرْحُ م ر مَعَ تَصَرُّفٍ، قَوْلُهُ:(أَوْ سَيِّدٍ) لَمْ يَذْكُرْ هَذَا فِي الْمَنْهَجِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الزَّكَاةِ لِمَنْ بِهِ رِقٌّ غَيْرَ الْمُكَاتَبِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمُكَاتَبُ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ لَا عَلَى السَّيِّدِ. وَقَوْلُنَا " لَا حَقَّ فِي الزَّكَاةِ " أَيْ حَتَّى تَكُونَ كِفَايَتُهُ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ مَانِعَةً مِنْ أَخْذِهَا قَوْلُهُ:(كَمُكْتَسِبٍ) تَنْظِيرٌ.
وَقَوْلُهُ " وَاشْتِغَالُهُ "
شَرْعِيٍّ يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحْصِيلُهُ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَيْضًا مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَثِيَابُهُ وَكُتُبٌ لَهُ يَحْتَاجُهَا، وَلَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ بِمَرْحَلَتَيْنِ أَوْ مُؤَجَّلٌ فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَالِهِ أَوْ يَحِلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّهُ الْآنَ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ. .
وَالثَّالِثُ الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ كَسَاعٍ يُجْبِيهَا وَكَاتِبٍ يَكْتُبُ مَا أَعْطَاهُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَقَاسِمٍ وَحَاشِرٍ يَجْمَعُهُمْ أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " كِفَايَتُهُ " أَيْ وَيَمْنَعُ فَقْرَ الشَّخْصِ وَمَسْكَنَتَهُ اشْتِغَالُهُ إلَخْ قَوْلُهُ: (لَا اشْتِغَالُهُ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ) أَيْ فَلَا يَمْنَعُ فَقْرَهُ بَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ، قِيلَ: وَمِثْلُهَا وُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَى وَالِدِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حِينَئِذٍ، قَالَ الشِّهَابُ م ر: وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّكَاةِ ظَاهِرٌ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " ظَاهِرٌ " لَعَلَّهُ مِمَّا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فِي الزَّكَاةِ، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ ز ي وُجُوبُ النَّفَقَةِ كَالزَّكَاةِ إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْعِلْمُ، وَنَصُّهَا: مِثْلُهُ أَيْ فِي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَلِيقُ بِهِ لَكِنَّهُ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ أج. وَالْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْفِقْهُ وَالتَّفْسِيرُ وَالْحَدِيثُ وَآلَاتُهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) فِيهِ تَلْمِيحٌ إلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ لَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ قَوْلُهُ: (مَسْكَنُهُ) وَإِنْ اعْتَادَ السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَلَ فِي مَوْقُوفٍ يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْأَوْجَهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْمِلْكِ بِخِلَافِ ذَاكَ، ابْنُ حَجَرٍ. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: قَوْلُهُ " مَسْكَنُهُ " أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُهُ وَلَاقَ بِهِ، فَإِنْ اعْتَادَ الْمَسْكَنَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَدْرَسَةِ وَمَعَهُ ثَمَنُ مَسْكَنٍ أَوْ لَهُ مَسْكَنٌ خَرَجَ عَنْ اسْمِ الْفَقْرِ بِمَا مَعَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُبَعْ الْمَسْكَنُ هُنَا وَبِيعَ عَلَى الْمُفْلِسِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ فَسُومِحَ فِيهَا بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، شَرْحُ عب قَوْلُهُ:(وَخَادِمُهُ) وَلَوْ لِمُرُوءَتِهِ بِأَنْ اخْتَلَّتْ مُرُوءَتُهُ بِخِدْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ شَقَّتْ عَلَيْهِ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً. اهـ. م ر قَوْلُهُ: (وَثِيَابُهُ) وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ؛ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ إفْتَاءِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ حَلِيَّ الْمَرْأَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ عَادَةً لَا يَمْنَعُ فَقْرَهَا،. اهـ. ز ي قَوْلُهُ:(وَكُتُبٌ) وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهَا، فَإِنْ تَعَدَّدَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِيعَ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا نَحْوَ مُدَرِّسٍ وَاخْتَلَفَ حَجْمُهَا ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ تَكَرَّرَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ مِنْ فَنٍّ وَاحِدٍ بَقِيَتْ كُلُّهَا لِمُدَرِّسٍ وَالْمَبْسُوطُ لِغَيْرِهِ فَيَبِيعُ الْمُوجَزَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ نُسِخَ مِنْ كِتَابٍ بَقِيَ لَهُ الْأَصَحُّ لَا الْأَحْسَنُ اهـ.
وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ تَسْهُلُ مُرَاجَعَةُ حَفَظَتِهِ، فَلَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا حَافِظَ فِيهِ تُرِكَ لَهُ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ قَوْلُهُ:(وَلَا مَالَ لَهُ غَائِبٌ) أَيْ أَوْ حَاضِرٌ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اهـ خ ض تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا تُقَرِّرُ أَنَّ الْمِسْكِينَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّى مَالِكِي السَّفِينَةِ مَسَاكِينَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنْ يَمْلِكُ مَا مَرَّ، وَهُوَ غَالِبًا يَحْصُلُ مَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ الْكِفَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «تَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ» فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَسَأَلَ الْمَسْكَنَةَ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ؛ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَاذَ مِنْ الْمَسْكَنَةِ أَيْضًا. ثُمَّ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ اللَّذَيْنِ مَرْجِعُ مَعْنَاهُمَا إلَى الْقِلَّةِ كَمَا اسْتَعَاذَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ دُونَ حَالِ الْفَقْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى دُونَ حَالَةِ الْغِنَى؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَاتَ مَكْفِيًّا بِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ وَالْمَسْكَنَةُ الَّتِي سَأَلَهَا إنْ صَحَّ حَدِيثُهَا مَعْنَاهَا التَّوَاضُعُ وَأَنْ لَا يُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْأَغْنِيَاءِ الْمُتَرَفِّهِينَ اهـ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما حَيْثُ قَالَا: الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] أَيْ لَاصِقًا أَنْفَهُ بِالتُّرَابِ؛ لَكِنْ لَا فَائِدَةَ لِلْخِلَافِ هُنَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى وَاحِدٍ بَلْ فِي نَحْوِ الْوَصِيَّةِ لِأَحْوَجَ مِنْهُمَا، شَرْحُ الْعُبَابِ. يَعْنِي أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِلْأَحْوَجِ مِنْ الْفَقِيرِ أَوْ الْمِسْكِينِ فَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ لِلْأَوَّلِ عِنْدَنَا وَلِلثَّانِي عِنْدَهُمَا اهـ.
قَوْلُهُ: (الْعَامِلُ) وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا، وَشَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَاتِ وَفِقْهُ زَكَاةٍ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَا يَأْخُذُ وَمَنْ يُؤْخَذُ، وَإِلَّا فَلَا
يَجْمَعُ ذَوِي السُّهْمَانِ لَا قَاضٍ وَوَالٍ فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِي الزَّكَاةِ بَلْ رِزْقُهُمَا فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمَرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ. .
وَالرَّابِعُ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ جَمْعُ مُؤَلَّفٍ مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ فَيَتَأَلَّفُ لِيَقْوَى إيمَانُهُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوِيَّةٌ وَلَكِنْ لَهُ شَرَفٌ فِي قَوْمِهِ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ أَوْ كَافٍ لَنَا شَرَّ مَنْ يَلِيهِ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مَانِعِي زَكَاةٍ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ إنَّمَا يُعْطَيَانِ إذَا كَانَ إعْطَاؤُهُمَا أَهْوَنَ عَلَيْنَا مِنْ جَيْشٍ يُبْعَثُ لِذَلِكَ، فَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يُعْتَبَرُ فِي إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ احْتِيَاجُنَا إلَيْهِمْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الصِّنْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، أَمَّا هُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. وَهَلْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ. .
وَالْخَامِسُ الرِّقَابُ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِغَيْرِ مُزَكٍّ فَيُعْطَوْنَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَادَاتِهِمْ أَوْ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي بِنُجُومِهِمْ، أَمَّا مُكَاتَبُ الْمُزَكِّي فَلَا يُعْطَى مِنْ زَكَاتِهِ شَيْئًا لِعَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكَهُ. .
وَالسَّادِسُ الْغَارِمُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ: مَنْ تَدَايَنَ لِنَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ طَاعَةً
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُشْتَرَطُ الْفِقْهُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَلَا مَوْلَى لَهُمَا وَلَا مُرْتَزِقًا م د وَسَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: " وَلَا تَصِحُّ لِكَافِرٍ " نَعَمْ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوَهُمْ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ اهـ، فَلَا مُنَافَاةَ.
قَوْلُهُ: (كَسَاعٍ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْحَاسِبُ قَوْلُهُ: (وَحَاشِرٍ) أَيْ جَامِعٍ قَوْلُهُ: (ذَوِي السُّهْمَانِ) جَمْعُ سَهْمٍ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَفِعْلًا اسْمًا وَفَعِيلًا وَفَعِلْ
…
غَيْرَ مُعَلِّ الْعَيْنِ فُعْلَانَ شَمِلْ
قَوْلُهُ: (لَا قَاضٍ وَوَالٍ) لِأَنَّ عَمَلَهُمَا عَامٌّ
قَوْلُهُ: (جَمْعُ مُؤَلَّفٍ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَكُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ؛ إمَّا مُؤَلَّفَةُ الْكُفَّارِ وَهُمْ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمْ أَوْ يُخَافُ شَرُّهُمْ فَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ زَكَاةٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَأَغْنَى عَنْ التَّأْلِيفِ قَوْلُهُ: (مِنْ التَّأْلِيفِ) وَهُوَ جَمْعُ الْقُلُوبِ قَوْلُهُ: (وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ نَفْسِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ. وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ " لِيَقْوَى إيمَانُهُ " وَالْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ الْإِيمَانُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، إذْ الْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ فَلَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ فَيَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ قَوْلُهُ:(أَوْ كَافٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لَهُ شَرَفٌ " أَيْ وَلَكِنْ كَافٍ إلَخْ، أَيْ وَلَكِنْ هُوَ كَافٍ إلَخْ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ:(فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ) الْأَوْلَى بِالْوَاوِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ شَيْءٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يُبْعَثُ لِذَلِكَ) أَيْ لِكِفَايَةِ شَرِّ مَنْ يَلِيهِ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مَانِعِي زَكَاةٍ قَوْلُهُ: (نَعَمْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِخِلَافِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ اهـ مَرْحُومِيٌّ
قَوْلُهُ: (وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانُوا لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُكَاتَبُ يُعْطِيهِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا يَأْخُذُهُ السَّادَةُ مِنْ الْمُكَاتَبِينَ وَاقِعٌ عَنْ جِهَةِ الدَّيْنِ لَا عَنْ جِهَةِ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهِ زَكَاةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الرِّقَابَ بِالْمُكَاتَبِينَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَفِي تَخْلِيصِ الرِّقَابِ مِنْ الرِّقِّ.
قَوْلُهُ: (كِتَابَةً صَحِيحَةً) أَيْ فِي كُلِّهِ بِخِلَافِ مُكَاتَبِ الْبَعْضِ فَلَا يُعْطِي شَيْئًا كَأَنْ أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدٍ فَعَجَزَ عَنْهُ الثُّلُثُ. اهـ. ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَبْلَ حُلُولِ النُّجُومِ) وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْحُلُولُ كَمَا اشْتَرَطَ فِي الْغَارِمِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْخَلَاصِ مِنْ الرِّقِّ أَهَمُّ وَالْغَارِمُ يُنْتَظَرُ لَهُ أَيْ يُمْهَلُ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَلَا حَبْسَ وَلَا مُلَازَمَةَ س ل قَوْلُهُ:(إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي) وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ كَسُوبًا كَالْغَارِمِ م د قَوْلُهُ: (مَعَ كَوْنِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ مِلْكَهُ، أَيْ فَلَا يَرُدُّ الْمَدِينُ إذَا أَعْطَاهُ الدَّائِنُ مِنْ الزَّكَاةِ لِيَدْفَعَهُ عَنْ الدَّيْنِ حَيْثُ يَصِحُّ؛ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ فِي الدَّيْنِ مَعَ عَوْدِ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ، شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (الْغَارِمُ) مِنْ الْغُرْمِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الدَّائِنِ أَيْضًا لِتَلَازُمِهِمَا مَرْحُومِيٌّ وَيُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أَيْ دَوَامًا قَوْلُهُ: (وَهُوَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ إجْمَالًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ. وَالثَّانِي: مَنْ
كَانَ أَوْ لَا، وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ مُبَاحٍ كَخَمْرٍ وَتَابَ وَظَنَّ صِدْقَهُ، أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ فَيُعْطَى مَعَ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى وَفَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَدَايَنَ لِمَعْصِيَةٍ وَصَرَفَهُ فِيهَا وَلَمْ يَتُبْ، وَمَا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ فَلَا يُعْطَى أَوْ تَدَايَنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أَيْ الْحَالِ بَيْنَ الْقَوْمِ كَأَنْ خَافَ فِتْنَةً بَيْنَ قَبِيلَتَيْنِ تَنَازَعَتَا فِي قَتِيلٍ لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ فَتُحْمَلُ الدِّيَةُ تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ فَيُعْطَى وَلَوْ غَنِيًّا تَرْغِيبًا فِي هَذِهِ الْمَكْرَمَةِ، أَوْ تَدَايَنَ لِضَمَانٍ فَيُعْطَى إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصِيلِ أَوْ أَعْسَرَ وَحْدَهُ، وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ. .
وَالسَّابِعُ سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَازٍ ذَكَرٌ مُتَطَوِّعٌ بِالْجِهَادِ فَيُعْطَى وَلَوْ غَنِيًّا إعَانَةً لَهُ عَلَى الْغَزْوِ.
وَالثَّامِنُ ابْنُ السَّبِيلِ وَهُوَ مُنْشِئُ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ أَوْ مُجْتَازٌ بِهِ فِي سَفَرِهِ إنْ احْتَاجَ وَلَا مَعْصِيَةَ بِسَفَرِهِ.
تَنْبِيهٌ: مَنْ عَلِمَ الدَّافِعَ مِنْ إمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ وَعَدَمِهِ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَمَنْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنْ ادَّعَى ضَعْفَ إسْلَامٍ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، أَوْ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً فَكَذَلِكَ لَا إنْ ادَّعَى عِيَالًا أَوْ تَلَفَ مَالٍ عُرِفَ أَنَّهُ لَهُ فَيُكَلَّفُ بَيِّنَةً لِسُهُولَتِهَا كَعَامِلٍ وَمُكَاتَبٍ وَغَارِمٍ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَلَّفَةِ، وَصُدِّقَ غَازٍ وَابْنُ السَّبِيلِ بِلَا يَمِينٍ، فَإِنْ تَخَلَّفَا عَمَّا أَخَذَا لِأَجْلِهِ اسْتَرَدَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَدَايَنَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ. وَالثَّالِثُ: مَنْ تَدَايَنَ لِلضَّمَانِ قَوْلُهُ: (مَنْ تَدَايَنَ لِنَفْسِهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اسْتَدَانَ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ أَوْ قُرَى ضَيْفٍ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (وَإِنْ صَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ) أَيْ وَعُرِفَ قَصْدُ الْإِبَاحَةِ مَنْهَجٌ، لَكِنْ لَا نُصَدِّقُهُ فِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ الْقَرَائِنَ. اهـ. س ل قَوْلُهُ:(أَوْ فِي غَيْرِ مُبَاحٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " فِي مُبَاحٍ " قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُ) أَيْ فِي تَوْبَتِهِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(أَوْ صَرَفَهُ فِي مُبَاحٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَتَابَ " قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ لَمْ يَحْتَجْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَالِ) تَفْسِيرٌ لِذَاتِ، وَقَوْلُهُ " بَيْنَ الْقَوْمِ " تَفْسِيرٌ لِلْبَيْنِ أَيْ الْحَالِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْقَوْمِ قَوْلُهُ:(لَمْ يَظْهَرْ قَاتِلُهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ) وَهِيَ الْإِصْلَاحُ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ الْفَقْرُ لَقَلَّتْ الرَّغْبَةُ فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى) أَيْ إنْ حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ س ل قَوْلُهُ: (إنْ أَعْسَرَ مَعَ الْأَصِيلِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا بِالضَّمَانِ قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَبَرِّعًا) بِأَنْ ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا ضَمِنَ بِالْإِذْنِ) أَيْ وَكَانَ الْأَصِيلُ مُوسِرًا، أَيْ فَلَا يُعْطَى لِأَنَّهُ يُطَالِبُ الْأَصِيلَ بِالْأَدَاءِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ أَيْ إذَا أَدَّى
قَوْلُهُ: (سَبِيلُ اللَّهِ) سَبِيلُ اللَّهِ وَضْعًا الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ لَهُ تَعَالَى ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الشَّهَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ وُضِعَ عَلَى هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا لَا فِي مُقَابِلٍ فَكَانُوا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (ابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ الشَّامِلُ لِبِنْتِ السَّبِيلِ قَوْلُهُ مُنْشِئُ سَفَرٍ مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَطَنَهُ. وَقَدِمَ اهْتِمَامًا بِهِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِيهِ، إذْ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِدَلِيلٍ هُوَ عِنْدَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الثَّانِي بِجَامِعِ احْتِيَاجِ كُلٍّ لِأُهْبَةِ السَّفَرِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " مُنْشِئُ سَفَرٍ " وَلَوْ لِنُزْهَةٍ قَوْلُهُ:(مِنْ بَلَدِ الزَّكَاةِ) أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، وَقَوْلُهُ " إنْ احْتَاجَ " قَيْدَانِ لِإِعْطَاءِ ابْنِ السَّبِيلِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ عَلِمَ) أَيْ أَوْ ظَنَّ ق ل قَوْلُهُ: (عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فَيُصْرَفُ لِمَنْ عَلِمَ اسْتِحْقَاقَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(بِلَا يَمِينٍ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةٍ لِعُسْرِ إقَامَتِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(فَكَذَلِكَ) أَيْ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَلَّا جَمَعَ الثَّلَاثَةَ لِكَوْنِ حُكْمِهَا وَاحِدًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إنَّمَا فَصَلَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ إلَّا إنْ ادَّعَى عِيَالًا إلَخْ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِهِمَا قَوْلُهُ: (عِيَالًا) جَمْعُ عَيِّلٍ بِالتَّشْدِيدِ كَجِيَادٍ جَمْعُ جَيِّدٍ ع ش وَهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ شَرْعًا قَوْلُهُ: (كَعَامِلٍ) أَيْ فَإِنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ بَيِّنَةً بِالْعَمَلِ وَالْكِتَابَةِ وَالْغُرْمِ وَالشَّرَفِ وَكِفَايَةِ الشَّرِّ لِسُهُولَةِ إقَامَتِهَا.
فَإِنْ قُلْت: إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ فَلَا عَامِلَ أَوْ الْإِمَامُ فَهُوَ عَالِمٌ بِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي حَقِّ الْعَامِلِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى عَمَلِهِ عِنْدَ إمَامٍ بَعْدَ مَوْتِ إمَامٍ قَبْلَهُ، أَوْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ أَنَا الَّذِي جَمَعْت الْأَمْوَالَ مَثَلًا وَيُقِيمُ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تَأَمَّلْ م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَخَلَّفَا) أَيْ بِأَنْ تَمْضِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَرَصَّدَا لِلْخُرُوجِ وَلَمْ يَنْتَظِرَا رُفْقَةً قَوْلُهُ: (هُنَا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ " وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِشْهَادٍ وَدَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَيَكْفِي إخْبَارُ عَدْلَيْنِ أَوْ
مِنْهُمَا مَا أَخَذَاهُ وَالْبَيِّنَةُ هُنَا إخْبَارُ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ الْبَيِّنَةِ اسْتِفَاضَةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَتَصْدِيقُ دَائِنٍ فِي الْغَارِمِ وَسَيِّدٍ لِلْمُكَاتَبِ. .
وَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ كِفَايَةَ عُمُرٍ غَالِبٍ فَيَشْتَرِيَانِ بِمَا يُعْطَيَانِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلَّانِهِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْغَازِي هَذَا فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ وَلَا تِجَارَةٍ، أَمَّا مَنْ يُحْسِنُ الْكَسْبَ بِحِرْفَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ آلَاتِهَا أَوْ بِتِجَارَةٍ فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فِيهِ مَا يَفِي رِبْحَهُ بِكِفَايَتِهِ غَالِبًا.
وَيُعْطَى مُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ لِغَيْرِ إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مَا عَجَزَا عَنْهُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِمَا.
وَيُعْطَى ابْنُ سَبِيلٍ مَا يُوَصِّلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَالَهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ مَالٌ
وَيُعْطَى غَازٍ حَاجَتَهُ فِي غَزْوِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِقَامَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَيَمْلِكُهُ فَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ، وَيُهَيَّأُ لَهُ مَرْكُوبٌ إنْ لَمْ يُطِقْ الْمَشْيَ أَوْ طَالَ سَفَرُهُ، وَمَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ إنْ لَمْ يَعْتَدْ مِثْلُهُ حَمْلَهُمَا كَابْنِ سَبِيلٍ
وَالْمُؤَلَّفَةُ يُعْطِيهَا الْإِمَامُ أَوْ الْمَالِكُ مَا يَرَاهُ. .
وَالْعَامِلُ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ
وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ كَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ يَأْخُذُ بِإِحْدَاهُمَا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ عَرَى عَنْ لَفْظِ شَهَادَةٍ، أَوْ اسْتِشْهَادٍ أَوْ دَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ (اسْتِفَاضَةٌ) أَيْ إشَاعَةٌ مِنْ قَوْمٍ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ
قَوْلُهُ: (وَيُعْطَى فَقِيرٌ) مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالْإِعْطَاءِ، وَمَا هُنَا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ فِي قَدْرِ الْمُعْطَى أَيْ قَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ، فَقَوْلُهُ " وَيُعْطَى فَقِيرٌ وَمِسْكِينٌ " أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي، فَالْكَلَامُ هُنَا فِي إعْطَاءِ الْأَفْرَادِ، وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ:" وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ وَالتَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْأَصْنَافِ " وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ الْمُسَاوِيَةِ لِكُلِّ قِسْمٍ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: وَيُعْطَى فَقِيرٌ أَيْ كُلُّ فَقِيرٍ مِنْ أَصْلِ الْقِسْمِ الَّذِي لَهُمْ مِنْ أَصْلِ الْقِسْمَةِ قَوْلُهُ: (كِفَايَةَ عُمُرٍ غَالِبٍ) أَيْ إنْ قَسَمَ الْإِمَامُ.
قَوْلُهُ: (فَيَشْتَرِيَانِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: فَيَشْتَرِيَانِ بِهِ أَيْ بِمَا أَعْطَيَاهُ عَقَارًا يَسْتَغِلَّانِهِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " فَيَشْتَرِيَانِ إلَخْ " إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَيُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ " أَنَّهُ يُعْطَى نَقْدًا يَكْفِيهِ الْعُمُرَ الْغَالِبَ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ قَوْلُهُ:(عَقَارًا) إنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ بَطَلَ اعْتِبَارُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ إذْ الْعَقَارُ يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ الْعُمُرِ الْغَالِبِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقَارَ مُخْتَلِفُ الْقِيمَةِ، فَالْمُرَادُ عَقَارٌ يَمْكُثُ بَقِيَّةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ حَجّ؛ أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ أُعْطِيَ كِفَايَةَ سَنَةٍ بِسَنَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ) أَيْ لِلْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْغَازِي) أَيْ فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا يَحْتَاجُهُ فِي الْغَزْوِ وَالْمَرْكُوبَ الَّذِي يَتَهَيَّأُ لَهُ وَمَا يَحْمِلُ زَادَهُ وَمَتَاعَهُ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (فَيُعْطَى مَا يَشْتَرِي) أَيْ شَيْئًا، وَقَوْلُهُ " مَا يُحْسِنُ " مَفْعُولُ " يَشْتَرِي " وَقَوْلُهُ " مَا يَفِي " بَدَلٌ مِنْ " مَا " الْأُولَى. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مِمَّا يُحْسِنُ، فَهُوَ بَيَانٌ لِ " مَا " مِنْ قَوْلِهِ:" مَا يَفِي رِبْحَهُ " وَتَكُونُ " مَا " مَفْعُولُ " يَشْتَرِي " عَلَى كَلَامِهِ
قَوْلُهُ: (وَغَارِمٌ لِغَيْرِ إصْلَاحِ) أَمَّا هُوَ فَيُعْطَى مَا اسْتَدَانَهُ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا هُوَ أَيْ الْغَارِمُ لِإِصْلَاحٍ، أَيْ لِدَفْعِ تَخَاصُمٍ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ فِي قَتِيلٍ مَثَلًا وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ نَحْوُ كَلْبٍ، فَيُعْطَى مَا لَمْ يُوفِ مِنْ مَالِهِ ق ل. فَالْقَتِيلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْمَالُ الْمُتْلَفُ، وَإِنْ عُرِفَ الْقَاتِلُ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ وَالْمُتْلِفُ فِي صُورَةِ الْإِتْلَافِ فَيُعْطَى إنْ حَلَّ الدَّيْنُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ يَسْتَدِينَ وَيَدْفَعَ مَا اسْتَدَانَهُ فِي تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يُوفِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَدِنْ بَلْ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ أَوْ اسْتَدَانَ وَلَمْ يَدْفَعْ مَا اسْتَدَانَهُ فِي تَسْكِينِ الْفِتْنَةِ أَوْ اسْتَدَانَ وَدَفَعَ ثُمَّ وَفَّى مِنْ مَالِهِ فَلَا يُعْطَى.
قَوْلُهُ: (مَا يُوصِلُهُ مَقْصِدَهُ) وَأَمَّا مُؤْنَةُ إيَابِهِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إنْ قَصَدَ الْإِيَابَ أُعْطِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُعْطَى مُؤْنَةَ إقَامَتِهِ الزَّائِدَةِ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِ، أَيْ الَّتِي هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ م د
قَوْلُهُ: (وَلِعِيَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " حَاجَتَهُ " وَقَوْلُهُ: " كَابْنِ سَبِيلٍ " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَيُهَيَّأُ لَهُ " قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ) نَعَمْ إنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ وَكَانَ لَهُ وَقْعٌ وَلَمْ يُقَتِّرْ اُسْتُرِدَّ، أَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا فَلَا يُسْتَرَدُّ مُطْلَقًا أَوْ كَثِيرًا وَقَتَّرَ بِخِلَافِ ابْنِ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفَاضِلُ مُطْلَقًا، وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ إذَا عَتَقَ بِغَيْرِ مَا أَخَذَهُ، وَالْغَارِمُ إذَا بَرِئَ أَوْ
وَ) يَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الْقِسْمِ إنْ أَمْكَنَ بِأَنْ قَسَمَ الْإِمَامُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَوَجَدُوا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ قَسَمَ الْمَالِكُ إذْ لَا عَامِلَ، أَوْ الْإِمَامُ وَوَجَدَ بَعْضُهُمْ وَجَبَ الدَّفْعُ (إلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ) وَتَعْمِيمُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَعَلَى الْإِمَامِ تَعْمِيمُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ وَكَذَا الْمَالِكُ إنْ انْحَصَرُوا بِالْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا أَوْ انْحَصَرُوا (وَ) لَا وَفَّى بِهِمْ الْمَالُ (لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) لِذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ الَّذِي هُوَ لِلْجِنْسِ (إلَّا الْعَامِلَ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ، وَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا إنْ حَصَلَتْ بِهِ الْكِفَايَةُ. .
وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ غَيْرَ الْعَامِلِ وَلَوْ زَادَتْ حَاجَةُ بَعْضِهِمْ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ الْإِمَامُ وَتَتَسَاوَى الْحَاجَاتُ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ.
وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ وَلَا يُجْزِئُهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اسْتَغْنَى بِذَلِكَ أَيْ بِغَيْرِ مَا أَخَذَهُ م د
قَوْلُهُ: (مَا يَرَاهُ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ؟ فَمُقْتَضَى التَّسْوِيَةِ أَنَّهُ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ مِثْلَ غَيْرِهِمْ لَا بِاجْتِهَادِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الشَّارِحِ هُنَا فِي أَفْرَادِ الْمُؤَلَّفَةِ أَيْ وَيُعْطِي كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُؤَلَّفَةِ مَا يَرَاهُ مِنْ سَهْمِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّ سَهْمَهُمْ كَسَهْمِ غَيْرِهِمْ فَلَا مُنَافَاةَ؛ فَقَوْلُهُ " وَالْمُؤَلَّفَةُ " أَيْ وَأَفْرَادُ الْمُؤَلَّفَةِ يُعْطِي الْإِمَامُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَا يَرَاهُ، فَكَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
وَقَوْلُهُ " وَالْعَامِلُ يُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ " أَيْ يُعْطَى كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِلِ كَالْقَاسِمِ وَالْحَاشِرِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مِنْ سَهْمِهِ، فَإِنْ زَادَ عَنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا كَمَّلَ مِنْ رَأْسِ مَالِ الزَّكَاةِ؛ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ
قَوْلُهُ: (صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ) أَيْ لِلزَّكَاةِ، فَخَرَجَ مَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ لِلْفَيْءِ أَيْ وَإِحْدَاهُمَا الْغَزْوُ كَغَازٍ وَهَاشِمِيٍّ فَيُعْطَى بِهِمَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(كَفَقِيرٍ وَغَارِمٍ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْغَارِمَ غَيْرُ الْفَقِيرِ، مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ؛ نَعَمْ إنْ أَخَذَ بِالْغُرْمِ شَيْئًا أَخَذَهُ غَرِيمُهُ وَبَقِيَ فَقِيرًا أُخِذَ بِالْفَقْرِ، فَالْمُمْتَنِعُ كَمَا أَفَادَهُ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا هُوَ الْأَخْذُ بِهِمَا دُفْعَةً أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ، أَمَّا مِنْ زَكَاتَيْنِ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ وَاحِدَةٍ بِصِفَةٍ وَمِنْ الْأُخْرَى بِصِفَةٍ أُخْرَى كَغَازٍ هَاشِمِيٍّ، أَيْ قِيَاسًا عَلَى غَازٍ هَاشِمِيٍّ يَأْخُذُ بِهِمَا مِنْ الْفَيْءِ كَمَا مَرَّ اهـ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ:(يَأْخُذُ بِإِحْدَاهُمَا) أَيْ بِخِيرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ) حَتَّى فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ الدَّفْعُ) أَيْ إنْ كَثُرَتْ الْأَمْوَالُ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ. وَهُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ. وَوَقَعَ فِي نُسَخٍ كِتَابَةُ الْوَاوِ مِنْ وَجَبَ بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّ الْوَاوَ جُزْءٌ مِنْ وَجَبَ لَا عَاطِفَةٌ فَالصَّوَابُ كِتَابَتُهَا بِقَلَمِ السَّوَادِ وَكِتَابَةُ الْوَاوِ فِي " وَيَجِبُ تَعْمِيمُ إلَخْ " بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ. اهـ. شَيْخُنَا قَوْلُهُ:(وَتَعْمِيمُ مَنْ وُجِدَ) هَذَا لَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: وَإِلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ " لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِي التَّعْمِيمِ، وَقَوْلُهُ " مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ " أَيْ الْأَصْنَافِ قَوْلُهُ: (وَلَا وَفَّى إلَخْ) الْمَوْجُودُ فِي الْمَتْنِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ؛ فَانْظُرْهُ مَعَ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ عَلَى عَدَمِ وَفَاءِ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا وَفَّى بِهِمْ الْمَالَ. وَقَوْلُهُ " لِذِكْرِهِ " أَيْ كُلِّ صِنْفٍ، وَقَوْلُهُ " وَهُوَ " أَيْ الْجَمْعُ الْمُرَادُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ) الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ لِصِنْفٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ سَهْمِ الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْعَامِلِ) أَمَّا هُوَ فَيُعْطَى أُجْرَةَ مِثْلِهِ؛ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قِسْمَةِ الْمَالِكِ، وَإِذَا قَسَمَ فَلَا عَامِلَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا يُقَالُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَا عَدَمُهَا. قَوْلُهُ:(وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ تَسَاوَتْ الْحَاجَاتُ قَوْلُهُ: (فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ إنْ وُجِدُوا، وَتَعْمِيمُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ مُطْلَقًا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ إنْ اسْتَوَتْ الْحَاجَاتُ. وَمِثْلُهُ الْمَالِكُ إنْ انْحَصَرُوا وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالَ، لَكِنْ
وُجُوبِهَا مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ فِي بَلَدِ وُجُوبِهَا أَوْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ وَجَبَ نَقْلُهَا أَوْ الْفَاضِلِ إلَى مِثْلِهِمْ بِأَقْرَبَ بَلَدٍ إلَيْهِ، وَإِنْ عُدِمَ بَعْضُهُمْ أَوْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ رُدَّ نَصِيبُ الْبَعْضِ أَوْ الْفَاضِلُ عَنْهُ عَلَى الْبَاقِينَ إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ، أَمَّا الْإِمَامُ فَلَهُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ نَقْلُ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا. وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُسْتَحِقُّونَ مِنْ أَخْذِهَا قُوتِلُوا.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ شَخْصٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ الْمَدْيُونُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: ادْفَعْ لِي مِنْ زَكَاتِك حَتَّى أَقْضِيَك دَيْنَك فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَدْيُونَ الدَّفْعُ إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ، وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ: اقْضِ مَا عَلَيْك لِأَرُدَّهُ عَلَيْك مِنْ زَكَاتِي فَفَعَلَ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ، فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ يَقْضِيَهُ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ بِهَا، وَلَوْ نَوَيَاهُ بِلَا شَرْطٍ جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ: جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الصَّحِيحِ حَتَّى يَقْبِضَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَدِيعَةً.
(وَخَمْسَةٌ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (إلَيْهِمْ) الْأَوَّلُ (الْغَنِيُّ بِمَالٍ) حَاضِرٍ عِنْدَهُ (أَوْ كَسْبٍ) لَائِقٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِإِسْقَاطِ الْعَامِلِ كَمَا عُرِفَ
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُهُ نَقْلُ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ وَقَعَ تَشْقِيصٌ كَعِشْرِينَ شَاةً بِبَلَدٍ وَعِشْرِينَ بِآخَرَ فَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ بِأَحَدِهِمَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:(مِنْ بَلَدِ وُجُوبِهَا) أَيْ وَقْتِ وُجُوبِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فِيهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ؛ نَعَمْ لَوْ انْحَصَرَ مُسْتَحِقُّوهَا لَمْ يَجُزْ صَرْفُهَا لِمَنْ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ بَحْثٌ ق ل. وَفِي حَاشِيَةِ خ ض: خَرَجَ بِالْمَالِكِ الْآخِذُ فَيُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَحَلِّ الزَّكَاةِ حَيْثُ وَقَعَ الْإِعْطَاءُ فِي مَحَلِّ الزَّكَاةِ شَرْحُ م ر ز ي قَوْلُهُ: (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) الْمُرَادُ إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَالْبَلَدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. فَإِذَا خَرَجَ مِصْرِيٌّ إلَى خَارِجِ بَابِ السُّوَرِ كَبَابِ النَّصْرِ لِحَاجَةٍ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ هُنَاكَ ثُمَّ دَخَلَ وَجَبَ إخْرَاجُ فِطْرَتِهِ لَفُقَرَاءِ خَارِجِ بَابِ النَّصْرِ. اهـ. ح ل. وَكَتَبَ الْمَيْدَانِيُّ: أَيْ مَحَلَّ وُجُوبِهَا بَلَدًا أَوْ قَرْيَةً أَوْ بَادِيَةً بَحْرًا أَوْ بَرًّا، حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَالْمَالُ فِي الْبَحْرِ حَرُمَ نَقْلُهَا إلَى الْبَرِّ أَوْ حَالَ الْحَوْلُ وَالْقَفْلُ مَارُّونَ فَإِنَّهُ يَجِبُ دَفْعُهَا لِمَنْ فِيهِمْ. وَقَوْلُهُ " فَإِنْ عُدِمَتْ الْأَصْنَافُ إلَخْ " مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ " قَوْلُهُ:(أَوْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ) أَيْ أَوْ لَمْ يُعْدَمُ الْبَعْضُ لَكِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ: (رَدَّ نَصِيبَ الْبَعْضِ) أَيْ فِي الْأُولَى، وَقَوْلُهُ " أَوْ الْفَاضِلِ " أَيْ فِي الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ:(إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ عَنْ كِفَايَتِهِمْ) فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ نَقَلَ ذَلِكَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ بِأَقْرَبَ بَلَدٍ قَوْلُهُ: (قُوتِلُوا) لِأَنَّ أَخْذَهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُمْ رَبَّ الْمَالِ مِنْهَا إنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا م ر؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الدُّيُونِ وَالزَّكَاةُ أَعْيَانٌ
قَوْلُهُ: (فَرْعٌ) الْفَرْعُ اصْطِلَاحًا مَا انْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيٍّ وَأَمَّا لُغَةً فَمَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ مَرْحُومِيٌّ
وَقَوْلُهُ مَا انْدَرَجَ إلَخْ كَقَامَ زَيْدٌ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَوْلِنَا الْفَاعِلُ مَرْفُوعٌ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ وَقَوْلُهُ (مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ) كَفُرُوعِ الشَّجَرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّجَرَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى فُرُوعٌ لِأَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ لَوْ كَانَ شَخْصٌ إلَخْ وَالثَّانِي وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ إلَخْ الثَّالِثُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَخْ قَوْلُهُ (فَلَوْ دَفَعَ) أَيْ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَيْ الْمَدِينِ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَشَرَطَ أَيْ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَخْ فَهَذَا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَمْ يُجْزِهِ مَا دَفَعَهُ لِلْمَدِينِ عَنْ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ) بِهَا أَيْ بِالزَّكَاةِ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ قَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَيَاهُ) أَيْ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ (بِهَا) أَيْ بِالزَّكَاةِ
قَوْلُهُ فَقَالَ أَيْ رَبُّ الدَّيْنِ قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَدِيعَةً أَيْ إذَا كَانَ الْمَالُ وَدِيعَةً عِنْدَ الْمُسْتَحِقِّ فَمَلَّكَهُ الْمَالِكُ إيَّاهُ زَكَاةً أَجْزَأَ أَيْ قَالَ الْمُودِعُ لِلْوَدِيعِ خُذْ الْمَالَ الَّذِي عِنْدَك وَدِيعَةً مِنْ زَكَاتِي فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَالدَّيْنِ بِتَعَلُّقِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ م د
قَوْلُهُ: (وَخَمْسَةٌ لَا يَجُوزُ إلَخْ) وَمِثْلُهُمْ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ قَبْضِهِمْ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا قَبْضُ الْوَلِيِّ عَنْهُمْ قَوْلُهُ:(الْغَنِيُّ بِمَالٍ إلَخْ) فَائِدَةٌ: الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. وَلَا يُنَافِيهِ دُخُولُ الْفُقَرَاءِ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ أَيْ بِمِقْدَارِ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا أَيَّامَ فِيهَا لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ الْمَفْضُولِ بِمِزْيَةٍ لَيْسَتْ فِي الْفَاضِلِ اهـ
بِهِ يَكْفِيهِ. (وَ) الثَّانِي (الْعَبْدُ) غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذْ لَا حَقَّ فِيهَا لِمَنْ بِهِ رِقٌّ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ. (وَ) الثَّالِثُ (بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ: «لَا أُحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا إنَّ لَكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيكُمْ أَوْ يُغْنِيكُمْ» أَيْ بَلْ يُغْنِيكُمْ، وَلَا تَحِلُّ أَيْضًا لِمَوَالِيهِمْ لِخَبَرِ «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . (وَ) الرَّابِعُ (مَنْ تَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ نَفَقَتُهُ) بِزَوْجِيَّةٍ أَوْ بَعْضِيًّا (لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ بِاسْمِ) أَيْ مِنْ سَهْمِ (الْفُقَرَاءِ وَ) لَا مِنْ سَهْمِ (الْمَسَاكِينِ) لِغِنَاهُمْ بِذَلِكَ وَلَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ مِنْ سَهْمِ بَاقِي الْأَصْنَافِ إذَا كَانُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكُونُ عَامِلَةً وَلَا غَازِيَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: أَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ فِي نَفَقَتِهِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَجَمَعَهُ فِي إلَيْهِمْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهُ. وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْمُزَكِّي. إذْ مَنْ يَلْزَمُ غَيْرَ الْمُزَكِّي نَفَقَتُهُ كَذَلِكَ فَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ. (وَ) الْخَامِسُ (لَا تَصِحُّ لِلْكَافِرِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» نَعَمْ، الْكَيَّالُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِرْمَاوِيٌّ. وَنِصْفُ الْيَوْمِ مِقْدَارُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] قَوْلُهُ: (حَاضِرٍ عِنْدَهُ) أَيْ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْعُمُرِ الْغَالِبِ لَخَصَّ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِ ق ل قَوْلُهُ: (إذْ لَا حَقَّ فِيهَا إلَخْ) فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ كَالْمُصَادَرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيفًا كَالْعَبَّاسِيَّةِ وَالْعَلَوِيَّةِ فَلَا يُعْطَوْنَ وَإِنْ مُنِعُوا حَقَّهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ح ل. وَالْمُرَادُ بِالْعَبَّاسِيَّةِ الْمَنْسُوبُونَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْعَلَوِيَّةِ الْمَنْسُوبُونَ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ غَيْرِ فَاطِمَةَ كَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَوْلَادِهِ؛ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْأَشْرَافَ مَنْ نُسِبُوا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ فَيَكُونُ آلُ الْبَيْتِ أَعَمَّ مِنْ الْأَشْرَافِ. وَالرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِنَا حُرْمَةُ الصَّدَقَتَيْنِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَحُرْمَةُ صَدَقَةِ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَلَى آلِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ لَا فَرْضُهَا وَلَا نَفْلُهَا، وَلَا لِمَوَالِيهِمْ إذْ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ: هَلْ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تُشَارِكُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ؟ فَذَهَبَ الْحَسَنُ إلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، وَذَهَبَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إلَى اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ دُونَهُمْ؛ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَكَالزَّكَاةِ كُلُّ وَاجِبٍ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ عَلَى أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ، كَمَا يُؤْخَذُ تَرْجِيحُ ذَلِكَ مِنْ إفْتَاءِ الْوَالِدِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ وَالْجُزْءُ الْوَاجِبُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ) أَيْ لِأَنَّ بَقَاءَهَا فِي الْأَمْوَالِ يُدَنِّسُهَا كَمَا يُدَنِّسُ الثَّوْبَ الْوَسَخُ. وَالْأَوْسَاخُ جَمْعُ وَسَخٍ وَهُوَ لُغَةً مَا يَعْلُو الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ مِنْ قِلَّةِ التَّعَهُّدِ قَوْلُهُ: (إنَّ لَكُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يَكْفِيهِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِتَمَامِهِ قَوْلُهُ:(لِمَوَالِيهِمْ) أَيْ لِعُتَقَائِهِمْ ق ل قَوْلُهُ: (لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِمْ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ تَقْيِيدٌ لِمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعَطْفِ مِنْ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِمَنْ تَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ نَفَقَتُهُ، وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا لَا بِاسْمِ الْفُقَرَاءِ وَلَا غَيْرِهِ؛ فَلِذَلِكَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ " بِاسْمِ الْفُقَرَاءِ إلَخْ " أَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُمْ؛ وَلَوْ قَالَ: بِوَصْفِ الْفُقَرَاءِ لَكَانَ أَنْسَبَ قَوْلُهُ: (وَلَا غَازِيَةً) أَيْ وَلَا مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَقْسَامِ الْمُؤَلَّفَةِ، مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ:(وَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ بِالنَّفَقَةِ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُزَكِّي هُوَ الْمُنْفِقَ عَلَيْهِ أَمْ لَا قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْكَيَّالُ) أَيْ وَالْوَزَّانُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا مَيَّزُوا بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ، فَإِنْ مَيَّزُوا الزَّكَاةَ مِنْ الْمَالِ فَأُجْرَتُهُمْ عَلَى الْمَالِكِ لَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْحَمَّالِ وَالْكَيَّالِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ هَاشِمِيًّا أَوْ مُطَّلِبِيًّا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ زَكَاةً حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَمِثْلُهُ خ ض.
وَالْحَمَّالُ وَالْحَافِظُ وَنَحْوَهُمْ يَجُوزُ كَوْنُهُمْ كُفَّارًا مُسْتَأْجَرِينَ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةٌ لَا زَكَاةٌ. .
تَنْبِيهٌ: يَجِبُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ فَوْرًا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْأَدَاءِ بِحُضُورِ مَالٍ وَآخِذٍ لِلزَّكَاةِ مِنْ إمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ، وَبِجَفَافِ تَمْرٍ وَتَنْقِيَةِ حَبٍّ وَخُلُوِّ مَالِكٍ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ، وَبِقُدْرَةٍ عَلَى غَائِبٍ قَارٍّ أَوْ عَلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ، وَبِزَوَالِ حَجْرِ فَلَسٍ وَتَقْرِيرِ أُجْرَةٍ قُبِضَتْ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَقْرِيرُ صَدَاقٍ بِمَوْتٍ أَوْ وَطْءٍ. وَفَارَقَ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ فَبِفَوَاتِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ، فَإِنْ أَخَّرَ أَدَاءَهَا وَتَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ وَلَهُ أَدَاؤُهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا إمَامٌ عَنْ مَالٍ ظَاهِرٍ فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَهُ، وَلَهُ دَفْعُهَا إلَى الْإِمَامِ بِلَا طَلَبٍ مِنْهُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ. .
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ: " لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ إلَخْ " فِيهِ قُصُورٌ إذْ الِاسْتِئْجَارُ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَأَوْلَى مِنْ كَلَامِهِ قَوْلُ ق ل. قَوْلُهُ " نَعَمْ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُونَهُ مِنْهَا أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ وَقَعَتْ إجَارَةً أَوْ لَا فَسُومِحَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الزَّكَاةِ
قَوْلُهُ: (أَدَاءُ الزَّكَاةِ) أَيْ زَكَاةِ الْمَالِ، فَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَتَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ، أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمُوَسَّعَةٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ قَوْلُهُ:(وَتَنْقِيَةِ حَبٍّ) أَيْ وَتِبْرٍ وَمَعْدِنٍ قَوْلُهُ: (كَصَلَاةٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
قَوْلُهُ: (وَبِقُدْرَةٍ عَلَى غَائِبٍ) بِأَنْ سَهَّلَ الْوُصُولَ لَهُ. وَقَوْلُهُ " قَارٍّ " احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَالِ السَّائِرِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَلَا تَجِبُ فِيهِ حَتَّى يَصِلَ إلَى مَالِكِهِ لِأَنَّهُ غَائِبٌ فَأَشْبَهَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ وَهُوَ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحِلَّ، وَهُوَ عَلَى مُوسِرٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ عَلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنٍ حَالٍّ " بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ عَلَى جَاحِدٍ وَبِهِ حُجَّةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الظَّفَرِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِ جِنْسِهِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ:(وَبِزَوَالِ حَجْرِ فَلْسٍ) أَيْ إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مُتَعَلِّقَةً بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْعَيْنِ فَيُخْرِجُهَا حَالًّا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى زَوَالِ الْحَجْرِ س ل. فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً سَائِمَةً وَمَضَى عَلَيْهَا حَوْلٌ فَالزَّكَاةُ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الشَّاةِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ الْحَجْرُ قَوْلُهُ:(وَتَقْرِيرِ أُجْرَةٍ) الْأَوْلَى وَتَقَرَّرَتْ أُجْرَةً بِالْعَطْفِ عَلَى تَمَكَّنَ، إذْ هَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى التَّمَكُّنِ لَا مِنْهُ. وَمَعْنَى تَقْرِيرِهَا أَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ سُقُوطِهَا بِأَنْ مَضَتْ الْمَنْفَعَةُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَتَقَرَّرَتْ أُجْرَةً، وَأَشَارَ فِي الشَّرْحِ إلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى تَمَكَّنَ؛ قَالَ فِي الشَّرْحِ فَلَوْ أَجَّرَهُ " دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ كُلَّ سَنَةٍ إلَّا إخْرَاجُ حِصَّةِ مَا تَقَرَّرَ مِنْهَا فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا ضَعِيفٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلزَّوَالِ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ اهـ. فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفٌ وَثُمُنٌ، وَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ يُخْرِجُ زَكَاةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفُ دِينَارٍ وَثُمُنٌ كَمَا مَرَّ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ وَهِيَ نِصْفَانِ وَثُمُنَانِ؛ فَجُمْلَةُ مَا يُخْرِجُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دِينَارٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ دِينَارٍ، وَعِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ خَمْسِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ نِصْفَانِ وَثُمُنَانِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ.
فَجُمْلَةُ مَا يُخْرِجُهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُمُنٌ، وَعِنْدَ تَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ لِسَنَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْصَافٍ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَزَكَاةَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ دِينَارٍ وَأَرْبَعَةُ أَثْمَانِهِ. اهـ. شَرْحُ الْمُحَرَّرِ وَحَوَاشِيهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الدَّنَانِيرِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَجْمُوعُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْمِائَةِ فِي السِّنِينَ الْأَرْبَعِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْمِائَةِ كُلَّ سَنَةٍ دِينَارَانِ وَنِصْفٌ لِأَنَّهَا رُبُعُ عُشْرِهَا.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّدَاقِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحَقًّا فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ، بِدَلِيلِ تَقَرُّرِهِ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قَوْلُهُ: (وَضَمِنَ) أَيْ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ أَيْ بِأَنْ يَدْفَعَ مَا كَانَ يَدْفَعُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَالِ، وَهَذَا بَعْدَ التَّمَكُّنِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ؛ وَهَذَا فِي التَّلَفِ أَمَّا إتْلَافُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا تَمَكَّنَ أَمْ لَا، بِخِلَافِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَالٍ ظَاهِرٍ) وَهُوَ مَاشِيَةٌ وَزَرْعٌ وَرِكَازٌ وَثَمَرٌ، وَالْبَاطِنُ نَقْدٌ وَمَعْدِنٌ وَعَرْضُ تِجَارَةٍ. وَأَلْحَقَ بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْيَسَارُ، وَهُوَ مِمَّا يَخْفَى.
قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ أَدَاؤُهَا لَهُ) وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ، وَيَبْرَأُ بِالدَّفْعِ لَهُ وَإِنْ قَالَ: أَنَا آخُذُهَا مِنْك وَأَصْرِفُهَا فِي الْفِسْقِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ أَدَاؤُهَا لِلْإِمَامِ وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]
وَتَجِبُ نِيَّةٌ فِي الزَّكَاةِ كَهَذَا زَكَاتِي أَوْ فَرْضُ صَدَقَتِي أَوْ صَدَقَةُ مَالِي الْمَفْرُوضَةُ، وَلَا يَكْفِي فَرْضُ مَالِي لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً وَنَذْرًا، وَلَا صَدَقَةُ مَالِي لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَافِلَةً، وَلَا يَجِبُ فِي النِّيَّةِ تَعْيِينُ مَالٍ فَإِنْ عَيَّنَهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِهِ، وَتَلْزَمُ الْوَلِيَّ عَنْ مَحْجُورِهِ، وَتَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَ عَزْلِهَا عَنْ الْمَالِ وَبَعْدَهُ وَعِنْدَ دَفْعِهَا لِإِمَامٍ أَوْ وَكِيلٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَا عِنْدَ تَفْرِيقٍ أَيْضًا، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي النِّيَّةِ وَلَا يَكْفِي نِيَّةُ إمَامٍ عَنْ الْمُزَكِّي بِلَا إذْنٍ مِنْهُ إلَّا عَنْ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَدَائِهَا فَتَكْفِي وَتَلْزَمُهُ إقَامَةً لَهَا مَقَامَ نِيَّةِ الْمُزَكِّي، وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ بِقَدْرِهَا. فَلَوْ بَاعَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا بَطَلَ فِي قَدْرِهَا إلَّا إنْ بَاعَ مَالَ تِجَارَةٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَلَا يَبْطُلُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الزَّكَاةِ الْقِيمَةُ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ.
وَسُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْمَالِ فَإِنَّ إبْدَاءَ الْفَرْضِ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:" صَدَقَةُ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلَانِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَصَدَقَةُ الْفَرْضِ عَلَانِيَتُهَا أَفْضَلُ مِنْ سِرِّهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ". وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: قَوْلُهُ: " وَهُوَ أَفْضَلُ " أَيْ إنْ كَانَ عَادِلًا فِيهَا اهـ. وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّكَاةِ سَوَاءٌ أَجَارَ فِي غَيْرِهَا أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ زِيَادِيٌّ. وَإِنَّمَا كَانَ دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ أَفْضَلَ بِقَيْدِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ، فَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيهَا فَتَفْرِيقُ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَفْضَلُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ فِي النِّيَّةِ تَعْيِينُ مَالٍ) أَيْ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ، فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبِ فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرِ، فَلَوْ كَانَ نَوَى الْمُخْرَجَ عَنْ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَاضِرِ، فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ بَانَ الْمَنْوِيُّ تَالِفًا فَعَنْ غَيْرِهِ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَتَكْفِي النِّيَّةُ إلَخْ) فَلَوْ دَفَعَهَا بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَقَوْلُهُ " وَبَعْدَهُ " حَتَّى لَوْ اسْتَقَلَّ الْمُسْتَحِقُّ بِقَبْضِهَا اعْتَدَّ بِهِ أَوْ دَفَعَهَا مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلزَّكَاةِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ اعْتَدَّ بِهِ ز ي.
قَوْلُهُ: (تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ) وَإِنَّمَا جَازَ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِبِنَاءِ أَمْرِهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْإِرْفَاقِ؛ وَالْوَاجِبُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَشَاةٍ وَاجِبَةٍ فِي الْإِبِلِ مَلَكَ الْمُسْتَحِقُّونَ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَهَلْ الْوَاجِبُ شَاةٌ مُبْهَمَةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ؟ وَجْهَانِ، أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بَطَلَ فِي قَدْرِهَا) وَإِنْ أَبْقَى فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ، فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (أَيْضًا بَطَلَ فِي قَدْرِهَا) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَشَاةٍ فِي خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ لِلْجَهْلِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ لَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. عَنَانِيٌّ. وَقَوْلُهُ:" فِي قَدْرِهَا " أَيْ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ فِي مَسْأَلَةِ الشِّيَاهِ مَثَلًا، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَاجِبَ شَائِعٌ لَا مُبْهَمٌ، وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْقَمُولِيِّ. اهـ. سم عَلَى حَجّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، قَالَ سم: أَيْ بِأَنْ يَرُدَّ شَاةً فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْبَعِينَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَرُدُّ قَدْرَهَا مُتَمَيِّزًا لَا شَائِعًا.
إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَعْدَ رَدِّ الْمُشْتَرِي قَدْرَهَا مُتَمَيِّزًا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِ مَا بَقِيَ بِيَدِهِ فَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي جُزْءٍ مِنْ كُلِّ شَاةٍ، ثُمَّ إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا مِنْهَا انْقَلَبَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فِي جَمِيعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا عَدَا هَذِهِ الْوَاحِدَةَ. وَقَدْ يُجَابُ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ شَرِكَةُ الْمُسْتَحِقِّ ضَعِيفَةً غَيْرَ حَقِيقِيَّةٍ ضَعُفَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي كُلِّ جُزْءٍ وَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْحُكْمُ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَاحِدَةً إلَى الْبَائِعِ، أَوْ بِأَنَّ غَايَةَ الْبُطْلَانِ بَقَاءُ مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ بِجُزْءٍ مِنْ كُلِّ شَاةٍ وَهُوَ يَنْقَطِعُ بِرَدِّ شَاةٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِبْدَالِ؛ لَكِنْ قِيَاسُ أَنَّ الَّذِي يَبْطُلُ فِيهِ الْبَيْعُ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ مَثَلًا أَنَّ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ.
قَوْلُهُ: (بِلَا مُحَابَاةٍ) أَيْ مُرَاعَاةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسَامَحَةُ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. فَإِنْ بَاعَهُ بِمُحَابَاةٍ فَيَبْطُلُ فِيمَا قِيمَتُهُ قَدْرُ
يُعْلِمَ شَهْرًا لِأَخْذِ الزَّكَاةِ، وَسُنَّ أَنْ يَكُونَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَنْ يَسِمَ نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي مَحَلٍّ صُلْبٍ ظَاهِرٍ لِلنَّاسِ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَحَرُمَ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ.
تَتِمَّةٌ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلِذِي الْقُرْبَى لَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَحِلُّ لِكَافِرٍ وَدَفْعُهَا سِرًّا وَفِي رَمَضَانَ، وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ كَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ فَجَارٌ قَرِيبٌ فَأَقْرَبُ أَفْضَلُ، وَيَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ نَفَقَةٍ وَغَيْرِهَا لِمُمَوِّنِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَظُنُّ لَهُ وَفَاءً لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَتُسَنُّ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِنَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ وَفَصْلِ كِسْوَتِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ إنْ صَبَرَ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِلَّا كُرِهَ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ. وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي رَمَضَانَ وَأَمَامَ الْحَاجَاتِ وَعِنْدَ كُسُوفٍ وَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَحَجٍّ وَجِهَادٍ، وَفِي أَزْمِنَةٍ وَأَمْكِنَةٍ فَاضِلَةٍ كَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامِ الْعِيدِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَخُصَّ بِصَدَقَتِهِ أَهْلَ الْخَيْرِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَلَوْ كَانَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» وَقَالَ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَمَنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كُرِهَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَيَبْطُلُ بِهِ ثَوَابُهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُحِبُّهُ قَالَ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
الزَّكَاةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ، ابْنُ حَجَرٍ. كَأَنْ بَاعَ مَا يُسَاوِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي رُبُعِ عُشْرِ الْمُحَابِي بِهِ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ مِثْقَالٍ مِنْ الْعِشْرِينَ النَّاقِصَةِ مِنْ ثَمَنِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسِمَ) مِنْ الْوَسْمِ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ الْكَيُّ بِالنَّارِ، وَهُوَ جَائِزٌ لِحَاجَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَكَذَا خِصَاءُ صِغَارِ الْمَأْكُولِ لِإِكْبَارِهِ وَلَا غَيْرِ الْمَأْكُولِ.
قَوْلُهُ: (نَعَمَ زَكَاةٍ وَفَيْءٍ) خَرَجَ نَعَمُ غَيْرِهَا، فَوَسْمُهُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ وَلَا مَكْرُوهٌ؛ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ سم: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَإِلَّا حَرُمَ.
قَوْلُهُ: (صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ) وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُحَرِّمُهَا كَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ آخِذِهَا أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَرَادَ بِالتَّطَوُّعِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ " سُنَّةٌ " وَسَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالسُّنَّةِ عَنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ س ل عَلَى الْمَنْهَجِ: وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ دِرْهَمِ الْقَرْضِ، لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ:«وَمَنْ أَقْرَضَ مُسْلِمًا دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ صَدَقَةٍ مَرَّةً» وَلَا يُعَارِضُهُ مَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ فَقُلْت: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ» لِأَنَّ الْخَبَرَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَانْفَرَدَ بِالثَّانِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْقَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الِابْتِدَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ صَوْنِ وَجْهِ مَنْ لَمْ يَعْتَدْ السُّؤَالَ، وَالصَّدَقَةُ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ رَدِّ الْمُقَابِلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَشَرَةَ الصَّدَقَةِ أَكْبَرُ مِنْ الثَّمَانِيَة عَشَرَ وَإِنْ كَانَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ أَكْثَرَ عَدَدًا كَمَا قَالُوهُ فِي الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالسَّبْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلِنَحْوِ قَرِيبٍ) سَوَاءٌ أَلْزَمْت الدَّافِعَ نَفَقَتَهُ أَمْ لَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ بِمَا يَحْتَاجُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَاقَةِ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] قَوْلُهُ: (وَفَصْلَ كِسْوَتِهِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَنْصُوبٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الظَّرْفِ. قَوْلُهُ: (وَوَفَاءِ دَيْنِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِنَفْسِهِ ". قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كُرِهَ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ) وَهُوَ تَعْدَادُ النِّعَمِ عَلَى الْمُنْعَمَ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ لِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ لَمْ يُطْلَبْ تَرْكُهُ كَأَنْ وَجَدَ مِنْ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ سَبًّا لِلْمُنْعِمِ فَذَكَرَهَا لَهُ لِيَكُفَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَنُّ مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مَحْمُودٌ ق ل.