الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ
بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ وَهُوَ مِنْ جَنَزَهُ يَجْنِزُهُ إذَا سَتَرَهُ، وَلَمَّا اشْتَمَلَ هَذَا الْفَصْلُ عَلَى الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ فَقَالَ:(وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ غَيْرِ الشَّهِيدِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ: الْأَوَّلُ (غُسْلُهُ) إذَا تُيُقِّنَ مَوْتُهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحْلُولَ الْإِزَارِ، إذْ لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدَةٍ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُمَا، بَلْ يَخْلَعُهُمَا أَوْ يَلْبَسُهُمَا لِيَعْدِلَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَلِئَلَّا يَخْتَلَّ مَشْيُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ لُبْسًا وَيَسَارَهُ خَلْعًا وَأَنْ يَخْلَعَ نَحْوَ نَعْلَيْهِ إذَا جَلَسَ وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ وَبِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا، وَوَرَدَ:" امْشُوا حُفَاةً " وَفِي آخَرَ: " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَشَى حَافِيًا " وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبُ الْحَفَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَصْدِ التَّوَاضُعِ حَيْثُ أَمِنَ مُؤْذِيًا وَمُنَجِّسًا وَلَوْ احْتِمَالًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْحَفَاءُ مُخِلًّا بِمُرُوءَتِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الشَّهَادَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
[فَصْلٌ فِي الْجِنَازَةِ]
ِ أَيْ بَيَانِ حَقِيقَتِهَا وَحُكْمِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا وَمَا يُطْلَبُ فِيهَا وَمَا لَا يُطْلَبُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْمُعَامَلَاتِ أَوْ عِنْدَ الْجِهَادِ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَهَمُّ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ الصَّلَاةَ ذَكَرَ عَقِبَهَا.
قَوْلُهُ: (لُغَتَانِ) وَقِيلَ بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، وَبِالْكَسْرِ: لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ لِلْأَسْفَلِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: أَصُلِّيَ عَلَى هَذِهِ الْجِنَازَةِ وَأَتَى بِالْجِيمِ مَكْسُورَةً لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَكْسُورَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ، كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ الصِّحَّةُ إذَا أَرَادَ الْمَيِّتَ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظٍ مَجَازِيٍّ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ: وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَة بِكَسْرِ الْجِيمِ صَحَّتْ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا النَّعْشَ اهـ قُلْت: وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيِّ، إذْ كَلَامُ الْقَاضِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْمَيِّتَ وَكَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ النَّعْشَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَيِّتِ فَلَا يَصِحُّ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَتَغْلِيبًا لِلْمُبْطِلِ.
قَوْلُهُ: (اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ إلَخْ) لَكِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي قَدْ هُجِرَتْ وَصَارَتْ الْجِنَازَةُ اسْمًا لِلْمَيِّتِ مُطْلَقًا؛ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ النِّيَّةُ الْمُطْلَقَةُ ق ل.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَرِيرٌ وَنَعْشٌ) وَلِسَانُ حَالِهِ يَقُولُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِابْنِ آدَمَ:
اُنْظُرْ إلَيَّ بِعَقْلِك
…
أَنَا الْمُهَيَّا لِنَقْلِك
أَنَا سَرِيرُ الْمَنَايَا
…
كَمْ سَارَ مِثْلِي بِمِثْلِك
قَالَ الشَّاعِرُ فِي الْمَعْنَى:
وَإِذَا حَمَلْتَ إلَى الْقُبُورِ جِنَازَةً
…
فَاعْلَمْ بِأَنَّك بَعْدَهَا مَحْمُولُ
وَإِذَا وَلِيتَ لِأَمْرِ قَوْمٍ مَرَّةً
…
فَاعْلَمْ بِأَنَّك عَنْهُمْ مَسْئُولُ
اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جَنَزَهُ) بَابُهُ ضَرَبَ فَجَنَّ وَجَنَزَ بِمَعْنَى سَتَرَ؛ وَلِذَا سُمِّيَتْ بِهِ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ عَنَّا كَمَا ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَعِبَارَةُ الَأُجْهُورِيُّ:
قَوْلُهُ " مِنْ جَنَزَهُ " أَيْ عَلَى سَائِرِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا، إذْ السَّتْرُ حَاصِلٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ النَّعْشَ سَاتِرٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمَيِّتُ مَسْتُورٌ بِهِ اهـ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ:(فِي الْمَيِّتِ) فِي سَبَبِيَّةٍ أَوْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِسَبَبِهِ وَلِأَجَلِهِ. اهـ. سم فَالظَّرْفِيَّةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً
أَمَارَاتِهِ كَاسْتِرْخَاءِ قَدَمٍ وَمَيْلِ أَنْفٍ وَانْخِسَافِ صُدْغٍ، فَإِنْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ أُخِّرَ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ. وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ مَرَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ كَمَا فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، فَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ كَمَا يَلُوحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَتِهَا، وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، فَيَكْفِي غُسْلُ كَافِرٍ لَا غَرَقٌ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (الْمُسْلِمِ إلَخْ) خَرَجَ الْكَافِرُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ؛ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُؤْمِنًا وَجَبَ الدَّفْنُ وَالتَّكْفِينُ وَجَازَ الْغُسْلُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَقَالَ خ ض: حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْكَافِرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَالْغُسْلُ جَائِزٌ مُطْلَقًا، وَالتَّكْفِينُ وَالدَّفْنُ إنْ كَانَ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ وَجَبَا وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ الشَّهِيدِ) فَيَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ اثْنَانِ وَقَوْلُهُ غَيْرِ الشَّهِيدِ أَيْ وَغَيْرِ السَّقْطِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى جِهَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ) أَيْ إذَا عَلِمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ عِلْمِهِ عَنْ تَقْصِيرٍ بِأَنْ كَانَ جَارًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِمِنْ عَلِمَ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَجَارِ قَصَّرَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَالْمُخَاطَبُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ قَصَّرَ لِكَوْنِهِ بِقُرْبِهِ وَنُسِبَ فِي عَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ إلَى تَقْصِيرٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ هُوَ الْأَفْعَالُ، وَأَمَّا الْأَعْيَانُ كَثَمَنِ الْمَاءِ وَأُجْرَةِ الْغَاسِلِ وَالْكَفَنِ فَهِيَ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى مَا يَأْتِي وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
قَوْلُهُ: (إذَا تَيَقَّنَّ مَوْتُهُ إلَخْ) وَالْمَوْتُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ، وَقِيلَ: عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةَ، وَقِيلَ: عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ؛ وَهَذَا هُوَ الْأَحْسَنُ لِدُخُولِ السَّقْطِ وَإِخْرَاجِ الْجَمَادَاتِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرُدُّ عَلَيْهِ السَّقْطُ الَّذِي لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ مَيِّتٌ مَعَ أَنْ رُوحَهُ لَمْ تَدْخُلْ جَسَدَهُ حَتَّى يُقَالَ فَارَقَتْهُ وَيَرُدُّ عَلَى الثَّانِي الْجَمَادَاتُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ عَلَيْهَا مَيِّتَةٌ مَعَ قِيَامِ الْعَرَضِ بِهَا وَالرُّوحُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ كَاشْتِبَاكِ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ وَالرُّوحُ بَاقٍ لَا يَفْنَى، وَأَمَّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] فَفِيهِ تَقْدِيرٌ، أَيْ حِينَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْوَاحَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ: وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ، وَأَرْوَاحُ الْمُطِيعِينَ، وَأَرْوَاحُ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَأَمَّا أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ فَتَخْرُجُ مِنْ أَجْسَادِهَا وَتَصِيرُ عَلَى صُورَتِهَا مِثْلَ الْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَتَكُونُ فِي الْجَنَّةِ تَأْكُلُ وَتَتَنَعَّمُ وَتَأْوِي بِاللَّيْلِ إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ أَجْسَادِهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُهَا فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَدُورُ بِهَا فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ؛ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا أَرْوَاحُ الْمُطِيعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَهِيَ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ لَا تَأْكُلُ وَلَا تَتَنَعَّمُ لَكِنْ تَنْظُرُ فِي الْجَنَّةِ فَقَطْ وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْعُصَاةِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي الْهَوَاءِ وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَهِيَ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ سُودٍ فِي سِجِّينٍ، وَسِجِّينٌ تَحْتُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ مُتَّصِلَةٌ بِأَجْسَادِهَا، فَتُعَذَّبُ أَرْوَاحُهَا، فَيَتَأَلَّمُ بِذَلِكَ الْجَسَدُ كَالشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَنُورُهَا فِي الْأَرْضِ؛ كَمَا أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ مُتَنَعِّمَةٌ وَنُورُهَا مُتَّصِلٌ بِالْجَسَدِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (تَعْمِيمُ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ مَرَّةً) حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحَيِّ ر م.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) أَيْ الْحُكْمِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ) أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَنَعَتْ النَّجَاسَةُ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى الْبَدَنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَنْبَغِي نَدْبُ نِيَّةِ الْغُسْلِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ وَكَيْفِيَّتُهَا أَنْ يَنْوِيَ نَحْوَ أَدَاءِ الْغُسْلِ عَنْهُ أَوْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَوْ يُمِّمَ بَدَّلَ الْغُسْلِ فَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي أَصْلِهِ، شَيْخُنَا: قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ: إنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ، وَقَالَ مَالِكٌ
بِغُسْلِهِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا، وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي خِلْوَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ وَالْوَلِيُّ، وَفِي قَمِيصٍ بَالٍ أَوْ سَخِيفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، عَلَى مُرْتَفِعٍ كَلَوْحٍ لِئَلَّا يُصِيبُهُ الرَّشَّاشُ بِمَاءٍ بَارِدِ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ كَوَسَخٍ أَوْ بَرْدٍ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ الْغَاسِلُ عَلَى الْمُرْتَفِعِ بِرِفْقٍ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نَقْرَةِ قَفَاهُ لِئَلَّا تَمِيلَ رَأْسُهُ، وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ بِرُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ بِمُبَالَغَةٍ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ، ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِخِرْقَةٍ مَلْفُوفَةٍ عَلَى يَسَارِهِ سَوْأَتَيْهِ، ثُمَّ يُلْقِيهَا وَيَلُفُّ خِرْقَةً أُخْرَى عَلَى الْيَدِ وَيُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِوُجُوبِهَا وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِلَا نِيَّةٍ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْغَاسِلَ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ؛ وَلَوْ قُلْنَا إنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا النَّظَافَةُ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَلَا يَكُونُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا بِنِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (غُسْلُ كَافِرٍ) وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ م د.
قَوْلُهُ: (لَا غَرَقٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " غُسْلٌ " أَيْ لَا يَكْفِي غَرَقٌ عَنْ الْغُسْلِ وَهَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " تَعْمِيمٌ " الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَالْغَرَقُ لَا فِعْلَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّا مَأْمُورُونَ) أَيْ مُعَاشِرَ الْمُكَلَّفِينَ قَوْلُهُ: (إلَّا بِفِعْلِنَا) أَيْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَمَجْنُونٍ، وَيَكْفِي غُسْلُ الْجِنِّ وَتَغْسِيلُ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ كَرَامَةً لَا تَغْسِيلُ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَكْفِي أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الثَّقَلَانِ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَوْ شَاهَدْنَا الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنَّا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا السَّتْرُ وَالْمُوَارَاةُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعَبُّدُ أَيْ الطَّلَبُ عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ نَفْسَهُ كَرَامَةَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ غَيْرُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا خُوطِبَ غَيْرُهُ لِعَجْزِهِ أَيْ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَتَى بِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ اُكْتُفِيَ بِهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى وُجُودِهِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَتَنَا فَاطِمَةَ لَمَّا عَلِمَتْ بِنُورِ الْكَشْفِ أَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ غَسَلَتْ نَفْسَهَا وَتَطَيَّبَتْ وَتَجَمَّلَتْ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهَا وَقَالَتْ: فَلَا تَغْسِلُونِي فَإِنِّي مَقْبُوضَةٌ الْآنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنَّا لِأَنَّ قَوْلَهَا " لَا تَغْسِلُونِي " مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَحُكِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ غَسَلَ نَفْسَهُ كَرَامَةً، كَمَا نُقِلَ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ سم: وَلَوْ مَاتَ مَوْتًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ جُهِّزَ ثُمَّ أُحْيِيَ حَيَاةً حَقِيقِيَّةً ثُمَّ مَاتَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ تَجْهِيزٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهُّمَ.
1 -
قَوْلُهُ: (وَالْوَلِيُّ) قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيّ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَمُرَادُهُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدُّ عَلَى الْعَمِّ أَوْ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَدْلَى بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْ الْأَقْرَبِ هُنَا مَنْ أَدْلَى بِجِهَتَيْنِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِجِهَةٍ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَفِي قَمِيصٍ) أَيْ وَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِهِ صلى الله عليه وسلم نَادَاهُمْ مُنَادٍ قِبَلَ دَاخِلِ الْبَيْتِ: لَا تَنْزِعُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَمِيصَهُ، وَادِّعَاءُ الْخُصُوصِيَّةِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ثُمَّ إنْ اتَّسَعَ كُمُّهُ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَتَقَ دَخَارِيصَهُ، فَإِنْ فَقَدَ الْقَمِيصَ وَجَبَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (أَوْ سَخِيفٍ) أَيْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ أَوَّلَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ اهـ شَرْحُ م ر اهـ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مُرْتَفَعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: " يُغْسَلُ فِي خَلْوَةٍ " وَكَذَا قَوْلُهُ " بِمَاءٍ بَارِدٍ ".
قَوْلُهُ: (بَارِدٍ) أَيْ مَالِحٍ لَا عَذْبٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَرَدٍ) أَيْ بِالْغَاسِلِ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَيْهِمَا إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَاءَ يُؤْذِيهِ لِشِدَّةِ بَرْدِهِ اهـ ز ي؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ.
قَوْلُهُ: (مَائِلًا) لِيَسْهُلَ خُرُوجُ مَا فِي بَطْنِهِ أَيْ لِأَنَّ اعْتِدَالَهُ قَدْ يَحْبِسُ مَا فِي بَطْنِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَضَعُ) أَيْ الْغَاسِلُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ أَيْ الْمَيِّتِ.
قَوْلُهُ: (بِمُبَالَغَةٍ) أَيْ بِتَكْرَارٍ لَا بِشِدَّةِ اعْتِمَادٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (مَا فِيهِ) أَيْ بَطْنِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْبَطْنَ مُذَكَّرٌ كَكُلِّ عُضْوٍ مُفْرَدٍ كَالرَّأْسِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُضْجِعُهُ) أَيْ مُسْتَلْقِيًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِقَفَاهُ " بِمَعْنَى " عَلَى ".
قَوْلُهُ: (مَلْفُوفَةٍ) أَيْ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ لِجَوَازِ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ فِيهِمَا ق ل، فَيَحْرُمُ فِي غَيْرِ
وَمَنْخِرَيْهِ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ، ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ فَلِحْيَتِهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ، وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُمَا إنْ تَلَبَّدَ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ، وَيَرُدُّ الْمُنْتَتِفَ مِنْ شَعْرِهِمَا إلَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرَ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي قَفَاهُ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَحْوِ سِدْرٍ، ثُمَّ يُزِيلُهُ بِمَاءٍ مِنْ فَوْقِهِ إلَى قَدَمَيْهِ، ثُمَّ يَعُمُّهُ كَذَلِكَ بِمَاءٍ قَرَاحٍ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ كَمَا سَيَأْتِي بِحَيْثُ لَا يُغَيِّرُ الْمَاءَ. فَهَذِهِ الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ غَسْلَةٌ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
الزَّوْجَيْنِ مَسُّ مَا بَيْنَ سُرَّةِ الْمَيِّتِ وَرُكْبَتِهِ وَكَذَا النَّظَرُ، وَيُكْرَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ وَبَاقِي عَوْرَتِهِ ح ل وَسُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَسُوءُهُ كَشْفُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَيَلُفُّ خِرْقَةً إلَخْ) بَعْدَ غَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ أَوْ نَحْوِهِ إنْ تَلَوَّثَتْ؛ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لَفَّ الشَّيْءَ مِنْ بَابِ رَدَّ فَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ فِي الْمُضَارِعِ.
قَوْلُهُ: (وَيُنَظِّفُ أَسْنَانَهُ) بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدِ الْيُسْرَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ يُزِيلُ مَا فِي أَنْفِهِ بِيَسَارِهِ شَرْحُ م ر وَفَارَقَ الْحَيَّ حَيْثُ يَتَسَوَّكُ بِالْيَمِينِ لِلْخِلَافِ، أَيْ لِيُخَالِفَ الْمَيِّتُ الْحَيَّ؛ وَلِأَنَّ الْقَذَرَ ثَمَّ لَا يَتَّصِلُ بِالْيَدِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ لِئَلَّا يَسْبِقَ الْمَاءُ إلَى جَوْفِهِ فَيَسْرَعُ فَسَادُهُ وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ وَكَانَ يَلْزَمُهُ طُهْرُهُ وَتَوَقَّفَ عَلَى فَتْحِ أَسْنَانِهِ اتَّجَهَ فَتْحُهَا وَإِنْ عُلِمَ سَبْقُ الْمَاءِ إلَى جَوْفِهِ وَلَا تُكْسَرُ أَسْنَانُهُ لَوْ تَوَقَّفَتْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَلَى كَسْرِهَا لِمَا قَالُوهُ فِيمَنْ مَاتَ غَيْرَ مَخْتُونٍ وَتَحْتَ قُلْفَتِهِ نَجَاسَةٌ تَوَقَّفَتْ إزَالَتُهَا عَلَى قَطْعِ الْقُلْفَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا تُقْطَعُ، وَيُدْفَنُ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَدَابِغِيُّ عَنْ الَأُجْهُورِيُّ؛ وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَحْرُمُ خَتْنُهُ وَإِنْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ أَوْ تَعَذَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَ قُلْفَتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَيُيَمِّمُ عَمَّا تَحْتَهَا، وَمَحِلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَهَا نَجَاسَةٌ تَعَذَّرَ إزَالَتُهَا وَإِلَّا دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ م ر: وَعِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ: يُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْخَرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ أَشْهُرُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ وَيُقَالُ فِيهِ مُنْخُورٌ كَعُصْفُورٍ، فَفِيهِ خَمْسُ لُغَاتٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: افْتَحْ لِمِيمِ مَنْخَرٍ وِخَائِهِ وَاكْسِرْهُمَا وَضَمٍّ أَيْضًا مُعْلِنًا وَزِدْ كَمَجْلِسٍ وَعُصْفُورٍ وَقُلْ خَمْسٌ بِقَامُوسٍ أَتَتْ فَاتَّقِنًا أَمَّا مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ لَمْ نَرَهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَسْبِقَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْدَبْ فِيهِمَا مُبَالَغَةٌ وَيَتْبَعُ بِعُودٍ لَيِّنٍ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يُقَلِّمْهَا وَظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَصِمَاخَيْهِ، وَيَنْوِي بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ كَمَا فِي الْغُسْلِ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ؛ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: فَلَا يَصِحُّ يَعْنِي الْوُضُوءَ بِلَا نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْغُسْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَالنِّيَّةُ فِيهِ سُنَّةٌ وَالْوُضُوءُ سُنَّةٌ وَالنِّيَّةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُمَا) وَالْأَوْجُهُ تَقْدِيمُ تَسْرِيحِ الرَّأْسِ عَلَى اللِّحْيَةِ تَبَعًا لِلْغُسْلِ، وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ بَعْضِهِمْ. اهـ. م ر اهـ أج.
قَوْلُهُ: (بِمُشْطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الشِّينِ وَبِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ الشِّينِ أَيْضًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ مِنْ شَعْرِهِمَا إلَيْهِ) أَيْ فِي الْكَفَنِ نَدْبًا وَفِي الْقَبْرِ وُجُوبًا، فَدَفْنُهُمَا وَاجِبٌ وَجَعْلُهُمَا فِي الْكَفَنِ مَعَ الْمَيِّتِ مَنْدُوبُ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْأَيْسَرِ) أَيْ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ؛ وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ حَيًّا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ.
قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِي قَفَاهُ) مُقْتَضَاهُ خُرُوجُ الْقَفَا عَنْ الْغُسْلِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ قَفَاهُ، تَأَمَّلْ قَوْلَهُ:(بِنَحْوِ سِدْرٍ) هُوَ وَرَقُ النَّبْقِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ فَرْقِهِ) أَيْ وَسَطِ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ يُفْرَقُ فِيهِ شَعْرُ الرَّأْسِ.
قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ قَرَاحٍ) أَيْ خَالِصٍ وَهَذِهِ الْغَسْلَةُ هِيَ الْمَعْدُودَةُ وَالْمُعْتَبَرَةُ لِأَنَّ غَيْرَهَا مُتَغَيِّرٌ وَالْقَرَاحُ بِفَتْحِ الْقَافِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ؛ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ سِدْرٌ.
قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْأَغْسَالُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ إلَخْ لَا مَا يَشْمَلُ غَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، فَلَا يُنْدَبُ تَكْرَارُهُ كَمَا
وَيُسَنُّ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ كَذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ عَنْهُ. وَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْغَاسِلُ مِنْ غَيْرِ عَوْرَتِهِ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ، أَمَّا الْعَوْرَةُ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَأَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ بِخِرْقَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا، فَإِنْ رَأَى خَيْرًا سُنَّ ذِكْرُهُ أَوْ ضِدَّهُ حُرِّمَ ذِكْرُهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَبِدْعَةٍ ظَاهِرَةٍ وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ يُمِّمَ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَلَا يُكْرَهُ لِنَحْوِ جُنُبٍ غُسْلُهُ، وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ، وَلَهُ غُسْلُ حَلِيلَتِهِ مِنْ زَوْجَةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ وَلَوْ نَكَحَ غَيْرَهَا وَأَمَةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً،
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ أَوْلَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِسِدْرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَالثَّانِيَةُ مُزِيلَةٌ لَهُ، وَالثَّالِثَةُ بِمَاءٍ قَرَاحٍ فِيهِ قَلِيلُ كَافُورٍ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ) أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَتُنْدَبُ؛ لِأَنَّهُ آيِلٌ إلَى الِانْفِجَارِ وَعِنْدَ م ر وُجُوبُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا ز ي. اهـ. ق ل وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ الْخَارِجِ مِنْ الْمَيِّتِ بِغُسْلِهِ صَحَّ غُسْلُهُ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ السَّلِسِ وَهُوَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ م ر سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ " كَالْحَيِّ السَّلِسِ " قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالسَّلِسِ وُجُوبُ حَشْوِ مَحِلِّ الدَّمِ بِنَحْوِ قُطْنَةٍ وَعَصْبَةٍ عَقِبَ الْغُسْلِ وَالْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، حَتَّى وَلَوْ أُخِّرَ لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ إعَادَةُ مَا ذُكِرَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَثْرَةَ الْمُصَلِّينَ كَمَا فِي تَأْخِيرِ السَّلِسِ لِإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ) بِأَنْ يُرِيدَ مَعْرِفَةَ الْمَغْسُولِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. مَرْحُومِيَّ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْعَوْرَةُ فَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا مَرَّ ق ل قَوْله: (وَجْهُهُ) أَيْ وَجْهُ الْمَيِّتِ أَوَّلَ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ؛ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: مِنْ أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ وَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَدَامُ تَغْطِيَتُهُ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَأَى خَيْرًا) كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رَائِحَتِهِ وَقَوْلُهُ: " أَوْ ضِدَّهُ " كَسَوَادٍ وَتَغَيُّرِ رَائِحَتِهِ وَانْقِلَابِ صُورَتِهِ حُرِّمَ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد: «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مُسَاوِيهِمْ» وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَرْبَعِينَ سَيِّئَةً» وَقَوْلُهُ " إلَّا لِمَصْلَحَةٍ " كَأَنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ، فَلَا يَجِبُ سَتْرُهُ بَلْ يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِهِ لِيَنْزَجِرَ النَّاسُ عَنْهَا؛ وَالْخَبَرُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدِّثَ بِذَلِكَ عَنْ الْمُشْتَهِرِ بِبِدْعَتِهِ عِنْدَ الْمُطَّلِعِينَ عَلَيْهَا الْمَائِلِينَ إلَيْهَا لَعَلَّهُمْ يَنْزَجِرُونَ قَالَ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إذَا رَأَى مِنْ الْمُبْتَدِعِ أَمَارَةَ خَيْرٍ يَكْتُمُهَا وَلَا يُنْدَبُ لَهُ ذِكْرُهَا لِئَلَّا يُغْرِيَ بِبِدْعَتِهِ وَضَلَالَتِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ إيجَابُ الْكِتْمَانِ عِنْدَ ظَنِّ الْإِغْرَاءِ بِهَا وَالْوُقُوعِ فِيهَا بِذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " إلَّا لِمَصْلَحَةٍ " عَائِدٌ لِلْأَمْرَيْنِ. اهـ. م ر فِي الشَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ) لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَاحْتِرَاقٍ وَلَوْ غُسِلَ لَتَهَرَّى شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (يُمِّمَ) وَتُنْدَبُ النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ كَالْغُسْلِ، وَقِيلَ: تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَيَتَقَوَّى بِهَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ تَقَدُّمُ إزَالَتِهَا؛ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَتَعَذَّرَتْ إزَالَتُهَا كَالْأَقْلَفِ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر وَيَصِحُّ أَنْ يُيَمَّمَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ابْنُ حَجَرٍ وَيَجِبُ غَسْلُ بَاقِي بَدَنِهِ مَا عَدَا مَحَلَّ الْقُلْفَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ فَسْخُهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ جُنُبٍ) كَحَائِضٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْلَى بِالرَّجُلِ) أَيْ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ فَيُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الْحَلِيلَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ " وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ " أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَدْبًا إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمَ؛ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ " وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ " أَيْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ " أَوْلَى بِالرَّجُلِ " أَيْ الذَّكَرِ الْوَاضِحِ الَّذِي بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ:(وَلَهُ غَسْلُ حَلِيلَتِهِ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بَعْدَ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ " وَلَهُ غَسْلُ حَلِيلَتِهِ "، مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ " وَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِالْمَرْأَةِ " وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ " وَلِزَوْجَةٍ " مُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ:" وَالرَّجُلُ أَوْلَى بِالرَّجُلِ " فَيَكُونُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ فِي الْأَوَّلِ أَنْ لَا تَكُونَ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ) أَمَّا
وَلِزَوْجَةٍ غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ غُسْلُ زَوْجِهَا وَلَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ بِلَا مَسٍّ مِنْهَا لَهُ وَلَا مِنْهُ لَهَا، أَوْ السَّيِّدِ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ فِي الرَّجُلِ يُمِّمَ الْمَيِّتُ. نَعَمْ الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى الْكَبِيرُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَحْرَمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُغْسَلُ فَوْقَ ثَوْبِ، وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ، وَالَأَوْلَى بِالرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ ثُمَّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ إنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الرَّجْعِيَّةُ فَكَالْأَجْنَبِيَّةِ؛ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ " حَلِيلَتُهُ ".
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَ غَيْرَهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ نَكَحَ مَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ غَيْرِهَا لَا يُخِلُّ بِنِكَاحِهَا ع ش.
قَوْلُهُ: (وَأَمَةً وَلَوْ كِتَابِيَّةً) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ فَخَرَجَتْ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ وَالْوَثَنِيَّةُ وَالْمَجُوسِيَّةُ فَهُوَ فِيهِنَّ كَالْأَجْنَبِيِّ وَلَيْسَ لِلْأَمَةِ تَغْسِيلُ سَيِّدِهَا لِانْتِقَالِهَا عَنْهُ إمَّا بِالْعِتْقِ كَأُمِّ الْوَلَدِ أَوْ بِالْإِرْثِ كَالْقِنَّةِ، وَالزَّوْجِيَّةُ لَا تَنْقَطِعُ حُقُوقُهَا بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ.
قَوْلُهُ: (وَلِزَوْجَةٍ إلَخْ) لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَلَا حَقَّ لَهَا عَلَى الْأَوْجَهِ لِبُعْدِهَا عَنْ الْوِلَايَاتِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ رَجْعِيَّةٍ) أَيْ وَغَيْرِ مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَإِنْ حَلَّ نَظَرُهَا لَتَعَلَّقَ الْحَقُّ فِيهَا بِأَجْنَبِيٍّ وَشَمَلَ ذَلِكَ الزَّوْجَةَ الْمُسْلِمَةَ وَالذِّمِّيَّةَ فَتَغْسِلُ زَوْجَهَا أَيْ الذِّمِّيَّ، أَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَافِرُ لَا يُغَسِّلُ مُسْلِمًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَكَحَتْ غَيْرَهُ) بِأَنْ وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تَغْسِلَهُ لِبَقَاءِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لَهَا فَلَا يَسْقُطُ كَالْإِرْثِ.
قَوْلُهُ: (بِلَا مَسٍّ مِنْهَا لَهُ) أَيْ نَدْبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ إيعَابٌ وَقَدْ وَافَقَ م ر عَلَى جَوَازِ كُلٍّ مِنْ النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِلَا شَهْوَةٍ وَلَوْ لِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمَنَعَهُمَا بِشَهْوَةٍ وَلَوْ لِمَا فَوْقَهُمَا تَأَمَّلْ وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَلِزَوْجَةٍ " وَقَوْلُهُ " وَلَا مِنْهُ لَهَا " رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ " وَلَهُ غُسْلُ حَلِيلَتِهِ " عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ؛ قَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ: وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَوْتَ مُحَرِّمٌ لِلنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ دُونَ النَّظَرِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَوْ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَيَجُوزُ، وَمِثْلُهُ الْمَسُّ وَلَوْ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَحَلُّ جَوَازِ غُسْلِ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى غُسْلِهِ مَسٌّ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، إذْ الْخِلَافُ فِي النَّظَرِ؛ أَمَّا الْمَسُّ فَقَدْ صَرَّحَ م ر فِي بَابِ النِّكَاحِ بِحُرْمَةِ مَسِّ الْأَمْرَدِ مُطْلَقًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (أَوْ السَّيِّدُ لَهَا) لِئَلَّا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ فَقَطْ إذْ الْمَغْسُولُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ مُطْلَقًا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، أَيْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ السَّعْيُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ إذَا خُشِيَ الْفِتْنَةُ، أَيْ فَيُيَمَّمُ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (يُمِّمَ الْمَيِّتُ) بِلَا مَسٍّ، إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ الْغُسْلِ شَرْعًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّظَرِ أَوْ الْمَسِّ الْمُحَرَّمِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي ثِيَابٍ سَابِغَةٍ وَبِحَضْرَةِ نَهْرٍ مَثَلًا وَأَمْكَنَ تَعْمِيمُهَا بِهِ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا نَظَرٍ وَجَبَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُيَمَّمُ إلَّا بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التُّحْفَةِ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِنْ لَمْ تَزُلْ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَضِيَّةُ الْمَتْنِ كَكَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ خَبَثٌ، وَيُوَجَّهُ بِتَعَذُّرِ إزَالَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَحَلُّ تَوَقُّفِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَيْ وَالصَّلَاةِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَسِ إنْ أَمْكَنَتْ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى الْكَبِيرُ) أَيْ فَيُغَسِّلُهُ الْفَرِيقَانِ وَهَلْ لَهُ هُوَ تَغْسِيلُ الْفَرِيقَيْنِ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ؟ قَالَ سم: نَعَمْ؛ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى عَكْسِهِ اهـ قَالَ النَّاشِرِيُّ: إنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا غَسَّلَ الْخُنْثَى يَتَّجِهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ) قَالَ حَجّ عَلَى الْإِرْشَادِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَجْمُوعُ مِنْ قَوْلِهِ " وَيُغَسَّلُ إلَخْ " وَقَوْلُهُ " وَيُحْتَاطُ " مَنْدُوبَانِ، الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فِي ثَوْبٍ وُجُوبًا.
قَوْلُهُ: (فَوْقَ ثَوْبٍ) أَيْ فِي ثَوْبٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِالرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ إلَخْ) وَهَذِهِ أَوْلَوِيَّةُ نَدْبٍ، فَلَوْ تَقَدَّمَ الْأَبْعَدُ لَمْ يَحْرُمُ.
قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً) أَيْ جِهَةً وَفِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ دَرَجَةً لَمْ يَعْلَمْ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى الْمُعَلَّمِ.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَةِ مِنْ النَّسَبِ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ عَمٌّ شَقِيقٌ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ عَمٍّ شَقِيقٍ، ثُمَّ لِأَبٍ ح ل وَلَا يُنْظَرُ لِلْأَسَنِّ مَعَ
انْتَظَمَ بَيْتُ الْمَالِ، ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ، وَخَرَجَ بِدَرَجَةِ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ صِفَةً إذْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ، وَالْأَقْرَبُ وَالْبَعِيدُ الْفَقِيهُ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ غَيْرِ الْفَقِيهِ هُنَا عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ، وَالَأُولَى بِهَا فِي غُسْلِهَا قَرَابَاتُهَا وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ، وَهِيَ مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا، وَبَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَاتُ وَلَاءٍ فَأَجْنَبِيَّةٌ فَزَوْجٌ فَرِجَالٌ مَحَارِمُ كَتَرْتِيبِ صِلَاتِهِمْ، فَإِنْ تَنَازَعَ مُسْتَوِيَانِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالْكَافِرُ أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ. وَلِنَحْوِ أَهْلِ مَيِّتٍ كَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِ الشَّخْصِ وَذِكْرُهُ مَآثِرَهُ وَمَفَاخِرَهُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وُجُودِ الْأَفْقَهِ وَلَا لِلْأَقْرَبِ مَعَ وُجُودِ الْفَقِيهِ ح ل.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، فَيُقَدَّمُ أَبُو الْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ، ثُمَّ بَنُو الْبَنَاتِ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ الْخَالُ، ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ وَجَعْلُهُمْ هُنَا وَفِي الصَّلَاةِ: الْأَخُ لِلْأُمِّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْإِرْثِ ح ل وَبَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَام الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ أَيْ الْحُرَّةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (صِفَةٌ) فَإِنَّا لَا نُقَدِّمُ هُنَا بِالصِّفَةِ الَّتِي يُقَدِّمُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ السِّنُّ وَالْأَقْرَبِيَّةُ ح ل.
قَوْلُهُ: (إذْ الْأَفْقَهُ) أَيْ بِهَذَا الْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ وَالْأَقْرَبُ كَالْعَمِّ الْأَفْقَهِ مَعَ الْأَخِ الْأَسَنِّ مِنْهُ، فَالْعَمُّ مُقَدَّمٌ هُنَا عَلَى الْأَخِ وَالْأَخُ مُقَدَّمٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دُعَاءَ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَعِيدُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ وَقَوْلُهُ " الْفَقِيهُ " أَيْ الْأَفْقَهُ، وَقَوْلُهُ " أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ " أَيْ الْقَرِيبِ، فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَقَوْلُهُ " غَيْرُ الْفَقِيهِ " أَيْ غَيْرُ الْأَفْقَهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَقِيهِ لَا حَقَّ لَهُ وَقَوْلُهُ " عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ " أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْأَسَنَّ وَالْأَقْرَبَ يُقَدَّمَانِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَأَمَّا فِي الْغُسْلِ فَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الصَّغِيرُ عَلَى الْأَسَنِّ غَيْرِ الْأَفْقَهِ، وَيُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ الْقَرِيبُ عَلَى الْأَقْرَبِ الْغَيْرِ الْأَفْقَهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ.
قَوْلُهُ: (قَرَابَاتُهَا) فَيُقَدَّمْنَ حَتَّى عَلَى الزَّوْجِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَرَابَاتُهَا جَمْعُ قَرَابَةٍ وَهِيَ التَّعَلُّقُ وَالِارْتِبَاطُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَهَذِهِ لَا حَقَّ لَهَا فَكَانَ الْأَوْلَى قَرِيبَاتُهَا جَمْعُ قَرِيبَةٍ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي لَهَا حَقٌّ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَفْظُ قَرَابَاتٍ مِنْ كَلَامِ الْعَوَامّ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَفِيهِ أَنَّ مَحِلَّ كَوْنِ الْمَصْدَرِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ لِلتَّوْكِيدِ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدًا
…
وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأُفْرِدَا
قَوْلُهُ: (ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ ح ل.
قَوْلُهُ: (مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ) كَالْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ بِخِلَافِ بِنْتِ الْعَمِّ ح ل.
قَوْلُهُ: (فَزَوْجٌ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا م ر أج، أَيْ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحَارِمِ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَنْظُورِهِمْ، إذْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ لِجَمِيعِ بَدَنِهَا بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ النَّظَرُ لِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ وَالْأُخْتُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ، فَإِنَّهُنَّ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: إلَّا مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ " إذْ الْأَفْقَهُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (أَقْرَعَ) أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِلَّا فَنَدْبًا لِأَجَلِ قَطْعِ النِّزَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُحَرَّمْ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَافِرُ) أَيْ الْبَعِيدُ.
قَوْلُهُ: (أَحَقُّ بِقَرِيبِهِ الْكَافِرِ) أَيْ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْكَافِرِ أَيْ فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73] . اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرِيبٌ كَافِرٌ تَوَلَّاهُ الْمُسْلِمُ اط ف.
قَوْلُهُ: (وَلِنَحْوِ أَهْلِ مَيِّتٍ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر: وَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِمْ كَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ، لِخَبَرِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ وَجْهَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ مَوْتِهِ» وَلِمَا فِي الْبُخَارِيِّ: " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ " وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ لِأَهْلِهِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَيَنْبَغِي جَوَازُهُ لِغَيْرِهِمْ إذَا كَانَ صَالِحًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ صَالِحًا نُدِبَ تَقْبِيلُهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَيَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ لِنَحْوِ أَهْلِهِ وَبِهَا لِغَيْرِهِمْ؛ وَهَذَا مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ مَنْ يَحْمِلُهُ التَّقْبِيلُ عَلَى جَزَعٍ أَوْ سَخَطٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَإِلَّا حُرِّمَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَانْتِفَاءِ الْمُرُوءَةِ أَوْ يَكُونُ ثَمَّ نَحْوُ مَحْرَمِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (تَقْبِيلُ وَجْهِهِ) وَالْأَوْلَى مَحِلُّ السُّجُودِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالْإِعْلَامِ بِمَوْتِهِ) بَلْ
(وَ) الثَّانِي (تَكْفِينُهُ) بَعْدَ غُسْلِهِ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ وَكُرِهَ لِأُنْثَى نَحْوُ مُعَصْفَرٍ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُسْتَحَبُّ قَصْدُ كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ) هُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ مَصْدَرُ نَعَاهُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (مَآثِرَهُ) الْمَآثِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ نَفْسِ الْمَيِّتِ وَالْمَفَاخِرُ مَا تَتَعَلَّقُ بِنَسَبِهِ، وَالنَّعْيُ مَكْرُوهٌ وَفِي الْمُخْتَارِ: مَآثِرُهُ جَمْعُ مَأْثُرَةٍ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا: الْمَكْرُمَةُ، لِأَنَّهَا تُؤْثِرُ أَيْ تُذْكَرُ قَرْنًا عَنْ قَرْنٍ
قَوْلُهُ: (مِنْ حَرِيرٍ) وَيَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ فِي الرَّجُلِ وَالْخُنْثَى وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فِي حَقِّهِمَا أَيْضًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ ز ي فَقَوْلُهُ " وَكُرِهَ لِأُنْثَى " لَيْسَ بِقَيْدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَصْفَرِ وَمَحِلُّ حُرْمَةِ تَكْفِينِ الرَّجُلِ بِالْحَرِيرِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَاسْتَثْنَى فِي الْمَطْلَبِ قَتِيلَ الْمَعْرَكَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَالَ الْحَرْبِ ثَوْبُ حَرِيرٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُتْرَكُ إذَا لُطِّخَ بِدَمِهِ وَهَلْ الصَّبِيُّ كَالْبَالِغِ أَوْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي حَيَاتِهِ؟ وَالْأَوْجَهُ الْمَنْعُ، وَعِبَارَةُ أج: فَيَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فِي الْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْخُنْثَى وَالْبَالِغِ فَيَمْتَنِعُ تَكْفِينُهُمَا فِي الْمُزَعْفَرِ وَالْحَرِيرِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا إلَّا الْمُعَصْفَرَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ تَكْفِينُ قَرِيبِهِ الذِّمِّيِّ فِيمَا يَمْتَنِعُ تَكْفِينُ الْمُسْلِمِ فِيهِ اهـ شَرْحُ م ر وَوَقَعَ فِي حَاشِيَةِ ز ي نَقْلًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ مَنْعُ تَكْفِينِ الصَّبِيِّ فِي الْحَرِيرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَدَّمَ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الثَّوْبُ غَيْرُ الْحَرِيرِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْحَرِيرُ فَالْجِلْدُ فَالْحَشِيشُ فَالتَّطْيِينُ حَجّ؛ قَالَ سم: وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ تَعْمِيمِهِ بِنَحْوِ الطِّينِ لِوُجُوبِ التَّعْمِيمِ فِي الْكَفَنِ، وَإِذَا كُفِّنَ فِي الْحَرِيرِ اُقْتُصِرَ عَلَى ثَوْبٍ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ كَمَا قَالَهُ م ر اهـ أج قَالَ ع ش: وَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْحَرِيرَ يَجُوزُ فِي الْحَيِّ لِأَدْنَى حَاجَةٍ كَالْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَدَفْعِ الْقُمَّلِ وَمَا هُنَا أَوْلَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ مُغَالَاةٌ فِيهِ) لِخَبَرِ: «لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يَبْلَى سَرِيعًا» وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ الْمُغَالَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا، وَإِلَّا حُرِّمَتْ؛ قَالَهُ م ر وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَبْلَى سَرِيعًا وَلَا يُسْلَبُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُبَاهَاةَ إمَّا قَبْلَ الْبَلَاءِ أَوْ بَعْدَ إعَادَتِهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَيُكَفَّنُ بِالنَّجِسِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَارِيًّا إنْ لَمْ يُوجَدْ نَحْوُ طِينٍ وَسَتْرُ التَّابُوتِ كَالتَّكْفِينِ كَمَا قَالَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَعِبَارَةُ خ ض: وَجَمَعَ ع ش بَيْنَ مُقْتَضَاهُ مِنْ كَوْنِهِ يَبْلَى وَبَيْنَ مُقْتَضَى خَبَرِ: «حَسِّنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ» مِنْ أَنَّ الْكَفَنَ يَسْتَمِرُّ حَالَ التَّزَاوُرِ وَبِأَنَّهُ يُسْلَبُ سَرِيعًا بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي نُشَاهِدُهَا كَتَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، وَإِذَا تَزَاوَرُوا يَكُونُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي يُدْفَنُ بِهَا، وَأُمُورُ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا؛ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ خَبَرِ أَبِي دَاوُد أَيْضًا:«إنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: أَيْ قَبْلَ مَا يُحْشَرُ عُرْيَانًا حَافِيًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَنَ يَبْلَى فِي الْقَبْرِ كَمَا تَبْلَى الْأَجْسَادُ، فَإِذَا أُعِيدَتْ الْأَجْسَادُ عَادَتْ الْأَكْفَانُ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ الْقُبُورِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَحْشَرِ يَحْصُلُ التَّبَاهِي بِالْأَكْفَانِ، فَإِذَا وَصَلُوا إلَى الْمَحْشَرِ تَسَاقَطَتْ الْأَكْفَانُ وَحُشِرُوا حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ ثُمَّ عِنْدَ السَّوْقِ إلَى الْجَنَّةِ يُكْسَوْنَ بِحُلَلِ الْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ مِنْ يُكْسَى إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام اهـ وَلَوْ كَفَّنَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَسْرَفَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ غُرِّمَ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، فَلَوْ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمَيِّتَ وَخُذُوهُ، لَمْ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ الْكَفَنُ مُرْتَفِعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ فِي الْعَدَدِ فَلَهُمْ النَّبْشُ وَإِخْرَاجُ الزَّائِدِ؛ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُرْتَفِعِ الْقِيمَةِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ حَتَّى جَازَ النَّبْشُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؟ قُلْت: الزِّيَادَةُ فِي الثَّانِي مُتَمَيِّزَةٌ فِي نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ وَغَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ وَاحْتُرِزَ بِالْمُغَالَاةِ عَنْ تَحْسِينِهِ فِي بَيَاضِهِ وَنَظَافَتِهِ وَسُبُوغَتِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ وَدَفْنُهَا فِي ثِيَابِهَا الْمُثَمَّنَةِ وَلَوْ بِمَا يُسَاوِي أُلُوفًا مِنْ الذَّهَبِ كَالْبِشْتِ الْمُزَرْكَشِ بِالذَّهَبِ، وَفِي صِيغَتِهَا كَذَلِكَ؛ وَلَا يَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ إضَاعَةِ الْمَالِ لِأَنَّ مَحِلَّ الْحُرْمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ، وَهُوَ هُنَا إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى تَتَبَاهَى بِأَكْفَانِهِمْ وَأَيْضًا فِي هَذَا تَسْكِينٌ
حَرِيرٍ وَمُزَعْفَرٍ، وَأَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ؟ وَجْهَانِ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْأَوَّلَ، فَيَخْتَلِفُ قَدْرُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، لَا بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ الثَّانِيَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ كَالْأَذْرَعِيِّ تَبَعًا لِجُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي رَوْضِهِ فَقَالَ: وَأَقَلُّهُ ثَوْبٌ يَعُمُّ الْبَدَنَ، وَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ التَّقْرِيبِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَقَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَبَعْضُهُمْ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ كُفِّنَ بِثَوْبٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ.
وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ كُفِّنَ بِهَا لِمَا مَرَّ وَقِيلَ بِثَوْبٍ، وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى ثَوْبٍ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ أَقْيَسُ أَيْ فَيَجِبُ أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلْحُزْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَثَلًا إذَا رَأَتْ مَتَاعَ بِنْتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا يَشْتَدُّ حُزْنُهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ، وَأَنْ تَتَّفِقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا دَيْنٌ مُسْتَغْرَقٌ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْحُلِيَّ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكَفَنِ.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ لِأُنْثَى إلَخْ) وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ لِلرَّجُلِ أَيْضًا، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَفَنِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ لَوْنَ الْبَيَاضِ، وَمِنْهُ صِبَاغُ طَرَفَيْهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: " جَمِيعُ الْبَدَنِ ".
قَوْلُهُ: (صَحَّحَ) أَيْ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا بِالرِّقِّ) لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: (وَجَمَعَ) أَيْ ابْنُ الْمُقْرِي بَيْنَهُمَا، أَيْ ذَكَرَهُمَا فِي رَوْضِهِ بِلَا تَرْجِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَقَالَ إلَخْ " لَا أَنَّهُ جَمَعَ، وَقَالَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ فَمَعْنَى " وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا " أَيْ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، إذْ لَمْ يَقَعُ مِنْهُ حَمْلٌ فِي الْحُكْمِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَقْرَأُ فَحُمِلَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْحَمْلَ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (يَعُمُّ الْبَدَنَ) هَذَا بِالنَّظَرِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ؛ وَقَوْلُهُ " فَالْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ " هَذَا بِالنَّظَرِ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْجَمْعُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ قَوْلُهُ:(فَحَمَلَ الْأَوَّلَ) أَيْ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلٌ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ هَلْ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ إلَخْ، فَمُرَادُهُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ) أَيْ مَحْضُ حَقِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهِ) أَيْ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَكَذَا عَلَى الثَّانِي أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي؛ فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي هُنَا غَيْرُهُمَا فِيمَا سَبْقِ قَوْلِهِ: (أَيْ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ نُفُوذِهَا بِإِسْقَاطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَوْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ جَمِيعُ الْبَدَنِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَكَانَ مُقْتَضَاهُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ بِإِسْقَاطِ مَا زَادَ لَكِنْ مُنِعَتْ صِحَّتُهَا مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ قَالَ سم: وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَ وَاجِبَاتٍ: وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَحَقِّ اللَّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْبَدَنِ، وَوَاجِبٌ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ الْبَدَنِ مِنْ الثَّوْبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَوَّلَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِوَصِيَّةٍ وَلَا مَنْعِ وَارِثٍ وَلَا غَرِيمٍ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّانِي كَذَلِكَ نَظَرًا لِشَائِبَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ مَكْرُوهٌ؛ فَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَصِيَّةٌ بِمَكْرُوهٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَكْرُوهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ؛ وَأَنَّ الْوَاجِبَ الثَّالِثَ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِالْوَصِيَّةِ وَمَنْعُ الْغَرِيمِ وَلَا يَسْقُطُ بِمَنْعِ الْوَارِثِ اهـ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ حَقٌّ وَجَبَ لِلْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَّا إنْ أَوْصَى بِتَرْكِهِ أَوْ مَنَعَ الْغُرَمَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يُوصِ) شُرُوعٌ فِي فُرُوعٍ سِتَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ) أَيْ جَوَازَ الثَّوْبِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْخِلَافِ، أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ:" وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ " فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهَا: يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ،
يُكَفَّنَ بِثَلَاثَةٍ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَ الْغُرَمَاءُ: يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَالْوَرَثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ أُجِيبَ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَالْوَرَثَةُ، بِسَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ أُجِيبَ الْوَرَثَةُ وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْغُرَمَاءِ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَفَارَقَ الْغَرِيمُ بِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ وَبِأَنَّ مَنْفَعَةَ صَرْفِ الْمَالِ لَهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ فِيهِمَا هَذَا إذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، أَمَّا إذَا كُفِّنَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مَنْ يُجَهِّزُهُ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَبَيْتِ مَالٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَلْ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَكَذَا إذَا كُفِّنَ مِمَّا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ: وَيَكُونُ سَابِغًا أَيْ فَلَا يَكْفِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَسَيَأْتِي، وَسُنَّ مَغْسُولٌ لِأَنَّهُ لِلصَّدِيدِ، وَأَنْ يَبْسُطَ أَحْسَنَ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعَهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقِيلَ: فِي ثَوْبٍ؛ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ الِاتِّفَاقِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ عَلَى الْخِلَافِ أَقْيَسُ، فَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ مُعْتَمَدًا هُنَا كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ " أَيْ فَيَجِبُ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (أُجِيبَ الْوَرَثَةُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَيُكَفَّنُ بِوَاحِدٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ مَعَ حَقِّ الْمَيِّتِ، فَغَلَبَ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ أَحَدٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ إلَخْ) أَيْ وَلَا نَظَرَ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ مُرْتَهِنَةً بِالدَّيْنِ لِأَنَّ رِضَاهُمْ قَدْ يَقْتَضِي فَكَّ ذِمَّتِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَيَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ كَانُوا غَائِبِينَ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْوَرَثَةِ اهـ قُلْت: وَبِالْأَوْلَى إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمْ أَوْ مُفْلِسِينَ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (جَازَ بِلَا خِلَافٍ) فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْغُرَمَاءِ مَنْعٌ وَلَا إذْنٌ كُفِّنَ بِوَاحِدٍ، فَإِنْ زَادَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ ضَمِنَ الزَّائِدَ كَمَا ذَكَرَهُ م د.
قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفَنَ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى سَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ حَقٌّ لِلَّهِ وَلِلْمَيِّتِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَحْضُ حَقِّ الْمَيِّتِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَمِثْلُهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَبِالنِّسْبَةِ لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا أَوْ مُكَلَّفِينَ، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ إذَا خَلَّفَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ إذَا خَلَّفَ مِنْ ذَكَرٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاجِبَةٌ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْهَا) وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لق ل.
قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ) أَيْ الْوَارِثُ وَقَوْلُهُ الْغَرِيمُ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُمَا وَالْهَاءُ فِي حَقِّهِ لِلْغَرِيمِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ لَهُ وَقَوْلُهُ تَعُودُ إلَى الْمَيِّتِ وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ وَهُوَ الْإِرْثُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَفْعَ لِلْمَيِّتِ بِمَا يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ مِنْ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَزَوْجٍ) وَكَالزَّوْجَةِ الْبَائِنِ الْحَامِلِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَهَلْ يُؤْخَذُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ تَرِكَتِهَا إنْ كَانَ لَهَا تَرِكَةٌ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ كَمُلَ وَأَخَذَ ثَانٍ وَثَالِثٌ مِنْ تَرِكَتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهَا شَيْءٌ. اهـ. م د، فَتَأَمَّلْ وَحَرِّرْ الْفَرْقَ وَعِبَارَةُ ح ل فَإِنْ أَعْسَرَ عَنْ تَجْهِيزِ الزَّوْجَةِ الْمُوسِرَةِ أَوْ عَنْ تَمَامِهِ جُهِّزَتْ أَوْ تَمَّمَ تَجْهِيزَهَا مِنْ مَالِهَا وَعِبَارَةُ ز ي وَالْعَنَانِيِّ: وَلَا يَجِبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنْ مَالِهَا إذَا كَفَّنَهَا الزَّوْجُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ وَقَوْلُ م د " إنْ كَانَ مُوسِرًا بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ إلَخْ " فِيهِ أَنَّ سَاتِرَ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ يَكُونُ سَاتِرًا لِجَمِيعِ بَدَنِهَا فَمَا مَعْنَى التَّكْمِيلِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ الْعَوْرَةُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ سَابِغًا) أَيْ سَاتِرًا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ.
قَوْلُهُ: (وَسُنَّ مَغْسُولٌ) هَكَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَفَرْعُهُ وَغَيْرُهُمَا وَجَرَى عَلَيْهِ م ر وَغَيْرُهُ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُ الْمَرْحُومِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ نَقْلًا وَدَلِيلًا أَوْلَوِيَّةُ الْجَدِيدِ وَمِنْ ثَمَّ كُفِّنَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاتِّفَاقِهِمْ أَيْ الصَّحَابَةِ اهـ فَأَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ وَلَمْ يُجَبْ عَنْهُ، وَمَا دَرَى أَنَّ شَيْخَهُ الْمُحَقِّقَ الشَّوْبَرِيَّ قَالَ فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ: قَوْلُهُمْ إنَّهُ لِلصَّدِيدِ يَرُدُّ مَا أَوْرَدَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي جَدِيدٍ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ عَدَمُ الْبِلَى لَا يُقَالُ يَرُدُّ الشُّهَدَاءَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذِهِ حِكْمَةٌ وَهِيَ لَا يَجِبُ اطِّرَادُهَا اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ
وَالْبَاقِي فَوْقَهَا، وَأَنْ يَذَرَ عَلَى كُلٍّ وَعَلَى الْمَيِّتِ حَنُوطًا، وَأَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا، وَأَنْ تُشَدَّ أَلْيَاهُ بِخِرْقَةٍ، وَأَنْ يُجْعَلَ عَلَى مَنَافِذِهِ قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَتُلَفُّ عَلَيْهِ اللَّفَائِفُ، وَتُشَدُّ اللَّفَائِفُ بِشِدَادٍ خَوْفَ الِانْتِشَارِ عِنْدَ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا وَيَحِلُّ الشِّدَادُ فِي الْقَبْرِ. وَمَحَلُّ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ تَرِكَتُهُ إلَّا زَوْجَةً وَخَادِمَهَا فَتَجْهِيزُهُمَا عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ فَتَجْهِيزُهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَيًّا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ قَرِيبٍ وَسَيِّدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَنْ تَلْزَمُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَبْسُطَ أَحْسَنَ اللَّفَائِفِ) أَيْ نَدْبًا أج.
قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي فَوْقَهَا) أَيْ فَيَبْسُطُ الْأَحْسَنَ أَوَّلًا وَالثَّانِيَةَ، أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْأُولَى فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ فَوْقَ الثَّانِيَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَّ يَجْعَلُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ أَعْلَاهَا فَلِهَذَا يَبْسُطُ الْأَحْسَنَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْلُو عَلَى كُلِّ الْكَفَنِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ أَوْسَعَ فَلِإِمْكَانِ لَفِّهِ عَلَى الضَّيِّقِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ أج.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَذَرَ) أَيْ بِالْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَيِّتِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْرِمِ أج.
قَوْلُهُ: (حَنُوطٌ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَافُورَ وَذَرِيرَةَ الْقَصَبِ وَالصَّنْدَلِ دَمِيرِيٌّ؛ وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَلْقِيًا) أَيْ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ يَدَاهُ عَلَى صَدْرِهِ وَيُمْنَاهُ عَلَى يُسْرَاهُ أَوْ يُرْسِلَانِ فِي جَنْبِهِ أَيُّهُمَا فَعَلَ مِنْهُمَا فَحَسَنٌ، أج.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ تُشَدَّ أَلْيَاهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُدَسَّ بَيْنَهُمَا قُطْنٌ عَلَيْهِ حَنُوطٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَنَافِذِهِ) كَعَيْنَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ، وَكَذَا عَلَى مَسَاجِدِهِ كَجَبْهَتِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَيُحَلُّ الشِّدَادُ) إلَّا شِدَادَ الْأَلْيَةِ عَمِيرَةً؛ أَيْ تَفَاؤُلًا بِحَلِّ الشَّدَائِدِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ مَعْقُودٌ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ أج.
قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ تَرِكَتُهُ) وَيُرَاعَى فِيهِ حَالُهُ سَعَةً وَضِيقًا، وَإِنْ كَانَ مُقَتِّرًا عَلَى نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ حَجّ؛ فَلَوْ مَنَعَ الْأَقَارِبُ مِنْ أَخْذِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا، فَإِنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ أَوْ خِيفَ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ إذَا رُفِعَ الْأَمْرُ لِلْحَاكِمِ فَيَنْبَغِي جَوَازُ أَخْذِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لِلْآحَادِ وَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرِكَةِ وَيُجَابُ مَنْ قَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ: أُكَفِّنُهُ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مَنْ قَالَ: أُكَفِّنُهُ مِنْ مَالِي دَفَعَا لِلْمِنَّةِ عَنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُكَفَّنُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ إلَّا إنْ قَبِلَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ؛ وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْصَدُ تَكْفِينُهُ لِصَلَاحِهِ وَعِلْمِهِ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَفَّنُوهُ فِي غَيْرِهِ رَدُّوهُ لِمَالِكِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَكْفِينَهُ فِيهِ كَانَ لَهُمْ أَخْذُهُ وَتَكْفِينُهُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَخَادِمَهَا) أَيْ الْمَمْلُوكَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ مُكْتَرًى لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَجْهِيزُهُ إلَّا إنْ كَانَ مُكْتَرًى بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ تَجِبُ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَلَيْسَ قَرِيبًا وَلَا زَوْجَةً وَلَا مَمْلُوكًا ح ل.
قَوْلُهُ: (عَلَى زَوْجٍ غَنِيٍّ) أَيْ وَلَوْ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى غِنَى الْفِطْرَةِ، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى الْكَفَنِ مَا يَكْفِي مُمَوِّنَهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَمَا قَالَهُ ع ش وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَجَهَّزَ الزَّوْجَةَ الْوَرَثَةُ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ إنْ فَعَلُوهُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ يَرَاهُ، وَإِلَّا فَلَا؛ وَقِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوجَدْ حَاكِمٌ كَفَى الْمُجْهِزَ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّهُ جَهَّزَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ بِهِ شَرْحُ م ر وَمِثْلُ غَيْبَةِ الزَّوْجِ غَيْبَةُ الْقَرِيبِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمَيِّتِ فَكَفَّنَهُ شَخْصٌ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالزَّوْجِ ابْنُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ زَوْجَةِ أَبِيهِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا فِي الْحَيَاةِ كَمَا قَالَهُ حَجّ وَلَوْ أَوْصَتْ بِذَلِكَ مِنْ مَالِهَا تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَهُوَ الزَّوْجُ حَيْثُ أَسْقَطَتْ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ مَا يَجِبُ لَهَا فِي الْحَيَاةِ، وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُنْفِقُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَقَدْ زَالَ، فَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالزَّوْجُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي تَجِبُ نَفَقَتُهَا مُؤَنُ تَجْهِيزِهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُوسِرِ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى الزَّوْجِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِنْ مَالِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي مَالِهَا مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا فِي زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلَى الرَّحَبِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَيَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ فَعَلَى سَيِّدِهِ تَجْهِيزُهُ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ انْفِسَاخِهَا، وَيَدْخُلُ الْوَلَدُ الْكَبِيرُ فَإِنَّهُ بِالْمَوْتِ صَارَ عَاجِزًا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (مِنْ قَرِيبٍ) أَصْلٌ أَوْ فَرْعٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لِعَجْزِهِ بِمَوْتِهِ؛ وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَزِمَهُ تَجْهِيزُ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ تَجْهِيزِهِ وَتَرِكَتُهُ لَا تَفِي إلَّا بِتَجْهِيزِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ قُدِّمَ الثَّانِي عَلَى الْأَوْجَهِ لِتَبَيُّنِ عَجْزِهِ عَنْ تَجْهِيزِ غَيْرِهِ، وَأَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ وَلَدُهُ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا الْمُبَعِّضُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً فَالْحُكْمُ وَاضِحٌ، وَإِلَّا فَعَلَى ذِي
نَفَقَتُهُ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
(وَ) الثَّالِثُ (الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. قَالَ: كَذَا الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ. وَشَرَطَ لِصِحَّتِهَا شُرُوطَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ طُهْرُ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّوْبَةِ؛ فَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ فِي أَيْ نَوْبَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلًّا مُهَايَأَةً، فَعَلَى سَيِّدِهِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْبَاقِي مِنْ تَرِكَتِهِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) فَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْتُ الْمَالِ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ لِمُمَوَّنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَيَاسِيرِ أَنَّهُمْ فِي الْأَوَّلِ عَبَّرُوا فِيهِ بِالْغِنَى وَفِي الثَّانِي بِالْيَسَارِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فَرْعٌ: يَحْرُمُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى، وَمِثْلُهُ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ وَاِتِّخَاذُ الْكَفَنِ مَكْرُوهٌ إلَّا مِنْ حِلٍّ أَوْ مِنْ أَثَرِ صَالِحٍ، وَلِلْوَارِثِ إبْدَالُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ فِيهِ؛ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نَزْعُ ثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ وَتَكْفِينُهُ فِي غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَثَرُ الْعِبَادَةِ الشَّاهِدَةِ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اتِّخَاذُهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَا يُنْدَبُ أَنْ يُعِدَّ لِنَفْسِهِ كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَى اتِّخَاذِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ وَأَثَرٍ ذِي صَلَاحٍ فَحَسَنٌ إعْدَادُهُ، لَكِنْ لَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ فِيهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ بَلْ لِلْوَرَثَةِ إبْدَالُهُ؛ لَكِنَّ قَضِيَّةَ بِنَاءِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ قَالَ: اقْضُوا دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ الْوُجُوبُ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُومِئُ إلَيْهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُتَّجَهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَثِيَابِ الشَّهِيدِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ لَهُ نَزْعُهَا وَإِبْدَالُهَا؛ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَبْنِيِّ وَالْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الشَّهِيدِ وَاضِحٌ إذْ لَيْسَ فِيهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِ الْمُوَرِّثِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَشُرِعَتْ بِالْمَدِينَةِ لَا بِمَكَّةَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَكِنْ ذَكَرَ مَا يُخَالِفُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا تُوُفِّيَ أُتِيَ لَهُ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ وَحَنَّطُوهُ، وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ، ثُمَّ أَقْبَرُوهُ وَأَلْحَدُوهُ وَنَصَبُوا اللَّبِنَ عَلَيْهِ وَابْنُهُ شِيثٌ عليه السلام الَّذِي هُوَ وَصِيُّهُ مَعَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لَهُ: هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِك وَإِخْوَتِك فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ، هَذَا كَلَامُهُ، أَيْ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ أَيْ يَبْعُدُ عَدَمُ الْفِعْلِ بَلْ فَعَلَ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ لَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى التَّكْبِيرِ لَكِنْ يُبْعِدُهُ مَا فِي الْعَرَائِسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -:" أَنَّ آدَمَ لَمَّا مَاتَ قَالَ وَلَدُهُ شِيثٌ لِجِبْرِيلَ: صَلِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَنْتَ مُقَدَّمٌ فَصَلِّ عَلَى أَبِيك، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ التَّكْفِينَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالدَّفْنَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّكْبِيرِ لَا مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ.
وَحِينَئِذٍ لَا يَحْسُنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً لِقُرَيْشٍ، إذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَفَعَلُوا ذَلِكَ؛ وَسَيَأْتِي عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَهُمْ لَصَلَّى صلى الله عليه وسلم عَلَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَمَنْ مَاتَ قَبْلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالسَّكْرَانِ ابْنِ عَمِّ سَوْدَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها الَّذِي هُوَ زَوْجُهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْبَرَاءَ بْنَ مَعْرُورٍ قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَعْرُورٌ مَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَقْصُودٌ لَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ جَاءَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي صَلَاتِهِ أَرْبَعًا، وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الصَّلَاةَ تِسْعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمْ السُّهَيْلِيُّ وَبِمَا ذَكَرَ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمَدَابِغِيِّ فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ " وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ " أَيْ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى آدَمَ دُعَاءٌ فَلَا تُرَدُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (شُرُوطُ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ) أَيْ مِمَّا يَتَأَتَّى مَجِيئُهُ هُنَا، بِخِلَافِ دُخُولِ الْوَقْتِ الشَّرْعِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدُّمٌ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى " شُرُوطُ " وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ حَاضِرًا وَلَوْ فِي قَبْرٍ، وَأَنْ
تَعَذَّرَ كَأَنْ وَقَعَ فِي حُفْرَةٍ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَطُهْرُهُ لَمْ يُصْلَ عَلَيْهِ. وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ بِالْمَيِّتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، كَالْمَكْتُوبَةِ بَلْ تُسَنُّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ» وَيَكْفِي فِي إسْقَاطِ فَرْضِهَا ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لِلرَّجُلِ لَا غَيْرِهِ مِنْ خُنْثَى وَامْرَأَةٍ مَعَ وُجُودِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الذَّكَرَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ فَدُعَاؤُهُ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ، وَتَصِحُّ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ نَبِيٍّ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَتَصِحُّ عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا تَنْزِيلًا لِلْمَيِّتِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يُوجَدَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَحِلُّ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا فِي الدَّوَامِ بِأَنْ رُفِعَتْ الْجِنَازَةُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَزَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَ أَوْ حَالَ حَائِلٌ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (كَالْمَكْتُوبَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَهَا فِي بَعْضِهَا كَالْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَفِي الْمَجْمُوعَةِ بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا وَفِي الْمُعَادَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا مِنْ رَجُلٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ رَجُلًا) هَذَا يَصْدُقُ بِصَلَاتِهِمْ فُرَادَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى سَنِّ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفْهَمُ مِنْهُ، فَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَدَدِ مَعَ أَنَّ الْمُدَّعَى أَعَمُّ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي إسْقَاطِ فَرْضِهَا ذَكَرٌ وَلَوْ صَبِيًّا) وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَفَارَقَ سُقُوطُ الْفَرْضِ هُنَا عَدَمَ سُقُوطِهِ بِهِ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِأَنَّ السَّلَامَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَالِمٌ مِنْ الْآخَرِ وَآمِنٌ مِنْهُ، وَأَمَانُ الصَّبِيِّ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ ذَكَرٍ وَلَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُنَّ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَكْفِي فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهِيَ: رَدُّ السَّلَامِ وَالْجَمَاعَةُ وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يَكْفِي فِيهِ الصَّبِيُّ كَالْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْكَامِلِينَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا) فَلَوْ حَضَرَ مَعَ امْرَأَةٍ كَانَ الْمُتَوَجَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ، كَالْوَلِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْخُنْثَى فِيمَا ذَكَرَ كَالْمَرْأَةِ؛ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْخَنَاثَى لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الْجَمِيعِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ ذَكَرٌ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (مَعَ وُجُودِ الذَّكَرِ) أَظْهَرُ فِي مَحِلِّ الْإِضْمَارِ لِلْإِيضَاحِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُودِهِ فِي مَحِلِّ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وُجُودِهِ مُطْلَقًا وَلَا فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ شَرْحُ م ر أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فَتَلْزَمُهُنَّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِهِنَّ، وَتُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كَمَا بَحَثَهُ زَكَرِيَّا وحج وَلَوْ حَضَرَ رَجُلٌ بَعْدَ صَلَاتِهِنَّ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ؛ وَلَوْ حَضَرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ أَوْ لَا؟ مَحِلُّ تَرَدُّدٍ وَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ. اهـ. شَوْبَرِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ) فَإِنْ دُفِنَ قَبْلَهَا أَثِمَ الدَّافِنُونَ وَصُلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَلَا يُنْبَشُ؛ فَوُجُوبُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الدَّفْنِ لَيْسَ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ عَلَى قَبْرِ غَيْرِ نَبِيٍّ إلَخْ) أَيْ عَلَى صَاحِبِهِ، أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْبِلَى وَالِانْدِرَاسِ، وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ فِي الْمَنْبُوشَةِ مُشْكِلٌ لِلْعِلْمِ بِنَجَاسَةِ مَا تَحْتَ الْمَيِّتِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَنْبُوشَةِ ع ش عَلَى م ر وَذَكَرَ ق ل خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ لَا يَضُرُّ اتِّصَالُ نَجَاسَةٍ بِهِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ كَانْفِجَارِهِ، وَهُوَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ نَبِيٍّ) أَمَّا عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ فَلَا تَصِحُّ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ بِصَلَاتِهِمْ إلَيْهَا وَدَلَالَةُ هَذَا عَلَى الْمُدَّعَى إنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا يُصَلُّونَ الْمَكْتُوبَةَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَتُقَاسُ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الَّتِي وَرَدَ اللَّعْنُ فِيهَا وَقَوْلُهُ " اتَّخَذُوا " يُشْعِرُ بِالتَّكَرُّرِ، وَالْمُدَّعَى هُنَا أَعَمُّ وَقَوْلُهُ " مَسَاجِدَ " أَيْ قِبَلًا يُصَلُّونَ إلَيْهَا؛ قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا فِي، الْيَهُودِ وَاضِحٌ لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ مُوسَى عليه السلام مَاتَ، وَفِي
غَائِبٍ عَنْ الْبَلَدِ وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ مِمَّنْ كَانَ أَهْلَ فَرْضِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ، قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ مُتَنَفِّلٌ وَهَذِهِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا. وَنَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِي اعْتِبَارِ وَقْتِ الْمَوْتِ قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ بَلْ لَوْ زَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْ الصَّلَاةِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِيهِ فَكَذَلِكَ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمَوْتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ أَبٌ وَإِنْ أَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ، فَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، فَابْنٌ فَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، فَبَاقِي الْعَصَبَةِ بِتَرْتِيبِ الْإِرْثِ، فَذُو رَحِمٍ. وَيُقَدَّمُ حُرٌّ عَدْلٌ عَلَى عَبْدٍ أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَوْ أَفْقَهَ وَأَسَنَّ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ لَكِنَّ مَحِلَّهُ إذَا وُجِدَ مَعَ الزَّوْجِ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّصَارَى مُشْكِلٌ لِأَنَّ نَبِيَّهُمْ عِيسَى عليه السلام لَمْ تُقْبَضْ رُوحُهُ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَهُمْ أَنْبِيَاءً بِزَعْمِهِمْ كَالْحَوَارِيِّينَ وَمَرْيَمَ أَوْ الْمُرَادُ بِالْأَنْبِيَاءِ مَا يَشْمَلُ الصُّلَحَاءَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَلَدِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالْغَائِبِ مِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْحُضُورُ وَلَوْ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ ق ل وسم.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَلِّي مُسْتَقْبِلُهَا، لَكِنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِصَلَاةِ غَيْرِهِمْ مَرْحُومِيٌّ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ سَنَتِهِ وَظَهَرَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ جَازَتْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهُمْ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَتَعْيِينُهُ غَيْرُ شَرْطٍ أَوْ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ: اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، دُونَ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ إنْ كَانُوا مُحْسِنِينَ إلَخْ " لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلُّهُمْ مُحْسِنِينَ وَلَا مُسِيئِينَ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ) يُمْكِنُ أَنَّ وَجْهَ التَّبَرِّي أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ صِحَّتُهَا مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالنِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ بِفِعْلِهِمْ، شَوْبَرِيُّ وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى " لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا " أَيْ لَا يُؤْتَى بِهَا ابْتِدَاءً عَلَى صُورَةِ النَّفْلِيَّةِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا بِلَا سَبَبٍ، أَوْ الْمَعْنَى: لَا يَطْلُبُ تَكْرَارَهَا مِمَّنْ فَعَلَهَا أَوَّلًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " قَالُوا لِأَنَّ غَيْرَهُ إلَخْ " أَيْ لِأَنَّ غَيْرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِفَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ، وَالْغَيْرُ هُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ وَوَجْهُ التَّبَرِّي أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ إلَّا لَوْ صَلَّاهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فِي حَالِ صِبَاهُ أَوْ جُنُونِهِ، وَالْمُدَّعَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ صَبِيًّا مَثَلًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءً صَلَّى حَالَةَ الصِّبَا أَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَهُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ غَيْرُ مُتَنَفِّلٍ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤْثَرْ) أَيْ فِي الصِّحَّةِ، أَيْ لَا يَكُونُ هَذَا مُقْتَضِيًا لِلصِّحَّةِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ زَالَ) أَيْ الْمَانِعُ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ بَعْدَ الْغُسْلِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ تَصِحُّ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا قَبْلَ الدَّفْنِ بِزَمَنٍ يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا طَاهِرًا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ. اهـ. ق ل فَخَرَجَتْ النِّسَاءُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ " طَاهِرًا " لِأَنَّ النِّسَاءَ يَصْدُقُ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ فَقْدِ الذُّكُورِ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةٍ إلَخْ) هَذِهِ أَوْلَوِيَّةُ نَدْبٍ، فَلَوْ تَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ مَنْ هِيَ حَقُّهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ وَلَا يَحْرُمُ، وَلَوْ أَنَابَ مَنْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّقَدُّمِ غَيْرَهُ فَنَائِبُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبْعَدِ؛ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَوْصَى) أَيْ الْمَيِّتُ بِهَا لِغَيْرِهَا، أَيْ لِغَيْرِ الْأَبِ، فَلَا عِبْرَةَ بِوَصِيَّتِهِ؛ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى تَنْفِيذُهَا وَفَاءً لِغَرَضِ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ الْغَايَةُ تَجْرِي فِي الْجَمِيعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَبَاقِي الْعَصَبَةِ) أَيْ مِنْ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (فَذُو رَحِمٍ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْأَخَ لِلْأُمِّ، فَيُقَدَّمُ مِنْهُمْ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (حُرٌّ عَدْلٌ) أَيْ قَرِيبٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ أَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (فَلَا حَقَّ فِيهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَالْأَوْلَى بِإِمَامَةِ صَلَاةِ الْمَيِّتِ إلَخْ " أَيْ فَعُلِمَ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهَا لِلزَّوْجِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِلزَّوْجِ) أَيْ غَيْرِ الْقَرِيبِ، أَمَّا هُوَ كَابْنِ الْعَمِّ فَلَهُ حَقٌّ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا لِلْمَرْأَةِ) أَيْ مُطْلَقًا مِنْ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي وَلَك أَنْ تَخُصَّ الْمَرْأَةَ بِالْأُنْثَى مِنْ الْأَقَارِبِ وَتُعَمِّمَ فِي الزَّوْجِ أَيْ الشَّامِلِ لِلْأُنْثَى وَتُعَمِّمَ فِي قَوْلِهِ " مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ " أَيْ مِنْ الذُّكُورِ
ذَكَرٌ أَوْ خُنْثَى وَإِلَّا فَالزَّوْجُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ، وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي وَتُقَدَّمُ بِتَرْتِيبِ الذِّكْرِ، وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْقَرِيبُ عَلَى الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ عَلَى الْحُرِّ الصَّبِيِّ، وَشَرْطُ الْمُقَدَّمِ أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا كَمَا فِي الْغُسْلِ، فَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ الْأَسَنُّ فِي الْإِسْلَامِ الْعَدْلُ عَلَى الْأَفْقَهِ مِنْهُ عَكْسُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ، وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ غَيْرُ الْمَأْمُومِ مِنْ إمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ عِنْدَ رَأْسِ ذَكَرٍ وَعَجُزِ غَيْرِهِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى لِلِاتِّبَاعِ، وَتَجُوزُ عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ الْأَسْبَقُ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ أَوْ الْخَنَاثَى وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ، فَلَوْ سَبَقَتْ أُنْثَى ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ أُخِّرَتْ عَنْهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَوْ حَضَرَ خَنَاثَى مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ جُعِلُوا صَفًّا عَنْ يَمِينِهِ رَأْسُ كُلٍّ مِنْهُمْ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ لِئَلَّا تَتَقَدَّمَ أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ، وَلَوْ وُجِدَ جُزْءُ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ شَهِيدٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَسُتِرَ بِخِرْقَةٍ وَدُفِنَ كَالْمَيِّتِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا لَكِنْ لَا يُصَلَّى عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي الذَّكَرِ وَالْإِنَاثِ فِي الْأُنْثَى، وَكِلَا الْمَسْلَكَيْنِ صَحِيحٌ. اهـ. شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ تُصَلِّي) أَيْ إمَامًا أَيْ الشَّامِلَةُ لِلْمُحْرِمِ تُصَلِّي بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ، فَيُقَدَّمُ الْأُصُولُ ثُمَّ الْفُرُوعُ ثُمَّ الْحَوَاشِي عَلَى مَا مَرَّ ثُمَّ الزَّوْجَةُ؛ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ " بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ " هَكَذَا أَفْهَمُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ) أَيْ فِي الْإِمَامَةِ وَقَوْلُهُ " بِتَرْتِيبِ الذَّكَرِ " أَيْ فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْبِنْتُ ثُمَّ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْعَبْدُ الْقَرِيبُ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا) وَلَا فَاسِقًا وَلَا مُبْتَدِعًا وَلَا عَدُوًّا قَوْلُهُ: (فَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ) كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ؛ وَالتَّقَدُّمُ فِي الْأَجَانِبِ بِمَا يُقَدَّمُ بِهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ فَالْأَقْرَأُ فَالْأَوْرَعُ بِالتَّرْتِيبِ السَّابِقِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
قَوْلُهُ: (الْعَدْلُ) أَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا الدُّعَاءُ) لَا يُقَالُ الْأَقْرَبِيَّةُ حَاصِلَةٌ مَعَ كَوْنِ الْأَسَنِّ مَأْمُومًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا يُعَجِّلُهُ عَمَّا يَفْرُغُ وُسْعُهُ فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِقَرِيبِهِ بِمَجَامِعِ الْخَيْرِ وَمُهِمَّاتِهِ. اهـ. حَجّ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ رَأْسِ ذَكَرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ ع ش: وَتُوضَعُ رَأْسُ الذَّكَرِ لِجِهَةِ يَسَارِ الْإِمَامِ وَيَكُونُ غَالِبُهُ لِجِهَةِ يَمِينِهِ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْآنَ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَتِهِمَا وَيَكُونُ رَأْسَهُمَا لِجِهَةِ يَمِينِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّاسُ الْآنَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَعَجُزِ غَيْرِهِ) وَلَوْ فِي الْقَبْرِ، شَوْبَرِيُّ وَحِكْمَةُ الْمُخَالَفَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي سَتْرِ غَيْرِ الذَّكَرِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بِرِضَا أَوْلِيَائِهَا) فَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْأَوْلِيَاءُ هَلْ يَحْرُمُ أَوْ يُكْرَهُ؟ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ عَلَى جَنَائِزِ الْحُرْمَةِ إلَخْ حَرِّرْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الدُّعَاءُ) أَيْ وَالْجَمْعُ فِيهِ مُمْكِنٌ وَالْأَوْلَى إفْرَادُ كُلٍّ بِصَلَاةٍ إنْ أَمْكَنَ، وَعَلَى الْجَمْعِ إنْ حَضَرَتْ دَفْعَةٌ أَقْرَعَ بَيْنَ الْأَوْلِيَاءِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لِيَؤُمَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْقَوْمِ.
قَوْلُهُ: (الْأَسْبَقُ) فَإِنْ حَضَرُوا مَعًا وَتَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ خَنَاثَى قُدِّمَ إلَيْهِ أَفْضَلُهُمْ بِالْوَرَعِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُرْغَبُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، لَا بِالْحُرِّيَّةِ لِانْقِطَاعِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ أَفْضَلَ) وَلَوْ نَبِيًّا ح ف.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى) فَيُؤَخَّرُ الْخُنْثَى لِلرَّجُلِ وَالصَّبِيِّ، وَتُؤَخَّرُ الْمَرْأَةُ لِلْخُنْثَى، وَلَا يُؤَخَّرُ الصَّبِيُّ لِلرَّجُلِ ق ل.
قَوْلُهُ: (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (رَأْسُ كُلٍّ) وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْأَبْعَدُ عَنْ الْإِمَامِ، لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْخُنْثَى تُجْعَلُ رَأْسُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَقِفُ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْخُنْثَى الَّتِي تَلِيهِ وَرَأْسُهَا عَنْ يَمِينِهِ؛ فَاَلَّذِي يُوضَعُ بَعْدَهُ يَكُونُ رِجْلُهُ عِنْدَ رَأْسِ الْمَوْضُوعِ قَبْلَهُ لِيَكُونَ رَأْسُ كُلٍّ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُجِدَ جُزْءُ مَيِّتٍ) أَيْ تَحَقَّقَ انْفِصَالُهُ مِنْهُ حَالَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَقِبَهُ فَخَرَجَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيٍّ وَلَمْ يَمُتْ عَقِبَهُ إذَا وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ مُوَارَاتُهُ بِخِرْقَةٍ وَدَفْنُهُ. اهـ. م د وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِصَلَاتِهِمْ عَلَى يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ أَلْقَاهَا طَائِرٌ بِمَكَّةَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَرَفُوهَا بِخَاتَمِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي مَوْتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَرَفُوا مَوْتَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَاسْتُفِيضَ اهـ شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَسُتِرَ بِخِرْقَةٍ) هَلْ يَجِبُ ثَلَاثُ خِرَقٍ سَابِغَةٍ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا فِي الْجُمْلَةِ أَمْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْجُمْلَةِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، حَرِّرْهُ. اهـ. سم عَلَى حَجّ قُلْت: الثَّانِي
الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ خَالَفَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِنَّمَا يُصَلَّى عَلَى الْجُزْءِ بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ
(وَ) الرَّابِعُ (دَفْنُهُ) فِي قَبْرٍ، وَأَقَلُّهُ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ بَعْدَ رَدْمِهَا ظُهُورَ رَائِحَةٍ مِنْهُ فَتُؤْذِي الْحَيَّ، وَتَمْنَعُ نَبْشَ سَبُعٍ لَهَا فَيَأْكُلُ الْمَيِّتَ فَتُنْتَهَكُ حُرْمَتُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. وَخَرَجَ بِالْحُفْرَةِ مَا لَوْ وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجُعِلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ وَسَيَأْتِي أَكْمَلُهُ فِي كَلَامِهِ.
(وَاثْنَانِ لَا يُغْسَلَانِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمَا) لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا. الْأَوَّلُ (الشَّهِيدُ) وَلَوْ أُنْثَى وَرَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ إذَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
هُوَ الظَّاهِرُ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْخِرْقَةِ، وَمِثْلُ الْغُسْلِ التَّيَمُّمُ إنْ كَانَ تَيَمُّمٌ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَإِلَّا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحِلَّ تَيَمُّمٍ وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ أَيْ وَلَا تُغَسَّلُ وَتُدْفَنُ وُجُوبًا وَيُنْدَبُ سَتْرُهَا بِخِرْقَةٍ، قَالَ م د: بِخِلَافِ الظُّفْرِ الْوَاحِدِ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ) فَيَقُولُ نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى جُمْلَةِ مَا انْفَصَلَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءُ ح ل قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَتْ بَقِيَّتُهُ غُسِّلَتْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا، وَنَدْبًا إنْ كَانَتْ صُلِّيَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تُغَسَّلْ الْبَقِيَّةُ وَجَبَ الصَّلَاةُ عَلَى الْعُضْوِ بِنِيَّتِهِ فَقَطْ، فَإِنْ نَوَى الْجُمْلَةَ لَمْ تَصِحَّ، فَإِنْ شَكَّ فِي غُسْلِ الْبَقِيَّةِ لَمْ تَجُزْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا عَلَّقَ اهـ حَجّ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا م د وَقَوْلُهُ:" إلَّا إذَا عَلَّقَ " بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى جُمْلَةِ مَا انْفَصَلَ مِنْهُ هَذَا الْجُزْءُ إنْ كَانَتْ غُسِّلَتْ وَإِلَّا فَعَلَى هَذَا الْجُزْءِ فَقَطْ؛ وَهَذَا تَعْلِيقٌ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فَلَا يَضُرُّ وَمَحِلُّ قَوْلِهِمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ يُنَافِي النِّيَّةَ فِيمَا إذَا كَانَ تَعْلِيقًا بِغَيْرِ مُقْتَضَى الْحَالِ، وَعِبَارَةُ م ر:.
قَوْلُهُ " بِقَصْدِ الْجُمْلَةِ " مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَى الْجُزْءِ الْغَائِبِ، أَمَّا لَوْ كَانَ صُلِّيَ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ بِقَصْدِ الْجُزْءِ الْحَاضِرِ فَقَطْ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ قَدْ غُسِّلَ بَاقِيهِ وَإِلَّا قَصَدَ الصَّلَاةَ عَلَى الْجُزْءِ الْحَاضِرِ فَقَطْ
قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ حُفْرَةٌ إلَخْ) وَالضَّابِطُ لِلدَّفْنِ الشَّرْعِيِّ مَا يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ سَوَاءٌ كَانَ فَسْقِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ الدَّفْنَ فِي الْفَسْقِيَّةِ اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (ظُهُورَ رَائِحَةٍ) وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحِلٍّ لَا يَدْخُلُهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ بَلْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَائِحَةٌ أَصْلًا كَأَنْ جَفَّ وَعَبَّرَ بِظُهُورٍ لِوُجُودِ الرَّائِحَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا؛ وَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ ظُهُورِهَا أَيْ عَمَّنْ عِنْدَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ) بِالنَّصْبِ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى ظُهُورِ، وَكَذَا قَوْلُهُ " فَيَأْكُلُ الْمَيِّتَ وَتُنْتَهَكُ إلَخْ " عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي.
قَوْلُهُ: (نَبْشَ سَبُعٍ) وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحِلٍّ لَا يَصِلُهُ السِّبَاعُ أَصْلًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الثَّانِي) أَيْ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ، كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا السَّبُعَ فَلَا يُكْتَفَى بِهَا شَرْحُ م ر
قَوْلُهُ: (وَاثْنَانِ لَا يُغَسَّلَانِ) أَيْ لَا يُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِهِ، فَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ تَعْلِيلَ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ غُسْلُهُمَا إلَخْ كَانَ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ " إلَّا الشَّهِيدَ وَالسَّقْطَ إلَخْ " وَلَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ اثْنَانِ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الشَّهِيدِ، وَأَمَّا السَّقْطُ فَلَيْسَ لَنَا فَلَا يَجِبُ فِيهِ أَمْرَانِ وَيَحْرُمُ فِيهِ أَمْرَانِ بَلْ أَحْوَالُهُ ثَلَاثَةٌ سَتَأْتِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ بِالنَّظَرِ لِلْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ يَصْدُقُ بِالْبَعْضِ وَهُوَ الشَّهِيدُ.
قَوْلُهُ: (لِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا) هُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهِيدِ دُونَ السَّقْطِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ غُسْلُهُ فَمُرَادُهُ الْمَجْمُوعُ أَوْ بِالنَّظَرِ لِلصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (الشَّهِيدُ) أَيْ الْمَقْتُولُ فَنُجَرِّدُهُ عَنْ بَعْضِ مَعْنَاهُ ع ش وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّهِيدِ مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فِي الْمَعْرَكَةِ، فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ ضَائِعًا فَبِالتَّجْرِيدِ تَصِيرُ لَهُ فَائِدَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي مَعْرَكَةِ
مَاتَ (فِي مَعْرَكَةِ الْمُشْرِكِينَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ» وَأَمَّا خَبَرُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ» فَالْمُرَادُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ دَعَا لَهُمْ كَدُعَائِهِ لِلْمَيِّتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ بِسَبَبِهَا، كَأَنْ قَتَلَهُ كَافِرٌ أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّتُهُ أَوْ سَقَطَ عَنْهَا، أَوْ تَرَدَّى حَالَ قِتَالِهِ فِي بِئْرٍ، أَوْ انْكَشَفَ عَنْهُ الْحَرْبُ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِجِرَاحَةٍ فِيهِ، وَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْهَا أَوْ قَبْلَ انْقِضَائِهَا لَا بِسَبَبِ حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ كَأَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ أَوْ فُجْأَةً أَوْ فِي قِتَالِ بُغَاةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَيُعْتَبَرُ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَوْنُهُ مُبَاحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَارِي عَمَّا ذُكِرَ كَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْكُفَّارِ لِإِخْرَاجِ شَهِيدِ الْآخِرَةِ كَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجْرِيدِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ قُلْتَ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَالْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِمْ وَهِيَ التَّعْظِيمُ؟ قُلْت: يُجَابُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ فَضِيلَةٌ تُنَالُ بِالِاكْتِسَابِ فَرَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا، وَلَا كَذَلِكَ النُّبُوَّةُ وَالرِّسَالَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَالَانِ بِالِاكْتِسَابِ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيِّ: وَلَمْ تَكُنْ نُبُوَّةً مُكْتَسِبَةً.
قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَ شَهِيدًا لِشَهَادَةِ اللَّهِ إلَخْ) فَشَهِيدٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَشْهُودٍ لَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ شَهِيدٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْضًا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ يَشْهَدُ لَهُ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَشْهَدُ الْجَنَّةَ حَالَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لِلشَّهِيدِ عَشْرُ كَرَامَاتٍ: الْأُولَى يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ، الثَّانِيَةُ يَرَى مَقْعَدَهُ فِي الْجَنَّةِ حَالَ مَوْتِهِ، الثَّالِثَةُ يَخْلُفُهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ، الرَّابِعَةُ يُحَلَّى بِتَحْلِيَةِ الْإِيمَانِ، الْخَامِسَةُ يُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، السَّادِسَةُ يَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، السَّابِعَةُ يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، الثَّامِنَةُ يُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ التَّاسِعَةُ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَهْلِهِ، الْعَاشِرَةُ يَحْيَا حَيَاةً طَيِّبَةً» قَالَ تَعَالَى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] . اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ الَأُجْهُورِيُّ وَقَوْلُهُ: " يُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حُورِيَّةً " لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِهِ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةِ آلَافِ أَيِّمٍ أَيْ ثَيِّبٍ وَمِائَةِ حَوْرَاءَ، فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَيَقُلْنَ بِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ تَسْمَعْ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ أَيْ نَهْلَكُ وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ» اهـ ذَكَرَهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسُّيُوطِيِّ.
قَوْلُهُ (وَهُوَ مَنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) صَادِقٌ بِمَنْ مَاتَ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَتَصْدُقُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ أَصْلًا أَوْ فِيهِ حَيَاةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْقِضَاءِ إلَخْ) هُوَ ظَرْفٌ لِلنَّفْيِ، أَيْ انْتَفَى ذَلِكَ قَبْلَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (بِسَبَبِهَا) أَيْ الْحَرْبِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً) وَكَذَا عَمْدًا إنْ اسْتَعَانَ بِهِ الْكُفَّارُ عَلَيْنَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ رَمَحَتْهُ) أَيْ رَفَسَتْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ فُجْأَةً) بِالنَّصْبِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قِتَالِ بُغَاةٍ) مَا لَمْ يَكُنْ الْقَاتِلُ لَهُ كَافِرًا اسْتَعَانَ بِهِ الْبُغَاةُ عَلَيْنَا، وَإِلَّا فَشَهِيدٌ دُونَ مَقْتُولِ الْبُغَاةِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مُبَاحًا) أَيْ مَأْذُونًا فِيهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَخَرَجَ بِهِ قِتَالُ الذِّمِّيِّينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَارِي إلَخْ) وَهَذَا يُقَالُ لَهُ شَهِيدُ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ شَهِيدَ الْآخِرَةِ أَنَّ لَهُ رُتْبَةً فِيهَا زَائِدَةً عَلَى غَيْرِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَبْلُغُ رُتْبَةَ شَهِيدِ
وَالْمَطْعُونِ وَالْمَيِّتِ عِشْقًا وَالْمَيِّتَةِ مُطْلَقًا وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ الْمَذْكُورِ ظُلْمًا فَيُغْسَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَسٍ أَصَابَهُ غَيْرُ دَمِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا، وَيُسَنُّ تَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا إذَا اُعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا، أَمَّا ثِيَابُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ غَالِبًا كَخُفٍّ وَفَرْوَةٍ فَيُنْدَبُ نَزْعُهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، فَإِنْ لَمْ تَكْفِ ثِيَابُهُ وَجَبَ تَتْمِيمُهَا بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ كَمَا مَرَّ (و) الثَّانِي (السِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ (الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَيُسَنُّ سَتْرُهُ بِخِرْقَةِ وَدَفْنُهُ دُونَ غَيْرِهِمَا، أَمَّا إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهُ بِصِيَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهَا كَاخْتِلَاجٍ أَوْ تَحَرُّكٍ فَكَكَبِيرٍ فَيُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ لِتَيَقُّنِ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ بَعْدَهَا فِي الْأُولَى وَظُهُورِ أَمَارَتِهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَظَهَرَ خَلْقُهُ وَجَبَ تَجْهِيزُهُ بِلَا صَلَاةٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَعْرَكَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّهَدَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَشَهِيدُ الدُّنْيَا فَقَطْ، وَهُوَ مَنْ قَاتَلَ لَا لِذَلِكَ بَلْ لِلْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهَا وَشَهِيدُ الْآخِرَةِ فَقَطْ، وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَالْغَرِيقِ إلَخْ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَالْغَرِيقِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِرُكُوبِ الْبَحْرِ كَأَنْ رَكِبَ سَفِينَةً لَا يَسِيرُ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ لِصِغَرِهَا أَوْ ثِقَلِهَا، وَالْعِصْيَانُ بِالتَّعَدِّي بِالرُّكُوبِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ وَعِبَارَةُ ق ل:
قَوْلُهُ: " كَالْغَرِيقِ " مَا لَمْ يُسَيِّرْ السَّفِينَةَ فِي وَقْتِ الْغَرَقِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِ رُكُوبُهَا لِشُرْبِ الْخَمْرِ إنْ لَمْ يَمُتْ بِشَرْقٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَيِّتِ عِشْقًا) وَلَوْ الْأَمْرَدَ إنْ عَفَّ وَكَتَمَ وَلَوْ عَنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَعِبَارَةُ أج: وَالْمَيِّتُ عِشْقًا أَيْ بِشَرْطِ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ وَإِمْكَانِ إبَاحَةِ الْمَعْشُوقِ شَرْعًا وَتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَخَرَجَ عِشْقُ الْأَمْرَدِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إبَاحَتُهُ فَعِشْقُهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ؛ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى عِشْقٍ اخْتِيَارِيٍّ فَلَوْ كَانَ اضْطِرَارِيًّا مَعَ الْعِفَّةِ وَالْكِتْمَانِ فَالْوَجْهُ حُصُولُ الشَّهَادَةِ ق ل قَالَ ع ش عَلَى م ر: مَعْنَى الْعِفَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَى بِهِ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا فَاحِشَةٌ، وَالْكِتْمَانُ أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا بِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ لِمَحْبُوبِهِ، لَطِيفَةٌ: حُكِيَ أَنَّ شَخْصًا نَزَلَ هُوَ وَمَحْبُوبُهُ يَسْبَحَانِ فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ مَحْبُوبُهُ، فَأَشَارَ إلَى الْبَحْرِ وَأَنْشَدَ وَقَالَ:
يَا مَاءُ مَالَكَ قَدْ أَتَيْتَ بِضِدِّ مَا
…
قَدْ قِيلَ فِيك مُخَبِّرًا بِعَجِيبِ
اللَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ فِيك حَيَاتَنَا
…
فَلِأَيِّ شَيْءٍ مَاتَ فِيكَ حَبِيبِي
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَطَلَعَ لَهُ مِنْ الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَيْتَةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ مِنْ زِنًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي.
قَوْلُهُ: (غَسْلُ نَجِسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ غَسْلُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ إنْ أَدَّى إلَى إزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م د.
قَوْلُهُ: (الَّتِي مَاتَ فِيهَا) وَلَوْ حَرِيرًا لَبِسَهُ لِأَجَلِ الْحَرْبِ، دُونَ مَا لَبِسَهُ لِقُمَّلٍ أَوْ جَرَبٍ.
قَوْلُهُ: (وَفَرْوَةٍ) أَيْ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ.
قَوْلُهُ: (بِمَا يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ) بَلْ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (صَارِخًا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِعَامِلِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلسَّقْطِ وَهُوَ النَّازِلُ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ نَظَّمَهَا شَيْخُنَا ح ف فَقَالَ:
وَالسَّقْطُ كَالْكَبِيرِ فِي الْوَفَاةِ
…
إنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ الْحَيَاةِ
أَوْ خَفِيَتْ وَخَلْقُهُ قَدْ ظَهَرَا
…
فَامْنَعْ صَلَاةً وَسِوَاهَا اعْتَبِرَا
أَوْ اخْتَفَى أَيْضًا فَفِيهِ لَمْ يَجِبْ
…
شَيْءٌ وَسَتْرٌ ثُمَّ دَفْنٌ قَدْ نُدِبْ
قَوْلُهُ: (كَاخْتِلَاجِ) هُوَ التَّحَرُّكُ لِعُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ، فَعَطْفُ التَّحَرُّكِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ: اخْتَلَجَ الْعُضْوُ اضْطَرَبَ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الِاخْتِلَاجِ وَالتَّحَرُّكِ تَأْكِيدٌ.
قَوْلُهُ: (وَظَهَرَ خَلْقُهُ) وَلَوْ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
عَلَيْهِ، وَفَارَقَتْ الصَّلَاةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُغْسَلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَالسِّقْطُ مُشْتَقٌّ مِنْ السُّقُوطِ وَهُوَ النَّازِلُ قَبْلَ تَمَامِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَلَغَهَا فَكَالْكَبِيرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالِاسْتِهْلَالُ الصِّيَاحُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَوْلُهُ صَارِخًا تَأْكِيدٌ (وَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا) نَدْبًا كَمَا مَرَّ (وَيَكُونُ فِي أَوَّلِ غُسْلِهِ سِدْرٌ) أَوْ خِطْمِيٌّ (وَفِي آخِرِهِ) الَّذِي يَكُونُ وِتْرًا (شَيْءٌ مِنْ كَافُورٍ) تَقْوِيَةً لِلْجَسَدِ وَمَنْعًا لِلْهَوَامِّ وَالنَّتْنِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ. وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَا يَقْرَبُ طِيبًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَصِفَةُ أَكْمَلِ الْغُسْلِ قَدْ تَقَدَّمَتْ. (وَيُكَفَّنُ) الْمَيِّتُ الذَّكَرُ (فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ) لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِ، وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ فَيُزَادُ قَمِيصٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (بِلَا صَلَاةٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ) أَيْ الْغَيْرَ أَوْسَعُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَهَا فَكَالْكَبِيرِ) وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ خَلْقُهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوَلَدَ النَّازِلَ بَعْدَ تَمَامِ أَشْهُرِهِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْكَبِيرِ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ سَبْقُ حَيَاةٍ إذْ هُوَ خَارِجٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ يَجِبُ دَفْنُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ اسْتَثْنُوا مِنْهُ مَا اسْتَثْنُوا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ.
قَوْلُهُ: (وَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَفْصِيلِ قَوْلِهِ: " وَيَلْزَمُ فِي الْمَيِّتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ غُسْلُهُ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (وِتْرًا) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ غُسْلًا وِتْرًا كَمَا قَرَّرَهُ سم.
قَوْلُهُ: (سِدْرٌ) أَيْ وَرَقُ سِدْرٍ وَهُوَ شَجَرُ النَّبْقِ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ وَاحِدُهُ سِدْرَةٌ قَالَ تَعَالَى:{عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم: 14] فَالسِّدْرُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِشَجَرِ النَّبْقِ وَفِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِوَرِقِهِ وَاخْتِيرَ وَرَقُ السِّدْرِ لِاخْتِصَاصِهِ أَيْ السِّدْرِ بِمَجْمُوعِ أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ ظِلٌّ مَدِيدٌ وَطَعْمٌ لَذِيذٌ وَرَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ خِطْمِيٌّ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ. اهـ. م د وَهُوَ وَرَقٌ يُشْبِهُ وَرَقَ الْخُبَّيْزَا.
قَوْلُهُ: (شَيْءٌ مِنْ كَافُورٍ) التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ كَافُورٍ بِحَيْثُ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَإِلَّا ضُرٌّ؛ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صُلْبٍ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا فَلَا يَضُرُّ أَصْلًا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ.
قَوْلُهُ: (لِلْهَوَامِّ) جَمْعُ هَامَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْهَوَامُّ دَوَابُّ الْأَرْضِ، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْأَصْلُ أَنَّهَا الدَّوَابُّ ذَوَاتُ السَّمُومِ، وَفِي الْحَدِيثِ:«أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ هَامَّةٍ وَسَامَّةٍ» م د.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) أَيْ مِنْ غَسَلَاتِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَخِيرَةِ آكَدَ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْرَبُ طِيبًا) لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَهُوَ كَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ الْمُحَدَّةِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهَا شَيْءٌ كَالتَّطَيُّبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِحْدَادَ لِلتَّفَجُّعِ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلِأَنَّ أَثَرَ الْإِحْرَامِ فِيهِ بَاقٍ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ:«إنَّ الْمُحْرِمَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَيَعْصِي مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْنَا إبْقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا جَازَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ مَا عَدَا النِّسَاءِ فَنَحْنُ كَذَلِكَ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لَا يَقْرَبُ طِيبًا " أَيْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهُ وَطَرْحُ الْكَافُورِ فِي مَاءِ غُسْلِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ فِعْلُهُ فِي كَفَنِهِ، فَيَحْرُمُ أَنْ يَقْرَبَ طِيبًا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بَدَنُهُ وَمَاءُ غُسْلِهِ وَكَفَنُهُ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَى فَاعِلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (الْبَسُوا) بِوَزْنِ اعْلَمُوا مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ فَهُوَ بِكَسْرِ عَيْنِ الْمَاضِي وَفَتْحِ عَيْنِ الْمُضَارِعِ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَعَكْسُهُ مَعْنَاهُ الِاخْتِلَاطُ قَالَ بَعْضُهُمْ:
لِعَيْنِ مُضَارِعٍ فِي لُبْسِ ثَوْبٍ
…
أَتَى فَتْحٌ وَفِي الْمَاضِي بِكَسْرِ
وَفِي خَلْطِ الْأُمُورِ أَتَى بِعَكْسٍ
…
لَعَيْنِهِمَا فَخُذْهُ بِغَيْرِ عُسْرِ
قَوْلُهُ: (الْبَيَاضَ) أَيْ ذَا الْبَيَاضِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ) أَيْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا، فَلَا يُنَافِي
وَعِمَامَةٌ تَحْتَ اللَّفَائِفِ، وَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى خَمْسَةٌ إزَارٌ فَقَمِيصٌ فَخِمَارٌ وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ فَلِفَافَتَانِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ سَبْعَةٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهَا: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ النِّيَّةُ كَنِيَّةِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا يَجِبُ فِي الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ تَعْيِينُهُ بِاسْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا مَعْرِفَتُهُ، بَلْ يَكْفِي تَمْيِيزُهُ نَوْعَ تَمْيِيزٍ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّرِكَةِ حَيْثُ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْهَا، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا الْغُرَمَاءُ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ رَابِعٌ وَخَامِسٌ) لَكِنَّهُمَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِرِضَا الْوَرَثَةِ الْمُطْلَقِينَ التَّصَرُّفُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ الزِّيَادَةُ؛ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُنْثَى.
قَوْلُهُ: (وَعِمَامَةٌ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، فَلَوْ أَخَّرَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ " إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا " إلَى هُنَا كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (خَمْسَةُ) أَيْ مُبَالَغَةً فِي سَتْرِهَا وَحِكْمَةُ كَوْنِ الذَّكَرِ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ وَالْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةٍ أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا خَالَفَا وَأَكَلَا مِنْ الشَّجَرَةِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْجَنَّةِ، فَسَقَطَتْ التِّيجَانُ مِنْ رُءُوسِهِمَا وَالْحُلَلُ عَنْ أَجْسَادِهِمَا، فَمَرَّا عَلَى أَشْجَارِ الْجَنَّةِ يُرِيدَانِ شَجَرَةً يَسْتَتِرَانِ مِنْهَا فَلَمْ يُعْطَيَا شَيْئًا، فَمَرَّا عَلَى شَجَرَةِ التِّينِ فَأَعْطَتْهُمَا ثَمَانِيَةَ أَوْرَاقٍ ثَلَاثَةٌ لِآدَمَ وَخَمْسَةٌ لِحَوَّاءَ؛ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَكْفَانٍ وَلِلْمَرْأَةِ خَمْسَةٌ إذَا مَاتَا وَلَمَّا أَعْطَتْهُمَا شَجَرَةُ التِّينِ تِلْكَ الْأَوْرَاقِ قَالَ لَهَا الرَّبُّ جَلَّ وَعَلَا: أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ كُلُّ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ لَمْ يُعْطُوا لَهُمَا شَيْئًا مِنْ أَوْرَاقِهَا وَأَنْتَ أَعْطَيْتِهِمَا تِلْكَ الْأَوْرَاقَ، فَقَالَتْ: إلَهِي وَسَيِّدِي أَنْتَ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْكَرِيمَ أَنَا أَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ أَحْبَبْتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَبْشِرِي فَإِنِّي جَعَلْتُك أَفْضَلَ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَخَصَصْتُك بِثَلَاثٍ: حَرَّمْتُك عَلَى النَّارِ وَجَعَلْتُكِ قُوتًا لَبَنِي آدَمَ وَجَعَلْتُ أَكْفَانَ بَنِي آدَمَ عَدَدَ الْأَوْرَاقِ الَّتِي أَعْطَيْتهَا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَسُتْرَتِي بِهَا عَوْرَاتِهِمَا، ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَفِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ لِلسُّيُوطِيِّ: قِيلَ لَمَّا نَزَلَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ نَزَلَ مَعَهُ أَرْبَعُ وَرَقَاتٍ مِنْ وَرَقِ التِّينِ كَانَ قَدْ سَتَرَ بِهَا عَوْرَتَهُ، فَلَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ جَاءَهُ كُلُّ حَيَوَانٍ فِي الْأَرْضِ يُهَنِّئُهُ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ وَيَتَبَرَّكُونَ بِهِ، فَسَبَقَ إلَيْهِ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ الْغَزَالُ وَبَقَرُ الْبَحْرِ وَالنَّحْلُ وَالدُّودُ، فَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلْغَزَالِ فَصَارَ مِنْهُ الْمِسْكُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِبَقَرِ الْبَحْرِ فَصَارَ مِنْهُ الْعَنْبَرُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلنَّحْلِ فَصَارَ مِنْهُ الْعَسَلُ وَأَطْعَمَ وَرَقَةً لِلَّدُودِ فَصَارَ مِنْهُ الْحَرِيرُ؛ فَسُبْحَان الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اهـ.
قَوْلُهُ: (إزَارٌ) هُوَ وَالْمِئْزَرُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَاجِبُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَيُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَوْلُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، أَيْ مِنْ أَنَّهُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ أَوْ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ
قَوْلُهُ: (كَنِيَّةِ غَيْرِهَا) أَيْ فِي وَقْتِهَا، وَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ مُطْلَقِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ كِفَايَةً كَمَا يَكْفِي نِيَّةُ الْفَرْضِ فِي إحْدَى الْخَمْسِ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْعَيْنِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ مَعَ رِجَالٍ وَلَوْ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فَلْيُحَرَّرْ، م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَعِبَارَتُهُ هُنَا: وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ حَتَّى فِي الصَّبِيِّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ هُنَا إسْقَاطًا عَنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَرْأَةُ كَالصَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: (الْحَاضِرِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْغَائِبِ مِنْ تَعْيِينِهِ بِاسْمِهِ وَنَحْوِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَكْفِي فِيهِ أَيْضًا الصَّلَاةُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ اهـ ح ل وَعِبَارَةُ ز ي: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْغَائِبِ مِنْ تَعْيِينِهِ إلَّا إذَا قَالَ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرَ النَّهَارِ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ وَغُسِّلَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ نَظَرًا لِلْعُمُومِ؛ وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ كَاسْمِ جِنْسِهِ نَحْوُ رَجُلٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (نَوْعَ تَمْيِيزٍ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا الْبَيْتِ) وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي صُنْدُوقٍ مَثَلًا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ تَرَدُّدٍ لِبَعْضِ الْيَمَانِيِّينَ اهـ ز ي فَرْعٌ: قَالَ م ر: إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي سِحْلِيَّةٍ مُسَمَّرَةٍ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ فِي مَحِلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ بَابٌ مُسَمَّرٌ؛ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً وَلَوْ بَعْضَ أَلْوَاحِهَا الَّذِي يَسَعُ خُرُوجَ الْمَيِّتِ مِنْهُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ اهـ فَأَوْرَدْتُ عَلَيْهِ
أَوْ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ، فَإِنْ عَيَّنَهُ كَزَيْدٍ أَوْ رَجُلٍ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَأَخْطَأَ فِي تَعْيِينِهِ فَبَانَ عُمَرًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ صَحَّتْ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ، فَإِنْ حَضَرَ مَوْتَى نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَدَهُمْ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَلَوْ صَلَّى عَلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى حَيٍّ وَمَيِّتٍ صَحَّتْ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ وَالرُّكْنُ الثَّانِي قِيَامُ قَادِرٍ عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ.
(وَ) الرُّكْنُ الثَّالِثُ (يُكَبِّرُ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ ذِكْرًا وَإِذَا زَادَ إمَامُهُ عَلَيْهَا لَمْ يُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الزَّائِدِ لِعَدَمِ سَنِّهِ لِلْإِمَامِ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيُسَلِّمُ أَوْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً كَانَتْ كَالْبَابِ الْمَرْدُودِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ ذَلِكَ كَمَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ ذَلِكَ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، بَلْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ امْتِنَاعُ الصَّلَاةِ عَلَى امْرَأَةٍ عَلَى تَابُوتِهَا قُبَّةٌ فَتُكَلَّفُ فِي الْجَوَابِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ الظُّهُورَ وَمِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ السَّتْرَ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَقَوْلُ سم " مَا لَمْ تَكُنْ مُسَمَّرَةً " شَمَلَ مَا لَوْ كَانَ بِهَا شِدَادٌ وَلَمْ تُحَلَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ تَكُنْ السِّحْلِيَّةُ عَلَى نَجَاسَةٍ أَوْ يَكُنْ أَسْفَلُهَا نَجِسًا، وَإِلَّا وَجَبَ الْحَلُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَارِجَ الْبَيْتِ الضَّرَرُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُعَيَّنَاتِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْتَبَرُ التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ) وَلَوْ إشَارَةً قَلْبِيَّةً ح ف.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ صَلَّى عَلَى الْبَاقِي لَمْ تَصِحَّ) فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُشِرْ؛ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ لِوُجُودِ الْإِبْهَامِ الْمُطْلَقِ فِي كُلٍّ مِنْ الْبَعْضَيْنِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَفْرُغَ) أَيْ الْإِمَامُ ثُمَّ يُصَلِّي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ) أَوْ الِائْتِمَامُ أَوْ الْجَمَاعَةُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (قِيَامُ قَادِرٌ عَلَيْهِ) وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً مَعَ رِجَالٍ وَإِنْ وَقَعَتْ لَهُمَا نَفْلًا، رِعَايَةً لِصُورَةِ الْفَرْضِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ قَعَدَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اضْطَجَعَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاضْطِجَاعِ اسْتَلْقَى، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهَا وَعِبَارَةُ م ر: شَمَلَ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إذَا صَلَّيَا مَعَ الرِّجَالِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلنَّاشِرِيِّ اهـ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقَطْعُ وَيُمْنَعُ مِنْهُ الصَّبِيُّ وَالْعَاجِزُ عَنْهُ كَالْجَالِسِ وَالْمُضْطَجِعِ وَالْمُسْتَلْقِي تَصِحُّ مِنْهُ وَيَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْقَادِرِ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُشَرَّعْ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْمَيِّتَ اعْتَرَضَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَوْ أُمِرَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَتَوَهَّمَ الْجَاهِلُ أَنَّهُ لِلْمَيِّتِ. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ
قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا وَلَمْ يَعْتَقِدْ الْبُطْلَانَ وَلَا نَوَى بِهِ الرُّكْنِيَّةَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ الرُّكْنِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ بِقَصْدِ الرُّكْنِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ سُلْطَانُ وَلَوْ وَالَى رَفْعَ يَدَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ فَالْوَجْهُ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ سم شَوْبَرِيُّ وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تَبْطُلْ، أَيْ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْبُطْلَانَ بِالزِّيَادَةِ وَإِلَّا بَطَلَتْ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ) بَلْ يُكْرَهُ، فَلَوْ تَابَعَهُ فِي الزَّائِدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ م ر وَذَكَرَهُ خ ض وَغَيْرُهُ فَلْيُحْفَظْ وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَدْخُلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ. اهـ. م د وَعِبَارَةُ أج: لَمْ تُسَنَّ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: تُسَنُّ وَالْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: الْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَفْضَلُ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا. اهـ. ق ل.
وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلِعُمُومِ خَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَقَوْلُهُ (يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تِبْيَانِهِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ إخْلَاءُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) صَنِيعُهُ هُنَا فِي حَلِّ الْمَتْنِ غَيْرُ حَسَنٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ: رُكْنِيَّةَ الْفَاتِحَةِ وَكَوْنَ مَحِلِّهَا بَعْدَ الْأُولَى، وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ مُفِيدًا لِلثَّانِيَّ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَجَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مُفِيدًا لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْأُولَى فَقَطْ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْأُولَى إلَخْ، وَسَيَأْتِي لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ فِي الدُّعَاءِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى) مُعْتَمَدٌ.
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَوْ غَيْرَ الرَّابِعَةِ كَأَنْ زَادَ خَامِسَةً وَقَرَأَهَا فِيهَا سم وَشَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الثَّانِيَةِ) أَيْ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ، أَيْ مَعَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ:(وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ، فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا وَتَأْخِيرُهَا إلَى غَيْرِهَا م ر شَوْبَرِيُّ فَرْعٌ: أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ عَمْدًا تَارِكًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى وَهِيَ الثَّانِيَةُ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا الْأَصْلِيُّ فَتَعَيَّنَتْ فِيهِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهَا، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إمَّا الْمُفَارَقَةُ وَإِمَّا قِرَاءَتُهَا مَا لَمْ يَخَفْ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا فَارَقَهُ وُجُوبًا وَأَتَمَّهَا؛ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى تَأْخِيرَ الْفَاتِحَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْأُولَى فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى سم.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْفَاتِحَةُ فِي مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا مُتَعَيِّنٌ فِي مَحَلِّهِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَى إمَّا أَوْلَوِيٌّ أَوْ مُسَاوٍ لِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْتُ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسِيلَةٌ لِقَبُولِهَا، فَتَعَيَّنَ مَحَلُّهُمَا الْوَارِدَانِ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إشْعَارًا بِذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا مَحَلٌّ إشْعَارًا بِأَنَّهَا دَخِيلَةٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُسَنَّ فِيهَا السُّورَةُ. اهـ. حَجّ وَشَوْبَرِيٌّ مُلَخِّصًا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ:
قَوْلُهُ " بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى "، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: تُجْزِئُ بَعْدَ غَيْرِهَا أَيْضًا، وَلَهُ عَلَى هَذَا جَمْعُهَا مَعَ رُكْنٍ آخَرَ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الرَّابِعَةِ؛ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ " بِعَقِبِ " بَدَلَ " بَعْدَ " فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل وَ.
قَوْلُهُ " نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ " ضَعِيفٌ، فَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ " وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ " أَيْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا لِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فِي غَيْرِهَا " أَيْ بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَثَلًا اهـ بِحُرُوفِهِ وَفِي فَتَاوَى م ر مَا نَصُّهُ: سُئِلَ رضي الله عنه فِيمَنْ تَبَاطَأَ بِإِحْرَامِهِ عَنْ إحْرَامِ إمَامِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَمَّا أَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ كَبَّرَ إمَامُهُ الثَّانِيَةَ، هَلْ يُكَبِّرُ مَعَهُ وُجُوبًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ رَأْسًا أَوْ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ الْفَاتِحَةُ مُتَعَيِّنَةً فِيهَا؟ وَإِذَا تَرَكَهَا فِي الْأُولَى عَمْدًا وَأَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا؟ فَأَجَابَ: يُكَبِّرُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِمَا بَعْدَ الْأُولَى لِسُقُوطِ مَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ، وَمَتَى أَخَّرَهَا لِمَا بَعْدَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ فَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى
وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي قُرِئَتْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا فِي رُكْنٍ آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ، وَكَالْفَاتِحَةِ فِيمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْعَجْزِ بَدَلَهَا
(وَ) الرُّكْنُ الْخَامِسُ (يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّانِيَةِ) لِلِاتِّبَاعِ، وَأَقَلُّهَا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ كَالدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ عَقِبَهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(وَ) الرُّكْنُ السَّادِسُ (يَدْعُو لِلْمَيِّتِ) بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا قَبْلَهُ مُقَدِّمَةٌ لَهُ فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْوَاجِبُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَاللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَأَمَّا الْأَكْمَلُ فَسَيَأْتِي، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْأَشْبَهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ الدُّعَاءُ لَهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ. قَالَ الْغَزِّيُّ: بَاطِلٌ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ (بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الثَّالِثَةِ) فَلَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ الِاتِّبَاعُ اهـ وَيَكْفِي ذَلِكَ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ بَعْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَحْتَ صَدْرِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى اهـ بِحُرُوفِهِ. وَظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَاتِحَةِ عَنْ الْمَسْبُوقِ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ عَقِبَ تَكْبِيرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهَا بَعْدَ الْأُولَى نَظَرًا لِمَحِلِّهَا الْفَاضِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عَلَّلَ بِهِ؛ وَتَلَخَّصَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تُجْزِئُ بَعْدَ غَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَلَوْ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَقَبْلَ السَّلَامِ فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَفِي الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مَا يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَا ذَكَرَهُ ق ل مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ ضَعِيفٌ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ قَوْلُ ق ل " وَلَوْ عَبَّرَ بِعَقِبِ إلَخْ " لَا يَظْهَرُ لَهُ فَائِدَةٌ مَعَ مَا فِي جَوَابِ م ر مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ حَيْثُ أَخَّرَ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ بِتَكْبِيرَةٍ حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إذْ الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَنِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وخ ط وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا: تَبْطُلُ بِتَكْبِيرَتَيْنِ اهـ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ، بَلْ أَوْلَى خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ كَمَا فِي خ ط عَلَى الْغَايَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَهَا فِي رُكْنٍ وَبَعْضَهَا فِي رُكْنٍ آخَرَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْخَصْلَةَ لَمْ تَثْبُتْ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ مُوَافِقٍ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا وَتَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ غَيْرِهَا؟ أَجَابَ ابْنُ م ر بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالشُّرُوعِ، فَقَوْلُهُمْ الْفَاتِحَةُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْأُولَى أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ إلَخْ) كَمَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ؛ وَكَذَا إذَا قَرَأَهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ: (يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ) وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ فِيهَا إفْرَادُ الصَّلَاةِ عَنْ السَّلَامِ لِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخِرِ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَقْتَ زِيَارَتِهِ فَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ عَنْ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهَا إلَخْ) وَأَكْمَلُهَا مَا فِي التَّشَهُّدِ، وَهُوَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إلَخْ
قَوْلُهُ: (بِخُصُوصِهِ) أَوْ فِي عُمُومِ غَيْرِهِ بِقَصْدِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأُخْرَوِيٍّ كَاَللَّهُمِ اغْفِرْ لَهُ أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ اللَّهُمَّ اُلْطُفْ بِهِ أَوْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَوْ رَحِمَهُ أَوْ لَطَفَ بِهِ، فَلَا يَكْفِي الدُّعَاءُ بِدُنْيَوِيٍّ إلَّا أَنْ يَئُولَ إلَى نَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ كَاَللَّهُمِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ.
قَوْلُهُ: (وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، إذْ الْمَغْفِرَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الذَّنْبَ رَحْمَانِيُّ؛ فَيَكْفِي فِي الصَّغِيرِ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالْأَقَلِّ كَاَللَّهُمِ اغْفِرْ لَهُ وَبِالْأَكْمَلِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش اسْتِثْنَاءُ الطِّفْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَيِّتُ يُدْعَى لَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِ الْغَزِّيِّ، وَرُبَّمَا يُرَشَّحُ لَهُ تَبْرِئَةُ الشَّارِحِ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْغَزِّيُّ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (بَاطِلٌ) إنْ حَمَلَ عَلَى إخْلَاءِ التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الدُّعَاءِ لَهُ أَوْ لِوَالِدَيْهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الدُّعَاءُ لِلصَّغِيرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لَهُ أَوْ لِوَالِدَيْهِ فَلَيْسَ بِبَاطِلٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي ذَلِكَ) أَيْ يَكْفِي الِاتِّبَاعُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ،
الصَّلَوَاتِ، وَتَعَوُّذٌ لِلْقِرَاءَةِ وَإِسْرَارٌ بِهِ، وَبِقِرَاءَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَتَرْكُ افْتِتَاحٍ وَسُورَةٍ لِطُولِهِمَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ. وَلَوْ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ. وَأَمَّا أَكْمَلُ الدُّعَاءِ (فَيَقُولُ) بَعْدَ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ، (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (هَذَا) الْمَيِّتُ (عَبْدُك وَابْنُ عَبْدَيْك) بِالتَّثْنِيَةِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ (خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ نَسِيمُ الرِّيحِ (وَسَعَتِهَا) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ الِاتِّسَاعِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَجْرُورِ الْمُضَافِ (وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ فِيهَا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلَّةٍ وَلَا حِكْمَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَبِقِرَاءَةٍ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: وَبِدُعَاءٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَلَا يَجْهَرُ إلَّا بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ أَيْ الْإِمَامُ وَالْمُبَلِّغُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا غَيْرُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَغَيْرُهُمَا يُسِرُّ حَتَّى بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ.
قَوْلُهُ: (وَسُورَةٍ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ إمَامِهِ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْ وُقُوفِهِ سَاكِتًا، قَالَهُ فِي الْإِيعَابِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: أَيْ وَمِنْ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، إذْ الْأُولَى لَيْسَتْ مَحَلَّ طَلَبِ الدُّعَاءِ لَهُ، تَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ نَدْبًا حَيْثُ لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ؛ تُحْفَةُ شَوْبَرِيٍّ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ:(بَعْدَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ إلَخْ) فَالْأَوَّلُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَيِّتٍ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ خَاصٌّ بِالْبَالِغِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي فِي الشَّرْحِ خَاصٌّ بِالصَّبِيِّ؛ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَأْتِي كَفَى فِي الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا) فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيْنَ مَفْهُومِيهِمَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ مِنْ الْغَفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ وَالْعَفْوُ الْمَحْوُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ السَّتْرِ الْمَحْوُ وَعَكْسُهُ كَأَنْ يُحَاسِبَهُ بِذَنْبٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ ثُمَّ يَعْفُوَ عَنْهُ أَوْ يَسْتُرُهُ وَيُجَازِيهِ عَلَيْهِ؛ أَمَّا بِالنَّظَرِ لِكَرَمِ اللَّهِ فَهُوَ إذَا سَتَرَ عَفَا فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ؛ وَلِذَا يُقَالُ فِي مَقَامِ الْمُلَاطَفَةِ فِي الْأَكْثَرِ: عَفَا اللَّهُ عَنْهُ؛ ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَصَغِيرِنَا) أَيْ إذَا بَلَغَ وَاقْتَرَفَ الذَّنْبَ، أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ فِي الصِّفَاتِ شَوْبَرِيٌّ، أَوْ الْمُرَادُ الصَّغِيرُ حَقِيقَةً؛ وَالدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ ذَنْبٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِزِيَادَةِ دَرَجَاتِ الْقُرْبِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ اسْتِغْفَارُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ، ابْنُ حَجَرٍ فِي الدُّرِّ الْمَنْضُودِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ.
قَوْلُهُ: (فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَةُ الْإِسْلَامِ لِلْحَيَاةِ وَالْإِيمَانُ لِلْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كِنَايَةٌ عَنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ، وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ؛ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِهِ عِنْدَ الْوَفَاةِ، أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مَقُولُ الْقَوْلِ، وَهَذَا اسْتِعْطَافٌ وَتَقَدُّمَةٌ لِلدُّعَاءِ وَأَوَّلُهُ.
قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: فَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُك إلَخْ، قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا إلَخْ، لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (عَبْدُك) مَرْفُوعٌ أَوْ مَنْصُوبٌ ب " ارْحَمْ ".
قَوْلُهُ: (وَابْنُ عَبْدَيْك) يَعْنِي أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ م ر: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: وَابْنُ أَمَتِك.
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَكَذَا قَوْلُهُ بِفَتْحِ السِّينِ مَثَلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ الْأَفْصَحَ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ فِي الرُّوحِ الضَّمُّ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [الواقعة: 89] وَفِي السِّعَةِ الْكَسْرُ وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الدَّنَوْشَرِيُّ فَقَالَ:
وَسَعَةٌ بِالْفَتْحِ فِي الْأَوْزَانِ
…
وَالْكَسْرُ مَحْكِيٌّ عَنْ الصَّاغَانِي
ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (نَسِيمُ الرِّيحِ) يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْأَخَصِّ لِلْأَعَمِّ، إذْ النَّسِيمُ نَوْعٌ مِنْ الرِّيحِ.
قَوْلُهُ: (وَمَحْبُوبِهِ) أَيْ وَخَرَجَ مِنْ
أَيْ مَا يُحِبُّهُ وَمَنْ يُحِبُّهُ (إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لَاقِيهِ) مِنْ هَوْلِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: لَكِنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ مَا يَلْقَاهُ فِي الْقَبْرِ وَفِيمَا بَعْدَهُ (كَأَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ) سَيِّدَنَا (مُحَمَّدًا) صلى الله عليه وسلم (عَبْدُك وَرَسُولُك) إلَى جَمِيعِ خَلْقِك (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ) أَيْ مِنَّا (اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِك) أَيْ ضَيْفُك وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَضَيْفُ الْكِرَامِ لَا يُضَامُ (وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) وَيَذْكُرُ اللَّفْظَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَثِيرًا مَا يُغْلَطُ فِي ذَلِكَ (وَأَصْبَحَ فَقِيرًا إلَى رَحْمَتِك) الْوَاسِعَةِ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاك) أَيْ قَصَدْنَاك (رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ) عِنْدَك (اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) لِنَفْسِهِ (فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ) أَيْ إحْسَانِك إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا) عَلَيْهَا (فَتَجَاوَزْ عَنْهُ) بِكَرَمِك (وَلَقِّهِ) أَيْ أَنِلْهُ (بِرَحْمَتِك رِضَاك) عَنْهُ (وَقِهْ) بِفَضْلِك (فِتْنَةَ) السُّؤَالِ فِي (الْقَبْرِ) بِإِعَانَتِهِ عَلَى التَّثْبِيتِ فِي جَوَابِهِ (وَ) قِهْ (عَذَابَهُ) الْمَعْلُومُ صِحَّتُهُمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَافْسَحْ لَهُ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ وَسِّعْ لَهُ (فِي قَبْرِهِ) مَدَّ الْبَصَرِ كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ (وَجَافِ الْأَرْضَ) أَيْ ارْفَعْهَا (عَنْ جَنْبَيْهِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عِنْدِ مَحْبُوبِهِ، أَيْ الْمَيِّتُ وَمَحْبُوبُهُ كُلُّ مَا كَانَ يُحِبُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ حَيَوَانَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا مِثْلُ الْمَالِ وَالْكُتُبِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَأَحِبَّائِهِ) أَيْ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُ وَلَا يَكُونُونَ إلَّا عُقَلَاءَ.
قَوْلُهُ: (إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ) مُتَعَلِّقٌ ب " خَرَجَ ".
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ اللَّفْظَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ: " وَمَا هُوَ لَاقِيهِ " أَيْ مِنْ جَزَاءِ عَمَلِهِ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَشْهَدُ) فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهُ، أَيْ دَعَوْنَاك لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ إلَخْ، شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ) احْتَاجَ إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَةِ الْجَزْمِ قَبْلَهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (نَزَلَ بِك) أَيْ عِنْدَك قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ اللَّفْظَ) أَيْ الْهَاءَ مِنْ " بِهِ " قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ " وَأَنْتَ يَا اللَّهُ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِاَللَّهِ " وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَائِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ شَامِلٍ.
قَوْلُهُ: (وَكَثِيرًا مَا يَغْلَطُ)" مَا " زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْكَثْرَةِ، " وَكَثِيرًا " مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فَيُذَكَّرُ مَعَ الْمُذَكِّرِ وَيُؤَنَّثُ مَعَ الْمُؤَنَّثِ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ كَفَرَ، قَالَهُ ز ي؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَأَنْتِ خَيْرُ امْرَأَةٍ مَنْزُولٌ بِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَاعْتَرَضَ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلَّهِ: بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ، وَالتَّقْدِيرُ: خَيْرُ كَرِيمٍ مَنْزُولٍ بِهِ، أَيْ تَنْزِلُ بِذَلِكَ الْكَرِيمِ الضِّيفَانُ، فَإِنْ قَدَّرْتَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفَ جَمْعًا كَانَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ جَمْعٍ بِأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: خَيْرُ كُرَمَاءِ مَنْزُولٌ بِهِمْ، أَيْ بِتِلْكَ الْكُرَمَاءِ، فَالْمَدَارُ عَلَى الْمُقَدَّرِ؛ وَلَا يُنْظَرُ لِلْمَيِّتِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْحَوَاشِي مِنْ رُجُوعِهِ لِلَّهِ لَا يَظْهَرُ أَصْلًا، وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ الْمَوْصُوفِ مُؤَنَّثًا بِأَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَأَنْتَ خَيْرُ ذَاتٍ تَنْزِلُ بِهَا الضِّيفَانُ.
قَوْلُهُ: (وَأَصْبَحَ فَقِيرًا) أَيْ صَارَ شَدِيدَ الْفَقْرِ إلَى رَحْمَتِك، وَإِلَّا فَهُوَ فَقِيرٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَيْضًا؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ جِئْنَاك) هَلْ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ كَالْقُنُوتِ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَقُولُ جِئْتُك شَافِعًا أَوْ هُوَ عَامٌّ فِي الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَيَقُولُ الْمُنْفَرِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَلَائِكَةٌ وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ حَصَرَ الَّذِينَ صَلَّوْا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، يَعْنِي مِنْ الْإِنْسِ، وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا، لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مَلَكَيْنِ اهـ بِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ مُحْسِنًا) وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مُسِيئًا هَذَا يَقُولُهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَأْتِي فِيهِمْ بِمَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ:(اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) أَيْ مُطِيعًا فِي الدُّنْيَا؛ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (لِنَفْسِهِ) شَمَلَ إحْسَانَهُ لَهَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ " فَزِدْ " أَيْ ضَاعِفْ لَهُ فِي جَزَاءِ إحْسَانِهِ أَيْ طَاعَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ إحْسَانُكَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قَرَّرْنَاهُ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ عَمَلَهُ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ لِحَدِيثِ:«إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» .
قَوْلُهُ: (وَلَقِّهِ) يَجُوزُ كَسْرُ الْهَاءِ مَعَ الْإِشْبَاعِ وَدُونَهُ وَسُكُونُهَا، وَكَذَا فِي ق هـ م ر شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَجَافِ الْأَرْضَ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَفِعًا عَنْ الْأَرْضِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْفِيفِ ضَمَّةِ الْقَبْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْوَالِ الْقَبْرِ، فَهِيَ قَبْلُ
النُّونِ بَعْدَهَا تَثْنِيَةُ جَنْبٍ كَمَا هُوَ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأُمِّ الصَّحِيحَةِ عَنْ جُثَّتِهِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ الْمُشَدَّدَةِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهِيَ أَحْسَنُ لِدُخُولِ الْجَنْبَيْنِ وَالْبَطْنِ وَالظَّهْرِ اهـ. (وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِك الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك) الشَّامِلِ لِمَا فِي الْقَبْرِ وَلِمَا فِي الْقِيَامَةِ، وَأُعِيدَ بِإِطْلَاقِهِ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِمَا تَقَدَّمَ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ (حَتَّى تَبْعَثَهُ) مِنْ قَبْرِهِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ (آمِنًا) مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ مُسَاقًا فِي زُمْرَةِ الْمُتَّقِينَ (إلَى جَنَّتِك بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ) جَمَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْأَخْبَارِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ وَوُجِدَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الرَّوْضَةِ وَمَحْبُوبِهَا وَكَذَا هُوَ فِي الْمَجْمُوعِ. وَالْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ وَمَحْبُوبِهِ وَأَحِبَّائِهِ الْجَرُّ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ بِجَعْلِ الْوَاوِ لِلْحَالِ وَهَذَا فِي الْبَالِغِ الذَّكَرِ، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى عَبَّرَ بِالْأَمَةِ وَأَنَّثَ مَا يَعُودُ إلَيْهَا، وَإِنْ ذَكَرَ بِقَصْدِ الشَّخْصِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ كَانَ خُنْثَى. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجِهُ التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَبٌ بِأَنْ كَانَ وَلَدَ زِنًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ وَابْنُ أَمَتِك اهـ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَيِّتَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِالضَّمَائِرِ مُذَكَّرَةً عَلَى إرَادَةِ الْمَيِّتِ أَوْ الشَّخْصِ، وَمُؤَنَّثَةً عَلَى إرَادَةِ لَفْظِ الْجَنَانَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَمْعٍ مَعًا يَأْتِي فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَقُولُ فِيهِ مَعَ الْأَوَّلِ فَقَطْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ أَيْ سَابِقًا مُهَيِّئًا لِمَصَالِحِهِمَا فِي الْآخِرَةِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
السُّؤَالِ وَقَدْ صَرَّحَتْ الرِّوَايَاتُ وَالْآثَارُ بِأَنَّ ضَمَّةَ الْقَبْرِ عَامَّةٌ لِلصَّالِحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ بِضَمَّةِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ لَا يَنْجُو مِنْهَا صَالِحٌ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ «أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم فِي سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَيِّدِ الْأَوْسِ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ اسْتِبْشَارًا لِقُدُومِ رُوحِهِ وَإِعْلَامًا بِعَظِيمِ مَرْتَبَتِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا، وَأَنَّهُ شَيَّعَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَنْجُو مِنْهَا لَنَجَا مِنْهَا هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ» ؛ لَكِنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِيهَا، قِيلَ: ضَمَّةُ الْقَبْرِ الْتِقَاءُ جَانِبَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْمَيِّتِ، قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً وَلَا سُؤَالًا لِعِصْمَتِهِمْ، قِيلَ: هِيَ لِلْمُطِيعِ حُنُوٌّ وَلِغَيْرِهِ ضَمَّةُ سُخْطٍ وَيَرُدُّهُ مَا وَرَدَ فِي «سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ ضُغِطَ فِي قَبْرِهِ ضَغْطَةً شَدِيدَةً بِحَيْثُ اخْتَلَفَتْ أَضْلَاعُهُ فِيهَا، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الطَّهُورِ مِنْ الْبَوْلِ» وَأَنَّ الضَّمَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَكُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْأَطْفَالِ، لَكِنْ ذُكِرَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ سَلِمَتْ مِنْ هَذِهِ الضَّمَّةِ وَأَنَّ مَنْ قَرَأَ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ كَذَلِكَ، أَيْ يَسْلَمُ مِنْهَا، وَكَذَا الْأَنْبِيَاءُ. وَحِكْمَتُهَا أَنَّ الْأَرْضَ أُمُّهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغِيبَةَ الطَّوِيلَةَ، فَلَمَّا رُدُّوا إلَيْهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّةَ الْوَالِدَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا وَلَدُهَا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا فَمِنْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ ضَمَّتْهُ بِرِفْقٍ وَرَأْفَةٍ وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سُخْطًا مِنْهَا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (الشَّامِلِ إلَخْ) فَيَكُونُ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ.
قَوْلُهُ: (وَأُعِيدَ بِإِطْلَاقِهِ) جَوَابٌ عَنْ التَّكْرَارِ، وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ بِإِطْلَاقِهِ وَاهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ؛ لِأَنَّ عُمُومَهُ يَدْفَعُ التَّكْرَارَ أَيْضًا، فَقَوْلُهُ " بِإِطْلَاقِهِ " أَيْ بِعُمُومِهِ، وَقَوْلُهُ " اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِ " فَكُلُّ جَوَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي أُعِيدَ رَاجِعٌ لِلْعَذَابِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ عَذَابِك، وَقَوْلُهُ " بِمَا تَقَدَّمَ " أَيْ بِإِضَافَتِهِ لِلْقَبْرِ فِي قَوْلِهِ " وَعَذَابِهِ " وَقَوْلُهُ " إذْ هُوَ " أَيْ الْعَذَابُ، أَيْ الْأَمْنُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ هَذِهِ الشَّفَاعَةِ) أَيْ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الدُّعَاءِ قَوْلُهُ: (تَبْعَثُهُ) أَيْ تُحْيِيهِ مِنْ قَبْرِهِ.
قَوْلُهُ: (مُسَاقًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَى جَنَّتِك مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مُسَاقًا.
قَوْلُهُ: (جَمَعَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ هَكَذَا سم. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَمَحْبُوبِهَا) أَيْ الدُّنْيَا، أَيْ الْمَحْبُوبُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (الْجَرُّ) وَقَوْلُهُ " فِيهَا " حَالَ قَوْلِهِ: (وَيَجُوزُ رَفْعُهُ) أَيْ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ " فِيهَا ".
قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الشَّخْصِ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُلَاحِظُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِرَادَةِ؟ . اهـ. شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (التَّعْبِيرُ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ) كَالْمَخْلُوقِ.
قَوْلُهُ: (فَالْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ إلَخْ) وَكَذَلِكَ عِيسَى عليه السلام رَحْمَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ " وَأَنَّهُ إلَخْ " فَإِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَدْخُولِ الْقِيَاسِ، أَيْ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَيْ سَابِقًا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " فَرْطًا " وَقَوْلُهُ " لِمَصَالِحِهِمَا " أَيْ مِنْ الشَّفَاعَةِ وَالْحَوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَسَلَفًا)
وَسَلَفًا وَذُخْرًا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا. لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا: وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تُحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ. وَيُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مَرَّ. وَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاءُ لِلطِّفْلِ. وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ لِثُبُوتِ النَّصِّ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ» وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كَفَى، وَلَوْ تُرُدِّدَ فِي بُلُوغِ الْمُرَاهِقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا وَيُخَصِّصُهُ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى إيمَانِهِمَا خُصُوصًا فِي نَاحِيَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْكُفَّارُ، وَلَوْ عَلِمَ كُفْرَهُمَا كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي حُرِّمَ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا، (وَيَقُولُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) نَدْبًا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُصِيبَةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ كَالتَّنْبِيهِ (وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. نَعَمْ لَوْ خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مُطْلَقُ السَّابِقِ سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّئًا لِلْمَصَالِحِ أَمْ لَا، وَالْفَرْطُ السَّابِقُ الْمُهَيَّأُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَذُخْرًا) شَبَّهَ تَقَدُّمَهُ لَهُمَا بِشَيْءٍ نَفِيسٍ يَكُونُ أَمَامَهُمَا مُدَّخَرًا إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِمَا لَهُ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ " وَاعْتِبَارًا " أَيْ يَعْتَبِرَانِ بِمَوْتِهِ وَفَقْدِهِ حَتَّى يَحْمِلَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَعِظَةً) اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَعْظِ، أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ، أَيْ وَاعِظًا؛ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ أَعْنِي اعْتِبَارًا غَايَتُهُمَا وَهُوَ الظَّفْرُ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِهِ، فَسَقَطَ التَّنْظِيرُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَعْظَ التَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ، وَهَذَا قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ شَرْحُ م ر، أَيْ فَلَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مَيِّتَيْنِ؛ لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمِنْ كَانَ أَبَوَاهُ حَيَّيْنِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَثَقُلَ بِهِ) أَيْ بِثَوَابِ الصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْكَافِرِينَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ) لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْحَيِّ وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ) وَإِتْيَانُ هَذَا فِي الْمَيِّتِينَ صَحِيحٌ إذْ الْفِتْنَةُ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذَابِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّبْرِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ:«إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ؟ فَيَقُولُونَ: حَمَدَك وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ وَالِاسْتِرْجَاعِ» وَوَرَدَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» أَيْ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] الْآيَةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَدْ وَرَدَ:«أَنَّ الْوَلَدَ يَشْفَعُ لِأَبَوَيْهِ» وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَشْبَهَ الْعُلَمَاءَ وَالشُّهَدَاءَ فَإِنَّ لَهُمْ حَظًّا فِي الشَّفَاعَةِ، فَلْيَكُنْ هَذَا أَوْلَى؛ لَكِنْ صَحَّ:«كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرْجُو شَفَاعَةَ وَلَدِهِ أَنْ يُعِقَّ عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الشَّفَاعَةِ بِالِارْتِهَانِ لِأَنَّ الْمُرْتَهَنَ مَحْبُوسٌ غَالِبًا عِنْدَ رَاهِنِهِ فَلَا يَشْفَعُ، فَشُبِّهَ مَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ بِمَرْهُونٍ تَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (فَالْأَحْوَطُ إلَخْ) فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَارِدِ لَمْ يَكْفِ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ، وَإِنْ دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَفَى، وَالْأَحْوَطُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّغِيرُ الَّذِي أَبَوَاهُ كَافِرَانِ كَافِرٌ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا تَبَعًا لِسَابِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ " نَدْبًا " أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَيْءٌ، فَلَوْ سَلَّمَ عَقِبَهَا جَازَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ) أَيْ بِقَدْرِ مَا قَبْلَهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: 7] إلَى قَوْلِهِ الْعَظِيمُ
بِالسُّنَنِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْكَانِ
(وَ) الرُّكْنُ السَّابِعُ (يُسَلِّمُ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) كَسَلَامِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَتَعَدُّدِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ سَنِّ وَبَرَكَاتِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَلْتَفِتُ فِي السَّلَامِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْعَلُهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الْأَشْهَرُ وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بِأَنْ يَضَعَهُمَا رَجُلٌ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا، وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ، وَلَا يَحْمِلُهَا وَلَوْ أُنْثَى إلَّا الرِّجَالُ لِضَعْفِ النِّسَاءِ عَنْ حَمْلِهَا فَيُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ، وَحُرِّمَ جَمْعُهَا عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ كَحَمْلِهَا فِي قُفَّةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهَا. وَالْمَشْيُ أَمَامَهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ الْبَابِلِيُّ: نَعَمْ وَرَدَتْ هَذِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ
قَوْلُهُ: (وَحَمْلُ الْجِنَازَةِ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ " خَبَرٌ، وَقِيلَ: التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ، بَلْ حُكِيَ وُجُوبُهُ؛ وَهَذَا إنْ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْأَفْضَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ تَارَةً بِهَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَتَارَةً بِهَيْئَةِ التَّرْبِيعِ أج وَلَيْسَ فِي الْحَمْلِ دَنَاءَةٌ وَلَا سُقُوطُ مُرُوءَةٍ بَلْ هُوَ بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ م ر.
قَوْلُهُ: (وَيَحْمِلُ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ رَجُلَانِ) أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ، إذْ لَوْ تَوَسَّطَهُمَا وَاحِدٌ كَالْمُتَقَدِّمِينَ لَمْ يَرَ مَا بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ) أَيْ وَيَضَعُ أَحَدُ الْمُتَقَدِّمَيْنِ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَالْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَالْمُتَأَخِّرَانِ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: أَمَّا حَمْلُهَا عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ فَشَيْءٌ لَا يُعْرَفُ، وَبَقَيْتُ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ أَجِدْ ذَلِكَ مَنْقُولًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى أَنْ رَأَيْتُهُ فِي الِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارَمِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا شَرْحُ الدَّمِيرِيِّ لِلْمِنْهَاجِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّتِهِ، فَكَوْنُهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْمِلُهَا) أَيْ نَدْبًا أج؛ فَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ حَمْلُهَا لِضَعْفِهِنَّ غَالِبًا وَقَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ حَمْلُهُنَّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَشْيُ وَبِأَمَامِهَا إلَخْ) رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فِي الْجِنَازَةِ فَقَالَ: أَلَّا تَسْتَحْيُونَ؟ إنَّ الْمَلَائِكَةَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُشَيِّعَ الْجِنَازَةَ لَهُ أَحْوَالٌ: إمَّا رَاكِبٌ أَوْ مَاشٍ وَإِمَّا أَمَامَهَا أَوْ خَلْفَهَا وَإِمَّا قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَمَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ أَفْضَلُ، وَالْمَاشِي أَمَامَهَا أَوْ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا مِنْ الرَّاكِبِ، وَالرَّاكِبُ قَرِيبًا أَفْضَلُ مِنْ الرَّاكِبِ الْبَعِيدِ، وَالْأَمَامُ أَفْضَلُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إلَّا إيمَانًا وَتَسْلِيمًا وَرُئِيَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك؟ فَقَالَ: غُفِرَ لِي بِكَلِمَةٍ كُنْت أَقُولُهَا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ وَكَانَ يَقُولُهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْحِكْمَةُ فِي الْمَاشِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ أَنَّ الْمُشَيِّعَ شَافِعٌ وَمِنْ حَقِّ الشَّافِعِ أَنْ يَكُونَ أَمَامَ الْمَشْفُوعِ لَهُ؛ وَأَخَذَ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِ: «أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» فَقَالُوا: إنَّ الْمَشْيَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي زَمَانِنَا الْمَشْيُ أَمَامَهَا لِمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَأَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الِاتِّبَاعَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ فِي طَرِيقِهَا وَالسَّعْيِ لِأَجْلِهَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَتَقَدُّمُ الْمَاشِي وَتَأَخُّرُ الرَّاكِبِ؛ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَتَأَخَّرْنَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:«مَنْ شَيَّعَ جِنَازَةً إلَى الْمَسْجِدِ فَلَهُ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ فَإِنْ وَقَفَ حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» فَائِدَةٌ: سُئِلَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّارُ عَنْ وُقُوفِ الْجِنَازَةِ وَرُجُوعِهَا؟ فَقَالَ: يُحْتَمَلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا رَجَعَتْ أَوْ وَقَفَتْ وَمَتَى كَثُرَتْ خَلْفَهَا أَسْرَعَتْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلَوْمِ النَّفْسِ لِلْجَسَدِ وَلَوْمِ الْجَسَدِ لِلنَّفْسِ؛ يَخْتَلِفُ حَالُهَا، تَارَةً تَتَقَدَّمُ وَتَارَةً تَتَأَخَّرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهَا فِي حَالِ رُجُوعِهَا لِيَتِمَّ أَجَلُ بَقَائِهَا فِي الدُّنْيَا وَسُئِلَ عَنْ خِفَّةِ الْجِنَازَةِ وَثِقَلِهَا؟ فَقَالَ: إذَا خَفَّتْ فَصَاحِبُهَا شَهِيدٌ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حَيٌّ وَالْحَيُّ أَخَفُّ مِنْ الْمَيِّتِ {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران: 169] الْآيَةُ. اهـ. بِرْمَاوِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ فِي شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ وَالسُّؤَالُ عَامٌّ فَلْيُحَرَّرْ اهـ ط ف
وَقُرْبَهَا بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ لَرَآهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. وَسُنَّ إسْرَاعٌ بِهَا إنْ أُمِنَ، فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأَنِّي أَيْضًا زَيْدَ فِي الْإِسْرَاعِ، وَسُنَّ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مَا يَسْتُرُهُ كَقُبَّةٍ وَكُرِهَ لَغَطٌ فِي الْجِنَازَةِ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّفَكُّرُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَاتِّبَاعُهَا بِنَارٍ فِي مِجْمَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي رُجُوعِهَا وَلَا اتِّبَاعُ مُسْلِمٍ جِنَازَةَ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُبْعَدُ إلْحَاقُ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ بِالْقَرِيبِ. قَالَ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْجَارُ كَمَا فِي الْعِيَادَةِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَلَا بُعْدَ فِيهِ. وَتَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَسُنَّ إسْرَاعٌ بِهَا) قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ وَأُمَّتُهُ بِالْإِسْرَاعِ أَيْ الْمَشْيِ بِسُرْعَةٍ بِالْجِنَازَةِ إسْرَاعًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَالْخَبَبِ الَّذِي هُوَ الْعَدْوُ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ مَنْ مَعَهَا مِنْ الضُّعَفَاءِ أَوْ مَشَقَّةِ الْحَامِلِ لَهَا أَوْ انْتِشَارِ أَكْفَانِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» أَيْ قَرِيبِ رِقَابِكُمْ وَهُوَ الْأَكْتَافُ تَنْبِيهٌ: مِنْ خَصَائِصِنَا أَيْضًا تَخْمِيرُ وَجْهِ الْمَيِّتِ، لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ:«خَمِّرُوا وُجُوهَ مَوْتَاكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ» وَفِي رِوَايَةٍ: " بِأَهْلِ الْكِتَابِ " أَيْ فَإِنَّهُمْ لَا يُغَطُّونَ وَجْهَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (زِيدَ) أَيْ وُجُوبًا قَوْلُهُ: (كَقُبَّةٍ) وَأَوَّلُ مَنْ جُعِلَ عَلَى نَعْشِهَا قُبَّةٌ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْ بَعْدَ فَاطِمَةَ، فَلَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِمَّا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ زَيْنَبَ هَذِهِ أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى نَعْشٍ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى نَعْشٍ فَاطِمَةُ، كَذَا فِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ؛ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ عَنْ م ر أَنَّ أَوَّلَ مَنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ بَعْدَهَا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَكَانَتْ بِالْحَبَشَةِ لَمَّا هَاجَرَتْ وَأَوْصَتْ بِهِ اهـ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ لِلْجِنَازَةِ وَلَوْ كَافِرَةً، وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ: وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَدْبُ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ النَّدْبُ؛ وَلَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمَهُ حَيْثُ قَالَ: الْقِيَامُ لَهَا إذَا مَرَّتْ وَالْقِيَامُ إذَا تَبِعَهَا مَنْسُوخَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِالْقِيَامِ لَهَا الْآنَ سَوَاءٌ مَرَّتْ بِهِ أَمْ تَبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ وَجَرَى فِي الرَّوْضَةِ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِيَامِ لَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاعِدِ إذَا مَرَّتْ بِهِ، أَمَّا مُشَيَّعُهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى تُوضَعَ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ:«إذَا تَبِعْتُمْ الْجِنَازَةَ فَلَا تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ» أَيْ إذَا مَشَيْتُمْ مَعَهَا مُشَيِّعِينَ لَهَا فَلَا تَجْلِسُوا نَدْبًا " حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ " كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَبِعَهُ الثَّوْرِيُّ، وَرَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَتْبُوعِ فَلَا يَجْلِسُ التَّابِعُ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ نَدْبِ الشَّارِعِ حُضُورَ دَفْنِهِ إكْرَامُ الْمَيِّتِ وَفِي قُعُودِهِ قِيلَ دَفْنُهُ إزْرَاءٌ بِهِ اهـ وَبِذَلِكَ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: يُكْرَهُ الْقُعُودُ حَتَّى تُوضَعَ وَفِي الْمُحِيطِ لِلْحَنَفِيَّةِ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْعُدَ حَتَّى يَنْهَالَ عَلَيْهَا التُّرَابُ اهـ بِحُرُوفِهِ فَائِدَةٌ: كَرِهَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ الْمُنَادِي أَمَامَ الْجِنَازَةِ: " اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لَهُ " فَقَدْ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَقُولُ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَك،. اهـ. م ر قَوْلُهُ:(وَكُرِهَ لَغَطٌ) أَيْ رَفْعُ الصَّوْتِ وَلَوْ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ. ق ل وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَالْآنَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُزْرٍ بِهِ؛ وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدُ كَمَا نَقَلَهُ الْمَدَابِغِيُّ.
قَوْلُهُ: (بَلْ الْمُسْتَحَبُّ التَّفَكُّرُ فِي الْمَوْتِ) أَيْ أَوْ الْقِرَاءَةُ سِرًّا. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (وَإِتْبَاعُهَا بِنَارٍ إلَخْ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ، أَمَّا بِهَا كَبَخُورٍ لِدَفْعِ النَّتْنِ أَوْ فَتِيلَةً لِرُؤْيَةِ دَفْنِهِ لَيْلًا فَلَا كَرَاهَةَ وَفِي الْمَجْمُوعِ: يُنْدَبُ الْبَخُورُ عِنْدَ الْمَيِّتِ فِي وَقْتِ مَوْتِهِ إلَى تَمَامِ دَفْنِهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فِي مِجْمَرَةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(كَمَا فِي الْعِيَادَةِ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِيَادَةِ وَاتِّبَاعِ
وَلَا يَجِبُ طُهْرُهُ لِأَنَّهُ كَرَامَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْنَا تَكْفِينُ ذِمِّيٍّ وَدَفْنُهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ.
وَلَوْ اخْتَلَطَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ كَمُسْلِمٍ بِكَافِرٍ وَغَيْرِ شَهِيدٍ بِشَهِيدٍ وَجَبَ تَجْهِيزُ كُلٍّ إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ وَيُصَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ أَفْضَلُ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فَوَاحِدٍ بِقَصْدِ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْكَيْفِيَّتَيْنِ، وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ وَيَقُولُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِ مِنْهُمْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ. وَتُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِمَسْجِدٍ وَبِثَلَاثَةِ صُفُوفٍ فَأَكْثَرَ لِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ إلَّا غُفِرَ لَهُ» وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أُعِيدَتْ وَقَعَتْ نَفْلًا، وَلَا تُؤَخَّرُ لِغَيْرِ وَلِيٍّ أَمَّا هُوَ فَتُؤَخَّرُ لَهُ مَا لَمْ يُخَفْ تَغَيُّرٌ. وَلَوْ نَوَى إمَامٌ مَيِّتًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَمَأْمُومٌ آخَرَ كَذَلِكَ جَازَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ نِيَّتِهِمَا لَا يَضُرُّ، وَلَوْ تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ عَنْ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ بِتَكْبِيرَةٍ حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذْ الِاقْتِدَاءُ هُنَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ يُشْبِهُ التَّخَلُّفَ بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَنِسْيَانٍ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَلَا شَكَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
جِنَازَتِهِ.
قَوْلُهُ: (لَا بُعْدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِلْحَاقِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ عَلَيْنَا) أَيْ مَعَاشِرِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ " حَيْثُ لَمْ يَكُنْ إلَخْ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَنَدْفَعُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِنَا حَيْثُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِذَلِكَ) وَعُورِضَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ مُحَرَّمَةٌ وَلَا يَتِمُّ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ " بِقَصْدٍ إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (وَيُغْتَفَرُ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ) أَيْ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَرَدُّدَ فِيهَا لِأَنَّهُ يَقُولُ: أُصَلِّي عَلَى مَنْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَهُوَ جَازِمٌ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ لِإِمْكَانِ الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا قَدْ تَشُقُّ بِتَأْخِيرٍ مِنْ غُسْلٍ إلَى فَرَاغِ غُسْلِ الْبَاقِينَ، بَلْ قَدْ تَتَعَيَّنُ الثَّانِيَةُ إنْ أَدَّى التَّأْخِيرُ إلَى تَغَيُّرٍ، وَكَذَا تَتَعَيَّنُ الْأُولَى لَوْ تَمَّ غُسْلُ الْجَمِيعِ وَكَانَ الْإِفْرَادُ يُؤَدِّي إلَى تَغَيُّرِ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. حَجّ س ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ:(فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَأَمَّا الْمِثَالُ الثَّانِي وَهُوَ الشَّهِيدُ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهِيدَ يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَبِثَلَاثَةِ صُفُوفٍ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْمُصَلُّونَ سِتَّةً فَأَكْثَرَ كَمَا فِي حَجّ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الصُّفُوفَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَضِيلَةِ، فَلِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُحْرِمَ مَعَ أَيُّهَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ اثْنَانِ وَقَفَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ خَلْفَهُمَا؛ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَوْلَى لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا أَيْ بِالثَّلَاثَةِ، يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ الصُّفُوفُ خَمْسَةً فَأَكْثَرَ فَيَكُونُ الرَّابِعُ أَفْضَلَ مِنْ الْخَامِسِ وَالْخَامِسُ أَفْضَلَ مِمَّا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلُوا الْأَوَّلَ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ مُحَافَظَةً عَلَى مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. اهـ. س ل وَأَقَلُّ الثَّلَاثَةِ مِنْ سِتَّةِ أَنْفَارٍ وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَاثْنَانِ ثُمَّ اثْنَانِ، وَلَا تُكْرَهُ الْمُسَاوَاةُ لِلْإِمَامِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ، وَتَحْصُلُ الثَّلَاثَةُ صُفُوفٍ بِثَلَاثَةٍ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُونَ ثَلَاثَةً فَقَطْ بِالْإِمَامِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ وَرَاءَ مَنْ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقِفَ اثْنَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ صَفًّا وَالِاثْنَانِ صَفًّا وَسَقَطَ الصَّفُّ الثَّالِثُ لِتَعَذُّرِهِ حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا) أَيْ مِمَّنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلُ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ وَتَقَعُ فَرْضَ كِفَايَةٍ م د وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ إعَادَةً.
قَوْلُهُ: (وَقَعَتْ نَفْلًا) أَيْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَرَّةٍ وَلَا بِجَمَاعَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ سم.
قَوْلُهُ: (تَغَيَّرَ) وَشَرَطَ أَنْ يُرْجَى حُضُورُهُ عَنْ قُرْبٍ.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ قَوْلُهُ:(حَتَّى شَرَعَ إمَامُهُ فِي أُخْرَى) كَأَنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمَأْمُومُ فِي الْأُولَى، أَوْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمَأْمُومُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُ هَذَيْنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّأَخُّرِ ق ل.
قَوْلُهُ: (كَنِسْيَانٍ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ، وَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرَ ضَعِيفٍ وَمِثْلُ نِسْيَانِ الْقِرَاءَةِ بُطْءُ الْقِرَاءَةِ، وَأَمَّا إنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى نِسْيَانِ الصَّلَاةِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ فَلَا تَبْطُلُ، وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالتَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا فَيَكُونُ كَلَامُ الشَّارِحِ ضَعِيفًا.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَخَلُّفِهِ بِتَكْبِيرَتَيْنِ) الْوَجْهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِالتَّأَخُّرِ لِعُذْرٍ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّخَلُّفُ بِتَكْبِيرَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَأَخَّرَ عَنْ إمَامِهِ بِجَمِيعِ الرَّكَعَاتِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَهُنَا أَوْلَى. اهـ. حَجّ ز ي وَقَالَ
أَنَّ التَّقَدُّمَ كَالتَّخَلُّفِ بَلْ أَوْلَى. وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا كَالدُّعَاءِ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى قَبْلَ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ الْقِرَاءَةُ عَنْهُ كَمَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَدَارَكَ الْمَسْبُوقُ حَتْمًا بَاقِيَ التَّكْبِيرَاتِ بِأَذْكَارِهَا وُجُوبًا فِي الْوَاجِبِ وَنَدْبًا فِي الْمَنْدُوبِ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا تَرْتَفِعَ الْجِنَازَةُ حَتَّى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُ، وَلَا يَضُرُّ رَفْعُهَا قَبْلَ إتْمَامِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَكْمَلِ الدَّفْنِ الْمَوْعُودِ بِذِكْرِهِ فَقَالَ: (وَيُدْفَنُ فِي لَحْدٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْحَاءِ فِيهِمَا أَصْلُهُ الْمَيْلُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ جَانِبِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِوَاءِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ وَيَسْتُرُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ، وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ قَعْرَ الْقَبْرِ كَالنَّهْرِ وَيَبْنِيَ جَانِبَاهُ بِلَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرَ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا الْأَرْضُ الرَّخْوَةُ فَالشَّقُّ فِيهَا أَفْضَلُ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ أَوْ غَيْرِهِ (مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ) وُجُوبًا تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا فَلَا، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الشَّوْبَرِيُّ:
قَوْلُهُ " كَنِسْيَانٍ " أَيْ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلصَّلَاةِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ فِي هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ نَسِيَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ثُمَّ وَلَوْ بِجَمِيعِ الرَّكَعَاتِ اهـ وَمِثْلُهُ ح ل وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا ضَعْفَ فِيهِ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ أَيْضًا، فَقَوْلُ الْمُحَشِّي: الْوَجْهُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ إلَخْ، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الشَّارِحِ " كَنِسْيَانٍ " نِسْيَانُ الصَّلَاةِ لَا الْقِرَاءَةِ.
قَوْلُهُ: (كَالتَّخَلُّفِ) ضَعِيفٌ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَقِيسِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ الْإِمَامَ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) أَيْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا لِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى سم عَلَى حَجّ؛ لَكِنْ قَالَ ز ي: وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَقْرَؤُهَا وُجُوبًا لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُوَافِقِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ رَفْعُهَا قَبْلَ إتْمَامِهِ) وَإِنْ حُوِّلَتْ عَنْ الْقِبْلَةِ، بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّلَاةِ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَلَى جِنَازَةٍ وَهِيَ سَائِرَةٌ صَحَّتْ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ تَكُونَ سَائِرَةً إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ حَالَةَ التَّحَرُّمِ، وَأَنْ لَا يَبْعُدَ عَنْهَا بِأَكْثَرِ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ حَالَةَ التَّحَرُّمِ؛ وَلَا تُشْتَرَطُ الْمُحَاذَاةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، أَمَّا إذَا أَحْرَمَ عَلَيْهَا وَهِيَ قَارَّةٌ ثُمَّ رُفِعَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ، ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَقَوْلُهُ " وَأَنْ لَا يَبْعُدُ " أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ تَنْزِيلًا لِلْمَيِّتِ مَنْزِلَةَ الْإِمَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ " وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ " عِبَارَةُ ز ي: وَلَا يَضُرُّ الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا اهـ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ
قَوْلُهُ: (الْمَوْعُودُ بِذَكَرِهِ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ " وَدَفْنِهِ ".
قَوْلُهُ: (وَيُدْفَنُ) أَيْ وُجُوبًا، وَقَوْلُهُ " فِي لَحْدٍ " أَيْ نَدْبًا.
قَوْلُهُ: (أَصْلُهُ الْمَيْلُ) وَمِنْهُ: {إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} أَيْ يَمِيلُونَ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْحَقِّ.
قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا يَسَعُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ.
قَوْلُهُ: (الرِّخْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، هِيَ الَّتِي تَنْهَارُ وَلَا تَتَمَاسَكُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ) تَنْبِيهٌ: يَجِبُ فِيمَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ وَتَعَذَّرَ دَفْنُهُ فِي الْبَرِّ أَنْ يُوضَعَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ مَثَلًا وَيُرْمَى فِي الْبَحْرِ وَإِنْ ثُقِّلَ بِحَجَرٍ لِيَصِلَ إلَى الْقَرَارِ، فَهُوَ أَوْلَى. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا) وَمِنْهُ الِاسْتِلْقَاءُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ فِيهِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ: يَجِبُ فِي كَافِرَةٍ مَاتَتْ حَامِلًا بِمُسْلِمٍ وَقَدْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ أَنْ تَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْوَلَدِ إلَى ظَهْرِهَا، وَأَنْ تُدْفَنَ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ق ل
نَدْبًا عِنْدَ مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ أَسْفَلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ (وَيُسَلُّ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُدْخَلُ (مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ (رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» وَيُدْخِلُهُ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً فَلَا يُدْخِلُهُ وَلَوْ أُنْثَى إلَّا الرِّجَالُ، لَكِنَّ الْأَحَقَّ فِي الْأُنْثَى زَوْجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ فَمَحْرَمٌ فَعَبْدُهَا لِأَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ فَمَمْسُوحٌ فَمَجْبُوبٌ فَخَصِيٌّ لِبَعْضِ شَهْوَتِهِمْ فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ، وَسُنَّ كَوْنُ الْمَدْخَلِ وِتْرًا وَاحِدًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَسُنَّ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ وَهُوَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى آكَدُ احْتِيَاطًا (وَيَقُولُ الَّذِي يَلْحَدُهُ) أَيْ يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ نَدْبًا (بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ) أَيْ دَيْنِ (رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لِلِاتِّبَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَيُضْجَعُ فِي الْقَبْرِ) عَلَى يَمِينِهِ نَدْبًا كَمَا فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى يَسَارِهِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُفْضِيَ بِخَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ (بَعْدَ أَنْ) يُوَسَّعَ بِأَنْ يُزَادَ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَأَنْ (يُعَمَّقَ) الْقَبْرُ وَهُوَ بِضَمِّ حَرْفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيَوْضَعُ الْمَيِّتُ) أَيْ قَبْلَ دَفْنِهِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ) هُوَ وَاحِدُ الْقُبُورِ فِي الْكَثْرَةِ وَأَقْبُرٌ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ الْحُفْرَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَبْرُ مَدْفَنُ الْإِنْسَانِ وَالْجَمْعُ قُبُورٌ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ سَنَّ الْقَبْرَ فَقِيلَ الْغُرَابُ لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ وَقِيلَ بَنُو إسْرَائِيلَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي التَّنْزِيلِ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ إكْرَامًا لَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِمَّا يَلْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَأْكُلُهُ الطَّيْرُ وَالْوَحْشُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ أَسْفَلِهِ) خَبَرٌ يَصِيرُ مُقَدَّمًا وَرَجُلٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَدْخُلَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ النَّعْشِ وَيُخْرَجُ؛ لِأَنَّ السَّلَّ هُوَ الْإِخْرَاجُ لَا الْإِدْخَالُ.
قَوْلُهُ: (وَيُدْخِلُهُ) أَيْ نَدْبًا، وَقَوْلُهُ " فَلَا يُدْخِلُهُ " أَيْ نَدْبًا؛ فَإِذَا أَدْخَلَهُ الْإِنَاثُ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ بِإِدْخَالِ غَيْرِ الرِّجَالِ ع ش فَائِدَةٌ: النِّسَاءُ أَحَقُّ بِالْأُنْثَى فِي أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: حَمْلِهَا مِنْ مَحِلِّ مَوْتِهَا إلَى الْمُغْتَسَلِ وَحَمْلِهَا مِنْهُ إلَى وَضْعِهَا فِي النَّعْشِ وَحَمْلِهَا لِتَسْلِيمِهَا لِمَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلِّ شِدَادِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا فِي الْقَبْرِ ق ل وع ش.
قَوْلُهُ: (دَرَجَةً) بِخِلَافِهِ صِفَةً، فَالْأَفْقَهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَسَنِّ كَمَا فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ وَالْمُرَادُ حَيْثُ وُجِدَ مَعَهُ غَيْرُ الْأَجَانِبِ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ حَقٌّ كَمَا مَرَّ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَخَصِيٌّ) وَهُوَ الَّذِي قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ.
قَوْلُهُ: (لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ) وَرُتِّبُوا كَذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِمْ فِيهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، إذْ الْمَمْسُوحُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْآلَتَيْنِ وَالْمَجْبُوبُ أَضْعَفُ مِنْ الْخَصِيِّ لِجَبِّ ذَكَرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ) الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ النِّسَاءُ بَعْدُ الْأَجْنَبِيِّ كَتَرْتِيبِهِنَّ فِي الْغُسْلِ، وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ؛ كَذَا قَالَ شَيْخُنَا. اهـ. ح ل وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَخَصِيٌّ، فَعَصَبَةٌ، فَذُو رَحِمٍ، فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ اهـ قَالَ م ر: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الدَّفْنِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فَيَظْهَرُ مَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (نَدْبًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: " وَيَقُولُ " قَوْلُهُ: (بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ: أُدْخِلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ وَمَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، أَوْ: أَدْفِنُهُ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ دَفْنِهِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُسَنُّ زِيَادَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَقَامِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُفْضِي بِخَدِّهِ إلَى الْأَرْضِ) وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ:
فَكَيْفَ يَهْنُو بِعَيْشٍ أَوْ يَلَذُّ بِهِ
…
مِنْ التُّرَابِ عَلَى خَدَّيْهِ مَجْعُولُ
اهـ. م د
الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ (قَامَةً وَبَسْطَةً) مِنْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ تَبَعًا لِلْمَحَامِلِيِّ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُنْدَبُ وَجْهُهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ وَظَهْرُهُ بِنَحْوِ لَبِنَةٍ كَحَجَرٍ حَتَّى لَا يُنَكَّبَ وَلَا يَسْتَلْقِي، وَأَنْ يُسَدَّ فَتْحُهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ بِنَحْوِ لَبِنٍ كَطِينٍ بِأَنْ يُبْنَى بِذَلِكَ ثُمَّ يُسَدُّ فَرْجُهُ بِكِسَرِ لَبِنٍ وَطِينٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ وَمِخَدَّةٌ وَصُنْدُوقٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (قَامَةً وَبَسْطَةً) أَيْ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ وَرَفْعِ يَدَيْهِ مَبْسُوطَةً فَوْقَ رَأْسِهِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ؛ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَأَشَارَ حَجّ إلَى أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ خَبَرًا ل " يَكُونُ " الْمَحْذُوفَةِ، أَيْ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْمِيقُ قَامَةً وَبَسْطَةً، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَنْصُوبَيْنِ ب يُعَمِّقُ عَلَى حَذْفُ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ هَذَا مَقَامَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: قَدْرَ قَامَةٍ.
قَوْلُهُ: (لَهُمَا) أَيْ لِلْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ) كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْعَمَلِ وَمَا قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ فَلَا مُخَالَفَةَ، مَرْحُومِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْقُصُ عَنْهُ ثُمُنُ ذِرَاعٍ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْيَدِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا ثُمُنًا وَذِرَاعُ الْعَمَلِ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ بِرُبْعِ ذِرَاعٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا يَنْكَبَّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ يُسْنَدَ وَجْهَهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ " وَقَوْلُهُ: " وَلَا يَسْتَلْقِي " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَظَهْرُهُ إلَخْ " وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ، وَكَذَا لَوْ انْهَارَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَوْ نَقْلُهُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ نَعَمْ لَوْ انْهَارَ عَلَيْهِ التُّرَابُ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ سَدِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ مَسْأَلَةٌ عَنْ الْحُكَمَاءِ، وَذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد الْحَكِيمُ: أَنَّ الْوَلَدَ إذَا دُفِنَ وَانْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَحْبَلُ مَا دَامَ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ. اهـ. كَنْزُ الْبَكْرِيِّ وَقَرَّرَهُ ح ف.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسُدَّ) وَقَضِيَّةُ نَدْبِهِ جَوَازُ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ بِلَا سَدٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ؛ لَكِنْ بَحَثَ آخَرُونَ وُجُوبَهُ كَمَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الْإِهَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِزْرَاءِ وَإِذَا حَرَّمُوا مَا دُونَ ذَلِكَ كَكَبِّهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهَذَا أَوْلَى، وَيَجْرِي مَا ذُكِرَ فِي تَسْقِيفِ الشِّقِّ شَرْحُ م ر وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُدْرِكَ عَلَى حُكْمٍ كَانَ مُعْتَمَدُهُ مَا بَعْدَ الِاسْتِدْرَاكِ اهـ وَقَالَ ز ي: إنْ لَزِمَ عَلَى عَدَمِ السَّدِّ إهَالَةُ التُّرَابِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَبَ وَإِلَّا نُدِبَ وَعَلَى كُلٍّ يُحْمَلُ كَلَامُ جَمْعٍ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْقَبْرُ تَخَيَّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَرْكُهُ وَإِصْلَاحُهُ وَنَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأُلْحِقَ بِانْهِدَامِهِ انْهِيَارُ تُرَابِهِ عَقِبَ دَفْنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ نَحْوُ سَبُعٍ أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ رِيحٌ وَإِلَّا وَجَبَ إصْلَاحُهُ قَطْعًا اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرُشٌ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ، وَكَذَا تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَأَعْتَابِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَتِهِمْ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَا يُكْرَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر أج وَقَالَ ق ل: نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، أَيْ الْفَرْشُ، مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ " أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا كَرَاهَةَ؛ قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَفُرِشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ أَيْ وَبَرٌ وَكَانَتْ حَمْرَاءَ فَرَشَهَا لَهُ شَقْرَانُ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ عليه السلام رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ «الْحَسَنِ: افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي فِي لَحْدِي فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ» قَالَ وَكِيعٌ: هَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الْأَرْضَ إلَخْ " فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْرَشَ لَهُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا فَارَقَ الْأُمَّةَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ حَيَاتِهِ فَارَقَهُمْ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ مَمَاتِهِ الَّتِي مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:" فَإِنَّ الْأَرْضَ " أَيْ بَطْنَهَا " لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَكْلِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ " وَحَقٌّ لِجَسَدٍ عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْبِلَى وَالتَّغَيُّرِ وَالِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفْرَشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُفْرَشُ لِلْحَيِّ لِأَجَلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي كَرَاهَةِ وَضْعِ فُرُشٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ وَيَبْلَى، وَمَا فِي الِاسْتِيعَابِ مِنْ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ لَمْ يَثْبُتْ اهـ
فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ، أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى صُنْدُوقٍ لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا حِينَئِذٍ، وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ لَيْلًا مُطْلَقًا وَوَقْتَ كَرَاهَةِ صَلَاةٍ مَا لَمْ يَتَحَرَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَلَا يُبْنَى) عَلَى الْقَبْرِ نَحْوُ قُبَّةٍ كَبَيْتٍ (وَلَا يُجَصَّصُ) أَيْ يُبَيَّضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ: الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، أَيْ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ وَالتَّجْصِيصُ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى قُبَّةً فَنَحَّاهَا وَقَالَ: دَعُوهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. وَلَوْ بُنِيَ عَلَيْهِ فِي مَقْبَرَةٍ مُسْبَلَةٌ وَهِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا حُرِّمَ وَهُدِمَ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْنِي قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْمُسْبَلِ كَمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ قَرَافَةُ مِصْرَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: ذُكِرَ فِي تَارِيخِ مِصْرَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ) وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمُ لِغَرَضٍ وَهُوَ إكْرَامُ الْمَيِّتِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (إلَّا حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ احْتَاجَ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ لَيْلًا مُطْلَقًا) أَيْ تَحَرَّاهُ أَوْ لَا وَفِي الْخَصَائِصِ: وَدُفِنَ بِاللَّيْلِ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّفْنَ لَيْلًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ خَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ: «لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ بِاللَّيْلِ إلَّا أَنْ تُضْطَرُّوا» أَيْ بِالدَّفْنِ لَيْلًا لِخَوْفِ انْفِجَارِ الْمَيِّتِ وَتَغَيُّرِهِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى عِنْدَ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ وَتَأَوَّلُوا الْخَبَرَ بِأَنَّ النَّهْيَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ رُخِّصَ. اهـ. مُنَاوِيٌّ.
1 -
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَحَرَّاهُ كُرِهَ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ ع ش خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ح ل، وَفِي الشَّوْبَرِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُبْنَى) أَيْ يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْمُسْبَلَةِ وَالْمَوْقُوفَةِ وَيَحْرُمُ فِيهِمَا كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ، إلَّا إنْ خِيفَ نَبْشُهُ أَوْ تَخْرِقَةُ سَيْلٍ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْبَلَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ. اهـ. حَجّ وَلَوْ وُجِدَ بِنَاءٌ فِي أَرْضٍ مُسْبَلَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ تُرِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ قِيَاسًا عَلَى مَا حَرَّرُوهُ فِي الْكَنَائِسِ وَمِنْ الْبِنَاءِ الْأَحْجَارُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِتَرْكِيبِهَا نَعَمْ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوَهُمْ، بِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: نَعَمْ قُبُورُ الصَّالِحِينَ يَجُوزُ بِنَاؤُهَا وَلَوْ بِقُبَّةٍ الْأَحْيَاءِ لِلزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: وَلَوْ فِي مُسْبَلَةٍ، وَأَفْتَى بِهِ، وَقَالَ: أَمَرَ بِهِ الشَّيْخُ الزِّيَادِيُّ مَعَ وِلَايَتِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ، وَقَالَ: الْحَقُّ خِلَافُهُ وَقَدْ أَفْتَى الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَدْمِ مَا فِي الْقَرَافَةِ، وَيُسْتَثْنَى قُبَّةُ الْإِمَامِ لِكَوْنِهَا فِي دَارِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ اهـ وَيَظْهَرُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى مَا إذَا عَرَفَ حَالَ الْبِنَاءِ فِي الْوَضْعِ، فَإِنْ جُهِلَ تُرِكَ حَمْلًا عَلَى وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي نُقِرُّ أَهْلَ الْكَنَائِسِ عَلَيْهَا فِي بِلَادِنَا وَجَهِلْنَا حَالَهَا، وَكَمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَوْجُودِ عَلَى حَافَّاتِ الْأَنْهَارِ وَالشَّوَارِعِ اهـ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسْبَلَةِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَقْرُبُ إلْحَاقُ الْمَوَاتِ بِهَا
لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ وَلَا غَرَضَ شَرْعِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَحْيَاءِ. اهـ..
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمُعْتَمَدُ نَدْبُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د.
قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ لِقُرْآنٍ بِخِلَافِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلصَّدِيدِ وَمَحِلُّ كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ مَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهَا، وَإِلَّا بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَى كِتَابَةِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ فَلَا يُكْرَهُ بِشَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (مَظِلَّةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الظَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ: مِنْ ظَلَّ يَظَلُّ.
قَوْلُهُ: (مُسَبَّلَةٍ) وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَوْقُوفَةِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهَا بِمَوَاتٍ اعْتَادُوا الدَّفْنَ فِيهِ، فَهَذَا يُسَمَّى مُسَبَّلًا لَا مَوْقُوفًا شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَهُدِمَ) إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَى الْبِنَاءِ فِيهَا لِخَوْفِ نَبْشِ سَارِقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَخْرِقَةِ سَيْلٍ فَلَا يُهْدَمُ إلَّا مَا حُرِّمَ وَضْعُهُ، وَالْهَادِمُ لَهُ الْحَاكِمُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ هَدْمُهُ دُونَ الْآحَادِ م ر وَقَالَ حَجّ: وَيَنْبَغِي أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ هَدْمُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْهُ مَفْسَدَةٌ فَيَتَعَيَّنُ الرَّفْعُ لِلْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) وَمِنْهُ مَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ مُرَبَّعَةٍ
أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ فِيهَا مَالًا جَزِيلًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ فَكَاتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنِّي لَا أَعْرِفُ تُرْبَةَ الْجَنَّةِ إلَّا لِأَجْسَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلُوهَا لِمَوْتَاكُمْ. وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُحِيطَةٍ بِالْقَبْرِ كَمَا فِي حَجّ، قَالَ سم: إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَحْجَارُ الْمَذْكُورَةُ لِحِفْظِهِ مِنْ النَّبْشِ وَالدَّفْنِ عَلَيْهِ وَمِنْ الْمُحَرَّمِ زَرْعُ شَيْءٍ فِيهَا وَإِنْ تُيُقِّنَ بِلَى مَنْ بِهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ فَيُقْلَعُ وُجُوبًا، وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ. اهـ. حَجّ أج.
قَوْلُهُ: (أَعْطَاهُ الْمُقَوْقَسُ) وَكَانَ كَافِرًا، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ.
قَوْلُهُ: (فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ) أَيْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
قَوْلُهُ: (تُرْبَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَرُشَّ) أَيْ عَقِبَ الدَّفْنِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَطَرَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِنَا لِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ م ر خِلَافًا لحج بَابِلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ) طَهُورٍ أَيْ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ فِيهِ إزْرَاءٌ بِالْمَيِّتِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ) وَمَاتَ إبْرَاهِيمُ وَلَدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ عَشْرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَاخْتُلِفَ فِي سِنِّهِ، فَقِيلَ: سَنَةٌ وَعَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مَاتَ عِنْدَ ظِئْرِهِ أُمُّ بُرْدَةَ، وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُرْضِعَتَهُ، وَغَسَّلَتْهُ وَحَمَلَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا عَلَى سَرِيرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: غَسَّلَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَرِيرٍ؛ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ: قِيلَ إنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - غَسَّلَ إبْرَاهِيمَ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، قَالَ الزُّبَيْرُ: وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً، وَعَلَّمَ عَلَى قَبْرِهِ بِعَلَامَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ قَبْرٍ رُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ؛ وَفِيهِ أَنَّهُ رَشَّ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِالْمَاءِ وَهُوَ سَابِقٌ عَلَى سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَلَقَّنَهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ؛ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَلْقِينِ الطِّفْلِ؛ قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّتِنَا: وَالْأَصْلُ فِي التَّلْقِينِ مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَفَنَ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي وَالْإِسْلَامُ دِينِي فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْتَ تُلَقِّنُهُ فَمَنْ يُلَقِّنُنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] » أَيْ وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَفَنَ وَلَدَهُ إبْرَاهِيمَ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّ الْقَلْبَ يَحْزَنُ وَالْعَيْنَ تَدْمَعُ وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَا بُنَيَّ قُلْ اللَّهُ رَبِّي وَالْإِسْلَامُ دِينِي وَرَسُولُ اللَّهِ أَبِي فَبَكَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَمِنْهُمْ عُمَرُ حَتَّى ارْتَفَعَ صَوْتُهُ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا يُبْكِيك يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَلَدُك وَمَا بَلَغَ الْحُلُمَ وَلَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَيَحْتَاجُ إلَى تَلْقِينِ مِثْلِك تُلَقِّنُهُ التَّوْحِيدَ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ، فَمَا حَالُ عُمَرَ وَقَدْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَلَيْسَ لَهُ مُلَقِّنٌ مِثْلُك؟ فَبَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبَكَتْ الصَّحَابَةُ مَعَهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] » يُرِيدُ بِذَلِكَ وَقْتَ الْمَوْتِ، أَيْ وَعِنْدَ وُجُودِ الْفَتَّانِينَ وَعِنْدَ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، فَتَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْآيَةَ فَطَابَتْ الْأَنْفُسُ وَسَكَنَتْ الْقُلُوبُ وَشَكَرُوا اللَّهَ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُلَقِّنْ أَحَدًا قَبْلَ وَلَدِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ فِي الْقَبْرِ فَيُسَنُّ تَلْقِينُهُمْ وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ وَأَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِ، وَبِهِ أَفْتَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ السُّؤَالِ بِمِنْ يَكُونُ مُكَلَّفًا، يُوَافِقُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: التَّلْقِينُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ أَمَّا الصَّبِيُّ وَنَحْوُهُ فَلَا يُلَقَّنُ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُكَمَّلُ لَهُمْ، وَذَكَرَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُصَرِّحَةٌ بِسُؤَالِ الْكَافِرِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ حِكْمَةُ السُّؤَالِ تَمْيِيزُ الْمُؤْمِنِ مِنْ الْمُنَافِقِ الَّذِي كَانَ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا الْجَاحِدُ الْكَافِرُ فَلَا يُسْأَلُ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُسْأَلُونَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ إنَّمَا يَمُوتُونَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى، أَيْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَنْ يَقَعُ مِنْهُ السُّؤَالُ، وَأَمَّا عَذَابُ الْقَبْرِ فَعَامٌّ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ فَعُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ فِتْنَةِ الْقَبْرِ
بِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا بَارِدًا، وَخَرَجَ بِالْمَاءِ مَاءُ الْوَرْدِ فَالرَّشُّ بِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهَا تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ انْتَهَى. وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَانِعُ مِنْ حُرْمَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَذَابِهِ وَهُوَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ بِامْتِحَانِ الْمَيِّتِ بِالسُّؤَالِ وَأَمَّا الْعَذَابُ فَعَامٌّ يَكُونُ نَاشِئًا عَنْ عَدَمِ جَوَابِ السُّؤَالِ وَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: يُكَرَّرُ السُّؤَالُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي بَعْضِهَا: إنَّ الْمُؤْمِنَ يُسْأَلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالْمُنَافِقُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: أَنَّ فَتَّانِي الْقَبْرِ أَرْبَعَةٌ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُنَافِقِ، وَمُبَشِّرٌ وَبَشِيرٌ يَكُونَانِ لِلْمُؤْمِنِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ عَنْ شَيْخِهِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَاسْتَغْرَبَهُ وَقَالَ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَفِي كَلَامِ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ لَمْ يَثْبُتْ فِي التَّلْقِينِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ بَلْ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ إلَى أَنَّ التَّلْقِينَ بِدْعَةٌ وَآخِرُ مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ حَدِيثُ تَلْقِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِهِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ، أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ ح ل فِي السِّيرَةِ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى وَنَقَلَهَا ع ش عَلَى م ر: سُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَطْفَالِ هَلْ هُمْ فِي الْجَنَّةِ خُدَّامٌ لِأَهْلِهَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَهَلْ تَتَفَاضَلُ دَرَجَاتُهُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا أَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْجَنَّةِ قَطْعًا بَلْ إجْمَاعًا وَالْخِلَافُ فِيهِ شَاذٌّ بَلْ غَلَطٌ، وَأَمَّا أَطْفَالُ الْكُفَّارِ فَفِيهِمْ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وَقَوْلُهُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] الثَّانِي: أَنَّهُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ لَكِنَّهُ نُوزِعَ فِيهِ الثَّالِثُ: الْوُقُوفُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يُجْمَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُؤَجَّجُ لَهُمْ نَارٌ يُقَالُ اُدْخُلُوهَا، فَيَدْخُلُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ شَقِيًّا وَيُمْسِكُ عَنْهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ سَعِيدًا لَوْ أَدْرَكَ الْعَمَلَ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ: هَلْ يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ؟ وَهَلْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَنَّ الْقَبْرَ يَضُمُّهُمْ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَهَلْ يَتَأَلَّمُونَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّ أَطْفَالَ الْمُسْلِمِينَ مُعَذَّبُونَ مُصِيبٌ فِيهِ أَمْ هُوَ مُخْطِئٌ؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ هَلْ هُمْ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَمْ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ أَمْ غَيْرُ هَذَا؟ فَأَجَابَ: لَا يُعَذَّبُونَ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي، إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ وَالْعَذَابُ عَلَى ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِينَ، وَلَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ؛ وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَلِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ قَوْلٌ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ؛ وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ: «اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ مَا فِيهِ عُقُوبَةٌ وَلَا السُّؤَالُ بَلْ مُجَرَّدَ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ وَأَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ مَعِينٍ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ عَائِشَةَ فَمَرَّتْ جِنَازَةُ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، فَبَكَتْ، فَقُلْت لَهَا: مَا يُبْكِيك؟ قَالَتْ: هَذَا الصَّبِيُّ بَكَيْتُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ وَالْقَائِلُ الْمَذْكُورُ إنْ أَرَادَ ب يُعَذَّبُونَ بِالنَّارِ أَوْ عَلَى الْمَعَاصِي فَغَيْرُ مُصِيبٍ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَأِ لِمَا تَقَرَّرَ وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ عَلَى نَحْوِ عَشْرَةِ أَقْوَالٍ، الرَّاجِحُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ خَدَمٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بَارِدًا) وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِتَبْرِيدِ الْمُضْطَجِعِ وَحِفْظِ التُّرَابِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا بَأْسَ بِيَسِيرٍ مِنْهُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ حُضُورَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا بَلْ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ؛ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كَانَ مُبَاحًا وَإِنْ
إضَاعَةِ الْمَالِ. وَيُسَنُّ وَضْعُ الْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ عَلَى الْقَبْرِ وَكَذَا الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ مِنْ الشَّيْءِ الرَّطْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ أَخْذُهُ مِنْ عَلَى الْقَبْرِ قَبْلَ يُبْسِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ يُبْسِهِ لِزَوَالِ نَفْعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَقْتَ رُطُوبَتِهِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ، وَأَنْ يَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم وَضَعَ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ صَخْرَةً وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَيُنْدَبُ جَمْعُ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الزَّائِرِ، وَالدَّفْنُ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِغَيْرِهَا لِيَنَالَ الْمَيِّتُ دُعَاءَ الْمَارِّينَ وَالزَّائِرِينَ، وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ تَنْزِيهًا م د.
قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ قَصَدَ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّيْءِ الرَّطْبِ) عُمُومُهُ شَامِلٌ لِنَحْوِ عُرُوقِ الْجَزَرِ كَوَرَقِ الْخَسِّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللِّفْتِ؛ لِأَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْ الْمَيِّتِ بِبَرَكَةِ تَسْبِيحِهِ أج.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْغَيْرِ) أَيْ لِغَيْرِ وَاضِعِهِ، أَمَّا وَاضِعُهُ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا. اهـ. م د وَقَوْلُهُ " مُطْلَقًا " أَيْ سَوَاءٌ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ، لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي حَاشِيَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الشَّيْءُ الْأَخْضَرُ قَلِيلًا كَخُوصَةٍ أَوْ خُوصَتَيْنِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَهُوَ أَخْضَرُ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ فَحُرِّمَ أَخْذُهُ، أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهُ؛ فَيَجُوزُ لِمَنْ وَضَعَ خُوصًا كَثِيرًا مَثَلًا عَلَى قَبْرٍ الْأَخْذُ مِنْهُ لِيَضَعَهُ عَلَى قَبْرٍ آخَرَ وَهَكَذَا، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُوصُ مَثَلًا أَخْضَرَ لَمْ يَيْبَسْ وَكَانَ الْآخِذُ لَهُ مَالِكَهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ عَلَى الْقَبْرِ)" عَلَى " اسْمٌ بِمَعْنَى " فَوْقَ " فَلِذَا جَازَ دُخُولُ " مِنْ " عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَالْحَرْفُ لَا يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى الْحَرْفِ كَقَوْلِهِ:
غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا تَمَّ ظَمْؤُهَا
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ) أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسَبِّحُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا؛ لَكِنَّ تَسْبِيحَ الرَّطْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْيَابِسِ، وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا وَرَدَ:" إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ " لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الْجَرِيدِ، فَيُحَرَّرُ.
قَوْلُهُ: (أَتَعَلَّمُ) أَيْ أَجْعَلُهَا عَلَامَةً عَلَى قَبْرِ أَخِي فَهُوَ مِنْ تَعَلَّمَ بِمَعْنَى جَعَلَ لَهُ عَلَامَةً، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: أَتَعَلَّمَ أَيْ أَعْلَمَ مِنْ الْعَلَامَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ " نُعْلِمُ " بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مِنْ الْإِعْلَامِ اهـ.
قَوْلُهُ: (قَبْرَ أَخِي) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ، رَضَعَ مَعَهُ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ لَهُ أَخٌ وَلَا أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَقَدْ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ آمِنَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَلِدَا غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. اهـ. زُرْقَانِيٌّ وَنَقَلَهُ م د.
قَوْلُهُ: (لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي) قَضِيَّتُهُ نَدْبُ عِظَمِ الْحَجَرِ وَمِثْلُهُ نَحْوُهُ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ مَعْرِفَةُ قَبْرِ الْمَيِّتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَلَا يَثْبُتُ كَذَلِكَ إلَّا الْعَظِيمُ؛ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ، اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ) وَإِنَّمَا دُفِنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ وَكَذَا الشُّهَدَاءُ سم وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ: يُدْفَنُ فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ الْبَاقُونَ: فِي الْمَقْبَرَةِ: أُجِيبَ طَالِبُهَا. اهـ. بَابِلِيٌّ وَقَوْلُهُ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ الدَّفْنُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُقِلُوا كَأَنْ مَاتَ عَلَى سَقْفٍ لَا يَتَأَتَّى الدَّفْنُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ دَفْنُهُمْ تَحْتَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتُوا فِيهِ بِحَيْثُ يُحَاذِيهِ كَمَا فِي ع ش وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ:«لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءَ يَقُولُ: مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ» ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا دَنَا فِرَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اجْتَمَعَتْ أَصْحَابُهُ عِنْدَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ: فَمَنْ يُغَسِّلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قُلْنَا: فَفِي أَيِّ شَيْءٍ نُكَفِّنُك فِيهِ؟ قَالَ: فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ إنْ شِئْتُمْ أَوْ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ قُلْنَا: مَنْ يُصَلِّي عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا؟ قَالَ: مَهْلًا مَهْلًا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ إذَا أَنْتُمْ غَسَّلْتُمُونِي وَكَفَّنْتُمُونِي ضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ لَحْدِي ثُمَّ اُخْرُجُوا عَنِّي سَاعَةً فَأَوَّلُ مَنْ يُصَلِّي عَلِيَّ رَبِّي ثُمَّ خَلِيلِي جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ ثُمَّ إسْرَافِيلُ ثُمَّ عِزْرَائِيلُ ثُمَّ جُنُودُهُمْ ثُمَّ اُدْخُلُوا عَلَيَّ فَوْجًا وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ثُمَّ نِسَاؤُهُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَالَ عَلِيٌّ: مَنْ
وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ لِلرِّجَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» وَيُكْرَهُ زِيَارَتُهَا لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِنَّ، نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشُّهَدَاءِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُغَسِّلُك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَنْتَ يَا عَلِيُّ تُغَسِّلُنِي وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيَّ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيك بِحَنُوطٍ مِنْ الْجَنَّةِ» قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُوِّلَ فِرَاشُهُ وَحُفِرَ لَهُ وَدُفِنَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فِيهِ، وَكَانَ دَفْنُهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ مِنْ وَسَطِ اللَّيْلِ وَمَاتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهَا مِنْ الْوَحْشَةِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَمْرَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بِهَا سَكَنٌ وَأَنْ يَبِيتَ وَحْدَهُ لَا مَعَ جَمَاعَةٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ لِانْتِفَاءِ الْوَحْشَةِ م د
قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ) فَرْعٌ: رُوحُ الْمُؤْمِنِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ لَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا، لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ؛ وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَأَمَّا زِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِشُهَدَاءَ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْتُونَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَقِفُونَ بِحِذَاءِ بُيُوتِهِمْ وَيُنَادِي كُلُّ وَاحِدٍ بِصَوْتٍ حَزِينٍ أَلْفَ مَرَّةٍ يَا أَهْلِي وَأَقَارِبِي وَوَلَدِي يَا مَنْ سَكَنُوا بُيُوتَنَا وَلَبِسُوا ثِيَابَنَا وَاقْتَسَمُوا أَمْوَالَنَا هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَذْكُرُنَا وَيُفَكِّرُنَا فِي غُرْبَتِنَا وَنَحْنُ فِي سِجْنٍ طَوِيلٍ وَحِصْنٍ شَدِيدٍ؟ فَارْحَمُونَا يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَلَا تَبْخَلُوا عَلَيْنَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرُوا مِثْلنَا يَا عِبَادَ اللَّهِ إنَّ الْفَضْلَ الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ كَانَ فِي أَيْدِينَا وَكُنَّا لَا نُنْفِقُ مِنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَحِسَابُهُ وَوَبَالُهُ عَلَيْنَا وَالْمَنْفَعَةُ لِغَيْرِنَا؛ فَإِنْ لَمْ تَنْصَرِفْ أَيْ الْأَرْوَاحُ بِشَيْءٍ فَيَنْصَرِفُونَ بِالْحَسْرَةِ وَالْحِرْمَانِ» اهـ مِنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي فِيهَا الْمُسْلِمُونَ) أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ، وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْدُوبَةً مُطْلَقًا إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا إلَخْ) فَقَوْلُهُ: " نَهَيْتُكُمْ " خُطَّابٌ لِلرِّجَالِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا بَلْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إنْ اشْتَمَلَتْ زِيَارَتُهُنَّ عَلَى تَعْدِيدٍ وَبُكَاءٍ وَنَوْحٍ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهِنَّ، وَإِلَّا فَكَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَيُسْتَثْنَى قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ، فَتُسَنُّ لَهُنَّ زِيَارَتُهَا، وَأُلْحِقَ بِهِمْ قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَتِهَا لِحَدَثَانِ عَهْدِكُمْ بِالْكُفْرِ، وَأَمَّا الْآنَ فَحَيْثُ انْمَحَتْ آثَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ وَصِرْتُمْ أَهْلَ يَقِينٍ وَتَقْوَى فَزُورُوهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْتَرِنَ بِذَلِكَ تَمْسِيحٌ بِقَبْرٍ أَوْ تَقْبِيلُهُ أَوْ سُجُودٌ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ دَأْبُ النَّصَارَى؛ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ: فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الْجُهَّالُ وَقَدْ رَوَى الْحَكِيمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَكَانَ بَارًّا بِوَالِدِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ أَحَدِهِمَا فَقَرَأَ عِنْدَهُ يَس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ غُفِرَ لَهُ بِعَدَدِ ذَلِكَ آيَةً وَحَرْفًا» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» وَرُوِيَ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَمُوتُ وَالِدَاهُ وَهُوَ عَاقٌّ لَهُمَا فَيَدْعُو اللَّهَ لَهُمَا مِنْ بَعْدِهِمَا فَيَكْتُبُهُ اللَّهُ مِنْ الْبَارِّينَ» فَأَفَادَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ كَانَ بَارًّا لَهُمَا غَيْرَ عَاقٍّ وَلَا مُضَيَّعَ حَقِّهِمَا قَالَ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ: وَالزِّيَارَةُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ كَزِيَارَةِ قَبْرِ الْوَالِدَيْنِ يُسَنُّ شَدُّ الرَّحَّالِ إلَيْهَا تَأْدِيَةً لِهَذَا الْحَقِّ، وَكَانَ ابْنُ وَاسِعٍ يَزُورُ الْقُبُورَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ بِزُوَّارِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمًا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (لِطَلَبِ بُكَائِهِنَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " لِبُكَائِهِنَّ " وَيَحْذِفُ " لِطَلَبِ ".
قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَلَا يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ زِيَارَةُ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام كَمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ زِيَارَةُ سَائِرِ الْقُبُورِ أَيْ بَاقِيهَا، بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ زِيَارَةُ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام لِخَبَرِ:«مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَّاتِي»
الزَّائِرُ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ قَائِلًا مَا عَلَّمَهُ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَسْأَلُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ» أَوْ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَزَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ، وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ فِي مَحِلِّ الْقِرَاءَةِ وَالْمَيِّتُ كَحَاضِرٍ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَيَدْعُو لَهُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبُ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَأَنْ يَقْرُبَ زَائِرَهُ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ فِي زِيَارَتِهِ حَيًّا احْتِرَامًا لَهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ وَأَنْ يُكْثِرَ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ
(وَلَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ الْهِجْرَةَ إلَيْهِ مَيِّتًا كَهِيَ إلَيْهِ حَيًّا وَأَخَذَ مِنْهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ يُسَنُّ زِيَارَتُهُ حَتَّى لِلنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَهُنَّ مَكْرُوهَةً، وَأَطَالَ فِي إبْطَالِ مَا زَعَمَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنْ حُرْمَةِ السَّفَرِ لِزِيَارَتِهِ حَتَّى عَلَى الرِّجَالِ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.
قَوْلُهُ: (وَالشُّهَدَاءِ) عَطْفُ خَاصٍّ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الصُّلَحَاءِ وَمِثْلُهُمْ الْعُلَمَاءُ.
قَوْلُهُ: (السَّلَامُ) بَدَلٌ مِنْ " مَا ".
قَوْلُهُ: (الْعَافِيَةُ) أَيْ مِنْ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ: (دَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَفْصَحُ، أَوْ النِّدَاءِ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ " كَمْ " شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِلتَّبَرُّكِ) فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ مَا فَائِدَةُ الْمَشِيئَةِ مَعَ أَنَّ اللُّحُوقَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلُّحُوقِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ لِلُّحُوقِ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأُ عِنْدَهُمْ مَا تَيَسَّرَ) وَقَدْ اُشْتُهِرَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاص إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ أَهْدَى ثَوَابَهَا لِأَهْلِ مَقْبَرَةٍ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِهِمْ. اهـ. ق ل وَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ جُمْهُورَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ، لَكِنْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ عَدَمُ الْوُصُولِ وَفِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَحَوَاشِيه: وَيَنْفَعُهُ أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ وَارِثٍ وَغَيْرِهِ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرَهُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَعَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ أَيْ بِالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مَنْسُوخٌ؛ وَالَأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْعُ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36]{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37] إلَخْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا، وَكَمَا يَنْتَفِعُ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ يَنْتَفِعُ الْمُتَصَدِّقُ وَالدَّاعِي وَيَحْصُلُ لَهُ أَيْ الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إذَا نَوَاهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَهُ أَوْ دَعَا لَهُ عَقِبَهَا اهـ ثُمَّ إنَّ مَحِلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الدُّعَاءِ، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ قِرَاءَتِي لِفُلَانٍ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ إجْمَاعًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَهَا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَجْعُولِ لَهُ شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْخَازِنِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فَأُدْخِلَ الْأَبْنَاءُ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ؛ وَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ لِقَوْمِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ غَيْرُهُمْ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْهُ: أَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ: إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ» اهـ.
قَوْلُهُ: (كَحَاضِرٍ) أَيْ كَحَيٍّ حَاضِرٍ، وَإِلَّا فَهُوَ حَاضِرٌ لَكِنْ لَيْسَ كَحُضُورِ الْحَيِّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى ثَوَابَ قِرَاءَةٍ لَهُ أَوْ دَعَا عَقِبَهَا بِحُصُولِ ثَوَابِهَا لَهُ أَوْ قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِ وَحَصَلَ لِلْقَارِئِ أَيْضًا الثَّوَابُ، فَلَوْ سَقَطَ ثَوَابُ الْقَارِئِ لَسَقَطَ كَأَنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الدُّنْيَوِيُّ كَقِرَاءَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ مِثْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ؛ وَلَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ يَنْوِهِ وَلَا دَعَا لَهُ بَعْدَهَا وَلَا قَرَأَ عِنْدَ قَبْرِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ وَاجِبِ الْإِجَارَةِ وَهَلْ يَكْفِي نِيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِهَا وَإِنْ تَخَلَّلَ فِيهَا سُكُوتٌ؟ يَنْبَغِي نَعَمْ، إذَا عَدَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْ تَوَابِعِهِ، سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الزِّيَارَةِ) وَلَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَلَوْ بِالنَّعْلِ إلَّا فِي مَنْبُوشَةٍ رَطْبَةٍ فَيَحْرُمُ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ
بَأْسَ بِالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ) قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْ بَعْدِهِ لَكِنْ الْأَوْلَى عَدَمُهُ بِحَضْرَةِ الْمُحْتَضَرِ، وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنْ يَكُونُ (مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ حَرَامٌ لِخَبَرِ:«النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ وَالدِّرْعُ قَمِيصٌ فَوْقَهُ (وَلَا شَقِّ جَيْبٍ) وَنَحْوِهِ كَنَشْرِ شَعْرٍ وَتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَإِلْقَاءِ رَمَادٍ عَلَى رَأْسٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا، أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَالْجَيْبُ هُوَ تَقْوِيرُ مَوْضِعِ دُخُولِ رَأْسِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلتَّنْجِيسِ
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ) أَيْ لَا عَذَابَ لِأَنَّ الْبَأْسَ الْعَذَابُ، وَقَوْلُهُ " بِالْبُكَا إلَخْ " لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (بِالْبُكَاءِ) بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ فَهُوَ بِالْقَصْرِ نُزُولُ الدُّمُوعِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِالْمَدِّ رَفْعُ الصَّوْتِ وَهَذَا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ وَلَا شَقِّ جَيْبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا.
قَوْلُهُ: (وَالْبُكَاءُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْلَى مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لَا أَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالْبُكَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَكْرُوهٌ، كَمَا نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِخَبَرِ:«فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا: وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الْمَوْتُ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ؛ لَكِنْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَبَحَثَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ اُلْبُكَا لِرِقَّةٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَمَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَأَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يُكْرَهْ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلْجَزَعِ وَعَدَمِ التَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ فَيُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ؛ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: هَذَا كُلُّهُ فِي الْبُكَاءِ بِصَوْتٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ دَمْعِ الْعَيْنِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ، وَاسْتَثْنَى الرُّويَانِيُّ مَا إذَا غَلَبَهُ الْبُكَاءُ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ الْبَشَرُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنْ كَانَ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَالْبُكَا عَلَى الطِّفْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالصَّبْرُ أَجْمَلُ، وَإِنْ كَانَ لِمَا فُقِدَ مِنْ عِلْمِهِ وَصَلَاحِهِ وَبَرَكَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ أَوْ لِمَا فَاتَهُ مِنْ بِرِّهِ وَقِيَامِهِ بِمَصَالِحِهِ فَيَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِتَضَمُّنِهِ عَدَمَ الثِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (بِالنَّدْبِ) أَيْ بِتَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ، كَأَنْ يَقُولَ: وَاكَهْفَاهُ وَاجَمَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ،.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ النَّائِحَةِ إذَا لَمْ تَتُبْ إلَخْ) وَجَاءَ: " تَخْرُجُ النَّائِحَةُ مِنْ قَبْرِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَعْثَاءَ غَبْرَاءَ عَلَيْهَا جِلْبَابٌ مِنْ لَعْنَةٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا تَقُولُ وَيْلَاه " وَجَاءَ: " لَا تُقْبِلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى نَائِحَةٍ " وَجَاءَ: " لَيْسَ لِلنِّسَاءِ فِي اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ أَجْرٌ " ح ل.
قَوْلُهُ: (قَطِرَانٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ م ر وَهُوَ مَا يُدَاوَى بِهِ الْإِبِلُ الْجَرْبَى، وَهُوَ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ تُشْعَلُ فِيهِ النَّارُ بِسُرْعَةٍ تُطْلَى بِهِ جُلُودُ أَهْلِ النَّارِ؛ فَشُبِّهَ طِلَاؤُهَا بِهِ بِالْقَمِيصِ بِجَامِعِ الْإِحَاطَةِ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا لَذْعُ الْقَطِرَانِ وَنَتْنُ رِيحِهِ مَعَ إسْرَاعِ النَّارِ فِي جِلْدِهَا كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: (فَوْقَهُ) الصَّوَابُ حَذْفُهُ، إذْ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْجَرَبَ مُحِيطٌ بِجِلْدِهَا كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانُ مَطْلِيٌّ بِهِ كَالْقَمِيصِ، فَاَلَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الْآخَرِ هُوَ الْقَطِرَانُ الْمُشَبَّهُ بِالسِّرْبَالِ لَا الْجَرَبُ الْمُشَبَّهُ بِالدِّرْعِ، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِإِفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ، أَيْ مَعَ إفْرَاطٍ فِي اُلْبُكَا أَيْ جَرَيَانِ الدُّمُوعِ فَهُوَ بِالْقَصْرِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِنَّا) مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَقَالَ وَلِيُّ اللَّهِ الْكَبِيرُ الشَّعْرَانِيُّ: لَيْسَ مِنَّا أَيْ عَلَى طَرِيقَتِنَا، وَعِبَارَتُهُ فِي الْمِيزَانِ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مِنْ الْأَدَبِ إجْرَاءُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي خَرَجَتْ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَإِنَّهَا إذَا أُوِّلَتْ خَرَجَتْ عَنْ مُرَادِ الشَّارِعِ كَحَدِيثِ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطَيِّرَ لَهُ» وَحَدِيثِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» فَإِنَّ الْعَالِمَ إذَا أَوَّلَهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مِنَّا فِي تِلْكَ الْخَصْلَةِ فَقَطْ، أَيْ وَهُوَ مِنَّا فِي غَيْرِهَا هَانَ عَلَى الْفَاسِقِ الْوُقُوعُ فِيهَا؛ وَقَالَ: الْمُخَالَفَةُ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْرٌ سَهْلٌ، فَكَانَ أَدَبُ السَّلَفِ بِعَدَمِ التَّأْوِيلِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ لِلشَّارِعِ وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَشْهَدُ أَيْضًا بِذَلِكَ التَّأْوِيلِ.
قَوْلُهُ: (وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) كَأَنْ يَقُولَ: وَاكَهْفَاه وَاسَنَدَاهُ، وَلِبَعْضِهِمْ:
اللَّابِسِ مِنْ الثَّوْبِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ كَضَرْبِ خَدٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَالضَّابِطُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ. وَتُنْدَبُ الْمُبَادَرَةُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ حَالًا. قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَتَجِبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إذَا شِئْتَ أَنْ تَبْكِي فَقَيْدًا مِنْ الْوَرَى
…
وَتَنْدُبُهُ نَدْبَ النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ
فَلَا تَبْكِيَنَّ إلَّا عَلَى فَقْدِ عَالَمٍ
…
يُبَالِغُ فِي التَّعْلِيمِ لِلْمُتَعَلِّمِ
وَفَقْدِ إمَامٍ عَادِلٍ صَانَ مُلْكَهُ
…
بِأَنْوَارِ حُكْمِ اللَّهِ لَا بِالتَّحَكُّمِ
وَفَقْدِ وَلِيٍّ صَالِحٍ حَافِظِ الْوَفَا
…
مُطِيعٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُعَظِّمِ
وَفَقْدِ شُجَاعٍ صَادِقٍ فِي جِهَادِهِ
…
قَدْ انْتَشَرَتْ أَعْلَامُهُ لِلتَّقَدُّمِ
وَفَقَدَ سَخِيٍّ لَا يَمَلُّ مِنْ الْعَطَا
…
يُفَرِّجُ هَمَّ الْعُسْرِ عَنْ كُلِّ مُعْدَمِ
فَهُمْ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهِمْ وَغَيْرُهُمْ
…
إلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ
اهـ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أُمَّ قَشْعَمٍ كَانَتْ نَاقَةً مَجْنُونَةً أَلْقَتْ رَحْلَهَا فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: (الزِّيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْهَيْئَةِ، وَأَصْلُهُ زُوِيَ بِوَاوٍ ثُمَّ يَاءٍ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا فَصَارَ كَمَا تَرَاهُ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ خَاصٍّ عَلَى عَامِّ الشُّمُولِ تَغْيِيرُ الزِّيِّ لِنَشْرِ الشَّعْرِ مَثَلًا، فَفِي الْمُخْتَارِ: الزِّيُّ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ وَمِثْلُهُ وَضْعُ نَحْوِ الطِّينِ وَالنَّجَاسَةِ عَلَى الرَّأْسِ وَدَقُّ الطَّارِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لِقَضَاءِ اللَّهِ) وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَقَالَ:
إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ
…
فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ
وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى
…
وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا
وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ
…
الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ
وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ
…
عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ
قَوْلُهُ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ) أَيْ لَا تَحْمِلُ ذَاتٌ وَازِرَةٌ وِزْرَ غَيْرِهَا أج، أَيْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ ق ل وَوَجْهُ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، بَلْ ذَكَرَ حَجّ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ حَيْثُ سَكَتَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِعَدَمِ الْبُكَاءِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ حِينَئِذٍ رِضًا بِهِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ) أَيْ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِالنَّوْحِ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ الَّذِي قَصَّرَ فِي الْوَفَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرْ أَوْ خَلَّفَ
الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَتَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ إلَّا لِفِتْنَةِ دَيْنٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا تَمَنِّيهِ لِغَرَضٍ أُخْرَوِيٍّ فَمَحْبُوبٌ كَتَمَنِي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُسَنُّ التَّدَاوِي لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ إكْرَاهُ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِتَوْبَةٍ بِأَنْ يُبَادِرَ بِهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِخَبَرِ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ فَإِنَّهُ مَا يُذْكَرُ فِي كَثِيرٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَرِكَةً فَلَا حَبْسَ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا حَبْسَ مُطْلَقًا م د عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى صِيعَانٍ مِنْ شَعِيرٍ» ، أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ أَحَدًا دَفَعَ لَهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدِّرْعَ مِنْ الْيَهُودِيِّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَانَ لِأَهْلِهِ لَا لِنَفْسِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا، وَإِنَّمَا قَدِمَ الْيَهُودِيَّ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ لِإِفَادَةِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَأَعْطَوْهُ مَجَّانًا أَوْ أَبْرَءُوهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ) بِالْجَرِّ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " بِقَضَاءِ إلَخْ " أَيْ وَتُسَنُّ الْمُبَادَرَةُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ: (عِنْدَ الْمُكْنَةِ) أَيْ التَّمَكُّنِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلَّفَ نَقْدًا فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِالْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ النَّقْدِ لِيُدْفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَفَسَّرَ الْمُحَشِّي الْمُكْنَةَ بِالْيَسَارِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى) أَيْ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ: وَقَوْلُهُ " أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ " أَيْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا.
قَوْلُهُ: (لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) خَرَجَ الصَّحِيحُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مُطْلَقًا ق ل.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ التَّدَاوِي) أَيْ وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى طِبِّ الْكَافِرِ وَوَصْفِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ عِبَادَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ، كَأَنْ قَالَ: لَا يَحْسُنُ التَّدَاوِي إلَّا بِتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ اهـ م ر فَإِنْ قُلْت: الرِّضَا وَاجِبٌ فَلَعَلَّ التَّدَاوِي خُرُوجٌ عَنْ الرِّضَا؟ قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوَصُّلَ إلَى مَحْبُوبَاتِهِ بِمُبَاشَرَةِ مَا جَعَلَهُ سَبَبًا، فَلَيْسَ مِنْ الرِّضَا لِلْعَطْشَانِ أَنْ لَا يَمُدَّ يَدَهُ إلَى الْمَاءِ زَاعِمًا رِضَاهُ بِالْعَطَشِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِإِزَالَةِ الْعَطَشِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ:{وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ} فَمَعْنَى الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ لَا يَتْرُكُ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَةَ وَقَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْعَزَائِمِ وَالرُّقْيَا: هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا تَرُدُّ مِنْ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى» .
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ إلَخْ) هَذَا لَا يَقْتَضِي السِّنَّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ كُلَّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ.
قَوْلُهُ: (إلَّا الْهَرَمُ) هُوَ بِفَتْحَتَيْنِ: الْكِبَرُ وَالشَّيْخُوخَةُ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّبْرِ، وَفَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ الْمُتَوَكِّلِينَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، فَقَدْ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كَثُرَتْ أَسْقَامُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَقُومُ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيَصْنَعُونَ دَوَاءً فَيُعَالِجُهَا بِهِ» اهـ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل وَضَعَ فِي أَشْيَاءَ خَوَاصَّ فَمَنْ أَنْكَرَهَا فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ لَا فَائِدَةَ بِالطِّبِّ فَقَدْ رَدَّ عَلَى الْوَاضِعِ وَالشَّارِعِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالطِّبِّ التَّسَبُّبُ إلَى دَفْعِ ضَرَرٍ وَاجْتِلَابِ نَفْعٍ كَمَا يَتَسَبَّبُ فِي دَفْعِ الْحَرِّ وَاجْتِلَابِ الْبَرْدِ وَاكْتِسَابِ الرِّزْقِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ) لِخَبَرِ: «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» .
قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَعِدَّ) الِاسْتِعْدَادُ لِلشَّيْءِ التَّهَيُّؤُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُبَادَرَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ لَا بِلِسَانِهِ فَقَطْ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَهَاذِمِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَأَمَّا " هَادِمِ " بِالْمُهْمَلَةِ
إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ أَلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ فِي الدُّنْيَا وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ. وَهَاذِمُ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعٌ، وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ مَحِلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحِلٍّ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَةِ مَحِلِّ مَوْتِهِ لِيُدْفَنَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِفَضْلِهَا.
(وَيُعَزَّى) نَدْبًا (أَهْلُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ كَبِيرُهُمْ وَصَغِيرُهُمْ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» نَعَمْ الشَّابَّةُ لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ وَإِنَّمَا يُعَزِّيهَا مَحَارِمُهَا وَزَوْجُهَا، وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَصَرَّحَ ابْنُ خَيْرَانَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِالْمَمْلُوكِ بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَتَّى الزَّوْجَةِ وَالصِّدِّيقِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَمَعْنَاهُ مُزِيلُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ ق ل وَلَا يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ دَفْنِهِ) وَأَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَسَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ " حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِلنَّقْلَةِ وَغَيْرِهَا كَصَلَاةٍ عَلَيْهِ وَتَكْفِينٍ فَحَرَامٌ، فَكَانَ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ ذَاكَ عَلَى هَذَا كَمَا فَعَلَ فِي الْمَنْهَجِ، وَبَعْدَ دَفْنِهِ يَحْرُمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ النَّبْشُ وَالنَّقْلُ فَكَانَ تَقْيِيدُهُ بِالْقَبْلِيَّةِ لِتَكُونَ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (بِقُرْبِ مَكَّةَ) قَالَ شَيْخُنَا: وَمُرَادُهُ بِالْقُرْبِ مَسَافَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَيِّتُ فِيهَا قَبْلَ وُصُولِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحِلُّ جَوَازِ نَقْلِهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِتَوَجُّهِ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَوْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِجَوَازِ نَقْلِهِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ ح ل وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ لَوْ كَانَ بِقُرْبِ مَقَابِرِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَبَرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ اهـ أج
قَوْلُهُ: (وَيُعَزِّي) التَّعْزِيَةُ لُغَةً التَّسْلِيَةُ وَشَرْعًا الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَتَحْصُلُ التَّعْزِيَةُ بِالْمُكَاتَبَاتِ وَالْمُرَاسِلَاتِ، وَيُكْرَهُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ رِجَالًا وَنِسَاءً الْجُلُوسُ لَهَا أَيْ بِمَكَانٍ تَأْتِيهِمْ فِيهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمَكْرُوهُ الْجُلُوسُ لَهَا الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ سَاعَةَ الْإِعْلَامِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْوُقُوفَ لَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ عَقِبَ الدَّفْنِ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَرِهَهُ النَّخَعِيُّ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَى قَاصِدِيهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشَيِّعِينَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْجُلُوسَ لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَانِنَا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ.
قَوْلُهُ: (أَهْلَهُ) أَيْ لِأَنَّ الْأَجَانِبَ تُعَزِّي أَهْلَ الْمَيِّتِ، أَمَّا أَقَارِبُ الْمَيِّتِ فَلَا يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر سم عَلَى حَجّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ حَجّ، وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: قَوْلُهُ " وَيُعَزِّي أَهْلَهُ " قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ حَتَّى الزَّوْجَةِ وَالصِّدِّيقِ فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ: هَلْ تُسَنُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ لَا؟ فَرَأَيْتُ فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُصَابٌ، ثُمَّ رَأَيْت أَيْضًا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ: وَيُسَنُّ لِلْأَخِ أَنْ يُعَزِّيَ أَخَاهُ وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. اهـ. شَيْخُنَا فَرْعٌ: قَدْ عَزَّى الْخَضِرُ عليه السلام أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَالْخَضِرُ عليه السلام نَبِيٌّ حَيٌّ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (بِمُصِيبَةٍ) وَلَوْ غَيْرَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُعَزِّيهَا أَجْنَبِيٌّ) وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَيْهَا الرَّدُّ كَرَدِّ السَّلَامِ، وَكَذَلِكَ تَعْزِيَتُهَا لَهُ أَيْضًا كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ س ل بِالْمَعْنَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً وَرَدًّا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا ابْتِدَاءً وَرَدًّا. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ) كَالْعَبْدِ وَالْمَمْسُوحِ.
قَوْلُهُ: (بِكُلِّ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ عَلَيْهِ وَجْدٌ) أَيْ حُزْنٌ، وَهُوَ شَامِلٌ لِنَحْوِ الْهِرَّةِ، وَشَامِلٌ أَيْضًا لِمَا
وَتَعْبِيرُهُمْ بِالْأَهْلِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَضْعَفِهِمْ عَنْ حَمْلِ الْمُصِيبَةِ، وَتُسَنُّ قَبْلَ دَفْنِهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ شِدَّةِ الْجَزَعِ وَالْحُزْنِ وَلَكِنْ بَعْدَهُ أَوْلَى لِاشْتِغَالِهِمْ قَبْلَهُ بِتَجْهِيزِهِ إلَّا إنْ أَفْرَطَ حُزْنُهُمْ فَتَقْدِيمُهَا أَوْلَى لِيُصَبِّرَهُمْ. وَغَايَتُهَا (إلَى) آخِرِ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا تَمْضِي (مِنْ) وَقْتِ الْمَوْتِ لِحَاضِرٍ وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ (دَفْنِهِ) وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ وَالْمَحْبُوسُ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدَّدُ حُزْنُهُ. وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا، وَأَحْسَنَ عَزَاءَك أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا، وَغَفَرَ لِمَيِّتِك، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَتِهِ بِالْكَافِرِ، الذِّمِّيَّ: أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَصَبَّرَك وَأَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَيُقَالُ فِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَن عَزَاءَك، أَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ مِنْ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَلَا يُعَزَّى وَهَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ الظَّاهِرُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الثَّانِي وَهُوَ الظَّاهِرُ هَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، فَإِنْ رُجِيَ اُسْتُحِبَّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَأَمَّا تَعْزِيَةُ الْكَافِرِ بِالْكَافِرِ فَهِيَ غَيْرُ مَنْدُوبَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ بَلْ هِيَ جَائِزَةٌ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَصِيغَتُهَا: أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُنَا فِي الدُّنْيَا بِكَثْرَةِ الْجِزْيَةِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ، وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلِهِ بِتَكْثِيرِ الْجِزْيَةِ
(وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ) ابْتِدَاءً (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) بَلْ يُفْرَدُ كُلُّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ لِلِاتِّبَاعِ، فَلَوْ جُمِعَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ كَرَجُلَيْنِ وَامْرَأَتَيْنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ كَالْمَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ م ر.
قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) فَلَا يَضُرُّ الزِّيَادَةُ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا ح ل.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْقُدُومِ لِغَائِبٍ) أَيْ قُدُومِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمِعْزَى. اهـ. شَوْبَرِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْغَائِبِ الْمَرِيضُ) أَيْ فَإِذَا شُفِيَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَبْسِ عُزِّيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
قَوْلُهُ: (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) لَا يُقَالُ إنَّ عِظَمِ الْأَجْرِ يَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْمَصَائِبِ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ عَلَى الْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ إذْ الْأَجْرُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِنُزُولِ الْمَصَائِبِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] . اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ صَبْرَك.
قَوْلُهُ: (وَصَبْرَك) وَلَا يُقَالُ: وَغُفِرَ لِمَيِّتِك لِأَنَّهُ حَرَامٌ ز ي.
قَوْلُهُ: (وَأَخْلَفَ عَلَيْك) نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَا يُخْلَفُ بَدَلُهُ كَأَبٍ فَلْيَقُلْ بَدَلَ " أَخْلَفَ عَلَيْك "" خَلَّفَ عَلَيْك " أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك) قَدَّمَ هُنَا الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِشَرَفِ الْمُسْلِمِ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ، نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُ حُرِّمَتْ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا نَقَصَ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَنَصْبِ " عَدَدَ " عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ رَفْعِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] .
قَوْلُهُ: (بِالْفِدَاءِ مِنْ النَّارِ) لِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَهُ مَقْعَدٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَقْعَدٌ فِي النَّارِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وُضِعَ كَافِرٌ مَحَلَّ مَقْعَدِهِ فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك ظَاهِرُهُ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَمِنْ لَازِمِ كَثْرَتِهِمْ امْتِدَادُ بَقَائِهِمْ وَامْتِدَادُهُ مَعَ الْكُفْرِ فِيهِ دَوَامٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَا نَقَصَ عَدَدُك " يَصْدُقُ بِإِسْلَامِهِمْ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ بِخِلَافِ نَحْوِ مُحَارِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَزَانٍ مُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا، وَيَنْبَغِي لِلْمُعَزَّى إجَابَةُ التَّعْزِيَةِ بِنَحْوِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، وَلَعَلَّهُمْ حَذَفُوهُ لِوُضُوحِهِ اهـ م ر
قَوْلُهُ: (وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: أَيْ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالْمَحْرَمِيَّةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ق ل.
قَوْلُهُ: (ابْتِدَاءً) وَأَمَّا دَوَامًا بِأَنْ يُدْفَنَ مَيِّتٌ عَلَى مَيِّتٍ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بِلَى الْأَوَّلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ)
كُرِهَ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَعِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَنَازَعَ فِي التَّحْرِيمِ السُّبْكِيُّ وَسَيَأْتِي مَا يُقَوِّي التَّحْرِيمَ (إلَّا لِحَاجَةٍ) أَيْ لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِقَبْرٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَكْثَرِ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ وَكَذَا فِي ثَوْبٍ لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُهُمَا نَدْبًا وَهُوَ الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْأَلُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ عَنْ أَكْثَرِهِمْ قُرْآنًا فَيُقَدِّمُهُ إلَى اللَّحْدِ» لَكِنْ لَا يُقَدَّمُ فَرْعٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَإِنْ عَلَا حَتَّى يُقَدَّمَ الْجَدُّ وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَكَذَا الْجَدَّةُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا، أَمَّا الِابْنُ مَعَ الْأُمِّ فَيُقَدَّمُ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيَحْرُمُ عِنْدَ عَدَمِهَا كَمَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَوْ كَانَ لِلْقَبْرِ لَحْدَانِ مَثَلًا وَنُبِشَ لِلدَّفْنِ فِي لَحْدٍ آخَرَ جَازَ إنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَيِّتِ الْأَوَّلِ رَائِحَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَإِنْ حُفِرَ قَبْرٌ فَوُجِدَ فِيهِ عَظْمُ مَيِّتٍ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَفْرِ أَعَادَهُ وَلَمْ يُتِمَّ الْحَفْرَ وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِهِ جَعَلَهُ فِي جَانِبٍ مَحْفُورٍ وَدُفِنَ الْمَيِّتُ بِجَانِبٍ آخَرَ ز ي وح ل.
قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ) أَيْ أَوْ اخْتَلَفَ وَكَانَ نَحْوَ مَحْرَمِيَّةٍ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُهُ؛ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْجِنْسِ أَوْ الْمَحْرَمِيَّةِ أَوْ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ عَدَمِ بُلُوغِ حَدِّ الشَّهْوَةِ كَالرَّجُلِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّغِيرَةِ جِدًّا، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ الْكَبِيرَيْنِ فَحَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ أَيْ لَحْدٍ أَوْ شِقٍّ فَيَحْرُمُ عِنْدَ م ر وَلَوْ مَعَ مَحْرَمِيَّةٍ كَأُمٍّ وَابْنِهَا وَاتِّفَاقِ جِنْسٍ كَأَبٍ وَابْنِهِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَاخْتَلَفَتْ الْمَحْرَمِيَّةُ؛ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ التَّمَاسَّ كَتُرَابٍ وَنَحْوِهِ وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ الدَّفْنِ فِي الْفَسَاقِيِ الْمَعْرُوفَةِ فَحَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ آخَرَ، وَيَحْرُمُ جَمْعُ عِظَامِهِمْ لِدَفْنِ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا وَضْعُهُ فَوْقَ عِظَامِهِمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَحُرِّمَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ) لَكِنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا بِنَحْوِ مَحْرَمِيَّةٍ بَلْ هُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ لَا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ رُجِيَتْ حَيَاةُ جَنِينِ مَيِّتَةٍ شُقَّ جَوْفُهَا وُجُوبًا قَبْلَ إدْخَالِهَا الْقَبْرَ وَفِي الْقَبْرِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَأُخْرِجَ مِنْهُ ذَلِكَ
لِأَنَّ مَصْلَحَةَ إخْرَاجِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) لَكِنَّ الْحَجْزَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (لِلِاتِّبَاعِ فِي قَتْلَى أُحُدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ» شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقْتَ عَجْزٍ عَنْ الثِّيَابِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْضُ الثِّيَابِ الَّتِي وُجِدَتْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بِحَيْثُ يَسَعُ اثْنَيْنِ يُدْرَجَانِ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَمَاسُّ عَوْرَتَيْهِمَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِإِذْخِرٍ وَنَحْوِهِ، شَرْحُ الْمِشْكَاةِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ:" وَكَذَا فِي ثَوْبٍ " أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي ثَوْبٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي السِّيرَةِ: وَدُفِنَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَدُفِنَ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ بْنُ الْخَشْخَاشِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَرُبَّمَا دُفِنُوا ثَلَاثَةً فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَصَارَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا أَيْ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ فَقَدِّمُوهُ فِي الْقَبْرِ» أَيْ اللَّحْدِ، وَاحْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمَدِينَةِ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَرَدَّهُمْ صلى الله عليه وسلم لِيُدْفَنُوا حَيْثُ قُتِلُوا وَبِذَلِكَ اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَيِّتِ قَبْلَ دَفْنِهِ فِي مَحِلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحِلٍّ أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشَّهِيدِ، أَمَّا هُوَ فَالْأَفْضَلُ دَفْنُهُ بِمَحِلِّ مَوْتِهِ وَلَوْ بِقُرْبِ مَا ذَكَرَ؛ بَحَثَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَشَهِدَ لَهُ مَا هُنَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْجَدَّةُ) أَيْ تُقَدَّمُ عَلَى الْبِنْتِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الِابْنُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الْبِنْتُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الِابْنُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهَلْ يُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى أُمِّهِ احْتِيَاطًا أَوْ هِيَ؟ قَالَ الشَّيْخُ: فِيهِ نَظَرٌ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا لِأَنَّ جِهَةَ تَقْدِيمِهَا مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْخُنْثَى شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّبِيِّ) وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْمَعُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ) أَيْ
الْحَيَاةِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْجَمْعُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فَقَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ حَتَّى فِي الْأُمِّ مَعَ وَلَدِهَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إذْ الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الْجَمْعِ الْإِيذَاءُ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا، وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَالْمَحْرَمِ، وَيُحْجَزُ بَيْنَ الْمَيِّتَيْنِ بِتُرَابٍ حَيْثُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا نَدْبًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقَبْلَ الْبِلَى عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَكْفِينِهِ فَحَرَامٌ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَلَا تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ غُسْلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، فَاسْتَدْرَكَ عِنْدَ قُرْبِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ أَوْ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا فَيَجِبُ النَّبْشُ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ لِيَصِلَ الْمُسْتَحِقُّ إلَى حَقِّهِ، وَيُسَنُّ لِصَاحِبِهِمَا التَّرْكُ. وَمَحِلُّ النَّبْشِ فِي الثَّوْبِ إذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْكَفَنُ الْحَرِيرُ أَيْ لِلرَّجُلِ كَالْمَغْصُوبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِعَدَمِ النَّبْشِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ كَخَاتَمٍ فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ لِأَنَّ تَرْكَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَجْنَبِيَّانِ، بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي؛ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ سَابِقًا وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) أَيْ مُتَأَكِّدَةٍ، بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّجَالِ فَقَطْ أَوْ النِّسَاءِ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمُطْلَقِ الضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ:" كَمَا فِي الْحَيَاةِ " أَيْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَمْعُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ) غَايَةُ قَوْلِهِ: (وَأَمَّا نَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ) أَيْ وَلَوْ لِغَيْرِ الدَّفْنِ عَلَيْهِ وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ ابْتِدَاءً لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَا إذَا نُبِشَ بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَجَلِ الدَّفْنِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بِلَى الْأَوَّلِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا هَذَا فَشَامِلٌ لِلنَّبْشِ لِلدَّفْنِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ كَنَقْلِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ تَكْفِينِهِ، كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي.
قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الْبِلَى) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَقَدْ مَثَّلَهَا الشَّارِحُ بِأَحَدِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت:
وَنَبْشُ مَيِّتٍ حَرَامٌ إنْ وَفِي
…
بِلَا ضَرُورَةٍ كَطُهْرٍ انْتَفَى
أَوْ دَفْنُهُ بِغَصْبٍ أَوْ سُقُوطِ مَالٍ
…
أَوْ بَلْعِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ
اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ تَهَرِّيهِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (فَاسْتُدْرِكَ) أَيْ الْوَاجِبُ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ قُرْبِهِ) أَيْ الدَّفْنِ.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ النَّتْنَ لَا التَّقَطُّعُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ ز ي.
قَوْلُهُ (أَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ " وَدَفْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَهُوَ فِي الْمَغْصُوبِ فَيُنْبَشُ وَيُخْرَجُ مُطْلَقًا فِيمَا يَظْهَرُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا) فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ حُرِّمَ النَّبْشُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْأُسْتَاذِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مِمَّنْ يُحْتَاطُ لَهُ كَالْغَائِبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ م ر.
قَوْلُهُ: (فِي الثَّوْبِ) وَكَذَا فِي الْأَرْضِ، وَعِبَارَةُ سم: فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ كَفَنٌ وَلَا أَرْضٌ، فَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ بَلْ يُدْفَعُ لِلْمَالِكِ ثَمَنُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَالْمَغْصُوبِ) أَيْ فَيُنْبَشُ لِنَزْعِهِ مِنْهُ وَإِبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَرِيرَ، أَيْ تَحْرِيمَهُ حَقُّ اللَّهِ، أَيْ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَاحَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَا يُجْدِي، أَيْ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَفَنِ وَالْمَالِ فَقَالَ: لَا يُنْبَشُ لِلْكَفَنِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ مَالِكُهُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالُ فَيُنْبَشُ لِإِخْرَاجِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مَالِكُهُ فَفَرْقُهُ لَا يُجْدِي، أَيْ لَا يُفِيدُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَمَفْتُوحُ اللَّامِ مِنْ بَابِ نَفَعَ كَمَا فِيهِ أَيْضًا وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ بَلَعَ، لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ
فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَيَّدَهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِطَلَبِ مَالِكِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَلَوْ بَلَعَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَطَلَبَهُ صَاحِبُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا فِي الرَّوْضِ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ وَرُدَّ لِصَاحِبِهِ، أَمَّا إذَا ابْتَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ وَلَا يُشَقُّ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَالَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ غَرَضَ التَّكْفِينِ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ بِالتُّرَابِ. تَتِمَّةٌ: يُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ لِأَنَّهُ (ص) كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ مَيِّتٍ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ»
وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ الدَّفْنِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ) أَظْهَرَ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ دَفْنِهِ) أَيْ تَمَامِ الدَّفْنِ.
قَوْلُهُ: (سَاعَةً) أَيْ قَدْرَ ذَبْحِ الْجَمَلِ وَتَفْرِقَةِ لَحْمِهِ، وَهَذَا غَيْرُ التَّلْقِينِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَشُهَدَاءُ الْمَعْرَكَةِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَارُونُ الرَّشِيدِ وَأَمَّا ضَمَّةُ الْقَبْرِ فَهِيَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مَيِّتٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ وَسُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ بِالسُّرْيَانِيِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ: الْأُولَى أتره، الثَّانِيَةُ أترح، الثَّالِثَةُ كاره، الرَّابِعَةُ سَالِحِين؛ فَمَعْنَى الْأُولَى: قُمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إلَى سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ: فِيمَ كُنْتَ وَمَعْنَى الثَّالِثَةِ: مَنْ رَبُّك مَا دِينُك، وَمَعْنَى الرَّابِعَةِ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ وَفِي الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ، مَيْدَانِيٌّ وَقَوْلُهُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ إلَخْ قَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْإِشَارَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِحَاضِرٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُكْشَفَ الْمَيِّتُ حَتَّى يُشَاهِدَ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَوْ أَنَّهُ يُمْثَلُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي زَوَايَا الْقَبْرِ فَائِدَةٌ: ذَكَرَ النَّاشِرِيُّ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ حَالَ الدَّفْنِ فِي كَفِّهِ شَيْئًا مِنْهُ وَقَرَأَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي كَفَنِهِ لَمْ يُعَذَّبْ ذَلِكَ الْمَيِّتُ؛ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ. اهـ. عَلْقَمِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: " فِي كَفَنِهِ " أَيْ إنْ كَانَ التُّرَابُ طَاهِرًا بِأَنْ لَمْ يَنْبُشَ الْقَبْرَ فَإِنْ كَانَ نَجِسًا وُضِعَ فِي جَانِبِ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ وَكَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ وَجُعِلَ فِي كَفَنِهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عَلَى صَدْرِهِ وَدُفِنَ مَعَهُ لَا يُعَذَّبُ ذَلِكَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ، وَهُوَ هَذَا: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِعِزَّتِك يَا عَزِيزُ وَبِقُدْرَتِك يَا قَدِيرُ وَبِحِلْمِك يَا حَلِيمُ وَبِعَظَمَتِك يَا عَظِيمُ وَبِرَحْمَتِك يَا رَحِيمُ وَبِمَنِّك يَا مَنَّانُ أَنْ تَحْفَظَنِي بِإِيمَانِي قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا وَحَيًّا وَمَيِّتًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، إلَهِي هَذَا أَوَّلُ قُدُومِي إلَيْك فَأَكْرِمْنِي فَإِنَّ الضَّيْفَ إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ يُكْرَمُ وَأَنْتَ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ، إلَهِي مَا دُمْتُ حَيًّا أَنْتَ أَحْسَنْتَ إلَيَّ الْآنَ انْقَطَعَ حَيَاتِي وَلَا تَمْنَعْ إحْسَانَك عَنِّي بِوَفَاتِي الْآنَ بِرَحْمَتَك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ يَا دَلِيلَ الْمُتَحَيِّرِينَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ رَبُّ الْخَلْقِ وَالْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ اسْتَوْدَعْتُك دِينِي وَإِيمَانِي فَاحْفَظْهُمَا عَلَيَّ فِي حَيَّاتِي وَعِنْدَ وَفَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي» اهـ مِنْ الْمَصَابِيحِ
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ الْمُكَلَّفِ) أَيْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا غَيْرُ حَقِيقَتِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَلْ نَحْوَ التَّلَجْلُجِ فِي الْجَوَابِ أَوْ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَيُسَنُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إلَى التَّذَكُّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ الَّذِي خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةٌ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ الْقَبْرَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا وَيُسَنُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا
فِيهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ، وَيَقْعُدُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ الطِّفْلُ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ تَكْلِيفٌ فَلَا يُسَنُّ تَلْقِينُهُ لِأَنَّهُ لَا يَفُتْنَ فِي قَبْرِهِ. وَسُنَّ لِنَحْوِ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ كَأَقَارِبِهِ الْبُعْدَى وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ وَهُوَ بِأُخْرَى تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِشَغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ، وَأَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ، وَحُرِّمَ تَهْيِئَتُهُ لِنَحْوِ نَائِحَةٍ كَنَادِبَةٍ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَبِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْمُكَلَّفُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ مَنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كَمَا فِي م ر، وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ غَيْرُ النَّبِيِّ وَغَيْرُ الشَّهِيدِ.
قَوْلُهُ: (رَأْسَ الْقَبْرِ) أَيْ الَّذِي رَأْسُ الْمَيِّتِ تَحْتَهُ.
قَوْلُهُ (مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ تَكْلِيفٌ) كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ جُنُونُهُ لِمَوْتٍ، وَمِثْلُهُ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ وَالْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ أَيْضًا ق ل فَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِينَ لَا يُسْأَلُونَ أَرْبَعَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّعَامِ أَيْ تَهْيِئَتِهِ، أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلتَّهْيِئَةِ وَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّذْكِيرَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ) نُسْخَةٌ اصْطِنَاعُ.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ) بَلْ هُوَ حَرَامٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ قَلِيلًا، لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ بِهِ رَهْنًا شَرْعِيًّا وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَمَحِلُّ الْحُرْمَةِ فِيمَا ذَكَرَ لَوْ صَنَعُوا مِنْ التَّرِكَةِ، أَمَّا لَوْ صَنَعُوا مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَبِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ؛ وَمِثْلُ الْوَحْشَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يُعْمَلُ لِلْمُقْرِئِينَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا كَالسَّبْحِ وَالْجَمْعِ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا وَكَذَا الْكَفَّارَةُ الْمَعْرُوفَةُ. اهـ. ق ل