المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الصِّيَامِ هُوَ وَالصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٢

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تُطْلَبُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

- ‌[الْقِسْمِ الثَّانِي فِي مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ

- ‌[حُكْمُ سُجُود السَّهْو وَمَحَلُّهُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ بِلَا سَبَبٍ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[حُكْمُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌تَتِمَّةٌ: تَنْقَطِعُ قُدْوَةٌ بِخُرُوجِ إمَامِهِ مِنْ صَلَاتِهِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌ أَحْكَامِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ

- ‌ الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ

- ‌[شُرُوطُ صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَرَائِضُ الْجُمُعَةَ]

- ‌[آدَابُ الْجُمُعَةُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ

- ‌فَصْلٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌[تَتِمَّةٌ سَبُّ الرِّيحِ]

- ‌فَصْلٌفِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحَارِبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِنَازَةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْإِبِلِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الْبَقَرِ وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ

- ‌[فَصْلٌ فِي نِصَابِ الْغَنَمِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ

- ‌فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الْعُرُوضِ

- ‌فَصْلٌ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ

- ‌فَصْلٌ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الصِّيَامِ هُوَ وَالصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً

‌كِتَابُ الصِّيَامِ

هُوَ وَالصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنْ الْكَلَامِ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صَائِمٌ وَنِيَّةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الصِّيَامِ]

ِ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَجِّ نَظَرًا لِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ، فَيَكُونُ الصَّوْمُ أَفْضَلَ مِنْ الْحَجِّ؛ وَقِيلَ: الْحَجُّ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ وَظِيفَةُ الْعُمُرِ وَيُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ. وَأَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ بِالْيَاءِ وَالشَّارِحُ ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَهُوَ " صَامَ " لَهُ مَصْدَرَانِ: بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَالْأَوَّلُ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ وَالثَّانِي قِيَاسِيٌّ؛ وَأَصْلُهُ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ.

وَأَمَّا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَمِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. قَوْلُهُ: (وَسُكُوتًا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.

قَوْلُهُ: (إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ) أَيْ إمْسَاكُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ عَنْ الْمُفْطِرِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ بِالنِّيَّةِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ جَمِيعَ النَّهَارِ وَمِنْ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ، م ر مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) أَيْ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: (مَعَ النِّيَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ " عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ " وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهَا م ر. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ مَا عَدَا النِّيَّةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَالْمُرَادُ بِالْأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ جَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا، وَقَوْلُهُ:{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] إنْ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ كَانَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ التَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ كَانَ أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وقَوْله تَعَالَى:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ " صُومُوا " لِدَلَالَةِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِالصِّيَامِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] لِوُقُوعِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَصْدَرُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ، وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِتَتَّقُونَ بَلْ مَفْعُولُ تَتَّقُونَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ.

قَوْلُهُ: (فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) فَصَامَ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ ثَمَانِيَةٌ نَوَاقِصُ وَوَاحِدٌ كَامِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالنَّاقِصُ كَالْكَامِلِ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ ثَوَابِ وَاجِبِهِ وَمَنْدُوبِهِ عِنْدَ سُحُورِهِ وَفُطُورِهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ يَفُوقُ الْكَامِلُ بِهَا النَّاقِصَ.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ) وَالْمُصَنِّفُ مَشَى فِيمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَهِيَ الْفَرَائِضُ الْآتِيَةُ أج. وَلَا يُنَافِي عَدُّ الْأَخِيرَيْنِ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ الْفُرُوضِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ يُقَالُ لَهُ فَرْضٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ (صَائِمٌ) عَدَّ الصَّائِمَ هُنَا رُكْنًا لِعَدَمِ

ص: 371

وَإِمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ. .

وَيَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَوُجُوبُهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَهُ غَيْرَ جَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ كَأَنْ قَالَ: الصَّوْمُ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَلَكِنْ لَا أَصُومُ حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصَّوْمِ بِذَلِكَ. وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ «لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: أَخْبَرْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

ــ

[حاشية البجيرمي]

وُجُودِ صُورَةٍ لِلصَّوْمِ فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي نَحْوِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ نَحْوِ الصَّلَاةِ ق ل.

قَوْلُهُ: (رَمَضَانَ) وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إطْلَاقُ رَمَضَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ شَهْرٍ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الشَّهْرُ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِمَجِيئِهِ غَالِبًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، أَوْ مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ الْإِحْرَاقُ لِرَمَضِ الذُّنُوبِ فِيهِ أَيْ إحْرَاقِهَا. قَوْلُهُ:(بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) بَلْ بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ، وَالثَّالِثُ: ثُبُوتُ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِعَدْلِ شَهَادَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَمَا سَيَأْتِي، وَالرَّابِعُ: ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، كَأَنْ كَانَ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ) لَوْ قَالَ: بِكَمَالِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ وَالْعَطْفُ بِ " أَوْ " بَعْدَ الثَّنِيَّةِ جَائِزٌ اسْتِعْمَالًا. قَوْلُهُ:(أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ رَآهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا.

قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ) فَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا، فَلَوْ رُئِيَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ نُفْطِرْ وَلَا نُمْسِكْ إنْ رُئِيَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، مَرْحُومِيٌّ: وَالْغَايَةُ لَا تَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم) دَلِيلٌ لِلْأَمْرَيْنِ. قَوْلُهُ: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ إلَخْ) أَيْ لِيَصُمْ كُلٌّ مِنْكُمْ وَيُفْطِرْ كُلٌّ مِنْكُمْ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ.

قَوْلُهُ: (وَأَفْطِرُوا) بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ. قَوْلُهُ: (لِرُؤْيَتِهِ) فِيهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي الْأَوَّلِ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَفِي الثَّانِي عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، أَوْ الضَّمِيرُ الثَّانِي رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْهِلَالُ بِدُونِ قَيْدِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ.

قَوْلُهُ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» أَيْ اسْتَتَرَ عَنْكُمْ بِالْغَمَامِ ق ل. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَمِثْلُهُ إذَا غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَيَكْمُلُ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ.

قَوْلُهُ: (مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ " بِالضَّرُورَةِ " أَيْ عِلْمًا صَارَ كَالضَّرُورِيِّ فِي عَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى أَحَدٍ. قَوْلُهُ:(فَهُوَ كَافِرٌ) أَيْ مُرْتَدٌّ. قَوْلُهُ (صُورَةُ الصَّوْمِ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِهِ فَإِنْ نَوَاهُ حَصَلَ لَهُ حَقِيقَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِهِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وحج بِأَنْ يَقُولَ: حَكَمْت بِثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي هِلَالُ رَمَضَانَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ، حَجّ.

قَوْلُهُ: (فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ) أَمَّا مَنْ رَآهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بِالنَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَكَتَبَ ق ل عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ: وَتَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ إلَخْ، أَيْ مِمَّنْ مَطْلَعُهُ مُوَافِقٌ لِمَطْلَعِ مَحَلِّ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَالْكَوَاكِبِ وَطُلُوعُهَا فِي الْبَلَدَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ غَرَبَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ طَلَعَ فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ قَبْلَهُ فِي الْآخَرِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ بِرُؤْيَةِ الْبَلَدِ الْآخَرِ، حَتَّى لَوْ سَافَرَ مِنْ أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ إلَى الْآخَرِ فَوَجَدَهُمْ صَائِمِينَ أَوْ مُفْطِرِينَ لَزِمَهُ مُوَافَقَتُهُمْ سَوَاءٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَرْجِعُهُ إلَى طُولِ الْبِلَادِ وَعَرْضِهَا سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا نَظَرَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَعَدَمِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ لِلْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ لَزِمَ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ عَكْسِهِ كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ، فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ شَيْخِنَا م ر وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ:" وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَنِصْفِهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا " غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، بَلْ بَاطِلٌ وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا إنَّهَا تَحْدِيدٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِعَدْلِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ كَانَ الرَّائِي حَدِيدَ الْبَصَرِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر، وَإِنْ قَالَ الْمُنَجِّمُونَ: إنَّ الْحِسَابَ الْقَطْعِيَّ قَدْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ، خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حِينَئِذٍ وَحْدَهُ. وَإِذَا صُمْنَا بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَفْطَرْنَا وَإِنْ لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ لِثُبُوتِ ذَلِكَ ضِمْنًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَلَا

ص: 372

أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِرُؤْيَتِهِ فَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» . وَالْمَعْنَى فِي ثُبُوتِهِ بِالْوَاحِدِ الِاحْتِيَاطُ لِلصَّوْمِ وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ. قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ: وَيَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِالرُّؤْيَةِ إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ، وَمَحَلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ، وَتَوَابِعُهُ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، كَدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ هَذَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ. فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: إنْ ثَبَتَ رَمَضَانُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ زَوْجَتِي طَالِقٌ وَقَعَا، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالشَّاهِدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ثَبَتَ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُضَافُ إلَى الرُّؤْيَةِ وَإِكْمَالِ الْعِدَّةِ ظَنُّ دُخُولِهِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْأَمَارَةَ الدَّالَّةَ كَرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ فِي آخِرِ شَعْبَانَ فِي حُكْمِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ وَلَا يَجُوزُ، وَلَكِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَرِدُ " أَيْ لِأَنَّ شَوَّالَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاثْنَيْنِ اهـ. وَهَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ هِلَالَ شَوَّالٍ يَثْبُتُ بِعَدْلٍ اسْتِقْلَالًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ فِطْرُ يَوْمِ الْعِيدِ لِوُجُوبِهِ وَالْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ اشْتَمَلَ عَلَى عِبَادَةٍ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ بِالنَّظَرِ لِلْعِبَادَةِ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَلَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِمْ لَزِمَهُمْ الصَّوْمُ م ر وسم. وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ. وَخَرَجَ بِالْعَدْلِ الْفَاسِقِ، وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهِ إلَى شَهَادَةِ عَدْلِ الرِّوَايَةِ كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، يَدُلُّ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: قَوْلُهُ: " وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ إلَخْ " سَاقَهُ مَعَ الْأَوَّلِ لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الشَّهَادَةُ إذْ الْإِخْبَارُ لَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ عَلَى الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ) أَيْ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى سَبْقِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: (مَوْثُوقٌ بِهِ) أَيْ عِنْدَ الْمُخْبِرِ ح ل، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ رَقِيقًا.

قَوْلُهُ: (إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْمَدَارُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: كَوْنِ الْمُخْبِرِ مَوْثُوقًا بِهِ، أَوْ اعْتِقَادِ صِدْقِهِ؛ وَهَذَا أَمْرٌ خَامِسٌ لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَيَجِبُ أَيْضًا بِرُؤْيَةِ الْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْمَنَائِرِ فِي الْبِلَادِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا يَأْتِي كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ الْهِلَالَ أَيْ رُؤْيَتَهُ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ إلَخْ) خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّ الشَّهْرَ هَلَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ " شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهِيَ لَا تَصِحُّ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهَا احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَعِبَارَةُ ق ل: أَيْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ " أَشْهَدُ "، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اهـ. وَعِبَارَةُ م د: وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ " أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ اتِّفَاقًا " لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِ حِسَابِهِ، أَوْ يَكُونُ حَنَفِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْمِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ اهـ م د فَطَرِيقُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدَّمِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ رَأَى اللَّيْلَةَ الْهِلَالَ وَأَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ.

قَوْلُهُ: (وَتَوَابِعُهُ) عَطْفٌ تَلْقِينِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِ " قَالَ " وَنَحْوِهَا.

قَوْلُهُ: (الْمُعَلَّقِينَ بِدُخُولِ رَمَضَانَ) أَيْ الْمُعَلَّقُ نَذْرُهُمَا، كَإِنْ دَخَلَ رَمَضَانُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ الِاعْتِكَافُ أَوْ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ.

قَوْلُهُ: (كَدَيْنٍ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إخْبَارَ الْعَدْلِ يُفِيدُ الظَّنَّ وَنَحْوَ الْعِصْمَةِ مُحَقَّقٌ فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَقَوْلُهُ " هَذَا " أَيْ قَوْلُهُ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ " إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ " أَيْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ.

قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ قَوْلِنَا " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ "، وَقَوْلُهُ " أَيْضًا " أَيْ كَمَا أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ سَبَقَ التَّعْلِيقُ الشَّهَادَةَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ " لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ " مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ) أَيْ اشْتِبَاهِ الشُّهُورِ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، كَأَنْ كَانَ مَحْبُوسًا وَظَنَّ دُخُولَهُ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ:(الْمُعَلَّقَةِ بِالْمَنَائِرِ) بِالْهَمْزَةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ:" مَنَاوِرَ " بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ " مَنْوَرَةٍ " بِسُكُونِ النُّونِ نُقِلَتْ حَرَكَةُ

ص: 373

لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مِنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَلَا عِبْرَةَ أَيْضًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ بِأَنَّ اللَّيْلَةَ أَوَّلُ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ ضَبْطِ الرَّائِي لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ. .

(وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصِّيَامِ) أَيْ صِيَامِ رَمَضَانَ (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) بَلْ أَرْبَعَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ وُجُوبُ مُطَالَبَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ (وَ) الثَّانِي (الْبُلُوغُ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ كَالصَّلَاةِ، وَيُؤْمَرُ بِهِ لِسَبْعٍ إنْ أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِعَشْرٍ. (وَ) الثَّالِثُ (الْعَقْلُ) فَلَا يَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ إلَّا إذَا أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ. وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ الَّذِي تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ إطَاقَةُ الصَّوْمِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يُطِقْهُ حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِهِ. .

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا: إسْلَامٌ وَعَقْلٌ وَنَقَاءٌ عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَوَقْتٌ قَابِلٌ لَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْوَاوِ لِلنُّونِ ثُمَّ قُلِّبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ مَنَارَةً، وَلَوْ طُفِئَتْ بَعْدَ إيقَادِهَا لِنَحْوِ شَكٍّ فِي الرُّؤْيَةِ ثُمَّ أُعِيدَتْ لِثُبُوتِهَا وَجَبَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِطَفْئِهَا دُونَ غَيْرِهِ، ق ل مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ) بَلْ يَجِبُ كَمَا فِي م ر؛ لِأَنَّ مَا جَازَ بَعْدَ امْتِنَاعٍ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ، وَيَجِبُ أَيْضًا عَلَى مَنْ صَدَّقَهُ كَمَا فِي م ر.

قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ دُخُولَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ م د.

قَوْلُهُ: (وَالْحَاسِبُ) وَهُوَ الْمِيقَاتِيُّ.

قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيرِ سَيْرِهِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَتَقْدِيرِ سَيْرِهِ، أَيْ وَيَعْتَمِدُ تَقْدِيرَ سَيْرِهِ وَهِيَ أَنْسَبُ.

قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ ضَبْطِ الرَّائِي) أَيْ إنْ تَحَقَّقَ الرُّؤْيَةَ، فَقَوْلُهُ " لَا لِلشَّكِّ فِي الرُّؤْيَةِ " لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مُضِرٌّ ق ل.

قَوْلُهُ (وَلَوْ فِيمَا مَضَى) فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدَّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِمَعْنَى انْعِقَادِ سَبَبِهِ فِي حَقِّهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ) فَلَوْ قَضَاهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْيَوْمَ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ، أَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهُ رِعَايَةً لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ عِنْدَنَا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ م ر فِي الْفَتَاوَى أج. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إعَانَةُ الْكَافِرِ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِضِيَافَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، شَرْحُ م ر. قَالَ حَجّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ؛ لِأَنَّا نُقِرُّهُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا نُعَامِلُهُ بِنَقِيضِ كُفْرِهِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى إقْرَارِهِ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا مُعَاوَنَتُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْجِزْيَةِ،. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَثِمَ بِمُزِيلٍ) بِأَنْ تَعَدَّى بِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ) الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ انْعِقَادُ السَّبَبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ ".

قَوْلُهُ: (لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " حِسًّا " وَقَوْلُهُ " لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ " الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ مُضِرٌّ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ق ل؛ لِأَنَّ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمَرَضِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا تَمَكَّنَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ حَيْضٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " شَرْعًا " وَقَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ " أَيْ النِّفَاسِ.

قَوْلُهُ: (سَكَتَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَجَعَلَ هَذِهِ شُرُوطًا لِلصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا هِيَ شُرُوطُ الْوُجُوبِ، فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَخَالُفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ مَعْنَاهُ وَلَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ الْمُرْتَدُّ، وَأَمَّا فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَالْمُرَادُ الْإِسْلَامُ بِالْفِعْلِ فَيَخْرُجُ الْمُرْتَدُّ. وَزَادَتْ شُرُوطُ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ:" وَوَقْتٌ قَابِلٌ " فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَلَيْسَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (وَعَقْلٌ) أَيْ تَمْيِيزٌ سَوَاءٌ الْبَالِغُ وَالرَّقِيقُ وَغَيْرُهُمَا ق ل.

قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّائِمَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ النَّوْمُ الْوَقْتَ، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ إذَا أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ، أَيْ فَيَصِحُّ الصَّوْمُ. وَأُجِيبُ عَنْ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّمْيِيزِ إنْ كَانَ لِنَوْمٍ صَحَّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ لِإِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ فَيَصِحُّ إذَا

ص: 374

لِيَخْرُجَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَفَرَائِضُ الصَّوْمِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (النِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَلَا تَكْفِي بِاللِّسَانِ قَطْعًا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّلَفُّظُ بِهَا قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ نِيَّةً وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِدَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَوْ تَسَحَّرَ لِيَصُومَ أَوْ شَرِبَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ نَهَارًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ أَوْ الْجِمَاعِ خَوْفَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ ذَلِكَ نِيَّةً إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا لِتَضَمُّنِ كُلٍّ مِنْهَا قَصْدَ الصَّوْمِ. وَيُشْتَرَطُ لِفَرْضِ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ كَقَضَاءٍ أَوْ نَذْرِ التَّبْيِيتُ وَهُوَ إيقَاعُ النِّيَّةِ لَيْلًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَلَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ لِكُلِّ يَوْمٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمِ بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ كَالصَّلَاةِ يَتَخَلَّلُهَا السَّلَامُ، وَالصَّبِيُّ فِي تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ صَوْمِهِ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا صَوْمُ نَفْلٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ إلَّا هَذَا، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبْيِيتِ النِّصْفُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ بَعْدَهَا وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا إذَا نَامَ بَعْدَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَفَاقَ لَحْظَةً مِنْ النَّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لِجُنُونٍ لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا. اهـ. ز ي وَانْظُرْ هَلْ يَكْفِي الْإِفَاقَةُ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ الْغُرُوبِ؟ وَرَاجَعَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَنَقَاءٌ عَنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَلَا يَضُرُّ نَوْمُ الْيَوْمِ كُلِّهِ وَلَا إغْمَاءُ بَعْضِهِ وَلَا سُكْرُ بَعْضِهِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّدَّةَ وَالْجُنُونَ وَالْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ وَالْوِلَادَةَ مَتَى طَرَأَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ وَلَوْ لَحْظَةً ضَرَّ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَأَنَّ النَّوْمَ لَا يَضُرُّ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ الْيَوْمَ، وَأَنَّ الْإِغْمَاءَ وَالسُّكْرَ إنْ اسْتَغْرَقَا الْيَوْمَ مَنَعَا الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَلَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ قَضَى الصَّوْمَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ تَعَدَّى بِإِغْمَائِهِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إلَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِإِغْمَائِهِ، وَمِثْلُهُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ السَّكْرَانُ. اهـ. طُوخِيٌّ. وَيَجِبُ الْقَضَاءُ أَيْضًا عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالْجُنُونِ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ:(وَنِفَاسٍ) وَوِلَادَةٍ وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمِنْهَا أَيْضًا إلْقَاءُ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (النِّيَّةُ) أَيْ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَوْ قَارَنَهَا الْفَجْرُ لَمْ تَصِحُّ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ حَالَ النِّيَّةِ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهَا هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ؟ فَتَصِحُّ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْغُرُوبِ فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ لَا أَوْ شَكَّ نَهَارًا هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا، فَإِنْ تَذَكَّرَ فِيهِمَا وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَيْلًا أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَيُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ أَنْ يُحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ صِفَاتِ الصَّوْمِ مَعَ ذَاتِهِ ثُمَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْكَلِمَاتُ مَعَ جَهْلِ مَعْنَاهَا لَمْ يَصِحَّ، ق ل وَأَقَرَّهُ م ر.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ نِيَّةً) أَيْ إنْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الصَّوْمُ بِصِفَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ نِيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّوْمُ) أَيْ ذَاتُهُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَالْمُرَادُ بِذَاتِهِ حَقِيقَتُهُ. وَقَوْلُهُ " بِالصِّفَاتِ " أَيْ كَكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ.

قَوْلُهُ: (لِتَضَمُّنِ كُلٍّ مِنْهَا) أَيْ فَيَكْفِي الْقَصْدُ ضِمْنًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُخَالِفَ وَهُوَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَكْتَفِي بِالْقَصْدِ الضِّمْنِيِّ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ الْقَصْدِ صَرِيحًا، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا صِيَامَ لَهُ) أَيْ صَحِيحٌ لَا كَامِلٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ النِّيَّةَ فِي النَّهَارِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ.

قَوْلُهُ: (بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ) وَهُوَ اللَّيْلُ.

قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ) أَيْ جِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صَلَاتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " يَتَخَلَّلُهُمَا " وَفِي نُسْخَةٍ: " كَالصَّلَاتَيْنِ " وَهِيَ وَاضِحَةٌ لِأَنَّ السَّلَامَ لَا يَكُونُ فَاصِلًا بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا) أَيْ قَاعِدَتِنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّبْيِيتِ إلَخْ) وَلَوْ نَوَى مَعَ الْغُرُوبِ أَوْ الْفَجْرِ لَمْ يَكْفِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّبْيِيتِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ إلَخْ) نَعَمْ تَضُرُّ الرِّدَّةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَكَذَا يَضُرُّ رَفْضُ النِّيَّةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَالرَّفْضِ وَمِنْهُ أَيْ الرَّفْضِ مَا لَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ مِنْ صَوْمٍ إلَى آخَرَ كَمَا لَوْ نَوَى صَوْمَ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ كَفَّارَةٍ مَثَلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ رَفْضًا لِلنِّيَّةِ الْأُولَى ق ل.

ص: 375

ثُمَّ تَنَبَّهَ لَيْلًا. وَيَصِحُّ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَيُشْتَرَطُ حُصُولُ شَرْطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ بِأَنْ لَا يَسْبِقَهَا مُنَافٍ لِلصَّوْمِ كَكُفْرٍ وَجِمَاعٍ. .

(وَ) الثَّانِي (تَعْيِينُ النِّيَّةِ) فِي الْفَرْضِ بِأَنْ يَنْوِيَ كُلَّ لَيْلَةٍ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ أَوْ عَنْ نَذْرٍ أَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُضَافَةٌ إلَى وَقْتٍ فَوَجَبَ التَّعْيِينُ فِي نِيَّتِهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ. فَإِنْ قِيلَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ.

أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا، بَلْ لَوْ نَوَى بِهَا غَيْرَهَا حَصَلَ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمِهَا. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ سُكُوتِ الْمُصَنِّفِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْفَرْضِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِينَ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ الِاشْتِرَاطُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مِنْ الْبَالِغِ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْمُعَادَةَ نَفْلٌ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا فِي مَكَان ثُمَّ يُدْرِكُ جَمَاعَةً فِي أُخْرَى يُصَلُّونَهَا فَيُصَلِّيهَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا تَقَعُ لَهُ نَافِلَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السُّنَّةِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ الْأَدَاءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ، وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ إلَّا إذَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (مُنَافٍ لِلصَّوْمِ) مِنْهُ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَبَالَغَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَسَبَقَ الْمَاءُ جَوْفَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَالِغْ وَسَبَقَ الْمَاءُ فَلَا يَضُرُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: مُنَافٍ لِلصَّوْمِ، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَصِحُّ لَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَلَوْ حَصَلَ مُنَافٍ لِلصَّوْمِ اهـ.

قَوْلُهُ: (تَعْيِينُ النِّيَّةِ) أَيْ الْمَنْوِيِّ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ كَنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ نَوْعَهَا، كَكَوْنِهَا عَنْ ظِهَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَثَلًا؛ وَكَذَا فِي النَّذْرِ ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ. وَعَدِّهِ تَعْيِينَ النِّيَّةِ مِنْ الْفُرُوضِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ لِلنِّيَّةِ لَا مِنْ فَرَائِضِ الصَّوْمِ. وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَيَجِبُ لِفَرْضِهِ تَبْيِيتُهَا وَتَعْيِينُهُ اهـ. وَكَذَا عَدُّ مَعْرِفَةِ طَرَفَيْ النَّهَارِ مِنْ الْفُرُوضِ مُسَامَحَةٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الصَّوْمِ بِدَلِيلِ عَدِّ الرُّكْنِ الَّذِي هُوَ النِّيَّةُ مِنْ الْفُرُوضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ، حَيْثُ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (غَدًا) لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ وَإِنَّمَا جَاءَ مِنْ التَّبْيِيتِ.

قَوْلُهُ: (أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالرَّاتِبِ وَغَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي إلَخْ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ الْإِطْلَاقُ.

قَوْلُهُ: (أُجِيبُ) أَيْ عَنْ الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ لَوْ نَوَى بِهَا غَيْرَهَا) وَلَوْ فَرْضًا، وَإِنْ نَفَاهَا حَصَلَ ثَوَابُهَا أَيْضًا؛ فَالتَّشْبِيهُ بِالتَّحِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ ق ل. الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ حُصُولِ الثَّوَابِ بَلْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (حَصَلَ) أَيْ صَوْمُهَا قَوْلُهُ: (وُجُودُ صَوْمِهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا، وَهِيَ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّوْمِ وَاشْتِرَاطُهَا فِي الصَّلَاةِ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) أَيْ فَاحْتِيجَ لِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الْمُعَادَةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ، أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوبِهَا فَلَا يَتَأَتَّى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَأَتَّى أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْفَرْضُ الْحَقِيقِيُّ وَفَرْضُ الْمُعَادَةِ صُورِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ) أَيْ التَّنَفُّلُ فِي الْجُمُعَةِ، أَيْ وَيُتَصَوَّرُ الْإِعَادَةُ فِي الْجُمُعَةِ. وَنَبَّهَ عَلَيْهَا لِخَفَاءِ إعَادَتِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِيهَا فَيُتَصَوَّرُ بِكَذَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّنَةِ) فَالْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ الصَّوْمَ مِنْ رَمَضَانَ، مَرْحُومِيٌّ. وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الصَّوْمَ غَدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ ح ل. فَلَوْ عَيَّنَ السَّنَةَ وَأَخْطَأَ نَظَرَ إنْ لَاحَظَ صَوْمَ الْغَدِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ) وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْقَضَاءِ إذْ غَيْرُ فَرْضِ السَّنَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَضَاءً، وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْقِيَاسِ لَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النِّيَّةِ مِنْ جَزْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا فِي م ر، قَرَّرَهُ

ص: 376

اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مُرَاهِقٍ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْهُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَلَوْ نَوَى صَوْمَ غَدٍ نَفْلًا إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ وَلَا أَمَارَةَ فَبَانَ مِنْ شَعْبَانَ صَحَّ صَوْمُهُ نَفْلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ. .

(وَ) الثَّالِثُ (الْإِمْسَاكُ عَنْ) كُلِّ مُفْطِرٍ مِنْ (الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ) وَلَوْ بِغَيْرِ إنْزَالٍ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ (وَ) عَنْ (تَعَمُّدِ الْقَيْءِ) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ لِمَا سَيَأْتِي

(وَ) الرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ (مَعْرِفَةُ طَرَفَيْ النَّهَارِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا لِتَحَقُّقِ إمْسَاكِ جَمِيعِ النَّهَارِ. تَنْبِيهٌ: انْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الرَّابِعِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، أَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَيْلٌ وَكَانَ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّيْلَ دَخَلَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ أَوْ تَسَحَّرَ بِلَا تَحَرٍّ وَلَمْ يَبِنْ الْحَالُ صَحَّ فِي تَسَحُّرِهِ لَا فِي إفْطَارِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فِي الْأُولَى وَالنَّهَارِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ بَانَ الصَّوَابُ فِيهِمَا صَحَّ صَوْمُهُمَا أَوْ الْغَلَطُ فِيهِمَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ طَعَامٌ فَلَمْ يَبْلَعْ شَيْئًا مِنْهُ بِأَنْ طَرَحَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ صَحَّ صَوْمُهُ، أَوْ كَانَ طُلُوعَ الْفَجْرِ مُجَامِعًا فَنَزَعَ حَالًا صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ أَنْزَلَ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ. .

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مُرَاهِقٌ) قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكَافِرُ، بَلْ الْفَاسِقُ شَامِلٌ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا أَمَارَةَ) أَيْ مِنْ نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ق ل.

قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُ) أَيْ إنْ أُبِيحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى صَوْمِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ أَيْضًا اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ إلَخْ، فَنِيَّةُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ تُجْزِئُ مُطْلَقًا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَنِيَّةُ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ فِيهَا تَفْصِيلٌ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، فَإِنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ) أَيْ لِمَفْهُومِ ذَلِكَ ق ل. وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: لِلْإِجْمَاعِ وَلِقَوْلِهِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لِمَا سَيَأْتِي) أَيْ أَنَّ الِاسْتِقَاءَةَ مُفْطِرَةٌ لَعَيْنِهَا.

قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ مِنْ الشُّرُوطِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: " مِنْ الْفَرَائِضِ " وَكَأَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْفَرْضَ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَشَمِلَ الشَّرْطَ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ طَرَفَيْ النَّهَارِ) أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ وَالتَّسَحُّرِ. قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ إذَا نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَقَوْلُهُ " لَوْ أَكَلَ مُعْتَقِدًا إلَخْ " يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ آخِرِ النَّهَارِ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَبَانَ خِلَافُهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِ الشَّارِحِ مُعْتَقِدًا إذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَيْ عَنْ اجْتِهَادٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ " فَبَانَ خِلَافُهُ " قَيْدًا، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ صَحَّ صَوْمُهُ.

قَوْلُهُ: (وَحَاصِلُ ذَلِكَ) أَيْ حَاصِلُ قَوْلِهِمْ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) أَيْ مَسْأَلَةِ التَّسَحُّرِ، وَالثَّانِيَةِ: مَسْأَلَةِ الْإِفْطَارِ.

قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُمَا) أَيْ الْمُفْطِرُ وَالْمُتَسَحِّرُ بِلَا تَحَرٍّ.

قَوْلُهُ: (صَحَّ صَوْمُهُ) أَيْ وَإِنْ سَبَقَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْأُولَى أَيْ مَسْأَلَةِ الطَّرْحِ، بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَيُفْطِرُ إذَا سَبَقَ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ كَمَا فِي الْمَرْحُومِيِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِمْسَاكِهِ.

قَوْلُهُ: (طُلُوعَ الْفَجْرِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ كَانَ الشَّخْصُ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ وَقْتَهُ مُجَامِعًا، فَنَزَعَ حَالًا بِأَنْ قَارَنَ نَزْعُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَقَصَدَ

ص: 377

وَاَلَّذِي يَفْطُرُ بِهِ الصَّائِمُ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (مَا وَصَلَ) مِنْ عَيْنٍ، وَإِنْ قَلَّتْ كَسِمْسِمَةٍ (عَمْدًا) مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (إلَى) مُطْلَقِ (الْجَوْفِ) مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ سَوَاءٌ كَانَ يُحِيلُ الْغِذَاءَ أَوْ الدَّوَاءَ أَمْ لَا كَبَاطِنِ الْحَلْقِ وَالْبَطْنِ وَالْأَمْعَاءِ. (وَ) بَاطِنِ (الرَّأْسِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ كُلِّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلَا يَضُرُّ وُصُولُ دُهْنٍ أَوْ كُحْلٍ بِتَشَرُّبِ مَسَامِّ جَوْفِهِ، كَمَا لَا يَضُرُّ اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ، وَإِنْ وَجَدَ أَثَرًا بِبَاطِنِهِ، وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ رِيقِهِ مِنْ مَعْدِنِهِ جَوْفَهُ أَوْ وُصُولُ ذُبَابٍ أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالنَّزْعِ تَرْكَ الْجِمَاعِ لَا الِالْتِذَاذِ ق ل. فَلَوْ اسْتَمَرَّ مُجَامِعًا بَطَلَ صَوْمُهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنْ عَلِمَ بِالْفَجْرِ حَالَ طُلُوعِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا،

شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِي يُفْطِرُ بِهِ الصَّائِمُ إلَخْ) هَذِهِ الْمُبْطِلَاتُ مَفَاهِيمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ وَالنَّقَاءِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ، وَقَدَّمَ مَفْهُومَ الْإِمْسَاكِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ الْمُتُونِ أَخْذَ الْمُحْتَرَزَاتِ لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ عَلَى الْمُبْتَدِي. وَقَدْ نَظَّمَهَا م د فِي قَوْلِهِ:

عَشَرَةٌ مُفْطِرَاتُ الصَّوْمِ

فَهَاكَهَا إغْمَاءُ كُلِّ الْيَوْمِ

إنْزَالُهُ مُبَاشِرًا وَالرِّدَّهْ

وَالْوَطْءُ وَالْقَيْءُ إذَا تَعَمَّدَهْ

ثُمَّ الْجُنُونُ الْحَيْضُ مَعَ نِفَاسِ

وُصُولُ عَيْنٍ بَطْنَهُ مَعَ رَاسِ

قَوْلُهُ: (مَا وَصَلَ) أَيْ وَصَلَ مِنْ الظَّاهِرِ بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْ خَارِجٍ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا وَصَلَ مِنْ الْبَاطِنِ كَالرِّيقِ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (مِنْ عَيْنٍ) بَيَانٌ لِمَا فَخَرَجَ الرِّيحُ وَالطَّعْمُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " مِنْ عَيْنٍ " أَيْ مِنْ أَعْيَانِ الدُّنْيَا، فَإِذَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فَلَا يُفْطِرُ، شَوْبَرِيٌّ وع ش. وَمِنْ الْعَيْنِ الدُّخَانُ الْمَشْهُورُ فَيُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ كَدُخَانِ الْفَتِيلَةِ، بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّتْ) أَيْ أَوْ لَمْ تُؤْكَلْ كَحَصَاةٍ.

قَوْلُهُ: (إلَى مُطْلَقِ الْجَوْفِ) هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَوْ الرَّأْسُ، أَمَّا النُّسْخَةُ الَّتِي فِيهَا ذَلِكَ فَيُرَادُ بِالْجَوْفِ خُصُوصُ الْبَطْنِ لَا مُطْلَقُهُ وَإِلَّا لَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ الرَّأْسُ، قَالَ خ ض: حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ، فَلْيَسْتَحْفِظْ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ رَأْسِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِنْهَا أَدْنَى شَيْءٍ أَفْطَرَ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَقَوْلُهُ:" حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ أَفْطَرَ " هَذَا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ خُرُوجُ نَحْوِ الْخَارِجِ إلَّا بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهِ، وَإِلَّا أَدْخَلَهُ وَلَا فِطْرَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَدَابِغِيُّ، حَرَّرَ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَنْفَذٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ كَالْمَخْرَجِ وَالْمَدْخَلِ، عَنَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ كَانَ يُحِيلُ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي الْجَوْفِ، وَقَوْلُهُ " يُحِيلُ الْغَدَاءَ " أَيْ يُغَيِّرُهُ.

قَوْلُهُ: (كَبَاطِنِ الْحَلْقِ) مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " أَمْ لَا " وَمَا بَعْدَهُ مِثَالٌ لِقَوْلِهِ " يُحِيلُ " فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَبَقِيَ مِثَالُ مَا يُحِيلُ الدَّوَاءَ فَقَطْ كَبَاطِنِ الرَّأْسِ أَوْ الْأُذُنِ إلَخْ. قَوْلُهُ:(وَالْأَمْعَاءُ) وَهِيَ الْمَصَارِينُ جَمْعُ مِعًى بِوَزْنِ رِضًا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَضُرُّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ انْفِتَاحًا ظَاهِرًا يُحَسُّ. قَوْلُهُ:(وُصُولُ دُهْنٍ) وَمِنْهُ دُخَانٌ لَا عَيْنَ فِيهِ كَالْبَخُورِ، بِخِلَافِ مَا فِيهِ عَيْنٌ كَالدُّخَانِ الْمَشْهُورِ الْآنَ ق ل. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ وُصُولَ الدُّخَانِ الَّذِي فِيهِ رَائِحَةُ الْبَخُورِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى جَوْفِهِ لَا يَضُرُّ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَتْحَ فِيهِ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنًا، أَيْ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا الدُّخَانُ الْحَادِثُ الْآنَ الْمُسَمَّى بِالنَّتِنِ لَعَنَ اللَّهُ مِنْ أَحْدَثَهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ، فَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَثَرَهُ بِالْبُوصَةِ الَّتِي يَشْرَبُ بِهَا رَجَعَ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ يُفْطِرُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(مَسَامِّ) جَمْعُ سَمٍّ بِتَثْلِيثِ السِّينِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَسَامُّ الْجَسَدِ ثُقْبُهُ شَرْحُ م ر، أَيْ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ، وَمَسَامُّ أَصْلُهُ مَسَامِمُ كَمَحَاسِنَ جَمْعُ حَسَنٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

قَوْلُهُ: (جَوْفَهُ) مَعْمُولٌ لِوُصُولِ.

قَوْلُهُ: (اغْتِسَالُهُ بِالْمَاءِ) وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُمِيلَ أُذُنَهُ وَيَضَعَ فِيهَا الْمَاءَ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا قَالَهُ م ر، وَلَا يَضُرُّ بَلْعُ رِيقِهِ إثْرَ الْمَضْمَضَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ مَجُّهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ وُصُولُ رِيقِهِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ طَاهِرًا صَرْفًا بِخِلَافِ وُصُولِهِ مُتَنَجِّسًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ لِأَعْلَى لِسَانِهِ وَلَوْ عَلَى حُمْرَةِ الشَّفَتَيْنِ، فَالشُّرُوطُ ثَلَاثَةٌ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ أَخْرَجَ اللِّسَانَ وَعَلَيْهِ الرِّيقُ ثُمَّ رَدَّهُ وَابْتَلَعَ مَا عَلَيْهِ لَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ مَعْدُودٌ مِنْ الْفَمِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَعْدِنِهِ) وَهُوَ مَنْبَعُهُ تَحْتَ اللِّسَانِ، مَرْحُومِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنٍ تَحْتَهُ، وَذَلِكَ الْمَنْبَعُ عَيْنٌ نَبَّاعَةٌ تُطْرِي اللِّسَانَ

ص: 378

بَعُوضٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ أَوْ غَرْبَلَةِ دَقِيقٍ جَوْفَهُ لِتَعَسُّرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ، وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ مُفْطِرٌ. وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ إلَى جَوْفِهِ نَظَرَ إنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ غَيْرُ مُفَرِّطٍ، وَلَوْ أَوْجَرَ كَأَنْ صُبَّ مَاءٌ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ، وَكَذَا إنْ أُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ، وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَفْطِرْ، وَإِنْ كَثُرَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلِيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» . وَالثَّانِي الْحُقْنَةُ وَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ إدْخَالُ دَوَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الدُّبُرِ فَتَعْبِيرُهُ بِأَنَّهَا (مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ، فَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْإِحْلِيلِ وَإِدْخَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِيهِ مُفْطِرٌ،.

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِلتَّكَلُّمِ وَتَبُلَّ الشَّيْءَ النَّاشِفَ وَلَوْلَاهَا لَوَقَفَ اللِّسَانُ وَنَشِفَ.

قَوْلُهُ: (ذُبَابٍ) مُحْتَرَزُ قَيْدٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ عَيْنٌ يَسْهُلُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَلَا يَشُقُّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ) قَيَّدَهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِالطَّاهِرِ وَاعْتَمَدَهُ، وَمِثْلُهُ ز ي، وَقَالَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ: إنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ ضَرَّ فِي الْغُبَارِ النَّجِسِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا وَلَمْ يَتَعَمَّدْ فَلَا، لَكِنَّ فِي شَرْحِ م ر الْإِطْلَاقَ.

قَوْلُهُ: (لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا لِأَجْلِ دُخُولِ نَحْوِ الذُّبَابِ أَوْ الْغُبَارِ جَوْفَهُ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ كَثُرَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَح ل، خِلَافًا لحج. وَلَوْ دَخَلَتْ ذُبَابَةٌ جَوْفَهُ أَفْطَرَ بِإِخْرَاجِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ كَالْقَيْءِ، وَجَازَ لَهُ إخْرَاجُهَا إنْ ضَرَّ بَقَاؤُهَا مَعَ الْقَضَاءِ، حَجّ وز ي.

قَوْلُهُ: (وَالتَّقْطِيرُ إلَخْ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا وَصَلَ مِنْ عَيْنٍ إلَى الْجَوْفِ. وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْمِنْهَاجِ: وَالتَّقْطِيرُ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ مُفْطِرٌ فِي الْأَصَحِّ، أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ الْفِطْرُ بِالتَّقْطِيرِ الْمَذْكُورِ. وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْوُصُولِ وُصُولُ الشَّيْءِ لِمَا كَانَ مُحِيلًا أَوْ طَرِيقًا لِلْإِحَالَةِ كَمَا فِي التَّقْطِيرِ فِي بَاطِنِ الْأُذُنِ، فَإِنَّهُ طَرِيقٌ لِلْإِحَالَةِ لَا نَفْسُ الْإِحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (إنْ بَالَغَ) أَوْ كَانَ مِنْ رَابِعَةٍ يَقِينًا لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، نَعَمْ إنْ بَالَغَ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةِ فَمِهِ فَلَا يَضُرُّ سَبْقُ الْمَاءِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا سَبْقُ مَاءِ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ بِالِانْغِمَاسِ فَإِنْ اعْتَادَهُ أَيْ السَّبْقَ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَخَرَجَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ سَبْقُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ مِنْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ أُذُنَيْهِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إلَى الْجَوْفِ مِنْهُمَا لَا يُفْطِرُ وَلَا نَظَرَ إلَى إمْكَانِ إمَالَةِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ لِعُسْرِهِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ بِالِانْغِمَاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْغِمَاسُ وَيُفْطِرُ قَطْعًا؛ نَعَمْ مَحَلُّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْغُسْلِ لَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُفْطِرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَذَا لَا يُفْطِرُ بِسَبْقِهِ مِنْ غُسْلِ نَجَاسَةٍ بِفِيهِ وَإِنْ بَالَغَ فِيهَا، وَقِيلَ: يُفْطِرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُفْطِرْ إنْ عَجَزَ) وَكَذَا لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ مِنْ مَاءٍ وَضَعَهُ فِي فَمِهِ لِنَحْوِ تَبَرُّدٍ أَوْ دَفْعِ عَطَشٍ فَسَبَقَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ وَلَوْ لِنَحْوِ عُطَاسٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَبَقَهُ مَاءُ غَسْلِ تَبَرُّدِهِ ق ل وم د.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْجَرَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مُخْتَارًا وَقَوْلُهُ " كَأَنْ صُبَّ " الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِيَارِهِ) أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَى اخْتِيَارِهِ سَاقِطٌ لِعَدَمِ وُجُودِ الِاخْتِيَارِ، فَالْإِضَافَةُ لَيْسَتْ بَيَانِيَّةً.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَمْدًا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي وَالْحُقْنَةُ) مِنْ أَفْرَادِ الْأَوَّلِ، فَعَطْفُهَا عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ. وَجَعَلَهَا الشَّارِحُ ثَانِيًا لِضَرُورَةِ الْعَدَدِ، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالِاحْتِقَانِ لِأَنَّ الْمُفْطِرَ هُوَ الْفِعْلُ وَوَضْعُ الْآلَةِ وَحْدَهَا مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلُ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَهُ) كَالْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ تَجَوُّزٌ) لَمْ يَجْعَلْهُ خَطَأً لِإِمْكَانِ تَخْصِيصِ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ بِالدُّبُرِ لِأَنَّ الْحُقْنَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيهِ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ إمْكَانُ ذَلِكَ عَقْلًا لَا وُقُوعًا. وَعَبَّرَ فِي الْعُبَابِ بِقَوْلِهِ: وَكَحُقْنَةٍ بِقُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ، وَلَمْ يَعْتَرِضْهَا حَجّ بِشَيْءٍ. قَوْلُهُ:(فَالتَّقْطِيرُ) هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا وَصَلَ مِنْ عَيْنٍ إلَى الْجَوْفِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلْخِلَافِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ " مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ " فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحُقْنَةِ مَا يَشْمَلُ التَّقْطِيرَ.

قَوْلُهُ: (فِي بَاطِنِ الْإِحْلِيلِ إلَخْ) وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ

ص: 379

وَكَالْحُقْنَةِ دُخُولُ طَرَفِ أُصْبُعٍ فِي الدُّبُرِ حَالَةَ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُفْطِرُ بِهِ إلَّا إنْ أَدْخَلَ الْمَبْسُورُ مَقْعَدَتَهُ بِأُصْبُعِهِ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ (وَ) الثَّالِثُ (الْقَيْءُ عَمْدًا) ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْجَوْفِ كَأَنْ تَقَايَأَ مُنَكَّسًا لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ أَيْ غَلَبَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَى فَلْيَقْضِ» وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَمْدًا مَا لَوْ كَانَ نَاسِيًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يُفْطِرْ كَمَا لَوْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ، وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ الْبَاطِنِ وَرَمَاهَا سَوَاءٌ اقْتَلَعَهَا مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ مِنْ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ تَتَكَرَّرُ، فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ وَحَصَلَتْ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ وَهُوَ مَخْرَجُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الزَّوَائِدِ فَلْيَقْطَعْهَا مِنْ مَجْرَاهَا وَلْيَمُجَّهَا إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ الذَّكَرِ وَاللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ م ر.

قَوْلُهُ: (دُخُولُ طَرْفِ أُصْبُعٍ) وَمِثْلُهُ غَائِطٌ خَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ ضَمَّ دُبُرَهُ وَدَخَلَ شَيْءٌ مِنْهُ إلَى دَاخِلِ دُبُرِهِ حَيْثُ تَحَقَّقَ دُخُولُ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ بُرُوزِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَعِدَتِهِ مَعَ عَدَمِ حَاجَةٍ إلَى ضَمِّ دُبُرِهِ. وَبِهِ يُفَارِقُ مَقْعَدَةَ الْمَبْسُورِ، أَفْتَى بِذَلِكَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ مَنْصُورُ الطَّبَلَاوِيُّ. أج. وَضَابِطُ الدُّخُولِ الْمُفْطِرِ أَنْ يُجَاوِزَ الدَّاخِلُ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، بِخِلَافِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَلَا يُفْطِرُ إذَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ لِيَغْسِلَ الطَّيَّاتِ الَّتِي فِيهِ.

وَلَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ مَثَلًا بِاللَّيْلِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ ابْتِلَاعَهُ أَكْلٌ وَنَزْعَهُ اسْتِقَاءَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ الْمُتَنَجِّسِ بِمَا فِي بَاطِنِهِ، فَطَرِيقُهُ فِي صِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَافِلًا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ النَّازِعِ لَهُ أَفْطَرَ لِأَنَّ النَّزْعَ مُوَافِقٌ لِغَرَضِ النَّفْسِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ لَهُ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ طُعِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ. فَإِنْ طَعَنَ نَفْسَهُ أَوْ طَعَنَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَفْطَرَ فِيهِمَا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقَدْ لَا يَطَّلِعُ عَارِفٌ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَا يُرِيدُ هُوَ الْخَلَاصَ لِنَفْسِهِ، فَطَرِيقُهُ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُجْبِرُهُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَلَعَهُ أَوْ بَلَعَهُ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا آكَدُ وَأَعْظَمُ بِدَلِيلِ قَتْلِ تَارِكِهَا دُونَ تَارِكِ الصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (بِأُصْبُعِهِ) وَلَوْ بِإِدْخَالِ أُصْبُعِهِ مَعَهَا إنْ اضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ ح ل. وَيَظْهَرُ الْعَفْوُ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِدَمِ لِثَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَقْعَدَةِ الْمَبْسُورِ، حَجّ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ اسْتَقَى) بِالْقَصْرِ، أَيْ تَعَمَّدَ الْقَيْءَ م د. قَوْلُهُ:(أَوْ مُكْرَهًا) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ إكْرَاهُ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ وَجَبَ الْقَيْءُ لِتَضَرُّرٍ قَامَ بِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم: لَوْ احْتَاجَ إلَى التَّقَيُّؤِ لِلتَّدَاوِي بِقَوْلِ طَبِيبٍ فَهَلْ يُفْطِرُ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يَنْظُرُ بَيْنَ أَنْ يَجِبَ لِلتَّضَرُّرِ بِحَبْسِهِ فَلَا يُفْطِرُ أَوْ لَا فَيُفْطِرُ؟ قُلْت: يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الذُّبَابَةِ إذَا دَخَلَتْ قَهْرًا وَضَرَّ بَقَاؤُهَا حَيْثُ قَالُوا بِالْفِطْرِ إذَا أَخْرَجَهَا أَنَّهُ يُفْطِرُ اهـ أج وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ اقْتَلَعَ) مُسْتَثْنَى مِنْ الْقَيْءِ، وَقَوْلُهُ " نُخَامَةً " وَيُقَالُ " نُخَاعَةً ".

قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَزَلَتْ مِنْ دِمَاغِهِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ طَلَعَتْ مِنْ بَطْنِهِ؛ وَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ بَلْ يُعْفَى عَنْهُ م ر. وَعَلَيْهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ فِيهَا أج.

قَوْلُهُ: (فِي حَدِّ الظَّاهِرِ) أَيْ حَدٍّ هُوَ الظَّاهِرُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ بِالظَّاهِرِ مَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ إلَى الشَّفَةِ كَمَا قَالَهُ ح ف، وَالْبَاطِنُ هُوَ مَخْرَجُ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ م د. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ حَدٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِّهِ طَرَفُهُ الَّذِي يَلِيهِ بَاطِنٌ وَلَيْسَ قَيْدًا، إذْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِهَا فِي الظَّاهِرِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَتِهَا مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ عِبَارَةُ حَجّ. تَنْبِيهٌ: ذِكْرُ حَدٍّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي عِبَارَتِهِ وَإِنْ أَتَى بِهِ شَيْخُنَا فِي مُخْتَصَرِهِ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ إلَّا أَنْ تَجْعَلَ الْإِضَافَةَ بَيَانِيَّةً، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يُرِيدُ تَحْدِيدَهُ؛ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْحَدِّ أَهُوَ الْمُعْجَمَةُ وَعَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْمُهْمَلَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَيَدْخُلُ مَا قَبْلَهُ؛ وَمِنْهُ الْمُعْجَمَةُ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْمُهْمَلَةُ عَلَى الرَّاجِحِ) فَمَا فَوْقَ مَخْرَجِ الْحَاءِ ظَاهِرٌ بِالنَّظَرِ لِلنُّخَامَةِ وَبَاطِنٌ بِالنَّظَرِ لِلرِّيقِ.

ص: 380

ذَلِكَ فَوَصَلَتْ الْجَوْفَ أَفْطَرَ لِتَقْصِيرِهِ، وَكَالْقَيْءِ التَّجَشُّؤُ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ مَعِدَتِهِ إلَى حَدِّ الظَّاهِرِ أَفْطَرَ، وَإِنْ غَلَبَهُ فَلَا. (وَ) الرَّابِعُ (الْوَطْءُ) بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (عَمْدًا) مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ (فِي الْفَرْجِ) وَلَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَنْزَلَ أَمْ لَا، فَلَا يُفْطِرُ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا، وَإِنْ كَثُرَ، وَلَا بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا بِتَصَوُّرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَا مَعَ جَهْلِ تَحْرِيمِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَكْلِ. (وَ) الْخَامِسُ (الْإِنْزَالُ) وَلَوْ قَطْرَةً (عَنْ مُبَاشَرَةٍ) بِنَحْوِ لَمَسٍّ كَقُبْلَةٍ بِلَا حَائِلٍ لِأَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْإِيلَاجِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ فَبِالْإِنْزَالِ مَعَ نَوْعِ شَهْوَةٍ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ كَالِاحْتِلَامِ، وَحَرُمَ نَحْوُ لَمَسٍّ كَقُبْلَةٍ إنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةً خَوْفَ الْإِنْزَالِ وَإِلَّا فَتَرْكُهُ أَوْلَى (وَ) السَّادِسُ (الْحَيْضُ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَلْيَمُجَّهَا) فَلَوْ كَانَ فِي فَرْضِ صَلَاةٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَجِّهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ أَيْ فَأَكْثَرَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، بَلْ تَتَعَيَّنُ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَتِهَا كَالتَّنَحْنُحِ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (إنْ أَمْكَنَ إلَخْ) فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ: وُصُولِهَا إلَى الظَّاهِرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى مَجِّهَا.

قَوْلُهُ: (التَّجَشُّؤُ) بِالْهَمْزَةِ فِي آخِرِهِ كَالتَّبَرُّؤِ، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ بَاءً وَقَلْبِ ضَمَّةِ الشِّينِ كَسْرَةً كَالتِّبْرِيِّ.

قَوْلُهُ: (بِإِدْخَالِ حَشَفَةٍ إلَخْ) احْتَرَزَ بِالْإِدْخَالِ عَمَّا لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ وَلَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدُ صَوْمُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْزَلَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ صَوْمُهُ كَالْإِنْزَالِ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أج عَنْ ز ي. وَمَعَ ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ:(فِي الْفَرْجِ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ق ل. وَتُفْطِرُ الْمَرْأَةُ بِإِدْخَالِهَا ذَكَرًا مُبَانًا وَعَكْسِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْجِ الْمُبَانِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى خِلَافًا لِمَا تَوَهَّمَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ق ل. قَوْلُهُ:(وَلَا بِالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ) أَيْ الْوَطْءِ مَا لَمْ يَكُنْ زِنًا، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَيُفْطِرُ بِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا عَمِيرَةُ سم، وَأَقَرَّهُ أج؛ وَاعْتَمَدَ الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزِيُّ الْإِطْلَاقَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِفْطَارِ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِنْزَالُ إلَخْ) . حَاصِلُ الْإِنْزَالِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِالِاسْتِمْنَاءِ، أَيْ بِطَلَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا بِحَائِلٍ أَوْ لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنْزَالُ بِاللَّمْسِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الِاسْتِمْنَاءِ، أَيْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، فَتَارَةً تَكُونُ مِمَّا تَشْتَهِيهِ الطَّبَائِعُ السَّلِيمَةُ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ لَا تَشْتَهِيهِ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ كَالْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ وَالْعُضْوِ الْمُبَانِ فَلَا يُفْطِرُ بِالْإِنْزَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا، بِحَائِلٍ أَوْ لَا.

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِنْزَالُ بِلَمْسِ مَا يُشْتَهَى طَبْعًا فَتَارَةً يَكُونُ مُحَرَّمًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا وَكَانَ بِشَهْوَةٍ وَبِدُونِ حَائِلٍ أَفْطَرَ وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَزَوْجَتِهِ فَيُفْطِرُ الْإِنْزَالُ بِلَمْسِهِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْحَائِلِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَائِلٍ فَلَا فِطْرَ بِهِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا؛ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ لَمْسٍ) أَيْ لِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا وَلِمَا لَا يَنْقُضُ كَمُحَرَّمٍ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ. كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَالْأَمْرَدُ كَالْمُحَرَّمِ. قَوْلُهُ: (بِلَا حَائِلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِلَمْسٍ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَ الْمَنِيِّ وَإِلَّا أَفْطَرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْحَائِلِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَصَدَ اللَّذَّةَ فَقَطْ ع ش وح ف. وَقَوْلُهُ " بِحَائِلٍ " أَيْ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا جِدًّا.

قَوْلُهُ: (أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ) مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ الْإِنْزَالُ بِهِمَا وَإِلَّا أَفْطَرَ كَمَا فِي م ر، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ أَحَسَّ بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ وَتَهْيِئَتِهِ لِلْخُرُوجِ بِسَبَبِ اسْتِدَامَةِ النَّظَرِ فَاسْتَدَامَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ قَطْعًا شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: نَعَمْ إنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الْإِنْزَالَ بِهِمَا أَوْ كَرَّرَهُمَا حَتَّى أَنْزَلَ أَفْطَرَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (كَقُبْلَةٍ إنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةً) هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا فَمِنْ خَصَائِصِهِ الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ، «فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ عَائِشَةَ وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلَعْ رِيقَهُ الْمُخْتَلِطَ بِرِيقِهَا كَمَا فِي ح ل فِي السِّيرَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: اُخْتُصَّ بِجَوَازِ الْقُبْلَةِ بِضَمِّ الْقَافِ فِي الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ مَعَ قُوَّةِ شَهْوَتِهِ.

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ عَنْهَا: «أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، فَجَعَلُوا الْقُبْلَةَ سُنَّةً لِلصَّائِمِ وَقُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ اقْتِدَاءً بِهِ؛ وَكَرِهَهَا آخَرُونَ وَرَدُّوا عَلَى أُولَئِكَ بِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ إرْبَهُ فَلَيْسَ كَغَيْرِهِ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي خَبَرِهِمَا عَنْهَا، وَلَفْظُهُ:«كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمَلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ وَتُبَاحُ لِغَيْرِهِ، وَكَيْفَمَا كَانَ لَا يُفْطِرُ إلَّا

ص: 381

لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهِ، وَهَلْ وَجَبَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: وَلَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَظْهَرُ هَذَا وَشِبْهُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ بِأَنْ يَقُولَ: مَتَى وَجَبَ عَلَيْك صَوْمٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ.

(وَ) السَّابِعُ (النِّفَاسُ) لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ. (وَ) الثَّامِنُ (الْجُنُونُ) لِمُنَافَاتِهِ الْعِبَادَةَ. (وَ) التَّاسِعُ (الرِّدَّةُ) لِمُنَافَاتِهَا الْعِبَادَةَ. وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَيَانِ الْعَاشِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْوِلَادَةُ فَإِنَّهَا مُبْطِلَةٌ لِلصَّوْمِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ إلْحَاقِهَا بِالِاحْتِلَامِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَهُ لِهَذَا الْخِلَافِ أَوْ لِنِسْيَانٍ أَوْ سَهْوٍ. .

(وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ) وَلَوْ نَفْلًا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ زَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَرَأَى أَنَّ فِيهِ فَضِيلَةً وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ. وَيُسَنُّ كَوْنُهُ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَعَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ لِخَبَرِ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ»

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالْإِنْزَالِ.

وَالْقُبْلَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قُبْلَةُ مَوَدَّةٍ نَحْوُ قُبْلَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ فِي الْخَدِّ، وَقُبْلَةُ رَحْمَةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ شَفَقَةٍ كَقُبْلَةِ الْأُخْتِ لِلْأَخِ عَلَى الْجَبْهَةِ. وَقُبْلَةُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ قُبْلَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى الْيَدِ. وَقُبْلَةُ شَهْوَةٍ كَقُبْلَةِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عَلَى الْفَمِ. اهـ. مَيْدَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَمْرٌ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيْضَ يُضْعِفُ الْبَدَنَ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ وَاجْتِمَاعُ مُضْعِفَيْنِ مُضِرٌّ ضَرَرًا شَدِيدًا، وَالشَّارِعُ نَاظِرٌ لِحِفْظِ الْأَبَدَانِ.

قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ أَوْ الرَّأْسِ عَقِبَ الْجَوْفِ فِيمَا مَرَّ، وَإِلَّا فَلَا سُكُوتَ. وَلَا حَاجَةَ لِنِسْبَةِ الْمُصَنِّفِ إلَى نِسْيَانٍ أَوْ سَهْوٍ وَلَا لِقَوْلِهِ " وَالظَّاهِرُ إلَخْ " ق ل.

قَوْلُهُ: (لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّ الْوِلَادَةَ نَادِرَةٌ بَلْ فِيهَا نَوْعُ اخْتِيَارٍ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهَا وَهُوَ الْوَطْءُ، وَلَا كَذَلِكَ الِاحْتِلَامُ فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ بَلْ فِيهِ شَائِبَةُ إكْرَاهٍ أج.

قَوْلُهُ: (أَشْيَاءُ) يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ نَائِبِ الْفَاعِلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالْفَاعِلِ عُمْدَةٌ لَا يُحْذَفُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، فَلَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا فَهِيَ كَثِيرَةٌ لَكَانَ أَوْلَى؛ وَأَيْضًا جَعْلُ " ثَلَاثَةٌ " خَبَرًا لْمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْمُبْتَدَأِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ) خَرَجَ بِتَحَقُّقِ الْغُرُوبِ ظَنُّهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ، وَظَنُّهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَشَكُّهُ فَيَحْرُمُ بِهِمَا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: «لَا تَزَالُ» أَيْ تَسْتَمِرُّ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مُدَّةَ تَعْجِيلِهِمْ الْفِطْرَ إلَخْ، وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ:«قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا» وَلِمَا صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا أَعْجَلَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا، وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوهُ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَخَّرُوهُ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ السُّنَّةَ، وَالْخَيْرُ لَيْسَ إلَّا فِي اتِّبَاعِهَا. وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ) أَيْ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ كَالشِّيعَةِ، فَإِنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ الْفِطْرَ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ ذَلِكَ) أَيْ التَّأْخِيرَ.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى تَمْرٍ) مَا لَمْ يُعَارِضْهُ سَنُّ التَّعْجِيلِ بِأَنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ الْفِطْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ التَّأْخِيرُ، وَإِلَّا رَاعَى التَّعْجِيلَ ح ف. وَقَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّ التَّمْرَ يُضْعِفُ الْبَصَرَ مَحْمُولٌ عَلَى كَثِيرِهِ دُونَ قَلِيلِهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّيهِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى مَاءٍ) وَيُقَدَّمُ مَاءُ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَعْدَ الْمَاءِ شَيْءٌ حُلْوٌ كَزَبِيبٍ وَحُلْوٍ، وَيُقَدَّمُ اللَّبَنُ عَلَى الْعَسَلِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَيُقَدَّمُ الْعَسَلَ عَلَى غَيْرِهِ. وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا الْجِمَاعَ أَفْطَرَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا يُسَنُّ الْفِطْرُ عَلَيْهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (حَسَا حَسَوَاتٍ) أَيْ جَرَعَ جَرَعَاتٍ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَسَا أَيْ مَلَأَ

ص: 382

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَيُسَنُّ السُّحُورُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» . .

(وَ) الثَّانِي (تَأْخِيرُ السُّحُورِ) مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ:«دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»

تَنْبِيهٌ: لَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِسَنِّ السُّحُورِ كَمَا ذَكَرْته لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ اسْتِحْبَابَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَمَه مِنْ الْمَاءِ، وَحَسَوَاتٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَالْحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ بِالْمَاءِ. قَالَ م ر: قَضِيَّتُهُ أَنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ مِنْ رُطَبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَمْرٍ، إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ. وَتَعْبِيرُ جَمْعٍ بِتَمْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا أَصْلُ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ السُّحُورُ) السُّحُورُ بِضَمِّ السِّينِ الْفِعْلُ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَمَا يَتَسَحَّرُ بِهِ. فَإِنْ قُلْت: حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ خُلُوُّ الْجَوْفِ لِإِذْلَالِ النَّفْسِ وَكَفِّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا وَالسُّحُورُ يُنَافِي ذَلِكَ؟ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ بَلْ فِيهِ إقَامَةُ السُّنَّةِ بِنَحْوِ قَلِيلِ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، وَالْمُنَافِي إنَّمَا هُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَرَفِّهُونَ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ وَتَحْسِينُهُ وَالِامْتِلَاءُ مِنْهُ اهـ عَلْقَمِيٌّ. وَفِي الْعُهُودِ لِلشَّعْرَانِيِّ: أُخِذَ عَلَيْنَا الْعُهُودُ أَنْ لَا نَشْبَعَ الشِّبَعَ الْكَامِلَ قَطُّ لَا سِيَّمَا فِي لَيَالِيِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْأَوْلَى النَّقْصُ فِيهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي غَيْرِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهْرُ الْجُوعِ، وَمَنْ شَبِعَ فِي عَشَائِهِ وَسُحُورِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ الْأَثَرُ الْمَشْرُوعُ لَهُ الصَّوْمُ وَهُوَ إضْعَافُ الشَّهْوَةِ الْمُضَيِّقَةِ لِمَجَارِي الشَّيْطَانِ فِي الْبَدَنِ، وَهَذَا الْأَمْرُ بَعِيدٌ عَلَى مَنْ شَبِعَ مِنْ اللَّحْمِ وَالْمَرَقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُرْضِعَةً أَوْ شَخْصًا يَتَعَاطَى فِي النَّهَارِ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،.

وَقَدْ قَالُوا: مَنْ أَحْكَمَ الْجُوعَ فِي رَمَضَانَ حُفِظَ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَى رَمَضَانَ الْآتِي؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ عَلَى بَدَنِ الصَّائِمِ مَا لَمْ يَخْرِقْهُ شَيْءٌ فَإِذَا خَرَقَهُ دَخَلَ الشَّيْطَانُ لَهُ مِنْ الْخَرْقِ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَرَكَةً) أَيْ أَجْرًا وَثَوَابًا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْرَأَ السُّحُورُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ) الْقَيْلُولَةُ هِيَ الرَّاحَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ بِلَا نَوْمٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوْمُ بَعْدَهُ ق ل وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَفِي تَذْكِرَةِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ النَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعِنْدَ الضُّحَى فَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفُتُورُ وَحِينَ الزَّوَالِ قَيْلُولَةٌ وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْلِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ حَيْلُولَةٌ أَيْ يُحِيلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ النَّهَارِ غَيْلُولَةٌ أَيْ يُورِثُ الْهَلَاكَ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِكَثْرِ مَفَاسِدِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ، بَلْ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالشُّبُهَاتِ وَفَسَادَ الْمِزَاجِ الطَّبِيعِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ وَيُكْثِرُ الْبَلْغَمَ وَالسَّوْدَاءَ وَيُضْعِفُ الْمَعِدَةَ وَيُنْتِنَ الْفَمَ وَيُوَلِّدُ دُونَ الْقُرُحِ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ دَاعِيَةٌ لِلْجِمَاعِ، وَيُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُورِثُ الْأَمْرَاضَ الْمُزْمِنَةَ فِي الْوَلَدِ الْمُتَخَلَّقِ مِنْ تِلْكَ النُّطْفَةِ حَالَ تَكْوِينِهِ، وَيُضْعِفُ الْجَسَدَ. هَذَا فِي النَّوْمِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَأَعْظَمُ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ مَفَاسِدِهِ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يُورِثُ ضَعْفَ الْحَالِ بِحُكْمِ الْخَاصِّيَّةِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: بِخِلَافِ الْإِغْفَاءِ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ إنَّمَا يَتَوَلَّدُ عَنْ نَوْمِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) أَيْ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ أَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ ".

قَوْلُهُ: (لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ) أَيْ حَيْثُ أَوْقَعَ التَّأْخِيرُ فِي شَكٍّ، وَقَوْلُهُ " تَرْكُهُ " أَيْ التَّأْخِيرِ.

قَوْلُهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُك» أَيْ دَعْ مَا يُوقِعُك فِي شَكٍّ إلَى مَا لَا يُوقِعُك فِيهِ، أَيْ وَانْتَقِلْ وَاعْدِلْ إلَى مَا لَا يَرِيبُك، فَقَوْلُهُ " إلَى " مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ وَ " يَرِيبُك " بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَمَاضِيهِ رَابَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ صَرَّحَ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْحُكْمَ لَا عَلَى جِهَةِ الصَّرَاحَةِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِسَنِّ تَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ سَنَّ السُّحُورِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ التَّأْخِيرِ الْمَسْنُونِ عَلَى

ص: 383

يَحْصُلُ بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ، فَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ. .

(وَ) الثَّالِثُ (تَرْكُ الْهَجْرِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ: تَرْكُ الْهِجْرَانِ (مِنْ الْكَلَامِ) جَمِيعَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» أَمَّا الْهُجْرُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الِاسْمُ مِنْ الْإِهْجَارِ وَهُوَ الْإِفْحَاشُ فِي النُّطْقِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ إذْ كَلَامُهُ فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ، وَتَرْكُ فُحْشِ الْكَلَامِ مِنْ عَيْبَةٍ وَغَيْرِهَا وَاجِبٌ. وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِالضَّمِّ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ كَمَا اُعْتُرِضَ عَلَى الْمِنْهَاجِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ: وَلْيَصُنْ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ بِأَنَّ صَوْنَ اللِّسَانِ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِارْتِكَابِ ذَلِكَ بِخِلَافِ ارْتِكَابِ مَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ كَالِاسْتِقَاءَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحَدِيثُ «خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْغَيْبَةُ وَالنَّمِيمَةُ» إلَى آخِرِهِ ضَعِيفٌ، وَإِنْ صَحَّ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَالْمُرَادُ بُطْلَانُ الثَّوَابِ لَا الصَّوْمِ، قَالَ: وَمِنْ هُنَا حَسُنَ عَدُّ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ آدَابِ الصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا مُطْلَقًا. .

وَيُسَنُّ تَرْكُ شَهْوَةٍ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ كَشَمِّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّرَفُّهِ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ حِكْمَةَ الصَّوْمِ، وَتَرْكُ نَحْوِ حَجْمٍ كَفَصْدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُضْعِفُهُ، وَتَرْكُ ذَوْقِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ خَوْفَ وُصُولِهِ حَلْقَهُ، وَتَرْكُ عَلْكٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وُجُودِهِ مُؤَخَّرًا. اهـ. م د. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَنِّ التَّأْخِيرِ كَوْنُ السُّحُورِ نَفْسِهِ سُنَّةً بَلْ يَصْدُقُ بِالْإِبَاحَةِ.

قَوْلُهُ: (بِكَثِيرِ الْمَأْكُولِ وَقَلِيلِهِ) أَيْ وَكَثِيرِ الْمَشْرُوبِ وَقَلِيلِهِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِجُرْعَةِ مَاءٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْجُرْعَةُ مِنْ الْمَاءِ كَاللُّقْمَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَهُوَ مَا يُجْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْجَمْعُ جُرَعٌ مِثْلَ غَرْفَةٍ وَغُرَفٍ.

قَوْلُهُ: (تَرْكُ الْهَجْرِ) أَيْ تَرْكُ هَجْرِ النَّاسِ مِنْ الْكَلَامِ بِأَنْ يُكَلِّمَهُمْ، وَالْهَجْرُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ هَجَرَ كَضَرْبِ وَمَعْنَاهُ تَرْكُ الْكَلَامِ. وَقَدْ أَضَافَ لَهُ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ " تَرْكُ "، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَتَفْسِيرُ الْهَجْرِ بِالتَّرْكِ لَا يُنَافِي تَفْسِيرَهُ بِالْهِجْرَانِ الَّذِي هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْكَلَامِ تَرْكُهُ فَصَارَ مَعْنَاهُ التَّكَلُّمَ. وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى فَتْحِ الْهَاءِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَيَكُونُ اسْمَ مَصْدَرٍ لِأَهْجَرَ بِمَعْنَى أَفَحَشَ، وَالْمَعْنَى: يُسَنُّ تَرْكُ الْكَلَامِ الْفَاحِشِ. وَعِبَارَةُ م د: قَوْلُهُ " تَرْكُ الْهِجْرَانِ " لَوْ حَذَفَ الشَّارِحُ لَفْظَ " تَرْكُ " الدَّاخِلَةِ عَلَى الْهِجْرَانِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، وَالْمَعْنَى تَرْكُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ؛ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ الْكَلَامُ وَالِامْتِنَاعُ تَفْسِيرٌ لِلْهِجْرَانِ؛ وَالْمَعْنَى عَلَى إثْبَاتِ التَّرْكِ تَرْكُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْكَلَامِ بِأَنْ يَسْكُتَ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ التَّكَلُّمُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الِاسْمُ) أَيْ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ الْإِهْجَارِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَهْجَرَ أَيْ أَفْحَشَ.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُرَادُهُ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: بَلْ هُوَ أَقْعَدُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَالِاعْتِرَاضُ مَدْفُوعٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ. اهـ. ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيُسَنُّ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ تَرْكُ فُحْشٍ كَكَذِبٍ وَغِيبَةٍ، لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» اهـ، أَيْ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، أَيْ فِي صِيَامِهِ. فَحَذَفَ الْجَارَّ مِنْ " أَنْ يَدَعَ " وَالتَّقْدِيرُ فِي أَنْ يَدَعَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ أَوْ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ نَظَرِهِ تَعَالَى لَهُ نَظَرَ الْعِنَايَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ وَالتَّفَضُّلِ بِالثَّوَابِ، أَوْ لَا يَطْلُبُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدَعَ إلَخْ. فَأَطْلَقَ الْحَاجَةَ وَأَرَادَ الطَّلَبَ مَجَازًا، عِلَاقَتُهُ اللُّزُومُ.

قَوْلُهُ: (وَبَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قَاسِمٍ الْغَزِّيُّ، فَإِنَّهُ شَرَحَ الْمَتْنَ وَالْمِنْهَاجَ أَيْضًا. قَوْلُهُ:(وَاعْتَرَضَ) أَيْ هَذَا الْبَعْضُ، وَهُوَ الْغَزِّيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ، كَمَا اعْتَرَضَ أَيْ هَذَا الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ، فَإِنَّهُ شَرَحَ الْكِتَابَيْنِ أَيْ الْمِنْهَاجَ وَأَبَا شُجَاعٍ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّ صَوْنَ اللِّسَانِ عَنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ) أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ، وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَيْنِ: وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ صَوْنِ اللِّسَانِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَمَنْدُوبًا مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ.

قَوْلُهُ: (يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ) أَيْ حَقِيقَةً، وَهُوَ مَذْهَبُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَكَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) بَقِيَّتُهُ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ: " وَالْكَذِبُ وَالنَّظَرُ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَالْأَيْمَانُ الْفَاجِرَةُ " وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إبْدَالُ الثَّانِي بِقَوْلِ الزُّورِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ أَجْلِ بُطْلَانِ ثَوَابِ الصَّوْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ:

ص: 384

بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ، فَإِنْ بَلَعَهُ أَفْطَرَ فِي وَجْهٍ، وَإِنْ أَلْقَاهُ عَطَّشَهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا لِيَكُونَ عَلَى طُهْرٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّوْمِ، وَأَنْ يَقُولَ عَقِبَ فِطْرِهِ «اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت» لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَأَنْ يُكْثِرَ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَمُدَارَسَتَهُ بِأَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي رَمَضَانَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ» . وَأَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ وَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ عِنْدَنَا.

(وَيَحْرُمُ صِيَامُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ) أَيْ مَعَ بُطْلَانِ صِيَامِهَا وَهِيَ (الْعِيدَانِ) الْفِطْرُ وَالْأَضْحَى بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى نَهْيِ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» . .

(وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْفُحْشِ.

قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) أَيْ الْمَضْغُ، وَبِكَسْرِهَا الْمَعْلُوكُ.

قَوْلُهُ: (فِي وَجْهٍ) أَيْ ضَعِيفٍ، وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ شَيْءٌ مِنْ الْمَعْلُوكِ وَإِلَّا أَفْطَرَ قَطْعًا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ لَيْلًا) قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: مَنْ بَاتَ سَكْرَانَ أَوْ جُنُبًا بَاتَ لِلشَّيْطَانِ عَرُوسًا.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ لَك صُمْت) وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ: " وَبِك آمَنْت وَبِك وَعَلَيْك تَوَكَّلْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، يَا وَاسِعَ الْفَضْلِ اغْفِرْ لِي الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي فَصُمْت وَرَزَقَنِي فَأَفْطَرَتْ " اهـ وَالظَّمَأُ مَهْمُوزُ الْآخِرِ مَقْصُورٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَطَشُ، وَلَمْ يَقُلْ وَذَهَبَ الْجُوعُ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْحِجَازِ حَارَّةٌ فَكَانُوا يَصْبِرُونَ عَلَى قِلَّةِ الطَّعَامِ لَا الْعَطَشِ وَيَقُولُ هَذَا إنْ أَفْطَرَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ دَخَلَ وَقْتُ إذْهَابِ الظَّمَأِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمُدَارَسَتَهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ وَحَقِيقَةُ الْمُدَارَسَةِ أَنْ يَقْرَأَ الثَّانِي مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَيْ مَا قَرَأَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ فَهِيَ إدَارَةٌ لَا مُدَارَسَةٌ.

قَوْلُهُ: (يَنْسَلِخَ) أَيْ يَفْرُغَ.

قَوْلُهُ: (فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى يُلْقِي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِضَمِّ الْيَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ التَّرْكُ وَلَيْسَ مُرَادًا، قَالَ مد: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ حَتَّى جِبْرِيلُ النَّازِلُ بِهِ فَكَيْفَ كَانَ يُدَارِسُهُ؟ وَأُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقْرَأُ أَوَّلًا فَيُعِيدُ جِبْرِيلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالثَّانِي: أَنَّ جِبْرِيلُ كَانَ يَنْظُرُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ حِينَ يَقْرَأُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ هُوَ الْمُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ. قَالَ الشَّاطِبِيُّ:

وَكُلُّ عَامٍ عَلَى جِبْرِيلُ يَعْرِضُهُ

وَقِيلَ آخِرُ عَامٍ مَرَّتَيْنِ قَرَأَ

وَحِكْمَةُ الْعَرْضِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ. وَقَوْلُهُ " آخِرُ عَامٍ " أَيْ مِنْ عُمْرِهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَعْنَى كَوْنِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يُعْطَوْا فَضِيلَةَ حِفْظِ الْقُرْآنِ، أَيْ عَلَى الدَّوَامِ بِحَيْثُ يَسْتَقِلُّونَ بِقِرَاءَةِ الْمَحْفُوظِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ أَوْ لَا حِفْظَ لَهُمْ أَصْلًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْجَوَابِ الثَّانِي.

وَأَمَّا غَيْرُ جِبْرِيلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ فَكَانُوا يَحْفَظُونَ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهَا كَنُسْخَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ. وَقَوْلُهُ " فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ " قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَرَضْت الْكِتَابَ عَرْضًا قَرَأْتُهُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ.

قَوْلُهُ: (الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَيْثُ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا اثْنَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا ثَلَاثَةٌ بِيَوْمِ النَّحْرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمُتَمَتِّعٍ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ الْعَاجِزِ عَنْ الدَّمِ وَصَوْمُهَا عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ؛ وَالْمُتَمَتِّعُ هُوَ الَّذِي أَتَى بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ) إنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ تَنْصِيصِهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ أَوْ حُرْمَتِهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ يَوْمِ الشَّكِّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا؛

ص: 385

وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَالْمَجْمُوعِ لِقَوْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ " مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ". تَنْبِيهٌ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَيُوَافِقُ الْمُرَجَّحَ فِي الْمَذْهَبِ. (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) صَوْمُهُ (عَادَةً لَهُ) فِي تَطَوُّعِهِ كَأَنْ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ أَوْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا أَوْ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ فَوَافَقَ صَوْمُهُ يَوْمَ الشَّكِّ، وَلَهُ صَوْمُهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِخَبَرِ:«لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَقِيسَ بِالْوِرْدِ الْبَاقِي بِجَامِعِ السَّبَبِ، فَلَوْ صَامَهُ بِلَا سَبَبٍ لَمْ يَصِحَّ كَيَوْمِ الْعِيدِ بِجَامِعِ التَّحْرِيمِ.

وَقَوْلُهُ (أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ) مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ تَطَوُّعًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ تَحْرِيمُهُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ لِخَبَرِ:«إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. فَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي وَصْلُ يَوْمِ الشَّكِّ إلَّا بِمَا قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي، وَلَوْ وَصَلَ النِّصْفَ الثَّانِيَ بِمَا قَبْلَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَادَةٌ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي فَلَهُ صَوْمُ أَيَّامِهَا. فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اُسْتُحِبَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا أَطْبَقَ الْغَيْمُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ حِينَئِذٍ؟ أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُرَاعِي الْخِلَافَ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَرِيحَةً وَهِيَ هُنَا خَبَرُ «إذَا غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا عَدَدٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ كَصِبْيَانٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ فَسَقَةٍ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَبَيَانُ أَنَّ صَوْمَهُ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ لِشَيْئَيْنِ: كَوْنِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ، فَيَكُونُ النَّهْيُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْهُ فِيمَا قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَصْلُهُ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ حَرَامٌ لَقَالَ: وَيَوْمَ الشَّكِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَتَى أُطْلِقَتْ انْصَرَفَتْ إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.

قَوْلُهُ: (يَسْرُدَ) فِي الْمُخْتَارِ سَرَدَ الصَّوْمَ أَدَامَهُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَذْرٍ) أَيْ مُتَقَدِّمٍ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ إذْ نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَالنِّصْفِ الثَّانِي وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ أج. فَصُورَةُ النَّذْرِ أَنْ يَنْذُرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَيُوَافِقُ يَوْمَ الشَّكِّ.

قَوْلُهُ: (كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، أَيْ الْمَقْضِيَّةِ وَالْمَنْذُورَةِ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى فِيهِ صَوْمَ قَضَاءٍ لَمْ يَنْعَقِدْ ق ل. وَيُعْلَمُ هَذَا أَيْضًا مِنْ قَوْلِ أج: لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْأَصْلُ: لَا تَتَقَدَّمُوا. " وَرَجُلٌ " بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ.

قَوْلُهُ: (بِالْوِرْدِ) أَيْ الْعَادَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: بِالْوَارِدِ، أَيْ فِي الْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (الْبَاقِي) كَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ " كَنَظِيرِهِ إلَخْ " لِأَنَّهُ قِيَاسٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قِيَاسُ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُنَا قِيَاسُ صَوْمٍ عَلَى صَوْمٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، إذْ قَوْلُهُ " أَوْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ " أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْقَبْلُ جَائِزًا صَوْمُهُ كَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَوْ آخِرَهُ كَالْخَامِسِ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ إلَى أَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ بِلَا فِطْرٍ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَوْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: " يَصِلَهُ " وَالْأَوْلَى أَوْ يَصِمَهُ كَمَا فِي حَجّ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بِمَا قَبْلَهُ إلَخْ) لَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ، أَيْ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَحَدٌ أَوْ شَهِدَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فَسَقَةٍ) أَوْ كُفَّارٍ نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَصَحَّ مِنْهُ وَوَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْهُ، وَمَنْ ظَنَّ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وَلَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَالْأَحْكَامُ ثَلَاثَةٌ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُمْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَيْدًا فِي يَوْمِ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ فِي صِحَّةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ وَجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُمْ يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَيْسَ يَوْمُ شَكٍّ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ

ص: 386

مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِي طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُعْتَقِدِ لِذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنَهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ هُوَ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ الصِّدْقَ هَذَا مَوْضِعٌ، وَأَمَّا مَنْ ظَنَّهُ أَوْ اعْتَقَدَهُ صَحَّتْ النِّيَّةُ مِنْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ، فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُتَنَاقِضٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ، وَفِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ مَمْنُوعٌ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَدَّثْ أَحَدٌ بِالرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ لِخَبَرِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ.» .

فَرْعٌ: الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ وَاجِبٌ إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ صَارَ يَوْمَ شَكٍّ فَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ تَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ، وَتَارَةً يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَيَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الصِّدْقَ أَوْ يَجُوزُ لِمَنْ ظَنَّ الصِّدْقَ.

قَوْلُهُ: (مِمَّنْ ذَكَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِعَدَدٍ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ.

قَوْلُهُ: (فِي طَائِفَةٍ) أَيْ مَعَ طَائِفَةٍ.

قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْبَابِ.

قَوْلُهُ: (الْمُعْتَقِدِ) الْمُرَادُ بِهِ الظَّانُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: صِحَّةُ نِيَّةِ الظَّانِّ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ وَالِامْتِنَاعُ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ النِّيَّةُ) أَيْ مَعَ جَوَازِ الصَّوْمِ؛ وَهَذَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَكَلَامُهُ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.

قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الظَّنِّ فَيَجُوزُ وَلَا يَجِبُ؛ وَإِذَا انْتَفَى الِاعْتِقَادُ وَالظَّنُّ امْتَنَعَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ " وَهَذَانِ مَوْضِعَانِ " أَيْ الظَّنُّ وَالِاعْتِقَادُ.

قَوْلُهُ: (فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ.

قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ لِكَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ شَكٍّ، وَأَمَّا يَوْمُ الشَّكِّ فَيَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ.

قَوْلُهُ (الْفِطْرُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ) أَيْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ إلَخْ، وَإِلَّا فَفِي اللَّيْلِ يَحْكُمُ عَلَى الشَّخْصِ بِأَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفْطِرًا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ فَيَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ فِيهِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ حَقِيقَةً. وَشَمِلَ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ مَا كَانَ عَلَى جَهْلٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَيْ إذَا تَعَاطَى مُفْطِرًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا كَفَى فَيَخْرُجُ مِنْ الْحُرْمَةِ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: وَاخْتَصَّ بِجَوَازِ الْوِصَالِ لَهُ فِي الصَّوْمِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، قِيلَ: فَإِنَّك تُوَاصِلُ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي إنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي فَاكْلَفُوا» بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ الْزَمُوا " مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ". وَأَنْ يَجْتَنِبُوا تَتَابُعَ الصَّوْمِ بِغَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ يُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْمَلَلَ وَالْعَجْزَ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهَا، فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي أَيْ عَلَى صِفَتِي وَمَنْزِلَتِي مِنْ رَبِّي، فَإِنِّي أَبِيتُ أَيْ أَنَا عِنْدَ رَبِّي دَائِمًا أَبَدًا؛ فَهِيَ عِنْدِيَّةُ تَشْرِيفٍ، يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي حَقِيقَةً بِأَنْ يُطْعَمَ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَهُوَ لَا يُفْطِرُ، أَوْ مَجَازًا عَمَّا يُغَذِّيهِ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَيُفِيضُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ لَذَّةِ مُنَاجَاتِهِ وَقُرَّةِ عَيْنِهِ بِقُرْبِهِ. وَغِذَاءُ الْقُلُوبِ وَنَعِيمُ الْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ أَثَرًا مِنْ غِذَاءِ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ.

فَلِلْأَنْبِيَاءِ جِهَةُ تَجَرُّدٍ وَجِهَةُ تَعَلُّقٍ، فَبِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ الَّذِي يُفَاضُ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ الْمَبْدَإِ الْأَوَّلِ مَصُونُونَ عَمَّا يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ ضَعْفٍ وَعَطَشٍ وَجُوعٍ وَفُتُورٍ، وَبِالنَّظَرِ لِلثَّانِي بِهِ يُفِيضُونَ وَيَلْحَقُهُمْ ذَلِكَ ظَاهِرًا لِمُوَافَقَةِ الْجِنْسِ لِتُؤْخَذَ عَنْهُمْ آدَابُ الشَّرِيعَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْهُمْ الْأَخْذُ عَنْهُمْ، فَظَوَاهِرُهُمْ بَشَرِيَّةٌ تَلْحَقُهُمْ الْآفَاتُ وَبَوَاطِنُهُمْ رَبَّانِيَّةٌ تَتَلَذَّذُ بِلَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا وَبَيْنَ رَبْطِهِ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ الظَّاهِرَةَ يُسَاوُونَ فِيهَا الْجِنْسَ وَأَحْوَالَهُمْ الْبَاطِنَةَ يُفَارِقُونَهُمْ فِيهَا، فَظَوَاهِرُهُمْ لِلْخَلْقِ كَمِرْآةٍ يُبْصِرُونَ فِيهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَبَوَاطِنُهُمْ فِي حُجُبِ

ص: 387

أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجِمَاعَ وَنَحْوَهُ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ. وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيِّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَقَالَ: (وَمَنْ وَطِئَ) بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا (عَامِدًا) مُخْتَارًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْغَيْبِ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَا يَعْتَرِيهَا عَجْزُ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ جُوعٍ وَلَا غَيْرِهِ. فَهَاكَ هَذَا الْجَمْعُ عَفْوًا صَفْحًا فَقَلَّمَا تَرَاهُ مَجْمُوعًا فِي كِتَابٍ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ الْأَنْجَابِ. وَقَوْلُهُ: «فَاكْلَفُوا» بَيَّنَ بِهِ حِكْمَةَ النَّهْيِ، وَهُوَ خَوْفُ الْمَلَلِ فِي الْعِبَادَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ وَأَرْجَحُ مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ مِنْ الْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالْخُضُوعِ فِي فَرَائِضِهِ وَالْإِتْيَانِ بِحُقُوقِهَا الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَشِدَّةِ الْجُوعِ تُنَافِيهِ وَتَحُولُ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ؛ عَلَى أَنَّ الْوِصَالَ لِلْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مُبَاحٌ، وَقَالَ الْإِمَامُ: قُرْبَةٌ وَخُصُوصِيَّةٌ بِهِ عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَكَابِرِ الْوِصَالُ، قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ وَاصَلَ سِتِّينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً.

قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: فَإِنْ قُلْت: إنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ اُشْتُهِرَ صَلَاحُهُمْ مِمَّنْ لَا يُحْصَى نُقِلَ عَنْهُمْ الْوِصَالُ وَذَلِكَ مَعَ الْقَوْلِ ثُمَّ يُنَافِي حَالَهُمْ السُّنِّيَّ وَقَدْرَهُمْ الْعَلِيَّ؟ قُلْت: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ، وَلَعَلَّ وِصَالَ هَؤُلَاءِ جَاءَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ اتَّفَقَ تَرْكُ تَنَاوُلِ الْمُفْطِرِ لِغَفْلَةٍ عَنْهُ إمَّا بِغَيْرِ سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِيهَا وَالِالْتِذَاذُ بِهَا بِحَيْثُ أَلْهَتْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَهِيَ فِي حَقِّهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي حَقِّ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَالْإِنْسَانُ شَاهِدٌ فِي الْخَارِجِ عِنْدَ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِمَا يَسُرُّ أَوْ يُحْزِنُ الْغَفْلَةُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَقَدْ فَسَّرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام:«يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي» وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْخُصُوصِيَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ أُمَّتِهِ لَا عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهَا، وَالنَّهْيُ تَوَجَّهَ لِلْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ. قَوْلُهُ:(إذْ الْوِصَالُ فِي الصَّوْمِ حَرَامٌ) وَهُوَ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا مِنْ غَيْرِ فِطْرٍ لَيْلًا، وَقِيلَ: صَوْمُ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْطِرَ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْهُ، وَمُوجِبُ النَّهْيِ أَمْرَانِ: الضَّعْفُ وَالْمَلَلُ وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ. وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْحَنَابِلَةِ، فَالْفِطْرُ مَطْلُوبٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا فَتَرْكُهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَشَدُّ مَنْعًا. وَكَانَ الْوِصَالُ مُبَاحًا لِمَنْ قَبْلَنَا، لَكِنْ تَحْرِيمُهُ إنَّمَا هُوَ عَلَيْنَا لَا عَلَى الْمُصْطَفَى، فَإِنَّ لَهُ الْوِصَالَ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أُمَّتِهِ عَلَى غَيْرِهَا اهـ.

وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: تَنْبِيهٌ: قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصُّلَحَاءِ الْوِصَالُ فَفِعْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ بَلْ لِغَفْلَةٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فِي الْمَعَارِفِ. قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْهُ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:

بُلِيت بِهِ فَقِيهًا ذَا جِدَالٍ

يُجَادِلُ بِالدَّلِيلِ وَبِالدَّلَالِ

طَلَبْت وِصَالَهُ وَالْوَصْلُ عَذْبٌ

فَقَالَ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْوِصَالِ

أَيْ فَفِيهِ الدَّلِيلُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالدَّلَالُ بِحَسَبِ التَّوْرِيَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ) أَيْ الْعُظْمَى لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَغَيْرِهَا، يُقَالُ لَهُ فِدْيَةٌ غَالِبًا ق ل. وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي: وَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَطِئَ) جُمْلَةُ الشُّرُوطِ أَحَدَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: " وَطِئَ ". الثَّانِي: قَوْلُهُ: " جَمِيعُ الْحَشَفَةِ ". الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: " عَامِدًا ". وَالرَّابِعُ: قَوْلُهُ " مُخْتَارًا ". وَالْخَامِسُ: قَوْلُهُ: " عَالِمًا ". وَالسَّادِسُ: قَوْلُهُ: فِي الْفَرْجِ ". وَالسَّابِعُ: قَوْلُهُ: " فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ". وَالثَّامِنُ: قَوْلُهُ: " وَهُوَ مُكَلَّفٌ ". وَالتَّاسِعُ: قَوْلُهُ: " صَائِمٌ ". وَالْعَاشِرُ: قَوْلُهُ: أَثِمَ بِالْوَطْءِ ". وَالْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: " بِسَبَبِ الصَّوْمِ ". وَقَدْ أَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الْجَمِيعِ، وَلَا

ص: 388

عَالِمًا التَّحْرِيمَ (فِي الْفَرْجِ) وَلَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغُرُوبِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ صَائِمٌ آثِمٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَفْسَدَ بِوَطْئِهِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ يَقِينًا فَتَكُونُ الشُّرُوطُ اثْنَيْ عَشَرَ؛ وَيُزَادُ عَلَيْهَا إفْسَادُ صَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ لِيَخْرُجَ مَا إذَا مَاتَ أَوْ جُنَّ فِي أَثْنَائِهِ، فَإِذَا اشْتَبَهَ رَمَضَانُ بِغَيْرِهِ فَاجْتَهَدَ وَصَامَ فَإِذَا وَطِئَ وَلَوْ فِي جَمِيعِ أَيَّامِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر. وَخَرَجَ بِإِفْسَادِ الْيَوْمِ مَا لَوْ وَطِئَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ جُنَّ أَوْ مَاتَ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَ يَوْمٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ م د: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ الشُّرُوطِ أَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا عَلَى الْفَاعِلِ، أَعْنِي الْوَاطِئَ، فَخَرَجَ الْمَرْأَةُ الْمَوْطُوءَةُ وَالرَّجُلُ الْمَوْطُوءُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُفْسِدًا، فَخَرَجَ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَلَوْ عَلَى الزِّنَا وَإِنْ كَانَ يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا أَفْسَدَهُ صَوْمًا، فَخَرَجَ نَحْوَ الصَّلَاةِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ صَوْمُ نَفْسِهِ، فَخَرَجَ الْمُفْطِرُ إذَا جَامَعَ زَوْجَتَهُ الصَّائِمَةَ، الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْإِفْسَادُ بِالْوَطْءِ، فَخَرَجَ الْإِفْسَادُ بِغَيْرِهِ.

السَّادِسُ: أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَطْءُ، فَخَرَجَ مَا إذَا أَفْسَدَهُ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ مَعًا. السَّابِعُ: أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ كُلَّ الْيَوْمِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنْ يُفْسِدَ يَوْمًا كَامِلًا، فَيَخْرُجُ مَا إذَا جُنَّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ الْجِمَاعِ فَتَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ. الثَّامِنُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَدَاءِ رَمَضَانَ يَقِينًا، فَخَرَجَ النَّذْرُ وَالْقَضَاءُ وَمَنْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ إذَا صَامَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ حَيْثُ جَازَ فَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. التَّاسِعُ: أَنْ يَأْثَمَ بِهِ، فَخَرَجَ الصَّبِيُّ. الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ إثْمُهُ بِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ، فَخَرَجَ الصَّائِمُ الْمُسَافِرُ الْوَاطِئُ زِنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا بِالْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ لِلصَّوْمِ بَلْ لِلزِّنَا أَوْ لِعَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: عَدَمُ الشُّبْهَةِ، فَخَرَجَ مَنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ فِي دُخُولِهِ فَبَانَ نَهَارًا فَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَوَطِئَ عَامِدًا فَيُفْطِرُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ كَالْحَدِّ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. وَقَوْلُهُ:" وَمَنْ وَطِئَ " وَإِنْ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ بِخَبَرِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ فَاسِقًا وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَالرَّائِي. وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:

كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ عِنْدَهُمْ عَلَى

مُفْسِدِ صَوْمِهِ لِيَوْمٍ كَمُلَا

مِنْ رَمَضَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْ أَثِمْ

لِلصَّوْمِ بِالْوَطْءِ وَشُبْهَةِ عَدَمْ

قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَبِكَوْنِهِ صَائِمًا وَبِكَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (فِي الْفَرْجِ وَلَوْ دُبُرًا) لِأَنَّ الدُّبُرَ مِثْلُ الْقُبُلِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ، إلَّا فِي صُوَرٍ مَنْظُومَةٍ فِي قَوْلِهِ:

وَالدُّبْرُ مِثْلُ الْقُبْلِ فِي الْإِتْيَانِ

لَا الْحِلِّ وَالتَّحْلِيلِ وَالْإِحْصَانِ

وَفَيْئَةِ الْإِيَّلَا وَنَفْيِ الْعُنَّةِ

وَالْإِذْنِ نُطْقًا وَافْتِرَاشِ الْقُنَّةِ

وَمُدَّةِ الزِّفَافِ وَاخْتِيَارِ

رَدٍّ بِعَيْبٍ بَعْدَ وَطْءِ الشَّارِي

تَصْدُقُ فِي الْحَيْضِ نَفْيُ الرَّجْمِ

إذَا زَنَى الْمَفْعُولُ فَاحْفَظْ نَظْمِي

وَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ فِي وَطْءِ أَمَتِهِ وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي اللِّعَانِ وَلَا يَجِبُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الرَّاجِحِ،. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ دُبُرًا) وَلَوْ دُبُرَ نَفْسِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا، وَكَذَا بَاقِي الْأَحْكَامِ مِنْ إيجَابِ غُسْلٍ وَفَسَادِ حَجٍّ وَحَدٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ أج. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْتَهِي دُبُرَ نَفْسِهِ، وَالْحَدُّ مَنُوطٌ بِكَوْنِ الْفَرْجِ مُشْتَهًى طَبْعًا. وَقَوْلُهُ وَحَدُّ ضَعِيفٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ آدَمِيٍّ) حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ أَوْ فَرْجٍ مَبَانٍ حَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ ق ل. وَاَلَّذِي فِي ع ش أَنَّ الْوَطْءَ فِيهِ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَقَرَّرَهُ ح ف.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْغُرُوبِ) غَايَةٌ لِلتَّعْمِيمِ، وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ عَالِمًا بِطُلُوعِهِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمُ انْعِقَادِ صَوْمِهِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَفِي شَرْحِ م ر: وَلَا يَرِدُ عَلَى الضَّابِطِ مَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ مُجَامِعًا فَاسْتَدَامَ حَيْثُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ انْتِفَاءِ إفْسَادِ الصَّوْمِ، إذْ الْإِفْسَادُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا يُفْسِدُ فَكَأَنَّهُ انْعَقَدَ ثُمَّ فَسَدَ اهـ.

قَوْلُهُ: (آثِمٌ) بِالْمَدِّ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ.

ص: 389

بِالْوَطْءِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ (فَعَلَيْهِ) وَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ الْمُكَلَّفَةِ (الْقَضَاءُ) لِإِفْسَادِ صَوْمِهِمَا بِالْجِمَاعِ (وَ) عَلَيْهِ وَحْدَهُ (الْكَفَّارَةُ) دُونَهَا لِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا الْكَفَّارَةُ فَتَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ، وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ فِيمَا ذَكَرَ كَمَا شَمِلَهُ مَا ذَكَرَ فِي الْحَدِّ فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ الْفِطْرُ بِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْإِنْزَالِ فَلَا كَفَّارَةَ بِهِ، وَبِقَيْدِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا إدْخَالُ بَعْضِهَا فَلَا كَفَّارَةَ بِهِ لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ، وَبِقَيْدِ الْعَمْدِ النِّسْيَانُ لِأَنَّ صَوْمَهُ لَمْ يَفْسُدْ بِذَلِكَ، وَبِالِاخْتِيَارِ الْإِكْرَاهُ لِمَا ذَكَرَ، وَبِعِلْمِ التَّحْرِيمِ جَهْلُهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْئِهِ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ.

نَعَمْ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَبِالْفَرْجِ الْوَطْءُ فِيمَا دُونَهُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ إذَا أَنْزَلَ، وَبِنَهَارِ رَمَضَانَ غَيْرُهُ كَصَوْمِ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ رَمَضَانَ، وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَبِالصَّائِمِ مَا لَوْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ وَطْءٍ ثُمَّ وَطِئَ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَأَصْبَحَ مُمْسِكًا وَوَطِئَ فَلَا كَفَّارَةَ حِينَئِذٍ، وَبِالْآثِمِ مَا لَوْ وَطِئَ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ وَلَوْ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، وَمَا لَوْ ظَنَّ وَقْتَ الْجِمَاعِ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ شَكَّ فِيهِ، أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادٍ دُخُولَهُ فَبَانَ جِمَاعُهُ نَهَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ لِانْتِفَاءِ الْإِثْمِ، وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِإِفْسَادِ صَوْمِهِمَا) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ. قَوْلُهُ:(دُونَهَا) أَيْ الْمَوْطُوءَةِ، وَكَذَا الْمَوْطُوءُ الذَّكَرُ كَمَا يَأْتِي. وَهَذَا خَارِجٌ بِضَمِيرِ صَوْمِهِ. قَوْلُهُ:(لِنُقْصَانِ صَوْمِهَا) هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَجْرِي فِي الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْغَالِبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِضِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَالنِّفَاسِ وَالْوِلَادَةِ. قَوْلُهُ: (حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ " بِهِ " أَيْ بِصَوْمِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " لِنُقْصَانٍ إلَخْ ". قَوْلُهُ:(وَاللِّوَاطُ) أَيْ وَحُكْمُ اللِّوَاطِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِّ) أَيْ الضَّابِطِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ " شَامِلٌ لِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُبَاشَرَةُ إلَخْ) أَيْ بِغَيْرِ وَطْءٍ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ (لِعَدَمِ فِطْرِهِ بِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يُنْزِلْ. قَوْلُهُ: (النِّسْيَانُ) هُوَ خَارِجٌ بِقَيْدِ الْآثِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِقَيْدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (لِمَا ذَكَرَ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِالْإِكْرَاهِ.

قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ) لَا مَحَلَّ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ فَكَانَ الْأَوْلَى: وَخَرَجَ بِجَهْلِ التَّحْرِيمِ جَهْلُهُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ.

قَوْلُهُ: (وَبِنَهَارِ رَمَضَانَ) الْأَوْلَى وَبِصَوْمِ رَمَضَانَ، إذْ نَهَارُ رَمَضَانَ قَدْ لَا يَكُونُ صَائِمًا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهُ رِعَايَةً لِلْمَتْنِ. وَعِبَارَةُ م ر وحج: وَلَا بِإِفْسَادِ غَيْرِ رَمَضَانَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَمَخْصُوصٌ بِفَضَائِلَ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا غَيْرُهُ فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَقَدْ احْتَرَزَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " مِنْ رَمَضَانَ ". (قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ وَاجِبٌ وَيُسَنُّ.

قَوْلُهُ: (وَبِالصَّائِمِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبِالصَّائِمِ مَنْ لَيْسَ صَائِمًا لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ق ل، أَيْ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ كَانَ مُفْطِرًا أَوَّلَ النَّهَارِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَطِئَ) أَيْ وَطْئًا مُبَاحًا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ) قَالَ شَيْخُنَا م د: هَذِهِ الْغَايَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ يَكُونُ آثِمًا بِسَبَبِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ، مَعَ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالْإِثْمِ فَلَا يَنْتَفِي الْإِثْمُ إلَّا إذَا نَوَى التَّرَخُّصَ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُنْتَفِيَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ هَذِهِ الْغَايَةِ بِأَنْ يَقُولَ: بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ حَكَاهُ فِي الْمِنْهَاجِ، وَهُوَ أَنَّ نِيَّةَ التَّرَخُّصِ لِلْمُسَافِرِ لَا بُدَّ مِنْهَا، فَإِذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَتَأَمَّلْ. وَيُجَابُ عَنْ كَلَامِهِ بِأَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الْآثِمُ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَإِذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ يَكُونُ إثْمُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ لَا لِلصَّوْمِ، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْغَايَةُ ظَاهِرَةً وَيَكُونُ كَلَامُ الْمُحَشِّي غَيْرَ ظَاهِرٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ظَنَّ بِاجْتِهَادٍ دُخُولَهُ) أَيْ اللَّيْلِ. وَتَقْيِيدُهُ بِالِاجْتِهَادِ لِأَجْلِ تَعْلِيلِهِ بِعَدَمِ الْإِثْمِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ مِثْلَهُ

ص: 390

كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ عَامِدًا بَعْدَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ.

وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ بُطْلَانَ صَوْمِهِ بِهَذَا الْجِمَاعِ كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ، وَلَا عَلَى مُسَافِرٍ أَفْطَرَ بِالزِّنَا مُتَرَخِّصًا لِأَنَّ الْفِطْرَ جَائِزٌ لَهُ وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا لَا بِالصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ، وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذَلِكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ. وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَفَّارَتَاهُمَا سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنْ الْجِمَاعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الثَّانِي أَمْ لَا كَحَجَّتَيْنِ جَامَعَ فِيهِمَا، فَلَوْ جَامَعَ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ رَمَضَانَ لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِهَا، فَإِنْ تَكَرَّرَ الْجِمَاعُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَلَا تَعَدُّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ، وَحُدُوثُ السَّفَرِ وَلَوْ طَوِيلًا بَعْدَ الْجِمَاعِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّ السَّفَرَ الْمُنْشَأَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيمَا وَجَبَ مِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا لَوْ ظَنَّ دُخُولَهُ بِلَا اجْتِهَادٍ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ ظَنُّ دُخُولِ اللَّيْلِ. وَبِهَا يَخْرُجُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ " وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ جَامَعَ إلَخْ " بِدَلِيلِ مَا عَلَّلَ بِهِ، وَكَذَا يَخْرُجُ بِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ " كَمَا لَوْ جَامَعَ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ ". وَيُمْكِنُ إخْرَاجُ هَذِهِ بِقَيْدِ الْآثِمِ، ق ل مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (فَبَانَ جِمَاعُهُ نَهَارًا) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ " لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ " أَيْ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ. قَوْلُهُ:(مُتَرَخِّصًا) لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ فَلَا كَفَّارَةَ فَتَعْبِيرُهُمْ بِالتَّرَخُّصِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أج. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الشَّارِحُ بِ " مُتَرَخِّصًا " لِأَجْلِ قَوْلِهِ " وَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا " لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ فَإِثْمُهُ بِسَبَبِ الزِّنَا وَالْفِطْرِ بِلَا نِيَّةِ التَّرَخُّصِ.

وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: وَلَا عَلَى مُسَافِرٍ وَطِئَ زِنًا أَوْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا، أَيْ أَوْ وَطِئَ وَطْئًا مُبَاحًا لَكِنْ لَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ بِهِ لِلصَّوْمِ بَلْ لِلزِّنَا أَوْ لِلصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ؛ وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ لَهُ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (قَيَّدَ فِي الرَّوْضَةِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِطْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " فَإِنَّهَا تُفْطِرُ إلَخْ " فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ " بِالتَّامِّ " أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ آثِمٌ بِهِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. قَوْلُهُ:(احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ) أَيْ احْتِرَازًا مِنْ جِمَاعِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ مِنْ الذَّكَرِ فَلَمْ يَأْتِ الْجِمَاعُ التَّامُّ إلَّا وَقَدْ أَفْطَرَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ " الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُفْطِرُ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي هَذِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ كَالرَّجُلِ، فَيُقَيِّدُ الْجِمَاعَ بِالتَّامِّ لِإِخْرَاجِ مَا ذَكَرَ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (وَزَيَّفُوهُ) أَيْ هَذَا التَّقْيِيدَ، أَيْ ضَعَّفُوا التَّقْيِيدَ بِأَنْ أَبْطَلُوهُ وَأَظْهَرُوا فَسَادَهُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ، أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " إذْ الْفَسَادُ إلَخْ " أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِطْرُ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ وَهُوَ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِالْجِمَاعِ، إذْ الْفَسَادُ فِيهَا بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أَوْ تَتَذَكَّرَ وَتَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ، فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمُوَاقِعُ. وَقَوْلُهُ " بِالْجِمَاعِ " أَيْ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَصْدُقُ إلَّا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فَأَكْثَرَ.

قَوْلُهُ: (بِخُرُوجِ ذَلِكَ) أَيْ فِطْرِ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْفَسَادُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ الْمَرْأَةِ؛ وَقَوْلُهُ " بِغَيْرِهِ " أَيْ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ.

قَوْلُهُ: (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) وَيَأْثَمُ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (وَحُدُوثُ السَّفَرِ إلَخْ) نَعَمْ إنْ سَافَرَ لِبَلَدٍ مَطْلَعُهُمْ مُخَالِفٌ فَرَآهُمْ مُفْطِرِينَ لَزِمَهُ الْفِطْرُ مَعَهُمْ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، وَهَذَا خَارِجٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ فِي الضَّابِطِ السَّابِقِ ق ل. وَحَيْثُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ ثُمَّ عَادَ لِمَحَلِّهِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ، هَكَذَا نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ ز ي وَهُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ) وَإِنَّمَا يُسْقِطُهَا أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: طُرُوُّ الْمَوْتِ أَثْنَاءَ النَّهَارِ، وَطُرُوُّ الْجُنُونِ وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ كَأَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ

ص: 391

الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ لَا يُسْقِطُهَا لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَيَتَحَقَّقُ هَتْكُ حُرْمَتِهِ. (وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ مُرَتَّبَةٌ فَيَجِبُ أَوَّلًا (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) هَا (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) صَوْمَهُمَا (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَوْ فَقِيرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَكْتُ قَالَ: وَمَا أَهْلَكَك؟

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَجُنَّ بِسَبَبِهِ، وَانْتِقَالُهُ إلَى بَلَدٍ رَآهُمْ فِيهِ مُعِيدِينَ مَطْلَعُهُمْ مُخَالِفٌ لِمَطْلَعِ بَلَدِهِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ع ش. وَقَالَ س ل: لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ إذَا تَعَدَّى بِالْجُنُونِ، وَكَذَا لَوْ جَامَعَ فِي بَلَدِهِ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ كَيَوْمِ عِيدٍ وَانْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ يُخَالِفُ بَلَدَهُ فِي الْمَطْلَعِ فَرَآهُمْ صِيَامًا فَلَا كَفَّارَةَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا حُدُوثُ الْمَرَضِ) وَمِثْلُهُ الْإِغْمَاءُ وَالرِّدَّةُ وَإِنْ مَاتَ عَقِبَهُمَا.

قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ كَالْغُلِّ فِي الرَّقَبَةِ وَالْعِتْقُ يُزِيلُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذَا الْعُضْوِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْغُلِّ.

قَوْلُهُ: (مَرْتَبَةٌ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ. وَقَدْ صَحَّ:" مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ " وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ؛ وَكَوْنُهُ شَهْرَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْوَلَاءِ، فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِالنَّوْعِ وَكُلِّفَ شَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقَابِلَ كُلِّ يَوْمٍ إطْعَامُ مِسْكِينَيْنِ مُدَّيْنِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا) أَيْ حِسًّا بِأَنْ لَمْ يَجِدْهَا أَصْلًا، أَوْ شَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا.

قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) فَإِنْ تَكَلَّفَ الْعِتْقَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ بَانَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَعْتَدَّ بِصَوْمِهِ أَيْ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَفْلًا فِيمَا يَظْهَرُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَسُئِلَ الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ، وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ صَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ اهـ قَوْلُهُ:(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ دَفْعِ الْكَفَّارَةِ لِلْجِنِّ: هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ إجْزَاءِ دَفْعِهَا لَهُمْ، بَلْ قَدْ يُقَالُ أَيْضًا مِثْلُ الْكَفَّارَةِ النَّذْرُ وَالزَّكَاةُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«فِي الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِي بِالْجِنِّ. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ؛ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ لِلْخَوَاصِّ النَّادِرَةِ لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ:(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ: لِمَ كُنِّيت بِأَبِي هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْت أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي، وَكَانَتْ لِي هِرَّةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْت أَجْعَلُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ وَإِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ ذَهَبْت بِهَا مَعِي، فَكُنِّيت بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ. وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كُنْت أَحْمِلُ يَوْمًا هِرَّةً فِي كُمِّي، فَرَآنِي

ص: 392

قَالَ: وَاقَعْت امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ لَا؟ قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا. ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَيْ جَبَلَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَجُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ قُلْت: هِرَّةٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» وَكَانَ يُكَنَّى قَبْلَهَا أَبَا الْأَسْوَدِ " وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ شَمْسٍ فَسَمَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الرَّحْمَنِ» ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ، وَقِيلَ: سَلْمَانُ. وَإِبْهَامُهُ لَا يَضُرُّ فِي الْحَدِيثِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ، رَحْمَانِيٌّ. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْأَعْرَابِيِّ، قِيلَ: هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ، وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْمُجَامِعَ فِي رَمَضَانَ سَلْمَانُ بْنُ صَخْرٍ، وَأَظُنُّهُ وَهْمًا مِنْ الرُّوَاةِ؛ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْمُظَاهِرُ وَأَمَّا الْمُجَامِعُ فَأَعْرَابِيٌّ، فَهُمَا وَاقِعَتَانِ، فَإِنَّ قِصَّةَ الْمُجَامِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا، وَفِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا، فَافْتَرَقَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا كَوْنُهُمَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ. قَوْلُهُ:(فَقَالَ هَلَكْت) يُفِيدُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْحُرْمَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَجَوَابُهُ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ لَهُ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يُفْطِرُ وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ تَأَمَّلْ ق ل. قَوْلُهُ:(مَا تُعْتِقُ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَعْتَقَ.

قَوْلُهُ: (رَقَبَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ " مَا " الْمَوْصُوفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الرَّقَبَةِ، وَهِيَ مَفْعُولُ " تَجِدُ " كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ، وَمَفْعُولُ " تُعْتِقُ " مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: تُعْتِقُهَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهَا مَفْعُولَ تُعْتِقُ وَعَائِدُ " مَا " مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: هَلْ تَجِدُ شَيْئًا أَوْ مَالًا تُعْتِقُ بِهِ؟ وَهَذَا أَرْجَحُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» فَإِنَّ " سِتِّينَ " مَفْعُولُ " تُطْعِمُ " قَطْعًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " مَا ". اهـ. سُيُوطِيٌّ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ " مَا تُعْتِقُ " مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ وَتَجِدُ بِمَعْنَى تَسْتَطِيعُ، أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ إعْتَاقَ إلَخْ.

وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ» لِأَنَّ جَعْلَهَا مَوْصُولًا اسْمِيًّا يَلْزَمُ عَلَيْهِ حَذْفُ الْعَائِدِ الْمَجْرُورِ بِدُونِ شَرْطِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ؛ لِأَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَحِلُّ لَهُ عليه الصلاة والسلام كَالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (فَقَالَ تَصَدَّقْ) أَيْ كَفِّرْ بِهِ.

قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)" مَا " نَافِيَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَ " أَهْلُ " بِالرَّفْعِ اسْمُهَا، وَ " أَحْوَجَ " بِالنَّصْبِ خَبَرُهَا، " وَبَيْنَ " ظَرْفٌ لِ " أَحْوَجَ " اهـ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَسَبْقُ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا

بِي أَنْتَ مَعْنِيًّا أَجَازَ الْعُلَمَا

وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ " مَا " نَافِيَةً مُهْمَلَةً، " وَبَيْنَ " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، " وَأَهْلُ " بَيْتٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَ " أَحْوَجُ " بِالرَّفْعِ صِفَةُ " أَهْلٍ " أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ، " وَلَابَتَيْهَا " تَثْنِيَةُ لَابَةٍ، وَضَمِيرُهَا لِلْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ مِنْ جَانِبَيْهَا الْمَحْدُودُ بِهِمَا حَرَمُهَا الشَّرِيفُ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ " لَابَتَيْهَا " جَبَلَاهَا رَدَّهُ ق ل. وَالْحَرَّةُ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ.

قَوْلُهُ: (أَحْوَجَ) فِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ ثُلَاثِيٍّ وَهُوَ احْتَاجَ.

قَوْلُهُ: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ تَعَجُّبًا مِنْ حَالِ السَّائِلِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ هَالِكًا مُتَلَهِّفًا ثُمَّ انْتَقَلَ لِطَلَبِ الطَّعَامِ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، أَوْ تَعَجُّبًا مِنْ رَحْمَتِهِ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِطْعَامِهِ الطَّعَامَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ.

فَالتَّعَجُّبُ إمَّا مِنْ حَالِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ حَالِ السَّائِلِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالضَّحِكُ غَيْرُ التَّبَسُّمِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ مِنْ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [النمل: 19] فَحَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ وَهْمٌ. وَعِبَارَةُ ح ل فِي السِّيرَةِ: جُلُّ أَيْ مُعْظَمُ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ. وَكَوْنُ مُعْظَمِ ضَحِكِهِ

ص: 393

وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَقِيلَ عِشْرُونَ. وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الرَّقَبَةَ نُدِبَ عِتْقُهَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِطْعَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ نُدِبَ لَهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «أَمَرَ الْأَعْرَابِيَّ بِأَنْ يُكَفِّرَ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مَعَ إخْبَارِهِ بِعَجْزِهِ» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا الْعَبْدُ وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ مِنْهُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَمْ لَا، كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْجِمَاعِ وَدَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اسْتَقَرَّتْ لَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَوَاقِعَ بِإِخْرَاجِهَا بَعْدُ. أُجِيبُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَهُوَ وَقْتُ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْهَا فَعَلَهَا كَمَا لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ وَلَهُ الْعُدُولُ عَنْ الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ لِشِدَّةِ الْغُلْمَةِ وَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ: شِدَّةُ الْحَاجَةِ لِلنِّكَاحِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْفَقِيرِ صَرْفُ كَفَّارَتِهِ إلَى عِيَالِهِ كَالزَّكَوَاتِ وَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَبَرِ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» فَفِي الْأُمِّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِفَقْرِهِ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً وَفِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ أُخَرُ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.

(وَمَنْ مَاتَ) مُسْلِمًا كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الْقُوتِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

ذَلِكَ ضَحِكُهُ لَا يُنَافِي أَنَّهُ ضَحِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا جَرَى أَيْ غَلَبَ بِهِ الضَّحِكُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ. وَكَانَ صلى الله عليه وسلم دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ، أَيْ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ ذَلِكَ حَسْبَمَا رَآهُ هَذَا الْمُخْبِرُ؛ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ مَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ: قَدْ صَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْحُزْنِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَنَهَاهُ عَنْ الْحُزْنِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ الْحُزْنُ؟ بَلْ كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ ضَحُوكَ السِّنِّ كَذَا قَالَ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ تَيْمِيَّةَ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحُزْنَ الَّذِي هُوَ الْأَلَمُ عَلَى فَوَاتِ مَطْلُوبٍ أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الِاهْتِمَامُ وَالتَّيَقُّظُ لِمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْأُمُورِ وَهَذَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَيْنِ اهـ. وَفِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ: تَنْبِيهٌ: كَانَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم لَا يَضْحَكُ إلَّا تَبَسُّمًا، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: وَكَذَلِكَ ضَحِكُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.

قَوْلُهُ: (حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ) عِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، بِالْجِيمِ وَالذَّالِ: الْأَضْرَاسُ، وَهِيَ لَا تَكَادُ تَظْهَرُ إلَّا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الضَّحِكِ. وَهَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، وَالْغَالِبُ تَبَسُّمُهُ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ الْبُوصِيرِيُّ:

سَيِّدٌ ضَحِكُهُ التَّبَسُّمُ وَالْمَشْيُ

الْهُوَيْنَا وَنَوْمُهُ الْإِغْفَاءُ

وَعِبَارَةُ مُرَاقِيٍّ الْفَلَّاحِ لِبَعْضِ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ هُوَ مَا سَمِعَهُ هُوَ دُونَ جِيرَانِهِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَوْ بَدَتْ بِهِ الْأَسْنَانُ قَوْلُهُ:(فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ فِيهِ قَدْرُ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ قَدْرُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً.

قَوْلُهُ: (نُدِبَ عِتْقُهَا) وَيَنْقَلِبُ صَوْمُهُ نَفْلًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ بِلَا مَانِعٍ؟ قُلْت: كُلُّ خَصْلَةٍ هُنَا أَصْلٌ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْكُلِّ رَتَّبَ.

قَوْلُهُ: (اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ مُرَتَّبَةً عَلَى الرَّاجِحِ. قَوْلُهُ: (فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ لَوْ لَمْ يُكَفِّرْ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلُهُ " فِي الذِّمَّةِ " أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ.

قَوْلُهُ: (الْمَالِيَّةَ) أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ.

قَوْلُهُ: (لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم) هَذَا يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهُ لِيُكَفِّرَ بِهِ، نَعَمْ يُنَاسِبُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً لَا لِيُكَفِّرَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ) أَيْ بَعْدَ قُدْرَتِهِ.

قَوْلُهُ: (بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ) أَيْ مَضْمُومَةٍ.

قَوْلُهُ: (صَرَفَهُ لَهُ صَدَقَةً) أَيْ صَدَقَةً عَلَى عِيَالِهِ، أَيْ وَاسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ.

قَوْلُهُ: (أَجْوِبَةٌ) أَوْلَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَّرَ عَنْهُ بِالْعَرَقِ وَدَفَعَهُ لَهُ لِيُطْعِمَهُ لِأَهْلِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَقَدْ عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَكَانَ ذَلِكَ إعْلَامًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَعِيَالُهُ مِنْ كَفَّارَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ مَالِهِ بِأَنْ كَفَّرَ غَيْرُهُ عَنْهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ ق ل. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؟

ص: 394

وَعَلَيْهِ صِيَامٌ) مِنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٌ أَوْ كَفَّارَةٌ قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ الْمُبَاحُ إلَى مَوْتِهِ فَلَا تَدَارُكَ لِلْفَائِتِ بِالْفِدْيَةِ وَلَا بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَلَا إثْمَ بِهِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَى الْمَوْتِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ كَالْحَجِّ هَذَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ إلَى الْمَوْتِ أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعْذُورِ وَهُوَ الْمُتَعَدِّي بِالْفِطْرِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ بِالْفِدْيَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ النَّذْرِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ (أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) مِنْ تَرِكَتِهِ (لِكُلِّ يَوْمٍ) فَاتَهُ صَوْمُهُ (مُدَّ طَعَامٍ) وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالرِّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ كَمَا مَرَّ وَبِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ نِصْفُ قَدَحٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَكَانَ كُلِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَالْجَوَابُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِكَوْنِ الْمُجَامِعِ خَالَفَ أَمَرَ رَبِّهِ وَقَدَّمَ شَهْوَتَهُ عَلَى رِضَا رَبِّهِ عَلَيْهِ وَتَعَرَّضَ بِذَلِكَ لِنُزُولِ الْبَلَاءِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ مَانِعَةً مِنْ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْجِنَايَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّائِمَ قَدْ تَخَلَّقَ بِاسْمِ صِفَةِ الْحَقِّ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَلِيقُ بِهِ النِّكَاحُ الَّذِي تَنَزَّهَ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا عَنْهُ، اهـ ذَكَرَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَاتَ) أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْمَتْنِ " مِنْ تَرِكَتِهِ " لَا يُنَاسِبُ إلَّا الْحُرَّ. وَالتَّعْمِيمُ يُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِ " عَلَى " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:" وَعَلَيْهِ صِيَامٌ ".

قَوْلُهُ: (مُسْلِمًا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ وَالْجَدِيدَ الْآتِيَيْنِ يَجْرِيَانِ فِيهِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَجْرِي فِيهِ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا نَظَرَ لِلْمَتْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يَحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مُرْتَدًّا يُطْعَمُ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فِي الْقُوتِ) هُوَ شَرْحٌ عَلَى الْمِنْهَاجِ لِلْأَذْرَعِيِّ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ) أَيْ الْمَرْجُوُّ بُرْؤُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إذْ ذَاكَ فِي مَرِيضٍ غَيْرِ مَرْجُوٍّ بُرْؤُهُ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا الْمَرِيضُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً؛ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لِعَجْزِهِ فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا تَدَارُكَ عَنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَفُوتَ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا؛ وَالتَّدَارُكُ فِي ثَلَاثَةٍ إذَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا بِعُذْرٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَقْضِ؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْمَتْنِ.

وَالرَّابِعَةُ: إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ فَلَا تَدَارُكَ عَنْهُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ وَتَمَكَّنَ وَجَعَلَ حُكْمَ مَا إذَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ مُسْتَفَادًا مِنْ خَارِجٍ، فَفِيهِ مُسَامَحَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ) أَيْ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ.

قَوْلُهُ: (أَمْ حَصَلَ الْمَوْتُ) بِأَنْ شُفِيَ فِي أَثْنَاءِ رَمَضَانَ فَصَامَ الْبَاقِيَ مِنْهُ ثُمَّ مَاتَ عَقِبَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ) الْمَطْوِيِّ تَحْتَ الْغَايَةِ مَا لَوْ حَصَلَ الْمَوْتُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَصَرِيحُ الْغَايَةِ مَا إذَا حَصَلَ زَوَالُ الْعُذْرِ ثُمَّ حَصَلَ الْمَوْتُ بَعْدَهُ فِي رَمَضَانَ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِهَذِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّ مَا أَفَادَتْهُ هُوَ عَيْنُ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهَا فِي التَّعْمِيمِ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَدَارَكُ عَنْهُ) سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ أَمْ لَا.

قَوْلُهُ: (بِالْفِدْيَةِ) أَيْ أَوْ بِالصَّوْمِ كَمَا يَأْتِي ق ل.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَضَاءِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ، وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " قَبْلَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ " قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ وَمَنْ وَجَبَ التَّدَارُكُ عَنْهُ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إلَخْ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا اهـ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمَعْذُورِ، أَيْ مَنْ فَاتَهُ بِلَا عُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (أَطْعَمَ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ أُطْعِمَ عَنْهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، فَيَشْمَلُ غَيْرَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَضَاءِ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَقَوْلُهُ " وَلِيُّهُ لَيْسَ قَيْدًا " بَلْ مِثْلُهُ الْأَجْنَبِيُّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ تِرْكَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إطْعَامٌ وَلَا صَوْمٌ، بَلْ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي م ر. وَعِبَارَةُ ق ل: صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرِّ، وَهُوَ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُنْدَبُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ؛ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ لِأَجْلِ لُزُومِ الْإِطْعَامِ. قَوْلُهُ:(فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ إلَخْ) فِيهِ إقَامَةُ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ.

قَوْلُهُ: (وَفِي

ص: 395

يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ. وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ بَلْ يُنْدَبُ لَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ الْإِطْعَامُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَالْقَدِيمُ هُنَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُفْتَى بِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ بِالْإِطْعَامِ ضَعِيفٌ، وَمَعَ ضَعْفِهِ فَالْإِطْعَامُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالصَّوْمِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ الْوَلِيُّ الَّذِي يَصُومُ عَنْهُ كُلُّ قَرِيبٍ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَلِيَّ مَالٍ عَلَى الْمُخْتَارِ لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِامْرَأَةٍ قَالَتْ لَهُ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: صُومِي عَنْ أُمِّك» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ وِلَايَةِ الْمَالِ وَالْعُصُوبَةِ وَقَدْ قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنْ يَصُومَ وَاحِدٌ جَازَ، فَإِنْ تَنَازَعُوا فَفِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ لِلْفَارِقِيِّ أَنَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَعَلَى الْقَدِيمِ لَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ بِأَنْ أَوْصَى بِهِ أَوْ بِإِذْنِ قَرِيبِهِ صَحَّ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَامَ عَنْهُ ثَلَاثُونَ بِالْإِذْنِ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ. قَالَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي اعْتَقَدَهُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُسْلِمِ فِيمَا مَرَّ مَا لَوْ ارْتَدَّ وَمَاتَ لَمْ يَصُمْ عَنْهُ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْقُوتِ. وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقَدِيمِ يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ) مُعْتَمَدٌ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُعَوَّلُ عَلَى الْقَدِيمِ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (فَلَا بُدَّ مِنْ التَّدَارُكِ) أَيْ إذَا خَلَفَ تَرِكَةً، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حُجَّةٌ) أَيْ فِي تَعْيِينِ الْإِطْعَامِ، أَيْ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (بِالْإِطْعَامِ) أَيْ بِتَعَيُّنِهِ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ قَرِيبٍ) أَيْ بَالِغٍ وَلَوْ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (وَلَا وَلِيَّ مَالٍ) كَالْأَبِ وَالْجَدِّ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا يُبْطِلُ احْتِمَالَ) لِأَنَّ الْبِنْتَ لَيْسَتْ عَاصِبَةً وَلَا وَلِيَّةَ مَالٍ لَكِنَّهَا وَارِثَةٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ حَدِيثٌ آخَرُ، فَفِي شَرْحِ م ر: وَمِمَّا يُبْطِلُ اشْتِرَاطَ الْإِرْثِ خَبَرُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد: «أَنَّ امْرَأَةً رَكِبَتْ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ أَنْ تَصُومَ شَهْرًا، فَلَمْ تَصُمْ حَتَّى مَاتَتْ، فَجَاءَتْ قَرِيبَةٌ لَهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: صُومِي عَنْهَا» فَعَدَمُ اسْتِفْصَالِهِ عَنْ إرْثِهَا وَعَدَمِهِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ اهـ م ر ع ش.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَنَازَعُوا) بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: لَا أَصُومُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمْ: أَنَا أَصُومُ، صَامَ الْجَمِيعُ وَلَا يَقْسِمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. وَقَوْلُهُ " بِأَنْ قَالَ كُلٌّ: لَا أَصُومُ " فِي كَوْنِ هَذَا تَنَازُعًا مُسَامَحَةٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ تَنَازُعٌ فِي عَدَمِ الصَّوْمِ، فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نُطْعِمُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَصُومُ؛ قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ) أَيْ حِصَصِهِمْ مِنْ الْإِرْثِ وَيُكْمِلُ الْمُنْكَسِرَ، فَإِذَا مَاتَ وَخَلَفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ صَامَ الِابْنُ عِشْرِينَ وَالْبِنْتُ عَشَرَةً، وَإِذَا خَلَفَ عَشَرَةَ أَوْلَادٍ وَعَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ صَامَ كُلُّ وَلَدٍ يَوْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَخُصُّهُ عُشْرُةُ.

قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ) أَيْ النَّفْلِ، أَمَّا الْحَجُّ الْفَرْضُ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى إذْنٍ كَوَفَاءِ الدَّيْنِ م د. قَالَ سم. وَكَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَنَّ الْحَجَّ أَوْسَعُ بَابًا مِنْ الصَّوْمِ، وَلِهَذَا صَحَّ مَعَ الْمَعْضُوبِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً، وَقَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَجَّ أَشْبَهَ الدُّيُونَ فَأُعْطِيَ حُكْمَهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمَذْهَبُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ) وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، أَيْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَذْهَبٌ لَهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (بِالْإِذْنِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا فِي الْأَجْنَبِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ) أَيْ فِي الصَّوْمِ الَّذِي فَاتَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَإِلَّا فَمَالُهُ فَيْءٌ، فَلَا صَوْمَ عَنْهُ وَلَا إطْعَامَ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ:(وَلَوْ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَلَوْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ وَأَوْصَى بِالْكَفَّارَةِ يُعْطَى لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالْفِطْرَةِ، وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ وَالصَّوْمِ، وَيُعْطَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ مِنْ وَارِثِهِ نِصْفَ صَاعٍ مَثَلًا وَيَدْفَعُهُ لِفَقِيرٍ ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْفَقِيرُ لِلْوَارِثِ ثُمَّ وَثُمَّ حَتَّى يُتِمَّ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قَضَاهَا وَرَثَتُهُ بِأَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النِّيَابَةَ، وَلَوْ أَدَّى لِلْفَقِيرِ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ

ص: 396

فِدْيَةَ لَهُ لِعَدَمِ وُرُودِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تَجُوزُ تَبَعًا لِلْحَجِّ وَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ إنْ قُلْنَا: لَا يُفْرَدُ الصَّوْمُ عَنْ الِاعْتِكَافِ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقُلْنَا بِصَوْمِ الْوَلِيِّ فَهَذَا يَعْتَكِفُ عَنْهُ صَائِمًا، وَإِنْ كَانَتْ النِّيَابَةُ لَا تُجْزِئُ فِي الِاعْتِكَافِ.

(وَالشَّيْخُ) وَهُوَ مَنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَالْعَجُوزُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (إنْ عَجَزَ) كُلٌّ مِنْهُمْ (عَنْ الصَّوْمِ) بِأَنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ (يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ) إنْ كَانَ حُرًّا (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] فَإِنَّ كَلِمَةَ لَا مُقَدَّرَةٌ أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ يُطِيقُونَهُ حَالَ الشَّبَابِ ثُمَّ يَعْجِزُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْكِبَرِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَفَائِدَتُهُ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ هُنَا عَكْسَهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ حَالَةَ التَّكْلِيفِ بِالْفِدْيَةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّ إذَا عَجَزَ عَنْهُ الْعَبْدُ وَقْتَ الْوُجُوبِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَلْ الْفِدْيَةُ فِي حَقِّ مَنْ ذَكَرَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ وَاجِبَةٌ ابْتِدَاءً؟ وَجْهَانِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، وَخَرَجَ بِالْحُرِّ الرَّقِيقُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ وَمَاتَ رَقِيقًا. .

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَعْطَاهُ الْكُلَّ جَازَ، وَلَوْ فَدَى عَنْ صَلَاتِهِ فِي مَرَضِهِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ عَنْهُ) وَفِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ قَوْلٌ كَالصَّوْمِ، وَفِي الصَّلَاةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُطْعَمُ عَنْهُ بِكُلِّ صَلَاةٍ مُدٌّ؛ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَهَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ. وَقِيلَ: إنَّ السُّبْكِيَّ صَلَّى عَنْ قَرِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَمَا لَوْ نَذَرَ) أَيْ وَيُسْتَثْنَى مَا لَوْ نَذَرَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَيْ أَوْ يَصُومَ مُعْتَكِفًا.

قَوْلُهُ: (إنْ قُلْنَا لَا يُفْرِدُ الصَّوْمَ) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) مُعْتَمَدٌ، وَيَكْفِيهِ عَنْ الِاعْتِكَافِ لَحْظَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ جَمِيعَ الْيَوْمِ.

قَوْلُهُ: (وَالْعَجُوزُ) وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُسِنَّةُ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا يُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سُمِعَ تَأْنِيثُهُ؛ مُنَاوِيٌّ عَلَى الشَّمَائِلِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) وَمِثْلُهُ مَنْ يَأْكُلُ الْأَفْيُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي يَجِبُ كَتْمُهُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ م ر.

قَوْلُهُ: (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا) فَالْمَعْذُورُ مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً، فَلَوْ تَكَلَّفَ وَصَامَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمُدُّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الصَّوْمُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً حَيْثُ لَمْ يُرِدْ الصَّوْمَ، وَلَوْ أَخْرَجَ الْمُدَّ ثُمَّ قَدَرَ بَعْدَ الْفِطْرِ عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْضُوبِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْذُورَ هُنَا مُخَاطَبٌ بِالْمُدِّ ابْتِدَاءً فَأَجْزَأَ عَنْهُ، وَالْمَعْضُوبَ مُخَاطَبٌ بِالْحَجِّ؛ وَإِنَّمَا جَازَتْ لَهُ الْإِنَابَةُ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ بَانَ عَدَمُهَا ح ل. وَقَالَ ق ل: وَفَارَقَ مَا لَوْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ بَعْدَ الْحَجِّ عَنْهُ حَيْثُ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ وُقُوعِ الْحَجِّ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَجَّ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ كَلِمَةَ " لَا " مُقَدَّرَةٌ) فَإِنْ قُلْت: أَيُّ قَرِينَةٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ؟ قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَرِينَةٌ دَلَّتْ حَالَةَ النُّزُولِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) التَّنْبِيهُ لُغَةً الْإِيقَاظُ يُقَالُ نَبَّهْتُهُ تَنْبِيهًا أَيْ أَيْقَظْته إيقَاظًا وَاصْطِلَاحًا عُنْوَانُ الْبَحْثِ السَّابِقِ إجْمَالًا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَفَائِدَتُهُ) أَيْ الْوُجُوبِ عَلَى الْفَقِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ " مَرْدُودٌ " خَبَرٌ.

قَوْلُهُ: (عَكْسَهُ) أَيْ عَكْسَ الِاسْتِقْرَارِ، وَعَكْسُهُ عَدَمُ الِاسْتِقْرَارِ؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ) أَيْ الَّذِي تَسَبَّبَ فِيهِ كَمَا هُنَا، فَإِنَّهُ تَسَبَّبَ بِالْفِطْرِ.

قَوْلُهُ: (ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ إذَا كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ، وَالسَّبَبُ مِنْهُ هُنَا الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ اهـ م د.

قَوْلُهُ: (الثَّانِي) وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا شُفِيَ يَقْضِي عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا يَقْضِي عَلَى الثَّانِي، سَوَاءٌ كَانَ الشِّفَاءُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْفِدْيَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِسُقُوطِ الصَّوْمِ عَنْهُ وَعَدَمِ مُخَاطَبَتِهِ بِهِ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلِسَيِّدِهِ الْفِدَاءُ عَنْهُ

ص: 397

(وَالْحَامِلُ) وَلَوْ مِنْ زِنًا (وَالْمُرْضِعُ) وَلَوْ مُسْتَأْجَرَةً أَوْ مُتَبَرِّعَةً (إذَا خَافَتَا) مِنْ حُصُولِ ضَرَرٍ بِالصَّوْمِ كَالضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ (عَلَى أَنْفُسِهِمَا) وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ (أَفْطَرَتَا) أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِفْطَارُ (وَ) وَجَبَ (عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) بِلَا فِدْيَةٍ كَالْمَرِيضِ فَإِنْ قِيلَ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مَعَ وَلَدَيْهِمَا فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْفِدْيَةُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي. أُجِيبُ بِأَنَّ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] إلَى آخِرِهَا وَرَدَتْ فِي عَدَمِ الْفِدْيَةِ فِيمَا إذَا أَفْطَرَتَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلِقَرِيبِهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ أَوْ يُطْعِمَ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ الصَّوْمُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ كَمَا مَرَّ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ) أَيْ غَيْرُ الْمُتَحَيِّرَةِ، أَمَّا هِيَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا فِدْيَةٌ لِلشَّكِّ، أَيْ إنْ أَفْطَرَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، فَإِنْ أَفْطَرَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ لِمَا زَادَ؛ لِأَنَّهَا أَيْ السِّتَّةَ عَشَرَ أَكْثَرُ مَا يَحْتَمِلُ فَسَادَهُ بِالْحَيْضِ، حَتَّى لَوْ أَفْطَرَتْ كُلَّ رَمَضَانَ لَزِمَهَا مَعَ الْقَضَاءِ فِدْيَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ شَرْحُ م ر. وَشَمِلَ قَوْلُهُ " الْحَامِلَ وَلَوْ بِغَيْرِ آدَمِيٍّ "، حَيْثُ كَانَ مَعْصُومًا وَالْمُرْضِعُ كَذَلِكَ وَلَوْ رَقِيقَةً فِيهِمَا، لَكِنْ تَسْتَقِرُّ الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهَا. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا م ر: الْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الرَّقِيقِ بَعْدَ عِتْقِهَا. اهـ. ق ل. وَهَذَا، أَعْنِي قَوْلَهُ " وَالشَّيْخُ إلَخْ " مَفْهُومُ مَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ " وَإِطَاقَةٌ لِلصَّوْمِ " أَيْ قُدْرَةٌ حِسًّا وَشَرْعًا، فَالْعَاجِزُ حِسًّا كَمَا هُنَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً، وَقِيلَ بَدَلًا وَكَذَا قَوْلُهُ " وَالْحَامِلُ إلَخْ " مِنْ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَاجِزٌ شَرْعًا وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ حِسًّا. فَائِدَةٌ: يُبَاحُ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ لِسِتَّةٍ: لِلْمُسَافِرِ، وَالْمَرِيضِ، وَالشَّيْخِ الْهَرَمِ، وَالْحَامِلِ، وَالْعَطْشَانِ، وَالْمُرْضِعَةِ، وَنَظَّمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

إذَا مَا صُمْت فِي رَمَضَانَ صُمْهُ

سِوَى سِتٍّ وَفِيهِنَّ الْقَضَاءُ

فَسِينٌ ثُمَّ مِيمٌ ثُمَّ شِينٌ

وَحَاءٌ ثُمَّ عَيْنٌ ثُمَّ رَاءُ

فَالسِّينُ لِلْمُسَافِرِ، وَالْمِيمُ لِلْمَرِيضِ، وَالشِّينُ لِلشَّيْخِ الْهَرَمِ، وَالْحَاءُ لِلْحَامِلِ، وَالْعَيْنُ لِلْعَطْشَانِ، وَالرَّاءُ لِلْمُرْضِعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ الْوَلَدِ) إنْ قُلْت: هُوَ فِي مَعْنَى فِطْرٍ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ؟ قُلْت: نَعَمْ لَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ خَوْفُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَمُقْتَضٍ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خَوْفُهَا عَلَى الْوَلَدِ، فَغَلَبَ الْمَانِعُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى. فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِيهَا سَيَأْتِي:" فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ " أَيْ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، فَلَا تُرَدُّ هَذِهِ الصُّورَةُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِفْطَارُ) مَحَلُّهُ فِي الْمُرْضِعِ إذَا تَعَيَّنَتْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مُرْضِعَةٌ مُفْطِرَةٌ غَيْرَهَا أَوْ صَائِمَةٌ لَا يَضُرُّهَا الصَّوْمُ، وَإِلَّا جَازَ لَهَا الْفِطْرُ مَعَ الْإِرْضَاعِ وَالصَّوْمُ مَعَ تَرْكِ الْإِرْضَاعِ ق ل. ثُمَّ مَحَلُّ هَذَا الْقَيْدِ، أَعْنِي إذَا تَعَيَّنَتْ إلَخْ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا احْتِيَاجُهَا إلَى الْإِفْطَارِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهَا الِاحْتِيَاجُ إلَى الْإِفْطَارِ إلَّا بَعْدَ الْإِجَارَةِ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ بِالْعَقْدِ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْإِفْطَارُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا، وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ لِلْإِرْضَاعِ لَا تَكُونُ إلَّا إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ. اهـ. م ر أج، أَيْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُنِيبَ غَيْرَهَا فِي الْإِرْضَاعِ وَتَصُومَ. قَوْلُهُ:(عَلَى أَنْفُسِهِمَا) جَمْعٌ بِمَعْنَى الْمُثَنَّى، وَكَذَا قَوْلُهُ " أَوْلَادِهِمَا ".

قَوْلُهُ: (ارْتَفَقَ) أَيْ انْتَفَعَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا سَيَأْتِي) أَيْ فِيمَا إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إلَخْ) . هَذَا الْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا دَاخِلَانِ فِي عُمُومِ: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا} [البقرة: 185] وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: " وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِلَا فِدْيَةٍ كَالْمَرِيضِ " يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُمَا ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَنْظِيرٌ لَا قِيَاسٌ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: " أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إلَخْ " فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ

ص: 398

خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مَعَ غَيْرِهِمَا أَمْ لَا (وَإِنْ خَافَتَا) مِنْهُ (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) فَقَطْ بِأَنْ تَخَافَ الْحَامِلُ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ الْمُرْضِعُ بِأَنْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ (أَفْطَرَتَا) أَيْضًا (وَ) وَجَبَ (عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِلْإِفْطَارِ (وَالْكَفَّارَةُ)، وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْآيَةَ سَاكِتَةٌ عَنْ الْفِدْيَةِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَمُصَرِّحَةٌ بِالْقَضَاءِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا خَافَتَا إلَخْ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَا فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضِ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا وَمَعْنَى وَهُوَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُمَا حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ، وَالْمَرِيضُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، فَصَارَتْ الْآيَةُ شَامِلَةً لَهُمَا فَصَحَّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ:(خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) أَيْ لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، إذْ الْحَامِلُ لَا تُسَمَّى ذَاتَ وَلَدٍ لِأَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا يُسَمَّى جَنِينًا لَا وَلَدًا، فَتَسْمِيَتُهُ وَلَدًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ.

قَوْلُهُ: (فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ) وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَرْبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ ضَرَرٍ بِهِ ع ش. قَوْلُهُ:(وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَالْكَفَّارَةُ " أَيْ الصُّغْرَى وَهِيَ الْفِدْيَةُ، أَيْ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَرِيضَتَيْنِ) أَيْ وَقَصَدَتَا الْفِطْرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ إنْ أَفْطَرَتَا لِأَجْلِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا فِي الْأَصَحِّ أج.

قَوْلُهُ: (نُسِخَ حُكْمُهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: 184] فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ؟ قُلْت: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بَقَاءُ جَمْعٍ يَقْرُبُ مِنْ مَدْخُولِ الْعَامِّ وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ شَوْبَرِيٌّ؛ أَيْ لِأَنَّهُ بَقِيَ هُنَا اثْنَانِ فَقَطْ وَهُمَا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ.

قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَقِّهِمَا) فِيهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِعَدَمِ نَسْخِهَا فِي حَقِّهِمَا وَنَسْخِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا يُنَافِيهِ قِرَاءَتُهُ: " يُطَوَّقُونَهُ " بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ. فَإِنْ قُلْت: الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِقَضَائِهِمَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَنْسُوخٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُحْكَمٌ ".

قَوْلُهُ: (بِمَا مَرَّ) أَيْ بِتَقْدِيرِ " لَا " أَوْ الْمَعْنَى: يُطِيقُونَهُ فِي الصِّغَرِ وَعَجَزُوا عَنْهُ فِي الْكِبَرِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ إلَخْ) أَيْ فَيُقَالُ: إنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى الْمُشْرِفِ وَحْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ، وَإِنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ مَعَ الْمُشْرِفِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ ق ل. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يُقَيِّدَ بِقَوْلِهِ: فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ: (مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ) أَيْ أَوْ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ. قَوْلُهُ: (ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ) أَيْ فَوَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ، لَمَّا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الِارْتِفَاقُ، أَيْ الِانْتِفَاعُ.

قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ جَائِزٌ) وَتَارَةً يَجِبُ الْفِطْرُ بِأَنْ كَانَ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ) أَيْ وَقَالَ: إنَّهَا

ص: 399

الْمُحْتَرَمَ فِي وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْهُ مَنْزِلَةَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُلْحَقُ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فِي لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ الْمُتَعَدِّي بِفِطْرِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ لِأَنَّ سِتَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالُوا بِذَلِكَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ وَيَأْثَمُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيَلْزَمُهُ الْمُدُّ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ. فَائِدَةٌ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ هُنَا لِلتَّأْخِيرِ وَفِدْيَةُ الشَّيْخِ الْهَرَمِ وَنَحْوِهِ لِأَصْلِ الصَّوْمِ، وَفِدْيَةُ الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَيَتَكَرَّرُ الْمُدُّ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إمْكَانِهِ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ فَمَاتَ أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ عَلَى الْجَدِيدِ السَّابِقِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّيْنِ، مُدٌّ لِفَوَاتِ الصَّوْمِ وَمُدٌّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَالٌ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهَا؛ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُمْ) تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الْإِفْطَارِ فِي الْحَيَوَانِ كَالْآدَمِيِّ.

قَوْلُهُ: (بَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَقَطْ) لِعَدَمِ وُرُودِ الْفِدْيَةِ فِيهِ. وَفَارَقَ لُزُومَهَا لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ بِمَا مَرَّ وَبِأَنَّ الْفِدْيَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ بِالْإِثْمِ. بَلْ إنَّمَا هِيَ حِكَمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّدَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَفْحَشُ مِنْ الْوَطْءِ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ م د. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُهُ " اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهَا " أَيْ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ تَارَةً تَكُونُ ظَاهِرَةً كَالْمَشَقَّةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا السَّفَرُ، وَتَارَةً تَكُونُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ كَمَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ، الْأَوَّلُ: كَوْنُهُ قَضَاءَ رَمَضَانَ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " مَعَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ " فَأَخَذَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ " أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَخْ ". وَأَخَذَ مُحْتَرَزَ الْأَوَّلِ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: " وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ وَالزَّمِنِ إلَخْ " وَالْمُرَادُ أَخَّرَهُ عَامِدًا عَالِمًا بِحُرْمَةِ التَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْعُلَمَاءِ لِخَفَاءِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِ الْجَاهِلُ بِحُرْمَةِ التَّأْخِيرِ لَا بِالْفِدْيَةِ، فَلَا يُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ عَلِمَ حُرْمَةَ التَّنَحْنُحِ وَجَهِلَ الْبُطْلَانَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ز ي.

قَوْلُهُ: (مَعَ إمْكَانِهِ) بِأَنْ كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا زَمَنًا يَسَعُ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ وَسِعَ بَعْضَهُ لَزِمَهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ لَا مَا زَادَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ) بِمَنْعِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ عَلَمٌ لِمَا بَيْنَ شَعْبَانَ وَشَوَّالٍ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ فَيَكُونُ عَلِيمَ جِنْسٍ. وَقَوْلُهُ " آخَرُ " بَدَلٌ لَا صِفَةٌ، فَلَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ مِنْ دُخُولِهِ وَإِنْ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ، كَمَنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَأَخَّرَ حَتَّى بَقِيَ لِرَمَضَانَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَأْيُوسِ مِنْهَا، أَيْ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ، فَإِنْ دَخَلَ وَجَبَتْ وَحَيْثُ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ تَعْجِيلِ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ ق ل وم ر.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ إنْ كَانَ حُرًّا، أَمَّا الْقِنُّ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ م ر. وَهَذَا، أَيْ قَوْلُهُ " وَإِنْ أَيِسَ إلَخْ " مَحَلُّهُ فِي الْحَيِّ كَمَا فِي م ر، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَلَوْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ، إلَى قَوْلِهِ: فَمَاتَ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي الْمَيِّتِ وَمَا هُنَا فِي الْحَيِّ. أَمَّا مَنْ مَاتَ وَقَدْ أَيِسَ مِنْ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ قَضَائِهِ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يُخْرِجُ لِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ أَمْدَادَ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ الْمَأْيُوسِ مِنْ قَضَائِهَا. قَوْلُهُ:(لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ) كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا إلَى قَابِلٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا، وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِنِينَ؛ شَرْحُ م ر. وَفِي ذِكْرِ ق ل الْإِعْسَارَ وَالرِّقَّ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ لَا فِي تَأْخِيرِ إخْرَاجِ الْمُدِّ. فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ:(فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِهَذَا التَّأْخِيرِ) وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِنِينَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِالْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ بِهِ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (لِلتَّأْخِيرِ) أَيْ وَإِنْ صَامَ.

قَوْلُهُ: (لِأَصْلِ الصَّوْمِ) فَإِنْ تَكَلَّفَ وَصَامَ فَلَا فِدْيَةَ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَكَرَّرُ الْمُدُّ) أَيْ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَوْلُهُ " بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ " أَيْ إنْ تَمَكَّنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ؛ أَيْ إذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَمْدًا، فَإِنْ كَانَ

ص: 400

لِلتَّأْخِيرِ وَعَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ صَوْمُ الْوَلِيِّ إذَا صَامَ حَصَلَ تَدَارُكُ أَصْلِ الصَّوْمِ وَوَجَبَ فِدْيَةٌ لِلتَّأْخِيرِ. .

(وَالْكَفَّارَةُ) أَنْ تُخْرِجَ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا وَهُوَ) كَمَا سَبَقَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ أَيْ الْبَغْدَادِيِّ وَبِالْكَيْلِ نِصْفُ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ، وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَقَطْ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَارَّةِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، فَإِذَا جَازَ صَرْفُهَا إلَى الْمِسْكِينِ فَالْفَقِيرُ أَوْلَى، وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ مِنْ الْفِدْيَةِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَالْأَمْدَادُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَاتِ بِخِلَافِ الْمُدِّ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى شَخْصَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ، وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ صَرْفِ فَدِيَتَيْنِ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاحِدُ مِنْ زَكَوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

وَجِنْسُ الْفِدْيَةِ جِنْسُ الْفِطْرَةِ وَنَوْعُهَا وَصِفَتُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُدِّ الَّذِي نُوجِبُهُ هُنَا فِي الْكَفَّارَاتِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ، وَكَذَا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ.

تَنْبِيهٌ: تَعْجِيلُ فِدْيَةِ التَّأْخِيرِ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ مَعَ الْإِمْكَانِ جَائِزٌ فِي الْأَصَحِّ كَتَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ الْمُحَرَّمِ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ وَلَا الزَّمِنِ وَلَا مَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ إذَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

نِسْيَانًا لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ. اهـ. م د. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الشَّارِحُ هَذَا عَلَى الْفَائِدَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ. قَالَ م ر: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ الْفَوَاتُ وَجَبَتْ الْفِدْيَةُ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَمَاتَ لِبَوَاقِي خَمْسٍ مِنْ شَعْبَانَ لَزِمَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا عَشَرَةٌ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَخَمْسَةٌ لِلتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا قَضَاءُ خَمْسَةٍ. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ لُزُومُ الْفِدْيَةِ حَالًّا عَمَّا لَا يَسَعُهُ، وَهُوَ مَا صَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيّ. وَفَرَّقَ بَيْنَ صُورَةِ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ بِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ يُقَدَّرُ حُضُورُهَا بِالْمَوْتِ كَمَا يَحِلُّ الْأَجَلُ بِهِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي الْحَيِّ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَعْجِيلِ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي حَقِّهِ اهـ بِالْحَرْفِ.

قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ فِدْيَةٌ لِلتَّأْخِيرِ) وَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ عَنْ مُدِّ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) أَيْ الْفِدْيَةُ. فَ " الـ " لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يُخْرَجَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ.

قَوْلُهُ: (دُونَ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ) أَيْ فَلَا يُعْطَوْنَ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ غَيْرَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اعْتِرَاضِ ق ل. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ) فَيُقَاسُ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فَيَجُوزُ، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ.

قَوْلُهُ: (إلَى شَخْصَيْنِ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُدُّ لَازِمًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا لَزِمَ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ كَأَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ وَاجِبَهُ لِمَنْ أَرَادَ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَنْقُصُ) أَيْ الْوَاحِدُ عَنْهَا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى صَرْفَ الْفِدْيَةِ لِوَاحِدٍ.

قَوْلُهُ: (نُوجِبُهُ) أَيْ نُوجِبُ إخْرَاجَهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي ذِمَّةِ الْفَقِيرِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (عَلَى قُوتِهِ) أَيْ عَنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَفَّالِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: قَالَ الْقَفَّالُ: وَيُعْتَبَرُ فَضْلُهَا عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ.

قَوْلُهُ: (لِيُؤَخِّرَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَعْجِيلُ. قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْحِنْثَ لَكَانَ أَوْلَى سَوَاءٌ كَانَ جَائِزًا أَوْ وَاجِبًا، أَوْ مُحَرَّمًا كَأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ أَوْ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ أَوْ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ، فَإِنَّ حِنْثَهُ بِشُرْبِهِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ إذَا أَرَادَ الْحِنْثَ بِالشُّرْبِ، وَحِينَئِذٍ فَالْجَامِعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْحِنْثِ حُرْمَةُ السَّبَبِ، فَهُنَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِلْفِدْيَةِ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَفِي الْيَمِينِ يَجُوزُ

ص: 401

أَخَّرُوهَا عَنْ السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِلْحَامِلِ وَلَا لِلْمُرْضِعِ تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ لِعَامَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَّلَ مَنْ ذُكِرَ فِدْيَةَ يَوْمٍ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. .

(وَالْمَرِيضُ)، وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ (وَالْمُسَافِرُ) سَفَرًا طَوِيلًا مُبَاحًا (يُفْطِرَانِ) بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ (وَيَقْضِيَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184] أَيْ فَأَفْطَرَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَلَا بُدَّ فِي فِطْرِ الْمَرِيضِ مِنْ مَشَقَّةٍ تُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ أَوْ ذَهَابَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِطْرُ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَرَضُ مُطْبِقًا فَلَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ، أَوْ مُتَقَطِّعًا كَأَنْ كَانَ يُحَمُّ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ نَظَرَ إنْ كَانَ مَحْمُومًا وَقْتَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ تَرْكُ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ، فَإِنْ عَادَ الْمَرَضُ وَاحْتَاجَ إلَى الْإِفْطَارِ أَفْطَرَ، وَلِمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ حُكْمُ الْمَرِيضِ. وَأَمَّا الْمُسَافِرُ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَعْجِيلُ الْكَفَّارَةِ مَعَ حُرْمَةِ الْحِنْثِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا. اهـ. م د. وَلَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالْمُحَرَّمِ لِيَجْتَمِعَا فِي تَمَامِ التَّشْبِيهِ لِيَكُونَ السَّبَبُ حَرَامًا فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَيْءَ عَلَى الْهَرَمِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: " قَضَاءُ رَمَضَانَ ".

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُمْ) أَيْ لِلْهَرَمِ وَالزَّمِنِ وَمَنْ اشْتَدَّتْ مَشَقَّةُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (تَعْجِيلُ فِدْيَةِ يَوْمَيْنِ) وَلَا فِدْيَةِ يَوْمٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ جَائِزٌ) وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَتِهِ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُمَا عَاجِزَانِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَا قَادِرَيْنِ حِسًّا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعَدَّى بِسَبَبِهِ) كَأَنْ فَعَلَ مَا نَشَأَ عَنْهُ الْمَرَضُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَرَضُ سَابِقًا عَلَى الصَّوْمِ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ " وَالْمُسَافِرُ " أَيْ إذَا كَانَ السَّفَرُ سَابِقًا عَلَى الصَّوْمِ بِأَنْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَقَ الصَّوْمُ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَلَا يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي هَذَا النَّهَارِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ.

قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ) شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بُدَّ فِي فِطْرِ الْمَرِيضِ) أَيْ فِي جَوَازِ فِطْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ شَيْخِنَا م ر. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ز ي: أَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يُبِيحُ التَّيَمُّمَ يُوجِبُ الْفِطْرَ وَمَا دُونَهُ حَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً يُجَوِّزُهُ ق ل. وَقَوْلُهُ " يُوجِبُ الْفِطْرَ " ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَشَقَّةٍ) أَيْ غَيْرِ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ الْآتِيَيْنِ كَبُطْءِ الْبُرْءِ، إذْ هَذَا فِي جَوَازِ الْفِطْرِ؛ وَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ خَافَ إلَخْ فِي وُجُوبِ الْفِطْرِ، فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِطْرَ الْمَرِيضِ تَارَةً يَكُونُ جَائِزًا وَتَارَةً يَكُونُ وَاجِبًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَجَبَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَانْدَفَعَ مَا فِي الْمُحَشِّي.

قَوْلُهُ: (يُحَمُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَمِمَّا جُرِّبَ لَهَا أَنْ يُكْتَبَ فِي وَرَقَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ ابْرَاسُومَا {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الأعراف: 43] . {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66] . {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] . {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] . {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] . لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك يَا اللَّهُ شِفَاءً لَا يُغَادِرُهُ سَقَمٌ " وَيُبَخَّرُ بِهَا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ. قَوْلُهُ:(وَقْتَ الشُّرُوعِ) أَيْ وَقْتَ صِحَّةِ النِّيَّةِ ق ل. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: قُبَيْلَ الْفَجْرِ اهـ. فَالْمُرَادُ بِهِ قُبَيْلَ الْفَجْرِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ النِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (حُكْمُ الْمَرِيضِ) أَيْ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ. وَهَذَا يَجْرِي فِي نَحْوِ الْحَصَّادِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ إنْ لَحِقَتْهُمْ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَفْطَرُوا وَإِلَّا فَلَا. فَائِدَةٌ: الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ مَنْ أَفْطَرَ تَعَدِّيًا بِالْأَكْلِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ لَيْلًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ مُفْطِرًا أَوْ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ أَوْ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ أَوْ الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ أَوْ الْحَامِلُ أَوْ الْمُرْضِعُ فَهَؤُلَاءِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ؛ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ وَالْإِمْسَاكُ مِنْ خَوَاصِّ رَمَضَانَ.

ص: 402

بِهِ، وَلَكِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ إخْلَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ بِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ احْتِمَالُهُ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا صَائِمًا فِي السَّفَرِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ» . نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ الصَّوْمِ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى. وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ فِي الْحَالِ. وَلَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ لَوْ صَامَ وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (السَّفَرَ الْمَذْكُورَ) أَيْ الطَّوِيلَ الْمُبَاحَ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ) هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ، ثُمَّ فَصَّلَهُ بِكَوْنِهِ تَارَةً يَكُونُ الْفِطْرُ أَفْضَلَ أَوْ الصَّوْمُ أَوْ وُجُوبُ الْفِطْرِ وَحُرْمَةُ الصَّوْمِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (الصَّوْمُ أَفْضَلُ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ. وَقَوْلُهُ: " أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ " مُقَابِلٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ.

قَوْلُهُ: (ظَلَّلَ عَلَيْهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، أَيْ صَنَعَ لَهُ مِظَلَّةً. وَيَحْتَمِلُ الْبِنَاءَ لِلْمَفْعُولِ. فَلْتُرَاجَعْ الرِّوَايَةُ. قَوْلُهُ:(أَنْ تَصُومُوا إلَخْ) وَرُوِيَ: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَبِأَمْ بَدَلُ أَلْ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ) هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَيَّدَ الشَّارِحُ بِهِمَا لِفَضْلِهِمَا.

قَوْلُهُ: (عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ) وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ السَّنَةِ كَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ. وَقِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْأُسْبُوعِ وَهُوَ الِاثْنَيْنُ وَالْخَمِيسُ، وَقِسْمٌ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الشُّهُورِ كَالْأَيَّامِ الْبِيضِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ.

قَوْلُهُ: (لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) وَرَدَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَالصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْغُرَمَاءِ بِهِ، أَيْ أَصْلًا وَتَضْعِيفًا كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ. بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ فَلَا يَتَعَلَّقُونَ بِهِ. وَيَدُلُّك عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ حَدِيثُ:«أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ» إلَخْ. وَحِينَئِذٍ فَتَخْصِيصُهُ بِكَوْنِهِ لَهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الرِّيَاءِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ تَزِيدُ عَلَى خَمْسِينَ قَوْلًا، شَرْحُ م ر: وَمَا قِيلَ إنَّ التَّضْعِيفَ فِي الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ لَا يُؤْخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ فَضْلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُؤْخَذُ الْأَصْلُ وَهِيَ الْحَسَنَةُ الْأُولَى لَا غَيْرُ يُرَدُّ لِعُمُومِ خَبَرِ:«يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ وُضِعَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ» فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ سَيِّئَتُهُ فَأَوْلَى أَخْذُ جَمِيعِ حَسَنَاتِ الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ لَهُ وَمَحْضُ الْفَضْلِ جَارٍ فِي الْأَصْلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. حَجّ. وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَصُّهَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عز وجل:«كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَإِضَافَتُهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] مَعَ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ غَيْرُهُ بِهِ، فَلَمْ تُعَظِّمْ الْكُفَّارُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَعْبُودَاتِهِمْ بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُمْ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقِيلَ: لِأَنَّ الصِّيَامَ بَعِيدٌ عَنْ الرِّيَاءِ لِخَفَائِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَاتِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: مَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ " لَا رِيَاءَ فِي الصَّوْمِ " أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ جِهَةِ الْإِخْبَارِ بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الرِّيَاءَ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا، وَعَنْ شَدَّادِ ابْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا:«مَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى. فَلَمَّا تَقَرَّبَ الصَّائِمُ إلَيْهِ بِمَا يُوَافِقُ صِفَاتِهِ أَضَافَهُ إلَيْهِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ مُنَاسِبَةٌ لِأَحْوَالِهِمْ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ مُنَاسِبٌ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَقِّ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الصَّائِمَ تَقَرَّبَ إلَيَّ بِأَمْرٍ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِي وَهِيَ الصَّمَدَانِيَّةُ؛ لِأَنَّ الصَّمَدَ مَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، أَوْ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْفَرِدُ، بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَقَدْ أَظْهَرَ سبحانه وتعالى بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى مِقْدَارِ ثَوَابِهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ:«وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَقَدْ عُلِمَ بِأَنَّ الْكَرِيمَ إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ الْجَزَاءَ اقْتَضَى ذَلِكَ سَعَةَ الْعَطَاءِ.

ص: 403

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . وَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَاَلَّتِي بَعْدَهُ» وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحْتَسِبُ عَلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ ز ي. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ وَلَا يَخْتَلُّ قِتَالُهُ بِهِ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ: أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ عَامًا، فَهُوَ مَجَازٌ. وَخَصَّ الْخَرِيفَ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ فُصُولِ السَّنَةِ. قَوْلُهُ:(صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْخَمِيسِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ؛ وَنُقِلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ السَّبْتُ، شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَتَّجِهُ تَفْضِيلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْخَمِيسِ بِوِلَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَوَفَاتِهِ وَبِتَقْدِيمِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا وَفِي دُخُولِ الْقَاضِي الْبَلَدَ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوجَدُ لِلصَّوْمِ سَبَبَانِ، كَوُقُوعِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ يَوْمَ اثْنَيْنِ أَوْ خَمِيسٍ، وَكَوُقُوعِهِمَا فِي سِتَّةِ شَوَّالٍ فَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ مَا لَهُ سَبَبَانِ رِعَايَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةً وَصِلَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ. وَاسْتَشْكَلَ اسْتِعْمَالُ الِاثْنَيْنِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمَثْنَى وَالْمُلْحَقَ بِهِ يَلْزَمُ الْأَلِفَ إذَا جُعِلَ عَلَمًا وَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِنُطْقِهَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لُغَةٌ.

قَوْلُهُ: (تُعْرَضُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةُ تَرْفَعُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَتُرْفَعُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَكَذَا تُعْرَضُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَفَائِدَةُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ إظْهَارُ شَرَفِ الْعَامِلِينَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ:(الْأَعْمَالُ) أَيْ أَعْمَالُ الْأُسْبُوعِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَا صَائِمٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَفَائِدَةُ الْعَرْضِ إظْهَارُ الْعَدْلِ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ.

قَوْلُهُ: (يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِأَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَأَمَّا خَبَرُ:«خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِأَنَّ عَشْرَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ رَمَضَانَ سَيِّدُ الشُّهُورِ شَرْحُ م ر.

وَأَفْضَلُ الشُّهُورِ بِالْإِطْلَاقِ

شَهْرُ الصِّيَامِ فَهُوَ ذُو السِّبَاقِ

فَشَهْرُ رَبِّنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ

فَرَجَبٌ فَالْحِجَّةُ الْمُعَظَّمُ

فَقِعْدَةٌ فَبَعْدَهُ شَعْبَانُ

وَكُلُّ ذَا جَاءَ بِهِ الْبَيَانُ

وَيُسَنُّ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ م ر: وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى كَثِيرًا بِثُبُوتِ هِلَالِ الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَهَلْ يَنْدُبُ صَوْمُ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ؟ وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى احْتِمَالِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ؛ شَيْخُنَا ح ف. فَيَكُونُ كَيَوْمِ الشَّكِّ أَوْ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لِسَبَبٍ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. تَذْنِيبٌ: قَوْلُهُمْ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَوْلَى؟ .

قُلْت. رَأَيْنَا فِي بَعْضِ التَّأْلِيفِ لِأَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْمَفَاسِدُ عَلَى قِسْمَيْنِ مَظْنُونَةِ الْوُقُوعِ وَمُتَوَهَّمَتِهِ، فَالْأُولَى يَجِبُ رِعَايَتُهَا عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالثَّانِيَةُ الْأَوْلَى رِعَايَتُهَا لَا وُجُوبُهَا اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ.

ص: 404

اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَصَوْمُ تَاسُوعَاءَ وَهُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ: «لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» فَمَاتَ قَبْلَهُ، وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَتَتَابُعُهَا عَقِبَ الْعِيدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الْحَاجِّ) أَمَّا الْحَاجُّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ يَصِلُ عَرَفَةَ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ يَصِلُهَا لَيْلًا أَيْ لَيْلَةَ التَّاسِعِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى؛ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْوُحُوشَ فِي الْبَادِيَةِ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ لَحْمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ وَرَمَاهُ لِنَحْوِ الْوُحُوشِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَأْكُلْ وَصَارَتْ تَنْظُرُ إلَى الشَّمْسِ وَتَنْظُرُ إلَى اللَّحْمِ حَتَّى إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَقْبَلَتْ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أَيْ أَرْجُو مِنْ اللَّهِ وَرَجَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مُحَقَّقٌ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: احْتَسَبَ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ (السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ السَّنَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِفَرَاغِ شَهْرِهِ، وَبِالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ السَّنَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ؛ إذْ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ شَرْحُ م ر.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ فَزِيَادَةٌ فِي الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: التَّكْفِيرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغُفْرَانِ وَبِمَعْنَى الْعِصْمَةِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ كَانَ مَغْفُورًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَدْ رَاجَعْته فَوَجَدْته كَمَا ذَكَرَ، فَقَدْ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: وَهَذِهِ بُشْرَى بِحَيَاةِ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِمَنْ صَامَهُ، إذْ هُوَ صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ بِكَفَّارَتِهَا فَدَلَّ لِصَائِمِهِ عَلَى الْحَيَاةِ فِيهَا، إذْ هُوَ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

قَوْلُهُ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَفَارَقَ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ عَاشُورَاءَ لِمُشَارَكَةِ مُوسَى لَنَا فِيهِ ق ل. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ صَوْمَ عَرَفَةَ مُحَمَّدِيٌّ وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ مُوسَوِيٌّ " لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مُحَمَّدِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَامَهُ بِوَحْيٍ لَا تَبَعًا لِمُوسَى إذْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نُسِبَ لِمُوسَى لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَامَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّغَائِرِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ فَقَطْ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ كَمَا وَرَدَ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ؟ وَإِذَا كَفَرَتْ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الْجُمُعَتَانِ وَرَمَضَانُ وَكَذَلِكَ صَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ كَفَّارَةُ سَنَةٍ؟ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؟ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ فَقَطْ رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ

قَوْلُهُ: «إلَى قَابِلٍ» بِالتَّنْوِينِ، تَقْدِيرُهُ: إلَى عَامٍ قَابِلٍ.

قَوْلُهُ: «لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» أَيْ مَعَ عَاشُورَاءَ. وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ مَثَلًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) أَيْ وُجُودُ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ نَفَاهَا، أَوْ صَامَهَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ؛ نَعَمْ لَوْ صَامَ شَوَّالًا قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ لَمْ تَحْصُلْ مَعَهُ فَيَصُومُهَا مِنْ الْقَعْدَةِ، وَيُنْدَبُ مُوَالَاتُهَا لِيَوْمِ الْعِيدِ وَتَتَابُعُهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ شَوَّالٍ ق ل. وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ إذْ إثْبَاتُ التَّاءِ مَعَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ لُغَةٌ، وَالْأَفْصَحُ حَذْفُهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ اهـ أج. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ التَّاءِ هُوَ الْأَفْصَحُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْأَفْصَحَ أَنْ يَكُونَ كَالْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ صَامَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فِي بَعْضِ السِّنِينَ دُونَ بَعْضٍ فَالسَّنَةُ الَّتِي صَامَ السِّتَّ فِيهَا يَكُونُ صَوْمُهَا كَسَنَةٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَصُمْ فِيهَا تَكُونُ كَعَشْرَةِ أَشْهُرٍ،. اهـ. ع ش عَلَى شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ لَا يُسَنُّ لَهُ صِيَامُ سِتَّةِ شَوَّالٍ؛ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ

ص: 405

أَفْضَلُ.

وَيُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» . وَكَذَا إفْرَادُ السَّبْتِ أَوْ الْأَحَدِ لِخَبَرِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» وَلِأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ.

. وَصَوْمُ الدَّهْرِ غَيْرَ يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَكْرُوهٌ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَمُسْتَحَبٍّ لِغَيْرِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ

وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ»

" وَمَنْ تَلَبَّسَ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ صَلَاتِهِ فَلَهُ قَطْعُهُمَا، أَمَّا الصَّوْمُ فَلِقَوْلِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ لِتَرَتُّبِهِ فِي الْخَبَرِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ «ثُمَّ أَتْبَعَهُ» إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ لَمْ يَصُمْهَا وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ قَبْلَ قَضَائِهِ، وَقَدْ يُقَالُ التَّبَعِيَّةُ تَشْمَلُ التَّقْدِيرِيَّةَ لِأَنَّهُ إذَا صَامَ رَمَضَانَ بَعْدَهَا وَقَعَ عَمَّا قَبْلَهَا تَقْدِيرًا، أَوْ التَّبَعِيَّةُ تَشْمَلُ الْمُتَأَخِّرَةَ كَمَا فِي نَفْلِ الْفَرَائِضِ التَّابِعِ لَهَا اهـ. فَيُسَنُّ صَوْمُهَا وَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ، أَيْ بِعُذْرٍ؛ فَإِنْ تَعَدَّى بِفِطْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ صَوْمُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ الْفَوْرِيِّ وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ شَوَّالٍ وَلَا تُقْضَى، نَعَمْ قَالَ شَيْخُنَا م ر: مَنْ صَامَ شَهْرَ شَوَّالٍ عَنْ رَمَضَانَ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا إلَى الْقَعْدَةِ قَضَاهَا فِيهِ وَإِلَّا دَخَلَتْ فِي صَوْمِ شَوَّالٍ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: «كَصِيَامِ الدَّهْرِ» أَيْ فَرْضًا، أَيْ ثَوَابُهُ كَثَوَابِ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِيَّةِ رَمَضَانَ وَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ مَعْنًى، إذْ مَنْ صَامَ شَهْرًا غَيْرَ رَمَضَانَ مَعَ سِتَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الدَّهْرِ أَيْ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةَ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَامَهَا مَعَ رَمَضَانَ كُلَّ سَنَةٍ يَكُونُ صِيَامُ الدَّهْرِ فَرْضًا بِلَا مُضَاعَفَةٍ، وَمَنْ صَامَ شَهْرًا وَسِتَّةً غَيْرَهَا كَذَلِكَ يَكُونُ كَصِيَامِهِ نَفْلًا بِلَا مُضَاعَفَةٍ؛ شَرْحُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (عَقِبَ الْعِيدِ) الْأَوْلَى: وَعَقِبَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَنَةٌ أُخْرَى ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ بِأَنْ كَانَ نَفْلًا مُطْلَقًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّمَا نُهِيَ عَنْ صِيَامِهِ مُفْرَدًا لِأَنَّهُ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَتَبْكِيرٍ وَذِكْرٍ وَغُسْلٍ وَاجْتِمَاعٍ، فَيُسَنُّ فِطْرُهُ مُعَاوَنَةً عَلَيْهَا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنْ الْفُتُورِ فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ يَجْبُرُهُ الصَّوْمُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ. وَفِي خَبَرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ تَعْلِيلُ مَنْعِ صَوْمِهِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يُصَامُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمَّا أَشْبَهَ الْعِيدَ أَخَذَ مِنْ شَبَهِهِ النَّهْيَ عَنْ تَحَرِّي صَوْمِهِ وَبِصَوْمِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ يَنْتَفِي التَّحَرِّي، أَمَّا لَوْ صَامَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ لِمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ يَوْمًا بَعْدَهُ» وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِمِ: «إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ وَذِكْرٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ وَلَكِنْ اجْعَلُوهُ يَوْمَ فِطْرٍ وَذِكْرٍ إلَّا أَنْ تَخْلِطُوهُ بِأَيَّامٍ» . اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.

قَوْلُهُ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ» أَيْ وَحْدَهُ، فَإِنْ صَامَهُ مَعَ الْأَحَدِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمْهُ أَحَدٌ. وَبِهَذَا انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ضَمَّ الْمَكْرُوهِ لِلْمَكْرُوهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ:«فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» أَيْ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ فَلَا يُكْرَهُ الْإِفْرَادُ فِيهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَاجِبٍ) كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَحَبٍّ كَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا الْمُسْتَحَبَّةِ. وَ " مُسْتَحَبٍّ " مَعْطُوفٌ عَلَى مَكْرُوهٍ، أَيْ وَمَعَ اسْتِحْبَابِهِ فَصَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْهُ اهـ مَرْحُومِيٌّ. وَسُئِلَ الشِّهَابُ م ر عَمَّنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرِهِ يَوْمًا مِمَّا يُطْلَبُ صَوْمُهُ كَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَوْ الْخَمِيسِ هَلْ فِطْرُهُ أَفْضَلُ أَمْ صَوْمُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ يَوْمٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ صَوْمُهُ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَقٍّ وَلَا ضَرَرًا.

قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) هَذَا حَيْثُ جَازَ التَّمَتُّعُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا، كَأَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ كَإِحْرَامٍ أَوْ اعْتِكَافٍ، وَحَيْثُ لَمْ يَقُمْ بِهَا مَانِعٌ كَالرَّتْقِ وَالْقَرْنِ. قَوْلُهُ:(إلَّا بِإِذْنِهِ) وَعِلْمُهَا بِرِضَاهُ كَإِذْنِهِ. كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَمَحَلُّهُ فِي الصَّوْمِ الْمُتَكَرِّرِ فِي السَّنَةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ لِأَنَّهُمَا نَادِرَانِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً.

قَوْلُهُ: «وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ» أَيْ حَاضِرٌ.

قَوْلُهُ: (بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ) وَمِثْلُهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْجِهَادَ وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ مُنْفَرِدًا،

ص: 406