الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الزَّكَاةِ
وَهِيَ لُغَةً النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَزَكَتْ النَّفَقَةُ إذَا بِوَرِكِ فِيهَا وَفُلَانٌ زَاكٍ أَيْ كَثِيرُ الْخَيْرِ وَتُطْلَقُ عَلَى التَّطْهِيرِ قَالَ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] أَيْ طَهَّرَهَا مِنْ الْأَدْنَاسِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَدْحِ قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] أَيْ تَمْدَحُوهَا وَشَرْعًا اسْمٌ لِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ يَجِبُ صَرْفُهُ لِأَصْنَافٍ مَخْصُوصَةٍ بِشَرَائِطَ سَتَأْتِي وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِبَرَكَةِ إخْرَاجِهَا وَدُعَاءِ الْآخِذِ لَهَا وَلِأَنَّهَا تُطَهِّرُ مُخْرِجَهَا مِنْ الْإِثْمِ وَتَمْدَحُهُ حَتَّى تَشْهَدَ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا الْخَبَرِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الزَّكَاةِ]
هِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ سَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 31] وَقِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَجُمِعَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِالنَّظَرِ لِلْأَصْلِ وَالثَّانِيَ بِالنَّظَرِ لِلْكَيْفِيَّةِ وَالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهَا مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ النَّاظِرِ إلَى كَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ تَلْزَمُهُ عَلَيْهِمَا ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهَا وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ يَلْزَمُ أَفْرَادًا كَثِيرَةً
قَوْلُهُ (وَهِيَ لُغَةً النُّمُوُّ) يَعْنِي أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ لِأَحَدِ مَعَانٍ خَمْسَةٍ النُّمُوُّ وَالْبَرَكَةُ وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ وَالتَّطْهِيرُ وَالْمَدْحُ وَأَدِلَّتُهَا مَا ذَكَرَهُ
وَانْظُرْ وَجْهَ ذِكْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ أَوَّلًا أَعْنِي النُّمُوَّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفْرَدَ الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَهُمَا التَّطْهِيرُ وَالْمَدْحُ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ لَمَّا كَانَتْ مُتَقَارِبَةَ الْمَعْنَى أَوْ مُتَّحِدَتَهُ جَمَعَهَا إشَارَةً لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُغَايِرٌ لِلْآخَرِ وَلِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ
قَوْلُهُ (أَيْ تَمْدَحُوهَا) أَيْ لَا تَمْدَحُوهَا عَلَى جِهَةِ الْإِعْجَابِ وَأَمَّا عَلَى جِهَةِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ فَحَسَنٌ قَوْلُهُ (وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ " وَسُمِّيَ " أَيْ الْقَدْرُ الْمَخْصُوصُ بِذَلِكَ أَيْ بِالزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ م ر سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ لِأَنَّ إلَخْ
وَبَعْدَ هَذَا فَيُقَالُ هَذَا لَا يَشْمَلُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ وَيُقَالَ أَوْ عَنْ بَدَنٍ قَوْلُهُ (لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ مَوْجُودٌ فِي الشَّرْعِيِّ
قَوْلُهُ (حَتَّى تَشْهَدَ لَهُ بِصِحَّةِ الْإِيمَانِ) لَعَلَّ حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تَشْهَدُ إلَخْ أَوْ أَنَّهَا لِلْغَايَةِ أَيْ اسْتَمَرَّ تَطْهِيرُهَا وَمَدْحُهَا مُنْتَهِيًا إلَى أَنْ تَشْهَدَ إلَخْ وَهَلْ الْمُرَادُ الشَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا بِمَعْنَى أَنَّهَا أَمَارَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً ذَكَرَهُ م د
قَوْلُهُ {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] هَذِهِ الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ الْمَالَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَلَا الْقَدْرَ الْمُخْرَجَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ بَيَّنَتْ ذَلِكَ وَقِيلَ عَامَّةٌ وَقِيلَ مُطْلَقَةٌ وَالرَّاجِحُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] فَإِنَّ الرَّاجِحَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا عَامَّةٌ أَيْ كُلُّ بَيْعٍ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ الْحِلُّ
قَوْلُهُ (صَدَقَةً) مِنْ التَّصْدِيقِ لِأَنَّ دَافِعَهَا يُصَدِّقُ بِوُجُوبِهَا. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ
قَوْلُهُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» فِيهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَمْسِ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ بُنِيَ
وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا وَإِنْ أَتَى بِهَا وَهَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَالرِّكَازِ، وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَيْهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ زَكَاةِ الْفِطْرِ
(تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (وَهِيَ الْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ) وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ الْإِنْسِيَّةُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالزَّرْعُ وَالنَّخْلُ وَالْكَرْمُ، وَمِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِمَعْنَى تَرَكَّبَ وَعَلَى بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ تَرَكَّبَ الْإِسْلَامُ مِنْ خَمْسٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 2] أَيْ مِنْهُمْ أَوْ شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِقَصْرٍ مُشَيَّدٍ عَلَى دَعَائِمَ خَمْسٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَطَوَى ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ خَوَاصِّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ بُنِيَ فَيَكُونُ تَخْيِيلًا
قَوْلُهُ وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا عِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ وَيُكَفَّرُ جَاحِدُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ كَوُجُوبِهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَمَالِ التِّجَارَةِ وَمَنْ جَهِلَهَا عُرِّفَ فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَفَرَ وَيُقَاتَلُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ أَدَائِهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتَلْ قَهْرًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّاسَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ضَرْبٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَيُؤَدِّيهَا فَيَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] الْآيَةَ
وَضَرْبٌ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَيَمْتَنِعُ مِنْ إخْرَاجِهَا فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ أَخَذَهَا مِنْ مَالِهِ قَهْرًا وَإِلَّا قَاتَلَهُ كَمَا فَعَلَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِمَانِعِ الزَّكَاةِ وَضَرْبٌ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ عُرِّفَهُ أَيْ الْوُجُوبَ وَيُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ وَإِلَّا حُكِمَ بِكُفْرِهِ اهـ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ الْمُجْمَعِ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِيَكْفُرُ
قَوْلُهُ كَالرِّكَازِ وَكَمَالِ الصَّبِيِّ وَلِبَعْضِهِمْ مِنْ الْوَافِرِ
أَقُولُ لِشَادِنٍ فِي الْحُسْنِ أَضْحَى
…
يَصِيدُ بِلَحْظَةٍ قَلْبَ الْكَمِيِّ
مَلَكْت الْحُسْنَ أَجْمَعَ فِي نِصَابٍ
…
فَأَدِّ زَكَاةَ مَنْظَرِكَ الْبَهِيِّ
وَذَاكَ بِأَنْ تَجُودَ لِمُسْتَهَامٍ
…
بِرَشْفٍ مِنْ مَقْبَلِك الشَّهِيِّ
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِي إمَامٌ
…
يَرَى أَنْ لَا زَكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ
فَإِنْ تَكُ شَافِعِيَّ الرَّأْيِ أَوْ مَنْ
…
يَرَى رَأْيَ الْإِمَامِ الْمَالِكِيِّ
فَلَا تَكُ طَالِبًا مِنِّي زَكَاةً
…
فَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَلِيِّ
وَلِبَعْضِهِمْ
يَا مَنْ تَفَرَّدَ فِي الْوَرَى بِجَمَالِهِ
…
وَبِهِ الْكَوَاكِبُ فِي السَّمَا تَتَبَاهَى
إنَّ الْفَقِيرَ يُرِيدُ مِنْك تَعَطُّفًا بِزَكَاةِ حُسْنٍ
…
قَدْ مَنَعْت عَطَاهَا لَمَّا طَلَبْت زَكَاتَهُ
فَأَجَابَنِي وَرْدُ الْخُدُودِ بِأَنَّهُ أَدَّاهَا
قَوْلُهُ (وَفُرِضَتْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّ شَهْرٍ مِنْهَا وَاَلَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا الْبَابِلِيُّ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي شَوَّالٍ مِنْ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ
قَوْلُهُ: (مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ) الْأَوْلَى مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِيمَا بَعْدُ، لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الْجِنْسَ الْمَنْطِقِيَّ بَلْ مَا دَلَّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَأَشْبَهَ النَّوْعَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ) وَتَرْجِعُ إلَى ضَرْبَيْنِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَهُوَ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَبَاتٌ وَجَوْهَرُ النَّقْدَيْنِ وَحَيَوَانٌ زي قَوْلُهُ: (أَصْنَافٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ مَثَلًا لَيْسَ صِنْفًا مِنْ نَوْعٍ بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ جِنْسٍ وَهُوَ الْمَاشِيَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْإِجْمَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهَا تُقَوَّمُ بِأَحَدِهِمَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ
ذَلِكَ وَجَبَتْ لِثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ طَبَقَاتِ النَّاسِ (فَأَمَّا الْمَوَاشِي) جَمْعُ مَاشِيَةٍ وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْمُرَادَ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ثَلَاثَةِ أَجْنَاسٍ مِنْهَا) فَقَطْ (وَهِيَ الْإِبِلُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَتُسَكَّنُ بَاؤُهُ لِلتَّخْفِيفِ وَيُجْمَعُ عَلَى آبَالٍ كَحَمْلٍ وَأَحْمَالٍ (وَالْبَقَرُ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ وَبَاقُورَةٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ يَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ (وَالْغَنْمُ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ فَلَا تَجِبُ فِي الْخَيْلِ وَلَا فِي الرَّقِيقِ وَلَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّدُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ النَّعَمِ وَمِنْ آخَرَ مِنْهَا كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهِ.
وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِهِ. قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ
(وَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا) أَيْ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (سِتَّةُ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ وَإِنْ كَانَ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
نَعَمْ الْمُرْتَدُّ تُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ أَسْلَمَ أَمْ لَا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا لَزِمَتْهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَمَا لَزِمَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ كَمَا لَهُ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ وَإِلَّا فَلَا.
(وَ) الثَّانِي (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، أَوْ مُكَاتَبًا لِضَعْفِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَلِعَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِ. نَعَمْ تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا لِتَمَامِ مِلْكِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَجْنَاسٍ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ اللُّغَوِيَّ الشَّامِلَ لِلنَّوْعِ لِيُلَائِمَ مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (الْإِنْسِيَّةُ) هَذَا قَيْدٌ لِلْبَقَرِ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى لَفْظِ الْغَنَمِ لِأَنَّ الظِّبَاءَ إنَّمَا تُسَمَّى شِيَاهَ الْبَرِّ لَا غَنَمَ الْبَرِّ. اهـ. ز ي أج.
قَوْلُهُ: (وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) وَمِنْ ذَلِكَ عُرُوضُ التِّجَارَةِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ لِلْقِيمَةِ وَهِيَ هُمَا.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ ذَلِكَ) مِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ كُلُّ زَكَاةٍ مِنْ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ الثَّمَانِيَةِ تُدْفَعُ لِصِنْفٍ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ زَكَاةٍ تُدْفَعُ لِلثَّمَانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَنْعَامِ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ كَوْنُ الْكَلَامِ فِيهَا. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَالنَّعَمُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ أَنْعَامٌ وَأَنْعَامٌ جَمْعُهُ أَنَاعِمُ وَسُمِّيَتْ نَعَمًا لِكَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا عَلَى خَلْقِهِ مِنْ النُّمُوِّ وَعُمُومِ الِانْتِفَاعِ بِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ لَفْظِهِ) بَلْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَاهُ وَهُوَ بَعِيرٌ وَجَمَلٌ وَنَاقَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ) أَيْ جَمْعِيٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَاحِدُهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (اسْمُ جِنْسٍ) وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ اسْمَ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لِعَدَمِ وَاحِدٍ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَجِبُ فِي الْخَيْلِ) هُوَ اسْمُ جَمْعٍ لِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي الْمُتَوَلِّدِ مِنْ غَنَمٍ وَظِبَاءٍ) وَهَذَا مِنْ قَاعِدَةِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ زَكَوِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، فَقَوْلُ م د هُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ يَتْبَعُ الْفَرْعَ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الشَّارِحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لَا مِنْ حَيْثُ السِّنُّ، فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ يَجِبُ فِيهِ مَا لَهُ سَنَتَانِ. اهـ. ق ل.
وَقَالَ سم: يَكْفِي مَا لَهُ سَنَةٌ، وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَجّ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَتْبَعُ أَعْلَى السِّنِّ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) وَإِذْ كَانَ يُزَكِّي زَكَاةَ الْبَقَرِ فَلَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ وَلَوْ كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِبِلِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ) .
قَوْلُهُ: (نَعَمْ الْمُرْتَدُّ تُؤْخَذُ مِنْهُ) وَإِنْ أَخْرَجَ حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَتَكْفِي نِيَّتُهُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ شَرْطُهَا الْإِسْلَامَ لِلضَّرُورَةِ وَتَكُونُ لِلتَّمْيِيزِ.
قَوْلُهُ: (مَوْقُوفٌ) أَيْ لُزُومُ الْأَدَاءِ وَالْإِخْرَاجِ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَثَابِتٌ لَا وَقْفَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا) وَلَوْ أَخْرَجَهَا حَالَ رِدَّتِهِ أَجْزَأَتْهُ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ رَجَعَ الْإِمَامُ عَلَى الْآخِذِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَلَا تُخْرَجُ الزَّكَاةُ عَنْهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ بَلْ هُوَ فَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ وَلَوْ بَعْضًا كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُكَاتَبًا) وَلَوْ كِتَابَةً
(وَ) الثَّالِثُ (الْمِلْكُ التَّامُّ) فَلَا تَجِبُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا تَامًّا كَمَالِ كِتَابَةٍ إذْ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ، وَتَجِبُ فِي مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَلِيُّهُ، وَلَا تَجِبُ فِي مَالِ وَقْفٍ لِجَنِينٍ إذْ لَا وُثُوقَ بِوُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ.
وَتَجِبُ فِي مَغْصُوبٍ وَضَالٍّ وَمَجْحُودٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ وَمَمْلُوكٍ بِعَقْدٍ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ مِلْكًا تَامًّا، وَفِي دَيْنٍ لَازِمٍ مِنْ نَقْدٍ وَعَرْضِ تِجَارَةٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ وَلَوْ حُجِرَ بِهِ وُجُوبَهَا، وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ بِأَنْ مَاتَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَاسِدَةً، فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ صَارَ مَا بِيَدِهِ لِسَيِّدِهِ وَابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَإِنْ عَتَقَ ابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينِ عِتْقِهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا مُكَاتَبِهِ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِحُرٍّ وَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنْ زَالَتْ الْكِتَابَةُ لِعَجْزٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَقَدَ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ زَوَالِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (الْمِلْكُ) دَخَلَ الْأَنْبِيَاءُ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ، خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ، وَأَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ وَدَائِعِ اللَّهِ لَهُمْ يَبْذُلُونَهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ طُهْرَةٌ وَهُمْ مُبَرَّءُونَ مِنْ الدَّنَسِ أج مُلَخَّصًا. قَوْلُهُ (كَمَالِ كِتَابَةٍ) أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ نُجُومِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا، فَانْدَفَعَ قَوْلُ م د إنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ خَارِجٌ بِقَيْدِ الْحُرِّيَّةِ فَذِكْرُهُ تَكْرَارٌ اهـ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بِقَيْدِ الْحُرِّيَّةِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا بِيَدِهِ سَوَاءٌ نُجُومُ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي السَّيِّدِ أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فِي النُّجُومِ قَبْلَ قَبْضِهَا.
قَوْلُهُ: (فِي مَالِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ) وَهُوَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ وَتَلْزَمُ النِّيَّةُ الْوَلِيَّ عَنْ مَحْجُورِهِ، فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلِوَلِيِّ السَّفِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُفَوِّضَ النِّيَّةَ لَهُ كَغَيْرِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُخَاطَبُ بِالْإِخْرَاجِ إلَخْ) وَمَحِلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسُبَ زَكَاتَهُ، فَإِذَا كَمُلَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجْهَا فَيُغَرِّمَهُ الْحَاكِمُ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(وَلَا تَجِبُ فِي مَالِ وَقْفٍ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ " وَتَجِبُ فِي مَالِ إلَخْ " لَكَانَ أَوْلَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
وَفِي شَرْحِ م ر تَفْرِيعُ هَذَا عَلَى شَرْطٍ آخَرَ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَتَعَيَّنُ وُجُودُ الْمَالِكِ فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ وَقْفٍ لِجَنِينٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (الْجَنِينُ) أَيْ وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا كَمَا قَالَهُ سم، وَاللَّامُ فِي " لِجَنِينٍ " تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ جَنِينٍ، فَيَشْمَلُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا لَا تَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ لَا فِي نَصِيبِهِ وَلَا فِي نَصِيبِهِمْ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا وُثُوقَ بِوُجُودِهِ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، فَلَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ لَا تَجِبُ أَيْضًا؛ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْمُتَّجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ اهـ.
قَالَ ع ش: قَوْلُهُ " الْمُتَّجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا " أَيْ فِي جَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْجَنِينِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْوَرَثَةِ إذَا تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ لِلتَّرَدُّدِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ لَهُ الْمَالُ فِي عَيْنِ مَنْ انْتَقَلَ الْمَالُ لَهُ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ زي وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ لَا حَمْلَ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ.
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَا لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا اهـ بِالْحَرْفِ.
وَفِي وُجُوبِهَا فِي ذَلِكَ وَقْفَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ فِي مَغْصُوبٍ إلَخْ) وَمِنْهُ الْمَسْرُوقُ، وَالْمُرَادُ بِوُجُوبِهَا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا إلَّا بِحُضُورِهَا أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمَنْهَجِ، قَالَ م ر: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَغْصُوبِ وَفِي نَحْوِ الْغَائِبِ بِمُسْتَحِقِّي مَحَلِّ الْوُجُوبِ لَا التَّمَكُّنِ اهـ؛ أَيْ فَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ لِمُسْتَحِقِّ الْبَلَدِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا حَالَةَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَيْ حَالَةَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَقَوْلُهُ وَضَالٍّ، وَمِنْهُ الْوَاقِعُ فِي بَحْرٍ وَالْمَدْفُونُ الْمَنْسِيُّ مَحَلُّهُ وَيَتَصَوَّرُ إسَامَةَ الضَّالَّةِ بِأَنْ يَقْصِدَ مَالِكُهَا إسَامَتَهَا وَتَسْتَمِرُّ سَائِمَةً وَهِيَ ضَالَّةٌ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْإِسَامَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَمَجْحُودٍ) أَيْ مُودَعٍ جَحَدَهُ الْوَدِيعُ أَوْ دَيْنٌ جَحَدَهُ مَنْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَمْلُوكٍ بِعَقْدٍ قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ بَاعَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مُضِيِّ الْحَوْلِ، أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مُلِكَتْ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْكُلِّ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إسَامَةَ الْمَالِكِ لَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. قَوْلُهُ: (وَعَرْضِ تِجَارَةٍ) كَأَنْ
قَبْلَ أَدَائِهَا وَضَاقَتْ التَّرِكَةُ عَنْهُمَا قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ النِّصَابُ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَيَسْتَوِيَانِ، وَبِالتَّرِكَةِ مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا.
(وَ) الشَّرْطُ (الرَّابِعُ النِّصَابُ) بِكَسْرِ النُّونِ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهُ. (وَ) الْخَامِسُ (الْحَوْلُ) لِخَبَرِ «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا مَجْبُورٌ بِآثَارٍ صَحِيحَةٍ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْحَوْلُ كَمَا فِي الْمُحْكَمِ سَنَةٌ كَامِلَةٌ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ تَمَامِهِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ. وَلَكِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ: أَسْلَمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّنَانِيرَ فِي مِائَةِ مَقْطَعِ قُمَاشٍ أَتَّجِرُ فِيهَا، وَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ؛ وَكَأَنْ أَقْرَضَ الْعُرُوضَ لِآخَرَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، فَإِذَا مَضَى حَوْلٌ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: قَوْلُهُ " وَعَرْضِ تِجَارَةٍ " خَرَجَ بِذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَلَا تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ لِأَنَّ شَرْطَ زَكَاتِهَا السَّوْمُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُسَامُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] شَامِلٌ لِمَالِ التِّجَارَةِ وَلِمَا فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ هَذَا: بِخِلَافِ غَيْرِ اللَّازِمِ كَمَالِ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ تَامٍّ فِيهِ إذْ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ، وَبِخِلَافِ اللَّازِمِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَمُعَشَّرٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الزَّكَاةِ فِي الْمَاشِيَةِ السَّوْمُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يُسَامُ وَفِي الْمُعَشَّرِ الزَّهْوُ أَيْ النُّمُوُّ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ.
قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ) أَيْ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: حُقُوقُ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا، أَوْ يُقَالُ الزَّكَاةُ فِيهَا جِهَتَانِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ.
قَوْلُهُ: (كَزَكَاةٍ وَحَجٍّ) أَوْ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ النِّصَابُ) أَوْ بَعْضُهُ شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ حَجّ: إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَإِلَّا بِأَنْ تَلِفَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالتَّمَكُّنِ اسْتَوَتْ مَعَ غَيْرِهَا فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَيَسْتَوِيَانِ) أَيْ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالْقِسْطِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ س ل، أَيْ فَإِذَا اشْتَدَّ احْتِيَاجُ الْفُقَرَاءِ قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ. وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ " فَيَسْتَوِيَانِ ": أَيْ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا فَيُدْفَعُ مَا خَصَّ الزَّكَاةَ لَهَا وَمَا خَصَّ الْحَجَّ لَهُ وَيَجِبُ الْحَجُّ إنْ كَفَى الْحَجُّ وَإِلَّا فَلَا؛ وَهَلْ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ أَوْ يَبْقَى فَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ كَمَّلَ بِهِ مَالَ الْحَجِّ؟ فَتَدَبَّرْ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ " فَيَسْتَوِيَانِ " أَيْ فِي التَّعَلُّقِ أَيْ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُوَزَّعُ الْمَالُ الْمَوْجُودُ عَلَى قَدْرِهِمَا بِالنِّسْبَةِ؛ فَإِذَا كَانَ قَدْرُ الزَّكَاةِ خَمْسَةً وَالْحَجُّ أُجْرَتُهُ عَشَرَةٌ فَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالزَّكَاةُ ثُلُثٌ فَيَخُصُّهَا الثُّلُثَ وَالْجَمْعُ الثُّلُثَانِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا شَيْءَ يَجِبُ فِي الزَّكَاةِ سِوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنْ كَانَ الَّذِي خَصَّهُ يُوفِي بِأُجْرَتِهِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَفِي فَيُحْفَظُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ مَا يُكَمِّلُهُ وَيَحُجُّ بِهِ وَلَا يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ؛ هَكَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ.
قَوْلُهُ: (مَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ) أَيْ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ) بِأَنْ تَعَلَّقَتْ بِالْقِيمَةِ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَقَالَ سم: قَوْلُهُ " قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ " لَعَلَّ صُورَتَهُ إنْ كَانَ النِّصَابُ تَالِفًا، فَإِنْ كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا قَدَّمْت مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ حُجِرَ بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ قُدِّمَتْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا بَاءُ التَّصْوِيرِ أَوْ التَّقْدِيرِ، وَيَتَحَقَّقُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ؛ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَدْرٌ
لِنِتَاجِ نِصَابِ مِلْكِهِ بِسَبَبِ مِلْكِ النِّصَابِ حَوْلَ النِّصَابِ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لِسَاعِيهِ: اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ.
وَأَيْضًا الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ أَنْ يَحْصُلَ النَّمَاءُ وَالنِّتَاجُ نَمَاءٌ عَظِيمٌ فَيَتْبَعُ الْأُصُولَ فِي الْحَوْلِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ النِّتَاجَ بَعْدَ الْحَوْلِ صُدِّقَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي سُنَّ تَحْلِيفُهُ.
(وَ) السَّادِسُ (السَّوْمُ) وَهُوَ إسَامَةُ مَالِكٍ لَهَا كُلَّ الْحَوْلِ، وَاخْتُصَّتْ السَّائِمَةُ بِالزَّكَاةِ لِتَوَفُّرِ مُؤْنَتِهَا بِالرَّعْيِ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ قِيمَتُهُ يَسِيرَةٌ لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا، لَكِنْ لَوْ عَلَفَهَا قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ قَطْعَ سَوْمٍ لَمْ يَضُرَّ، أَمَّا لَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَيْرُ مَالِكِهَا كَغَاصِبٍ أَوْ اعْتَلَفَتْ سَائِمَةٌ أَوْ عُلِفَتْ مُعْظَمَ الْحَوْلِ أَوْ قَدْرًا لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ أَوْ تَعِيشُ لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ أَوْ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ لَكِنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ سَوْمٍ أَوْ وَرِثَهَا وَتَمَّ حَوْلُهَا وَلَمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ وَهُوَ قَدْرٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (الْحَوْلُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحَوُّلِهِ أَيْ ذَهَابِهِ وَمَجِيءِ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لِنِتَاجِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَصُورَةُ هَذِهِ أَنْ يَمْلِكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَتَنْتِجُ قَبْلَ الْحَوْلِ خَمْسًا، أَوْ يَمْلِكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ؛ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ شَاةٌ كَالْأَرْبَعِينَ، فَإِذَا أَنْتَجَتْ وَاحِدَةً فَصَارَ الْمِلْكُ لِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَجَبَ شَاتَانِ، وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، فَقَوْلُهُ " نِصَابٍ " قَيْدٌ اهـ. لَا يُقَالُ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ السَّوْمُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ فَكَيْفَ وَجَبَتْ فِي النِّتَاجِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ النِّتَاجَ لَمَّا أُعْطِيَ حُكْمَ أُمَّهَاتِهِ فِي الْحَوْلِ فَأَوْلَى فِي السَّوْمِ، فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ التَّابِعُ الَّذِي لَا تُتَصَوَّرُ إسَامَتُهُ كَمَا فِي م ر وحج. وَيَجِبُ فِي النِّتَاجِ شَاةٌ صَغِيرَةٌ شَوْبَرِيٌّ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّتَاجُ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ وَإِلَّا أُفْرِدَ بِحَوْلٍ كَخَمْسِينَ مِنْ الْإِبِلِ نَتَجَتْ خَمْسِينَ عِجْلًا. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ مِلْكِ النِّصَابِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ كَأَنْ أَوْصَى مَالِكُ الْأُمَّهَاتِ بِالنِّتَاجِ لِآخَرَ وَمَاتَ فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ ثُمَّ أَوْصَى بِالنِّتَاجِ لِلْوَارِثِ فَلَا ضَمَّ لِاخْتِلَافِ سَبَبِ مِلْكِهِمَا أَوْ وَرِثَهُ الْوَارِثُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ؛ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (اعْتَدَّ) أَيْ اُحْسُبْهَا عَلَيْهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ ع ش.
قَوْلُهُ: (سُنَّ تَحْلِيفُهُ) فَلَوْ نَكَلَ تُرِكَ وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَلَا الْفُقَرَاءِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِمْ م ر.
قَوْلُهُ: (السَّوْمُ) وَهُوَ إسَامَةُ مَالِكِهَا أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لِتَخْرُجَ مَسْأَلَةُ الْإِرْثِ الْآتِيَةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَهَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَإِلَّا فَالسَّوْمُ الرَّعْيُ فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ اهـ.
وَمِثْلُ مَالِكِهَا نَائِبُهُ كَالْإِمَامِ فِي نَحْوِ الضَّالِّ. قَوْلُهُ: (فِي كَلَأٍ مُبَاحٍ) هُوَ الْحَشِيشُ الرَّطْبُ، وَلَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الْأَوْرَاقُ الْمُتَنَاثِرَةُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَغَيْرِهَا؛ بَلْ الضَّابِطُ أَنْ لَا تُرْعَى فِي شَيْءٍ مَمْلُوكٍ. اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ سُكُوتِهِمْ عَنْ الشُّرْبِ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ مَثَلًا لَا يَقْدَحُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا كُلْفَةَ وَحَاجَةَ فِي الْمَاءِ وَأَنَّ كُلْفَتَهُ يَسِيرَةٌ بِخِلَافِ الْعَلَفِ اهـ سم.
قَوْلُهُ: (لَا يُعَدُّ مِثْلُهَا كُلْفَةً) كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى كُلِّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي كُلِّ عَامٍ دِرْهَمٌ مَثَلًا، قَالَ الْمَرْحُومِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ أَنَّهَا غَيْرُ سَائِمَةٍ، وَلَا تَكُونُ سَائِمَةً إلَّا إذَا كَانَ الْكَلَأُ الْمَمْلُوكُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا؛ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ " أَوْ مَمْلُوكٍ إلَخْ " ضَعِيفًا عَلَى كَلَامِ الْمَرْحُومِيِّ.
قَوْلُهُ: (فِي مُقَابَلَةِ نَمَائِهَا) هُوَ دَرُّهَا وَنَسْلُهَا وَصُوفُهَا وَوَبَرُهَا.
قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ سَامَتْ إلَخْ) هِيَ وَمَا بَعْدَهَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ إسَامَةُ الْمَالِكِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتَلَفَتْ سَائِمَةٌ) أَيْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ عَلَفِ الْمَالِكِ لَهَا كَأَنْ نَسِيَهَا الرَّاعِي فَمَكَثَتْ مُدَّةً تَعْتَلِفُ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا مَالِكُهَا، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ " عُلِفَتْ " لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَفَهَا مَالِكُهَا أَوْ نَائِبُهُ.
قَوْلُهُ: (مُعْظَمَ الْحَوْلِ) مُحْتَرَزُ كُلِّ الْحَوْلِ وَقَدْ تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ اعْتَلَفَتْ وَعُلِفَتْ.
قَوْلُهُ: (لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ) كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذِهِ يُفْهَمُ مِنْهَا مَا قَبْلَهَا بِالْأَوْلَى فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَرْكَزِهِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ) كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لِانْتِفَاءِ السَّوْمِ مَعَ كَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ؛ كَذَا فِي
يَعْلَمْ فَلَا زَكَاةَ لِفَقْدِ إسَامَةِ الْمَالِكِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ عَنْ الْعَلَفِ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ لَا ثَلَاثَةً.
(وَأَمَّا الْأَثْمَانُ فَشَيْئَانِ) وَهُمَا (الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ) . وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ الْأَثْمَانَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ شُمُولُ الْأَثْمَانِ لِغَيْرِ الْمَضْرُوبِ، فَإِنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَضْرُوبِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنَّمَا هِيَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ خَاصَّةً كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِتَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا.
(وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا) أَيْ الْأَثْمَانِ وَلَوْ قَالَ فِيهِمَا لِيَعُودَ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ (خَمْسٌ) وَهِيَ (الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْمِلْكُ التَّامُّ وَالنِّصَابُ وَالْحَوْلُ) وَمُحْتَرَزَاتُهَا مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ زَالَ مِلْكُهُ فِي الْحَوْلِ عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَعْضُهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَادَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ لِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ بِمَا فَعَلَهُ فَصَارَ مِلْكًا جَدِيدًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَوْلٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ فِرَارٌ مِنْ الْقُرْبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتْحِ الْجَوَادِ وَالتُّحْفَةِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ وَرِثَهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " سَامَتْ " بِأَنْ كَانَ يَسُومُهَا الْوَارِثُ جَاهِلًا بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَهَذَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ " إسَامَةِ الْمَالِكِ " مَعَ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ عِلْمُ الْمَالِكِ بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لِاسْتِحَالَةِ الْقَصْدِ إلَيْهَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الْمُسِيمُ لَهَا. قَوْلُهُ: (فَلَا زَكَاةَ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ، وَيُضَمُّ لَهَا صُورَةُ جَزِّ الْكَلَأِ الْمُبَاحِ وَتَقْدِيمِهِ لَهَا فَإِنَّهُ كَالْعَلَفِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(لَا ثَلَاثَةً) أَيْ بِلَا ضَرَرٍ بَيِّنٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تَعِيشُ حِينَئِذٍ لَكِنْ بِضَرَرٍ بَيِّنٍ ح ف.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْأَثْمَانُ) جَمْعُ ثَمَنٍ كَجَمَلٍ وَأَجْمَالٍ. قَوْلُهُ: (وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] وَإِلَّا فَالْكَنْزُ لُغَةً الْمَالُ الْمَكْنُوزُ، فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَالَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ بِالْمَالِ الْمَدْفُونِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَالَ دَفْنِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ بِذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْأَثْمَانَ لُغَةً الْمَضْرُوبُ مِنْهُمَا، وَهُمَا أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَشْمَلَانِ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ.
وَبَعْدَ ذَلِكَ أَجَابَ بِأَنَّ غَرَضَ الْمَتْنِ بَيَانُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَعْنَى الْعَامِّ لَا الْخَاصِّ، وَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَثْمَانِ مَا يَشْمَلُ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ مِنْ إطْلَاقِ الْخَاصِّ وَإِرَادَةِ الْعَامِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ مُرَادًا) أَيْ فِي اللُّغَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُرَادٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ كَمَا تَجِبُ فِي الْمَضْرُوبِ تَجِبُ فِي غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ شَامِلَيْنِ لِلْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ وَالْأَثْمَانُ خَاصَّةٌ بِالْمَضْرُوبِ.
وَقَوْلُهُ: (فَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ " الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ " فَإِنَّهُمَا شَامِلَانِ لِغَيْرِ الْمَضْرُوبِ. قَوْلُهُ: (لِتَفْسِيرِ الْأَثْمَانِ) أَيْ لُغَةً، وَقَوْلُهُ " فَإِنَّهُ " أَيْ شُمُولَ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ " لِمَا تَقَدَّمَ " وَهُوَ شُمُولُ الْمَضْرُوبِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بِقَصْدِ الْفِرَارِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ، قَالَ تَعَالَى:{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ} [الأحزاب: 16] وَإِنَّمَا كُرِهَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ هُنَا بِقَصْدِ تَرْكِ الْقُرْبَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَقَوْلُهُ: فَقَوِيَ الْمَنْعُ فَلِذَاكِرِهِ.
كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصَدَ الْفِرَارَ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اُتُّخِذَ فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ.
وَلَوْ بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ كَالصَّيَارِفَةِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ.
(وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ يَتَوَلَّى أَسْبَابَهُ (الْآدَمِيُّونَ) كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالْعَدَسِ (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الزَّرْعُ (قُوتًا مُدَّخَرًا) كَالْحِمَّصِ وَالْبَاقِلَّا وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ وَهِيَ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْهُرْطُمَانِ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشِ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْ الْجُلْبَانِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ «لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَخَوْخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا كَحُبُوبِ الْبَوَادِي حَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَاسُولِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ قَيْدَ الِاخْتِيَارِ بِمَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ مِمَّا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ لِأَنَّ مَا لَا يَزْرَعُونَهُ أَوْ يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا.
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا فَإِنَّهُ زَكَاةٌ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْقَنَاطِرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الْقُوتَ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ سم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ التَّامِّ، وَسَكَتَ عَنْهَا لِظُهُورِهَا؛ وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى مَشْرُوطَةٍ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ شَرَائِطَ بِمَعْنَى شُرُوطٍ فَأَتَى بِالتَّاءِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَإِنْ نَبَتَ اتِّفَاقًا، فَشَمِلَ مَا لَوْ سَقَطَ الْحَبُّ بِنَفْسِهِ مِنْ السَّنَابِلِ وَنَبَتَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ:(وَالْبَاقِلَّا) قَالَ يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ: قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ لُغَتَانِ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ أج.
قَوْلُهُ: (كَخَوْخٍ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ كَبَزْرِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهِ مِنْ الزُّرُوعِ، أَمَّا الْخَوْخُ وَنَحْوُهُ فَمِنْ الثِّمَارِ لَا مِنْ الزُّرُوعِ؛ وَلَوْ أَخْرَجَ هَذَا بِقَوْلِ الْمَتْنِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ إلَخْ وَقَالَ هُنَا: وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَالْكَمُّونِ وَالشَّمَرِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّرْعِ م د.
قَوْلُهُ: (وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مَا ذَكَرَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذُكِرَ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ " قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ زَرْعِ الْآدَمِيِّينَ لَهُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا اخْتِيَارًا إلَّا أَنْ يُقَالَ اللُّزُومُ أَغْلَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَحَبِّ الْغَاسُولِ) أَيْ وَالتُّرْمُسِ.
قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى إلَخْ) فَإِنَّ هَذَا شَأْنَهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ الْآدَمِيُّونَ مَعَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ ق ل وَلَوْ جَعَلَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ خَارِجًا بِقَيْدِ الْمِلْكِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ لَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَزْرَعْهُ الْآدَمِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) الْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ.
قَوْلُهُ: (بِأَرْضِنَا) أَيْ الْمُبَاحَةِ كَالْمَوَاتِ، أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَيَمْلِكُهُ مَالِكُهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ أج وع ش. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَ جَمِيعَهُ، فَلْيُنْظَرْ وَجْهُ ذَلِكَ. وَهَلَّا جُعِلَ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا؟
وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ أَخْذُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ نِصَابًا) كَامِلًا (وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْمِقْدَارُ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ.
قَالَ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ جَمَعَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَوْسُقِ بِالْوَزْنِ فِي كِلَاءٍ وَقَدَّرَهَا بِالْكَيْلِ فِي الشَّرْحِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَنْ تَكُونَ مُصَفَّاةً مِنْ تِبْنِهَا (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مَعَهَا.
وَأَمَّا مَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ مِنْ أُرْزٍ وَعَلَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرِّ فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ غَالِبًا اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ وَأَبْقَى وَلَا يُكَمَّلُ فِي النِّصَابِ جِنْسٌ بِجِنْسٍ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ، وَيُكَمَّلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ بِآخَرَ كَبُرٍّ بِعَلَسٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، وَيَخْرُجُ مِنْ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسِرَ إخْرَاجُهُ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ مِقْدَارِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا أَخْرَجَ الْوَسَطَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سم.
أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ مَلَكَهُ مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ بِلَا قَصْدٍ، فَإِنْ نَبَتَ فِي مَوَاتٍ مَلَكَهُ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَضُ عَنْهُ لَكِنْ تَرَكُوهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِمْ بِلَادِنَا فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ قَصَدُوهُ فَمُنِعُوا بِقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لِمَنْ مَنَعَهُمْ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ) صُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلَّةَ نَبَتَتْ مِنْ حَبٍّ مُبَاحٍ أَوْ بَذَرَهَا النَّاظِرُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ وَزَرَعَهَا بِبَزْرٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُ زَرْعَهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ) أَيْ بِالشَّخْصِ كَوَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ إمَامِ الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ أَوْ مُدَرِّسِهِ أَوْ خَطِيبِهِ، وَقَوْلُ الْقَلْيُوبِيِّ: إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ أَصْلًا كَالْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِالنَّوْعِ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى إمَامِ الْجَامِعِ الْفُلَانِيِّ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ إمَامًا بِعَيْنِهِ، فَخَرَجَ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَالْمَمْلُوكِ م ر وأ ج.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ) بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا زَرَعَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْحَنَفِيِّ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرَى وُجُوبَهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُصَنِّفِ حَاجَةٌ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل أَيْ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ انْقَطَعَ مِنْ زَمَنِ الشَّافِعِيِّ إلَى الْآنَ. اهـ. م د. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ الْخَرَاجُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَإِنْ اكْتَفَى الْإِمَامُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: (بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ) أَيْ الْعُشْرِ فِي الزَّكَاةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَيَجِبُ الْعُشْرُ وَالْعُشْرُ هُوَ الزَّكَاةُ فِي الْمُعَشَّرِ فَالْأَمْرَانِ عِنْدَنَا وَاجِبَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فَقَطْ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ عُشْرِ الزَّكَاةِ كَانَ إلَى آخِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَقَصَ) أَيْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْخَرَاجِ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْرِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " الْأَوْسُقِ " وَقَوْلُهُ " مِنْ تِبْنِهَا " الْمُرَادُ بِهِ غِلَافُ الْحَبِّ.
قَوْلُهُ: (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِشْرِ مَا كَانَ غِلَافًا لَهَا فَهُوَ غَيْرُ التِّبْنِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ ذَلِكَ " أَيْ التِّبْنَ وَالْقِشْرَ بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ قِشْرُهُ مَعَهُ كَالْبَاقِلَاءِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التِّبْنِ وَالْقِشْرِ.
قَوْلُهُ (فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " غَالِبًا " بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهُ النِّصَابُ خَالِصًا سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَدْ يَكُونُ خَالِصُهَا أَيْ الْعَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، أَوْ خَالِصُ مَا دُونَهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَهُوَ نِصَابٌ. وَهُوَ مَا احْتَرَزْت عَنْهُ بِزِيَادَتِي " غَالِبًا ".
قَوْلُهُ: (فِي النِّصَابِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْمِلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ ح ل.
قَوْلُهُ: (بِقِسْطِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نَوْعًا مِنْهَا مَعَ مُرَاعَاةِ قِيمَةِ الْأَنْوَاعِ، وَلَا يُكَلَّفُ
مِنْهَا لَا أَعْلَاهَا وَلَا أَدْنَاهَا رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ تَكَلَّفَ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قِسْطَهُ جَازَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ.
وَالسُّلْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّعِيرَ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ وَالْحِنْطَةَ فِي اللَّوْنِ وَالْمَلَاسَةِ فَاكْتَسَبَ مِنْ تَرَكُّبِ الشَّبَهَيْنِ طَبْعًا انْفَرَدَ بِهِ وَصَارَ أَصْلًا بِرَأْسِهِ فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ
(وَأَمَّا الثِّمَارُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي شَيْئَيْنِ مِنْهَا) فَقَطْ وَهُمَا (ثَمَرَةُ النَّخْلِ وَثَمَرَةُ الْكَرْمِ) أَيْ الْعِنَبِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأَقْوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْعِنَبِ لَكَانَ أَوْلَى لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْكَرْمِ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا إنَّمَا الْكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قِيلَ سُمِّيَ كَرْمًا مِنْ الْكَرْمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكُرِهَ أَنْ يُسَمَّى بِهِ وَجُعِلَ الْمُؤْمِنُ أَحَقَّ بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرْمِ يُقَالُ رَجُلٌ كَرْمٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ كَرِيمٌ.
وَثَمَرَاتُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ أَفْضَلُ الثِّمَارِ وَشَجَرُهُمَا أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَيُّهَا أَفْضَلُ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ لِوُرُودِ " أَكْرِمُوا عَمَّاتِكُمْ النَّخْلَ الْمَطْعَمَاتِ فِي الْمَحَلِّ وَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينَةِ آدَمَ " وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَشَبَّهَ صلى الله عليه وسلم النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا، فَإِذَا قُطِعَ مَاتَتْ، وَيُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ، فَكَانَتْ أَفْضَلَ وَلَيْسَ فِي الشَّجَرِ شَجَرٌ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى تَحْتَاجُ الْأُنْثَى فِيهِ إلَى الذَّكَرِ سِوَاهُ، وَشَبَّهَ صلى الله عليه وسلم عَيْنَ الدَّجَّالِ بِحَبَّةِ الْعِنَبِ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ وَهِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ
(وَشَرَائِطُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْضًا مِنْ كُلٍّ لِلْمَشَقَّةِ زِيّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَسِرَ إخْرَاجُهُ) أَيْ الْقِسْطِ. قَوْلُهُ: (لَا أَعْلَاهَا) أَيْ لَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ فَلَوْ أَخْرَجَ الْأَعْلَى أَجْزَأَ وَزَادَ خَيْرًا ع ش وق ل قَوْلُهُ: (وَلَا أَدْنَاهَا) أَيْ لَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ الْمَالِكِ وَجَانِبِ الْآخِذِ. قَوْلُهُ: (وَالسُّلْتُ) وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ شَعِيرَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ع ش وق ل.
قَوْلُهُ: (طَبْعًا) أَيْ وَصْفًا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ) وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهُ شَعِيرٌ فَيُضَمُّ إلَى الشَّعِيرِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ بُرٌّ فَيُضَمُّ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (سُمِّيَ إلَخْ) حَكَاهُ بِقِيلَ لِعَدَمِ صِحَّةِ مَا ذُكِرَ فِيهِ ق ل.
وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي " سُمِّيَ " عَائِدٌ عَلَى الْعِنَبِ. قَوْلُهُ: (فَكُرِهَ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (بِمَا يُشْتَقُّ مِنْ الْكَرْمِ) وَهُوَ كَرِيمٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ كَرِيمٌ) فَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ كَرَجُلٍ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (فِي أَيُّهَا أَفْضَلُ) أَيْ فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ النَّخْلَ أَفْضَلُ) وَذَكَرَ لَهُ أَدِلَّةً خَمْسَةً مَجْمُوعُ الْأَدِلَّةِ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا يُوجَدُ فِي الْعِنَبِ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: " لِوُرُودِ إلَخْ ".
الثَّانِي: أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ طِينِ آدَمَ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّخْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعِنَبِ: الرَّابِعُ: أَنَّهُ شَبَّهَ النَّخْلَةَ بِالْمُؤْمِنِ. الْخَامِسُ: أَنَّهَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ. وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ النَّخْلِ؛ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ " فَكَانَتْ أَفْضَلَ " وَقَوْلَهُ " أَكْرِمُوا إلَخْ " وَإِكْرَامُهَا أَنْ يُقَلِّمَهَا وَيُنَظِّفَهَا مِنْ الْجَرِيدِ وَالْكِرْنَافِ وَالسَّعَفِ وَاللِّيفِ الزَّائِدِ مِنْ غَيْرِ إجْحَافٍ وَيَذَرَهَا بِالطَّلْعِ وَيَسْقِيَهَا عِنْدَ احْتِيَاجِهَا لَهُ وَقَطْعُ ثَمَرِهَا بِرِفْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ ح ف وَقِيلَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (الْمُطْعِمَاتِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ، أَيْ الَّتِي تُطْعِمُ ثِمَارَهَا فِي الْمَحَلِّ أَيْ الْقَحْطِ وَالْمَجَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا) أَيْ وَلِأَنَّهَا أَفْضَلُ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " لِوُرُودِ " وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجَ الْأَفْضَلِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْعِنَبَ وَالرُّمَّانَ خُلِقَا أَيْضًا مِنْ طِينَةِ آدَمَ أَيْ مِنْ فَضْلِ طِينَةِ آدَمَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّخْلُ مُقَدَّمٌ) هَذَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ فَيَصِحُّ نَسَبُ النَّخْلِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ " إنَّ " أَيْ وَلِأَنَّ النَّخْلَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَشَبَّهَ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ) أَيْ إذَا اجْتَمَعَا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ، فَلَا يَرِدُ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ عَبَسَ:{وَعِنَبًا وَقَضْبًا} [عبس: 28]{وَزَيْتُونًا وَنَخْلا} [عبس: 29] فَإِنَّهُ قَدَّمَ فِيهَا الْعِنَبَ عَلَى النَّخْلِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تَشْرَبُ بِرَأْسِهَا) أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ يَصْعَدُ مِنْ جِذْرِهَا إلَى رَأْسِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ) الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا دَلِيلًا لِلْأَفْضَلِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: وَلِأَنَّهَا الشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فَكَانَتْ أَفْضَلَ " قَوْلُهُ: (تَحْتَاجُ الْأُنْثَى إلَخْ) هَذَا هُوَ
وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا) أَيْ الثِّمَارِ (أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ) بَلْ خَمْسَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَهِيَ (الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْمِلْكُ التَّامُّ وَالنِّصَابُ) وَقَدْ عَلِمْت مُحْتَرَزَاتِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَالْخَامِسُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَهُوَ بُلُوغُهُ صِفَةً يُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَعَلَامَتُهُ فِي الثَّمَرِ الْمَأْكُولِ الْمُتَلَوِّنِ أَخْذُهُ فِي حُمْرَةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ صُفْرَةٍ وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ مِنْهُ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ لِينُهُ وَتَمْوِيهُهُ وَهُوَ صَفَاؤُهُ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ فِيهِ إذْ هُوَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ
(وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ) جَمْعُ عَرْضٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا قَابَلَ النَّقْدَيْنِ مِنْ صُنُوفِ الْأَمْوَالِ (فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا) لِخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ: «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبُرِّ صَدَقَتُهُ» وَهُوَ يُقَالُ لِأَمْتِعَةِ الْبَزَّازِ وَلِلسِّلَاحِ وَلَيْسَ فِيهِ زَكَاةُ عَيْنٍ فَصَدَقَتُهُ زَكَاةُ تِجَارَةٍ وَهِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ بِمُعَاوَضَةٍ لِغَرَضِ الرِّبْحِ (بِالشَّرَائِطِ) الْخَمْسَةِ (الْمَذْكُورَةِ فِي) زَكَاةِ (الْأَثْمَانِ) .
وَتَرَكَ سَادِسًا وَهُوَ أَنْ يُمْلَكَ بِمُعَاوَضَةٍ كَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ دَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَاوَضَةِ.
وَسَابِعًا وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ التَّمَلُّكِ التِّجَارَةَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ الْقِنْيَةِ، وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ بَلْ تَسْتَمِرُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْقِنْيَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ مَقْرُونَةً بِتَصَرُّفٍ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحَلُّ الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلنَّفْيِ الْعَامِّ قَبْلَهُ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْأَشْجَارِ بَلْ سَائِرُ النَّبَاتِ فِيهِ ذَكَرٌ وَأُنْثَى. وَانْظُرْ هَلْ يَدُلُّ لَهُ:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] . اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (عَيْنَ الدَّجَّالِ) أَيْ الَّتِي يُبْصِرُ بِهَا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَهِيَ مَمْسُوخَةٌ.
قَوْلُهُ: (بِحَبَّةِ الْعِنَبِ) أَيْ الْبَارِزَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ بَقِيَّةِ الْحَبَّاتِ. وَلَوْ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى؛ وَوَجْهُ الشَّبَهِ خُرُوجُ عَيْنِهِ وَبُرُوزُهَا فِي وَجْهِهِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ " لِأَنَّهَا أَصْلُ الْخَمْرِ إلَخْ " غَيْرُ مُنَاسِبٍ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْخَمْرَةُ. وَحُكِيَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا غَرَسَ الْكَرْمَةَ جَاءَ إبْلِيسُ فَذَبَحَ عَلَيْهَا طَاوُسًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا طَلَعَتْ أَوْرَاقُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا قِرْدًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا طَلَعَتْ ثَمَرَتُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا أَسَدًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ، فَلَمَّا انْتَهَتْ ثَمَرَتُهَا ذَبَحَ عَلَيْهَا خِنْزِيرًا فَشَرِبَتْ دَمَهُ؛ فَكَذَا شَارِبُ الْخَمْرِ تَعْتَرِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلَ مَا يَشْرَبُهَا تَدِبُّ فِي أَعْضَائِهِ فَيَزْهُو لَوْنُهُ وَيَحْسُنُ كَمَا يَحْسُنُ الطَّاوُسُ، فَإِذَا جَاءَ مَبَادِئُ السُّكْرِ لَعِبَ وَصَفَّقَ وَرَقَصَ كَمَا يَفْعَلُ الْقِرْدُ، فَإِذَا قَوِيَ السُّكْرُ وَجَاءَتْ الصُّورَةُ الْأَسْدِيَةُ عَبَثَ وَعَرْبَدَ وَهَذَى بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَنَقَّصُ كَمَا يَتَنَقَّصُ الْخِنْزِيرُ وَيَطْلُبُ النَّوْمَ. اهـ. نَسَّابَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ بُدُوُّ الصَّلَاحِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ اشْتِدَادَ الْحَبِّ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَا ذَكَرَ بُدُوَّ الصَّلَاحِ هُنَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ لِلْوُجُودِ.
قَوْلُهُ: (يُطْلَبُ فِيهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا أَوْ فِي أَوَانِهَا، فَيَكُونُ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَقَوْلُهُ " فَعَلَامَتُهُ " أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي غَيْرِ الْمُتَلَوِّنِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَلَوِّنِ الَّذِي يَحْدُثُ لَهُ لَوْنٌ بَعْدَ آخَرَ كَمَا تُشْعِرُ بِهِ الصِّيغَةُ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ كَالْعِنَبِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ حِينِ ظُهُورِهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ مُتَلَوِّنٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ) أَيْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ لُغَةً وَكَذَا شَرْعًا بِزِيَادَةٍ مَعَ النِّيَّةِ م د. وَقَدْ يُقَالُ تَقْلِيبُ الْمَالِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ يَلْزَمُ مِنْهُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: (لِغَرَضِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، قَوْلُهُ:(بِلَا ثَوَابٍ) أَيْ عِوَضٍ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ) فَإِذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ إلَى أَنْ يَفْرُغَ رَأْسُ مَالِ التِّجَارَةِ، وَقَوْلُهُ " وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ " أَيْ بَعْدَ شِرَائِهِ بِجَمِيعِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ التِّجَارَةِ عَلَيْهِ ح ل وح ف. وَقَالَ ح ف: وَأَوَّلُ الْحَوْلِ مِنْ أَوَّلِ الشِّرَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ التَّمَلُّكِ التِّجَارَةَ) وَقَالَ ح ل: تَكْفِي النِّيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَنَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ شَيْخِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَاهَا) أَيْ الْقِنْيَةَ وَهِيَ الْإِمْسَاكُ لِلِانْتِفَاعِ.