الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] وَالْكَنْزُ هُوَ الَّذِي لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ.
(وَنِصَابُ الذَّهَبِ) الْخَالِصِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ (عِشْرُونَ مِثْقَالًا) بِالْإِجْمَاعِ بِوَزْنِ مَكَّةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ» وَهَذَا الْمِقْدَارُ تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ فِي مِيزَانٍ وَتَمَّ فِي أُخْرَى فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشَّكِّ فِي النِّصَابِ، وَالْمِثْقَالُ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا وَهُوَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ (وَفِيهِ) أَيْ نِصَابِ الذَّهَبِ (رُبْعُ الْعُشْرِ وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ) تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ، وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» (وفِيمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ (بِحِسَابِهِ) وَلَوْ يَسِيرًا (وَنِصَابُ الْوَرِقِ) وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (مِائَتَا دِرْهَمٍ) خَالِصَةً بِوَزْنِ مَكَّةَ تَحْدِيدًا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالنُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَهُ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ]
ِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْإِجْمَاعِ) وَأَمَّا بَعْدَ الْإِجْمَاعِ فَالدَّلِيلُ هُوَ الْإِجْمَاعُ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ إلَخْ) وَجْهُ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنَّهُ تَوَعُّدٌ عَلَى عَدَمِ الزَّكَاةِ بِالْعَذَابِ وَالْوَعِيدُ عَلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَتْرُكُوا الزَّكَاةَ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَدُّوا الزَّكَاةَ، وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَنْزُ هُوَ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (مَا دَقَّ) أَيْ مَا كَانَ دَقِيقًا رَفِيعًا قَوْلُهُ: (وَفِيمَا زَادَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " وَفِيهِ " أَيْ وَيَجِبُ فِيمَا زَادَ رُبْعُ عُشْرِهِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ، فَقَوْلُهُ " فَبِحِسَابِهِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالْفَاءُ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ: فَإِذَا وَجَبَ فِيمَا زَادَ فَالْوَاجِبُ بِحِسَابِ الزَّائِدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ النِّصَابَ فِي الْبَنَادِقَةِ وَالْفَنَادِقَةِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ثُلُثًا؛ لِأَنَّ الْبُنْدُقِيَّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَالْمِثْقَالَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطَ ثَلَاثُ شَعِيرَاتٍ، فَكُلُّ ثَلَاثِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةُ بَنَادِقَةٍ؛ وَالْفُنْدُقْلِيُّ كَالْبُنْدُقِيِّ فِي الْوَزْنِ، لَكِنَّهُ أَيْ الْفُنْدُقْلِيَّ لَيْسَ سَالِمًا مِنْ الْغِشِّ وَالْبُنْدُقِيُّ سَالِمٌ مِنْ الْغِشِّ.
وَفِي الْمَحَابِيبِ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مَحْبُوبًا كَامِلَةً. وَالدَّرَاهِمُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ فَتَكُونُ الْأَوَاقِي الْخَمْسُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ. وَقَدْ كَانَ فِي السَّابِقِ دِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الْبَغْلِيُّ وَكَانَ ثَمَانِيَةَ دَوَانِقَ، وَدِرْهَمٌ يُقَالُ لَهُ الطَّبَرِيُّ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ؛ فَالدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أُخِذَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَجُعِلَ دِرْهَمًا فِي زَمَنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ: وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِجْمَاعُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَزَمَنِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَيَجِبُ تَأْوِيلُ خِلَافِ ذَلِكَ م ر. وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ فِي الْإِسْلَامِ الْحَجَّاجُ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَتَبَ عَلَيْهَا:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]{اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] أَيْ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْ الدَّرَاهِمِ: {اللَّهِ أَحَدٌ} [الجن: 22] وَعَلَى وَجْهِهِ الثَّانِي: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] .
وَلَمْ تُوجَدْ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ إلَّا فِي زَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ قَبْلَ ذَلِكَ رُومِيَّةً وَكِسْرَوِيَّةً، وَفِي زَمَنِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِرِ بِاَللَّهِ وَهُوَ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ وَسَمَّاهَا النُّقْرَةَ وَكَانَتْ كُلُّ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ كَمَا فِي سِيرَةِ الْحَلَبِيِّ.
قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الرَّاءِ) مَعَ فَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: رِقَّةٌ، بِحَذْفِ الْوَاوُ وَتَعْوِيضِ الْهَاءِ عَنْهَا قَوْلُهُ:(خَمْسِ أَوَاقٍ) بِقَصْرِ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ جَوَارٍ قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَقَدْ حَدَثَ لِلنَّاسِ عُرْفٌ آخَرُ فَجَعَلُوهَا عِبَارَةً
الْمَجْمُوعِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّرَاهِمِ الدَّرَاهِمُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسَبْعُونَ، وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقِيلَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ، وَوَزْنُ الدِّرْهَمِ سِتَّةُ دَوَانِقَ وَالدَّانَقُ ثَمَانُ حَبَّاتٍ وَخُمْسَا حَبَّةٍ، فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمْسَا حَبَّةٍ، وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدِّرْهَمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا وَمَتَى نَقَصَ مِنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا لِأَنَّ الْمِثْقَالَ عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ، فَإِذَا نَقَصَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ بَقِيَ دِرْهَمٌ (وَفِيهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) مِنْهَا (وَهُوَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ»
(وَمَا زَادَ) عَلَى النِّصَابِ وَلَوْ يَسِيرًا (فَبِحِسَابِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَوَاشِي ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ كَالْمَاشِيَةِ السَّائِمَةِ، وَهُمَا مِنْ أَشْرَفِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ إذْ بِهِمَا قِوَامُ الدُّنْيَا وَنِظَامُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ فَإِنَّ حَاجَاتِ النَّاسِ كَثِيرَةٌ وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَعِنْدَ الطِّيبِيِّ عَشْرُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَبَعْضُهُمْ سَمَّى هَذِهِ الْأُوقِيَّةَ أُوقِيَّةَ الطِّيبِ قَوْلُهُ:(أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا إلَخْ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَشَرَةَ مَثَاقِيلَ تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ حَبَّةً حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ عَشَرَةٍ فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِقْدَارِ الْمِثْقَالِ، وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةِ حَبَّةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي خَمْسِينَ وَخُمْسَيْ حَبَّةٍ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ، يَبْقَى مِنْ السَّبْعِمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخُمُسَانِ وَهِيَ مِقْدَارُ سُبْعَيْ الدِّرْهَمِ، تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ) أَيْ الدَّرَاهِمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ " مُخْتَلِفَةً " وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْمَثَاقِيلِ فَخُذْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ يَفْضُلُ مِنْ كُلِّ مِثْقَالٍ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ، فَإِذَا ضَرَبْت الثَّلَاثَةَ فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ ثَلَاثِينَ سُبْعًا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ يَفْضُلُ سُبْعَانِ.
قَوْلُهُ: (فَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً) وَجْهُهُ أَنَّ السِّتَّةَ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ تُضْرَبُ السِّتَّةُ أَيْضًا فِي الْخَمْسِينَ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ خُمُسَا عَشَرَةٍ مِنْهَا بِحَبَّتَيْنِ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ وَيُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْخُمُسَانِ الْبَاقِيَانِ تَبْلُغُ مَا قَالَهُ قَوْلُهُ: (وَمَتَى زِيدَ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَبَّةً وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ حَبَّةٍ؛ لِأَنَّ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مِنْ ضَرْبِ سَبْعَةٍ فِي سَبْعَةٍ، يَبْقَى حَبَّةٌ وَخُمْسَانِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ، يُضَافُ ذَلِكَ إلَى الْخَمْسِينَ وَخُمُسَيْ الْحَبَّةِ يَحْصُلُ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ؛ شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(عَشَرَةُ أَسْبَاعٍ) أَيْ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، أَيْ بِالثَّلَاثَةِ أَسْبَاعِ الَّتِي زِيدَتْ عَلَى الدِّرْهَمِ حَتَّى صَارَ مِثْقَالًا.
قَوْلُهُ: (وَفِيهَا رُبْعُ الْعُشْرِ) أَيْ لِكُلِّ عَامٍ كَانَ النِّصَابُ فِيهِ كَامِلًا، بِخِلَافِ الْحُبُوبِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاتُهَا سَنَةً فَقَطْ وَلَوْ بَقِيَتْ سِنِينَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مُعَدَّانِ لِلنَّمَاءِ، فَمَا دَامَا بَاقِيَيْنِ تَجِبُ زَكَاتُهُمَا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فَإِنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسَادِ
قَوْلُهُ: (وَمَا زَادَ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ فَبِحِسَابِهِ خَبَرُهُ، وَزِيدَتْ الْفَاءُ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ أَشْبَهَ الشَّرْطَ فِي الْعُمُومِ. وَهَذَا التَّرْكِيبُ غَيْرُ التَّرْكِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الذَّهَبِ قَوْلُهُ:(ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ) أَيْ مُشَارَكَةِ الْفُقَرَاءِ فِي الْمَوَاشِي لَوْ قُلْنَا فِيهَا وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ قَوْلُهُ: (وَكُلُّهَا تُقْضَى بِهِمَا) وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام لَمَّا أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ وَأُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ بَكَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ فِيهَا مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمَا: قَدْ جَاوَرْت بِكُمَا وَلِيًّا مِنْ أَوْلِيَائِي فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهَا بَكَى عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَأَنْتُمَا لَمْ تَبْكِيَا عَلَيْهِ؟ فَقَالَا: لَا نَبْكِي عَلَى مَنْ عَصَاك، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُعِزَّنَّكُمَا، وَلِأَجْعَلَنكُمْ قِيمَةَ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُشْتَرَى شَيْءٌ إلَّا بِكُمَا اهـ مِنْ كِتَابِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ فِيمَا خَفِيَ مِنْ الْأَفْكَارِ لِابْنِ الْعِمَادِ.
وَلَا يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ عِنْدَ الْعَوَامّ لِمَا فِيهَا مِنْ نِسْبَةِ الْعِصْيَانِ لِرَسُولِ اللَّهِ آدَمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، إذْ لَا يَجُوزُ ذِكْرُهُ إلَّا فِي مَقَامِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرَ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ.
فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ، وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ نِصَابُ التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مَكْسُورٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا: وَيُجْزِئُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ أَوْ الْجَيِّدَ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً.
ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ، أَوْ يَشْتَرِي هُوَ نِصْفَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ وَهُوَ الْمُخْتَلَطُ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا، خَالِصُهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ.
وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ) كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ قَوْلُهُ: (فَمَنْ كَنَزَهُمَا) أَيْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا. وَقَوْلُهُ " فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ " أَيْ الَّتِي مِنْهَا قَضَاءُ حَوَائِجِ الْفُقَرَاءِ مَثَلًا بِلَا مُقَابِلٍ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ إبْطَالَ الْحِكْمَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ الْمُعَامَلَةِ بِهِمَا وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) نَحْوُ النُّعُومَةِ كَاللِّينِ وَنَحْوُ الْخُشُونَةِ الْيُبْسُ قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ) الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ الْمُتَوَسِّطُ، أَيْ لَيْسَ جَيِّدًا وَلَا رَدِيئًا قَوْلُهُ:(كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ) كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ سَقْيِهَا بِلَا مُؤْنَةٍ قَوْلُهُ:(وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ) فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ السَّاعِي أَوْ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الزَّائِدَ، فَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، هَذَا إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهَا أَيْ فَيُكْمِلُ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: (قَالُوا) اُنْظُرْ وَجْهَ التَّبْرِيءِ مَعَ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا بِإِخْرَاجِ الْأَفْضَلِ قَوْلُهُ: (فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: كَيْفَ يُفَرِّقُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ عَلَى الْأَصْنَافِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الذَّهَبُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّرَاهِمُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ لِوَكِيلِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي الدِّينَارِ الْمَعِيبِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ دَنَانِيرُهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً، بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ كَالشَّاةِ وَالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ، فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لِوَكِيلِهِمْ؛ وَانْظُرْ لِمَ خَصَّهُ بِالدِّينَارِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ:(أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُقَرَاءِ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُسْتَحِقُّونَ.
قَوْلُهُ: (سَلَّمَ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى وَكِيلِهِمْ نَظِيرُ مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَبِيعُوهُ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَوَقُّفِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَتَرَتُّبِهِ عَلَى قَوْلِهِ " سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا " وَهَلَّا جَازَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ خُصُوصًا فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِمْ الدِّينَارَ، لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيمَا لَهُمْ بِيَدِ الْغَيْرِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ) وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فُنْدُقْلِيًا إلَّا ثُلُثًا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ) مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إنْ أَمْكَنَ بِلَا سَبْكٍ، أَوْ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ النُّحَاسِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْخَالِصِ إلَّا بِسَبْكٍ وَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ قَدْرَ قِيمَةِ النُّحَاسِ أَوْ أَكْثَرَ أَخْرَجَ الْمَغْشُوشَ م ر. قَالَ سم: وَمَحِلُّهُ أَيْضًا أَنْ لَا يُوجَدَ خَالِصٌ مِنْ غَيْرِ الْمَغْشُوشِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ اهـ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ الْخُلْطَةِ بِالْفِضَّةِ، وَانْظُرْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ) الْكَلَامُ فِيمَا غَشُّهُ مُسْتَهْلَكٌ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يَغُشَّ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ، بَابُهُ: رَدَّ يَرُدُّ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَخْلُوطَةِ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا) أَيْ حَيْثُ كَانَ غَشُّهَا مُسْتَهْلَكًا، وَسَوَاءٌ الْمُعَيَّنَةُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.
قَوْلُهُ: (كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ) أَيْ قِيَاسًا
بِهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً عَلَى الْأَصَحِّ كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ وَالْمَعْجُونَاتِ.
وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَلَوْ خَالِصَةً لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ وَلِأَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ
(وَلَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ (زَكَاةٌ) لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَوَامِلَ مِنْ النَّعَمِ، وَيُزَكِّي الْمُحَرَّمَ مِنْ حُلِيٍّ وَمِنْ غَيْرِهِ كَالْأَوَانِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ كَالضَّبَّةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ الْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِلزِّينَةِ، وَمِنْ الْمُحَرَّمِ الْمِيلُ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا.
نَعَمْ لَوْ اتَّخَذَ شَخْصٌ مِيلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِجَلَاءِ عَيْنِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ لِلُبْسِ الرَّجُلِ بِأَنْ يَقْصِدَهُ بِاِتِّخَاذِهِمَا فَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقَصْدِ، وَالْخُنْثَى فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ، فَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ سِوَارًا مَثَلًا بِلَا قَصْدٍ لَا لِلُبْسٍ وَلَا لِغَيْرِهِ أَوْ بِقَصْدِ إجَارَتِهِ لِمَنْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَيْهِ، وَهِيَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ مُرَكَّبٌ مِنْ كَافُورٍ وَعُودٍ وَعَنْبَرٍ. قَوْلُهُ:(وَالْمَعْجُونَاتِ) أَيْ فَإِنَّهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَجْزَاؤُهَا مَجْهُولَةً.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَالِصَةً) مَا قَبْلَ الْغَايَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ، بَلْ يَحْرُمُ وَيُكْرَهُ ضَرْبُ السَّالِمِ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُكْرَهُ لَهُ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ إذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا، وَلَا يُكْرَهُ ضَرْبُ السَّلِيمِ. وَكَانَ الْأَوْلَى إذَا كَانَتْ خَالِصَةً؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَيْرِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَلَوْ مُسْتَهْلَكًا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَقَوْلُهُ:" مِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ " أَيْ طَرِيقَتُهُ، وَقَوْلُهُ:" افْتِيَاتًا " أَيْ تَعَدِّيًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ) أَيْ إنْ عَلِمَهُ وَلَمْ يَنْوِ كَنْزَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِأَنْ وَرِثَهُ وَلَمْ يَعْلَمْهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ إمْسَاكَهُ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ، وَكَذَا لَوْ نَوَى كَنْزَهُ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مُلَخَّصًا. وَعَدَمُ وُجُوبِهَا فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مَذْهَبُنَا وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ مُخْتَارَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَاحِدُهُ " حَلْيٌ " بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَهُوَ مَا يَتَحَلَّى أَيْ يُتَزَيَّنُ بِهِ لُبْسًا أَوْ نَحْوَهُ، وَأَصْلُهُ أَيْ الْحُلِيِّ الْمُشَدَّدِ الْيَاءِ " حَلُوي " عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ ثُمَّ كُسِرَتْ اللَّامُ صِيَانَةً لِلْيَاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُ الْحَاءِ لِإِتْبَاعِ كَسْرَةِ اللَّامِ اهـ. وَنَظِيرُ حُلِيٍّ جَمْعُ حَلْيٍ ثُدِيٌّ جَمْعُ ثَدْيٍ. وَقَوْلُهُ " الْمُبَاحِ " هَلَّا قَالَ الْمُبَاحَاتِ لِأَجْلِ الْمُطَابَقَةِ، أُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ أَوْلَى لِأَنَّ حُلِيًّا جَمْعُ كَثْرَةٍ وَالْأَفْصَحُ فِي وَصْفِهِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ، لِقَوْلِهِ:
وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ
…
الْأَفْصَحُ الْإِفْرَادُ فِيهِ يَافُلُ
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ " الْمُبَاحِ " غَيْرُهُ وَهُوَ الْمُحَرَّمُ كَحُلِيِّ النِّسَاءِ اتَّخَذَهُ الرَّجُلُ لِيَلْبَسَهُ، وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ؛ وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَثْقُوبَةُ إذَا جُعِلَتْ فِي قِلَادَةٍ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ تَحْرِيمِهَا، أَمَّا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ جَوَازِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْتَمِلُ كَرَاهَتَهَا، وَعَلَيْهِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْمَكْرُوهَاتِ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَجِبُ زَكَاتُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (كَخَلْخَالٍ لِامْرَأَةٍ) أَيْ لِلُبْسِهَا بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ كَأَنْ تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهُ، وَمِنْهُ حُلِيٌّ اتَّخَذَهُ رَجُلٌ لِيُؤَجِّرَهُ مَثَلًا لِامْرَأَةٍ ق ل. وَقَوْلُهُ " لِيُؤَجِّرَهُ إلَخْ " أَيْ أَوْ لِيُعِيرَهُ لَهَا أَوْ اتَّخَذَهُ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ وَلِذَا قَالَ ق ل: مَثَلًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيُزَكَّى الْمُحَرَّمُ) وَمِنْ الْمُحَرَّمِ مَا يَقَعُ لِنِسَاءِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَثْقُوبَةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَخِيطَةِ عَلَى الْقُمَاشِ فَحَرَامٌ كَالدَّرَاهِمِ الْمَثْقُوبَةِ الْمَجْعُولَةِ فِي الْقِلَادَةِ كَمَا مَرَّ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ حُرْمَةُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ ثَقْبِ دَرَاهِمَ وَتَعْلِيقِهَا عَلَى رُءُوسِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَانِي. قَوْلُهُ: (لِجِلَاءِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّوَارُ) بِكَسْرِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ ضَمِّهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي حُلِيِّ الرِّجَالِ إلَخْ) كَتَحْلِيَتِهِ آلَةَ حَرْبٍ بِالْفِضَّةِ بِلَا سَرَفٍ وَرُمْحٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهَا تَغِيظُ الْكُفَّارَ لَا لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ.
قَوْلُهُ: (بِلَا كَرَاهَةٍ) بِخِلَافِ مَا كُرِهَ
لِانْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَكَذَا لَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ لِلِاسْتِعْمَالِ وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا وَإِنْ دَامَ أَحْوَالًا لِدَوَامِ صُورَةِ الْحُلِيِّ أَوْ قَصَدَ إصْلَاحَهُ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَاخْتَلَفَتْ قِيمَتُهُ وَوَزْنُهُ فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ لَا بِوَزْنِهِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمِ لِعَيْنِهِ كَالْأَوَانِي فَالْعِبْرَةُ بِوَزْنِهِ لَا بِقِيمَتِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ حُلِيٌّ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا ثُمَّ يَبِيعَهُ السَّاعِي بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَيُفَرِّقَ ثَمَنَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ نَقْدًا.
وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهُ لِيُعْطِيَ مِنْهُ خَمْسَةً مُكَسَّرَةً لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ تَخَيَّرَ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُكَسِّرَهُ وَيُخْرِجَ خَمْسَةً أَوْ يُخْرِجَ رُبْعَ عُشْرِهِ مَشَاعًا
وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ وَلَوْ فِي آلَةِ الْحَرْبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِإِنَاثِ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا إلَّا الْأَنْفَ إذَا جُدِعَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْ الذَّهَبِ» لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قُطِعَ أَنْفُهُ فِي غَزْوَةٍ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ فِضَّةٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ " وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا لِمَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ وَلَوْ لِكُلِّ أُصْبُعٍ مِنْ الذَّهَبِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اسْتِعْمَالُهُ لِوُجُودِ سَرَفٍ قَلِيلٍ، مَرْحُومِيٌّ.
وَهَذَا عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ حُرْمَةُ السَّرَفِ مُطْلَقًا وَعَلَى كُلٍّ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَأَمْكَنَ بِلَا صَوْغٍ) بِأَنْ أَمْكَنَ بِإِلْحَامِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(وَقَصَدَ إصْلَاحَهُ) أَيْ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالِانْكِسَارِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالِانْكِسَارِ إلَّا بَعْدَ عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَصَدَ إصْلَاحَهُ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ مُرْصِدًا لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَسِيطِ. فَلَوْ عَلِمَ انْكِسَارَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، فَإِنْ قَصَدَ بَعْدَهُ إصْلَاحَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا وُجُوبَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ بِحُرُوفِهِ. فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إصْلَاحَهُ بَلْ قَصَدَ جَعْلَهُ تِبْرًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ كَنَزَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ أَحْوَجَ انْكِسَارُهُ إلَى سَبْكٍ وَصَوْغٍ فَيَجِبُ زَكَاتُهُ، وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ انْكِسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ وَلَا مُعَدٍّ لِلِاسْتِعْمَالِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا؛ فَالْأَوَّلُ كَأَنْ قَصَدَ الرَّجُلُ اسْتِعْمَالَهُ وَكَأَنْ أَسْرَفَ فِي حِلْيَةِ آلَةِ الْحَرْبِ، وَالثَّانِي كَأَنْ أَسْرَفَتْ الْمَرْأَةُ فِي حُلِيِّهَا وَكَأَنْ قَصَدَ الرَّجُلُ إجَارَتَهُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ بِكَرَاهَةٍ. فَفَرْقٌ بَيْنَ سَرَفِ الرَّجُلِ وَسَرَفِ الْمَرْأَةِ، فَالْأَوَّلُ حَرَامٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ:(فَالْعِبْرَةُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ وَوَزْنِهِ، وَقَوْلُهُ لَا بِوَزْنِهِ، أَيْ فَقَطْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ " أَوْ يُخْرِجَ خَمْسَةً مَصُوغَةً قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ " كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (قِيمَتُهَا سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ) أَيْ لِأَنَّ السَّبْعَةَ وَالنِّصْفَ رُبْعُ عُشْرِ الثَّلَثِمِائَةِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ لَهُ إنَاءٌ كَذَلِكَ) أَيْ وَزْنُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَلَوْ اخْتَلَفَ قِيمَةُ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمَكْرُوهِ وَوَزْنُهُ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَثَمِائَةٍ وَوَزْنُهُ مِائَتَيْنِ اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ أَيْ إذَا كَانَ تَحْرِيمُهُ عَارِضًا بِأَنْ صِيغَ لِامْرَأَةٍ وَاسْتَعْمَلَهُ الرَّجُلُ وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْوَزْنُ فَقَطْ كَالْإِنَاءِ اهـ. فَلَوْ كَانَ آنِيَةً فَلَا أَثَرَ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْقِيمَةِ بِالصَّنْعَةِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ. اهـ. ح ل. وَنَقَلَهُ ع ش عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُكَسِّرَهُ) وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ كَسْرُهُ كَمَا سَبَقَ بِأَنَّ الْإِنَاءَ مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُلِيُّ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ فِي الْكَسْرِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْمَكْسُورَةَ لَا تُسَاوِي قِيمَتَهَا فِي حَالِ اتِّصَالِهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُخْرِجَ خَمْسَةً) أَيْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حُلِيُّ الذَّهَبِ) نَعَمْ إنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَا يَتَبَيَّنُ الذَّهَبُ لَمْ يَحْرُمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ وَكَثُرَ الصَّدَأُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ؛ يُقَالُ: صَدِئَ يَصْدَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ بَابِ تَعِبَ.
وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الذَّهَبَ لَا يَصْدَأُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ أَوْ عَلَى الْخَالِصِ دُونَ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (إلَّا الْأَنْفَ) جُمْلَةُ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (إذَا جُدِعَ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ قُطِعَ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ) هُوَ عَرْفَجَةُ بْنُ أَسْعَدَ قُطِعَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمٌ لِمَكَانٍ كَانَتْ الْوَقْعَةُ عِنْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَّخِذَهُ مِنْ ذَهَبٍ) فَاتَّخَذَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ) أَيْ الْعُلْيَا لَا السُّفْلَى وَلَا الْأُنْمُلَتَيْنِ؛ وَالْأُنْمُلَةُ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ كَمَا قَالَ:
قِيَاسًا عَلَى الْأَنْفِ، وَإِلَّا السِّنَّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُلِعَتْ سِنُّهُ اتِّخَاذُ سِنٍّ مِنْ ذَهَبٍ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ قِيَاسًا أَيْضًا عَلَى الْأَنْفِ.
وَيَحْرُمُ سِنُّ الْخَاتَمِ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى الرَّجُلِ وَهِيَ الشُّعْبَةُ الَّتِي يَسْتَمْسِكُ بِهَا الْفَصُّ، وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَاتَمُ بِالْإِجْمَاعِ «وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ» ، بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْيَمِينِ أَمْ فِي الْيَسَارِ لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ الْفَصُّ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ.
وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ أَيْ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَعَادَةِ أَمْثَالِهِ فِيهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّوَابُ ضَبْطُهُ بِدُونِ مِثْقَالٍ.
وَلَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ خَوَاتِمَ كَثِيرَةً لِيَلْبَسَ الْوَاحِدَ مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا جَازَ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى إسْرَافٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ.
وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْفِضَّةِ حِلْيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَا أُصْبُعُ ثَلِّثَنَّ مَعَ مِيمِ أُنْمُلَةٍ
…
وَثَلِّثْ الْهَمْزَ أَيْضًا وَارْوِ أُصْبُوعَا
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ إذَا كَانَ مَا تَحْتَهَا سَلِيمًا دُونَ مَا إذَا كَانَ أَشَلَّ، شَرْحُ الرَّوْضِ. وَبِخِلَافِ السُّفْلِيِّ وَالْأُصْبُعِ، وَالْأُنْمُلَتَيْنِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ " وَإِلَّا الْأُنْمُلَةَ " أَيْ الْعُلْيَا، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَقِيسَ بِالْأَنْفِ الْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأُصْبُعِ وَالْيَدِ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ فَيَكُونَانِ لِمُجَرَّدِ الزِّينَةِ فَلَا يُتَّخَذَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بِخِلَافِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَحْرِيكُهَا؛ وَأَمَّا الْأُنْمُلَتَانِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَعْلَى الْأُصْبُعِ جَازَ اتِّخَاذُهُمَا لِوُجُودِ الْعَمَلِ بِوَاسِطَةِ الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ قَاسِمٍ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ أَسْفَلِ الْأُصْبُعِ امْتَنَعَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر فِي شَرْحِهِ. اهـ. .
قَوْلُهُ: (مِنْ الذَّهَبِ) وَإِنْ أَمْكَنَ اتِّخَاذُهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْجَائِزَةِ لِذَلِكَ بِالْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدَأُ غَالِبًا وَلَا يُفْسِدُ الْمَنْبَتَ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (الْخَاتَمِ) وَهُوَ الَّذِي يُلْبَسُ فِي الْأُصْبُعِ سَوَاءٌ خَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ أَوْ لَا وَأَمَّا مَا يُتَّخَذُ لِخَتْمِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْلُحَ لَأَنْ يُلْبَسَ فَلَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ.
قَوْلُهُ: (بَلْ لُبْسُهُ سُنَّةٌ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَدِيثِ وَيَكُونُ إضْرَابًا انْتِقَالِيًّا عَنْ قَوْلِهِ: وَيَحِلُّ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْإِضْرَابَ بَعْدَ الْحَدِيثِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ سَنَّ لُبْسِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ) أَيْ خِنْصَرَهَا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَبِسَهَا مَعًا جَازَ) وَلَا زَكَاةَ أَيْ إنْ جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهِ بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فَقِيهًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ الْكَفِّ.
وَلَا يُكْرَهُ لُبْسُ خَاتَمِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَالَ الشَّيْخُ الزِّيَادِيُّ: وَيُعْتَبَرُ فِي صِفَةِ الْخَاتَمِ وَقَدْرِهِ وَعَدَدِهِ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِهِ لِيَخْرُجَ بِالْأَوَّلِ مَا لَوْ اتَّخَذَ الْفَقِيهُ خَاتَمًا لَا يَلِيقُ بِهِ كَالدُّبْلَةِ بِلَا خَاتَمٍ مَعَهَا أَوْ كَشَتْوَانٍ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ، وَيَخْرُجُ بِالثَّانِي مَا لَوْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ اللَّائِقِ بِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَيَخْرُجُ بِالثَّالِثِ مَا لَوْ عَدَّدَ الْفَقِيهُ خَاتَمًا فِي أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ.
وَنُقِلَ عَنْهُ فِي غَيْرِ الْحَاشِيَةِ أَنَّ مِثْلَ الدُّبْلَةِ لُبْسُ الْفَقِيهِ الْخَاتَمَ فِي غَيْرِ خِنْصَرِهِ كَلُبْسِهِ فِي نَحْوِ إبْهَامِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِيَ:" وَلَوْ تَخَتَّمَ الرَّجُلُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ جَازَ " مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْفَقِيهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِدًا. قَوْلُهُ: (حِلْيَةُ) أَيْ تَحْلِيَتُهَا؛ وَالتَّحْلِيَةُ جَعْلُ عَيْنِ النَّقْدِ فِي مَحَالَّ مُتَفَرِّقَةٍ مَعَ الْإِحْكَامِ حَتَّى تَصِيرَ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَلِإِمْكَانِ فَصْلِهَا مَعَ عَدَمِ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ عَيْنِهَا فَارَقَتْ التَّمْوِيهَ السَّابِقَ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّهُ حَرَامٌ، حَجّ قَوْلُهُ:(آلَاتِ الْحَرْبِ) وَإِنْ كَانَ عِنْدَ مَنْ لِمَ يُحَارِبْ؛ لِأَنَّ إغَاظَةَ الْكُفَّارِ وَلَوْ مِمَّنْ بِدَارِنَا حَاصِلَةٌ مُطْلَقًا، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حُرْمَةِ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِدْ بِهِ. اهـ. س ل. وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَوْعِيَتُهَا كَالْقِرَابِ وَغِمْدِ السَّيْفِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ أَيْضًا تَحْلِيَةُ السِّكِّينِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَتْ آلَةَ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا فَيَحْرُمُ. اهـ. م د.
وَقَوْلُهُ