المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل يسن الاغتسال لأربعة أشياء - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح

[الطحطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌مدخل

- ‌فصل في بيان أحكام السؤر

- ‌فصل في مسائل الآبار

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌فصل".فيما يجوز به الاستنجاء

- ‌فصل: في" أحكام "الوضوء

- ‌فصل".في تمام أحكام الوضوء

- ‌فصل".في سنن الوضوء

- ‌فصل: من آداب الوضوءأربعة عشر شيئا

- ‌فصل".في المكروهات

- ‌فصل في أوصاف الوضوء

- ‌فصل: نواقض الوضوء

- ‌فصل عشرة أشياء لا تنقض الوضوء

- ‌فصل: عشرة أشياء لا يغتسل منها مذي

- ‌فصل لبيان فرائض الغسل

- ‌فصل في سنن الغسل

- ‌فصل: وآداب الاغتسال

- ‌فصل يسن الاغتسال لأربعة أشياء

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌فصل في الجبيرة ونحوها

- ‌باب الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌باب الأنجاس والطهارة عنها

- ‌فصل: يطهر جلد الميتة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌فصل" في الأوقات المكروهة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة وأركانها

- ‌فصل في متعلقات الشروط وفروعها

- ‌فصل في بيان واجب الصلاة

- ‌فصل في بيان سننها

- ‌فصل: من آدابها

- ‌فصل في كيفية ترتيب أفعال الصلاة

- ‌باب الإمامة

- ‌فصل: يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئا

- ‌فصل: في بيان الأحق بالإمامة

- ‌فصل: فيما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره لو سلم الإمام

- ‌فصل: في صفة الأذكار

- ‌باب فيما لا يفسد الصلاة

- ‌فصل في المكروهات

- ‌فصل في اتخاذ السترة ودفع المار بين يدي المصلى إذا ظن

- ‌فصل فيما لا يكره للمصلي

- ‌فصل فيما يوجب قطع الصلاة وما يجيزه

- ‌باب الوتر وأحكامه

- ‌فصل في بيان النوافل

- ‌فصل في تحية المسجد وصلاة الضحى وإحياء الليالي

- ‌فصل في صلاة النفل جالسا وفي الصلاة على الدابة وصلاة الماشي

- ‌فصل: في صلاة الفرض والواجب على الدابة

- ‌فصل في الصلاة في السفينة صلاة الفرض

- ‌فصل: في صلاة التراويح

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة المريض

- ‌فصل في إسقاط الصلاة والصوم

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصل في الشك

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌فصل: سجدة الشكر مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله

- ‌باب الجمعة

- ‌باب أحكام العيدينمن الصلاة وغيرها سمي عيدا

- ‌باب صلاة الكسوف والخسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب أحكام الجنائز

- ‌فصل الصلاة عليه

- ‌فصل السلطان أحق بصلاته

- ‌فصل في حملها ودفنها

- ‌فصل في زيارة القبور

- ‌باب أحكام الشهيد

- ‌كتاب الصوم

- ‌مدخل

- ‌فصل في صفة الصوم وتقسيمه

- ‌فصل فيما لا يشترط تبييت النية وتعيينها فيه وما يشترط

- ‌فصل فيما يثبت به الهلال وفي صوميوم الشك

- ‌باب في بيان ما لا يفسد الصوم

- ‌فصل في الكفارة وما يسقطها عن الذمة

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء

- ‌فصل يجب الإمساك

- ‌فيما يكره للصائم وما لا يكره وما يستحب

- ‌فصل في العوارض

- ‌باب ما يلزم الوفاء به

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌باب المصرف

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فصل في كيفية ترتيب أفعال الحج

- ‌فصل القران

- ‌فصل التمتع

- ‌فصل العمرةسنة

- ‌باب الجنايات

- ‌فصل قوله: "ولا شيء بقتل غراب

- ‌فصل الهدي

- ‌فصل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌فصل يسن الاغتسال لأربعة أشياء

تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والحلم "وعلى آله وأصحابه القائمين بنصرة الدين في الحرب

ــ

النسفي: في "بحر الكلام": والسلامة في هذا المقام أن تقول: آمنت بالله وبجميع ما جاء من عند الله على ما أراد الله تعالى به وبجميع الأنبياء والرسل حتى لا يعتقد نبيا من ليس نبيا أوعكسه. قوله: " الكريم " فعيل بمعنى مفعول؛ لأنه أكرمه الله تعالى على جميع خلقه حتى الرؤساء الأربعة من الملائكة، خلافا لمن شذ من المعتزلة وخرق الإجماع. ويحتمل أن يكون كريم بمعنى مكرم اسم فاعل، وكرمه صلى الله عليه وسلم ظاهر، بل انتهى كماله إليه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. قوله:" القائل تعلموا العلم " فيه براعة الاستهلال كقوله: آنفا "فأحسنوا لذاته العبادة"، وقوله:"وحفظوا شريعته"، والعلم والمعرفة بمعنى واحد، وإنما لا يطلق عليه تعالى عارف لعدم ورود الشرع به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"العلم خير من العمل ملاك الدين الورع والعالم من يعمل بعلمه"، وعنه صلى الله عليه وسلم:"إن العمل القليل مع العلم ينفع، وإن العمل الكثير مع الجهل لا ينفع"، رواه ابن عبد البر. والعلم نفعه متعد بخلاف العمل، ومن أعظم الأدلة على شرف العلم أن الله تعالى جعل العلماء في المرتبة الثالثة في قوله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:18] الآية. وقال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام، وقال صلى الله عليه وسلم:"فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، قال حجة الإسلام: فانظر كيف جعل العلم مقارنا لدرجة النبوة، وعنه صلى الله عليه سلم:"العلم حياة الإسلام وعماد الإيمان ومن علم علما أتم الله له أجره، ومن تعلم فعمل به علمه الله علم ما لم يعلم"، وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام:"يا إبراهيم أنا عليم أحب كل عليم"، وورد:"يشفع الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء"، وورد:"يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء"، وورد:"من تفقه في دين الله عز وجل كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب"، وورد:"أن طالب العلم إذا مات وهو في طلبه مات شهيدا وأنه إذا خرج من بيته لطلبه فهو في سبيل الله حتى يرجع"، وروى الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بسنده إلى رسول الله الله صلى الله عليه وسلم:"طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وورد:"اطلبوا العلم ولو بالصين"، وورد:"لأن تغدو فتعلم بابا من العلم خير من أن تصلي مائة ركعة"، وورد:"العلم خزائن ومفاتيحها السؤال، ألا فسألوا فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل والعالم والسامع والمحب لهم"، وورد:"لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه"، واعلم أن كل علم يتوصل به إلى فرض عين فتحصيله فرض عين، كالعلم المتعلق بمعرفة الله تعالى والصلاة والزكاة والصوم والحج ومعرفة الحلال والحرام ونحو ذلك، وما يتوصل به إلى فرض الكفاية فتحصيله فرض كفاية وتمامه في خطبة الدر المختار، وتعليم المتعلم. قوله:" وتعلموا له السكينة والحلم ": أي تعلموا لتعليمه وتعلمه السكينة وهي سكون الأعضاء والوقار، والحلم: صفة راسخة لا يستفز صاحبها الغضب. قال صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير

ص: 11

...............................................................................................

ــ

الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه". وقال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم، لينوا لمن تعلمون ولمن تعلمون منه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فيغلب جهلكم عليكم"، قوله: " وعلى آله وأصحابه " كذا في النسخ والظاهر أن المصنف سقط من قلمه: "صلى الله عليه وسلم" فتوهم ذكره فعطف عليه أو من الناسخ الأول، والصلاة هنا هي: المأمور بها في خبر: أمرنا أن نصلي عليك فكيف نصلي؟ فقال: "قولوا اللهم صل على محمد" الخ. لا مطلق الصلاة، والفرق بينهما أن مطلق الصلاة معناه الرحمة، والصلاة المأمور بها: معناها طلب الرحمة؛ لأنها من مخلوق فيلاحظ كونها مأمورا بها ليحصل بها امتثال الأمر فتكون أتم من غيرها. وقيل: معناها العطف وهي فرض في العمر مرة واحدة، وتقوم مقامها الصلاة الواقعة في مكتوبة أو غيرها بعد البلوغ، وتجب كلما ذكر على أحد قولين، وتسن في كل تشهد أخير من الفرض وفي كل تشهد نفل إلا في سنة الظهر القبلية، والجمعة القبلية والبعدية، وتندب في أوقات الإمكان، وتحرم على الحرام، وتكره عند فتح التاجر متاعه، ولا يكره أفرادها عن السلام على الأصح عندنا، وهذا الخلاف في حق نبينا صلى الله عليه وسلم. أما في حق غيره من الأنبياء فلا خلاف في عدم كراهة الأفراد لأحد من العلماء ذكره الحموي محشي "الإشباه". وظاهر ما في "النهاية" من كتاب الصلاة أنه لا يجب "السلام"؛ لأنه جعل الوجوب قول الشافعي: وأما قوله تعالى: {وَسَلِّمُوا} فالمراد منه سلموا لقضائه، كذا في مبسوط شيخ الإسلام، والظاهر أن ذكر الآل والأصحاب مندوب. أما الأصحاب فظاهر؛ لأنهم سلفنا وقد أمرنا بالترضي عنهم ونهينا عن لعنهم، وأما الآل فلقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا علي الصلاة البتراء" قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟. قال: "تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، ذكره الفاسي وغيره، والمراد بالآل: هنا سائر أمة الإجابة مطلقا، وقوله صلى الله عليه وسلم: "آل محمد كل تقي"، حمل على التقوى من الشرك؛ لأن المقام للدعاء، ونقل اللفاني في شرح جوهرته أنه يطلق على مؤمني بني هاشم أشراف، والواحد: شريف كما هو مصطلح السلف، وإنما حدث تخصيص الشريف بولد الحسن والحسين مصر خاصة في عهد الفاطميين. قال: ويجب إكرام الأشراف ولو تحقق فسقهم؛ لأن فرع الشجرة منها ولو مال. وقوله: وأصحابه جمع صاحب بمعنى صحابي لأن فاعلا يجمع على أفعال صرح به سيبويه، ومثله بصاحب وأصحاب وارتضاه الزمخشري والرضي وأبو حيان وهو عند جمهور الأصوليين من طالت صحبته متبعا مدة يثبت معها إطلاق صاحب فلان عرفا بلا تحديد في الأصح، ولذا صح نفيه عن الوافد اتفاقا إذ يقال ليس صحابيا بل وفد وارتحل من ساعته، وقيل: لا يشترط. قال في التحرير: وينبني عليه ثبوت عدالة غير الملازم فلا يحتاج إلى التزكية أو يحتاج، وعلى هذا المذهب جرى الحنفية

ص: 12

والسلم، " وبعد ": فيقول العبد الذليل الراجي عفو ربه الجليل حسن بن عمار بن علي

ــ

ولولا اختصاص الصحابي بحكم لأمكن جعل الخلاف في مجرد الاصطلاح ولا مشاحة فيه، اهـ. وحاصله أن غير الملازم يحتاج إلى التعديل ولا يقبل إرساله1 عند من لايقبل المرسل، ومن هنا يعلم اشتراط طول الصحبة في حق التابعين بالأولى، وأما من مات على الإسلام من الصحابة وقد تخللت منه ردة كالأشعث بن قيس فإن أحدا لم يتخلف عن ذكره في الصحابة، ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وكان ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأتي به أسيرا إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه فعاد إلى السلام فقبل أبو بكر منه ذلك وزوجه أخته، لكن يعود له اسم الصحبة فقط مجردا عن ثوابها، وذكر الأصحاب بعد الآل تخصيص بعد تعميم إن أريد بالآل جميع الأمة لعلو مقامهم بشرف الصحبة أو بالعكس أن أريد بهم أقرباؤه صلى الله عليه وسلم. قوله:" القائمين بنصرة الدين " يحتمل قصره على الأصحاب ويحتمل حذف نظيره من الآل وهو يرشد إلى أن المراد بالآل المتقون والدين تقدم المراد بت. قوله: " في الحرب والسلم " يقال رجل حرب: أي عد ومحارب للذكر والأنثى والجمع والواحد أفاده في القاموس، ويطلق على مقابل الصلح وهو المراد هنا، والسلم بكسر السين المسالم، والصلح ويفتح ويؤنث، والسلم بفتح السين أيضا هو الدلو بعروة واحدة كدلو السقائين قاموس، والمعنى أنهم نصروا الدين في حالة القتال والصلح والمراد أنهم في جميع أحوالهم ناصرون للحق في رضاهم وغضبهم، ومخاصمتهم ومصالحتهم سواء كان ذلك مع القريب أم الغريب، ولا يسخطون الله تعالى برضا الخلق، ورد في صحيح ابن حبان على عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"، وفيه أيضا عنها رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد سخط الله ورضا الناس عاد حامده من الناس ذاما"، وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزين قوله وعمله في عينه"، اهـ.

قوله: " وبعد ": الكلام فيها شهير، والذي يفيده صنيعه صلى الله عليه وسلم في خطبه ومراسلاته سنية الإتيان بها، لكن بصيغة:"أما بعد"، والظاهر أن قولهم:"وبعد" لتأديته معنى "أما بعد" يقوم مقامها في تحصيل المندوب، وقد فشا التعبير بها. قوله:"العبد" هو أشرف أوصاف الشخص وهو أحب أوصافه إليه صلى الله عيله وسلم؛ لكونه أحبها إليه تعالى وقد مر. قوله: "عفو ربه" العفو: الصفح وترك عقوبة المستحق، والمحو، والإمحاء2، وأطيب الماء وخيار الشيء، فعله يتعدى بنفسه وباللام وبعن كذا في القاموس، "والرجاء": هو الطمع في

1 قوله عند من لا يقبل المرسل كذا في النسخ، ولعل لا زائدة من الناسخ كما هو ظاهر للمتأمل، اهـ. مصححه.

2 الامحاء هو بتشديد الميم على وزن الانفعال أدغمت نونه في الميم مطاوع المحو كتبه مصححه.

ص: 13

الشرنبلالي الحنفي غفر الله ذنوبه وستر عيوبه ولطف به في جميع أموره ما ظهر منها وما خفي وأحسن لوالديه ولمشايخه وذريته ومحبيه ومواليه. وأدام النعم مسبغة في الباطن

ــ

المطلوب مع الأخذ في الأسباب، وأما مع تركه والتمادي على الغفلات فهو مذموم، ومن كلام العارف يحيى ابن معاذ: أعمال كالسراب وقلوب من التقوى خراب وذنوب بعدد التراب وتطمع مع هذا في الكواعب الأتراب هيهات هيهات أنت سكران من غير شراب"، أهـ. قوله: " الجليل ": هو العظيم كما في القاموس وبين الذليل والجليل الطباق. قوله: " الشرنبلالي " قال المؤلف في آخر رسالته در الكنوز: هذا هو الشائع والأصل الشرابلولي نسبة لقرية تجاه منف العليا بإقليم المنوفية بسواد مصر المحروسة، يقال لها شبرابلول واشتهرت النسبة إليها بلفظ الشرنبلالي اهـ، وفي القاموس: شبري كسكري ثلاثة وخمسون موضعا كلها بمصر منها عشرة بأشرقية وخمسة بالمرتاحية وستة بجزيرة قوسنيا وإحدى عشرة بالغربية وسبعة بالسمنودية وثلاثة بالمنوفية وثلاثة بجزيرة بني نصر وأربعة بالبحيرة واثنان برمسيس واثنان بالجيزة. قوله: " غفر الله له ذنوبه " أصل الغفر: الستر، ومنه سمى المغفر لأنه يستر الرأس عند الحرب. وغفر الذنوب سترها بعدم المؤاخذة بها، وقيل: محوها من الصحيفة بالكلية لقوله عز وجل: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] ، قوله: " ذنوبه " أي معاصيه صغيرها وكبيرها. قوله: " وستر عيوبه " أي ما يعيبه ويشينه وإن لم يكن معصية، فإن العور مثلا عيب وليس بذنب فالمعطف للمغايرة أو من عطف العام. قوله: " ولطف به " أي أوصل إليه بره وإحسانه. قوله: " في جميع أموره " أي جليلها وحقيرها. قوله: " ما ظهر منها وما خفي ": يحتمل أن المراد ما يعم الأحوال الباطنية والظاهرية أي ما يتعلق بالقلب وما يتعلق بالجوارح، أو المراد بالباطنية ما لا يطلع عليه إلا خاصته كالأمور المتعلقة بالحلية والأولاد، وبالظاهرية ما تصدر مع غير هؤلاء كإخوان الدرس والمعاملة ويحتملها معا قوله: " وأحسن لوالديه " أي أنعم عليهما بأنواع النعم فإن الإحسان لفظ يعم كل خير ثم يحتمل أن قرأ والديه بالتثنية والجمع والدعاء لهما مطلوب، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} . [الإسراء24] . وهو مفتاح الرزق، ولبعضهم أقل الدعاء للوالدين في اليوم والليلة خمس مرات، كأنه يريد عقب كل مكتوب؛ لأن الله قرن الإحسان إليهما بعبادته، وأعظم العبادات الصلوات بعد الإيمان وهي خمس في اليوم والليلة. قوله: " ولمشايخه " بالياء من غير همز جمع شيخ، والدعاء لهم مطلوب؛ لأنهم آباء الأرواح كما أن الوالدين آباء الأشباح. قوله: " وذريته " أي: نسله من الذرء بمعنى: الخلق أي: الجماعة المخلوقين منه. قوله: " ومحبيه ": المراد بهم المحبون له حبا إيمانيا كأن يحبوه لعلمه وطاعته وإن لم يكن للنفس ميل لذلك. قوله: " وإليه ": إن قلت إن المطلوب تقديم نفسه في الدعاء كما قال الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} وقال نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً} فكيف قدم من ذكر عليه؟ أجيب بأنه لما قدم نفسه أولا بقوله: غفر الله له ذنوبه سهل عليه تقديم غيره عليه ثانية، ولمراعاة السجع، قوله: " وأدم النعم مسبغة " أي عامة تامة، فالسابغة العامة كالدرع السابغة والثوب والمراد أنه

ص: 14

والظاهر عليهم وعليه: إن هذا كتاب صغير حجمه غزير علمه صحيح حكمه احتوى على ما

ــ

يحيط من ذكر بالنعم، واعلم أنه يجب الإيمان بأن الله تعالى يستجيب الدعاء ويعطيه به الرضا ويرد به القضاء وينفع به الأحياء والأموات، دل على ذلك الآيات القاطعة والأحاديث المتواترة. أخرج الطبري والخطيب من حديث ابن مسعود رفعه:"حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وأعدوا للبلايا الدعاء"، فإن قيل: نرى الداعي يبالغ في الدعاء ويضرع ولا يستجاب له. قلنا: إن للدعاء آدابا وشروطا فمن أتى بها كان من أهل الإجابة ومن أخطأها اعتدى فلا يستحق الإجابة، وأيضا قد تتأخر إلى وقتها فإن لكل شيء وقتا على أن الإجابة ليست منحصرة في الإسعاف بالمطلوب بل هي حصول واحد من الثلاثة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"، رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم، وقد يمنع العبد الإجابة لرفعة مقامه، وقد يجاب كراهة سؤاله. ومن شروط الإجابة: إخلاص النية. ومنها: أن لا يستعجل الإجابة لحديث: "يستجاب لأحدكم ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي"، وحضور القلب وأن لا يدعو بمحرم، ومنها: طيب المطعم والمشرب والملبس وأن يوقن الإجابة وأن لا يعلق بالمشيئة، وفي شرح الأربعين النووية للشرخيتي أن من التعليق قوله:"اللهم عاملنا بما أنت أهله كأنه -والله تعالى أعلم- يقول: "إن عاملتنا بما أنت أهله، ومنها أن لا يدعو بمستحيل. قوله:" إن هذا كتاب ": مقول القول قوله: " صغير حجمه ": أي جسمه أي بالنسبة للشرح الكبير ونحوه. قوله: " غزير علمه " بالغين والزاي المعجمتين أي كثير، قال في القاموس: الغزير الكثير من كل شيء وغزر ككرم غزارة وغزرا وغزرا بالضم. قوله: " صحيح حكمه ": مفرد مضاف فيعم كل حكم فيه، والإضافة فيه وفيما قبله لأدنى ملابسة لتحقيقهما فيه، واعلم أن الأحكام الصحيحة غالبها من كتب ظاهر الرواية المسماة بالأصول، وهي:"الجامع الكبير" و "الجامع الصغير" آخر مصنفات محمد بعد انصرافه من العراق، ولذا لم يروهما عنه أبو حفص وكلها لمحمد، ويعبر عن المبسوط بالأصل وبعضهم لم يعد السير بقسميه من الأصول وما عدا ذلك فهو رواية النوادر، كالأمالي لأبي يوسف "والرقيات" مسائل جمعها محمد حين كان قاضيا بالرقة بفتح الراء المهملة وتشديد القاف: مدينة على جانب الفرات، رواها عنه محمد إسماعيل "والكيسانيات" مسائل أملاها محمد على أبي عمر وسليمان بن شعيب الكيساني نسبة إلى كيسان بفتح الكاف فنسبت إليه و"الهارونيات": مسائل جمعها محمد في زمن هارون الرشيد و "الجرجانيات": مسائل جمعها محمد بجرجان، وكل ما كان كبيرا فهو من رواية محمد عن الإمام، والصغير روايته عن الإمام بواسطة أبي يوسف، روي أن الشافعي استحسن مبسوط الإمام محمد فحفظه وأسلم حكيم من كفار أهل الكتاب بسبب مطالعته، وقال: هذا كتاب محمدكم الأصغر فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟ وفي النهاية وابن أمير حاج أن محمدا قرأ أكثر الكتب على أبي يوسف إلا ما كان فيه اسم الكبير كالمضاربة الكبير، والمزارعة الكبير

ص: 15

به تصحيح العبادات الخمس بعبارة منيرة كالبدر والشمس، دليله من الكتاب العزيز والسنة الشريفة والإجماع، تسربه قلوب المؤمنين وتلذ به الأعين والأسماع، جمعت فيه ما احتوى عليه شرحي للمقدمة بالتماس أفاضل أعيان للخيرات مقدمة، تقريبا للطلاب وتسهيلا لما به الفوز في المآب. وسميته:"مراقي الفلاح بإمداد الفتاح شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح" والله

ــ

والمأذون الكبير، والجامع الكبير والسير الكبير اهـ. ولم يذكر اسم أبي يوسف في شيء من السير الكبير؛ لأنه صنفه بعدما استحكمت النفرة بينهما، وكلما احتاج إلى رواية عنه قال: أخبرني الثقة اهـ. قوله: " احتوى ": أي اشتمل هذا الكتاب. قوله: " على ما به " أي على مسائل، والمراد دالها وهو النقوش وهو من احتوى الشيء على جزئه لأن الكتاب اسم للألفاظ الدالة على المعاني. وقوله: به أي بمعرفة تلك المسائل تصحيح العبادات الخمس أراد الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والحج، وعد الطهارة عبادة لأنه يثاب عليها بالنية وإن كانت لا تشترط فيها. قوله:" بعبارة ما حال من ": يعني أن الذي احتوى عليه هذا الكتاب كان بعبارة منيرة أي واضحة ظاهرة أو موضحة للمقصود للواقف عليها أو خبر عن الكتاب بعد الإخبار بما تقدم عنه، ويحتمل أنه ظرف لغو متعلق باحتوى ونسبة الإنارة إلى العبارة مجاز عقلي. قوله:" كالبدر " على حذف مضاف أي كإنارة البدر سمي بدر التمامة كتمام البدر التي هي عشرة آلاف درهم؛ أو لأنه يبادر طلوعه غروب الشمس وثلاثة أيام من أول الشهر هلال وبعده قمر إلى ستة وعشرين، وهذه إحدى طرق ذكره بعض مشايخي فيما كتب على مولد المدابغي، وذكر الشمس بعد القمر من باب الترقي. قوله:" دليله " الخ لم يذكر القياس؛ لأنه لم يخرج عنها. قوله: " تسر به قلوب المؤمنين " أي لما فيه من تصحيح عباداتهم. قوله: " وتلذ به الأعين والأسماع ": أي أصحاب الأعين والأسماع فمآله يرجع إلى ما قبله. قوله: " شرحي للمقدمة " يعني شرحه الكبير والأم في المقدمة شهير. قوله: " بالتماس أفاضل أعيان " عبر به إشارة إلى مساواة الطالب له بأن يكون من أقرانه ويحتمل أنه من تلامذته، وعبر به تواضعا وهو متعلق بجمعت، وقوله:" أفاضل أعيان " المراد بالأعيان: العلماء، والأفاضل: أعلمهم. قوله: " للخيرات مقدمة ": المجرور متعلق بما بعده يعني: أن هؤلاء الجماعة لا يقدمون إلا الخير، والخير: اسم عام لأنواع البر. قوله: " تقريبا " علة لجمعت الخ المفيد للاختصار، قوله: وتسهيلا: أي على الطلاب. قوله: لما به الفوز: أي الظفر وما به الفوز هو تصحيح العبادات الذي احتوى عليه هذا الكتاب. قوله: " في المآب ": أي المرجع وهو يوم القيامة. قوله: " مراقي الفلاح " المرقي: جمع مرقاة وهو السلم والفلاح الظفر بالمقصود شبه الفلاح بمنزل له مراق تشبيها مضمرا في النفس والمراقي تخييل وفي القاموس: والمراقاة وتكسر: الدرجة. قوله: " بإمداد الفتاح ": متعلق بمحذوف تقديره يرقاه بإمداد ولايصح تعليقه بمراقي؛ لأن الذي بإمداد الفتاح هنا هو الرقي، والمراد بالأمداد: الإستمداد والتحصيل أي إن الرقي بتحصيل الفتاح وذكره في القاموس معاني كثيرة للمادة. قوله: " نور الإيضاح " قال في القاموس: وضح الأمر يضح وضوحا وضحه وضحة وهو واضح ووضاح واتضح وأوضح وتوضح بأن وضحه وأوضحه فأفاد أن الإيضاح: الإبانة، ومعنى المصنف على هذا نور الإبانة أي الإبانة التي كالنور في

ص: 16

الكريم أسأل، وبحبيب المصطفى إليه أتوسل أن ينفع به جميع الأمة وأن يتقبله بفضله، ويحفظه من شر من ليس من أهله إذ هو من أجل النعمة، وأعظم المنة والله أسال أن ينفع به عباده ويديم به الإفادة: إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير آمين.

ــ

الظهور والاهتداء. قوله: " ونجاة الأرواح ": أي من العذاب فإن العذاب يقع على الروح كما يقع على الجسم، وإنما كان بهذا المتن نجاة الأرواح؛ لأن فيه تصحيح العبادة. والغالب أن من صحت عبادته لا سيما الصلاة انتهى عن الفحشاء والمنكر فينجو من العذاب. قوله:" والله الكريم أسأل ": أي لا أطلب النفع والقبول وحفظ هذا الكتاب إلا من الله تعالى. قوله: " وبحبيبه المصطفى الخ ": أي: لا أتوسل إليه في إتمام هذه المرادات إلا بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم. ورد: " توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم "، قوله:" أن ينتفع به جميع الأمة ": المراد بالجمع المجموع فإنه لا يتعبد كلهم على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، والنفع إيصال الخير إلى الغير، قوله: وأن يتقبله بفضله بأن يجعله خالصا لا لرياء ولا سمعة فإن العلم إذا صاحبه نحو الرياء كان سببا للعذاب، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما فعلت فيها قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمته فعرفها قال: فما عملت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار" الحديث. وقبوله هو الرضا به والإنابة عليه. قوله: بفضله أشار به إلى الرد على فرقة من المعتزلة أوجبت عليه تعالى الصلاح والإصلاح، قوله:" من ليس من أهله " كالحاسد الذي يحمل بعض تراكيبه على غير المراد منها أو يدخل فيه ما ليس منه أو يتعلمه ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه. قوله: " إذ هو من أجل النعمة " علة للجمل الثلاثة أي من أجل النعمة على الأمة إن نفعهم الله به؛ لأن فيه تصحيح عباداتهم ومن أجل النعمة على المؤلف أن تقبله منه ومن أجل النعمة التي يتنافس في مثلها ويحسد عليها فدعا بحفظه من شر من ذكر، قوله:" وأعظم المنة " هي النعمة، قال في القاموس: من عليه منا أنعم واصطنع عنده صنيعة، فالعطف عطف مرادف. قوله:" والله أسأل أن ينفع به عباده " أعاده ثانيا لشدة رغبته في ذلك وحرصه عليه، قوله:" إنه على ما يشاء قدير " ومن جملته نفع العباد بهذا الكتاب، وإدامة الإفادة به. قوله:" وبالإجابة جدير ". قال في القاموس: الجدير: مكان بني حواليه، والخليق والجمع جديرون وجدراء أهـ والمراد هنا المعنى الثاني.

ص: 17

‌كتاب الطهارة

‌مدخل

كتاب الطهارة

الكتاب والكتابة لغة: الجمع واصطلاحا طائفة من المسائل الفقهية اعتبرت مستقلة شملت أنواعا أو لم تشمل والطهارة بفتح الطاء مصدر طهر الشيء بمعنى النظافة وبكسرها: الآلة وبضمها فضل ما يتطهر به وشرعا حكم يظهر بالمحل الذي تتعلق به الصلاة لاستعمال المطهر والإضافة بمعنى اللام وقدمت الطهارة على الصلاة لكونها شرطا

ــ

قوله: " كتاب الطهارة "، قال في المصباح: كتب من باب قتل كتبا وكتبة وكتبة بالكسر، وكتابا والاسم الكتابة؛ لأنها صناعة كالتجارة والعطارة. قال: وتطلق الكتب والكتاب على المكتوب. قوله: " الجمع " ومنه يقال: كتب البغلة، أو الناقة إذا جمع بين شفريها بفتح الشين جانبي فرجها بحلقة أو سير ليمنع الوثب، وسميت الجماعة من الجيش كتيبة لاجتماعهم وأطلق الكتاب على هذه النقوش لما فيه من جمع حروفها بعضها إلى بعض. قوله:" الفقهية ". مثله في العناية والتقييد به لخصوص المقام. قوله: " اعتبرت مستقلة "، أي اعتبرها المعبر به مستقلة بحيث لا يتوقف تصور ما فيه على شيء قبله، أو بعده، وإنما إذ اعتبرت ليدخل نحو الطهارة فإنها من توابع الصلاة إلا أنها اعتبرت مستقلة بالمعنى السابق فأفردت بكتاب على حدة. قوله:" شملت أنواعا " كهذا الكتاب فإن فيه طهارة الوضوء وطهارة الغسل والطهارة بالماء والطهارة بالتراب إلى غير ذلك. قوله: " أولم تشمل " بأن لم يكن تحته باب ولا فصل ككتاب اللقيط واللقيط والآبق والفقود. قوله: " طهر الشيء " بفتح الهاء أفصح من ضمها. قوله: وبكسرها الآلة كالماء والتراب، قوله:" فضل ما يتطهر به " أي اسم لما فضل بعد التطهير، قوله: حكم يظهر بالمحل الذي في كبيره أثر يظهر بالمحل حكما وهي أظهر. قوله: " بالمحل الذي تتعلق به الصلاة "، قال في كبيره ما معناه: إنما عبرت بالمحل أي لا بالبدن ليشمل الثوب والمكان وعرفها في البحر بأنها زوال حدث أو خبث، قال السيد في شرحه لهذا الكتاب:" وهو المراد بالسيد حيث أطلق كما أن المراد بالشرح عند الإطلاق كبير المؤلف "، عرف صاحب البحر الطهارة شرعا: بأنها زوال حدث أو خبث وهو تعريف صحيح لصدقه بالوضوء وغيره كالغسل من الجنابة أو الحيض أو النفاس بل وبالتيمم أيضا لكن لو عبر في البحر بدل زوال بالإزالة؛ لأن الفن بالحدث عن فعل المكلف، وهو الإزالة لكان أولى وفيه إن التعريف للطهارة وهي الزوال، وأما الإزالة فلا تناسب تعريفا إلا للتطهير. قوله:" لاستعمال الماء الطاهر " لو حذفه

ص: 18

وهو مقدم " والمزيل للحدث والخبث " اتفاقا. " المياه ": جمع كثرة، وجمع القلة أمواه، والماء جوهر شفاف لطيف سيال والعذب منه به حياة كل نام وهو ممدود وقد يقصر. وأقسام المياه " التي يجوز " أي يصح " التطهير بها سبعة مياه ". أصلها " ماء السماء " لقوله تعالى: {أَلَمْ

ــ

كما في الشرح لكان أولى لعدم شموله التيمم اللهم إلا أن يقال المراد لاستعمال الماء ونحوه، فليس المراد التقييد وهو علة لقوله: يظهر بالمحل، وفي النسخة لاستعمال المطهر وهي أولى. قوله:" والإضافة بمعنى اللام " وهو على تقدير مضافين والتقدير هذا كتاب لبيان أحكام الطهارة. قال في الشرح: ويبعد كونها بمعنى من لأن ضابطها صحة الإخبار عن الأول بالثاني كخاتم فضة وهو مفقود هنا إذا لا يصح أن يقال الكتاب طهارة. قوله: " وقدمت الطهارة " جواب سؤال حاصل أن الصلاة هي المقصود الأهم فلم قدمت الطهارة عليها. قوله: " وهو مقدم " أي شرعا فإن الصلاة تتوقف عليها شرعا فقدمها وضعا أي ذكرا، والمراد أنها شرط لصحة الدخول فيها فلا ترد القعدة الأخيرة بناء على ما هو التحقيق إنها شرط؛ لأنها الخروج لكن يرد عليه الستر واستقبال القبلة أجيب بأنه سؤال دوري أو أن الطهارة ألزم وأهم، ولو يبين حكمة تقديم المياه على سائر أحكام الطهارة وبينها بعض الحذف الحذاق. فقال: وبدأ منها بيان المياه لأنها آلة وآلة الشيء مقدمة عليه إذ لا وجود له بدونها. قوله: " والمزيل للحدث الخ "، أخرج المصنف متنه عن إعرابه ولكن حيث كان الكلام له فله التصرف فيه. قوله:" اتفاقا "، وأما غير الماء من المائعات فالمعتمد من المذهب أنها مزيلة للأخباث وقال محمد والشافعي رضي الله تعالى عنهما: يشترط لطهارتها الماء المطلق أيضا، قوله:" المياه " أصله مواه فعل به ما فعل بميزان. قوله: " جمع كثرة وجمع القلة أمواه " والفرق بينهما أن جمع القلة يدل حقيقة بالوضع على ثلاثة فأكثر إلى عشرة فقط، وجمع الكثرة يدل كذلك على ما فوق العشرة إلى غير نهاية، وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر مجازا، فإن قيل: كان الأول التعبير بجمع القلة ليطابق المبتدأ الخبر وتحرزا عن ارتكاب المجاز بغير ضرورة فالجواب أن جمعي القلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات المجموع. أما في المعارف كما هنا فلا فرق بينهما. قوله: " شفاف " قال في القاموس: شف الثوب يشف شفوفا وشفيفا رق فجلا ما تحته اهـ. فمعناه الرقيق الذي لا يحجب ما تحته أي حيث خلا عن العوارض زاد في الشرح الذي يتلون بلون الإناء قوله: " والعذب منه الخ " خرج به الملح فإنه لا يحيا الناس به وهذا يفيد أن قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ} ، [الأنبياء 30] . خاص بالعذب. قوله:" وهو ممدود " وأصله موه قلبت الواو ألفا لانفتاح ما قبلها والهاء همزة لتناسب الألف وجعل الشارح إبدال الهاء همزة إبدالا شاذا، قوله:" وقد يقصر " أفاد أن القصر قليل. قوله: " أي يصح "، فسر الجواز بالصحة ولم يفسره بالحل لأن الكلام في بيان ما يصح به التطهير، وإن كان لا يحل كماء الغير المحرز في نحو جب وصهريج. قوله:" أصلها ماء السماء " اعترض بأن هذه العبارة تفيد أن السبعة غيره لأنها فروعه

ص: 19

تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} ، وهو طهور لقوله تعالى:{لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ، وهو ماء المطر لأن السماء ككل ما علاك فأظلك وسقف البيت سماء، وماء الطل وهو الندى مطهر في الصحيح " و "كذا:" ماء البحر " الملح لقوله صلى الله عليه وسلم: " هو الطهور ماؤه

ــ

مع أنه معدود منها، وأجيب بأن المراد الذي هو أحدها فالتقدير أصلها ماء السماء الذي هو أحدها، قال السيد: فإن قيل الكل ماء السماء لقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الحج: 63] الآية، وهذه العبارة أي عبارة المصنف التي فيها العطف تفيد المغايرة فالجواب كما ذكره العيني أن القسمة بحسب ما تشهد به العادة انتهى. قوله:" لقوله تعالى " علة للأصالة قيل: كل ماء من السماء ينزل إلى صخرة بيت المقدس ثم يقسمه الله تعالى، قوله:{مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} إن قيل: ليس في الآية ما يدل على أن جميع المياه من السماء؛ لأن ماء نكرة وهي في الإثبات تخص فلا تفيد العموم فالجواب أن ذلك عند عدم قرينة تدل عليه والقرينة ذكره في مقام الامتنان فلو لم تدل على العموم لفات المطلوب كما في السراج، وفي البناية والنكرة في الإثبات تفيد العموم بقرينة تدل عليه كما في قوله تعالى:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} ، قوله:{فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} أي: أدخله أماكن منها ينبع فيها قوله: {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} صدر الآية: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} ، قوله: وهو ماء المطر، لو قال: وهو ماء السحاب لكان أولى ليتجه الكلام الآتي، واعلم أن المطر تارة يكون من السحاب والسحاب يلتقمه من البحر فتنسفه الرياح فيحلو وهذا المطر لا ينبت وتارة ينزل من خزانة تحت العرش قطعا كبار لو نزلت بجملتها لأفسدت فتنزل على السحاب وهو كالغربال فينزل منه القطر الخفيف وهو الذي به الإنبات، كذا ذكره بعضهم وظاهر كلام المصنف أنه لا ينزل إلا من السحاب. قوله:" لأن السماء كل ما علاك " فإطلاق السماء على السحاب حقيقة لغوية. قوله: " فأظلك " ظاهر تقييده أنه لا يقال لنحو الطائر سماء؛ لأنه لا يظل. قوله: " وسقف البيت " من عطف الخاص وعبارة الشرح ومنه قيل لسقف البيت سماء وهي أولى مما هنا. قوله: " في "الصحيح " وقيل: هو نفس دابة فلا يجوز التطهير به، والصحيح أنه مطر خفيف. قوله: " وكذا ماء البحر " تكلف الشارح فجعله مبتدأ وخبرا ولا يفهم العدد منه وإنما دعا إلى ذلك تقدير أصلها في قوله سابقا أصلها ماء السماء. قال الجوهري: هو ضد البرق، قيل: سمي به لعمقه واتساعه وكل نهر عظيم بحر اهـ. قال في البناية: ومنه قيل لنهر مصر بحر النيل أهـ قال ابن سيده في المحكم: البحر الماء الكثير ملحا كان أو عذبا وقد غلب على الملح فيكون التنصيص عليه دفعا لمظنة توهم عدم جواز التطهير بت؛ لأنه مر منتن كما توهم ذلك بعض الصحابة، وفي الخبر: "من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله"، ومن الناس من كره الوضوء من البحر الملح لحديث ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: "لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا"، تفرد به أبو داود، وكان ابن عمر لا يرى جواز الوضوء به

ص: 20

الحل ميتته". " و "كذا: " ماء النهر ": كسيحون وجيحون والفرات ونيل مصر وهي من الجنة، " و "كذا " ماء البئر " وكذا: " ما ذاب من الثلج والبرد ": بفتح الباء الموحدة والراء المهملة واحترز به عن الذي يذوب من الملح؛ لأنه لا يطهر يذوب في الشتاء ويجمد في الصيف عكس الماء وقبل انعقاده ملحا طهور، وكذا " ماء العين " الجاري على الأرض من ينبوع، والإضافة في هذه المياه للتعريف لا للتقييد، والفرق بين الإضافتين: صحة إطلاق الماء على الأول دون الثاني إذ لا يصح أن يقال لماء الورد هذا ماء من غير قيد بالورد بخلاف ماء البئر لصحة إطلاقه فيه. " ثم المياه " من حيث هي " على خمسة أقسام " لكل منها وصف يختص به أولها " طاهر مطهر غير مكروه وهو الماء المطلق " الذي لم يخالطه ما يصير به

ــ

ولا الغسل عن جنابة، وكذا روي عن أبي هريرة وكذا ماء الحمام عنده، وعن أبي العالية أنه كان يتوضأ بالنبيذ، ويكره الوضوء بماء البحر؛ لأنه طبق جهنم، وما كان طبق سخط لا يكون طريقا لطهارة ورحمة، والجمهور على عدم الكراهة. قوله:"هو الطهور ماؤه" الخ قاله عليه الصلاة والسلام لمن جاءه، وقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟. قوله: "الحل ميتته" قاصر عندنا على السمك غير الطافي، وغير الجريث والمار ماهي، وهو ثعبان البحر والجريث: سمك أسود يشبه الترس. قوله: " وكذا ماء النهر " قال في القاموس: النهر ويحرك مجرى الماء. قوله: " كسيحون " نهر خجند وجيحون: نهر ترمذ، والفرات نهر الكوفة. قوله:" ونيل مصر ": هو أفضل المياه بعد الكوثر، ويليه بقية الأنهر، وورد أن الفرات ينزل فيه كل يوم بعض من ماء الجنة. قال بعض الحذاق: فائدة كون بعض المياه أفضل من بعض إنما تظهر في كثرة ثواب الأفضل، كما أن الماء المكروه أقل ثوابا من غيره. قوله:" وكذا ماء البئر " بهمز عينها وقد تخفف معروفة. قوله: " وكذا ما ذاب من الثلج والبرد ": أي بحيث يتقاطر. وعن الثاني: بجوز مطلقا، والأول أصح، وإنما جاز التطهير بهما لأن ماءهما ماء حقيقة لكنه جمد من شدة البرد ويذوب بالحر، والبرد: شيء ينزل من السماء يشبه الحصى، ويسمى: حب الغمام، وحب المزن كما في المصباح. قوله:" واحترز بت " أي بما ذاب من الثلج والبرد. قوله: " لأنه لا يطهر ": أي الأحداث فقط. قوله: " يذوب في الشتاء ": جملة قصد بها التعليل لقوله لأنه لا يطهر. قوله: " عكس الماء ": أي فليس حينئذ بماء. قوله: وقبل انعقاده ملحا طهور؛ لأنه على طبيعته الأصلية. قوله: " إذ لا يصح أن يقال لماء الورد " أي لغة وعرفا. قوله: " بخلاف ماء البئر ": أي مثلا. قوله: " ثم المياه ": ثم للترتيب الذكرى. قوله: " من حيث هي " أي باعتبار ذاتها بقطع النظر عن كونها ماء سماء ونحوه. قوله: " على خمسة أقسام " من حيث الأوصاف كما أشار إليه بقوله: " لكل منها وصف " الخ وليس التقسيم للحقيقة. قوله: " طاهر ": أي في نفسه مطهر لغيره حدثا وخبثا. قوله: " غير مكروه ": أي استعماله. قوله: " الذي لم يخالطه الخ ": فهو الباقي على أو صاف خلقته الأصلية. " فائدة ": يجوز الوضوء والغسل بماء زمزم عندنا من

ص: 21

مقيدا " و " الثاني: " طاهر مطهر مكروه " استعماله تنزيها على الأصح، " وهو ما شرب منه " حيوان مثل " الهرة " الأهلية إذ الوحشية سؤرها نجس " ونحوها "، أي الأهلية: الدجاجة المخلاة وسباع الطير والحية والفأرة؛ لأنها لا تتحامى عن النجاسة، وإصغاء النبي صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة كان حال علمه بزوال ما يقتضي الكراهة منها إذ ذاك " و " الذي يصير مكروها بشربها منه ما " كان قليلا " وسيأتي تقديره " و " الثالث " طاهر " في نفسه " غير مطهر " للحدث بخلاف الخبث " وهو: ما استعمل " في الجسد أو لاقاه بغير قصد " لرفع حدث أو "

ــ

غير كراهة بل ثوابه أكبر وفصل صاحب "لباب المناسك" آخر الكتاب فقال: يجوز الاغتسال والتوضؤ بماء زمزم إن كان على طهارة للتبرك فلا ينبغي أن يغتسل به جنب ولا محدث ولا في مكان نجس ولا يستنجي به ولا يزال به نجاسة حقيقة وعن بعض العلماء تحريم ذلك، وقيل: إن بعض الناس استنجى به فحصل له باسور اهـ. قوله: " تنزيها " على الأصل هو ما ذهب إليه الكرخي معللا بعدم تحاميها النجاسة وعلل الطحاوي الكراهة بحرمة لحمها، وهذا يقتضي التحريم، ثم الكراهة إنما هي عند وجود المطلق غيره، وإلا فلا كراهة أصلا كما في غاية البيان والتبيين. قوله:" حيوان مثل الهرة ": الأولى إبقاء المصنف على حاله كما فعل في كبيره لأن لفظ " مثل " يغني عن لفظ " ونحوها " الآتي في المتن. قوله: " نجس " أي اتفاقا؛ لما ورد: " السنور سبع "، فإن المراد به البري. قوله:" ونحوها ": مبتدأ خبره قوله: " الدجاجة " فغير إعراب متنه. قوله: " الدجاجة " وكل ماله دم سائل. وأما ما ليس له دم سائل فلا كراهة في استعماله ما مات فيه فضلا عن سؤرها. واعلم أن الكراهة في سؤر الهرة قول الإمام ومحمد، وقال أبو يوسف: لا كراهة فيه لحديث الإصغاء. قوله: " وإصغاء النبي صلى الله عليه وسلم الإناء " أي إمالته، قال في القاموس: وأصغى: استمع، وإليه مال سمعه والإناء أماله. قوله:" كان حال علمه " الخ أي بوحي أو كشف، فلو زال التوهم في حقه فلا كراهة في سؤرها؛ لأن الكراهة ما ثبتت إلا من ذلك التوهم فتسقط بسقوطه، قال في الفتح: فعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل أو شرب فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله كما أطلقه شمس الأئمة وغيره، بل يقيد بثبوت ذلك التوهم، فأما لو كان زائلا كما قلنا فلا كراهة اهـ. قوله:" إذ ذاك " أي وقت الإصغاء. قوله: " وسيأتي تقديره " ظاهر المذهب أنه ما يعده الناظر قليلا قوله: " وهو ما استعمل في الجسد الخ " ظاهره أنه إذا غسل عضوا من جسده لغير جنابة ونجاسة يكون مستعملا، والأصح أنه لا يكون مستعملا لعدم إسقاط الفرض كما في البحر. قوله:" لرفع حدث " وإن لم ينو بذلك قربة، كوضوء المحدث بلا نية إجماعا على الصحيح، ولم يذكر المصنف ما استعمل لإسقاط فرض بأن غسل بعض أعضاء وضوئه، فإنه يصير مستعملا لسقوط الفرض اتفاقا، وإن لم يزل به حدث عضوه لما عرف أنه لا يتجزأ زوالا وثبوتا، ولا تلازم بين سقوط الفرض، وزوال الحدث لأن مفاد السقوط عدم وجوب الإعادة، ورفع الحدث موقوف على التمام. قوله:" لقربة ": هي فعل ما يثاب

ص: 22

قصد استعماله " لقربة " وهي: " كالوضوء " في مجلس آخر، " على الوضوء بنيته ": أي الوضوء تقربا ليصير عبادة، فإن كان في مجلس واحد كره، ويكون الثاني غير مستعمل. ومن القربة: غسل اليد للطعام أو منه لقوله صلى الله عليه وسلم: " الوضوء قبل الطعام بركة " وبعده ينفي اللمم -أي الجنون- وقبله ينفي الفقر"، فلو غسلها لوسخ وهو متوضئ ولم يقصد القربة لا يصير مستعملا: كغسل ثوب ودابة مأكولة " ويصير الماء مستعملا بمجرد انفصاله عن الجسد " وإن لم يستقر بمحل على الصحيح وسقوط حكم الاستعمال قبل الانفصال لضرورة التطهير ولا ضرورة بعد انفصاله " ولا يجوز " أي لا يصح الوضوء " بماء شجر وثمر " لكمال امتزاجه

ــ

عليه ولا ثواب إلا بالنية، فإنه قيل المتوضئ ليس على أعضائه نجاسة لا حقيقة ولا حكما، فكيف يصير الماء مستعملا بنية القربة. قلت: لما عمل في تحصيل النور، كالمرة الأولى أوجب ذلك تغير وصفه، وإلا كان وجوده كعدمه، قوله: تقربا ليصير عبادة. أما إذا توضأ في مجلس آخر ولم ينو القربة كان إسرافا فلا يعتد به الماء مستعملا. قوله: " فإن كان في مجلس واحد " أي ولم يؤد بالأول عبادة شرع التطهير لها وإلا فلا يكره. قوله: " كره " أي: ولو نوى القربة ويكره إسرافا والإسراف حرام ولو على شط نهر، قاله السيد: ومفاده أن الكراهة تحريمية. قوله: " غسل اليد للطعام أو منه " أي بقصد السنة وإلا لا يستعمل، قوله:" لا يصير مستعملا " لعدم إسقاط فرض أو إقامة قربة وكذا توضأ بنية التعليم؛ لأن التعليم وإن كان قربة إلا أنه لم يتعين بالفعل بل يصح بالقول أيضا والأصح أن غسالة الميت إذا لم يكن عليه نجاسة مستعملة كوضوء الحائض بقصد إقامة المستحب فإن الماء يصير به مستعملا. قوله: كغسل ثوب ودابة مأكولة أي طاهرين، وقد قالوا: إن عرق الحمار طاهر والكلب إذا انتفض من الماء فأصاب إنسانا لا ينجسه لأنه طاهر العين، ومقتضى هذا أنه إذا غسلهما تكون غسالتهما طاهرة وهي مطهرة لعدم موجب الاستعمال. قوله:" على الصحيح " هو ما عليه العامة وصحح في الهداية وكثير من الكتب أنه المذهب كما في البحر، ووجهه ما ذكره المصنف بقوله:" وسقوط الخ "، واختاره الطحاوي وبعض مشايخ بلخ أنه لا يستعمل إلا إذا استقر وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا انفصل ولم يستقر فسقط على عضو آخر وجرى عليه من غير أن يأخذه بيده، فعلى الأول: لا يصح غسل ذلك العضو بذلك الماء، وعلى الثاني: يصح. واعلم أن صفة الماء المستعمل حكى بعضهم فيها خلافا على ثلاث روايات. وقال مشايخ العراق: لم يثبت في ذلك اختلاف أصلا بل هو طاهر غير طهور عند أصحابنا جميعا. قال شيخ الإسلام في "شرح الجامع الصغير": وهو المختار عندنا وهو المذكور في عامة كتب محمد عن أصحابنا واختاره المحققون من مشايخ ما وراء النهر، وقال في المجتبى وقد صحت الروايات عن الكل: أنه طاهر غير طهور إلا الحسن وروايته شاذة غير مأخوذ بها كما في مجمع الأنهر، لكن يكره شربه والعجن به تنزيها لاستقذار النفس له، قوله:" أي لا يصح " إنما فسره بذلك لأنه، لو أبقاه

ص: 23

فلم يكن مطلقا " ولو خرج بنفسه من غير عصر " كالقاطر من الكرم " في الأظهر " احترز به عما قيل بأنه لا يجوز بماء يقطر بنفسه لأنه ليس لخروجه بلا عصر تأثير في نفي القيد وصحة نفي الاسم عنه وإنما صح إلحاق المائعات المزيلة بالماء المطلق لتطهير النجاسة الحقيقية: لوجود شرط الإلحاق وهي: تناهي أجزاء النجاسة بخروجها مع الغسلات وهو منعدم في الحكمية لعدم نجاسة محسوسة بأعضاء المحدث، والحدث أمر شرعي له حكم النجاسة لمنع الصلاة معه وعين الشارع لإزالته آلة مخصوصة فلا يمكن إلحاق غيرها بها. " ولا " يجوز الوضوء " بماء زال طبعه " -وهو: الرقة والسيلان والإرواء والإنبات " بالطبخ " بنحو حمص

ــ

على حقيقته لا يفيد عدم الصحة وإنما يفيد عدم الحل وقد يجامع الصحة والمقصود الأول. قوله: بماء شجر المراد به مطلق النبات كالكرم وورق الهندباء. قوله: " وثمر " بالمثلثة ما يثمره النبات فيشمل جميع الفواكه والأزهار كما في القهستاني. قوله: " لكمال امتزاجه " فيه رد على الزيلعي حيث علل جواز رفع الحدث به بأنه لم يكمل امتزاجه ونظر فيه صاحب البحر. قوله: فلم يكن مطلقا إذ لا يطلق عليه اسم الماء بدون قيد. قوله: " احترز به عما قيل بأنه الخ " قاله صاحب الهداية: ومشى عليه الزيلعي ومعهما صاحب التنوير. قوله: " لأنه ليس لخروجه علة "؛ لقوله: " ولا يجوز الخ " وقد علله سابقا بقوله: " لكمال امتزاجه " وهو في المال يرجع إلى ما هنا. قوله: " وصحة نفي الاسم " أي اسم الماء المطلق حيث لا يقال له ماء بدون قيد وهو لازم لما قبله لأنه إذا كان لا ينتفي قيده لا يصح إطلاق اسم الماء عليه، قوله:" وإنما صح الخ " جواب سؤال حاصله أن الإمام رضي الله تعالى عنه ألحق المائعات بالممطلق في إزالة النجاسة الحقيقية فمقتضاه أن يلحق المقيد بالمطلق في إزالة الحكمية إذ لا فرق، وحاصل الجواب بالمنع وإثبات الفرق. قوله:" لتطهير النجاسة " متعلق بإلحاق والأولى التعبير بنفي. قوله: " لوجود شرط الإلحاق " متعلق بصح وهو علنه. قوله: " وهي تناهي " الأولى تذكير الضمير كما هو في نسخ. قوله: " بخروجها " الباء للسببية وهو متعلق بتناهي، قوله:" وهو منعدم في الحكمية " أي شرط الإلحاق الذي هو التناهي، قوله:" لعدم نجاسة محسوسة " أي حتى يحكم عليها بالتتامي. قوله: " والحدث أمر شرعي " يصلح جوابا ثانيا، قوله:" له حكم النجاسة " أي الحقيقة بل هو أعظم لأنه لا يعفى عن قليله. قوله: " آلة مخصوصة " وهي إما الماء المطلق أو خلفه وهو التراب، قوله:" ولا يجوز الوضوء الخ " الغسل مثل الوضوء في جميع أحكام المياه فلذا لم يصرح به، قوله:" وهو الرقة والسيلان " اقتصر عليهما في الشرح وهو الظاهر؛ لأن الأخيرين لا يكونان في ماء البحر الملح، ثم هذا من المصنف ليس على ما ينبغي فإنه متى طبخ بما لا يقصد به النظافة لا يرفع الحدث وإن بقي رقيقا سائلا لكمال الامتزاج بخلاف ما يقصد به النظافة فإنه لا يمتنع به رفعه إلا إذا خرج عن رقته وسيلانه فالفرق بينهما ثابت وتسوية المصنف بينهما ممنوعة أفادة السيد وغيره. قوله:" بالطبخ " قيد به لأنه لو تغير وصف

ص: 24

وعدس لأنه إذا برد ثخن كما إذا طبخ بما يقصد به النظافة -كالسدر- وصار به ثخينا وإن بقي على الرقة جاز به الوضوء. ولما كان تقييد الماء يحصل بأحد الأمرين: كمال الامتزاج بتشرب النبات أو الطبخ بما ذكرناه بين الثاني وهو: غلبة الممتزج بقوله: " أو بغلبة غيره " أي غير الماء " عليه " أي على الماء ولما كانت الغلبة مختلفة باختلاف المخالط بغير طبخ ذكر ملخص ما جعله المحققون ضابطا في ذلك، فقال:" والغلبة " تحصل " في مخالطة " الماء لشيء من " الجامدات " الطاهرة " بإخراج الماء عن رقته " فلا ينعصر عن الثوب " و " إخراجه عن " سيلانه " فلا يسيل على الأعضاء سيلان الماء " و " أما إذا بقي على رقته وسيلانه: فإنه " لا يضر " أي لا يمنع جواز الوضوء به " تغير أوصافه كلها بجامد:" خالطه بدون طبخ " كزعفران وفاكهة وورق شجر " لما في البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الذي وقصته ناقته وهو محرم بماء وسدر وأمر قيس بن عاصم حين أسلم أن يغتسل بماء وسدر

ــ

الماء بنحو الحمص أو الباقلا بدون طبخ بأن ألقى فيه ليبتل ولم تذهب رقة الماء فإنه يجوز التوضؤ به كما لو ألقى فيه زاج، وهو رقيقة كما في الخانية. قوله:" لأنه إذا برد ثخن " قد علمت أنه لا يرفع ولو بقي رقيقا قوله: " وإن بقي على الرقة جاز به الوضوء " وإن غير أوصافه الثلاثة لأنه مقصود للمبالغة في العرض المطلوب وهو النظافة واسم الماء باق وازداد معناه وهو التطهير ولذا جرت السنة في غسل الميت بالماء المغلي بالسدر والحرض. قوله: " كمال الامتزاج الخ " الأولى في التعبير أن يقول: ولما كان تقييد الماء يحصل بأحد الأمرين الأول: كمال الامتزاج بتشرب النبات أو الطبخ بما ذكرناه، والثاني: غلبة الممتزج فلما بين الأول شرع في بيان الثاني وهو غلبة المتمزج فقال الخ. قوله: " كمال الامتزاج " من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف وقوله: " بتشرب النبات " متعلق بكمال وقوله: " أو الطبخ عطف عليه "، وقوله:" بما ذكرناه " مراده به نحو الحمص والعدس مطلقا وما يقصد به التنظيف إذا صار الماء به ثخينا، قوله:" باختلاف المخالط " فإنه تارة يكون جامدا وتارة يكون مائعا موافقا للماء في أوصاف أو مخالفا كما يأتي توضيحه، قوله:" بغير طبخ " الأولى حذفه لأنه الأول المفروغ منه. قوله: " في ذلك " أي في الغلبة، قوله:" الطاهرة " أما النجسة فتنجس القليل منه مطلقا، والكثير إن ظهر أحد أوصافها، قوله:"وأما إذا بقي الخ" عبارة المتن في ذاتها أعذب وأخصر. قوله: " لا يضر تغير أوصافه " محله ما لم يصبح به كماء الزعفران إذا كان يصبغ بت، ومالم يحدث له اسم آخر، قال في القنية: ولو وقع الزعفران في الماء وأمكن الصبغ به منع وإلا لا اهـ. وقال في الدر المختار: فلو جامدا فبثخانته ما لم يزل الاسم كنبيذ تمر اهـ. قوله: " بدون طبخ " الأولى حذفه؛ لأنه الموضوع. قوله: " بماء وسدر " قد يقال غير نحو السدر لا يقاس عليه؛ لأن المقصود به التنظيف فاغتفر فيه تغير الأوصاف، ولا كذلك غيره، ويقال في الحديث الذي بعده كذلك

ص: 25

واغتسل النبي صلى الله عليه وسلم بماء فيه أثر العجين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل ويغسل رأسه بالخطمي وهو جنب ويجتزئ بذلك. " والغلبة " تحصل " في " مخالطة " المائعات: بظهور وصف واحد " كلون فقط أو طعم " من مائع له وصفان فقط " أي لا ثالث له، ومثل ذلك بقوله:" كاللبن له اللون والطعم " فإن لم يوجد أجاز به الوضوء وإن وجد أحدهما لم يجز كما لو كان المخالط له وصف واحد فظهر وصفه: كبعض البطيخ ليس له إلا وصف واحد، " و " قوله " لا رائحة له " زيادة إيضاح لعلمه من بيان الوصفين. " و " الغلبة توجد " بظهور وصفين من مائع له " أوصاف " ثلاثة " وذلك " كالخل " له لون وطعم وريح فأي وصفين منها ظهرا منعا صحة الوضوء والواحد منها لا يضر لقلته " والغلبة في " مخالطة " المائع الذي لا وصف له " يخالف الماء بلون أو طعم أو ريح:" كالماء المستعمل " فإنه بالاستعمال لم يتغير له طعم

ــ

قوله: بماء فيه أثر العجين قد يقال إنه لا ينتج الدعوى لعدم الدلالة على تغير جميع الأوصاف، وكذا يقال فيما بعده والحكم مسلم، قوله:" كبعض البطيخ " مثله القرع فإن ماءهما لا يخالف إلا في الطعم كماء الورد فإنه لا يخالف إلا في الريح. قوله: " لا رائحة له ": فيه أنه يشم من بعض رائحة الدسومة. قوله: " تكون الغلبة بالوزن " وهذا الاعتبار يجري فيها لو ألقى الماء المستعمل في المطلق أو انغمس الرجل فيه على ما هو الحق وأما ما في كثير من الكتب من أن الجنب إذا أدخل يده أو رجله في الماء فسد الماء فبني على رواية نجاسة الماء المستعمل وهي رواية شاذة، وأما على المختار للفتوى فلا، قال في البحر: فإذا عرفت هذا فلا تتأخر عن الحكم بصحة الوضوء أي والغسل من الفساقي الصغار الكائنة في المدارس والبيوت، إذا لا فرق بين استعمال الماء خارجا ثم صبه في الماء المطلق وبين ماإذا انغمس فيه فإنه لا يستعمل منه إلا ما تساقط عن الأعضاء أو لاقى الجسد فقط وهو بالنسبة لباقي الماء قليل ويتعين عليه حمل كلام من يقول بعدم الجواز على القول الضعيف لا الصحيح، فالحاصل أنه يجوز الوضوء والغسل من الفساقي الصغار ما لم يغلب على ظنه أن الماء المستعمل أكثر، أو مساو ولم يغلب على ظنه وقوع نجاسة فيه وتمامه فيه قوله:" جاز به الوضوء " ظاهر أنه يجوز بالكل ويجعل المستعمل مسلكا لقلته. قوله: " حلت فيه نجاسة " قيد به لأنه لو تغيرت أوصافه بطول المكث وكان باقيا على طبعه فهو مطهر لأنه باق على خلقته الأصلية ولو صار ثخينا، لا قوله:" وعلم وقوعها يقينا الخ "، ولو شك يجوز ولو وجده منتنا لأنه قد يكون بسبب طاهر خالطه، أو بطول المكث، والأصل الطهارة ولا يلزمه السؤال لقول عمر لما سأل ابن العاص عن حوض أتوا عليه فقال: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، وعلى هذا الضيف إذا قدم إليه طعام ليس له أن يسأل من أين لك هذا؟ قوله:" وهذا في غير قليل الأرواث " أي

ص: 26

ولا لون ولا ريح وهو طاهر في الصحيح " و " مثله ماء " الورد المنقطع الرائحة: تكون " الغلبة " بالوزن " لعدم التميز بالوصف لفقده " فإن اختلط رطلان " مثلا " من الماء المستعمل " أو ماء الورد الذي انقطعت رائحته " برطل من " الماء " المطلق لا يجوز به الوضوء " لغلبة المقيد " وبعكسه " وهو: لو كان الأكثر المطلق " جاز " به الوضوء وإن استويا لم يذكر حكمه في ظاهر الرواية وقال المشايخ: حكمه حكم المغلوب احتياطا " و " القسم " الرابع " من المياه: " ماء نجس وهو: الذي حلت " أي وقعت " فيه نجاسة " وعلم وقوعها يقينا أو بغلبة الظن وهذا في غير قليل الأرواث لأنه معفو عنه كما سنذكره، " وكان " الماء " راكدا " أي ليس جاريا وكان " قليلا والقليل " هو:" ما " مساحة محله " دون عشر في عشر " بذراع العامة -والذراع- يذكر ويؤنث- وإن كان قليلا وأصابته نجاسة " فينجس بها وإن لم يظهر أثرها " أي النجاسة " فيه " وأما إذا كان عشرا في عشر بحوض مربع أو ستة وثلاثين في مدور وعمقه أن يكون بحال لا تنكشف أرضه بالغرف منه على الصحيح، وقيل: يقدر عمقه بذراع أو شبر فلا ينجس إلا بظهور وصف للنجاسة فيه حتى موضع الوقوع، وبه أخذ مشايخ بلخ

ــ

نجاسة الماء بوقوع النجاسة فيه محله في غير قليل الأرواث إذا وقع في الآبار، قوله: كما سنذكره: أي في فصل البئر. قوله: " بذراع العامة " صحح قاضيخان ذراع المساحة لأن المكان من الممسوحات وقال: في الهداية الفتوى على اعتبار ذراع الكرباس توسعة للأمر على الناس وذراع المساحة سبع قبضات مع كل قبضة أصبع قائمة، وأما ذراع الكرباس ففي الكافي ومنلا مسكين أنه سبع قبضات فقط، ونقل صاحب الدرر أن المفتي به ذراع المساحة وأنه أكبر من ذراعنا اليوم، فالعشر في العشر بذراعنا اليوم ثمان في ثمان بالماسحة. قوله:" والذراع " يذكر ويؤنث اقتصر في المغرب على التأنيث. قوله: " وإن كان قليلا الخ " لا حاجة إلى هذه الزيادة. قوله: " أو ستة وثلاثين في مدور " هذا القدر إذا ربع يكون عشرا في عشر، وفي المثلث كل جانب منه يكون ذرعه خمسة عشر ذراعا وربعا وخمسا، قال الزيلغي وغيره: والعبرة بوقت الوقوع فإن نقص بعده لا ينجس، وعلى العكس: لا يطهر وفي البحر عن السراج الهندي: الأشبه أنه يطهر. قوله: " بالغرف منه " أي بالكفين كما في القهستاني وفي الجوهرة وعليه الفتوى. قوله: " وبه أخذ مشايخ بلخ " ولو كان للنجاسة جرم فلا فرق بين موضع الوقوع وغيره وبين نجاسة ونجاسة، وينبغي تصحيحه كما في " الفتح " وهو المختار كما قاله العلامة قاسم وعليه الفتوى كما في النصاب. قوله:" هو المفتي به " وهو قول عامة المشايخ خانية، وهو قول الأكثر، وبه نأخذ نوازل وعليه الفتوى كما في شرح الطحاوي وحقق في " البحر " أن هذا التقدير لا يرجع إلى أصل يعتمد عليه، وأن ظاهر الرواية عن الإمام، بل عن الثلاثة كما قاله الإمام الرازي: التفويض إلى رأي المستعمل، فإن غلب على ظنه أنه كثير لا تؤثر فيه النجاسة، فهو كثير وإلا

ص: 27

توسعة على الناس والتقدير بعشر في عشر هو المفتى به ولا بأس بالوضوء والشرب من جب يوضع كوزه في نواحي الدار ما لم يعلم تنجسه ومن حوض يخاف أن يكون فيه قذر ولا يتيقن ولا يجب أن يسأل عنه، ومن البئر التي تدلى فيها الدلاء والجرار الدنسة وتحملها الصغار والإماء ويمسها الرستاقيون بأيد دنسة ما لم تتيقن النجاسة أو كان " جاريا " عطف على راكدا " وظهر فيه " أي الجاري " أثرها " فيكون نجسا " والأثر: طعم " النجاسة " أو لون أو ريح " لها لوجود عين النجاسة بأثرها. والنوع " الخامس: ماء مشكوك في طهوريته " لا في طهارته، " وهو: ما شرب منه حمار أو بغل " وكانت أمه أتانا لا رمكة؛ لأن العبرة للأم كما سنذكره في الأسآر إن شاء الله تعالى.

ــ

فهو قليل كما ظن له خاصة فيتيمم إن لم يجد غيره فيعتبر في كل مكلف ظنه إذ العقول مختلفة وكل مستعمل مأمور بالتحري وليس هذا من الأمور التي يجب فيها على العامي تقليد المجتهد كما في الفتح فإن توافقت آراؤهم فيها ويؤمهم أحدهم وإلا فلا، قوله:" ولا بأس بالوضوء " هذا مما فرع على أن الماء لا ينجس إلا بالعلم بوقوع النجاسة أو غلبة الظن. قوله: " من حب " بالحاء المهملة الخابية والكرامة غطاؤها فيقال لك عندي حب وكرامة بهذا المعنى. قوله: " ومن حوض يخاف أن يكون فيه قذر " ولو كان متغيرا منتنا لأن ذلك قد يكون بطاهر وقد يكون بالمكث. قوله: " وتحملها الصغار والإماء "، خصهم لأنهم لا يعلمون الأحكام فغيرهم ممن يعلم أولى. قوله:" الرستاقيون " أي أهل القرى: وفي القاموس الرستاق: الرزداق كالرسداق اهـ. ولم يذكر غير ذلك.

تنبيه: لا عبرة بالعمق وحده على الأوجه لأن الاستعمال يقع من السطح لا من العمق وقيل لو كان بحال لو بسط يبلغ عشرا في عشرة فهو كثير وفي القهستاني إنه الأصح والعمل على خلافه لكن قالوا إن الإنسان يجوز له العمل بالقول الضعيف في خاصة نفسه إذا كان له رأي بل بالحديث الثابت صحته وإن لم يقل به أمامه كما ذكره البيري في شرح الأشباه، قوله:" فيكون نجسا " أي المخالط للنجاسة فقط لا جميعه أفاده السيد قوله: " لأن العبرة للأم " في أحكام منها السؤر وحل الأكل وحرمته، والرق، والحرية، أما في النسب فالعبرة للأب، لكن ولد الشريفة له شرف في الجملة، والله أعلم وأستغفر الله العظيم.

ص: 28

‌فصل في بيان أحكام السؤر

" والماء القليل " الذي بينا قدره بدون عشر في عشر ولم يكن جاريا " إذا شرب منه حيوان يكون على " أحد " أربعة أقسام و " ما أبقاه بعد شربه " يسمى سؤرا " بهمز عينه ويستعار الاسم لبقية

ــ

فصل في بيان أحكام السؤر

قوله: " والماء القليل الخ " قالوا: ولا يسمى سؤرا إلا إذا كان قليلا، فلا يقال لنحو النهر المشروب منه سؤرا. قوله:" بهمز عينه " أما السؤر بدون همزة البناء المحيط بالبلد، والجمع

ص: 28

الطعام والجمع أسآر والفعل: أسأر: أي أبقى شيئا مما شربه، والنعت منه سآر على غير قياس؛ لأن قياسه مسئر، ونظيره أجبره فهو جبار " الأول " من الأقسام: سؤر " طاهر مطهر " بالاتفاق من غير كراهة في استعماله، " وهو: ما شرب منه آدمي " ليس بفمه نجاسة، لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في"، ولا فرق بين الكبير والصغير والمسلم والكافر والحائض والجنب، وإذا تنجس فمه فشرب الماء من فوره تنجس، وإن كان بعد ما تردد البزاق في فمه مرات وألقاه أو ابتلعه قبل الشرب فلا يكون سؤره نجسا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لكنه مكروه لقول محمد بعدم طهارة النجاسة بالبزاق عنده. " أو " شرب منه " فرس " فإن سؤر الفرس طاهر بالاتفاق على الصحيح من غير كراهة "أو" شرب منه " ما " بمعنى حيوان " يؤكل لحمه " كالإبل والبقر والغنم ولا كراهة في سؤرها إن لم تكن جلالة تأكل الجلة بالفتح وهي في

ــ

أسوار كنور، وأنوار مصباح، قوله:" لبقية الطعام " الذي في المستصفى، والقهستاني عن المغرب أنه استعير لمطلق البقية من كل شيء. قوله:" والفعل أسأر " يقال أسأر كأرم وسأر كمنع إذا أبقى وعقب، كما في القاموس، ويقال إذا شربت فأسئر كأكرم. قوله:" أي أبقى شيئا مما شربه " لا حاجة إليه. قوله: " والنعت منه سآر " بوزن خطاب. قوله: " لأن قياسه مسئر " إلا أنه لم يسمع كما صرح به أهل اللغة خلافا للمجد في القاموس، فجوز القياس، قوله:" وإذا تنجس فمه " كأن شرب خمرا أو أكل أو شرب نجسا أو قاء ملء الفم، قوله:" فلا يكون سؤره نجسا " ما لم يكن شاربه طويلا لا يستوعبه اللسان فسؤره نجس ولو بعد زمان كما في شرح التنوير.

تنبيه: يكره أن يشرب سؤر غيره إن وجد منه لذة إلا الزوجين، والسيد مع أمته، وكذا يكره حلاقة الأمر إن وجد المحلوق رأسه من اللذة ما يزيد على ما لو كان الحلاق ملتحيا، وبالأولى كراهة تكبيس الأمر في الحمام بالشرط المذكور، قوله:" لكنه مكروه " أي تنزيها مراعاة للخلاف. قوله: " أو شرب منه فرس " لفظه يقع على الذكر والأنثى وربما قالوا للأنثى فرسة، قوله:" فإن سؤر الفرس طاهر بالاتفاق " أما عندهما فظاهر لأنه مأكول عندهما، وأما عند الإمام فلأن لعابه متولد من لحمه وهو طاهر وحرمته للتكريم لكونه آلة الجهاد فصارت حرمته كحرمة لحم الآدمي، ألا ترى أن لبنه حلال بالإجماع كما في التبيين بل صح رجوعه عن القول بحرمته قبل موته بثلاثة أيام وعليه الفتوى وذكر شيخ الإسلام وغيره أن أكل لحمه مكروه وتنزيها في ظاهر الزاوية وهو الصحيح كما في مجمع الأنهر. قوله:" على الصحيح " وقيل نجس حكاه صاحب منية المصلي، وقيل مشكوك كسؤر الحمار. قوله:" من غير كراهة " وروى الحسن عن الإمام أنه مكروه كلحمه، قوله:" كالإبل والبقر " أدخلت الكاف الطيور مأكولة اللحم. قوله: " ولا كراهة في سؤرها " لأنه يتولد من الحلم طاهر فأخذ حكمه. قوله: " إن لم تكن حلالا تأكل الجلة "

ص: 29

الأصل البعرة وقد يكنى بها عن العذرة، فإن كانت جلالة فسؤرها من القسم الثالث مكروه " و " القسم " الثاني ": سؤر " نجس " نجاسة غليظة وقيل خفيفة " لا يجوز استعماله " أي لا يصح التطهير به بحال ولا يشربه إلا مضطر كالميتة " وهو ": أي السؤر النجس " ما شرب منه الكلب " سواء فيه كلب صيد وماشية وغيره لما روى الدارقطني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكلب يلغ في الإناء أنه يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا " أو " شرب منه الخنزير لنجاسة عينه لقوله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} " أو " شرب منه " شيء " بمعنى حيوان " من سباع البهائم " احترز به عن سباع الطير وسيأتي حكمها، والسبع حيوان مختطف منتهب عاد عادة " كالفهد والذئب " والضبع والنمر والسبع والقرد لتولد لعابها من لحمها وهو نجس كلبنها " و " القسم " الثالث ": سؤر " مكروه استعماله " في الطهارة كراهة تنزيه " مع وجود غيره " مما لا كراهة فيه ولا يكره عند عدم الماء لأنه طاهر لا يجوز المصير إلى التيمم مع وجوده " وهو: سؤر الهرة " الأهلية لسقوط حكم النجاسة اتفاقا لعلة الطواف المنصوص عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم

ــ

أي فقط فإن كانت تخلط وأكثر علفها طاهر فلا كراهة في سؤرها كما في الجوهرة. قوله: " وقد يكنى بها عن العذرة " بكسر الذال ولاتسكن غائط بني آدم. والعذر: اسم لفناء الدار وكانوا يلقونها فيه فسميت باسم ظرفها. قوله: " وقيل خفيفة " محل الخلاف في غير الكلب والخنزير، أما هما فمغلظان اتفاقا ثم التغليظ والتخفيف إنما يظهران في غير المائعان. قوله: أي لا يصح التطهير بت، دفع به توهم إرادة عدم الحل وهو يجامع الصحة كما مر. قوله:" ولا يشربه إلا مضطر كالميتة " لكن لا يشرب منه ولا يأكل منها إلا قدر ما يقيم به البينة كما أفاده العلامة نوح. قوله: " إنه يغسل ثلاثة الخ " وما ذلك إلا لنجاسته ويندب عندنا التسبيع وكون إحداهن بالتراب. قوله: " لنجاسة عينه " لم يقل نظيره في الكلب لما أن المعتمد فيه أنه طاهر العين. قوله: " من سباع البهائم " سميت بهائم لانبهام الأمر عليها أو لانبهام أمرها علينا. قوله: " وسيأتي حكمها " أي في القسم الثالث. قوله: مختطف لفظه يفيد السرعة بخلاف المنتهب. قوله: " في الطهارة " تقييده بها يفيد أنه لا يكره في شرب وطبخ وليس كذلك. قوله: " كراهة تنزيه " ماذكره هو الصحيح وذهب أبو يوسف إلى أن سؤر الهرة يجوز شربه والوضوء به من غير كراهة. قوله: " ولا يكره عند عدم الماء " إلا نسب الضمير. قوله: " اتفاقا " والخلاف إنما هو في الكراهة، فإن أبا يوسف لا يقول بها كما مر. قوله:" بعلة الطواف " الإضافة للبيان. قوله: " المنصوص عليه " ذكر باعتبار المضاف إليه. قوله: "إنها من الطوافين" بيان للضرورة المسقطة حكم النجاسة والتأنيث باعتبار لفظ الهرة، وهو اسم جنس يعم الذكر والأنثى، والطوافين جمع الذكور والطوافات جمع الإناث وجمعه جمع ومن يعقل لمجاورته لمن يعقل قال في القاموس:

ص: 30

والطوافات" قال الترمذي حديث حسن صحيح ولكن يكره سؤرها تنزيها على الأصح لأنها لا تتحامى عن النجاسة كماء غمس صغير يده فيه وحمل إصغاء النبي صلى الله عليه وسلم لها الإناء على زوال ذلك الوهم بعلمه بحالها في زمان لا يتوهم نجاسة فمها بمنجس تناولته. والهرة البرية سؤرها نجس لفقد علة الطواف فيها ويكره أن تلحس الهرة كف إنسان ثم يصلي قبل غسله أو يأكل بقية ما أكلت منه إن كان غنيا يجد غيره ولا يكره أكله للفقير للضرورة " و " سؤر " الدجاجة " بتثليث الدال وتاؤها للوحدة لا للتأنيث والدجاج مشترك بين الذكر والأنثى والدجاجة الأنثى خاصة ولهذا لو حلف لا يأكل لحم دجاجة لا يحنث بلحم الديك ويكره سؤر " المخلاة ": التي تجول في القاذورات ولم يعلم طهارة منقارها من نجاسته فكره سؤرها للشك فإن لم يكن كذلك فلا كراهة فيه بأن حبست فلا يصل منقارها لقذر " و "

ــ

الطواف الخادم يخدم يخدمك برفق وعناية اهـ. فالكام على التشبيه، فإنها بحفظها بني آدم من الهواء كأنها خادمة لهم. قوله:" حسن صحيح " على حذف العاطف أي أنه من إحدى الرتبتين. قوله: " ولكن يكره سؤرها تنزيها " عند عدم العلم بحالها، أما إذا علم حالها من نجاسة وغيرها فيثبت حكمه. قوله:" كماء غمس صغير إلخ " فإنه مكروه، والظاهر أنه إذا علم طهارة يده يقينا تنتفي الكراهة. قوله:" ويكره أن تلحس الهرة كف إنسان إلخ " مقيد بحال التوهم. فأما لو كان زائلا فلا كراهة، وكذا يقال في أكل سؤرها وشربه كما بحثه الكمال. قوله: للضرورة أفاد به أنه لم يجد غيره والأكره له كالغنى فإذن لا فرق ذكره بعض الحذاق قوله: " والدجاج مشترك " ويفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة وبيض وبيضة. قوله: " والدجاجة الأنثى خاصة " هذا اصطلاح الفقهاء بدليل ما بعده، وهذا من المصنف خلط اصطلاح بلغة فأوقع في الوهم. قوله:" ويكره سؤر المخلاة " لا حاجة إلى هذه الزيادة. والمخلاة بالخاء المعجمة وتشديد اللام المرسلة. قال شيخ الإسلام في " مبسوطه ": هي التي لا تعلف في البيوت فلا تتحامى النجاسات بواسطة التقاط الحب فمنقارها لا يخلو عن قذر فتثبت الكراهة لا حتمال حتى لو تيقن ذلك عند شربها كان سؤرها نجسا اتفاقا. وأما محل الكراهة عند جهالة الحال برهان، وكذا الكم في إبل وبقر وغنم جلالة فالأولى حذف دجاجة، وعرق الجلالة طاهر على الظاهر خالية، وكره لبن الجلالة ولحمها إذا أنتن وتحبس لتزول الكراهة حتى يذهب نتنه وقدر بثلاثة أيام للدجاجة، وللشاة بأربعة وللإبل والبقر بعشرة در في الاستحسان. قال الحموي: والدجاج لابأس بت؛ لأن لحمه لا يتغير اهـ. قوله: " التي تجول " أي تطوف أو تدور أفاده في القاموس في جملة معان. قوله: " ولم يعلم طهارة منقارها " أما إذا علمت، أو ضدها فالحكم ظاهر. قوله:" بأن حبست الخ " الحبس كما قال شيخ الإسلام أن تحبس في بيت وتعلف هناك فلا تجد عذرات غيرها حتى تفتش فيها الحب وهي لا تفتش في عذرات نفسها عادة، فأمن تفتيش النجاسة اهـ. قله:" للزوم طوافها " أي والطواف الذي هو العلة في هذا الباب لسقوط النجاسة في حقها ألزم قوله:

ص: 31

سؤر " سباع الطير كالصقر والشاهين والحدأة والرخم والغراب " مكروه؛ لأنها تخالط الميتات والنجاسات فأشبهت الدجاجة المخلاة حتى لو تيقن أنه لا نجاسة على منقارها لا يكره سؤرها وكان القياس نجاسته لحرمة لحمها كسباع البهائم، لكن طهارته استحسان لأنها تشرب بمنقارها وهو عظم طاهر وسباع البهائم تشرب بلسانها وهو مبتل بلعابها النجس. " و " سواكن البيوت مما له دم سائل " كالفأرة " والحية والوزغة مكروه للزوم طوافها وحرمة لحمها النجس و " لا " كذلك سؤر " العقرب " والخنفس والصرصر لعدم نجاستها فلا كراهة فيه. " و " القسم " الرابع " سؤر " مشكوك " أي متوقف حكم " طهوريته "

ــ

" وحرمة لحمها النجس " الواو بمعنى مع قوله: " فلا كراهة فيه "، ولوماتت في الماء. قوله:" سؤر مشكوك ". قال ابن أمير حاج: هذه التسمية لم ترو عن سلفنا أصلا، وإنما وقعت لكثير من المتأخرين فسماه بعضهم مشكوكا وبعضهم مشكلا ومرادهم بذلك التوقف في كونه يزيل الحدث. فقالوا: يجب استعماله مع التيمم عند عدم الماء المطلق احتياطا ليخرج عن العهدة بيقين وليس معناه الجهل بحكم الشرع كما فهمه أبو طاهر الدباس فأنكر هذا التعبير؛ لأن الحكم فيه معلوم وهو ماذكرنا والقول بالتوقف في مثل هذا لتعارض الأدلة دليل العلم وغاية الورع. قال الحلبي: وأما النجاسة الحقيقية فإنه يزيلها عند الإمام وأبي يوسف لقلعه إياها حقيقة فصار كالخل بخلاف الحكم. قوله: " أي متوقف في حكم طهوريته ". قال شيخ الإسلام خواهر زاده: الأصح أن دليل الأشكال هو التردد في الضرورة، والبلوى المسقطتين للنجاسة فإن الحمار يربط في الدور ويشرب من الأواني المستعملة، ويخالط الناس في ركوبه فأشبه الهرة؛ لأنها أشد مخالطة منه لدخولها في المضايق دون الحمار، فلو لم يكن فيه ضرورة أصلا كان كالكلب في الحكم بالنجاسة بلا إشكال، ولو كانت الضرورة فيه كضرورة الهرة كان مثلها في سقوط النجاسة لذلك، وحيث ثبتت الضرورة من وجه دون وجه قيل بالشك في طهورية سؤره للاحتياط وعدم الحرج في ذلك عملا بالدليلين بقدر الإمكان وإعمال الدليلين أولى من إهمالهما عند عدم المرجح. قال في البحر والمعتمد أن كلا من عرق الحمار ولعابه طاهر وإذا أصاب الثوب أو البدن لا ينحسه وإذا وقع في الماء القليل صار مشكوكا وإن الشك في جانب اللعاب والعرق أي في ذاتهما متعلق بالطهارة وفي جانب السؤر متعلق بالطهورية فقط، ولا شك في الطهارة لأن الماء طاهر بيقين وقد خالطه مشكوك في طهارته وهو اللعاب أو العرق فلا ينجس بالشك ولكن أورث شكا في طهوريته للاحتياط حتى لو اختلط هذا السؤر بماء قليل جاز الوضوء به من غير شك ما لم يساوه كما في مخالطة الماء المستعمل اهـ. قوله:" فلم يحكم الخ " أي فاحتجنا معه إلى التيمم لتحقق الرفع بمطهر يقينا قوله: " الذي

ص: 32

فلم يحكم بكونه مطهرا جزما، ولم ينف عنه الطهورية. " وهو: سؤر البغل " الذي أمه أتان " والخمار " وهو يصدق على الذكر والأنثى؛ لأن لعابه طاهر على الصحيح والشك لتعارض الخبرين في إباحة لحمه وحرمته والبغل متولد من الحمار فأخذ حكمه " فإن لم يجد " المحدث " غيره " أي غير سؤر البغل والحمار " توضأ به وتيمم " والأفضل تقديم الوضوء لقول زفر بلزوم تقديمه والأحوط أن ينوي للاختلاف في لزوم النية في الوضوء بسؤر الحمار، " ثم صلى " فتكون صلاته صحيحة بيقين لأن الوضوء به لو صح لم يضره التيمم وكذا عكسه، ومن قال من مشايخنا إن سؤر الفحل نجس لأنه يشم البول فتنجس شفتاه فهو غير سديد؛ لأنه أمر موهوم لا يغلب وجوده ولا يؤثر في إزالة الثابت ويستحب غسل الأعضاء بعد ذلك بالماء لإزالة أثر المشكوك والمكروه.

" فصل " في التحري " لو اختلط " اختلاطا

ــ

أمه أتان " ولا يكره سؤره ما أمه مأكولة كبقرة وأتان وحش وفرس ولا أكله إلا الثالث على قول الإمام قوله: " لأن لعابه طاهر " علة لقوله مشكوك في طهوريته. قوله: " والشك " أي في طهوريته. قوله: " في إباحة لحمه " روي أن أبجر قال: أطعم أهلك من سمين حمرك. قوله: " وحرمته " أخرج البخاري في غزوة خيبر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: يا رسول الله أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثانية فقال: أكلت الحمر فسكت ثم أتاه الثالثة فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا ينادي في الناس أن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، وفي رواية: "فإنها رجس" فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم. والجمهور على أن التحريم لعينها، وقيل لكونها كانت جلالة، وقيل: لأنها كانت حمولة القوم، وقيل: لأنها أفنيت قبل قسمة المغنم، وأعرض شيخ الإسلام هذا التعارض بما قدمناه عنه، قوله: " فإن لم يجد غيره " ولو الغير مكروها فإنه طهور يقينا. قوله: " توضأ به وتيمم " عطف بالواو المفيدة لمطلق الاجتماع ليفيد التخيير في التقديم. قوله: " بلزوم تقديمه " لأنه لما وجب الوضوء به أشبه الماء المطلق وهو لا يصح التيمم عند وجوده فكذا ما أشبهه فيجب تعديم الوضوء ليكون عادما للماء وقت التيمم. قوله: " والأحوط أن ينوي " لضعف التطهير به عن المطلق فيتوقى بالنية. قوله: " ثم صلى " أتي بثم ليفيد أن الصلاة بعد فعلهما وهو الأفضل فلو صلى بعد كل طهارة الصلاة صح مع الكراهة ولايلزم الكفر لأنه لم يصل بغير طهارة من كل وجه بل من وجه دون وجه فهو كصلاة حنفي بعد اقتصاده فإنه لا يكفر فإن الطهارة باقية بالنظر إلى قول الإمام مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهما. قوله: " ولا يؤثر في إزالة الثابت " أي بيقين وهو طهارة الماء، قوله: " فصل في التحري ": هو

تفريغ الوسع والجهد لتمييز الطاهر عن غيره، وفي أوائل شرح مسلم للنووي توخى وتأخى، وتحرى بمعنى ثم لما كان الإختلاط نوعين اختلاط ممازجة، واختلاط

ص: 33

مجاورة، لا ممازجة " أو أن " جمع إناء " أكثرها طاهر " وأقلها نجس " تحري للتوضؤ " والاغتسال قيد بالأكثر؛ لأنه يتيمم عند تساوي الأواني، والأفضل أن يمزجها أو يريقها فيتيمم لفقد المطهر قطعا وإن وجد ثلاثة رجال ثلاث أوان أحدها نجس وتحرى كل إناء صحت صلاتهم وحدانا " و " كذا يتحرى مع كثرة الطاهر لإرادة " الشرب " لأن المغلوب كالمعدوم ولو اختلط إن آن ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى، صحت إن مسح في موضعين من رأسه لا في موضع لأن تقديم الطاهر مزيل للحدث وقد تنجس بالثاني وفاقد المطهر يصلي مع النجاسة وطهر بالغسل. الثاني: إن قدم النجس ومسح محلا آخر من رأسه وإن مسح محلا بالماءين دار الأمر بين الجواز لو قدم الطاهر وعدم الجواز لتنجس البلل بأول ملاقاة لو أخر الطاهر فلا يجوز للشك احتياطا " وإن كان أكثرها " أي المختلطة بالمجاورة " نجسا لا يتحرى إلا للشرب " لنجاسة كلها حكما للغالب فيريقها عند عامة المشايخ ويمزجها لسقي الدواب عند الطحاوي ثم يتيمم. " وفي " وجود " الثياب المختلطة يتحرى " مطلقا أي: " سواء كان أكثرها طاهرا أو نجسا " لأنه لا خلف للثوب في ستر العورة،

ــ

مجاورة، وكان الأول أبلغ قدمه وأخر الثاني وذكره بفصل على حدة لتغير حكمه بالنسبة للأول، قوله: أو إن مرفوع بالفاعلية وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، وأصله أو أني يفعل به كجوار. قوله:" والأفضل الخ ": يقال مثله فيما إذا كان الطاهر أقل. قوله: " أن يمزجها " أي عند الطحاوي أو يريقها أي عند عامة العلماء ولحكاية الخلاف. قوله: " وإن وجد ثلاثة رجال " التقييد بالثالثة والرجال اتقاقي قوله: " جازت صلاتهم وحسدانا " ولا يصح اقتداء بعضهم لأن كلا لا يجوز الوضوء بما تحراه الآخر لكونه نجسا في حقه بحسب تحرية فكان الإمام غير متطير في حق المأموم قوله: " ولم يتحر " أي لفقد شرطه وهو كثرة الطاهر فلا مفهوم له قوله: " إن مسح في موضعين من رأسه " كل موضع قدر الربع وإنما كان هذا التفصيل في الرأس لأن باقي أعضاء يغسل فإذا قدم النجس فبالغسل ثانيا بالطاهر تطهر ويرتفع به الحدث وإن قدم الطاهر ارتفع الحدث من أول الأمر فتصح صلاته ولا يضره تنجس الأعضاء بالغسل ثانيا بالنجس لأنه حينئذ فاقد لما يزيل به النجاسة وفاقده يصلي بالنجاسة ولا يعيد قوله: " لأن تقديم الطهار " أي على سبيل الفرض قوله: " وقد تنجس بالثاني " أي وهو فاقد المطهر قوله: " إن قدم النجس " أي فرضا قوله: " لو قدم الطاهر " لأنه تنجس بالثاني بعد رفع الحدث عن جميع الأعضاء وهو فاقد للمطهر ومن فقده صلى بنجاسته ولا إعادة عليه قوله: " لتنجس البلل " علة لقوله وعدم الجواز وقوله بأول ملاقاة متعلق بقوله لتنجس: أي فلم يزل حديث الرأس يتم الوضوء قوله: " فلا يجوز للشك احتياطا " فينتقل إلى التيمم لفقده المطهر قوله: " لا يتحرى إلا للشرب " ولو اختلطت أوانيه بأواني

ص: 34

والماء يخلفه التراب وإن صلى في أحد ثوبين متحريا لنجاسة أحدهما ثم أراد صلاة أخرى فوقع تحريه في غير الذي صلى فيه لم يصح لأن إمضاء الاجتهاد لا ينقض بمثله إلا في القبلة لأنها تحتمل الانتقال إلى جهة أخرى بالتحري لأنه أمر شرعي والنجاسة أمر حسي لا يصيرها طاهرة بالتحري للزوم الإعادة بظهور النجاسة بعد التحري في الثياب والأواني فمتى جعلنا الثوب طاهرا بالاجتهاد للضرورة لا يجوز جعله نجسا باجتهاد مثله فتفسد كل صلاة يصليها بالذي تحرى نجاسته أولا وتصح بالذي تحرى طهارته ولو تعارض عدلان في الحل والحرمة بأن أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبحه مجوسي وعدل آخر أنه زكاه مسلم لا يحل لبقائه على الحرمة بتهاتر الخبرين ولو أخبرا عن ماء وتهاترا بقي على أصل الطهارة

ــ

أصحاب في السفر وهم غيب أو اختلط رغيفه ارغفتهم قال بعضهم: يتحرى وقال بعضهم: ينتظر حتى يجيء أصحابه وهذا في حال الاختيار أما في حال الإضطرار فإنه يتحرى مطلقا وبقولنا قال مالك وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: يتحرى لأنه واجد الماء قوله: " وإن صلى في أحد ثوبين الخ " وكذا لو تحرى إناء ثم تبدل اجتهاده إلى طهارة غيره فالعبرة لاجتهاده الأول ولا يعتبر الثاني قوله: " لأن إمضاء الاجتهاد لا ينقض " أي باجتهاد مثله وإلا لأدى إلى عدم استقرار حكم وفيه حرج عظيم كمافي الأشباه قوله: " لأنها تحتمل الإنتقال إلى جهة أخرى بالتحري " لأن المكلف به عند الإشتباه جهة التحري لتعذر إصابة الجهة حقيقة فبتبدل الاجتهاد تتبدل الجهة لا محالة قوله: " لأنه أمر شرعي " أي التحري الذي تنتقل به القبلة قوله: " للزوم الإعادة الخ " بخلاف القبلة فإنه لو ظهر خطؤه بعد تحريه لا يعيد قوله: " لبقائه " أي اللحم على الحرمة أي التي هي الأصل إذ حل الأكل متوقف على تحقق الذكاة اشرعية وبتعارض الخبرين لم يتحقق الحل فبقيت الذبيحة على الحرمة قوله: " بتهاتر الخبرين " أي تساقطهما لا ستوائهما في الصدق قال في الهداية ولو كان المخبر بنجاسة الماء ذميا لا يقبل قوله: كالصبي والمعتوه ولا يجب التحري ولكن يستحب بخلاف الفاسد لأن خبره يستوي فيه الصدق والكذب فيجب التحري طلبا للترجيح قال في القاموس: الهتر مزق العرض هتره يهتره وبالكسر الكذب والجاهية والأمر العجيب والسقط من الكلام والخطأ فيه والنصف الأول من الليل اهـ.

تنبيه: مثل تعارض الخبرين الشك وقالوا: إن الشك على ثلاثة أضرب شك طرأ على أصل حرام وشك طرأ على أصل مباح وشك لايعرف أصله فالأول مثل أن يجد شاء مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس فلاتحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم لأن الأصل فيها الحرمة إذ حل الأكل يتوقف على تحقق الذكاة الشرعية فصار حل الأكل مشكوكا فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للحل والثاني أن يجد ماء متغيرا واحتمل أن يكون تغيره بنجاسة أو طول مكث يجوزالتطهير به عملا بأصل الطهارة والثالث مثل معاملة من أكثر ماله حرام لاتحرم مبايعته حيث لم يتحفق حرمة ماأخذه منه ولكن يكره خوفا من الوقوع في الحرام كذا في فتح القدير قاله أبو السعود في حاشية الإشباه.

ص: 35

‌فصل في مسائل الآبار

والواقع فيها روث أو حيوان أو قطرة من دم ونحوه وحكمها أن " تنزح البئر " أي ماؤها لأنه من إسناد الفعل إلى البئر وإرادة الماء الحال بالبئر " الصغيرة " وهي: ما دون عشر في عشر " بوقوع نجاسة " فيها " وإن قلت " النجاسة التي " من غير الأرواث " وقدر القليل: " كقطرة دم أو " قطرة " خمر " لأن قليل النجاسة ينجس قليل الماء وإن لم يظهر أثره فيه " و " تنزح " بوقوع خنزير ولو خرج حيا و " الحال أنه " لم يصب فمه الماء " لنجاسة عينه " و " تنزح " بموت كلب " قيد بموته فيها لأنه غير نجس العين على الصحيح فإذا لم يمت وخرج حيا ولم يصل فمه الماء لا ينجس " أو " موت " شاة أو " موت " آدمي فيها " لنزح ماء زمزم

ــ

فصل في مسائل الآبار

هي كأصحاب فهو بهمزة بعد باء ساكنة ومن العرب من يقدمها على الباء فتجتمع همزتان فتقلب الثانية ألفا ووزنه أفعال وعلى الأول أفعال من بأر يبأر بأرا من باب قطع إذا حفر البؤرة بالضم الحفرة ومناسبة هذا الفصل لماقبله ظاهرة لأنه من جملة المياه قوله: " والواقع فيها الخ " يصح قرائته بالجر عطفا على مسائل وقوله: ورث بدل منه وبالرفع مبتدأ ورث الخ خبره وعلى الأول فالعطف تفسير لأن مسائل الآبار هي أحكام مائها إذا وقع فيها شيء مما ذكر قوله: " ونحوه " من كل نجس ولو مخففا لأن الغليظ والخفيف في المياه سواء قوله: " لأنه من إسناد الفعل إلى البئر " قصدا للمبالغة في إخراج جميع الماء وقوله: وإرادة الماء الحال بالبئر أشارة به إلى أنه من إطلاق اسم المحل وإرادة الحال فيه قوله: " لأنه غير نجس العين على الصحيح " هو قول الإمام رضي الله عنه وعندهما نجس العين كالخنزير والفتوى على قول الإمام وإن رجح قولهما كما في الدر عن ابن الشحنة قوله: " أو موت شاة " هي اسم جنس يطلق على الضأن والمعز كما في المصباح والمراد أن تكون كبيرة في الجملة حتى لو كان ولد الشاة صغيرا جدا كان

ص: 36

بموت زنجي وأمر ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم به بمحضر من الصحابة من غير نكير " و " تنزح " بانتفاخ حيوان ولو " كان " صغيرا " لانتشار النجاسة " و " تنزح وجوبا " ملئتا دلو " وسط وهو المستعمل كثيرا في تلك البئر ويستحب زيادة مائة ولو نزح الواجب في أيام أو غسل الثوب النجس في أيام طهر وتطهير البئر بانفصال الدلو الأخير عن فمها عندهما وعند محمد بانفصاله عن الماء ولو قطر في البئر للضرورة وقال يشترط الانفصال لبقاء الاتصال بالقاطر بها وقدر محمد رحمه الله تعالى الواجب بمائتي دلو " لو لم يمكن نزحها " وأفتى به لما شاهد آبار بغداد كثيرة المياه لمجاورة دجلة والأشبه أن يقدر ما فيها بشهادة رجلين لهما خبرة بأمر الماء وهو الأصح " وإن مات فيها " أي البئر " دجاجة أو هرة أو نحوهما " في الجثة ولم تنتفخ " لزم نزح أربعين دلوا " بعد إخراج الواقع منها روي التقدير بالأربعين عن

ــ

حكمه حكم الهرة قوله: " أو موت آدمي فيها " مبني على غالب حال الميت من عدم خلوه عن نجاسة وإلا فقد مر أن غسالة الميت النظيف مستعملة فقط على الأصح فإذا كان نظيفا لا ينزح به شيء ولو قبل الغسل روي ذلك عن أبي القاسم الصفار كما في القهستاني عن المحيط فاستثناها صاحب الدر الشهيد النظيف فقط فيه قصور وما ذكره من التفصيل في المسلم إذا وقع قبل الغسل ينجس وبعده لا مبني على الغالب أيضا ذكره بعض الأفاضل قلت أو ذلك مبني القول بأن نجاسة الميت نجاسة خبث وصحح أيضا وقد فرع أهل المذهب فروعا على كل منهما قوله: " وتنزع بانتفاخ حيوان " أي دموع غير مائي وكذا لو تفسخ أو تمعط شعره أو ريشه قوله: "ولو صغيرا كحلمه وقال بعضهم: ينزع عشرة دلاء وليس بقوي قوله: وهو المستعمل كثيرا في تلك البئر هو ظاهر الرواية ويكفي ملء أكثر الدلو ونزح ما وجد وإن قل قوله: " ولو نزح الواجب الخ " وكذا لو نزح القدر الواجب مرة واحدة قوله: وقالا يشترط الخ أعاده لذكر دليله وثمرة الخلاف تظهر فيمن استقى منها قبل انفصاله عن فمها يكون نجسا عندهما طاهرا عنده قوله: وقدر محمد رحمه الله الواجب بمائتي دلو هو الأيسر وجزم به في الكنز والملتقى وفي الخلاصة وعليه الفتوى وهو المختار كما في الإختيار ورجحه في النهر وتبعه الحموي ويستحب زيادة مائة لزيادة النزاهة قوله: لو لم يمكن نزحها لغلبة نبع الماء حتى لو أمكن سد منابع الماء من غير عسر لزم ثم بنزح كما فعل في زمزم كذا في غاية البيان قوله: وأفتى به لما شاهد آبار بغداد كثيرة المياه يعني وكانت مع كثرتها لا تزيد على هذا القدر قال الحلبي: فعلى هذا لا ينبغي أن يفتي بالمائتين مطلقا بل ينظر إلى غالب آبار البلد لكن في النهر أن التقدير بالمائتين مخرج على الغالب فليكن هو المعتبر لانضباطه تطمينا وقطعا للوسوسة كما اعتبروا في ذلك العشرة في العشر قوله: والأشبه: أي بقواعد الفقه لكونها نصاب

ص: 37

أبي سعيد الخدري في الدجاجة وما قاربها يعطى حكمها وتستحب الزيادة إلى خمسين أو ستين لما روي عن عطاء والشعبي "وإن مات فيها فأرة" بالهمز "أو نحوها" كعصفور ولم ينتفخ "لزم نزح عشرين دلوا" بعد إخراجه لقول أنس رضي الله عنه في فأرة ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها: ينزح عشرون دلوا وتستحب الزيادة إلى ثلاثين لاحتمال زيادة الدلو المذكور في الأثر على ما قدر به من الوسط "وكان ذلك" المنزوح "طهارة للبئر والدلو والرشاء" والبكرة "ويد المستقى" روي ذلك عن أبي يوسف والحسن لأن نجاسة هذه الأشياء كانت بنجاسة الماء فتكون طهارتها بطهارته نفيا للحرج كطهارة دن الخمر بتخللها وطهارة عروة الإبريق بطهارة اليد إذا أخذها كلما غسل يده وروي عن أبي يوسف أن الأربع من الفئران كفأرة واحدة والخمس كالدجاجة إلى التسع والعشر كالشاة وقال محمد الثلاث إلى الخمس كالهرة والست كالكلب وهو ظاهر الرواية وما كان بين الفأرة والهرة فحكمه حكم الفأرة وما كان بين الهرة والكلب فحكمه حكم الهرة وإن وقع فأرة وهرة فهما كهرة ويدخل الأقل في الأكثر "ولا تنجس البئر بالبعر" وهو للإبل والغنم وبعر يبعر من حد منع "والروث" للفرس والبغل والحمار من حد نصر "والخثي" بكسر الخاء - واحد الأخثاء للبقر من باب ضرب؟؟ - ولا فرق بين آبار الأمصار والفلوات في.

ــ.

الشهادة الملزمة ذكره السيد مزيدا قوله: "إلى خمسين" هو المذكور في الجامع الصغير قال في الهداية وهو الأظهر اهـ لأن الجامع الصغير آخر التصنيفين فالمذكور فيه هو المرجوع إليه قوله: "أو ستين" هي رواية الأصل قال في شرح المجمع وهو الأحوط قوله: "بعد إخراجه" راجع إلى الواقع من حيث هو لأن النزح قبله لا يفيد لأنه سبب النجاسة إلا إذا تعذر إخراجه كخشبة أو خرقة نجسة تعذر إخراجها أو تغيبت فينزح القدر الواجب وتطهر الخشبة والخرقة تبعا لطهارة البئر كما في السراج قوله: "لاحتمال زيادة الخ" روى الأكمل الحديث المذكور بلفظ في الفأرة إذا وقعت في البئر ينزح عشرون دلوا أو ثلاثون رواه السمرقندي بالشك وأولا حد الشيئين فكان الأقل وهو العشرون ثابتا بيقين وثبت الشك في الأكثر فكان مستحبا لئلا يترك اللفظ المروي اهـ.

فروع في الخانية جلد الآدمي أو لحمه إذا وقع في الماء إن كان مقدار الظفر يفسده وإن كان دونه لا يفسده ولو سقط الظفر نفسه في الماء لا يفسد وفيها بول الهرة والفأرة وخرؤهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب وبول الخفاش وخرؤه لا يفسد لتعذر الاحتراز عنه انتهى وفي الشرنبلالية عن الفيض الأصح أن البئر لا تنجس ببول الفأرة قوله: "في ظاهر الرواية" الأولى أن يقول في الصحيح فإن ظاهر الرواية كما ذكره.

ص: 38

الصحيح ولا فرق بين الرطب واليابس والصحيح والمنكسر في ظاهر الرواية لشمول الضرورة فلا تنجس "إلا أن" يكون كثيرا وهو ما "يستكثره الناظر " والقليل ما يستقله وعليه الاعتماد "أو أن لا يخلو دلو عن بعرة" ونحوها كما صححه في المبسوط "ولا يفسد" أي لا ينجس "الماء بخرء حمام" الخرء بالفتح واحد الخرء بالضم مثل قرء وقرء وعن الجوهري بالضم كجند وجنود والواو بعد الراء غلط "و" لا ينجس بخرء "عصفور" ونحوها مما يؤكل من الطيور غير الدجاج والإوز والحكم بطهارته استحسان لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكر الحمامة وقال إنها أوكرت على باب الغار حتى سلمت فجازاها الله تعالى المسجد مأواها فهو دليل على طهارة ما يكون منها ومسح ابن مسعود رضي الله عنه خرء الحمامة بأصبعه والاختيار في كثير من كتب المذهب طهارته عندنا واختلف التصحيح في طهارة خرء ما لا يؤكل من الطيور ونجاسته مخففة "ولا" ينجس الماء ولا المائعات على الأصح "بموت

ــ.

السرخسي أن الروث والمتفتت في البعر مفسد مطلقا قوله: "ونحوها" الأولى التذكير إلا أن يعود على المذكور كله قوله: "غير الدجاج والاوز" مثلهما البط قوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم الخ" ولأن الصدر الأول ومن بعدهم أجمعوا على اقتناء الحمامات في المساجد حتى في المسجد الحرام مع الأمر بتطهيرها فدل ظاهرا على عدم نجاسته قوله: "ومسح ابن مسعود" وكذلك ابن عمر إلا أنه مسحه بمحصاة قوله: "واختلف التصحيح الخ" قال في الخانية وزرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لا يفسد الماء في ظاهر الرواية عند محمد لتعذر الاحتراز عنه ثم قال بعد ذلك وزرق سباع الطيور يفسد الثوب إذا فحش ويفسد ماء الأواني ولا يفسد ماء البئر اهـ.

تنبيه قال في النهاية الاستحالة إلى فساد لا توجب نجاسة فإن سائر الأطعمة تفسد بطول المكث ولا تنجس اهـ لكن يحرم الأكل في هذه الحالة للإيذاء لا للنجاسة كاللحم إذا أنتن يحرم أكله ولا يصير نجسا بخلاف السمن واللبن والدهن والزيت إذا أنتن لا يحرم وكذا الأشربة لا تحرم بالتغير كذا في البحر ويتفرع على حرمة أكل اللحم إذا أنتن للإيذاء لا للنجاسة حرمة أكل الفسيخ المعروف في الديار المصرية لما ذكر ولم أره صريحا وفي تذكرة الحكيم داود عند ذكره السمك قال والمقدد الشهير بالفسيخ رديء يولد السدد والقولنج والحصا والبلغم الجصى وربما أوقع في الحميات الربعية والسل ويهزل اهـ قوله: "على الأصح" الخلاف في غير السمك أما هو فلا يفسد المائع إجماعا.

ص: 39

ما" بمعنى حيوان "لا دم له" سواء البري والبحري "فيه" أي الماء أو المائع وهو "كسمك وضفدع" بكسر الدال أفصح والفتح لغة ضعيفة والأنثى ضفدعة والبري يفسده إن كان له دم سائل "وحيوان الماء" كالسرطان وكلب الماء وخنزيره لا يفسده "وبق" هو كبار البعوض واحده بقة وقد يسمى به الفسفس في بعض الجهات وهو حيوان كالقراد شديد النتن "وذباب" سمي به لأنه كلما ذب آب أي كلما طرد رجع "وزنبور" بالضم "وعقرب" وخنفس وجراد وبرغوث وقمل لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء" رواه البخاري زاد أبو داود "وأنه يتقى بجناحيه الذي فيه الداء" وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم

ــ.

قوله: "لا دم له" أي سائل فالمعتبر عدم السيلان لا عدم أصل الدم حتى لو مات في الماء حيوان له دم جامد غير سائل لا ينجسه قهستاني قوله: "فيه" قيد اتفاقي حتى لو مات خارجه وألقى فيه يكون الحكم كذلك قوله: "والبري يفسده" هو ما لا سترة له بين أصابعه قوله: "وحيوان الماء" الحد الفاصل بين المائي والبري أن المائي ما لا يعيش في غير الماء والبري ما لا يعيش في غير البر واختلف فيما يعيش فيهما فقال: قاضيخان في شرح الجامع الصغير إنه يفسد وفي المجتبى طير الماء كالبط والأوز إذا مات فيه لا ينجسه والأوجه الأول قوله: "لا يفسده" لكن يحرم شربه لأن النفوس تعافه قوله: "وقد يسمى به الفسفس" هو البق بلغة مصر قوله: "في بعض الجهات" أي الأقاليم وهو الشام قوله: "لأنه كلما ذب آب" ربما يتوهم أن الإسم مركب من الفعلين والذي ذكره بعض المحققين أنه مشتق من الذب وهو الطرد لأنه يطرد قوله: "وزنبور" بضم الزاي والباء أنواع شتى يجمعها حكم واحد قوله: "وعقرب" يقال للذكر والأنثى والذكر عقربان وأنثاه عقربة عيناها في وسط ظهرها ولا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مرات لم تضره عقرب حتى يمسي ومن قالها حين يمسي لم تضر حتى يصبح" قوله: "إذا وقع الذباب الخ" وجه الدلالة منه أنه لو كان موته ينجس ما وقع فيه لم يأمر صلى الله عليه وسلم بغمسه لأنه يفضي إلى موته فيه لا محالة لا سيما إذا كان الشراب حارا فيموت من ساعته وفي تنجسه إتلاف والشارع لا يأمر به بل صح النهي عنه قوله: "وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء" قال بعض الفضلاء تأملت ذلك الجناح فوجدته الأيسر.

فرع لا ينجس المائع وقوع بيضة طرية من بطن دجاجة ولا وقوع سخلة من بطن أمها ولو كانت رطبة ما لم يعلم أن عليهما قدرا لأن رطوبة المخرج ليست بنجسة وقيل.

ص: 40

فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه" "ولا" ينجس الماء "بوقوع آدمي و" لا بوقوع "ما يؤكل لحمه" كالإبل والبقر والغنم "إذا خرج حيا ولم يكن على بدنه نجاسة" متيقنة ولا ينظر إلى ظاهر اشتمال أبوالها على أفخاذها "ولا" الماء "بوقوع بغل وحمار وسباع طير" كصقر وشاهين وحدأة "و" لا يفسد بوقوع "وحش" كسبع وقرد "في الصحيح" لطهارة بدنها وقيل يجب نزح كل الماء إلحاقا لرطوبتها بلعابها "وإن وصل لعاب الواقع إلى الماء أخذ" الماء "حكمه" طهرة ونجاسة وكراهة وقد علمته في الأسآر فينزح بالنجس والمشكوك وجوبا ويستحب في المكروه عدد من الدلاء لو طاهرا وقيل عشرين "ووجود حيوان ميت فيها" أي البئر "ينجسها من يوم وليلة" عند الإمام احتياطا "ومنتفخ" ينجسها "من ثلاثة أيام ولياليها إن لم يعلم وقت وقوعه" لأن الانتفاخ دليل تقادم العهد فيلزم إعادة صلوات تلك المدة إذا توضئوا منها وهم محدثون أو اغتسلوا من جنابة وإن كانوا متوضئين.

ــ.

تنجسه الرطبة لخروجها من مخرج نجس والأول قياس قول الإمام والثاني قياس قولهما ومشى على الأول قاضيخان وعلى الثاني صاحب الخلاصة قوله: "بوقوع آدمي" ولو جنبا أو حائضا أو نفساء انقطع دمها أو كافرا قوله: "ولا ينظر الخ" لاحتمال طهارتها بورودها ماء كثيرا قبل ذلك فهذا مع الأصل وهو الطهارة تظافرا على عدم النزح كذا في الفتح قوله: "ولا يفسد الماء بوقوع بغل وحمار" ولا يصير مشكوكا لأن بدن هذه الحيوانات طاهر لأنها مخلوقة لنا استعمالا وإنما تصير نجسة بالموت كذا في الدرر وهذا كله عند عدم وصول لعاب ما ذكر إلى الماء وأما إذا وصل إليه فقد ذكر حكمه بعد قوله: "وأن وصل لعاب الواقع الخ" وعرق كل شيء كلعابه فيأخذ الماء حكمه أيضا على المذهب كذا في الدر المنتقي قوله: "والمشكوك" صرح به المحققون من أهل المذهب وعلله الحلبي باشتراك المشكوك والنجس في عدم الطهورية وأن افترقا من حيث الطهارة فإذا لم تنزح ربما تطهر به والصلاة به وحده لا تجزى فينزح كله قوله: "ويستحب في المكروه عدد" أي من غير تقدير في الأصل أي نزح عدد وكذا يقال فيما بعد قوله: "وقيل عشرين" عن محمد كل موضع فيه نزح لا ينزح أقل من العشرين لأنه أقل ما جاء به الشرع من المقادير اهـ وهذا النزح لتسكين القلب لا للتطهير حتى لو توضأ منها من غير نزح جاز قوله: "ووجود حيوان الخ" قيد بالحيوان لأن غيره من النجاسات لا يتأتى فيه التفصيل ولا الخلاف بل ينجسها من وقت الوجدان فقط والمراد الحيوان الدموي غير المائي كما مر قوله: "ومنتفخ" وبالأولى إذا كان متمعطا أو متفسخا قوله: "أن لم يعلم وقت وقوعه" عبارة غيره موته بدل وقوعه وهي الأولى وقيد بعدم العلم لأنه إن علم أو ظن فلا أشكال ويعتبر الحكم من وقته بلا خلاف قوله: "لأن الانتفاخ دليل تقادم العهد" وأدنى حد التقادم في الانتفاخ ونحوه ثلاثة أيام لحصول ذلك في مثلها غالبا ألا ترى أن من دفن بغير صلاة يصلى على قبره إلى ثلاثة لا بعدها وعدم الانتفاخ دليل على.

ص: 41

أو غسلوا الثياب لا عن نجاسة فلا إعادة إجماعا وإن غسلوا الثياب من نجاسة ولم يتوضئوا منها فلا يلزمهم إلا غسلها في الصحيح لأنه من قبيل وجود النجاسة في الثوب ولم يدر وقت إصابتها ولا يعيد صلاته اتفاقا هو الصحيح وقال أبو يوسف ومحمد يحكم بنجاستها من وقت العلم بها ولا يلزمهم إعادة شي من الصلوات ولا غسل ما أصابه ماؤها في الزمن الماضي حتى يتحققوا متى وقعت فإن عجن الآن بمائها قيل يلقى للكلاب أو يعلف به المواشي وقال بعضهم يباع لشافعي وإن وجد بثوبه منيا أعاد من آخر نومة وفي الدم لا يعد شيئا لأنه يصيبه من الخارج.

ــ.

قرب عهده فقدر بيوم وليلة لأن ما دون ذلك ساعات لا تنضبط وأمر العبادة يحتاط فيه قوله: "فيلزم اعادة صلوات تلك المدة" لأن المانع قد ثبت بيقين وهو الحدث ومثله نجاسة الثياب ووقع الشك في المزيل واليقين لا يزول بالشك قوله: "فلا إعادة إجماعا" لوجود المقتضى للصحة وهو الطهارة من الحدث والخبث ووقع الشك في المانع وهو إصابة ذلك الماء والصلاة لا تبطل بالشك قوله: "ولا يعيد صلاته اتفاقا" لا يتجه على قول الإمام لأن قياسه أن يوجب مع الغسل الإعادة ولا على قولهما لأنهما لا يوجبان غسل الثياب أصلا قوله: "وقال أبو يوسف ومحمد يحكم بنجاستها من وقت العلم" لجواز أنه سقط فيها فمات في الحال أو ألقته الريح أو بعض السفهاء أو الصبيان أو الطيور حكي عن أبي يوسف أنه قال كان قولي كقول الإمام إلى أن كنت جالسا في بستان فرأيت حدأة في منقارها جيفة فطرحتها في البئر فرجعت إلى قول محمد قوله: "فإن عجن الآن بمائها" أي بعد العلم بالنجاسة قوله: "يباع لشافعي" لأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس عنده بدون ظهور أثر قوله: "لأنه يصيبه من الخارج" بخلاف المني حتى أن الثوب إن كان مما يلبسه هو وغيره يستوي فيه حكم الدم والمني قال البرهان الحلبي الحكم بالاقتصار فيما لو رأى على ثوبه نجاسة إنما يتأتى في الرطبة أما اليابسة فينبغي أن يتحرى وقت إصابتها عنده وكذا عندهما إذ لا يتأتى أن يقال إنها إصابته تلك الساعة بعد يبسها إلا أن يكون الزمان محتملا ليبسها بعد الأصابة وهو تفصيل حسن.

ص: 42

"‌

‌فصل في الاستنجاء

".

هو قلع النجاسة بنحو الماء ومثل القلع التقليل بنحو الحجر "يلزم الرجل الاستبراء".

ــ.

قوله: "فصل في الاستنجاء" لا يخفي حسن تقديمه على الوضوء وهو من أقوى سننه كما في العناية وهو في اللغة مسح موضع النجو أو غسله يعني مطلقا والنجو ما يخرج من البطن يقال نجا وأنجى إذا أحدث اهـ مغرب وقال الأزهري مشتق من النجو بمعنى القطع يقال نجوت الشجرة وأنجيتها واستنجيتها إذا قطعتها لأنه يقطع عنه الأذى بالماء أو الحجر اهـ وقيل من النجوة وهي الأرض المرتفعة لاستتارهم بها أو لارتفاعهم وتجافيهم عن.

ص: 42

عبر باللازم لأنه أقوى من الواجب لفوات الصحة بفوته لا بفوت الواجب والمراد طلب براءة المخرج عن أثر الرشح "حتى يزول أثر البول" بزوال البلل الذي يظهر على الحجر بوضعه على المخرج "و" حينئذ "يطمئن قلبه" أي الرجل ولا تحتاج المرأة إلى ذلك بل تصبر قليلا ثم تستنجي واستبراء الرجل "على حسب عادته إما بالمشي أو بالتنحنح أو الاضطجاع" على شقه الأيسر "أو غيره" بنقل أقدام وركض وعصر ذكره برفق لاختلاف عادات الناس فلا يقيد بشيء "ولا يجوز" أي لا يصح "له الشروع في الوضوء حتى يطمئن بزوال رشح البول" لأن ظهور الرشح برأس السبيل مثل تقاطره يمنع صحة الوضوء "و" صفة "الاستنجاء" ليس إلا قسما واحدا وهو أنه "سنة" مؤكدة للرجال والنساء لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن واجبا لتركه عليه السلام له في بعض الأوقات وقال عليه السلام: "من استجمر فليوتر ومن فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا حرج" وما ذكره بعضهم من تقسيمه.

ــ.

ذلك الموضع والفرق بين الاستنجاء والاستبراء والاستنقاء ما قاله في المقدمة الغزنوية من أن الاستنجاء استعمال الحجر أو الماء والاستبراء نقل الأقدام والركض بها ونحو ذلك حتى يستيقن بزوال أثر البول والاستنقاء هو النقاوة وهو أن يدلك الأحجار حال الاستجمار أو بالأصابع حال الاستنجاء بالماء حتى تذهب الرائحة الكريهة هذا هو الأصح في الفرق بينها قوله: "بنحو الماء" ظاهره أنه يكفي فيه المائعات وهو الذي يفيده كلامه الآتي والظاهر خلافه ويحرر قوله: "التقليل بنحو الحجر" أفاد بذكر التقليل أن حكم النجاسة بعد الحجر باق حتى لو دخل الماء القليل نجسه قوله: "الاستبراء" بالهمز ودونه قوله: "عبر باللازم" أي المفاد من يلزم وفي الشرح باللزوم وهو أولى وأن كان المآل واحدا كما قاله السيد قوله: "لأنه أقوى من الواجب" حتى كان تركه من الكبائر قوله: "والمراد طلب الخ" أفاد أن السين والتاء فيه للطلب ويصح جعلهما للمبالغة وهو الأبلغ قوله: "حتى يزول أثر البول" خصه لأن الغالب أن يتأخر أثر البول وإلا فالغائط كذلك إذ لا فرق قوله: "ولا تحتاج المرأة إلى ذلك" أي الاستبراء المذكور في الرجل لاتساع محلها وقصره قوله: "وعصر ذكره برفق" وما قيل أنه يجذب الذكر بعنف مرة بعد أخرى فيه نظر لأنه يورث الوسواس ويضر بالذكر كما في شرح المنكاة قوله: "فلا يقيد بشيء" قال في المضمرات ومتى وقع في قلبه أنه صار طاهرا جاز له أن يستنجي لأن كل أحد أعلم بحاله اهـ ولو عرض له الشيطان كثيرا لا يلتفت إليه بل ينضح فرجه وسراويله بالماء حتى إذا شك حمل البلل على ذلك النضج ما لم يتيقن خلافه كذا في الفتح قوله: "وهو أنه سنة مؤكدة" وقيل يستحب في القبل قوله: "لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم" أي في غالب الأوقات بدليل ما بعده قوله: "ومن فعل هذا فقد أحسن" ظاهر كلامه أن اسم الإشارة في الحديث يعود إلى أصل الاستنجاء لأنه لا يتم الاستدلال إلا بذلك ويعارضه أنهم ذكروه دليلا على استحباب الإيتار فاسم الإشارة يعود إلى الإيتار قوله: "وما ذكره بعضهم الخ".

ص: 43

إلى فرض وغيره فهو توسع وإنما قيدناه "من نجس" لأن الريح طاهر على الصحيح والاستنجاء منه بدعة وقولنا "يخرج من السبيلين" جرى على الغالب إذ لو أصاب المخرج نجاسة من غيره يظهر بالاستنجاء كالخارج ولو كان قيحا أو دما في حق العرق وجواز الصلاة معه لإجماع المتأخرين على أنه لو سال عرقه وأصاب ثوبه أكثر من درهم لا يمنع جواز الصلاة وإذا جلس في ماء قليل نجسه وقوله "ما لم يتجاوز المخرج" قيد لتسميته استنجاء ولكونه مسنونا "وإن تجاوز" المخرج "وكان" المتجاوز "قدر الدرهم" لا يسمى استنجاء و "وجب إزالته بالماء" أو المائع لأنه من باب إزالة النجاسة فلا يكفي الحجر بمسحه "وإن زاد" المتجاوز "على" قدر "الدرهم" المثقالي وهو عشرون قيراطا في المتجسدة أو على قدره مساحة في المائعة "افترض غسله" بالماء أو المائع "ويفترض غسل ما في المخرج عند الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس" بالماء المطلق "وإن كان

ــ.

وهو صاحب السراج فإنه جعله أقساما خمسة أربعة فريضة من الحيض والنفاس والجنابة والرابع إذا تجاوزت النجاسة مخرجها وكان المتجاوز أكثر من قدر الدرهم والخامس مسنون إذا كانت مقدار المخرج في محله ذكره السيد قوله: "فهو توسع" أي زيادة على المقام قوله: "يخرج من السبيلين" خرج به حدث من غيرهما كالنوم والفصد فالاستنجاء منه بدعة كما في القهستاني قوله: "إذ لو أصاب المخرج نجاسة من غيره يظهر بالاستنجاء كالخارج" قال في المضمرات نقلا عن الكبرى موضع الاستنجاء إذا أصابه نجاسة قدر الدرهم فاستجمر بالأحجار ولم يغسله يجزيه هو المختار لأنه ليس في الحديث المروي فصل فصار هذا الموضع مخصوصا من سائر مواضع البدن حيث يطهر من غير غسل اهـ قوله: "ولو كان قيحا أو دما" أشار به إلى أنه لا فرق بين المعتاد وغيره في الصحيح حتى لو خرج من السبيلين دم أو قيح يطهر بالأحجار كما ذكره الزيلعي وهذا الكلام إنما يحسن ذكره عند ذكر الاستنجاء بالحجر والكلام هنا في الأعم فيخص بأحد القسمين قوله: "وإذا جلس في ماء قليل نجسه" هو الصحيح والمختار وقيل أنه مائع فلا ينجس قوله: "ما لم يتجاوز المخرج" يعني به المخرج وما حوله من الشرج ذكره ابن أمير حاج عن الزاهدي والشرج بفتحتين ويجمع على أشراج كسبب وأسباب مجمع حلقة الدبر الذي ينطبق مصباح قوله: "وكان المتجاوز قدر الدرهم" أي المتجاوز وحده عندهما وعند محمد يعتبر مع ما في المخرج وكذا فيما إزالته فرض والحاصل أن المخرج له حكم الباطن عندهما حتى لا يعتبر ما فيه من النجاسة أصلا ولا يضم وعند محمد له حكم الظاهر حتى إذا كان ما فيه زائدا على قدر الدرهم يمنع ويضم ما فيه إلى ما في جسده لاتحادهما في الحكم وبقولهما يؤخذ كما في التبيين وصححه في المضمرات وذكر ابن أمير حاج عن الاختيار أن الأحوط قول محمد قوله: "فلا يكفي الحجر بمسحه" الأظهر فلا يكفي مسحه بالحجر قوله: "ويفترض غسل ما في المخرج" أي.

ص: 44

ما في المخرج قليلا" ليسقط فرضية غسله للحدث "و" يسن "يستنجي بحجر منق" بأن لا يكون خشنا كالآخر ولا أملس كالعقيق لأن الإنقاء هو المقصود ولا يكون إلا بالمنقي "ونحوه" من كل طاهر مزيل بلا ضرر وليس متقوما ولا محترما "والغسل بالماء" المطلق "أحب" لحصول الطهارة المتفق عليها وإقامة السنة على الوجه الأكمل لأن الحجر مقلل والمائع غير الماء مختلف في تطهيره "والأفضل" في كل زمان "الجميع بين" استعمال "الماء والحجر" مرتبا "فيسمح" الخارج "ثم يغسل" المخرج لأن الله تعالى أثنى على أهل قباء بإتباعهم الأحجار الماء فكان الجميع سنة على الإطلاق في كل زمان وهو الصحيح وعليه الفتوى.

ــ.

إزالة ما في المخرج بغسله قوله: "ليسقط فرضية غسله" علة لقوله يفترض وهذا يفيد افتراض غسله في هذه الاغتسالات وإن لم يكن عليه شيء وهو كذلك ولا ينافيه ذكرهم له في سنن الغسل لأن المسنون تقديمه لا نفسه قوله: "ونحوه من كل طاهر الخ" كالمدر وهو الطين اليابس والتراب والخلقة البالية والجلد الممتهن قال في المفيد وكل شيء طاهر غير متقوم يعمل عمل الحجر اهـ ومنه العود ولو أتى به حائطا فتمسح به أو مسه الأرض أجزأه كما فعله عمر رضي الله تعالى عنه والمراد حائطه المملوكة له أو المستأجرة ولو وقفا كما أفاده السيد قوله: "أحب" أي أفضل من الحجر وحده روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت للنسوة مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله رواه الترمذي وقال حسن صحيح قوله: "والمائع غير الماء مختلف في تطهيره" ظاهره أن من يقول بتطهيره وهو الشيخان يقولان بجواز الاستنجاء به وهو الذي يفيده كلامه أول الفصل قوله: "في كل زمان" وقيل الجمع إنما هو سنة في زماننا أما في الزمان الأول فأدب لأنهم كانوا يبعرون قوله: "لأن الله أثنى الخ" هكذا ذكره الأصحاب وهو مروي عن ابن عباس وسنده ضعيف والذي رواه أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك لما نزلت فيه رجال يحبون أن يتطهروا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم في الطهور فما طهوركم" قالوا: نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة وتستنجي بالماء قال: "هو ذا كم فعليكموه" وسنده حسن قال في الفتح وأخرجه الحاكم وصححه اهـ وليس في هذه الرواية ذكر الجمع كما لا يخفى قوله: "فكان الجمع سنة" تفريع على ما فهم مما قبله أنه ممدوح شرعا والأفضلية ترجع إلى كثرة الثواب.

تنبيه محل كونه الماء أحب أو استنان الجمع بينه وبين الحجر قبل الإصابة أما بعد إصابة الماء فلا بد من شيوع النجاسة فيكون فرضا من باب إزالة النجاسة كما إذا أصابه نجاسة أقل من الدرهم كان غسلها سنة فإذا باشر الغسل صار فرضا لأنها تتسع بأول إصابة الماء قوله: "في كل زمان" بيان لما قبله.

ص: 45

"ويجوز" أي يصح "أن يقتصر على الماء" فقط وهو يلي الجمع بين الماء والحجر في الفضل "أو الحجر" وهو دونهما في الفضل ويحصل به السنة وإن تفاوت الفضل "والسنة إنقاء المحل" لأنه المقصود "والعدد في" جعل "الأحجار" ثلاثة "مندوب" لقوله عليه السلام: "من استجمر فليوتر" لأنه يحتمل الإباحة فيكون العدد مندوبا "لا سنة مؤكدة" لما ورد من التخيير لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج" فإنه محكم في التخيير "فيستنجي" مريد الفضل "بثلاثة أحجار" يعني بإكمال عددها ثلاثة "ندبا إن حصل التنظيف" أي الإنقاء "بدونها" ولما كان المقصود هو الإنقاء ذكر كيفية يحصل بها على الوجه الأكمل فقال: "وكيفية الاستنجاء" بالأحجار "أن يمسح بالحجر الأول" بادئا "من جهة المقدم" أي القبل "إلى خلف وبالثاني من خلف إلى قدام" وهذا الترتيب "إذا كانت الخصية مدلاة" سواء كان صيفا أو شتاء خشية تلويثها.

ــ.

قوله: "والسنة انقاء المحل" فلو لم يحصل الأنقاء بثلاث يزاد عليها إجماعا لكونه هو المقصود ولو حصل الانقاء بواحد واقتصر عليه جاز لما ذكر قوله: "في جعل الأحجار ثلاثة" متعلق بمحذوف صفة العدد أي العدد الكائن وأشار به إلى أن أل في العدد للعهد وهو الثلاثة وإلا فمطلقه يصدق بالإثنين قوله: "فيكون العدد مندوبا" لا يظهر تفريعه على ما قبله إلا بمعونة من المقام ويكون تقدير الكلام لأنه يحتمل الإباحة والوجوب فسيرتكب حالة وسطى وهو الاستحباب ولو قال لأنه يحتمل الندب لكان أظهر قوله: "فإنه محكم في التخيير" أي لا يحتمل التأويل فيدل على نفي وجوب الاستنجاء وعلى نفي وجوب العدد فيه قوله: "يعني بإكمال عددها ثلاثة" لا حاجة إلى هذه العناية قوله: "ذكر كيفية يحصل بها على الوجه الأكمل" قال الشيخ كمال الدين بن الهمام عند قول الهداية لأن المقصود هو الانقاء يفيد أنه لا حاجة إلى التقييد بكيفية من المذكور في الكتب نحو إقباله بالحجر الأول في الشتاء وأدباره به في الصيف وفي المجتبى المقصود الانقاء فيختار ما هو الأبلغ والأسلم عن زيادة التلويث كما في الحلبي وقال السرخسي لا كيفية له والقصد الانقاء كما في السراج قال ابن أمير حاج وهو الأوجه في الكل قوله: "وكيفية الاستنجاء الخ" أي في الرجل قال ابن أمير حاج ينبغي أن يستثنى من الرجل المجبوب والخصي فيلحقا بالمرأة وينبغي أن يكون الخنثى في حكم الرجل اهـ قوله: "وبالثالث من قدام إلى خلف" ذكر ابن أمير حاج عن المقدمة الغزنوية أنه يمسح بالثالث الجوانب يبتدىء بالجانب الأيمن ثم الأيسر وهذه الكيفية في محل الغائط وأما كيفيته في القبل فهو أن يأخذ ذكره بشماله مارا به على نحو الحجر ولا يأخذ واحدا منهما بيمينه فإن اضطر جعل الحجر بين عقبيه وأمر الذكر بشماله فإن تعذر أمسك الحجر بيمينه ولا يحركه لأنه أهون من العكس نهر وتعقبه الزاهدي بعد نقله بأن في إمساك الحجر بين عقبيه مثلا حرجا وتكلفا بل يستنجي بجدار أو نحوه وإلا فيأخذ الحجر بيمينه ويستنجي بيساره.

ص: 46

"وإن كانت غير مدلاة يبتدئ من خلف إلى قدام" لكونه أبلغ في التنظيف "والمرأة تبتدئ من قدام إلى خلف خشية تلويث فرجها ثم" بعد المسح "يغسل يده أولا" أي ابتداء "بالماء" اتقاء عن تشرب جسده الماء النجس بأول الاستنجاء "ثم يدلك المحل بالماء بباطن أصبع أو أصبعين" في الابتداء "أو ثلاث إن احتاج" إليها فيه "ويصعد الرجل أصبعه الوسطى على غيرها" تصعيدا قليلا "في ابتداء الاستنجاء" لينحدر الماء النجس من غير شيوع على جسده "ثم" إذا غسل قليلا "يصعد بنصره" ثم خنصره ثم السبابة إن احتاج ليتمكن من التنظيف "ولا يقتصر على أصبع واحدة" لأنه يورث مرضا ولا يصل به كمال النظافة "والمرأة تصعد بنصرها وأوسط أصابعها معا ابتداء خشية حصول اللذة" لو ابتدأت بأصبع واحدة فربما.

ــ.

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر1 قوله: "خشية تلويث فرجها" قال ابن أمير حاج هذا إنما يتم في حق من لها فرج نافر اهـ قوله: "يغسل يده أولا" هكذا وقع هنا والذي فيما شرح عليه السيد يديه بالتثنية وجرى على كل طائفة من المذهب وورد في حديث ميمونة بهما والمراد أنه يغسلهما إلى الرسغين قوله: "ثم يدلك المحل بالماء" الذي في المضمرات أنه يمسح موضع الاستنجاء ببطن اصبع مرارا أو يغسل الإصبع كل مرة حتى يزيل النجاسة أي عينها من المحل ولا يدلك بالأصابع من أول الأمر لئلا يتلوث المحل ثم يصب الماء فليحفظ ويصب الماء على المحل برفق ولا يضرب بعنف كما في المضمرات ولا يشترط عدد للصبات على ما هو الصحيح من تفويض ذلك إليه ويصب الماء قليلا ثم يزيد ليكون أطهر كما في الخلاصة قوله: "إن احتاج إليها" وإن لم يحتج فلا تحرزا عن زيادة التلويث ولا يزيد على الثلاث لأن الضرورة تندفع بها وتنجيس الطاهر بغير ضرورة لا يجوز كما في المحيط والاختيار وفي المقدمة الغزنوية ويغسل بالكف والأصابع إن كانت النجاسة فاحشة أو بالأصابع إن كانت قدر المقعدة أو أقل ذكره ابن أمير حاج وحاصله أنه يفعل ما يحتاج إليه ولا يزيد على قدر الحاجة قالوا: ولا يدخل إصبعه في دبره تحرزا عن نكاح اليد ولأنه يورث الباسور وما قيل أنه يدخلها فليس بشيء كما في القهستاني عن شرح الطحاوي قوله: "ويصعد الرجل الخ" هي طريقة لبعض المشايخ والذي عليه عامتهم أنه لا يصعد بل يرفعها جملة كما في القهستاني والسراج قوله: "ثم السبابة إن احتاج" إليها علم هذا الشرط مما قدمه قريبا قوله: "ولا يقتصر على إصبع واحدة" ولا يستنجي بظهور الأصابع أو برؤسها لأنه يورث الباسور كما في القهستاني ولئلا ترتكن النجاسة في شقوق الأظفار كما في الإيضاح قوله: "والمرأة تصعد بنصرها الخ" ذكر القرماني في شرح المقدمة الليثية عن المرغيناني أنه.

1 يوجد هنا زيادة في بعض النسخ ونصها قال ابن أمير حاج: ولم أر لهم في حق المرأة كيفية معينة في الاستنجاء بالأحجار في الدبر أهـ.

ص: 47

وجب عليها الغسل ولم تشعر والعذراء لا تستنجي بأصابعها بل براحة كفها خوفا من إزالة العذرة "ويبالغ" المستنجي "في التنظيف حتى يقطع الرائحة الكريهة" ولم يقدر بعدد لأن الصحيح تفويضه إلى الرأي حتى يطمئن القلب بالطهارة بيقين أو غلبة الظن وقيل يقدر في حق الموسوس بسبع أو ثلاث وقيل في الإحليل بثلاث وفي المقعدة بخمس وقيل بتسع وقيل بعشر "و" يبالغ "في إرخاء المقعدة" فيزيل ما في الشرج بقدر الإمكان "إن لم يكن صائما" والصائم لا يبالغ حفظا للصوم عن الفساد ويحترز أيضا من إدخال الأصبع مبتلة لأنه يفسد الصوم "فإذا فرغ" من الاستنجاء بالماء "غسل يده ثانيا ونشف مقعده قبل القيام" لئلا تجذب المقعدة شيئا من الماء "إذا كان صائما" ويستحب لغير الصائم حفظا للثوب عن الماء المستعمل.

ــ.

يكفيها أن تغسل براحتها هو الصحيح وفي الهندية هو المختار وفي السراج هو قول العامة وقيل تستنجي برؤس أصابعها لأنها تحتاج إلى تطهير فرجها الخارج ولا يحصل ذلك إلا برؤس الأصابع ورجحه ابن أمير حاج قال والإستماع موهوم لأنه فيما يظهر إنما يكون بالإدخال في الفرج الداخل.

تتمة اختلف في القبل والدبر بأيهما يبدأ فقال الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه: يبدأ بالدبر لأنه أهم ولأنه بواسطة الدلك في الدبر وما حوله يقطر البول كما هو مشاهد فلا فائدة في تقديم القبل وعندهما بالقبل لأنه أسبق والفتوى على الأول قوله: "حتى يقطع الرائحة الكريهة" أي عن المحل وعن اصبعه التي استنجى بها لأن الرائحة أثر النجاسة فلا طهارة مع بقائها إلا أن يشق والناس عنه غافلون قالوا: ويبالغ في الاستنجاء في الشتاء فوق ما يبالغ في الصيف لصلابة المحل في الشتاء إلا أن يستنجي بماء حار لأنه يرخي المحل ويشرع بالإزالة فلا يحتاج إلى شدة المبالغة لكن لا يبلغ ثواب المستنجي بماء بارد لأنه أفضل وأنفع كما في الفتاوي وغيره وأفضليته لمشقته وأنفعيه لقطع الباسور قوله: "وقيل يقدر في حق الموسوس" بفتح الواو جعله المصنف مقابلا للصحيح والذي ذكره غيره أن الصحيح محله في غير الموسوس فهو استثناء من القائل به لا مقابله أفاده السيد وغيره قوله: "بقدر الإمكان" متعلق بقوله يبالغ قوله: "حفظا للصوم عن الفساد" في الخلاصة من كتاب الصوم إنما يفسد إذا وصل الماء إلى موضع الحقنة وقلما يكون ذلك اهـ وفي القهستاني من كتاب الصوم ومع هذا في إفساد الصوم بذلك خلاف اهـ وما قيل إنه لا يتنفس شديدا حفظا للصوم فحرج ولا فائدة فيه فإنه لا يصل بالتنفس شيء إلى الداخل أصلا أفاده العلامة نوح وفي السراج وغيره إذا خرج دبره وهو صائم فغسله لا يقوم حتى ينشفه قبل رده فإن رجع قبل التنشيف مبتلا أفطر اهـ قوله: "ونشف مقعدته" بخرقة أو بيده اليسرى مرة بعد أخرى إن لم تكن خرقة.

ص: 48

000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

ــ.

فرع في الخانية مريض عجز عن الاستنجاء ولم يكن له من يحل له جماعه سقط عنه الإستنجاء لأنه لا يحل مس فرجه إلا لذلك والله أعلم اهـ.

ص: 49

"‌

‌فصل".

فيما يجوز به الاستنجاء

وما يكره به وما يكره فعله "لا يجوز كشف العورة للاستنجاء" لحرمته والفسق به فلا يرتكبه لإقامة السنة ويمسح المخرج من تحت الثياب بنحو حجر وإن تركه صحت الصلاة بدونه "وإن تجاوزت النجاسة مخرجها وزاد المتجاوز" بانفراده "على قدر الدرهم" - وزنا في المتجسدة ومساحة في المائعة - "لا تصح معه الصلاة" لزيادته عن القدر المفوه عنه "إذا وجد ما يزيله" من مائع أو ماء "ويحتال لإزالته من غير كشف العورة عند من يراه" تحرزا عن ارتكاب المحرم بالقدر الممكن وأما إذا لم يزد إلا بالضم لما في المخرج فلا يضر تركه لأن ما في المخرج ساقط الاعتبار "ويكره الاستنجاء بعظم" وروث لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنهما

ــ.

فصل فيما يجوز به الاستنجاء.

قوله: "وما يكره فعله" أي حال قضاء الحاجة قوله: "فلا يرتكبه لإقامة السنة" لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح غالبا واعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم" وروي لترك ذرة مما نهى الله عنه أفضل من عبادة الثقلين رواه صاحب الكشف قال العلامة نوح المستنجي لا يكشف عورته عند أحد للإستنجاء فإن كشفها صار فاسقا لأن كشف العورة حرام ومرتكب الحرام فاسق سواء كان النجس مجاوزا للمخرج أولا وسواء زاد على الدرهم أولا ومن فهم من عبارتهم غير هذا فقدسها اهـ قوله: "وزاد المتجاوز بانفراده" هو المعتمد قوله: "إذا وجد ما يزيله" والأصلي معها ولا إعادة كما في الهداية قوله: "ويحتال الخ" أي إن أمكنه وإلا فلا لأن كشف العورة حرام يعذر به في ترك طهارة النجاسة إذا لم يمكنه إزالتها من غير كشف قاله البرهان الحلبي قوله: "عند من يراه" المراد به من يحرم عليه جماعة ولو أمته المجوسية والتي زوجها للغير لأنه لما حرم عليه وطؤهما حرم عليه نظرة إلى عورتهما وكذا نظرهما إليه إذ متى حرم الوطء حرمت الدواعي إلا ما استثنى كأمر أنه الحائض والنفساء وتمامه في حاشية الدر قوله: "لأن ما في المخرج ساقط الاعتبار" أي على المعتمد خلافا لمن حكى عليه الإتفاق.

ص: 49

زاد إخوانكم من الجن" فإذا وجدوهما صار العظم كأن لم يؤكل فيأكلونه وصار الروث شعيرا وتبنا لدوابهم معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم والنهي يقتضي التحريم "وطعام لآدمي أو بهيمة" للإهانة والإسراف وقد نهى عنه عليه الصلاة والسلام "وآجر" بمد الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء المهملة فارسي معرب وهو الطوب بلغة أهل مصر ويقال له آجور على وزن فاعول - اللبن المحرق - فلا ينقي المحل ويؤذيه فيكره "وخزف" صغار الحصى فلا ينقي ويلوث اليد "وفحم" لتلويثه "وزجاج وجص" لأنه يضر المحل "وشيء محترم" لتقومه "كخرقه ديباج وقطن" لإتلاف المالية والاستنجاء بها يورث الفقر "و" يكره الاستنجاء "باليد اليمنى" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بال أحدكم فلا يمسح بيمينه وإذا شرب فلا يشرب نفسا واحدا" "إلا من عذر" باليسرى فيستنجي بصب خادم أو من ماء

ــ.

قوله: "صار العظم كأن لم يؤكل" أي العظم الذي ذكر اسم الله عليه لما في الحديث كل عظم بذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أو فر ما كان لحما وهل هذا متحقق ولو تقادم عهده وتكرر أو قاصر على قريب العهد الذي لم يطعمه أحد من الجن والظاهر الثاني وإن كانت الكراهة في الجميع لأن العلة تعتبر في الجنس وأفاد الحديث الشريف أن الجن يأكلون وقيل رزقهم الشم ولا خلاف إنهم مكلفون وإنما الخلاف في إثابتهم فروي عن الإمام التوقف وروي عنه أن إثابتهم أجارتهم من العذاب لقوله تعالى: {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف 31] وهو لا يستلزم الإثابة وقالا ومالك وابن أبي ليلى لهم ثواب كما عليهم عقاب قوله: "وفحم لتلويثه" ولما روي أنه لما قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روث أو حممة فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقا فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك والحممة كرطبة الفحم وما احترق من الخشب أو العظام ونحوهما وقوله رزقا أي انتفاعا لهم بالطبخ والدفا والإضاءة فيكره الإستنجاء بذلك لافساده ولا ينافي هذا الحديث ما تقرر إن ذلك كان يجعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يقتضي ثبوته لهم قبله فإن المعنى جعل لنا فيها رزقا بسبب جعلك إياها لنا فإنه عن الله عز وجل قوله: "فلا يتمسح بيمينه" قال العيني في شرح البخاري والنهي للتنزيه عند الجمهور لأنه لمعنيين أحدهما رفع قدر اليمين والآخر أنه لو باشر بها النجاسة ربما يتذكر عند مناولة الطعام ما باشرت يمينه فينفر طبعه عن ذلك خلافا للظاهرية والكراهة في الإستنجاء بقسميه قوله: "فيستنجي بصب خادم" هذا خلاف ما يعطيه الاستثناء فإنه يفيد عدم الكراهة باليمين حال العذر وهو كذلك فإن حصل عذر باليمين سقط الاستنجاء كما في الحموي عن المحيط.

تنبيه لو استنجى بهذه المكروهات فقال في غاية البيان عن الأقطع: فإن ارتكب النهي واستنجى بذلك هل يجزيه فعندنا نعم وعند الشافعي لا لنا أن المقصود التنقية وقد حصلت.

ص: 50

جار "ويدخل الخلاء" - ممدودا - المتوضأ والمراد بيت التغوط "برجله اليسرى" ابتداء مستور الرأس استحبابا تكرمة لليمنى لأنه مستقذر يحضره الشيطان "و" لهذا "يستعيذ" أي يعتصم "بالله من الشيطان الرجيم قبل دخوله" وقبل كشف عورته ويقدم تسمية الله تعالى على الاستعاذة لقوله عليه الصلاة والسلام: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول بسم الله" ولقوله عليه السلام: "إن الحشوش محتضرة فإذا أتي فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث" والشيطان معروف وهو من شطن يشطن إذا بعد ويقال فيه شاطن وشيطن ويسمى بذلك كل متمرد من الجن والإنس والدواب لبعد غوره في الشر وقيل من شاط يشيط إذا هلك فالمتمرد هالك بتمرده ويجوز أن يكون مسمى بفعلان لمبالغته في إهلاك غيره والرجيم مطرود باللعن والحشوش جمع الحش بالفتح والضم بستان النخيل في الأصل ثم استعمل في موضع قضاء الحاجة واحتضارها رصد بني آدم بالأذى.

ــ.

وإنما ورد النهي لمعنى في غيره اهـ فصار كما لو صلى السنة في أرض مغصوبة كان آتيا بها مع إرتكاب النهي نهر وهو مخالف لما بحثه أخوه قوله: "ويدخل الخلاء" سمي به للإختلاء فيه وأصله المكان الخالي الذي لا شيء فيه ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك وأما بالقصر فهو الحشيش الرطب الواحدة خلاة مثل حصا وحصاة وفي الحديث لا يختلي خلاها وبكسر الخاء والمد عيب في الإبل كالحران في الخيل قوله: "المتوضأ" أي محل الوضوء اللغوي وهو النظافة ولو اقتصر على قوله والمراد الخ كغيره لكان أولى قوله: "برجله اليسرى" أي ويخرج باليمنى عكس المسجد فيهما قوله: "يحضره الشيطان" الأولى جعله تعليلا آخر كما فعله السيد قوله: "ولهذا يستعيذ" أي لأجل حضور الشيطان قال في المصباح استعذت بالله وعدت به معاذا وعياذا اعتصمت وتحصلت وتحصنت واستجرت به والتجأت إليه اهـ قوله: "قبل دخوله" الأولى التفصيل وهو إن كان المكان معدا لذلك يقول قبل الدخول وإن كان غير معد له كالصحراء ففي أو إن الشروع كتشمه الثياب مثلا قبل كشف العورة وإن نسي ذلك أتى به في نفسه لا بلسانه قوله: "ويقدم تسمية الله تعالى الخ" ما ذكره لا يفيد التقديم فالأولى ما قاله ابن حجر السنة هنا تقديم التسمية على التعوذ عكس المعهود في التلاوة ولحديث اليعمري إذا دخلتم الخلاء فقولوا باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث وإسناده على شرط مسلم اهـ قال بعض الفضلاء وبالإكتفاء بأحدهما يحصل أصل السنة والجمع أفضل قوله: "من الخبث" جمع خبيث وهو المؤذي من الجن والشياطين يروي بضم الباء وسكونها تخفيفا ولا وجه لإنكار الخطابي التسكين وإن اشتبه لفظه حينئذ بلفظ المصدر قوله: "والخبائث" هن إناثهم قوله: "لبعد غوره في الشر" المراد لشدة قبحه في الشر قوله: "بالفتح" هو الأكثر قوله: "بستان النخيل في الأصل" وكانوا يتغوطون بين النخيل قبل اتخاذ الكنف في البيوت ثم كني به عن موضع قضاء الحاجة مطلقا.

ص: 51

والفضاء يصير مأواهم بخروج الخارج "ويجلس معتمدا على يساره" لأنه أسهل لخروج الخارج ويوسع في ما بين رجليه "ولا يتكلم إلا لضرورة" لأنه يمقت به "ويكره تحريما استقبال القبلة" بالفرج حال قضاء الحاجة واختلفوا في استقبالها للتطهير واختار التمرتاشي عدم الكراهة "و" يكره "استدبارها" لقوله عليه السلام: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا" وهو بإطلاقه منهي عنه "ولو في البنيان" وإذا جلس مستقبلا ناسيا فتذكر وانحرف إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له كما أخرجه.

ــ.

قوله: "رصد بني آدم بالأذى" أي انتظارهم وترقبهم فهو مصدر مضاف إلى مفعوله هذا إذا قرىء بالسكون أو بالفتح وأريد المصدر قال في القاموس رصد رصدا ورصدا ترقبه ويحتمل على الفتح أنه جمع راصد قال في القاموس والرصد محركة الراصدون وإنما كان ذلك لأنه موضع تكشف فيه العورة ولا يذكر فيه اسم الله تعالى قوله: "ويكره تحريما استقبال القبلة" تعددت الرواية عن الإمام في هذا المبحث فروي عنه المنع مطلقا وهو ظاهر الرواية كما في الفتح والثانية الإباحة مطلقا والثالثة كراهة الإستقبال فقط والرابعة كراهة الإستدبار أيضا إلا إذا كان ذيله مرخى ويستثنى من المنع على ظاهر الرواية ما لو كانت الريح تهب عن يمين القبلة أو شمالها فإنهما لا يكرهان للضرورة وإذا اضطر إلى أحدهما ينبغي أن يختار الإستدبار لأن الإستقبال أقبح فتركه أدل على التعظيم أفاده القسطلاني والمنلا علي في شرح المشكاة قوله: "حال قضاء الحاجة" خرج حال الجماع لما نقله ابن أمير حاج عن النووي في شرح مسلم يجوز الجماع مستقبل القبلة في الصحراء والبنيان هذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد وداود واختلف فيه أصحاب ما لك فجوزه ابن القاسم وكرهه ابن حبيب والصواب الجواز فإن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد فيه نهي والأولى أن يقال إنه خلاف الأولى لما سيأتي.

قوله: "واختار التمرتاشي عدم الكراهة" أي التحريمية وإلا فهو ترك أدب كمد الرجل إليها كما في الحلبي قوله: "وهو بإطلاقه منهي" أي الحديث مطلق فيفيد الكراهة في البنيان فالأولى للمؤلف أن يقول وهو بإطلاقه يقتضي النهي ولو في البنيان قال في غاية البيان لأن النهي لتعظيم الجهة وهو موجود فيهما فالجواز في البنيان أن كان لوجود الحائل فالحائل موجود أيضا في الصحراء كالجبال والأودية ولأن المصلي في البيت يعتبر مستقبل القبلة ولا تجعل الحائط حائلا فكذا إذا كشف العورة في البيت لا تجعل الحائط حائلا اهـ قوله: "وانحرف إجلالا لها" قيد الإجلال لا بد منه في المغفرة وبحث في النهر وجوبه وقال في النهاية فإن لم يفعل لم يكن به بأس اهـ قال الحلبي وأنه لم يجب لأنه وقع معفوا عنه للسهو وهو فعل واحد اهـ ويظهر أن المراد الإنحراف عن الجهة لأنه متى كان فيها عد.

ص: 52

الطبراني مرفوعا ويكره إمساك الصبي نحو القبلة للبول "و" يكره "استقبال عين الشمس والقمر" لأنهما آيتان عظيمتان "ومهب الريح" لعوده به فينجسه "ويكره أن يبول أو يتغوط في الماء" ولو جاريا وبقرب بئر ونهر وحوض "والظل" الذي يجلس فيه "والجحر" لأذية ما فيه "والطريق" والمقبرة لقوله عليه السلام: "اتقوا اللاعنين قالا وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظله""وتحت شجرة مثمرة" لإتلاف الثمر "و"

ــ.

مستقبلا ثم رأيت في الزيلعي ما يفيد أنه يكفي في ذلك الإنحراف اليسير قوله: "ويكره إمساك الصبي الخ" كل ما كره لبالغ فعله كره أن يفعله بصغير فيكره إمساكه حال قضاء حاجته نحو القبلة وعين القمرين ونحو ذلك ويحرم إطعامه وإلباسه محرما والإثم على البالغ الفاعل به ذلك قوله: "ويكره استقبال عين الشمس والقمر" إطلاق الكراهة يقتضي التحريم وقيد بالعين إشارة إلى أنه لو كان في مكان مستور ولم تكن عينهما بمرأى منه لا يكره بخلاف القبلة وعليه نص العلامة جبريل في شرح مقدمة أبي الليث وذكره الإستقبال يفيد أنه لا يكره استدبارهما قوله: "لأنهما آيتان عظيمتان" وقيل لأجل الملائكة الذين معهما كما في السراج وغيره قوله: "ومهب الريح" ظاهر في الإستقبال ومثله الإستدبار إن كان سلحه مائعا جدا لوجود علة البول فيه بخلاف ما إذا كان جامدا قوله: "ولو جاريا" ينبغي أن يكون في الراكد مكروها تحريما لأنه غاية ما يفيده حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم وفي الجاري مكروها تنزيها فرقا بينهما بحر من بحث المياه قال بعض الحذاق والظاهر التفصيل في الراكد ففي القليل منه يحرم لأنه ينجسه وتنجيس الطاهر حرام وفي الكثير يكره تحريما والتغوط فيه كالبول بل أقبح وعن ابن حجر يكره قضاء الحاجة في الماء بالليل مطلقا خشية أن يؤذيه الجن لما قيل أن الماء بالليل مأواهم قوله: "وبقرب بئر ونهر وحوض" ومصلي عيد وقافلة وخيمة وبين الدواب كما في الدر وغيره لأنه يكون سببا للعن وينبغي أن يلحق بذلك مصلي الجنازة كذا بحثه بعضهم وهو ظاهر قوله: "والظل" قال الأبهري موضع الشمس في الشتاء كالظل في الصيف وهذا إذا كان مباحا وأما إذا كان مملوكا فيحرم فيه قضاء الحاجة بغير إذن مالكه كما في شرح المشكاة وتقييده بالذي يجلس فيه يفيد أنه لا كراهة فيما لا حاجة إليه قوله: "والحجر" بضم الجيم وإسكان الحاء الخرق في الأرض والجدار لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في حجر" رواه أبو داود والنسائي قوله: "لأذية ما فيه" يصح اعتباره مصدرا مضافا إلى مفعوله وإلى فاعله وقيل إنها مساكن الجن فقد نقل أن سعد بن عبادة الخزرجي بال في حجر بأرض حوران فقتله الجن قوله: "والطريق" ولو في ناحية منها قوله: "اتقوا اللاعنين" أي اللذين هما سبب اللعن والشتم غالبا فكأنهما لاعنان من باب تسمية الحال فاعلا مجازا وقيل اللاعن بمعنى الملعون قوله: "لإتلاف الثمر" ولأنه ظل منتفع به إذا كان.

ص: 53

يكره "البول قائما" لتنجسه غالبا "إلا من عذر" كوجع بصلبه ويكره في محل التوضؤ لأنه يورث الوسوسة ويستحب دخول الخلاء بثوب غير الذي يصلي فيه وإلا يحترز ويتحفظ من النجاسة ويكره الدخول للخلاء ومعه شيء مكتوب فيه اسم الله أو قرآن ونهي عن كشف.

ــ.

يستظل بها قوله: "ويكره البول قائما" قال في شرح المشكاة قيل النهي للتنزيه وقيل للتحريم وفي البناية قال الطحاوي لا بأس بالبول قائما اهـ قوله: "لتنجسه غالبا" أي لتنجس الشخص به ولأنه من الجفاء كما ورد قوله: "إلا من عذر" روي أنه عليه الصلاة والسلام بال قائما لجرح في باطن ركبته لم يتمكن معه من العقود وقيل لأنه لم يجد مكانا طاهرا للعقود لامتلاء الموضع بالنجاسات وقيل لوجع كان بصلبه الشريف فإن العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما كما قاله الشافعي وقال الغزالي في الإحياء قال زين العرب أجمع أربعون طبيبا على أن البول في الحمام قائما دواء من سبعين داء قوله: " ويكره في محل التوضؤ" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فإن عامة الوسواس منه" قال ابن ملك لأن ذلك الموضع يصير نجسا فيقع في قلبه وسوسة بأنه هل أصابه منه رشاش أم لا اهـ حتى لو كان بحيث لا يعود منه رشاش أو كان فيه منفذ بحيث لا يثبت فيه شيء من البول لم يكره البول فيه إذ لا يجره إلى الوسوسة حينئذ لأمنه من عود الرشاش إليه في الأول ولطهر أرضه في الثاني بأدنى ماء طهور يمر عليها كذا في شرح المشكاة قوله: "ويستحب دخول الخلاء بثوب الخ" هذا ما في السراج لكن قد ذكر في باب الإنجاس عن النهاية ما نصه ولا يحسن لأحد إعداد ثوب لدخول الخلاء وروي أن محمد بن علي زين العابدين تكلف لبيت الخلاء ثوبا ثم تركه وقال لم يتكلف لهذا من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: والخلفاء رضي الله تعالى عنهم اهـ ومثله في غاية البيان قوله: "ويكره الدخول للخلاء ومعه شيء مكتوب الخ" لما روى أبو داود والترمذي عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه أي لأن نقشه محمد رسول الله قال الطيبي فيه دليل على وجوب تنحية المستنجي اسم الله تعالى واسم رسوله والقرآن اهـ وقال الأبهري وكذا سائر الرسل اهـ وقال ابن حجر استفيد منه أنه يندب لمريد التبرز أن ينحى كل ما عليه معظم من اسم الله تعالى أو نبي أو ملك فإن خالف كره لترك التعظيم اهـ وهو الموافق لمذهبنا كما في شرح المشكاة قال بعض الحذاق ومنه يعلم كراهة استعمال نحو ابريق في خلاء مكتوب عليه شيء من ذلك اهـ وطشت تغسل فيه الأيدي ثم محل الكراهة إن لم يكن مستورا فإن كان في جيبه فإنه حينئذ لا بأس به وفي القهستاني عن المنية الأفضل إن لا يدخل الخلاء وفي كمه مصحف إلا إذا اضطر ونرجو أن لا يأثم بلا اضطرار اهـ وأقره الحموي وفي الحلبي الخاتم المكتوب فيه شيء من ذلك إذا جعل فصه إلى باطن كفه قيل لا يكره والتحرز أولى اهـ قوله: "ونهي عن كشف عورته قائما" أي لقضاء الحاجة حتى يدنو من الأرض.

ص: 54

عورته قائما وذكر الله فلا يحمد إذا عطس ولا يشمت عاطسا ولا يرد سلاما ولا يجيب مؤذنا ولا ينظر لعورته ولا إلى الخارج منها ولا يبصق ولا يتمخط ولا يتنحنح ولا يكثر الالتفاتات ولا يعبث بيده ولا يرفع بصره إلى السماء ولا يطيل الجلوس لأنه يورث الباسور ووجع الكبد "ويخرج من الخلاء برجله اليمنى" لأنها أحق بالتقدم لنعمة الانصراف عن الأذى ومحل الشياطين "ثم يقول" بعد الخروج "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى" بخروج الفضلات الممرضة بحبسها "وعافاني" بإبقاء خاصية الغذاء الذي لو أمسك كله أو خرج لكان مظنة الهلاك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجه "غفرانك" وهو كناية عن الاعتراف بالقصور عن بلوغ حق شكر نعمة الإطعام وتصريف خاصية الغذاء وتسهيل خروج الأذى.

ــ.

تحرزا عن كشف العورة بغير ضرورة لقول أنس رضي الله تعالى عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض رواه الترمذي بسند حسن قال الأبياري في شرح الجامع الصغير محله ما لم يخف التنجس والأرفع بقدر الحاجة اهـ وقال الطيبي يستوي فيه الصحراء والبنيان لأن كشف العورة لا يجوز إلا عند الحاجة يعني الضرورة ولا ضرورة قبل القرب من الأرض وعدم الجواز أحد قولين في الخلوة عندنا وشمل كلام المصنف كشفها بعد الفراغ فيكره إما تحريما أو تنزيها على الخلاف في كشف العورة في الخلوة ويستحب غسل يده بعد الفراغ وإن طهرت بطهارة المحل مبالغة في التنظيف قوله: "وذكر الله الخ" بل يكره مطلق الكلام حال قضاء الحاجة والمجامعة إلا لحاجة تفوت بالتأخير كتحذير نحو أعمى من سقوط قوله: "فلا يحمد إذا عطس الخ" وله أن يفعل ذلك في نفسه من غير تلفظ بلسانه قوله: "ولا ينظر لعورته" فإنه خلاف الأدب وكذا الأولى عدم نظر أحد الزوجين إلى عورة الآخر وكما يندب له الستر يندب تغطية رأسه وخفض صوته قال علي رضي الله عنه من أكثر النظر إلى سوأته عوقب بالنسيان اهـ وقيل من أكثر مسها ابتلي بالزنا قوله: "ولا إلى الخارج" فإنه يورث النسيان وهو مستقذر شرعا ولا داعية له قوله: "ولا يبصق" لأنه يصفر الأسنان قوله: "ولا يتمخط" لامتلاء أنفه بالرائحة الكريهة قوله: "ولا يكثر الإلتفات الخ" لأنه محل حضور الشياطين فلا يفعل فيه ما لا حاجة إليه قوله: "ولا يرفع بصره إلى السماء" لأنه محل التفكر في آياتها وليس هذا محله قوله: "لأنه يورث الباسور ووجع الكبد" روي ذلك عن لقمان الحكيم ولأنه محل الشياطين فيستحب الإسراع بالخروج منه قوله: "عن الأذى" أي عن محل إخراجه قوله: "بخروج الفضلات" متعلق بأذهب وقوله بحبسها متعلق بالممرضة قوله: "غفرانك" منصوب بمحذوف أي أطلب منك غفرانك لي أي ستر ذنبي أو محوه وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين قوله: "وهو كناية عن الإعتراف" فكأنه يقول يا رب اغفر لي ما قصرت فيه من الوفاء بشكر هذه النعمة قوله: "نعمة الإطعام" إضافته للبيان.

ص: 55

لسلامة البدن من الآلام أو عدم الذكر باللسان حال التخلي.

ــ.

قوله: "لسلامة البدن" علة لخروج قوله: "أو عن عدم الخ" عطف على عن بلوغ أي أو الإعتراف بالقصور الناشيء عن عدم الذكر أو عن بمعنى الباء أي القصور الثابت بسبب عدم الذكر في تلك الحالة.

ص: 56

"‌

‌فصل: في" أحكام "الوضوء

".

أحكام "الوضوء" وهو بضم الواو وفتحها وهو مصدر وبفتحها فقط ما يتوضأ به وهو لغة مأخوذ من الوضاءة والحسن والنظافة يقال وضؤ الرجل أي صار وضيئا وشرعا نظافة مخصوصة ففيه المعنى اللغوي لأنه يحسن أعضاء الوضوء في الدنيا بالتنظيف وبالآخرة بالتحجيل للقيام بخدمة المولى وقدم على الغسل لأن الله قدمه عليه وله سبب وشرط وحكم وركن وصفة "أركان الوضوء أربعة وهي فرائضهالأول" منها "غسل الوجه" لقوله.

ــ.

فصل في أحكام الوضوء.

الصحيح أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة وإنما الذي اختصت به هو الغرة والتحجيل ذكره العلامة نوح وفي شرح المشكاة ينبغي أن تختص الغرة والتحجيل بالأنبياء وبهذه الأمة من بين سائر الأمم اهـ وفرض بمكة ونزلت آيته بالمدينة تأكيدا بالوحي المستمر على توالي الأزمان وليتأتى خلاف العلماء الذي هو رحمة قوله: "مصدر" لوضوء واسم مصدر لتوضأ كما نص عليه ابن هشام في التوضيح قوله: "وبفتحها فقط ما يتوضأ به" فالمفتوح مشترك بين المصدر والآلة قوله: "والحسن والنظافة" الأولى أن يقول وهي الحسن والنظافة كما فعله السيد قوله: "نظافة مخصوصة" الأحسن ما قاله العيني أنه في الشرع غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس اهـ لأن النظافة لا تظهر في مسح الرأس قوله: "وفي الآخرة بالتحجيل" في الأيدي والأرجل والأولى زيادة الغرة قوله: "للقيام بخدمة المولى" علة للطرفين قوله: "لأن الله قدمه عليه" لأنه جزء منه ولكثرة الاحتياج إليه قاله السيد قوله: "وله سبب" بينه بقوله وسببه استباحة ما لا يحل إلا به الخ والحل حكمه وأما شرطه فسيأتي تقسيمه إلى شرط وجوب وشرط صحة قوله: "وصفة" عقد لها فصلا على حدة وقسمه ثلاثة أقسام فرضا وواجبا ومندوبا قوله: "وهي فرائضه" الفرض قسمان قطعي وهو ما ثبت بدليل قطعي موجب للعلم البديهي ويكفر جاحده وظني وهو ما ثبت بدليل قطعي لكن فيه شبهة ويسمى عمليا.

ص: 56

تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} والغسل بفتح الغين مصدر غسلته وبالضم الاسم وبالكسر ما يغسل به من صابون ونحوه والغسل إسالة الماء على المحل بحيث يتقاطر وأقله قطرتان في الأصح ولا تكفي الإسالة بدون التقاطر والوجه ما يواجه به الإنسان "وحده" أي جملة الوجه "طولا من مبدأ سطح الجبهة" سواء كان به شعر أم لا والجبهة ما اكتنفه الجبينان "إلى

ــ.

وهو ما يفوت الجواز بفواته وحكمه كالأول غير أنه لا يكفر جاحده فإن نظر فيه إلى أصل الغسل والمسح كان من الأول وإن نظر إلى التقدير كان من الثاني واعلم أن الأدلة أربعة أنواع الأول قطعي الثبوت والدلالة كالآيات القرآنية والأحاديث المتواترة الصريحة التي لا تحتمل التأويل من وجه الثاني قطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات والأحاديث المؤولة الثالث ظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد الصريحة الرابع ظني الثبوت والدلالة معا كأخبار الآحاد المحتملة معاني فالأول يفيد القطع والثاني يفيد الظن والثالث يفيد الواجب والمكروه وتحريما والرابع يفيد السنية والإستحباب وقد يطلق الفرض ويراد به ما يشمل القطعي والعملي ويطلق الواجب ويراد به الفرض العملي أيضا ولهذا قال بعض المحققين إنه أقوى نوعي الواجب وأضعف نوعي الفرض ثم الفرض من حيث هو قسمان أيضا فرض عين وفرض كفاية فالأول ما يلزم كل فرد ولا يسقط بفعل البعض كالوضوء مثلا والثاني ما يلزم جملة المفروض عليهم دون كل فرد بخصوصه فيسقط عن الجميع بفعل البعض كاستماع القرآن وحفظه ورد السلام وتشميت العاطس وغسل الميت والصلاة عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد إن لم يكن النفير عاما وإلا فهو فرض عين ثم جميع فروض الكفاية ثوابها للمباشر وحده وإثم تركها على الجميع ومقتضى ترك الفرض عدم الصحة مطلقا والإثم إن كان عمدا ومقتضى ترك الواجب كراهة التحريم مع العمد وإلا فسجود السهوان كان في الصلاة ومقتضى ترك السنة والمستحب كراهة التنزيه مع العمد وإلا فلا قوله: "وبالضم الإسم" أي اسم المصدر والفرق بين المصدر واسمه إن المصدر ما دل على الحدث مباشرة واسمه ما دل عليه بواسطته ويطلق على غسل تمام الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا قوله: "إسالة الماء على المحل" أما المسح فهو الإصابة كما في الهداية قوله: "بحيث يتقاطر" المراد أنه يقطر بالفعل أو كان بحيث يقطر لولا تجفيفه وهذا قولهما وعند أبي يوسف يكفي مجرد الإجراء على العضو وإن لم يقطر قوله: "في الأصح" وظاهر الفتح أنه يكفي القطرة الواحدة قوله: "ما يواجه به الإنسان" أي ما يقع عليه النظر عند المواجهة وهي تقابل الوجهين قوله: "وحده" أي الوجه لغة وشرعا قهستاني وحد الشيء منتهاه صحاح قوله: "من مبدأ سطح الجبهة" أي من أول أعلى الجبهة قوله: "سواء كان به شعر أم لا" أشار به إلى أن الأغم والاصلع والأقرع والأنزع فرض غسل الوجه منهم ما ذكر قوله: "والجبهة" في القاموس هي ما يصيب الأرض حال السجود ومستوى ما بين.

ص: 57

أسفل الذقن" وهي مجمع لحييه واللحي منبت اللحية فوق عظم الأسنان لمن ليست له لحية كثيفة وفي حقه إلى ما لا قي البشرة من الوجه "وحده" أي الوجه "عرضا" بفتح العين مقابل الطول "ما بين شحمتا الأذنين" الشحمة معلق القرط والأذن بضمتين وتخفف وتثقل ويدخل في الغايتين جزء منها لاتصاله بالفرض والبياض الذي بين العذار والأذن فيفترض غسله في الصحيح وعن أبي يوسف سقوطه بنبات اللحية "و" الركن "الثاني غسل يديه مع مرفقيه".

ــ.

الحاجبين اهـ قوله: "الذقن" بالتحريك كعسل قوله: "واللحى" بفتح اللام قوله: "منبت اللحية" بكسر الباء واللحية بكسر اللام شعر الخدين والذقن قاموس قوله: "فوق عظم الأسنان" أي المنبت هو بعض الخد أي الذي هو فوق عظم الأسنان وفي الخطيب واللحيان بفتح اللام على المشهور العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى قوله: "لمن ليست له لحية" هذا مرتبط بقوله إلى أسفل الذقن أي إنما يفترض ذلك لمن ليست له لحية كثيفة بأن لا يكون له لحية أصلا أو له وهي خفيفة ترى بشرتها قوله: "إلى ما لاقى البشرة" أي الذي لا ترى منه فلا يجب عليه إيصال الماء إلى المنابت السفلى قوله: "بفتح العين مقابل الطول" وما ليس بنقد وبفتحتين حطام الدنيا وما قابل الجوهر وبضمها ناحية الشيء وبكسرها محل المدح والذم من الإنسان وأصله الجسد وقد يطلق على عرقه يقال رائحة عرضه ذكية أو منتنة اهـ.

قوله: "بضمتين" الأولى حذفه ليصح له قوله بعد وتخفف فإن المراد به تسكين الذال كما أن المراد بالتثقيل تحريكه بالضمتين قوله: "ويدخل في الغايتين جزء منهما" إنما ذكره لأن الإستيعاب غالبا لا يحصل بدون ذلك وليس المراد أن ذلك فرض لأنه لو وضع نحو شمع على حدود الفرائض لكفاه قطعا وادعاء بعضهم أنه لا يتم الفرض إلا بدخول جزء من الغاية غير مسلم لما ذكرنا أفاده السيد ولم يذكروا فيما رأيت حكم الشعر الذي بين الأذن والنزعة لذى يؤخذ بالملقط وذكره الشافعية صريحا قال الخطيب في شرح أبي شجاع أما موضع التحذيف فمن الرأس لإتصال شعره بشعر الرأس وهو ما ينبت عليه الشعر الخفيف بين ابتداء العذار والنزعة سمي بذلك لأن الأشراف والنساء يحذفون الشعر عنه ليتسع الوجه وضابطه كما قاله الإمام أن يضع طرف خيط على رأس الأذن والطرف الثاني على أعلى الجبهة ويفرض هذا الخيط مستقيما فما نزل عنه إلى جانب الوجه فهو موضع التحذيف اهـ بالحرف قال محشيه المدابغي عن الأجهوري المراد برأس الأذن الجزء المحاذي لأعلى العذار قريبا من الوتد وليس المراد به أعلى الأذن من جهة الرأس لأنه ليس محاذيا لمبدأ العذار اهـ والظاهر أن المذهب كذلك لأن التحديد التام بما ذكر فإذا غسل مارا من أعلى الجبهة على استقامة ووصل إلى رأس الأذن الأعلى عمه الغسل قوله: "وعن أبي يوسف الخ" قال المصنف في حاشية.

ص: 58

أحد المرفقين غسله فرض بعبارة النص لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي مقابلة الفرد بالفرد والمرفق الثاني بدلالته لتساويهما وللإجماع وهو بكسر الميم وفتح الفاء وقلبه - لغة: ملتقى عظم العضد والذراع "و" الركن "الثالث غسل رجليه" لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} ولقوله عليه السلام بعدما غسل رجليه "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وقراءة الجر للمجاورة "مع كعبيه" لدخول الغاية في المغيا والكعبان هما العظمان المرتفعان في جانبي القدم واشتقاقه من الارتفاع كالكعبة والكاعب التي بدا ثديها "و" الركن "الرابع مسح ربع

ــ.

الدرر ظاهر النقول أن ذلك خلاف مذهبه قوله: "بعبارة النص" هي ما سبق من الكلام لإثبات الحكم وإثبات الحكم بها شيء ظاهر لا يحتاج إلى مزيد تأمل قوله: "لأن مقابلة الجمع الخ" قاعدة أغلبية تتبع القرائن وإلا لانتقض بنحو لبس القوم ثيابهم قوله: "والمرفق الثاني" لو جعل الكلام في اليد كلها لكان أولى وهو الذي في كلام غيره قوله: "بدلالته" الثابت بالدلالة حكم ثبت بمعنى النص لغة والمراد أنه يثبت بالمعنى الذي يعرفه كل سامع يعرف اللغة من غير استنباط كحرمة الضرب المعلومة من حرمة التأفيف للوالدين فإنه حكم استفيد من المعنى الذي نهى بسببه عن التأفيف الذي هو الإيذاء قوله: "وللإجماع" قال في البحر لا طائل في هذا الكلام بعد انعقاد الإجماع قوله: " وقلبه " وبهما قرىء في قوله تعالى: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} قراءتان سبعيتان وبقيت لغة ثالثة فتح الميم والفاء كمقعد سمي به لأن الإنسان يرتفق به عند الإتكاء ولو خلق له يدان على المنكب فالتامة هي الأصلية وما حاذى من الزائدة محل الغرض غسل وكذا كل ما كان مركبا على أعضاء الوضوء كالإصبع الزائدة والكف الزائدة والسلعة ومالا فلا بل يندب قوله: "وقراءة الجر للمجاورة" قال ابن مالك في شرحه لكتابه المسمى بالعمدة تنفرد الواو بجواز العطف على الجواز خاصة اهـ فالأرجل مغسولة على كلتا القراءتين ولا يجوز المسح عليهما إلا في حالة التخفف وفي الكشاف إنما عطفت الأرجل على الرؤوس لا لأنها تمسح بل للتنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها لأنها تغسل بصب الماء عليها دون غيرها فكانت مظنة الإسراف وجىء بالكعبين إماطة لظن ظان إنها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشرع اهـ قوله: "لدخول الغاية الخ" تعليل لمحذوف تقديره إنما قال مع لدخول الغاية في المغيا في الآية المعبر فيها بإلى وحاصلة إنهما في المال واحد وإنما ثناهما ولم يجمعهما كالمرافق لأنه لو جمع للزم القسمة على الآحاد كالمرافق فثناهما لإفادة أن لكل رجل كعبين قوله: "واشتقاقه من الإرتفاع" الأولى أن يقول من التكعب وهو الإرتفاع ومنه سميت الكعبة قوله: "مسح ربع رأسه" الربع بضمتين وقد تسكن الباء والرأس أعلى كل شيء وإنما كان الفرض الربع لأن الباء للإلصاق واليد تقارب الربع في المقدار فإذا أمرت أدنى امرار بحيث يسمى مسحا حصل الربع فكان مسح الربع أدنى ما يطلق عليه اسم المسح المراد من الآية وأيضا قد تقرر في الأصول إن الباء إذا دخلت.

ص: 59

رأسه" لمسحه صلى الله عليه وسلم ناصيته وتقدير الفرض بثلاثة أصابع مردود وإن صحح ومحل المسح ما فوق الأذنين فيصح مسح ربعه لا ما نزل عنهما فلا يصح مسح أعلى الذوائب المشدودة على الرأس وهو لغة إمرار اليد على الشيء وشرعا إصابة اليد المبتلة العضو ولو بعد غسل عضو لا مسحه ولا ببلل أخذ من عضو وإن أصابه ماء أو مطر قدر المفروض أجزأه "وسببه" السبب ما أفضى إلى الشيء من غير تأثير فيه "استباحة" أي إرادة فعل "ما" يكون من صلاة.

ــ.

على المحل تعدى الفعل إلى الآلة والتقدير امسحوا أيديكم برؤوسكم فيقتضي استيعاب اليد بالمسح دون الرأس واستيعاب اليد ملصقة بالرأس على ما ذكرنا لا يستغرق غالبا سوى الربع فتعين مرادا من الآية الكريمة وهو المطلوب قوله: "ناصيته" هو المقدم والقذال كسحاب المؤخر والفود إن مثنى فود كعود الجانبان قوله: "وتقدير الفرض بثلاثة أصابع الخ" أي من أصغر أصابع اليد لأن الأصابع أصل اليد حتى يجب بقطعها دية كل اليد والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل اهـ وبقيت رواية أخرى للكرخي والطحاوي واختارها القدوري وهو مقدار الناصية قوله: "مردود" لأنها غير المنصور رواية ودراية أما الأول فلنقل المتقدمين رواية الربع وأما الثاني فلأن المسح من المقدرات الشرعية وفيها يعتبر عين ما قدر به كعدد ركعات الظهر مثلا قوله: "ومحل المسح ما فوق الأذنين" قال في الخانية فلو مسح على شعره إن وقع على شعر تحته رأس جاز وإن وقع على شعر تحته جبهة أو رقبة لا يجوز لأن ما على الرأس يكون من الرأس ولهذا لو حلف لا يضع يده على رأس فلان فوضع يده على شعر تحته رأس حنث اهـ قوله: "المشدودة على الرأس" أي التي أديرت ملفوفة على الرأس بحيث لو أرخاها لكانت مسترسلة أما لو كان تحته رأس فلا شك في الجواز قوله: "امرار اليد على الشيء" أي بلطف قوله: "إصابة اليد الخ" الأولى ما ذكره غيره بقوله وشرعا إصابة بلل لم يستعمل في غيره سواء كان المصاب عضوا أو غيره كشعر وخف وسيف ونحو ذلك وسواء كانت الإصابة باليد أو بغيرها حتى لو أصاب رأسه أو خفه خرقة مبتلة أو مطر أو ثلج قدر المفروض أجزأ سواء مسحه باليد أم لا اهـ قوله: "ولو بعد غسل" هو ما عليه العامة وقال الحاكم الشهيد لا يجوز المسح به أيضا وصححه في الإيضاح لأنه قد نص الكرخي في جامعه الكبير على الرواية عن الشيخين مفسرا معللا فقال: إنه إذا مسح رأسه بفضل غسل ذراعيه لم يجز إلا بماء جديد لأنه قد تطهر به مرة وأقره في النهر وفي نوح أفندي عن المجتبى المخطؤن أي للحاكم مخطؤن اهـ قوله: "لامسحه" يستثنى منه الأذنان فيمسحان بما بقى من بلل الرأس قوله: "ولا ببلل أخذ من عضو" لأنه يشترط في صحة المسح أن لا يكون البلل مستعملا ولما أخذت البلة من العضو صارت مستعملة بالإنفصال قوله: "ما أفضى إلى الشي" أي وصل إليه قوله: "من غير تأثير فيه" خرج به العلة كالعقد فإنه علة مؤثرة في سل النكاح قوله: "أي إرادة فعل ما يكون" هذا تفسير باللازم عرفا وأصل المعنى طلب إباحة.

ص: 60

ومس مصحف وطواف "لا يحل" الإقدام عليه "إلا به" أي الوضوء "وهو" أي حل الإقدام على الفعل متوضئا "حكمة الدنيوي" المختص به المقام "وحكمه الأخروي الثواب في الآخرة" إذا كان بنيته وهذا حكم كل عبادة "وشرط وجوبه" أي التكليف به وافتراضه ثمانية "العقل" إذ لا خطاب بدونه "والبلوغ" لعدم تكليف القاصر وتوقف صحة صلاته عليه لخطاب الوضع "والإسلام" إذ لا يخاطب كافر بفروع الشريعة "وقدرة" المكلف "على استعمال الماء" الطهورة لأن عدم الماء والحاجة إليه تنفيه حكما فلا قدرة إلا بالماء "الكافي" لجميع الأعضاء مرة مرة وغيره كالعدم "ووجود الحدث" فلا يلزم الوضوء على الوضوء "وعدم الحيض و" عدم "النفاس" بانقطاعهما شرعا "وضيق الوقت" لتوجه الخطاب مضيقا حينئذ وموسعا في ابتدائه وقد اختصرت هذه الشروط في واحد هو قدرة المكلف بالطهارة عليها بالماء "وشرط صحته" أي الوضوء "ثلاثة" الأول "عموم البشرة بالماء الطهور" حتى لو بقي مقدار مغرز إبرة لم يصبه الماء من المفروض غسله لم يصح الوضوء "و" الثاني "انقطاع ما ينافيه من حيض ونفاس" لتمام العادة "و" انقطاع "حدث" حال التوضؤ لأنه بظهور بول وسيلان ناقض لا يصح.

ــ.

ما لا يحل إلا به وأخذ المصنف الإرادة من الطلب قوله: "وشرط وجوبه" أي لزومه على المكلف شرعا والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم قوله: "الخطاب الوضع" هو جعل الشارع الشيء شرطا أو سببا أو مانعا أو صحيحا أو فاسدا ولا يلزمه التكليف قوله: "إذ لا يخاطب كافر بفروع الشريعة" هذا أحد أقوال ثلاثة وصحح الثاني إنهم مخاطبون بها أداء واعتقادا ونقلت أصحيته الثالث إنهم مخاطبون بها إعتقادا لا أداء وأعد لها أوسطها وحينئذ لا خلاف بين الماتريدي والأشعري والثمرة تظهر في زيادة العقوبة للكافر على تركها أداء واعتقادا أو اعتقادا فقط أو عدم العقوبة أصلا قوله: "لا إن عدم الماء" أي ولو حكما بأن لا يقدر على استعماله لعذر والأولى أن يزيد تنجسه ليقابل الطهور قوله: "بانقطاعهما" تصوير للعدم وقوله شرعا يشمل ما إذا انقطعا لدون العادة فإنها تغتسل وتصوم وتصلي ولا يقربها زوجها احتياطا فقول السيد لانقطاعهما بتمام العادة ليس على ما ينبغي أفاده بعض الأفاضل قوله: "وضيق الوقت" هذا شرط للوجوب المضيق قوله: "هو قدرة المكلف بالطهارة" دخل فيه القدرة والعقل والبلوغ والإسلام ووجود الحدث وانقطاع الحيض والنفاس وضيق الوقت فإنه لا تكليف إلا بذلك قوله: "وشرط صحته" في حاشية الأشباه للحموي شرط الصحة في العبادات عبارة عن سقوط القضاء بالفعل وفيه تأمل ولعله تفسير له بالمقصود منه قوله: "والثاني انقطاع ما ينافيه الخ" قد اجتمع في هذا شرط الوجوب وشرط الصحة قوله: "إتمام العادة" قد علمت ما فيه قوله: "لا يصح الوضوء" أي إلا إذا ثبت العذر.

ص: 61

الوضوء "و" الثالث "زوال ما يمنع وصول الماء إلى الجسد" لحرمة الحائل "كشمع وشحم" قيد به لأن بقاء دسومة الزيت ونحوه لا يمنع لعدم الحائل وترجع الثلاثة لواحد هو عموم المطهر شرعا البشرة.

ــ.

قوله: "كشمع وشحم" وعجين وطين وما ذكره بعضهم من عدم منع الطين والعجين محمول على القليل الرطب ويمنع جلد السمك والخبز الممضوغ الجاف والدرن اليابس في الأنف بخلاف الرطب قهستاني ويمنع الرمص وهو ما جمد في الموق وهو مؤخر العين أو الماق وهو مقدمها إذا كان يبقى خارج العين بعد تغميضها قوله: "عموم المطهر شرعا" لا يكون مطهرا إلا عند عدم حيض ونفاس وحدث.

ص: 62

"‌

‌فصل".

في تمام أحكام الوضوء

يقدم الكلام على اللحية قال: "يجب" يعني يفترض "غسل ظاهر اللحية الكثة" وهي التي لا ترى بشرتها "في أصح ما يفتى به" من التصاحيح في حكمها لقيامها مقام البشرة بتحول الفرض إليها ورجعوا عما قيل من الاكتفاء بثلثها أو ربعها أو مسح كلها ونحوه "ويجب" يعني يفترض "إيصال الماء إلى بشرة اللحية الخفيفة" في المختار لبقاء المواجهة بها وعدم عسر غسلها وقيل يسقط لانعدام كمال المواجهة بالنبات "ولا يجب إيصال الماء إلى المسترسل من الشعر عن دائرة الوجه" لأنه ليس منه أصالة ولا بدلا عنه "ولا" يجب إيصال الماء "إلى ما انكتم من الشفتين عند الانضمام" المعتاد لأن المنضم تبع للفم في الأصح وما يظهر تبع للوجه ولا باطن العينين ولو في.

ــ.

فصل في تمام أحكام الوضوء.

قوله: "على اللحية" المشهور كسر اللام وجعل صاحب الكشاف الفتح قراءة في لا تأخذ بلحيتي قوله: "غسل ظاهر اللحية الكثة" وهي الكثيفة وإنما زاد المصنف لفظ ظاهر إشارة إلى أنه لا يفترض غسل ما تحت الطبقة العليا من منابت الشعر قوله: "من الإكتفاء بثلثها أو ربعها" غسلا أو مسحا برهان قوله: "ونحوه" من مسح ملاقى البشرة أو عدم المسح أصلا وقال أبو عبد الله الثلجي حكمها كالخفيفة قوله: "ولا يجب إيصال الماء إلى المسترسل" أي لا يجب غسله ولا مسحه بلا خلاف عندنا نهر نعم سن مسحه كما في منية المصلي قال شارحها ابن أمير حاج والذي يظهر إستنان غسله.

ص: 62

الغسل للضرر ولا داخل قرحة برأت ولم ينفصل من قشرها سوى مخرج القيح للضرورة "ولو انضمت الأصابع" بحيث لا يصل الماء بنفسه إلى ما بينها "أو طال الظفر فغطى الأنملة" ومنع وصول الماء إلى ما تحته "أو كان فيه" يعني المحل المفروض غسله "ما" أي شيء "يمنع الماء" أن يصل إلى الجسد "كعجين" وشمع ورمص بخارج العين بتغميضها "وجب" أي افترض "غسل ما تحته" بعد إزالته المانع "ولا يمنع الدرن" أي وسخ الأظفار سواء القروي والمصري في الأصح فيصح الغسل مع وجوده "و" لا يمنع "خرء البراغيث ونحوها" كونيم الذباب وصول الماء إلى البدن لنفوذه فيه لقلته وعدم لزوجته ولا ما على ظفر الصباغ من صبغ للضرورة وعليه الفتوى "ويجب" أي يلزم "تحريك الخاتم الضيق" في المختار من الروايتين لأنه يمنع الوصول ظاهرا وكان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه وكذا يجب تحريك القرط في الأذن لضيق محله والمعتبر غلبة الظن لإيصال الماء ثقبه فلا يتكلف لإدخال عود في ثقب للحرج والقرط بضم القاف وسكون الراء ما يتعلق في شحمة الأذن "ولو ضره غسل شقوق رجليه جاز" أي صح "إمرار الماء على الدواء الذي وضعه فيها" أي الشقوق للضرورة "ولا يعاد الغسل" ولو من جنابة "ولا المسح" في الوضوء.

ــ.

قوله: "للضرر" هذه العلة تنتج الحرمة وبها صرح بعضهم وقالوا: لا يجب غسلها من كحل نجس ولو كان أعمى لأنه مضر مطلقا ولأن العين شحم وهو لا يقبل الماء وفي ابن أمير حاج يجب إيصال الماء إلى أهداب العينين وموقيهما اهـ قوله: "للضرورة" ولعدم خروجه عن حكم الباطن بهذا القدر قوله: "أي وسخ الأظفار" وكذا درن سائر الأعضاء بالإجماع كما في الخانية والدرر لأنه متولد عن البدن كما في الفتح والبرهان قوله: "في الأصح" وعليه الفتوى وقيل درن المدني يمنع لأنه من الودك أي الدهن فلا ينفذ الماء منه بخلاف القروي لأن درنه من التراب والطين فلا يمنع نفوذ الماء قوله: "كونيم الذباب" أي زرقه قوله لنفوذه فيه لقلته" بل ولو منع دفعا للحرج كما في ابن أمير حاج ومثله في الخلاصة والبحر قوله: "في المختار من الروايتين" وروى الحسن عن الإمام إنه لا يجب خانية قوله: "وكذا يجب تحريك القرط في الأذن" أي في الغسل قوله: "شقوق رجليه" أي مثلا قوله: "جاز امرار الماء على الدواء" وإن ضره إمرار الماء على الدواء مسح عليه وأن ضره أيضا تركه وإن كان لا يضره شيء من ذلك تعين بقدر ما لا يضره حتى لو كان يضره الماء البارد دون الحار وهو قادر عليه لزمه استعمال الحار ثم محل جواز إمرار الماء على الدواء إذا لم يزد على رأس الشقاق فإن زاد تعين غسل ما تحت الزائد كما في ابن أمير حاج ومثله في الدر عن المجتبى لكن ينبغي أن يقيد بعدم الضرر كما لا يخفى أفاده بعض الأفاضل قوله: "لعدم طرو وحدث" ولأن الفرض سقط والساقط لا يعود.

ص: 63

"على موضع الشعر بعد حلقه" لعدم طروء حدث به "و" كذا "لا" يعاد "الغسل بقص ظفره وشاربه" لعدم طروء حدث وإن استحب الغسل.

ص: 64

"‌

‌فصل".

في سنن الوضوء

"يسن في" حال "الوضوء ثمانية عشر شيئا" ذكر العدد تسهيلا للطالب لا للحصر. والسنة لغة الطريقة ولو سيئة واصطلاحا الطريقة المسلوكة في الدين من غير لزوم على المواظبة وهي المؤكدة إن كان النبي صلى الله عليه وسلم تركها أحيانا وأما التي لم يواظب عليها فهي المندوبة وإن اقترنت بوعيد لمن لم يفعلها فهي للوجوب فيسن "غسل.

ــ.

فصل في سنن الوضوء.

قوله: "ولو سيئة" منه ما وقع في حديث الطبراني من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك من سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطا في سبيل الله جرى له أجر المرابطين حتى يبعث يوم القيامة قوله: "واصطلاحا الطريقة المسلوكة في الدين" أوضح منه قول بعضهم طريقة مسلوكة في الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها وليست خصوصية فقولنا طريقة الخ كالجنس يشمل السنة وغيرها وقولنا من غير لزوم فصل خرج به الفرض وبلا إنكار أخرج الواجب وقولنا وليست خصوصية خرج به ما هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كصوم الوصال اهـ قوله: "على سبيل المواظبة" متعلق بقوله المسلوكة والمراد المواظبة في غالب الأحيان كما يفهم مما بعده قوله: "وهي المؤكدة إن كان النبي صلى الله عليه وسلم تركها أحيانا" كالأذان والإقامة والجماعة والسنن الرواتب والمضمضة والإستنشاق ويلقبونها بسنة الهدى أي أخذها هدى وتركها ضلالة أي أخذها من تكميل الهدى أي الدين ويتعلق بتركها كراهة وإساءة قال القهستاني حكمها كالواجب في المطالبة في الدنيا إلا أن تاركه يعاقب وتاركها يعاتب اهـ وفي الجوهرة عن القنية تاركها فاسق وجاحدها مبتدع وفي التلويح ترك السنة المؤكدة قريب من الحرام يستحق به حرمان الشفاعة صلى الله عليه وسلم: "من ترك سنتي لم ينل شفاعتي" وفي شرح المنار للشيخ زين الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة لأنها في حكم الواجب والإثم مقول بالتشكيك فهو في الواجب أقوى منه في السنة المؤكدة اهـ وقيل الإثم منوط بإعتياد الترك وصحح وقيل لا إثم أصلا قوله: "وأما التي لم يواظب عليها" كأذان المنفرد وتطويل القراءة في الصلاة فوق الواجب ومسح الرقبة في الوضوء والتيامن وصلاة وصوم وصدقة تطوع ويلقبونها بالسنة.

ص: 64

اليدين إلى الرسغين" في ابتداء الوضوء الرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة وبالغين المعجمة المفصل الذي بين الساعد والكف وبين الساق والقدم وسواء استيقظ من نوم أو لا ولكنه آكد في الذي استيقظ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها" ولفظ مسلم حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده وإذا لم يمكن.

ــ

الزائدة وهي المستحب والمندوب والأدب من غير فرق بينها عند الأصوليين وأما عند الفقهاء فالمستحب ما استوى فعله مع تركه والمندوب ما تركه أكثر من فعله وعكس صاحب المحيط والأولى ما عليه الأصوليون أفاده الشيخ زين في شرح المنار والسنة عند الحنفية ما فعله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم أو صحبه بعده قال في السراج ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو واحد من أصحابه اهـ فإن سنة أصحابه أمر عليه السلام باتباعها بقوله عليه السلام "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقوله عليه الصلاة والسلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" قوله: "وإن اقترنت بوعيد الخ" صنيعه يقتضي أن الواجب من أقسام السنة قوله: "غسل اليدين" على الكيفية الآتية وأما جمعهما في غسلة واحدة كل مرة فظن صاحب المحيط أنه غير مسنون ورده ابن أمير حاج بأنه مسنون واستدل عليه بعدة أحاديث تفيده قال والذي تقتضيه الأحاديث أنه إذا أراد غسل اليمنى منفردة يبدأ أولا بصب الماء باليسرى عليها ثم يغسل اليسرى منفردة أيضا أو يجمعها مع اليمنى ثانيا وأنه إذا قصد الجمع بينهما في الغسل من غير تفريق يصب باليمنى على اليسرى ثم يغسلهما معا ولا شك في جواز الكل وأقره في البحر وفي العيني على البخاري هل الأفضل الجمع أم التفريق خلاف بين العلماء اهـ قوله: "في إبتداء الوضوء" تقديمه شرط في تحصيل السنة لأنهما آلة التطهير فيبدأ بتنظيفهما كما في الإيضاح وغيره والمراد الطاهرتان أما المتنجستان ولو قلت النجاسة فغسلهما على وجه لا ينجس الماء فرض فإن أفضى إلى ذلك تركه حتى لو لم يمكنه الاغتراف بشيء ولو بمنديل أو بفمه تيمم وصلى ولم يعد كما في القهستاني وغيره قال في الكافي وهذا الغسل سنة تنوب عن الفرض وقال في الفتح بل هو فرض وتقديمه سنة قال في البحر وظاهر كلام المشايخ أنه المذهب وأبعد السرخسي فقال: والأصح عندي أنه سنة لا تنوب وبه قال الشافعي قوله: "وسكون السين المهملة" وتضم ويقال بالصاد قاله العلامة قاسم في شرح النقاية ولقد أحسن من قال:

فعظم يلي الإبهام كوع وما يلي.

لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط.

وعظم يلي إبهام رجل ملقب.

ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط.

قوله: "وسواء إستيقظ من نوم أولا" فإنه صح عنه عليه الصلاة والسلام إنه غسل يديه حال اليقظة قبل إدخالهما الإناء والشرط في الحديث خرج مخرج العادة فلا يعمل بمفهومه.

ص: 65

إمالة الإناء يدخل أصبع يسراه الخالية عن نجاسة متحققة ويصب على كفه اليمنى حتى ينقيها ثم يدخل اليمنى ويغسل يسراه وإن زاد على قدر الضرورة فأدخل الكف صار الماء مستعملا "والتسمية ابتداء" حتى لو نسيها فتذكرها في خلاله لا تحصل له السنة بخلاف الأكل لأن الوضوء عمل واحد وكل لقمة فعل مستأنف لقوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ وذكر

ــ.

قوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده" أي أوت يده فلا يختص بنوم الليل وجعله الإمام أحمد قاصرا على نوم الليل دون نوم النهار قوله: "وإذا لم يمكن إمالة الإناء" كيفية الغسل على ما ذكره أصحاب المذهب إنه إذا كان الإناء صغيرا يمكن رفعه لا يدخل يده فيه بل يرفعه بشماله ويصب على كفه اليمنى فيغسلها ثلاثا ثم يأخذ الإناء بيمينه ويصب على كفه اليسرى فيغسلها ثلاثا وإن كان الإناء كبيرا بحيث لا تمكن إمالته فإن كان معه إناء صغير رفع من الماء بذلك الإناء وغسل يديه كما بينا وإن لم يكن معه إناء صغير يدخل أصابع يده اليسرى مضمومة دون الكف ويرفع الماء ويصب على كفه اليمنى ويدلك الأصابع بعضها ببعض يفعل ذلك ثلاثا ثم يدخل يده اليمنى في الإناء بالغا ما بلغ إن شاء الله ويفعل باليسرى كذلك اهـ قوله: "صار الماء مستعملا" مخالف لما في الخانية ونصها المحدث أو الجنب إذا أدخل يده في الماء للاغتراف وليس عليها نجاسة لا يفسد الماء وكذا إذا وقع الكوز في الجب وأدخل يده إلى المرفق لا يصير الماء مستعملا اهـ وتقييده في الخانية بالاغتراف أي بنيته يفيد أنه إذا نوى الغسل يصير الماء مستعملا وبه صرح في الدر حيث قال فلو أدخل الكف إن أراد الغسل صار الماء مستعملا وإن أراد الإغتراف لا اهـ واعلم أن المحكوم عليه بالاستعمال عند إرادة الغسل هو الملاقي ليده لا كل الماء ذكره السيد ومعنى الإغتراف نقل الماء من نحو الإناء ثم إذا صار في يده نوى به التطهير قوله: "والتسمية ابتداء" عدها من السنن المؤكدة هو ما في المبسوط ومحيط رضى الدين والتحفة وغيرها واختاره القدوري والطحاوي وصاحب الكافي وصححه المرغيناني لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أبو داود والترمذي والحاكم وهو محمول على نفي الكمال وقال في الهداية الأصح إنها مستحبة وكأن وجهه ضعف الحديث والأظهر أنه لا ينزل عن درجة الحسن لاعتضاده بكثرة الطرق والشواهد فكان حجة حتى أن الكمال أثبت به الوجوب كما أن وجوب الفاتحة ثبت بمثله وأما تعيين كونها في الإبتداء فدليله ما روى عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ثم يفرغ الماء على بدنه قوله: "لا تحصل له السنة" وفي السراج أنه يأتي بها لئلا يخلو وضوؤه عنها ومثله في الجوهرة أي ليكون آتيا بالمندوب وإن فاتته السنة كما في الدر وقالوا: إنها عند غسل كل عضو مندوبة ذكره السيد قوله: "بخلاف الأكل" فإنه إذا أتى بها أثناءه تحصل السنة في الماضي والباقي كما ذكره الحلبي متعقبا الكمال في قوله إنما تحصل السنة في الباقي فقط قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم الخ" الأولى في الاستدلال ما ذكره آنفا.

ص: 66

اسم الله فإنه يطهر جسده كله ومن توضأ ولم يذكر اسم الله لم يطهر إلا موضع الوضوء" والمنقول عن السلف وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم في لفظها باسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وقيل الأفضل بسم الله الرحمن الرحيم لعموم "كل ذي بال" الحديث ويسمي كذلك قبل الاستنجاء وكشف العورة في الأصح "والسواك" بكسر السين اسم للاستياك والعود أيضا والمراد الأول لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أو "مع كل صلاة" ولما ورد أن كل صلاة به تفضل سبعين صلاة بدونه. وينبغي أن يكون لينا في غلظ الأصبع طول شبر مستويا قليل العقد من الأراك وهو من سنن الوضوء ووقته المسنون "في ابتدائه" لأن الابتداء به سنة أيضا عند المضمضة على قول الأكثر وقال.

ــ.

قوله: "فإنه يطهر جسده كله الخ" لعل الثمرة تظهر في كثرة الثواب وقلته ولفظ هذا الحديث لا يعين البسملة ولذا قال في المحيط لو قال نحو لا إله إلا الله يصير مقيما للسنة قال ابن أمير حاج ويؤيده حديث كل أمر لا يبدأ فيه بذكر الله اهـ فلو كبر أو هلل أو حمد كان مقيما للسنة أي لأصلها وكمالها لما سبق ذكره السيد قوله: " باسم الله العظيم الخ" أي بعد إتيانه بالتعوذ قاله الوبري قوله: "والحمد لله على دين الإسلام" الذي في الخبازية والحمد لله على الإسلام قوله: "وقيل الأفضل الخ" في البناية عن المجتبى لو قال بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله العظيم والحمد لله على الإسلام فحسن لورود الآثار اهـ أي بعد التعوذ قوله: "ويسمي كذلك قبل الاستنجاء" أي بالصيغة المتقدمة على الخلاف والذي سبق أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "باسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" اهـ وإنما يسمى قبل الاستنجاء لأنه ملحق بالوضوء من حيث أنه طهارة وظاهر هذا أنه قاصر على الاستنجاء بالماء وبه قيد الزيلعي والإطلاق أولى كما لا يخفى ذكره بعض الأفاضل وعلة التسمية بعده عند الوضوء إنه ابتداء الطهارة ذكره السيد قوله: "والمراد الأول" أي فلا حاجة إلى تقدير مضاف قوله: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة الخ" هذا لا يدل لمذهبنا بل لمذهب الشافعي وإنما الذي يدل لمذهبنا رواية النسائي عند كل وضوء وصححها الحاكم وذكرها البخاري تعليقا في كتاب الصوم فلو ذكرها المؤلف مقتصرا عليها لكان أولى قوله: "ولما ورد أن كل صلاة به الخ" وتحصل هذه الفضيلة في كل صلاة أداها بوضوء استاك فيه وإن لم يستك عند قيامه لها لأنه من سنن الدين لا من سنن الصلاة على الأصح كما سنذكره إن شاء الله تعالى قوله: "وينبغي أن يكون لينا الخ" عبارة بعضهم والمستحب بله ان كان يابسا وغسله بعد الإستياك لئلا يستاك به الشيطان وأن يكون من شجر مر ليكون أقطع للبلغم وأنقى للصدر وأهنأ للطعام وأفضله الاراك ثم الزيتون ويصح بكل عود إلا الرمان والقصب لمضرتهما وأن يكون طول شبر مستعمله لأن الزائد يركب عليه الشيطان اهـ قوله: "لأن الابتداء به سنة أيضا عند المضمضة" تكميلا للانقاء وهو مختار شيخ الإسلام في.

ص: 67

غيرهم قبل الوضوء وهو من سنن الوضوء عندنا لا من سنن الصلاة فتحصل فضيلته لكل صلاة أداها بوضوء استاك فيه. ويستحب لتغير الفم والقيام من النوم وإلى الصلاة ودخول البيت واجتماع الناس وقراءة القرآن والحديث لقول الإمام إنه من سنن الدين وقال عليه الصلاة والسلام: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" فيستوي فيه جميع الأحوال وفضله يحصل "ولو" كان الاستياك "بالأصبع" أو خرقة خشنة "عند فقده" أي السواك أو فقد أسنانه أو ضرر بفمه لقوله عليه السلام: "يجزئ من السواك الأصابع" وقال علي رضي الله عنه: التشويص بالمسبحة والإبهام سواك ويقوم العلك مقامه للنساء لرقة بشرتهن. والسنة في أخذه أن تجعل خنصر يمينك أسفله والبنصر والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه كما رواه ابن مسعود رضي الله عنه ولا يقبضه لأنه يورث الباسور ويكره مضطجعا لأنه يورث كبر الطحال وجمع العارف بالله تعالى الشيخ أحمد الزاهد فضائله بمؤلف سماه تحفة السلاك.

ــ.

مبسوطه قوله: "وإلى الصلاة" محل الاستحباب في ذلك إذا أمن خروج الدم وإلا فلا قوله: "لقول الإمام إنه من سنن الدين" اختلف العلماء فيه هل هو من سنن الوضوء أو الصلاة أو الدين والثالث أقوى وهو المنقول عن الإمام كما ذكره العيني في شرح البخاري وقوله في الهداية الأصح أنه مستحب يعني في الوضوء لا مطلقا وعلله الكمال بأنه لم يرد ما يصرح بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه عند الوضوء ثم قال فالحق أنه من سنن الدين اهـ ولا يستحب لمن يؤذيه المواظبة عليه بل يفعله أحيانا كما بحثه ابن أمير حاج قوله: "وفضله يحصل الخ" أي فيترتب عليه الثواب الموعود قوله: "عند فقده" لا عند وجوده كما في الكافي قوله: "يجزىء من السواك الأصابع" من للبدل قوله: "التشويص بالمسبحة والإبهام سواك" التشويص الدلك باليد ذكره في القاموس في جملة معان وكيفيته كما في ابن أمير حاج أن يبدأ بالإبهام من الجانب الأيمن يستاك فوقا وتحتا ثم بالسبابة من الأيسر كذلك اهـ قوله: "ويقوم العلك مقامه للنساء" من المعلوم أنه لا يحصل الثواب لهن إلا بالنية ثم الظاهر أنهن لا يؤمرن بالعلك في ابتداء الوضوء كالسواك للرجال ويحرر قوله: "والسنة في أخذه أن تجعل خنصر يمينك الخ" ناقش ذلك العلامة نوح وقال إن المفاد من الأحاديث الإبتداء من جهة اليمين وأما كون المسك باليمين فلا فينبغي أن يكون باليسار لأنه من باب إزالة الأقذار وفيه إنه حيث ثبت عن ابن مسعود فلا كلام ويستحب أن يدلك الأسنان ظاهرها وباطنها وأطرافها والحنك وهو باطن وأعلى الفم من داخل والأسفل من طرف مقدم اللحيين وأخرج البخاري عن أبي موسى الأشعري أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن يقول أع أع والسواك في فيه كأنه يتهوع قوله: "ولا يقبضه الخ" ولا يمصه لأنه يورث العمى ويكره بمؤذ ويحرم بذي سم ويبتلع الريق الصافي من الدم فإنه نافع من الجذام والبرص ومن كل داء سوى الموت قوله: "وجمع العارف بالله تعالى الخ" من فضائله ما روى الأئمة عن علي وابن.

ص: 68

في فضائل السواك "والمضمضة" وهي اصطلاحا استيعاب الماء جميع الفم وفي اللغة التحريك ويسن أن تكون "ثلاثا" لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا "ولو" تمضمض ثلاثا "بغرفة" واحدة أقام سنة المضمضة لا سنة التكرير "والاستنشاق" وهو لغة من النشق جذب الماء ونحوه بريح الأنف إليه واصطلاحا إيصال الماء إلى المارن وهو ما لان من الأنف ويكون "بثلاث غرفات" للحديث ولا يصح التثليث.

ــ.

عباس وعطاء رضي الله تعالى عنهم أجمعين عليكم بالسواك فلا تغفلوا عنه وأديموه فإن فيه رضا الرحمن وتضاعف صلاته إلى تسعة وتسعين ضعفا أو إلى أربعمائة ضعف وإدامته تورث السعة والغنى وتيسير الرزق ويطيب الفم ويشد اللثة ويسكن الصداع وعروق الرأس حتى لا يضرب عرق ساكن ولا يسكن عرق جاذب ويذهب وجع الرأس والبلغم ويقوي الأسنان ويجلو البصر ويصحح المعدة ويقوي البدن ويزيد الرجل فصاحة وحفظا وعقلا ويطهر القلب ويزيد في الحسنات ويفرح الملائكة وتصافحه لنور وجهه وتشيعه إذا خرج إلى الصلاة وتستغفر حملة العرش لفاعله إذا خرج من المسجد وتستغفر له الأنبياء والرسل والسواك مسخطة للشيطان مطردة له مصفاة للذهن مهضمة للطعام مكثرة للولد ويجيز على الصراط كالبرق الخاطف ويبطىء الشيب ويعطي الكتاب باليمين ويقوي البدن على طاعة الله عز وجل ويذهب الحرارة من الجسد ويذهب الوجع ويقوي الظهر ويذكر الشهادة ويسرع النزع ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويصفي الخلق ويجلو اللسان ويذكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويضاعف الأجر وينمي المال والأولاد ويعين على قضاء الحوائج ويوسع عليه في قبره ويؤنسه في لحده ويكتب له أجرا من لم يستك في يومه ويفتح له أبواب الجنة وتقول له الملائكة هذا مقتد بالأنبياء يقفو آثارهم ويلتمس هديهم في كل يوم ويغلق عنه أبواب جهنم ولا يخرج من الدنيا إلا وهو طاهر مطهر ولا يأتيه ملك الموت عند قبض روحه إلا في الصورة التي يأتي فيها الأولياء وفي بعض العبارات الأنبياء ولا يخرج من الدنيا حتى يسقي شربة من حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرحيق المختوم وأعلى هذه أنه مطهرة للفم مرضاة للرب قال بعضهم هذه الفضائل كلها مروية بعضها مرفوع وبعضها موقوف وإن كان في إسنادها مقال فينبغي العمل بها لما روى من بلغه عن الله ثواب فطلبه أعطاه الله مثل ذلك وإن لم يكن كذلك انتهى وبعض المذكورات يرجع إلى بعض قوله: "وهي اصطلاحا الخ" والإدارة والمج ليسا بشرط فلو شرب الماء عبا أجزأه ولو مصا لا كما في الفتح لكن الأفضل أن يمجه لأنه ماء مستعمل كما في السراج قوله: "وهو لغة من النشق" محرك من باب تعب الشم قوله: "واصطلاحا الخ" أفاد أن الجذب بريح الأنف ليس شرطا فيه شرعا بخلافه لغة نهر قوله: "ولا يصح التثليث بواحدة" أي في الاستنشاق قالوا: ويكفيه أن يتمضمض ثم يستنشق كم من كف واحدة لما صح.

ص: 69

بواحدة لعدم انطباق الأنف عل باقي الماء بخلاف المضمضة "و" يسن "المبالغة في المضمضة" وهي إيصال الماء لرأس الحلق "و" المبالغة في "الاستنشاق" وهي إيصاله إلى ما فوق المارن "لغير الصائم" والصائم لا يبالغ فيها خشية إفساد الصوم لقوله عليه الصلاة والسلام: "بالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما ""و" يسن في الأصح "تخليل اللحية الكثة" وهو قول أبي يوسف لرواية أبي داود عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته والتخليل تفريق الشعر من جهة الأسفل إلى فوق ويكون بعد غسل الوجه ثلاثا "بكف ماء من أسفلها" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: "بهذا أمرني ربي عز وجل " وأبو حنيفة ومحمد يفضلانه لعدم.

ــ.

أنه صلى الله عليه وسلم فعل كذلك لكن يفوته إكمال السنة وأحسن ما يقال في فعله صلى الله عليه وسلم ذلك أنه لبيان الجواز كما في العيني على البخاري ولو عكس لا يجزئه عن السنة ولا عن الفرض في الجنابة بالنظر إلى المضمضة والفرق أن الفم ينطبق على بعض الماء فلا يصير الباقي مستعملا بخلاف الأنف كما في الجوهرة والشرنبلالية وغيرهما قوله: "والمبالغة" فيهما هي سنة في الطهارتين على المعتمد وقيل سنة في الوضوء واجبة في الغسل إلا أن يكون صائما نقله القهستاني عن المنية وشارح الشرعة عن صلاة البقالي واعلم أن المضمضة والإستنشاق سنتان مشتملتان على سبع سنن الترتيب والتثليث والتجديد وفعلهما باليمين والمبالغة فيهما والمج والاستنثار والحكمة في تقديمهما على الفروض إختبار أوصاف الماء لأن لونه يدرك بالبصر وطعمه بالفم وريحه بالأنف فقدما لاختبار حال الماء بعد الرؤية قبل فعل الفرض به وقدمت المضمضة لشرف منافع الفم كما في ابن أمير حاج قوله: "وهي إيصال الماء لرأس الحلق الخ" هو ما في الخلاصة وقال الإمام خواهر زاده هو في المضمضة الغرغرة وهي تردد الماء في الحلق وفي الإستنشاق أن يجذب الماء بنفسه إلى ما اشتد من أنفه اهـ قال في البحر وهو الأولى والاستنثار مطلوب والإجماع على عدم وجوبه والمستحب أن يستثر بيده اليسرى ويكره بغير يد لأنه يشبه فعل الدابة وقيل لا يكره ذكره البدر العيني والأولى أن يدخل اصبعه في فمه وأنفه قهستاني قوله: "والصائم لا يبالغ" أي مطلقا ولو صام نفل قوله: "خشية إفساد الصوم" فهو مكروه كذوق شيء ومضغه قوله: "ويسن في الأصح" مقابله قوله وأبو حنيفة ومحمد يفضلانه قوله: "وهو قول أبي يوسف" وأصح الروايتين عن محمد قوله: "كان يخلل لحيته" ولحيته الشريفة كانت كثة غزيرة الشعر صلى الله عليه وسلم قوله: "من جهة الأسفل إلى فوق" ويكون الكف إلى عنقه كما في القهستاني وابن أمير حاج وغيرهما أي حال وضع الماء ويجعل ظهر كفه إلى عنقه حال التخليل كما في الحموي وإذا علمت ما ذكر فلا وجه للإعتراض على المؤلف في قوله من جهة الأسفل قوله: "بكف ماء" متعلق بيكون الذي قدره الشارح قوله: "وقال بهذا أمرني ربي" قال في الفتح وهو مغن.

ص: 70

المواظبة ولأنه لإكمال الفرض وداخلها ليس محلا له بخلاف تخليل الأصابع ورجح في المبسوط قول أبي يوسف لرواية أنس رضي الله عنه "و" يسن "تخليل الأصابع" كلها للأمر به ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار يوم القيامة" وكيفيته في اليدين إدخال بعضها في بعض وفي الرجلين بأصبع من يده ويكفي عنه إدخالها في الماء الجاري ونحوه "و" يسن "تثليث الغسل" فمن زاد أو نقص فقد تعدى وظلم كما ورد في السنة إلا.

ــ.

عن نقل صريح المواظبة لأن أمره تعالى جامل عليها ولم يكن واجبا لعدم تعليمه الإعرابي قوله: "ولأنه لا كمال الفرض" أي السنة وذكر بإعتبار أنها مأمور به وعبارته في الشرح أولى حيث قال وتكون السنة لاكمال الفرض في محله وداخلها ليس بمحل لإقامته فلا يكون التخليل إكمالا فلا يكون سنة اهـ قوله: "لرواية أنس" هي الحديث المتقدم قوله: "وفي الرجلين بإصبع من يده" بينه الزاهدي في القنية بأن يخلل بخنصر يده اليسرى يبتدىء من خنصر رجله اليمنى من أسفل ويختم بخنصر رجله اليسرى كذا ورد ورجح النووي هذه الكيفية في الروض وللكمال هنا مناقشة وكذا لابن أمير حاج فليرجع إليهما من رام ذلك قوله: "ونحوه" قال في الشرح وما هو في حكمه اهـ أي وهو الماء الكثير والظاهر أنه في الماء الكثير الراكد لا يقوم مقام التخليل إلا بالتحريك وحينئذ فلا فرق بين القليل والكثير بخلاف الجاري لأنه بقوته يدخل الأثناء قوله: "ويسن تثليث الغسل" أي المستوعب وفي البحر السنة تكرار الغسلات المستوعبات لا الغرفات والمرة الأولى فرض والثنتان بعدها سنتان مؤكدتان على الصحيح كما في السراج واختاره في المبسوط وأيده في النهر لأنه لما توضأ صلى الله عليه وسلم مرتين قال: "هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر" فجعل للثانية جزاء مستقلا فهذا يؤذن بإستقلالها لا أنها أجزء سنة حتى لا يثاب عليها وحدها ولو اقتصر على مرة ففيه أقوال ثالثها أنه إن اعتاده أثم وإلا لا واختاره صاحب الخلاصة وحمل في النهر تبعا للفتح القولين المطلقين عليه والمراد اثم يسير فرقا بين ترك السنة وترك الواجب قاله ابن أمير حاج قوله: "فقد تعدى" يرجع إلى الزيادة وقوله وظلم يرجع إلى النقصان فالنشر مرتب قوله: "إلا لضرورة" بأن زاد لطمأنينة قلبه عند الشك فلا بأس به لما ورد دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وما قيل إنه لو زاد بنية وضوء آخر لا بأس به أيضا لأنه نور على نور منعه في البحر بأن تكرار الوضوء في مجلس واحد قبل أن يؤدي بالأول عبادة مقصودة من شرعه كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف كما ذكره الحلبي مكروه لأنه إسراف محض وقوله في النهر يحمل عدم الكراهة على الإعادة مرة والكراهة على التكرار مرارا بعيد جدا ولم يقل به أحد أفاده بعض الأفاضل هذا ضرورة الزيادة وضرورة النقص بأن لا يجد ماء يكفي التثليث وقيد بالغسل لأن المسح لا يسن تكراره عندنا كما في الفتح وفي الخانية وعندنا لو مسح ثلاث مرات بثلاث مياه لا يكره ولكن لا يكون سنة ولا أدبا قال في البحر وهو أولى.

ص: 71

لضرورة "و" يسن "استيعاب الرأس بالمسح" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "مرة" كمسح الجبيرة والتيمم لأن وضعه للتخفيف "و" يسن "مسح الأذنين ولو بماء الرأس" لأنه صلى الله عليه وسلم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه فإن أخذ لهما ماءا جديدا مع بقاء البلة كان حسنا "و" يسن "الدلك" لفعله صلى الله عليه وسلم بعد الغسل بإمرار يده على الأعضاء "و" يسن "الولاء" لمواظبته صلى الله عليه وسلم وهو بكسر الواو للمتابعة بغسل الأعضاء قبل جفاف السابق مع الاعتدال جسدا وزمانا ومكانا "و" يسن.

ــ.

مما في المحيط والبدائع أنه يكره ومما في الخلاصة أنه بدعة إذ لا دليل على الكراهة قوله: "مرة" قال في الهداية وما يروي من التثليث محمول عليه بماء واحد وهو مشروع على ما روى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه ورجح في البرهان رواية الأفراد على التثليث وله كيفيات متعددة وردت بها الأحاديث ذكر نبذة منها في البناية واختار بعض أصحابنا رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المتفق عليها وهي بمعنى رواية محمد في موطئه عن مالك مسح من مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ ومن ثم قال الزيلعي والأظهر أنه يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ويمدهما إلى قفاه على وجه مستوعب جميع الرأس ثم يمسح أذنيه بإصبعيه اهـ واختاره قاضيخان وقال الزاهدي هكذا روى عن أبي حنيفة ومحمد اهـ قال في الخانية ولا يكون الماء بهذا مستعملا ضرورة إقامة السنة اهـ وما في الخلاصة وغيرها من أنه يضع على مقدم رأسه من كل يد ثلاثة أصابع ويمسك إبهاميه وسبابتيه ويجافي بطن كفيه ثم يضع كفيه على جانبي رأسه ففيه تكلف ومشقة كما في الخانية بل قال الكمال لا أصل له في السنة قوله: "كمسح الجبيرة والتيمم" أي والخف فإنه لا يسن فيه التكرار قوله: "لأن وضعه" أي المسح" للتخفيف أي بخلاف الغسل فإنه يثلث للتنظيف قوله: "ويسن مسح الأذنين" بأن يمسح ظاهرهما بالإبهامين وداخلهما بالسبابتين وهو المختار كما في المعراج ويدخل الخنصرين في حجريهما ويحركهما كما في البحر عن الحلواني وشيخ الإسلام قوله: "مع بقاء البلة" أما مع فنائها بأن رفع العمامة بهما فلا يكون مقيما للسنة إلا بالتجديد قوله: "ويسن الدلك" هو إمرار اليد على العضو مع إسالة الماء ذكره الحموي في بحث الغسل وفي النهر عن منية المصلي هو إمرار اليد على الأعضاء المغسولة في المرة الأولى اهـ قال ابن أمير حاج لعل التقييد بالمرة الأولى اتفاقي مع أنها سابقة في الوجود على ما بعدها فهي به أولى لأن السبق من أسباب الترجيح اهـ وليس الدلك فرضا لا عند مالك والأوزاعي فإنهما شرطاه في صحة الوضوء والغسل قوله: "لفعله صلى الله عليه وسلم" أي إياه فالمفعول محذوف وقوله بإمرار يده تصوير للفعل قوله: "قبل جفاف السابق" بأن يغسل الأخير قبل جفاف الأول وفي السيد تبعا للشارح هو أن يغسل العضو الثاني قبل جفاف الأول اهـ فاعتبر الثاني مع الأول لا الآخر مع السابق وهما طريقتان وفي المعراج عن الحلواني تجفيف الأعضاء قبل غسل القدمين لا يفعل لأن فيه ترك الولاء قال في البحر أي بخلافه بعد الفراغ فإنه لا بأس.

ص: 72

"النية" وهي لغة عزم القلب على الفعل واصطلاحا توجه القلب لإيجاد الفعل جزما ووقتها قبل الاستنجاء ليكون جميع فعله قربة. وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو إقامة الصلاة أو ينوي الوضوء أو امتثال الأمر ومحلها القلب فإن نطق بها ليجمع بين فعل القلب واللسان استحبه المشايخ والنية سنة لتحصيل الثواب لأن المأمور به ليس إلا غسلا ومسحا في الآية ولم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي مع جهله وفرضت في التيمم لأنه بالتراب وليس مزيلا للحدث بالأصالة "و" يسن "الترتيب" سنة مؤكدة في الصحيح وهو "كما نص الله تعالى في كتابه" ولم يكن فرضا لأن الواو في الأمر لمطلق الجمع والفاء التي في قوله تعالى فاغسلوا.

ــ.

به ويتحقق الولاء في الفرائض والسنن كما أفاده السيد متعقبا للحموي في إفادته قصره على الفرائض قوله: "مع الاعتدال جسد أو زمانا ومكانا" فلو كان بدنه يتشرب الماء أو كان الهواء شديدا أو كان المكان حارا يجفف الماء سريعا فلا يعد تاركا له ولو كان طريا لا يجففه إلا في مدة مستطيلة وتأتي في الوضوء لا يكون آنيا بسنة الولاء قوله: "وهي لغة عزم القلب على الفعل" كذا قاله الجوهري وهو خلط إصطلاح بآخر كما هو دأبه لأنه معناها الشرعي وأما معناها لغة فليس في كلام أهل اللغة إلا أنها من نوى الشيء قصده وتوجه إليه والشارح عكس المعنيين قوله: "لايجاد الفعل جزما" الفعل أعم من فعل المأمورات وترك المنهيات ومدار الأمرين عليها لأن المكلف به في النهي هو كف النفس على الراجح لكن اعتبار النية للمتروك إنما هو لحصول الثواب لا للخروج عن عهدة النهي فإن مجرد الترك فيه كاف فلا يستحق الوعيد قوله: "أو ينوي الوضوء" ولو نوى الطهارة يكفيه عند البعض إعتبارا له بالتيمم قاله الزيلعي قوله: "استحبه المشايخ" فالمراد أنهم استحسنوه لجمعه مع القلب ولم يرد التلفظ بها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين والأئمة رضوان الله عليهم أجمعين قوله: "والنية سنة" وقال القدوري إنها مستحبة قوله: "لأن المأمور به ليس إلا غسلا ومسحا" ربما تفيد هذه العبارة أن الوضوء المأمور به لا تشترط له النية قال الحموي والتحقيق أن الوضوء المأمور به يتأدى بغير نية لأن المأمور به حصوله لا تحصيله كسائر الشروط وفي الإشباه عن بعض الكتب الوضوء الذي ليس بمنوي ليس بمأمور به ولكنه مفتاح للصلاة اهـ فإن أريد بالمأمور به ما يثاب عليه إرتفع التنافي قوله: "ولم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم" الواو حالية والظاهر تأنيثه لرجوعه إلى النية قوله: "لأنه بالتراب" أي وهو لم يعتبر مطهرا شرعا إلا للصلاة وتوابعها لا في نفسه فكان التطهير به تعبدا محضا وفيه يحتاج إلى النية كما في الفتح أو لأن لفظه ينبىء عن القصد والأصل أن يعتبر في الأسماء الشرعية ما تنبىء عنه من المعاني قوله: "وهو كما نص الله تعالى في كتابه" فيه أن الآية خالية عن الدلالة على ذلك وإنما جاء التنصيص من فعله عليه الصلاة والسلام قوله: "لتعقيب جملة الأعضاء" من غير إفادة طلب تقديم بعضها على بعض في الوجود فهو كقولك ادخل السوق فاشتر لنا خبزا ولحما حيث كان المفاد إعقاب الدخول بشراء ما ذكر والدليل لنا ما رواه.

ص: 73

لتعقيب جملة الأعضاء "و" يسن "البداءة بالميامن" جمع ميمنة خلاف الميسرة في اليدين والرجلين لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم" وصرف الأمر عن الوجوب بالإجماع على استحبابه لشرف اليمنى "و" يسن البداءة بالغسل من "رؤوس الأصابع" في اليدين والرجلين لأن الله تعالى جعل المرافق والكعبين غاية الغسل فتكون منتهى الفعل كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "و" يسن البداءة في المسح من "مقدم الرأس""و" يسن "مسح الرقبة" لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ وأومأ بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ بهما أسفل عنقه من قبل قفاه و "لا" يسن مسح "الحلقوم" بل هو بدعة "وقيل إن الأربعة الأخيرة" التي أولها البداءة بالميامن "مستحبة" وكأن وجهه عدم ثبوت المواظبة وليس مسلما.

ــ.

البخاري وأبو داود أنه صلى الله عليه وسلم تيمم فبدأ بذراعيه قبل وجهه فلما ثبت عدم الترتيب في التيمم ثبت في الوضوء لأن الخلاف فيهما واحد وبهذا تعلم سقوط قول من قال وينبغي أن يكون واجبا للمواظبة إلى آخر ما قال قوله: "ويسن البداءة بالميامن" البداءة بتثليث الباء والمد والهمز وتبدل ياء وهي لغة الأنصار قال ابن رواحة.

باسم الإله وبه بدينا.

ولو عبدنا غيره شقينا.

وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أنشد ذلك كما هو عند الحرث بن أسامة من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان قوله: "في اليدين والرجلين" وهما عضوان مغسولان فخرج العضو الواحد كالوجه فلا يطلب فيه التيامن والعضوان الممسوحان كالأذنين والخفين فالسنة مسحهما معا لكونه أسهل قال في السراج إلا إذا كان أقطع فإنه يبدأ بالأيمن منها يعني من الخدين والأذنين والخفين قوله: "فتكون منتهى الفعل" أي والمنتهى لا بد له من مبدإ في العضو وقد فرض غسل جميعه فالمبدأ أوله قوله: "كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم" أي البداءة المذكورة والكاف للعلة وعبارته في الشرح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا اهـ وهي أوضح وأولى قوله: "البداءة في المسح" وأما البداءة في الغسل بصب الماء من أعلى سطح الجبهة فقال ابن أمير حاج: أنه أدب قوله: "من مقدم الرأس" لما تقدم في الحديث قوله: "لأنه صلى الله عليه وسلم الخ" مثله في الشرح والسيد وغيرهما وهو يقتضي أن مسح الرقبة مع مسح الرأس عند ذهاب اليدين إلى مؤخر الرأس وهو خلاف المتداول بين الناس وما في الفتح من أنه يستحب مسح الرقبة بظهر اليدين لعدم استعمال بلتهما فموهم لأن مفهومه إن بلة باطنهما مستعملة وليس كذلك أفاده الحموي وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا توضأ مسح عنقه ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة" قوله: "وليس مسلما" أي بل المواظبة ثابتة قال في الشرح وعند اختلاف الأقوال كان فعله أولى من تركه اهـ وفيه أنه لم يقل أحد بتركه وإنما الخلاف في تأكده وإستحبابه فكان الأولى حذفها.

ص: 74

"‌

‌فصل: من آداب الوضوءأربعة عشر شيئا

".

وزيد عليها وهي جمع أدب وعرف بأنه وضع الأشياء موضعها وقيل الخصلة الحميدة وقيل الورع وفي شرح الهداية هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه وحكمه الثواب بفعله وعدم اللوم على تركه وأما السنة فهي التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم مع الترك بلا عذر مرة أو مرتين وحكمها الثواب وفي تركها العتاب لا العقاب فآداب الوضوء "الجلوس في مكان مرتفع" تحرزا عن الغسالة "واستقبال القبلة" في غير حالة الاستنجاء لأنها حالة أرجى لقبول الدعاء فيها وجعل الإناء الصغير على يساره والكبير الذي يغترف منه على يمينه "وعدم الاستعانة بغيره" ليقيم العبادة بنفسه من غير إعانة غيره عليها بلا عذر "وعدم التكلم بكلام الناس" لأنه يشغله عن الدعاء المأثور بلا ضرورة "والجمع بين نية القلب وفعل اللسان" لتحصيل العزيمة "والدعاء بالمأثور" أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين "والتسمية" والنية "عند" غسل "كل عضو" أو مسحه فيقول ناويا عند.

ــ.

فصل من آداب الوضوء الخ.

قوله: "وزيد عليها" أوصلها في الخزائن إلى نيف وستين قاله السيد قوله: "وقيل الورع" وقيل ما فعله خير من تركه وقيل ما يمدح به المكلف ولا يذم على تركه وقيل المطلوب فعله شرعا من غير ذم على تركه اهـ من الشرح وكلها متقاربة قوله: "هو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم الخ" ويسمى بالنفل لأنه زائد على الفرض وبالمستحب لأن الشارع يحبه وبالمندوب لأن الشارع بين ثوابه وبالتطوع لأن فاعله متبرع به قاله السيد قوله: "وأما السنة" أي المؤكدة قوله: "لا العقاب" لكن إذا اعتاد الترك فعليه إثم يسير دون إثم ترك الواجب وقد مر قوله: "الجلوس في مكان مرتفع" المراد حفظ الثياب عن الماء المستعمل كما ذكره الكمال لا بقيد الجلوس في مكان مرتفع قاله السيد قوله: "لأنها حالة أرجى لقبول الدعاء فيها" أي وهو مشتمل على الأدعية ولما روي مرفوعا أكرم المجالس ما استقبل به القبلة قوله: "وعدم الإستعانة بغيره" قال الكرماني لا كراهة في الصب ولا يقال إنه خلاف الأولى وساق عدة أحاديث دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وضعف ما يدل على الكراهة وممن كان يستعين على وضوئه بغيره عثمان وفعله ناس من كبار التابعين كما في العيني على البخاري قوله: "لتحصيل العزيمة" مراده بها الشيء الأقوى وليس مراده بها الحكم الذي لم يبن على أعذار العباد فإن التلفظ بها لم يرد عن الشارع قوله: "أي المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.

ص: 75

المضمضة بسم الله اللهم أعني على تلاوة القرآن وذكرك وشكرك وحسن عبادتك وعند الاستنشاق بسم الله اللهم أرحني رائحة الجنة ولا ترحني رائحة النار وهكذا في سائرها ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أيضا كما في التوضيح "و" من آدابه "إدخال خنصره في صماخ أذنيه" مبالغة في المسح "وتحريك خاتمه الواسع" للمبالغة في الغسل "و" كون "المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى" لشرفها "والامتخاط باليسرى" لامتهانها "و" تقديم "التوضؤ قبل دخول الوقت" مبادرة للطاعة "لغير المعذور" لأن وضوءه ينتقض بخروج.

ــ.

والتابعين" قال ابن أمير حاج سئل شيخنا حافظ عصره شهاب الدين بن حجر العسقلاني عن الأحايث التي ذكرت في مقدمة أبي الليث في أدعية الأعضاء فأجاب بأنها ضعيفة والعلماء يتساهلون في ذكر الحديث الضعيف والعمل به في الفضائل ولم يثبت منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله اهـ وطرقها كلها لا تخلو عن متهم بوضع ونسبة هذه الأدعية إلى السلف الصالح أولى من نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرا من الوقوع في مصداق من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وعن هذا قالوا: كما في التقريب وشرحه إذا أردت رواية حديث ضعيف بغير إسناد فلا تقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم بل قل روي عنه كذا أو بلغنا أو ورد أو جاء أو نقل وما أشبهه من صيغ التمريض وكذا فيما تشك في صحته وضعفه أما الصحيح فاذكره بصيغة الجزم ويقبح فيه صيغة التمريض كما يقبح في الضعيف صيغة الجزم قال الهندي وغيره ولم يثبت منه إلا الشهادتان بعد الفراغ منه قاله السيد عن النهر قوله: "والنية" أي إستصحابها كما في الفتح وأشار بقوله إستصحابها إلى أن المنوي واحد وهو امتثال الأمر مثلا قوله: "وهكذا في سائرها" فيقول عند غسل الوجه باسم الله اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليمنى باسم الله اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا وعند غسل اليسرى باسم الله اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري وعند مسح رأسه باسم الله اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك وعند مسح أذنيه باسم الله اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وعند مسح عنقه باسم الله اللهم أعتق رقبتي من النار وعند غسل رجله اليمنى باسم الله اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام وعند غسل اليسرى باسم الله اللهم اجعل ذنبي مغفورا وسعي مشكورا وتجارتي لن تبور اهـ من الشرح قوله: "أيضا" أي بعد كل دعاء قوله: "وإدخال خنصره" أي أنملة خنصره وهو بكسر الخاء والصاد وقال الفارسي الفصيح فتح الصاد قال في المحيط ويدخل خنصره في صماخ أذنيه ويحركها وهو مروي عن أبي يوسف والصماخان مثنى صماخ بكسر الصاد ويقال بالسين المهملة قوله: "وتحريك خاتمه الواسع" أما الضيق فإن علم وصول الماء استحب تحريكه والا افترض قاله السيد قوله: "والإمتخاط" مثله الإستنثار قوله: "لأن وضوءه

ص: 76

الوقت عندنا وبدخوله عند زفر وبهما عند أبي يوسف "والإتيان بالشهادتين بعده" قائما مستقبلا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وفي رواية أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخلها من أي باب شاء" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذا توضأ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع بطابع ثم جعل تحت العرش حتى يؤتى بصاحبها يوم القيامة""وأن يشرب من فضل الوضوء قائما" أو قاعدا لأنه صلى الله عليه وسلم شرب قائما من فضل وضوئه وماء زمزم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستقيء".

ــ.

ينتقض الخ" أي وهو إذا توضأ في زمن قبل الوقت فلا يخلو أما أن يكون بين الوقتين وقت مهمل أولا فإن كان بينهما وقت مهمل وتوضأ فيه للوقت الثاني جاز ذلك عندهما وقال أبو يوسف وزفر لا يجوز فتندب له إعادة الوضوء في الوقت خروجا من الخلاف وإن لم يكن بينهما وقت مهمل وتوضأ في آخر الوقت للوقت الثاني لا يجوز إجماعا فتجب إعادة الوضوء وحينئذ فلا فائدة في وضوئه قبل الوقت قال السيد وهذه إحدى المسائل الثلاث التي النفل فيها أفضل من الفرض الثانية إبراء المعسر أفضل من إنظاره الثالثة البدء بالسلام أفضل من رده قوله: "وبهما عند أبي يوسف" أي بأيهما وجد قوله: "والإتيان بالشهادتين بعده" ذكر الغزنوي أنه يشير بسبابته حين النظر إلى السماء وسميت سبابة لأنه يسب بها والأولى تسميتها بمسبحة كما نص عليه في شرح الشرعة وخصت بذلك لما ذكره شراح المولد أن الله تعالى لما خلق آدم جعل نور محمد صلى الله عليه وسلم في صلبه فكانت الملائكة تقف خلفه تعظم هذا النور فسأل آدم ربه عز وجل أن يحوله أمامه حتى تستقبله الملائكة فجعله في جبهته ثم قال آدم اللهم اجعل لي من هذا النور نصيبا فجعله الله تعالى في مسبحته فصار ينظر إليه وكان كذلك إلى أن نزل الدنيا واشتغل بأمر المعاش فجعل في ظهره كما كان أولا فأعطيت المسبحة الشرف من وقتئذ وهذا أولى مما في السيد قوله: "فيسبغ الوضوء" أي يعم الأعضاء بالماء من قولهم درع سابغة أي شاملة للبدن والمراد هنا الإحسان قوله: "وفي رواية" هي لمسلم قوله: "يدخلها من أي باب شاء" وذلك لتعظيمه وتكريمه قوله: "طبع بطابع" أي ختم عليه بخاتم والمقصود بختمه تعظيمه ويترتب عليه كثرة الثواب قوله: "من فضل الوضوء" بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به أي ما لم يكن صائما قوله: "أو قاعدا" أو للتخيير قالوا: ويقول عند شربه اللهم اشفني بشفائك وداوني بدوائك واعصمني من الوهن والأمراض والأوجاع وفي الهندية يشرب قطرة من فضل وضوئه قوله: "لا يشربن أحدكم قائما" محمول على غير الحالتين السابقتين والمراد المبالغة في النهي عن هذا الفعل قال قتادة لرواية أنس فالأكل.

ص: 77

وأجمع العلماء على كراهته تنزيها لأمر طبي لا ديني "وأن يقول اللهم اجعلني من التوابين" أي الراجعين عن كل ذنب والتواب مبالغة وقيل هو الذي كلما أذنب بادر بالتوبة والتواب من صفات الله تعالى أيضا لأنه يرجع بالإنعام على كل مذنب بقبول توبته "واجعلني من المتطهرين" أي المتنزهين عن الفواحش وقدم المذنب على المتطهر لدفع القنوط والعجب ومن الآداب أنه لا يتوضأ بماء مشمس لأنه يورث البرص ولا يستخلص لنفسه إناء دون غيره لأن الشريعة حنيفية سهلة سمحة ومنه صب الماء برفق على وجهه وترك.

ــ.

قال ذاك أشر وأخبث وفي العتابية ولا بأس بالشرب قائما ولا يشرب ماشيا ورخص للمسافر ذكره الحلبي قوله: " وأجمع العلماء على كراهته تنزيها الخ" لا تسلم حكاية الإجماع فإنه لما تعارضت الأحاديث الدالة على النهي والأحاديث الدالة على الفعل اختلف العلماء في المخلص من التعارض فمن قائل إن النهي ناسخ للفعل ومن قائل بالعكس ومن قائل إن النهي ليس للتحريم بل للتنزيه لأنه لأمر طبي لا ديني وفعله لبيان الجواز ذكره ابن أمير حاج قوله: "أي الراجعين عن كل ذنب" فالمبالغة فيه من حيث الإعراض عن كل ذنب قوله: "وقيل هو الذي الخ" في هذا المعنى زيادة المبادرة قوله: "بقبول توبته" متعلق بالأنعام والباء للتصوير أو للسببية ولو زاد واو أو عطفه على الأنعام لكان أولى وأفاد بعضهم أن التواب في حقه تعالى بمعنى الموفق لها والذي يقبلها قوله: "أي المتنزهين عن الفواحش" وقيل الذين لم يذنبوا وخيره صاحب المنية بين أن يقوله بعد تمام الوضوء أو في خلاله وكلا الأمرين حسن كما قاله ابن أمير حاج قال غير أن الوارد أن يقوله بعد الفراغ متصلا بالشهادتين قوله: "لدفع القنوط" أي من المذنب قوله: "والعجب" أي من المتطهر فإن قلت إن جعله من أحدهما ينافي الآخر أجيب عنه بأن الواو بمعنى أو ولقائل أن يقول إن القنوط لا يتوهم مع طلبه أن يكون منهم فهو مندفع بالدعاء لا بالتقديم والعجب لا يتأتى من المتطهر لأنه من الكبائر وهو لم يذنب أصلا أو من الفواحش وهو متنزه عنها على أن مقام الدعاء لا يقال فيه ذلك فتدبر ويحتمل أن الضمير في قدم يرجع إلى الله تعالى أي في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة 222] قوله: " إنه لا يتوضأ بماء مشمس" لقوله عليه السلام لعائشة حين سخنت الماء: "لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص" اهـ من الشرح قوله: "ولا يستخلص لنفسه إناء الخ" أي لا يجعله لنفسه خالصا من الشركة فقد سئل محمد بن واسع أي الوضوأين أحب إليك أمن ماء مخمر أو من متوضأ العامة قال من متوضأ العامة قال عليه السلام: "إن أحب الأديان إلى الله تعالى السمحة الحنيفية" اهـ من الشرح قوله: "حنيفية" أي مائلة عن الأديان الباطلة قوله: "سمحة" يرجع إلى معنى سهلة أو معناه مقبولة مرغوب فيها أي ومن سهولتها عدم الإستخلاص قوله: "وترك التجفيف" في آثار محمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في الرجل يتوضأ فيمسح وجهه.

ص: 78

التجفيف وإن مسح لا يبالغ فيه وأن تكون آنيته من خزف وغسل عروتها ثلاثا ووضعه على يساره ووضع اليد حالة الغسل على عروته لا على رأسه وتعاهد موقيه وما تحت الخاتم ومجاوزة حدود الفروض وإطالة الغرة وملء آنيته استعدادا لوقت آخر وقراءة سورة القدر ثلاثا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ في إثر وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر مرة واحدة" كان من الصديقين ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ومن قرأها ثلاثا حشره الله محشر الأنبياء" أخرجه الديلمي ولما ذكره الفقيه أبو الليث في مقدمته.

ــ.

بالثوب قال لا بأس به قال محمد وبه نأخذ ولا نرى بذلك بأسا وهو قول أبي حنيفة اهـ وفي الخانية لا بأس للمتوضىء والمغتسل أن يتمسح بالمنديل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك وهو الصحيح إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ولا يستقصي فيبقى أثر الوضوء على الأعضاء اهـ ملخصا ووردت عدة أحاديث تدل على أنه فعله عليه الصلاة والسلام وهذا كله إذا لم يكن حاجة إلى التنشيف فإن كانت فالظاهر أنه لا يختلف في جوازه من غير كراهة بل في استحبابه أو وجوبه بحسب تلك الحاجة العارضة المندفعة به قاله ابن أمير حاج ثم قال وهذا في الحي أما الميت فمقتضى كلام مشايخنا أنه مستحب لئلا تبتل أكفانه فيصير مثله اهـ قوله: "وإن تكون آنيته من خزف" فإنه روي أن الملائكة تزور بيت من آنيته من خزف من المسلمين قوله: "وغسل عروتها ثلاثا" ليتيقن الطهارة قوله: "ووضعه على يساره" ليصب منه على يمينه وتقدم له ما يفيد ذ لك قوله: "لا رأسه" تحاميا عن تقاطر الماء المستعمل وقوله حالة الغسل أي حالة إرادة الصب للغسل ولا يظهر حال الغسل الحقيقي لأن اليدين مشغولتان بغسل الأعضاء قوله: "وما تحت الخاتم" تقدم ما يفيده قوله: "إطالة للغرة" المراد بها ما يعم التحجيل وإطالة الغرة تكون بالزيادة على الحد المحدود كما في البحر وأما التحجيل فقال في شرح الشرعة: إنه يغسل الذراعين لنصف العضدين والرجلين لنصف الساقين اهـ قوله: "استعدادا لوقت آخر" لو قال لوضوء آخر لكان أولى ليعم الوضوء على الوضوء في وقت واحد قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم الخ" أخرجه الديلمي في مسند الفردوس قوله: "كتب في ديوان الشهداء" الديوان بالكسر ويفتح مجمع الصحف والكتاب يكتب فيه أهل الجيش وأهل العطية وأول من وضعه عمر رضي الله عنه قاموس فالمراد أنه يكتب اسمه مع أسمائهم في محل كتابتهم والمراد منه ومما قبله أن يعطي ثوابهم وإن تفاوتت الكيفيات قوله: "حشره الله محشر الأنبياء" بكسر الشين وتفتح محل الإجتماع أي وإذا إجتمع معهم في مجمعهم لا يضام لأن مصاحب الكرام لا يضام قوله: "ولما ذكره الفقيه أبو الليث في مقدمته" ذكره المصنف في كبيره قال في المقاصد الحسنة حديث قراءة إنا أنزلناه عقب الوضوء لا أصل له انتهى ويعني به ما ذكر في المقدمة ولفظه يدل على وضعه.

ص: 79

"‌

‌فصل".

في المكروهات

"و" مما "يكره" المكروه ضد المحبوب والأدب فيكره "للمتوضئ" ضد ما يستحب من الآداب قد حصرها لها بعدها "ستة أشياء" لأنه للتقريب فمنها "الإسراف في" صب "الماء" لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد لما مر به وهو يتوضأ "ما هذا السرف يا سعد؟ " فقال:.

ــ.

فصل في المكروهات.

يقال كره الشيء يكرهه من باب سمع كرها ويضم وكراهية بالتخفيف والتشديد إذا لم يحبه قاموس والمكروه عند الفقهاء نوعان مكروه تحريما وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة وهو ما تركه واجب ويثبت بما يثبت به الواجب كما في الفتح ومكروه تنزيها وهو تركه أولى من فعله وكثيرا ما يطلقونه فلا بد من النظر في الدليل فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم ما لم يوجد صارف عنه إلى التنزيه وإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية قاله صاحب البحر ثم المكروه تنزيها إلى الحل أقرب اتفاقا كما في استحسان البرهان وأما المكروه تحريما فعند محمد هو حرام ولم يطلقه عليه لعدم النص الصريح فيه والمشهور عنهما أنه إلى الحرام أقرب بمعنى أنه ليس فيه عقوبة بالنار بل بغيرها كحرمان الشفاعة وفي التلويح من بحث الفقه المكروه تحريما يستحق فاعله محذورا دون العقوبة بالنار كحرمان الشفاعة والواجب في رتبة المكروه تحريما اهـ وقال الزيلعي من بحث حرمة الخيل القريب من الحرام ما تعلق به محذور دون إستحقاق العقوبة بالنار بل العتاب كترك السنة المؤكدة فإنه لا يتعلق به عقوبة النار ولكن يتعلق به الحرمان من شفاعة النبي المختار صلى الله عليه وسلم قوله: "ضد المحبوب" مراده ما يعم المحبوب الواجب لتدخل كراهة التحريم قوله: "والأدب" فيه منافاة لما قدمه أول الأداب من أن الأدب لا يلام على تركه ومن جملته عدم التكلم والإستعانة وجعل الكراهة هنا تقابله وفيها اللوم وجعل الإستعانة والتكلم بكلام الناس مكروهين فليتأمل قوله: "فلا حصر لها" تفريع على قوله فيكره للمتوضىء وقوله ستة أشياء بالنصب بالنظر للشرح لأنه معمول لقوله بعدها قوله: "لأنه للتقريب" أي عدها ستة للتقريب للمبتدىء قوله: "الإسراف في صب الماء" الإسراف العمل فوق الحاجة الشرعية في فتاوي الحجة يكره صب الماء في الوضوء زيادة على العدد المسنون والقدر المعهود لما ورد في الخبر شرار أمتي الذين يسرفون في صب الماء اهـ وفي الدر ويكره الإسراف فيه تحريما لو بماء النهر أو المملوك له أما الموقوف على من يتطهر به ومنه ماء المدارس فحرام اهـ.

ص: 80

أفي الوضوء سرف؟ قال: "نعم وإن كنت على نهر جار" ومنه تثليث المسح بماء جديد "والتقتير" بجعل الغسل مثل المسح "فيه" لأن فيه تفويت السنة وقال عليه السلام: "خير الأمور أوساطها""و" يكره "ضرب الوجه به" لمنافاته شرف الوجه فيلقيه برفق عليه "و" يكره "التكلم بكلام الناس" لأنه يشغله عن الأدعية "و" يكره "الاستعانة بغيره" لقول عمر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي ماء لوضوئه فبادرت أن أستقي له فقال: "مه يا عمر فإني لا أريد أن يعينني على صلاتي أحد""من غير عذر" لأن الضرورات تبيح المحظورات فكيف لما لا حظر فيه وعن الإمام الوبري أنه لا بأس به فإن الخادم كان يصب على النبي صلى الله عليه وسلم.

ــ.

قوله: "فقال: أفي الوضوء سرف" الذي في رواية أحمد وأبي يعلى والبيهقي في شعبه وابن ماجه في سننه فقال: أو في الوضوء بزيادة الواو العاطفة على مقدر تقديره أتقول هذا وفي الوضوء سرف قوله: "والتقتير" هو عدم بلوغ الحد المسنون فلو اقتصر على ما دون الثلاث قيل يأثم وقيل لا وقيل يأثم بالاعتياد واعلم إنه نقل غير واحد الإجماع على عدم التقدير في ماء الوضوء والغسل بل هو بقدر الكفاية لإختلاف طباع الناس وعن عائشة جرت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة صاع ثمانية أرطال وفي الوضوء رطلان اهـ وهما مد فالمد ربع الصاع.

قوله: "يجعل الغسل مثل المسح" بأن يقرب الغسل إلى حد الدهن لكن لا بد من أن يقطر ولو قطرتين حتى يكون غسلا وإلا فلا يصح الوضوء أصلا قوله: "ويكره ضرب الوجه" أي تنزيها ومثله غيره من بقية الأعضاء كما في الدر قوله: "لمنافاته شرف الوجه" ولأن فيه إنتضاح غسالة الماء المستعمل فالتحرز عنها أولى ولا يغمض عينيه ولا يقبض فمه شديدا بحيث تنكتم حمرة الشفتين ومحاجر العينين أي أطراف الأجفان ومنابت الهدب لوجوب إيصال الماء إلى ذلك المحل حتى لو بقيت منه لمعة لم يصبها الماء لا يصح الوضوء كما في الحلبي.

قوله: "فيلقيه برفق عليه" أي يرسل الماء على الوجه من أعلى الجبهة برفق ثم يدلكه به قوله: "ويكرم التكلم بكلام الناس" ما لم يكن لحاجة تفوته بتركه قاله ابن أمير حاج قوله: "لأنه يشغله عن الأدعية" ولأجل تخليص الوضوء من شوائب الدنيا لأنه مقدمة العبادة وذكر بعض العارفين أن الاستحضار في الصلاة يتبع الإستحضار في الوضوء وعدمه في عدمه قوله: "ويكره الإستعانة الخ" تقدم ما فيه وإنه لا بأس بها وأما حديث عمر فضعيف ولا يقاوي غيره مما يدل على ثبوتها عنه صلى الله عليه وسلم أفاده بعض المحققين.

ص: 81

‌فصل في أوصاف الوضوء

وقد ذكرها بعد بيان سببه وشرطه وحكمه وركنه فقال: "الوضوء على ثلاثة أقسام: الأول" منها أنه "فرض" كما قدمناه بدليله والمراد بالفرض هنا الثابت القطعي وأما المحدود والمقدر فهو ما يفوت الجواز بفوته ليشمل الفرض الاجتهادي كربع الرأس ونزلت آيته بالمدينة وقد فرض بمكة "على المحدث" إذا أراد القيام "للصلاة" كما أمر الله تعالى "ولو كانت" الصلاة "نفلا" لأن الله لا يقبل صلاة من غير طهور كما تقدم وهو بفتح الطاء وقال بعضهم الأجود ضمه "و" كذا "لصلاة الجنازة" لأنها صلاة وإن لم تكن كاملة "و" مثلها "سجدة التلاوة "و" كذا الوضوء فرض "لمس المصحف ولو آية" مكتوبة على درهم أو حائط لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} وسواء الكتابة والبياض وقال بعض مشايخنا إنما يكره للمحدث مس الموضع المكتوب دون الحواشي لأنه لم يمس القرآن حقيقة والصحيح أن مسها كمس المكتوب ولو بالفارسية يحرم مسه اتفاقا على الصحيح "و" القسم "الثاني" وضوء "واجب" وهو الوضوء للطواف بالكعبة لقوله عليه السلام: "الطواف حول الكعبة مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير" ولما لم يكن صلاة حقيقة لم تتوقف صحته على الطهارة فيجب بتركه دم في الواجب وبدنة.

ــ.

فصل.

في أوصاف الوضوء قوله: "الوضوء على ثلاثة أقسام" العدد لا يفيد الحصر فلا ينافي أنه قد يكون مكروها كالوضوء على الوضوء قبل تبدل المجلس الأول أو أدائه عبادة لا تصح بدونه به وقد يكون حراما كما إذا كان ذلك من ماء الوقف والمدارس قوله: "والمراد بالفرض هنا الثابت بالقطعي" فالمراد الوضوء من حيث هو بقطع النظر عن أجزائه قوله: "والمقدار" عطف تفسير قوله: "فهو ما يفوت الجواز بفوته" أي فالمراد بالفرض بالنظر إليه الفرض الأعم وهو ما يفوت صحة الشيء إذا عدم فيعم القطعي بالنظر إلى أصل الغسل والمسح والعملي بالنظر إلى المقدار ولذا قال المصنف ليشمل الخ قوله: "إذا أراد القيام" أي الشروع فليس المراد به ضد القعود فإن المراد بالصلاة ما يعم النافلة وهي تصح من قعود قوله: "وهو بفتح الطاء" الطهور المصدر واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر قاموس قوله: "ومثلها سجدة التلاوة" لقولهم يشترط لها ما يشترط للصلاة قوله: "ولما لم يكن صلاة حقيقة" يعن إنه لما أشبه الصلاة من وجه دون وجه قلنا بوجوب الطهارة وعدم توقف صحته عليها قوله: "فيجب بتركه دم في الواجب" اعلم أنه إذا طاف الفرض محدثا وجب دم وإن كان جنبا فبدنه وإذا طاف الواجب كالوداع أو النفل محدثا فصدقة وجنبا فدم فقوله فيجب بتركه.

ص: 82

في الفرض للجنابة وصدقة في النفل بترك الوضوء كما ذكره في محله "و" القسم "الثالث" وضوء "مندوب" في أحوال كثيرة كمس الكتب الشرعية ورخص مسها للمحدث إلا التفسير كذا في الدرر وهو يقتضي وجوب الوضوء لمس التفسير فيكون من القسم الثاني وندب الوضوء "للنوم على طهارة و" أيضا "إذا استيقظ منه" أي النوم "و" تجديده "للمدوامة عليه" لحديث بلال رضي الله عنه "وللوضوء على الوضوء" إذا تبدل مجلسه لأنه نور على نور وإذا لم يتبدل فهو إسراف وقيد بالوضوء لأن الغسل على الغسل والتيمم على التيمم يكون عبثا "وبعد" كلام "غيبة" بذكرك أخاك بما يكره في غيبته "وكذب" اختلاق ما لم يكن.

ــ.

أي الوضوء في الواجب دم لا يتم فليتأمل قوله: "كمس الكتب الشرعية" نحو الفقه والحديث والعقائد فيتطهر لها تعظيما قال الحلواني إنما نلنا هذا العلم بالتعظيم فإني ما أخذت الكاغد إلا بطهارة والسرخسي حصل له في ليلة داء البطن وهو يكرر درس كتابه فتوضأ تلك الليلة سبع عشرة مرة اهـ من الشرح قوله: "إلا التفسير" أي فلا يرخص ولو كان التفسير أكثر وهو صادق بأن يكون فرضا أو واجبا لأن عدم الرخصة يجامعهما فقول المصنف وهو يقتضي الخ فيه تأمل ونقل العلامة نوح عن الجوهرة والسراج إن كتب التفسير لا يجوز مس موضع القرآن منها وله أن يمس غيرها بخلاف المصحف لأن جميع ذلك تبع له اهـ قوله: "للنوم على طهارة" ظاهره إنه لا يأتي بذلك المندوب إلا إذا أخذه النوم وهو متطهر فلو تطهر ثم اضطجع وأحدث فنام لا يكون آتيا به قوله: "وإذا استيقظ منه" مبادرة للطهارة قوله: "لحديث بلال" حاصل معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مناما أنه دخل الجنة وبلال أمامه يسمع خشخشة نعاله فسأله عن ذلك فقال: إني كلما أحدثت أتوضأ وأصلي ركعتين وسئل بعض الأفاضل هل يلبس في الجنة نعال فأجاب نعم مستدلا بهذا الحديث قوله: "إذا تبدل مجلسه" أو أدى بالأول عبادة مقصودة من مشروعية الوضوء قوله: "وبعد كلام غيبة" لا حاجة إلى تقدير مضاف لأن الغيبة حقيقة في ذكر الاخ وقوله بذكر الخ تصوير للغيبة وقوله في غيبته الأولى حذفه لأنها كذلك في الحضور ولا تسمى غيبة إلا إذا كان صادقا فيها وأما إذا كانت كذبا فبهتان قال الخازن وهو أشد من الغيبة وكما تكون بالقول تكون بغيره من كل ما يفهم منه المقصود وكما يحرم ذكرها باللسان يحرم اعتقادها بالقلب واستماعها وتباح عند الشكوى من الظالم لمن له قدرة على إنصافه وعند الإستعانة به على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب وعند الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان بكذا أو زوجي يفعل كذا وكذا وعند تحذير المسلمين من الشركبيان جرح المجروحين من الرواة والشيوخ وكالأخبار عن العيب عند المشاورة في مصاهرة إنسان أو معاملته أو المسافرة معه وكالأخبار بعيب ما يشتريه وهو لا يعلم به بل يجب وعند ذكر الفاسق بما يجاهر به لا بغيره وعند التعريف بما اشتهر به من اللقب كالأعمش والأعرج وعند الشفقة.

ص: 83

ولا يجوز إلا في نحو: الحرب وإصلاح ذات البين وإرضاء الأهل "ونميمة" النمام: المضرب والنميم والنميمة: السعاية بنقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد "و" بعد "كل خطيئة وإنشاد شعر" قبيح لأن الوضوء يكفر الذنوب الصغائر "وقهقة خارج الصلاة" لأنها حدث صورة "وغسل ميت وحمله" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ"" ولوقت كل صلاة" لأنه أكمل لشأنها "وقبل غسل الجنابة" لورود السنة.

ــ.

على المغتاب وعند عدم التعيين فهي ثمانية قوله: "وكذب الخ" وأما التعريض بالكذب لغير ضرورة قيل يحرم لأن اللفظ ظاهره الكذب وإن احتمل الصدق وقيل لا يحرم لأنه ليس بكذب لأنه مما يحتمله اللفظ واعلم أن الاستعارة تفارق الكذب من وجهين أحدهما البناء على التأويل والثاني نصب القرائن على إرادة خلاف الظاهر نحو رأيت أسدا في الحمام بخلاف الكذب كذا في شرح شرعة الإسلام قوله: "إختلاق ما لم يكن" أي افتراؤه يقال خلق الافك واختلقه وتخلقه إفتراه وتخلق الكلام صنعه أفاده في القاموس قوله: "وإصلاح ذات البين" وأما دفع الظالم عن المظلوم ففي معنى الصلح بين اثنين وبعضهم جعله رابعا قوله: "النمام المضرب" لم يذكر هذا المعنى1 المجد في القاموس وإنما قال النم رفع الحديث إشاعة له وإفسادا وذكر له معاني أخر اهـ قوله: "وبعد كل خطيئة" منها الشتيمة والنفاق والتملق والشتيمة هي السب في الوجه كما في فتح الباري والنفاق ترك المحافظة على أمور الدين سرا ومراعاتها علنا وأما التملق فهو الود واللطف وأن يعطي باللسان ما ليس في القلب قاموس وفي شرح التحفة للعيني هو اللطف الشديد الخارج عن العادة وقال المناوي هو الزيادة في التودد وما ينبغي ليستخرج ما عند الإنسان وفي مجمع الأنهر التملق مذموم بخلاف التواضع فإنه ممدوح ومن الخطايا المداهنة وهي ترك الدين لإصلاح الدنيا وأما المداراة فهي بذل الدنيا ومنه حسن المعاشرة والرفق لإصلاح الدين أو الدنيا أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت اهـ.

قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم من غسل ميتا الخ" فيه نظر فإنه يدل على أن المندوب للمغسل الغسل لا الوضوء وبه صرح الحلبي في الشرح الكبير على المنية قاله السيد قوله: "ومن حمله فليتوضأ" أخذ به الإمام أحمد فأوجبه فيندب الوضوء خروجا من الخلاف وعملا بالحديث قوله: "وقبل غسل الجنابة" الظاهر أن الحيض والنفاس كالجنابة كذا بحثه بعض الأفاضل قوله: "وللجنب عند إرادة أكل الخ" أما الوضوء بين الجماعين وعند النوم فالمراد به الشرعي في قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور كما في شرح البخاري للبدر.

1 قوله لم يذكر هذا المعنى الخ قد ذكره صاحب اللسان في مادة ضرب فقال وضربت بينهم في الشر خلطت والتضريب بين القوم الإغراء؟ كتبه مصححه.

ص: 84

به "وللجنب عند" إرادة "أكل وشرب ونوم و" معاودة "وطء ولغضب" لأنه يطفئه "و" لقراءة "قرآن و" قراءة "حديث وروايته" تعظيما لشرفهما "ودراسة علم" شرعي "وأذان وإقامة وخطبة" ولو خطبة نكاح "وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم" تعظيما لحضرته ودخول مسجده "ووقوف بعرفة" لشرف المكان ومباهاة الله تعالى الملائكة بالواقفين بها "وللسعي بين الصفا والمروة" لأداء العبادة وشرف المكانين "و" بعد أكل لحم جزور للقول بالوضوء منه خروجا من الخلاف ولذا عممه فقال: "وللخروج من خلاف" سائر "العلماء كما إذا مس امرأة" أو فرجه بباطن كفه لتكون عبادته صحيحة بالاتفاق عليها استبراء لدينه هكذا جمعت وإن ذكر بعضها بصفة السنة في محله للفائدة التامة بتوفيق الله تعالى وكرمه.

ــ.

العيني والحافظ ابن حجر لما رواه البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ولأحمد ومسلم والأربعة وابن حبان والحاكم والبيهقي في السنن الكبرى إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوأ زاد ابن حبان ومن بعده فإنه أنشط للعود وقال أبو يوسف لا يستحب بينهما وله على ذلك دلائل حملت على بيان الجواز جمعا بين الروايات ومشى الطحاوي على أن الأمر بالوضوء في كل من معاودة الأهل والنوم منسوخ وأما الوضوء عند إرادة أكل أو شرب فالمراد به اللغوي لما روى الطحاوي وأبو داود وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه قال في شرح المشكاة وعليه جمهور العلماء وفي الخانية الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب المستحب له أن يغسل يديه وفاه وإن ترك لا بأس به ولفظ خزانة الأكمل وإن ترك لا يضره وفي منية المصلي إذا أراد الجنب الأكل والشرب ينبغي له أن يغسل يديه وفاه ثم يأكل أو يشرب لأنه يورث الفقر اهـ أي لأن الأكل والشرب بدون ما ذكر سبب للفقر قاله ابن أمير حاج قوله: "ولغضب" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" رواه الإمام أحمد وأبو داود في الأدب أي ولو كان متوضئا فإن اشتد الغضب ندب له الغسل قاله في مواهب القدير قوله: "وقراءة حديث" هي المتعارفة الآن من التكلم على ما فيه من فقه وغريب ومشكل واختلاف ولغة وإعراب قوله: "وروايته" هي مجرد ذكر الإسناد والمتن قوله: "وشرف المكانين" الصفا والمروة قوله: "للقول بالوضوء منه" هو قول الإمام أحمد قوله: "وللخروج من خلاف سائر العلماء" ظاهره ولو غير الأربعة قوله: "كما إذا مس امرأة" أي مشتهاة غير محرمة فإن مس المحرم وغير المشتهاة لا ينقض إتفاقا قوله: "استبراء لدينه" أي طلبا لبراءة دينه من القول بالإفساد.

ص: 85

‌فصل: نواقض الوضوء

"فصل".

هو طائفة من المسائل تغيرت أحكامها بالنسبة لما قبلها "ينقض الوضوء" النقض إذا أضيف إلى الأجسام كنقض الحائط يراد به إبطال تأليفها وإذا أضيف إلى المعاني كالوضوء يراد به إخراجها عن إقامة المطلوب بها والنواقض جمع ناقضة "اثنا عشر شيئا" منها "ما خرج من السبيلين" وإن قل سمي القبل والدبر سبيلا لكونه طريقا للخارج وسواء المعتاد وغيره كالدودة والحصاة "إلا ريح القبل" الذكر والفرج "في الأصح" لأنه اختلاج لا ريح وإن كان ريحا لا نجاسة فيه وريح الدبر ناقضة بمرورها على النجاسة لأن عينها طاهرة فلا ينجس مبتل الثياب عند العامة فينقض ريح المفضاة احتياطا والخروج يتحقق بظهور البلة.

ــ.

فصل.

بمعنى فاصل أو مفصول أو ذو فصل مبتدأ أو خبر قوله: "هو طائفة من المسائل" أي مطلقا وتقييده في الشرح بالفقهية لخصوص المقام وزاد غير مترجمة بكتاب ولا باب قوله: "النقض الخ" فهو حقيقة في الأول مجاز في الثاني بجامع الأبطال وقيل مشترك قاله السيد وأصله للإتقاني قوله: "عن إقامة المطلوب بها" والمطلوب من الوضوء إستباحة الصلاة ونحوها قوله: "منها ما خرج من السبيلين" أفاد أن الناقض الخارج لا خروجه لأن الضد هو المؤثر في رفع ضده وإنما الخروج علة لتحقق الوصف الذي هو النجاسة لذات الخارج وشرط عمل الضد في ضده لا إنه هو العامل لأنه لايوصف بطهارة ولا نجاسة لأنه معنى من المعاني وإضافة النقض إليه إضافة إلى علة العلة والأولى إضافة الحكم إلى نفس العلة قوله: "وإن كان ريحا لا نجاسة فيه" الأولى أن يقول وإن كان ريحا فليس منبعثا عن نجاسة لأنه يفيد بمفهومه أن ريح الدبر نجسة وليس كذلك كما أفاده بعد ويحتمل أن المراد لا نجاسة فيه أي في القبل يمر عليها ريحه حتى يكون ناقضا وهو الذي يفيده كلامه بعد قوله: "فلا ينجس مبتل الثياب" والإستنجاء منه بدعة قوله: "فينقض ريح المفضاة إحتياطا" الأولى الواو والمراد بها من إختلط مسلك بولها وغائطها بخلاف من اختلط مسلك بولها ووطئها فلا نقض بالريح الخارج من أمامها على الصحيح وتختص الأولى بحكمين آخرين أحدهما إنها لا تحل لمن طلقها ثلاثا بوطء الثاني ما لم تحبل لإحتمال الوطء في الدبر والثاني حرمة جماعها إلا أن يمكنه الوطء في القبل بلا تعد وفي الهندية عن المحيط عد من النواقض سقوطه من أعلى اهـ قال بعض الفضلاء ولعله لعدم خلوه عن خروج خارج غالبا وهو لا يشعر والخنثى غير المشكل فرجه الآخر كالجرح وهو المعول عليه والمشكل ينتقض وضوءه بمجرد الظهور من كل.

ص: 86

على رأس المخرج ولو إلى القلفة على الصحيح "وينقضه" أي الوضوء "ولادة من غير رؤية دم" ولا تكون نفساء في قول أبي يوسف ومحمد آخرا وهو الصحيح لتعلق النفاس بالدم ولم يوجد وعليها الوضوء للرطوبة وقال أبو حنيفة عليها الغسل احتياطا لعدم خلوه عن قليل دم ظاهرا وصححه في الفتاوى وبه أفتى الصدر الشهيد رحمه الله تعالى "و" ينقض الوضوء "نجاسة سائلة من غيرهما" أي السبيلين لقوله عليه الصلاة والسلام: "الوضوء من كل دم سائل" وهو مذهب العشرة المبشرين بالجنة وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري وغيرهم من كبار الصحابة وصدور التابعين كالحسن البصري وابن سيرين رضي الله عنهم والسيلان في السبيلين بالظهور على رأسهما وفي غير السبيلين بتجاوز النجاسة إلى محل يطلب تطهيره ولو ندبا فلا ينقض دم سال في داخل العين إلى جانب آخر منها بخلاف ما صلب من الأنف وقوله "كدم وقيح" إشارة إلى أن ماء الصديد ناقض كماء الثدي والسرة.

ــ.

قوله: "ولو إلى القلفة" بفتحات وبوزن غرفة وهي ما يقطع في الختان قوله: "لعدم خلوه" أي المولود المعلوم من المقام أو حال الولادة قوله: "ظاهرا" أي في الظاهر أي أن الغالب أن لا يخلو النفاس عنه فنزل الغالب منزلة المتحقق.

تنبيه ما سال من السبيلين إنما يعد ناقضا لطهارة الحي أما الخارج من الميت بعد تغسيله فيغسل ولا يعاد الغسل قوله: "وفي غير السبيلين بتجاوز النجاسة إلى محل الخ" والمراد أن تتجاوزه ولو بالعصر وما شأنه أن يتجاوز لولا المانع كما لو مصت علقة فامتلأت بحيث لو شقت لسال منها الدم كذا في الحلبي قوله: "إلى محل" أعم من العضو والثوب والمكان قوله: "يطلب تطهيره" بالغسل أو المسح فينتظم الموضع الذي سقط عنه حكم التطهير بعذر قاله ابن الكمال قوله: "ولو ندبا" فإذا نزل الدم إلى قصبة الأنف نقض صرح به في المعراج وغيره لأن المبالغة بإيصال الماء إليها في الإستنشاق لغير الصائم مسنونة وفي البدائع إذا نزل الدم إلى صماخ الأذن يكون حدثا اهـ وليس ذلك إلا لكونه يندب مسحه في الوضوء ويجب غسله في الغسل قوله: "فلا ينقض دم سال في داخل العين الخ" وكذا ما سال في باطن الجرح إلى الجانب الآخر وحقيقة التطهير فيهما ممكنة وإنما سقط حكمه للحرج قوله: "كماء الثدي والسرة الخ" قال في البحر الجرح والنفطة وماء السرة والثدي والأذن والعين إذا كان لعلة سواء في الأصح أي في النقض والظاهر أن القيد راجع إلى الأربعة الأخيرة وعن الحسن أن ماء النفطة لا ينقض قال الحلواني وفيه توسعة لمن به جرب أو جدري أو مجل بالجيم وهو ما يكون بين الجلد واللحم وفي الجوهرة عن الينابيع الماء الصافي إذا خرج من النفطة لا ينقض وفي المغرب هي بفتح النون وكسر الفاء وزن كلمة الجدري وبكسر النون وسكون الفاء القرحة التي امتلأت وحان قشرها.

ص: 87

والأذن إذا كان لمرض على الصحيح "و" ينقضه "قيء طعام أو ماء" وإن لم يتغير "أو علق".

ــ.

والتحريك لغة فيها ذكره العلامة نوح وفي التبيين ولو كان بعينه رمدا أو عمش يسيل منها الدموع قالوا: يؤمر بالوضوء لوقت كل صلاة لإحتمال أن يكون صديدا أو قيحا قال العلامة الشلبي في حاشيته عليه قال الشيخ كمال الدين في فصل المستحاضة وأقول هذا التعليل يقتضي أنه أمر استحباب فإن الشك والإحتمال في كونه ناقضا لا يوجب الحكم بالنقض إذ اليقين لا يزول بالشك والله تعالى أعلم نعم إذا علم أنه صديد أو قيح من طريق غلبة الظن بإخبار الأطباء أو علامة تغلب على ظن المبتلي يجب وفي المنية روى عن محمد أنه قال الشيخ إذا كان في عينه رمد وتسيل الدموع منها آمره بالوضوء لوقت كل صلاة لأني أخاف أن يكون ما يسيل منها صديدا فيكون صاحب عذر اهـ ونقل شارحها عن الكمال ما نقله عنه الشلبي ثم قال شارحها ومما يشهد لهذا أي لكونه أمر استحباب ما في شرح الزاهدي عقيب هذه المسئلة وعن هشام في جامعه إن كان قيحا فكالمستحاضة وإلا فكالصحيحة وأما قولهم ماء الجرح والنفطة وماء السرة والثدي والعين والأذن إن كان لعلة سواء ينبغي أن يحمل على ما إذا كان الخارج من العين متغيرا بسبب ذلك اهـ وفي الفتح عن التجنيس الغرب في العين إذا سال منه ماء نقض لأنه كالجرح وليس بدمع وهو بالتحريك ورم في الماق اهـ وضبطه في الدر بفتح فسكون قال وهو عرق في العين يسقي ولا ينقطع اهـ قلت وهل يجري في دمع العين الصافي ما جرى في ماء النفطة من الخلاف والظاهر نعم لعدم الفرق قال العارف بالله سيدي عبد الغني النابلسي وينبغي أن يحكم برواية عدم النقض بالصافي الذي يخرج من النفطة في كي الحمصة وإن ما يخرج منها لا ينقض وإن تجاوز إلى محل يلحقه حكم التطهير إذا كان ماء صافيا أما غير الصافي بأن كان مخلوطا بدم أو قيح أو صديد فإنه ناقض إذا وجد السيلان بأن تجاوز العصابة وإلا لم ينقض ما دامت الورقة في موضع الكي معصبة بالعصابة وإن امتلأت دما أو قيحا ما لم يسل من حول العصابة أو ينفذ منها دم أو قيح سائل وأما ظهوره من غير أن يتجاوزها فذلك من الجرح نفسه وهو غير ناقض ولو حل العصابة فأخرج الورقة والخرقة فوجد دما أو قيحا لولا الرباط لسال في غالب ظنه انتقض وضوءه في الحال لا قبل ذلك لكون النجاسة انفصلت عن موضعها أما قبل حلها فالنجاسة في موضعها لم تنفصل ولو لم يمكن قطع السيلان حقيقة أو حكما كقطعه بالربط فهو معذور وإلا لا حتى لو كان لا يمتنع العذر بالربط أو الحشو وجب ذلك نقله السيد قوله: "وإن لم يتغير" أشار به إلى أنه لا فرق بين أنواع القيء سواء قاء من ساعته أم لا وقال الحسن إذا تناول طعاما أو ماء ثم قاء من ساعته لا ينتقض وضوءه لأنه طاهر حيث لم يستحل والذي اتصل به قليل قيء فلا يكون حدثا فلا يكون نجسا وكذا الصبي إذا ارتضع وقاء من ساعته لا يكون نجسا والصحيح أنه حدث ونجس في الكل كما في الحلبي قيل وقول الحسن هو المختار.

ص: 88

هو سوداء محترقة "أو مرة" أي صفراء والنقض بأحد هذه الأشياء "إذا ملأ الفم" لتنجسه بما في قعر المعدة وهو مذهب العشرة المبشرين بالجنة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ قال الترمذي وهو أصح شيء في الباب ولقوله صلى الله عليه وسلم يعاد الوضوء من سبع من إقطار البول والدم السائل والقيء ومن دفعة تملأ الفم ونوم مضطجع وقهقة الرجل في الصلاة وخروج الدم "وهو" أي حد ملء الفم "ما لا يطبق عليه الفم إلا بتكلف على الأصح" من التفاسير فيه وقيل ما يمنع الكلام "ويجمع" تقديرا "متفرق القيء إذا اتحد سببه" عند محمد وهو الأصح فينقض إن كان قدر ملء الفم وقال أبو يوسف إن اتحد المكان وماء فم النائم إن نزل من الرأس فهو طاهر اتفاقا وكذا الصاعد من الجوف على.

ــ.

كما في الفتح قال الزاهدي ومحل الاختلاف إذا وصل إلى معدته ولم يستقر أما لوقاء قبل الوصول وهو في المرىء فإنه لا ينقض اتفاقا قوله: "هو سوداء محترقة" قال في الشرح تفسيرا للعلق هو ما اشتدت حمرته وجمد وهي سوداء محترقة اهـ قال السيد وإن كان مائعا نقض وإن لم يملا الفم عند الإمام خلافا لمحمد هذا إذا كان صاعدا من الجوف وأما إذا كان نازلا من الرأس نقض قل أو كثر باتفاق أصحابنا اهـ عيني قوله: "إذا ملأ الفم" إنما اشترط ملء الفم في القيء واعتبر السيلان في غيره لأن الفم تجاذب فيه دليلان أحدهما يقتضي كونه ظاهرا والآخر يقتضي كونه باطنا حقيقة وحكما أما الحقيقة فلأنه إذا فتح فاه يظهر وإذا ضمه يبطن وأما الحكم فلأنه يفترض غسله في الغسل فجرى عليه حكم الظاهر وإذا ابتلع الصائم ريقه لا يفسد صومه فجرى عليه حكم الباطن فوفرنا على الدليلين حكمهما وقلنا إذا كثر نقض فاعتبر خارجا وإن قل لا ينقض فاعتبر باطنا فيصير تبعا للريق قوله: "بما في قعر المعدة" بفتح الميم وإسكان العين قاله في الشرح قوله: "ومن دسعة تملأ الفم" قال في القاموس الدسع كالمنع الدفع والقيء والملء ثم قال والدسعة أيضا الطبيعة والجفنة والمائدة الكريمة والقوة اهـ مختصرا فحينئذ يكون معنى الدسعة القيء ووصفه بكونه يملأ الفم احترازا عن القليل أو بمعنى الدفعة وإنما ذكره بعد القيء لدفع توهم أنه لا ينقض إلا ما كان كثيرا فاحشا قوله: "قوله وقهقهة الرجل في الصلاة" قيد الرجل اتفاقي لأن المرأة كذلك بخلاف الصبي قوله: "وخروج الدم" لعل المراد منه خروجه من السبيلين فيغاير قوله في صدر الحديث والدم السائل فإن المراد به أن يكون من غيرهما ويكون دليلا على أن الخارج غير المعتاد ينقض وليراجع قوله: "إذا اتحد سببه" وهو الغثيان مصدر غثت نفسه بالمثلثة إذا جاشت وهاجت قوله: "وهو الأصح" هو قول محمد قوله: "وقال أبو يوسف الخ" اعتبر أبو يوسف اتحاد المجلس لأن للمجلس أثرا في جمع المتفرقات ولم يذكر حكم الفرع في ظاهر الرواية واتفقا أنهما لو اتحدا نقض أو اختلفا لم ينقض قوله: "وماء النائم الخ" احترز به عن ماء الميت فإنه نجس قوله: "وكذا الصاعد من الجوف على المفتى به" ظاهره ولو كان بحيث لو جمع لملأ الفم قوله:.

ص: 89

المفتى به وقيل إن كان أصفر أو منتنا فهو نجس "و" ينقضه "دم" من جرح بفمه "غلب على البزاق" أي الريق "أو ساواه" احتياطا ويعلم باللون فالأصفر مغلوب وقيل الحمرة مساو وشديدها غالب والنازل من الرأس ناقض بسيلانه وإن قل بالإجماع وكذا الصاعد من الجوف رقيقا وبه أخذ عامة المشايخ "و" ينقضه "نوم" وهو فترة طبيعية تحدث فتمنع الحواس الظاهرة والباطنة عن العمل بسلامتها وعن استعمال العقل مع قيامه وهذا إذا لم "تتمكن فيه المقعدة" يعني المخرج "من الأرض" باضطجاع وتورك واستلقاء على القفا ولو كان مريضا يصلي بالإيماء على الصحيح وانقلاب على الوجه لزوال المسكة والناقض الحدث للإشارة إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "العينان وكاء السه فإذا نامت العينان انطلق الوكاء" وفيه التنبيه على أن الناقض ليس النوم لأنه ليس حدثا وإنما ما لا يخلو النائم عنه فأقيم السبب الظاهر مقامه والنعاس الخفيف الذي يسمع به ما يقال عنده لا ينقض.

ــ.

"العينان وكاء السه" قال في النهاية أصل سه سته بوزن فرس وجمعه أستاه كأفراس فحذفت الهاء وعوضت عنها الهمزة فقيل است فإذا ردت الهاء وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء انحذفت الهمزة التي جيء بها عوضا عن الهاء فقيل سه بفتح السين ويروى في الحديث وكاء السته اهـ وفي قوله العينان وكاء السته تشبيه بليغ بفم الزق على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الوكاء له تخييل واستعمال العينين في اليقظة مجاز مرسل علاقته التلازم لأنه يلزم من انفتاحهما اليقظة وحمل الوكاء على العينين من التشبيه البليغ سواء كانا بمعنى اليقظة أو أبقيا على معناهما أو من باب الكناية أي اليقظة أو العينان كرباط الدبر اهـ مدابغي في حاشيته على الخطيب وإعرابه بالحركات على الهاء لأنها لام الكلمة قوله: "وإنما الحدث ما لا يخلو عنه النائم" صححه في السراج واختاره الزيلعي مقتصرا عليه وحكي في التوشيح الإتفاق عليه وتفرع على الخلاف ما ذكره العلامة الشلبي في حاشية الزيلعي ونصه سئلت عن شيخ به إنفلات ريح هل ينتقض وضوءه بالنوم فأجبت بعدم النقض بناء على ما هو الصحيح أن النوم نفسه ليس بناقض وإن الناقض ما يخرج ومن ذهب إلى أن النوم نفسه ناقض لزمه نقض وضوء من به إنفلات ريح بالنوم والله تعالى أعلم اهـ قوله: "الذي يسمع به" الباء بمعنى مع وقوله ما يقال أي أكثر ما يقال قال في الخانية النعاس لا ينقض الوضوء وهو قليل نوم لا يشتبه عليه أكثر ما يقال ويجري عنده اهـ وظاهر المصنف كالخانية أنه لا يشترط الفهم والذي في الفتح عن الدقاق والرازي إن كان لا يفهم عامة ما قيل عنده كان حدثا وإن كان لا يفهم حرفا أو حرفين يعني كلمة أو كلمتين لا اهـ ويظهر الفرق بين العبارتين في سماع غير لغته والظاهر إعتبار السماع فقط.

تنبيه لا نقض من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يحتاج أن يقال نومهم غير ناقض.

ص: 90

وإلا فهو الثقيل ناقض "و" ينقضه "ارتفاع مقعدة" قاعد "نائم" على الأرض "قبل انتباهه" وإن لم يسقط" على الأرض "في الظاهر" من المذهب لزوال المقعدة "و" ينقضه "إغماء" وهو مرض يزيل القوى ويستر العقل "و" ينقضه "جنون" وهو مرض يزيل العقل ويزيد القوى "و" ينقضه "سكر" وهو خفة يظهر أثرها بالتمايل وتلعثم الكلام لزوال القوة الماسكة بظلمة الصدر وعدم انتفاع القلب بالعقل "و" ينقضه "قهقهة" مصل "بالغ" عمدا أو سهوا وهي ما.

ــ.

كما في القهستاني فإنه يقتضي تخصيص عدم النقض به فوضوءهم تشريع للأمم لكن ينبغي أن يستثنى إغماؤهم وغشيهم فإنهما منهم ناقضان على ما في المبسوط أفاده السيد وغيره وبحث فيه بعض الحذاق بأنه إذا كان الناقض الحقيقي المتحقق غير ناقض فالحكمي المتوهم أولى على أن ما في المبسوط ليس بصريح ولو سلم فيحمل على أنه رواية قوله: "وينقضه إرتفاع مقعدة الخ" فقيل إن انتبه كلما سقط فلا ينتقض وإن استقر نائما ثم انتبه إنتقض لوجود النوم مضطجعا هذا قول الإمام قال في التبيين وهو الظاهر وفي الفتح وعليه الفتوى وفي المضمرات عن الزاد وهو الصحيح في رواية الحسن وبه جزم في السراج قوله: "وهو مرض يزيل القوى" بسبب امتلاء بطون الدماغ من البلغم البارد وتعطل القوى المدركة والمحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوبا والغشي بفتح فسكون أو بكسر الشين المعجمة مع تشديد الياء نوع منه وكلاهما ناقض وأما العته فهو غير ناقض لحكمهم على العبادة بالصحة معه وإن لم يكن مكلفا بها لإلحاقه بالصبي لا لأن عقله قد زال أفاده السيد قوله: "وهو خفة الخ" قال بعضهم هو سرور يغلب على العقل بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له فيمنع الإنسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله ولذا بقي أهلا للخطاب وقيل يزيله وتكليفه زجر له والتحقيق الأول كما في البحر ولا فرق فيه بين السكر من محرم أو مباح فهو كالإغماء إلا أنه لا يسقط عنه القضاء وإن كان أكثر من يوم وليلة لأنه بصنعه بخلاف الإغماء قوله: "يظهر أثرها بالتمايل" هذا التعريف باتفاق هنا كما في الحلبي كما أنه باتفاق في الإيمان أن يهذي ويخلط في أكثر كلامه كما صرح به الزيلعي في كتاب الحدود واختلف في حده في باب الحد فقال الإمام: هو أن لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجال من النساء لأن الحد عقوبة يحتال لدرئها فيعتبر نهاية السكر وقالا هو أن يهذي في كلامه لأنه هو السكر في العرف قال في النهر وينبغي النقض بأكل الحشيشة إذ دخل في مشيته إختلال قوله: "لزوال القوة الماسكة" علة للخفة الموصوفة بما بعدها وقوله وعدم إنتفاع عطف على زوال قوله: "بالعقل" هو في الرأس وشعاعه في الصدر والقلب أو بالقلب فالقلب يهتدى بنوره لتدبير الأمور وتمييز الحسن من القبيح قاله في الشرح قوله: "وينقضه قهقهة" هي ليست حدثا حقيقة وإلا لاستوى فيها جميع الأحوال مع أنها مخصوصة ببعضها وهو الموافق للقياس لأنها ليست بخارج نجس بل هي صوت كالبكاء والكلام.

ص: 91

يكون مسموعا لجيرانه والضحك ما يسمعه هو دون جيرانه يبطل الصلاة خاصة والتبسم لا يبطل شيئا وهو ما لا صوت فيه ولو بدت به الأسنان وقهقهة الصبي لا تبطل وضوءه لأنه ليس من أهل الزجر وقيل تبطله "يقظان" لا نائم على الأصح "في صلاة" كاملة "ذات ركوع وسجود" بالأصالة ولو وجدت بالإيماء سواء كان متوضئا أو متيمما أو مغتسلا في الصحيح لكونها عقوبة فلا يلزم القول بتجزئة الطهارة واحترزنا بالكاملة عن صلاة الجنازة وسجدة التلاوة لورود النص فلا ينقض فيهما وإن بطلتا "و" تنقص القهقهة في الكاملة و "لو تعمد" فاعلها "الخروج بها من الصلاة" بعد الجلوس الأخير ولم يبق إلا السلام لوجوده في حرمة الصلاة كما في سجود السهو والصلاة صحيحة لتمام فروضها وترك واجب السلام لا يمنعه "و" ينقضه مباشرة فاحشة وهي "مس فرج" أو دبر "بذكر منتصب بلا حائل" يمنع حرارة الجسد وكذا مباشرة الرجلين والمرأتين ناقضة.

ــ.

وإنما وجب الوضوء منها زجرا وعقوبة وعليه جماعة منهم الدبوسي وقيل بل حدث وتظهر فائدة الخلاف في جواز مس المصحف بعدها فمن جعلها حدثا منع كسائر الأحداث ومن أوجب الوضوء عقوبة جوز قال في البحر وينبغي ترجيح موافقة القياس لظاهر الأخبار التي هي الأصل في هذا الباب إذ ليس فيها إلا الأمر بإعادة الوضوء والصلاة ولا يلزم منه كونها من الأحداث اهـ قوله: "أو سهوا" هو فيه إحدى روايتين وبها جزم الزيلعي لأن حالة الصلاة مذكرة بخلافها في النوم قوله: "وهي ما يكون مسموعا لجيرانه" ولو قل والمراد جيرانه في الصلاة ونحوهم قوله: "وقيل تبطله" دون الصلاة وهو مروي عن سلمة بن شداد وعن أبي قاسم أنها تبطلهما فعلى الثاني أن يبني على صلاته وفيه أن القهقهة ليست حدثا سماويا قوله: "لا نائم على الأصح" لأن فعله لا يوصف بالجنابة كالصبي لكن تبطل صلاته لما ذكرنا وهو المذهب بحر قوله: "في صلاة كاملة" ولو حكما كما إذا قهقه في السهو أو من سبقه الحدث بعد الوضوء قبل أن يبني قوله: "أو مغتسلا في الصحيح" وعليه الجمهور كما في الذخائر الأشرفية وقال عامة المشايخ لا تنقضه لأنه ثابت في ضمن الغسل فإذا لم يبطل المتضمن بالكسر لا يبطل المتضمن بالفتح قوله: "لكونها عقوبة" أي لا لكونها حدثا حقيقيا فلا يلزم القول الخ أفاده في الشرح قوله: "لمورد النص" وهو ما روي مرسلا ومسندا أنه صلى الله عليه وسلم: "من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة" قال الكمال أهل الحديث اعترفوا بصحته مرسلا وأما روايته مسندا فعن عدة من الصحابة كابن عمر ومعبد بن أبي معبد الخزاعي وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأنس وجابر وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم أجمعين والمرسل الصحيح حجة عندنا فلا بد من العمل به كما في البرهان وغيره قوله: "بلا حائل يمنع حرارة الجسد" صادق بأن لا يكون حائل أصلا وبأن يكون حائل رقيق لا يمنع الحرارة وكما ينتقض وضوءه ينتقض وضوءها كما في القنية وقال محمد لا ينتقض الوضوء.

ص: 92

...............................................................................................................

ــ.

إلا بخروج مذي وهو القياس وجه الإستحسان أن المباشرة الفاحشة لا تخلو عن خروج مذي غالبا والغالب كالمتحقق وفي مجمع الأنهر قوله أقيس وقولهما أحوط.

ص: 93

‌فصل عشرة أشياء لا تنقض الوضوء

منها

"ظهور دم لم يسل عن محله" لأنه لا ينجس جامدا ولا مائعا على الصحيح فلا يكون ناقضا "و" منها "سقوط لحم من غير سيلان دم" لطهارته وانفصال الطاهر لا يوجب الطهارة "كالعرق المدني الذي يقال له رشته" بالفارسية كما في فتاوى البزازية "و" منها "خروج دودة من جرح وأذن وأنف" لعدم نجاستها ولقلة الرطوبة التي معها بخلاف الخارجة من الدبر "و" منها "مس ذكر" ودبر وفرج مطلقا وهو مذهب كبار الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت وصدور التابعين.

ــ.

فصل عشرة أشياء لا تنقض الوضوء.

قوله: "لأنه لا ينجس جامدا ولا مائعا" ينجس بتشديد الجيم من التنجيس أي لا ينجس ما أصابه جامدا كان أو مائعا عند أبي يوسف وهو الصحيح فلو أخذ بقطن وألقى في الماء القليل لا يفسده وعن محمد في غير رواية الأصول أنه نجس قال الحدادي والفتوى على قول الثاني فيما إذا أصاب الجامدات وعلى قول الثالث فيما إذا أصاب المائعات أفاده السيد قوله: "فلا يكون ناقضا" لا يحسن ترتيبه على ما قبله بل يترتب ما قبله عليه لأنه إذا لم يكن ناقضا فلا يكون نجسا قوله: "لطهارته" أي اللحم في حق نفسه أما في حق غيره فنجس لأن المنفصل من الحي ميتة قوله: "كالعرق المدني" نسبة إلى المدينة الشريفة لكثرته بها وهي بثرة تظهر في سطح الجلد تنفجر عن عرق يخرج كالدودة شيئا فشيئا وسببه فضول غليظة قاله السيد قوله: "ولقلة الرطوبة التي معها" لكنها تنجس ما وقعت فيه من المائعات قوله: "مطلقا" ولو من غير الماس ولو كان الممسوس مشتهى وسواء كان المس بباطن الكف أو بغيره بشهوة أولا وفي السيد ويستحب غسل يده إن كان مستنجيا بغير الماء وحديث بسرة ضعفه جماعة وهو من مس ذكره فليتوضأ قال في الفتح والحق أن كلا من الحديثين لا ينزل عن درجة الحسن لكن يترجح حديث طلق وهو الذي ذكره المصنف بأن أحاديث الرجال أقوى لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ولذا جعلت شهادة إمرأتين رجل واحد وقال ابن أمير حاج يمكن حمل حديث بسرة على غسل اليدين وقد تقدم أنه يستحب الوضوء للخروج من خلاف العلماء فإن العبادة المتفق عليها خير من العبادة المختلف فيها قوله:.

ص: 93

كالحسن وسعيد والثوري رضي الله تعالى عنهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله ما تقول في رجل مس ذكره في الصلاة فقال: "هل هو إلا بضعة منك أو مضغة منك" قال الترمذي وهذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب "و" منها "مس امرأة" غير محرم لما في السنن الأربعة عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ واللمس في الآية المراد به الجماع كقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} "و" منها "قيء لا يملأ الفم" لأنه من أعلى المعدة "و" منها "قيء بلغم ولو" كان "كثيرا" لعدم تخلل النجاسة فيه وهو طاهر "و" منها "تمايل نائم احتمل زوال مقعدته" لما في سنن أبي داود "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون""و" منها "نوم متمكن" من الأرض "ولو" كان "مستندا إلى شيء" كحائط وسارية ووسادة بحيث "لو أزيل" المستند إليه "سقط" الشخص فلا ينتقض وضوءه "على الظاهر" من مذهب أبي حنيفة "فيهما" أي في المسألتين هذه والتي قبلها لاستقراره بالأرض فيأمن من خروج ناقض منه رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة وهو الصحيح وبه أخذ عامة المشايخ وقال القدوري ينتقض وهو مروي عن الطحاوي "و" منها "نوم مصل ولو" نام "راكعا أو ساجدا" إذا كان "على جهة" أي صفة "السنة" في ظاهر المذهب بأن أبدى ضبعيه وجافى بطنه عن فخذيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فإذا اضطجع استرخت مفاصله وإذا نام كذلك خارج الصلاة لا ينتقض به وضوءه" في

ــ.

"واللمس في الآية المراد به الجماع " فسره به ترجمان القرآن وهو الذي قاله أهل اللغة قال ابن السكيت اللمس إذا قرن بالمرأة يراد به الجماع تقول العرب لمست المرأة أي جامعتها ذكره السيد قوله: "وهو طاهر" أي عندهما مطلقا لأنه بزاق حقيقة والبزاق طاهر لأن الرطوبة ترقي أعلى الحلق فتصير بزاقا وفي أسفله تغلظ فتصير بلغما فلم يخرج من المعدة ولئن خرج منها فهو لزج صقيل لا تتخلله النجاسة وما يتصل به منها قليل وهو في القيء عفو ولا يرد ما إذا وقع البلغم في نجاسة حيث يتنجس لأن كلامنا فيما إذا كان في الباطن وأما إذا انفصل قلت ثخانته وازدادت رقته فتتخلله النجاسة ولو كان مخلوطا بالطعام لا ينقض إلا إذا كان الطعام غالبا بحيث لو انفرد ملأ الفم أما إذا كان مغلوبا أو مساويا فلا وفي صلاة الحسن العبرة للغالب ولو استويا يعتبر كل على حدة قوله: "حتى تخفق رؤسهم" أي تتحرك قال في القاموس خفق النجم يخفق خفوقا غاب وفلان حرك رأسه إذا نعس اهـ وبعض الصحابة حينئذ كان يضع جانبه فينام ثم يقوم فيصلي كما في سنن البزار بإسناد صحيح وحمل على النعاس قوله: "ولو نام راكعا أو ساجدا الخ" لبقاء بعض الاستمساك إذ لو زال كله.

ص: 94

الصحيح وإن لم يكن على صفة السجود والركوع المسنون انتقض وضوءه "والله" سبحانه "الموفق" بمحض فضله وكرمه.

ــ.

لسقط فلم يتم الإسترخاء ولا فرق بين أن يتعمد النوم فيها أو خارجها على المختار وتمامه في الفتح قوله: "وإن لم يكن على صفة السجود والركوع المسنون إنتقض" الأولى حذف الركوع فإن بيان صفة السنة كما قدمه قاصر على السجود ولأن مجرد انتصاب نصفه الأسفل وانحناء الأعلى مع عدم السقوط دليل بقاء القوة الماسكة.

ص: 95

"فصل ما يوجب" أي يلزم "الاغتسال"

يعني الغسل وهو بالضم اسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد واسم للماء الذي يغتسل به أيضا والضم هو الذي اصطلح عليه الفقهاء أو أكثرهم وإن كان الفتح أفصح وأشهر في اللغة وخصوه بغسل البدن من جنابة وحيض ونفاس والجنابة صفة تحصل بخروج المني بشهوة يقال أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة. واعلم أنه يحتاج لتفسير الغسل لغة وشريعة وسببه وشرطه وحكمه وركنه وسننه وآدابه وصفته وعلمت تفسيره وسببه بأنه إرادة مالا يحل مع الجنابة أو وجوبه وله شروط وجوب وشروط صحة تقدمت في الوضوء وركنه عموم ما.

ــ.

فصل ما يوجب الإغتسال.

قوله: "اسم من الإغتسال" أو من الغسل بالفتح مصدر غسل من باب ضرب وبالكسر ما يغسل به من نحو صابون والغسالة بالضم ما غسلت به الشيء كما في المصباح وذكر ابن مالك أنه إذا أريد بالغسل الإغتسال فالأوجه الضم ووجهه أن مضموم الغين اسم مصدر لاغتسل ومفتوحها مصدر الثلاثي المجرد قوله: "وهو تمام غسل الجسد" أي غسل الجسد التام والذي عبر به غيره غسل تمام الجسد قوله: "واسم للماء الذي يغتسل به أيضا" ومنه ما في حديث ميمونة فوضعت له غسلا قاله السيد وغيره قوله: "وخصوه بغسل البدن الخ" هو المعنى الإصطلاحي ذكره بعد بيان المعنى اللغوي وظاهره أنه لا يقال للغسل المسنون غسل إصطلاحا وفيه بعد قوله: "والجنابة صفة الخ" أي لغة كذا في الشرح إلا أنه عبر فيه بحالة والذي في القاموس والجنابة المني وقد أجنب وجنب وجنب واستنجب وهو جنب يستوي فيه الواحد والجمع أو يقال جنبان وأجناب اهـ قوله: "إذا قضى شهوته من المرأة" وذا بإنزال المني فيوافق ما قبله قوله: "وسببه" بالنصب عطفا على تفسيره وقد علم ذلك في الوضوء قوله: "حل ما كان ممتنعا قبله" هو الحكم الدنيوي وقوله والثواب بفعله تقربا هو الحكم الأخروي وقوله تقربا مرتبط بقوله بفعله أي إنما يثاب إذا فعله متقربا قوله: "خروج المني" بكسر النون مشدد الياء وقد تسكن مخففا قهستاني.

ص: 95

أمكن من الجسد من غير حرج بالماء الطهور وحكمه حل ما كان ممتنعا قبله والثواب بفعله تقربا والصفة والسنن والآداب يأتي بيانها "يفترض الغسل بواحد" يحصل للإنسان "من سبعة أشياء" أولها "خروج المني" وهو ماء أبيض ثخين ينكسر الذكر بخروجه يشبه رائحة الطلع ومني المرأة رقيق أصفر "إلى ظاهر الجسد" لأنه ما لم يظهر لا حكم له "إذا انفصل عن مقره" وهو الصلب "بشهوة" وكان خروجه "من جماع" كالاحتلام ولو بأول مرة لبلوغ في الأصح وفكر ونظر وعبث بذكره - وله ذلك إن كان أعزب وبه ينجو رأسا برأس لتسكين شهوة يخشى منها لا لجلبها - وأغنى اشتراط الشهوة عن الدفق لملازمته لها فإذا لم توجد الشهوة لا غسل كما إذا حمل ثقيلا أو ضرب على صلبه فنزل منيه بلا شهوة والشرط وجودها عند انفصاله من الصلب لا دوامها حتى يخرج إلى الظاهر خلافا لأبي يوسف سواء

ــ.

قوله: "يشبه رائحة الطلع" أي عند خروجه ورائحة البيض عند يبسه قوله: "ومني المرأة رقيق أصفر" فلو إغتسلت لجنابة ثم خرج منها مني بدون شهوة إن كان أصفر أعادت الغسل وإلا فلا قوله: "وهو الصلب" أي والترائب قوله: "وكان خروجه من غير جماع" قيد به ليتصور كون وجوب الغسل مضافا إلى خروج المني إذ في الجماع يضاف الوجوب إلى تواري الحشفة وإن لم يخرج المني قاله السيد قوله: "ولو بأول مرة لبلوغ في الأصح" وقيل لا يجب لأنه صار مكلفا بعده وقيد بقوله لبلوغ لأنه لو تحقق البلوغ أولا من غير إنزال ثم أنزل يجب الغسل من غير خلاف ولو كانت أول مرة قوله: "وفكر ونظر وعبث" عطف على احتلام قوله: "وله ذلك" أي العبث بذكره قوله: "إن كان أعزب" يقال فيه عزب وظاهر التقييد به عدم حله لمتزوج ولو في مدة منعه عن حليلته بحيض أو سفر قوله: "وبه ينجو رأسا برأس" عبارة البحر عن المحيط ولو أن رجلا عزبا به فرط شهوة له أن يستمني بعلاج لتسكينها ولا يكون مأجورا البتة ينجو رأسا برأس هكذا روي عن أبي حنيفة اهـ والمراد بقوله رأسا برأس أنه لا أجر له ولا وزر عليه قوله: "يخشى منها" أي الوقوع في لواط أو زنا فيكون هذا من إرتكاب أخف الضررين قوله: "لا لجلبها" أي فيحرم لما روي عنه صلى الله عليه وسلم ناكح اليد ملعون وقال ابن جريج سألت عنه عطاء فقال: مكروه وسمعت قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظنهم هؤلاء وقال سعيد بن جبير عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم وورد سبعة لا ينظر الله إليهم منهم الناكح يده قوله: "لملازمته لها" الذي في الدر لم يذكر الدفق ليشمل مني المرأة لأن الدفق فيه غير ظاهر وأما إسناده إليه أيضا في قوله تعالى خلق من ماء دافق فيحتمل التغليب اهـ وبهذا تمنع الملازمة قوله: "سواء المرأة الخ" تعميم في قول المصنف خروج المني إلى ظاهر الجسد وقيل يلزمها الغسل من غير رؤية الماء إذا وجدت اللذة قوله: "ويفتي بقول أبي يوسف" عبارته في الشرح أولى وهي الفتوى.

ص: 96

المرأة أو الرجل لقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال: "نعم إذا رأت الماء" وثمرة الخلاف تظهر بما لو أمسك ذكره حتى سكنت شهوته فأرسل الماء يلزمه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد لا عند أبي يوسف ويفتى بقول أبي يوسف لضيف خشي التهمة وإذا لم يتدارك مسكه يستتر بإيهام صفة المصلي من غير تحريم وقراءة وتظهر الثمرة بما إذا اغتسل في مكانه وصلى ثم خرج بقية المني عليه الغسل عندهما لا عنده وصلاته صحيحة اتفاقا ولو خرج بعد ما بال وارتخى ذكره أو نام أو مشى خطوات كثيرة لا يجب الغسل اتفاقا وجعل المني وما عطف عليه سببا للغسل مجاز للسهولة في التعليم لأنها شروط "و" منها "توارى حشفة" هي رأس ذكر آدمي مشتهى.

ــ.

على قول أبي يوسف في الضيف إذا استحيا من أهل المحل أو خاف أن يقع في قلبهم ريبة بأن طاف حول بيتهم وعلى قولهما في غير الضيف اهـ ونقل بعضهم أنه يفتي بقوله بالنظر إلى الصلوات الماضية والمراد بها ما فعلت حال الإستحياء أو خوف الريبة وبقولهما بالنظر إلى المستقبلة والمراد بها التي إنتفى عند أدائها ما ذكر رجوعا إلى قول الإمام صاحب المذهب وهو حسن قوله: "وإذا لم يتدارك مسكه" أي حتى خرج المني من رأس الذكر بشهوة أي وقد استحيا أو خشي الريبة وفي جعل الحياء المجرد عن خوف الريبة عذرا تأمل لأنه في غير محله قوله: "بإيهام صفة المصلي" أي بإيهام رائيه أنه يصلي قوله: "وقراءة" المنع عنها ظاهر لوجود الحدث الأكبر ولا يظهر في التكبير لأنه ذكر يجور للجنب اللهم إلا أن يقال في عدم الإتيان به زيادة إبعاد عن فعل الماهية وإقتصار على الضرورة ما أمكن والظاهر أن التسبيح والتشهد والسلام وباقي التكبير في حكم التحريمة وليحرر قوله: "في مكانه" أو تجاوزه بخطوة أو خطوتين.

قوله: "وارتخى ذكره" أفاد تقييده أنه إذا بال ولم يرتخ الذكر حتى خرج المني يجري الخلاف فيه قوله: "أو مشي خطوات كثيرة" قال في البحر وقيد المشي في المجتبى بالكثير وأطلقه كثير والتقييد أوجه لأن الخطوة والخطوتين لا يكون منهما ذلك اهـ أي إنقطاع مادة الأول قوله: "لأنها شروط" أي للوجوب فإضافة الوجوب إلى الشروط مجاز كقولهم صدقة الفطر لأن السبب يتعلق به الوجود والوجوب والشرط يضاف إليه الوجود فشارك الشرط السبب في الوجود اهـ من الشرح فالمجاز مجاز إستعارة علاقته المشابهة في أن كلا يضاف إليه الوجود قوله: "ومنها توارى حشفة" أي تغييب تمام حشفة فلو غاب أقل منها أو أقل من قدرها من المقطوع لم يجب الغسل كما في القهستاني قوله: "هي رأس ذكر الخ" هذا التعريف لاحظ المصنف فيه المقام وإلا فالحشفة كما في القاموس ونحوه في الدر ما فوق الختان وفي القهستاني هي رأس الذكر إلى المقطع وهو غير داخل في مفهومها اهـ قوله:

ص: 97

حي احترز به عن ذكر البهائم والميت والمقطوع والمصنوع من جلد والأصبع وذكر صبي لا يشتهى والبالغة يوجب عليها بتواري حشفة المراهق الغسل "و" تواري "قدرها" أي الحشفة "من مقطوعها" إذا كان التواري "في أحد سبيلي آدمي حي" يجامع مثله فيلزمهما الغسل لو مكلفين ويؤمر به المراهق تخلقا ويلزم بوطء صغيرة لا تشتهي ولم يفضها لأنها صارت ممن يجامع في الصحيح ولو لف ذكره بخرقة وأولجه ولم ينزل فالأصح أنه إن وجد حرارة الفرج واللذة وجب الغسل وإلا فلا والأحوط وجوب الغسل في الوجهين لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل" أنزل أو لم ينزل "و" منها "إنزال المني بوطء ميتة أو

ــ.

"مشتهى"1 بصيغة اسم المفعول يدل عليه قوله في المحترز وذكر صبي لا يشتهي ولم يعبر المصنف بالتقاء الختانين ليتناول الإيلاج في الدبر ولأن الثابت في الفرج محاذاتهما لا إلتقاؤهما قوله: "احترز به عن ذكر البهائم" محترزا لآدمي وقوله والميت خرج بذكر الحي وقوله والمقطوع خرج بالمشتهي كما خرج به قوله وذكر صبي وقوله والمصنوع من جلد والإصبع خرج بقوله رأس ذكر فهو من النشر الملخبط قوله: "يوجب عليها الخ" أي لا عليه لكنه يمنع من الصلاة حتى يغتسل كما يمنع عن الصلاة محدثا حتى يتوضأ كما في الخلاصة عن الأصل وفي الخانية يؤمر به ابن عشر اعتيادا وتخلقا كما يؤمر بالطهارة والصلاة قوله: "في أحد سبيلي آدمي حي" يجامع مثله خرج غير الآدمي والميتة والصغيرة التي لا تجامع فلا يجب الغسل بالجماع في هذه الأشياء ولا ينتقض الوضوء وإنما يلزمه غسل ذكره كما في القهستاني من النواقض وفي الدر رطوبة الفرج طاهرة عند أبي حنيفة اهـ أي فلا يلزمه غسل الذكر أيضا قوله: "ويلزم بوطء صغيرة لا تشتهى ولم يفضها" هذا هو الصحيح ومنهم من قال يجب مطلقا ومنهم من قال لا يجب مطلقا أفاده السيد قوله: "فالأصح أنه إن وجد حرارة الفرج واللذة وجب الغسل" واللذة بالنصب عطف على حرارة اقتصر في السراج على وجود الحرارة وفي التنوير وشرحه على وجود اللذة وجمع بينهما المصنف لأن الظاهر تلازمهما غالبا قوله: "إذا التقى الختانان الخ" ذكرهما بناء على عادة العرب من ختن نسائهم وهو من الرجال دون حزة الحشفة ومن المرأة موضع قطع جلدة كعرف الديك فوق مدخل الذكر وهو مخرج الولد والمني والحيض وتحت مخرج البول ويقال له أيضا خفاض قال في السراج وهو سنة عندنا للرجال والنساء وقال الشافعي واجب عليهما وفي الفتح يجبر عليه أن تركه إلا إذا خاف الهلاك وإن تركته هي لا اهـ وذكر الاتقاني عن الخصاف بإسناده إلى شداد بن أوس مرفوعا الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة.

1 يوجد في بعض النسخ هنا مغايرة ونصها قوله مشتهى يقرأ بصيغة اسم الفاعل إن كان المراد الوجوب عليه وبصيغة اسم المفعول أن نظر إلى وجوبه عليها والرسم يساعد الثاني ولم يعبر المصنف الخ أهـ.

ص: 98

بهيمة" شرط الإنزال لأن مجرد وطئهما لا يوجب الغسل لقصور الشهوة "و" منها "وجود ماء رقيق بعد" الانتباه من "النوم" ولم يتذكر احتلاما عندهما خلافا لأبي يوسف وبقوله أخذ خلف بن أيوب وأبو الليث لأنه مذي وهو الأقيس ولهما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولم يجد احتلاما قال: "يغتسل" ولأن النوم راحة تهيج الشهوة وقد يرق المني لعارض والاحتياط لازم في باب العبادات وهذا "إذا لم يكن ذكره منتشرا قبل النوم" لأن الانتشار سبب للمذي فيحال عليه ولو وجد الزوجان بينهما ماء دون تذكر ومميز بلفظ ورقة وبياض وصفرة وطول وعرض لزمهما الغسل في الصحيح احتياطا "و" منها "وجود بلل ظنه

ــ.

قال في المعراج يعني مكرمة للرجال لأن جماع المختونة ألذ ووقته من جملة المسائل التي توقف فيها الإمام ورعا منه لعدم النص ولم يرد عنهما فيه شيء واختلف فيه المشايخ والأشبه اعتبار الطاقة كما في الدر وغيره وهذا الحديث أخرجه الإمام أبو عبد الله الحسين بن محمد بن خسر وفي مسنده عن أبي حنيفة بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "لا يوجب الغسل" أي ولا ينقض الوضوء قوله: "ومنها وجود ماء رقيق بعد النوم" حاصل مسئلة النوم إثنا عشر وجها كما في البحر لأنه إما أن يتيقن أنه مني أو مذي أو ودي أو يشك في الأول مع الثاني أو في الأول مع الثالث أو في الثاني مع الثالث فهذه ستة وفي كل منها أما أن يتذكر إحتلاما أو لا فتمت الإثنا عشر فيجب الغسل إتفاقا فيما إذا تيقن أنه متى تذكر إحتلاما أو لا وكذا فيما إذا تيقن أنه مذي وتذكر الإحتلام أو شك أنه مني أو مذي أو شك أنه مني أو شك أنه مذي أو ودي وتذكر الإحتلام في الكل ولا يجب الغسل اتفاقا فيما إذا تيقن أنه ودي مطلقا تذكر الإحتلام أو لا أو شك أنه مذي أو ودي ولم يتذكر أو تيقن أنه مذي ولم يتذكر ويجب الغسل عندهما لا عند أبي يوسف فيما إذا شك أنه مني أو مذي أو شك أنه مني أو ودي ولم يتذكر إحتلاما فيهما والمراد بالتيقن هنا غلبة الظن لأن حقيقة اليقين متعذرة مع النوم قوله: "وقد يرق المني لعارض" كالهواء أو الغذاء قال في الخلاصة ولسنا نوجب الغسل بالمذي ولكن المني قد يرق بطول المدة فتصير صورته كصورة المذي اهـ قوله: "إذا لم يكن ذكره منتشرا قبل النوم" لم يفصل بين النوم مضطجعا وغيره كغيره وقال ابن أمير حاج التفرقة المذكورة لبعضهم من أن محل عدم وجوب الغسل إذا نام قائما أو قاعدا أما إذا نام مضطجعا فيجب الغسل سواء كان ذكره منتشرا قبل النوم أو لا تفرقة غير ظاهرة الوجه فالكل على الإطلاق إذ لا يظهر بينهما إفتراق اهـ قوله: "دون تذكر ومميز" أما إذا تذكر أحدهما حلما دون الآخر فعلى المتذكر فقط أو وجدت علامة كونه منه أو منها فعلى صاحبها فقط ومحله ما لم يكن الفراش نام عليه غيرهما قبلهما أما إذا كان ذلك والمني جاف فالظاهر عدم الوجوب على كل منهما كذا في البحر قوله: "بغلظ" متعلق بمميز والأول والثالث والخامس صفة مني الذكر والثاني والرابع والسادس صفة مني الأنثى قوله: "ظنه منيا".

ص: 99

منيا بعد إفاقته من سكر و" بعد إفاقته من "إغماء" احتياطا "و" يفترض "بحيض" للنص "ونفاس" بعد الطهر من نجاستهما بالانقطاع إجماعا "و" يفترض الغسل بالموجبات "لو حصلت الأشياء المذكورة قبل الإسلام في الأصح" لبقاء صفة الجنابة ونحوها بعد الإسلام ولا يمكن أداء الشروط من الصلاة ونحوها بزوال الجنابة وما في معناها إلا به فيفترض عليه لكونه مسلما مكلفا بالطهارة عند إرادة الصلاة ونحوها بآية الوضوء "ويفترض تغسيل الميت" المسلم الذي لا جنابة منه مسقطة لغسله "كفاية" وسنذكر تمامه في محله إن شاء الله تعالى.

ــ

يحترز به عما لو كان مذيا فإنه لا غسل عليه قاله السيد عن شرح منلا مسكين قوله: "ويفترض بحيض" أي بإنقطاعه لأن المعدود هنا كما تقدم شروط لا أسباب وإنما أضيف الوجوب إليها تسهيلا والشرط هو الإنقطاع لا الخروج قوله: "ونحوها" كتواري الحشفة والحيض والنفاس والمراد بقاء الأحكام المترتبة قوله: "ونحوها" كسجدة التلاوة وصلاة الجنازة ومس المصحف قوله: "بزوال الجنابة" متعلق بالمشروط وقوله وما في معناها أي الجنابة كالحيض والنفاس وقد مر قوله: "الذي لا جنابة منه" كالبغي ولو قال الذي لا وصف له يسقط غسله ليشمل الشهيد لكان أولى ويستثنى من الميت أيضا الخنثى المشكل فقيل ييمم وقيل يغسل في ثيابه والأول أولى وهل يشترط لهذا الغسل النية الظاهر أنها شرط لإسقاط الوجوب عن المكلف لا لتحصيل طهارته كما في فتح القدير.

ص: 100

"‌

‌فصل: عشرة أشياء لا يغتسل منها مذي

".

بفتح الميم وسكون الدال المعجمة وكسرها وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء من الرجال.

ــ.

فصل عشرة أشياء لا يغتسل منها.

قوله: "وكسرها" أي الذال مع تخفيف الياء وهو أفصح كالأولى وتشديدها والفعل ثلاثي مخفف ومضعف ورباعي قوله: "وهو ماء أبيض كدر ثخين" يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدرة ويخرج قطرة أو قطرتين عقب البول إذا كانت الطبيعة مستمسكة وعند حمل شيء ثقيل وبعد الإغتسال من الجماع وينقض الوضوء فإن قيل ما فائدة وجوب الوضوء من الودي وقد وجب من البول قبله أجيب بأنه قد يخرج بدون البول كما ذكرنا فلا يرد

ص: 100

ويسمى في جانب النساء قذى بفتح القاف والدال المعجمة "و" منها "ودي" بإسكان الدال المهملة وتخفيف الياء وهو ماء أبيض كدر ثخين لا رائحة له يعقب البول وقد يسبقه أجمع العلماء على أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي "و" منها "احتلام بلا بلل" والمرأة فيه كالرجل في ظاهر الرواية لحديث أم سليم كما قدمناه "و" منها "ولادة من غير رؤية دم بعدها في الصحيح" وهو قولهما لعدم النفاس وقال الإمام عليها الغسل احتياطا لعدم خلوها عن قليل دم ظاهرا كما تقدم "و" منها "إيلاج بخرقة مانعة من وجود اللذة" على الأصح وقدمنا لزوم الغسل به احتياطا "و" منها "حقنة" لأنها لإخراج الفضلات لا قضاء الشهوة "و" منها "إدخال أصبع ونحوه" كشبه ذكر مصنوع من نحو جلد "في أحد السبيلين" على المختار لقصور الشهوة "و" ومنها "وطء بهيمة أو" امرأة "ميتة من غير إنزال" مني لعدم كمال سببه ولا يغلب نزوله هنا ليقام مقامه "و" منها "إصابة بكر لم تزل" الإصابة "بكارتها من غير إنزال" لأن البكارة تمنع التقاء الختانين ولو دخل منيه فرجها بلا إيلاج فيه لا غسل عليها ما لم تحبل منه.

ــ.

السؤال أو يقال تظهر فائدته فيمن به سلس بول فإن وضوءه ينتقض بالودي دون البول قوله: "ومنها احتلام الخ" لفظه غلب على ما يراه النائم من الجماع المقترن بالإنزال غالبا وهو محال على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأنه شيطاني وهم معصومون منه وإن كان يوسوس لهم كذا ذكره بعضهم وفي الخصائص أن منها إسلام قرينه صلى الله عليه وسلم قوله: "في ظاهر الرواية" وقال محمد يجب عليها الغسل احتياطا قوله: "لحديث أم سليم" وهو ما في الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله أن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" اهـ قال الكمال والمراد بالرؤية العلم سواء اتصلت به رؤية البصر أم لا فإن من تيقنت الإنزال بعد الاستيقاظ ثم جف ولم تر شيئا بعينها لا يسع أحدا القول بعدم الغسل مع أنها لم تر شيئا ببصرها قوله: "مانعة من وجود اللذة" اقتصر على ذكر اللذة هنا وزاد فيما تقدم وجود الحرارة ولعلهما متلازمان كما مر قوله: "احتياطا" الظاهر أنه علة الإفتراض بدليل التعبير باللزوم وكذلك في المسئلة التي قبلها بدليل التعبير بعليها المفيدة للوجوب قوله: "على المختار" أي في الدبر ومقابله ضعيف وأما في القبل فذكر في شرح التنوير أن المختار عدمه أيضا وحكى العلامة نوح أن المختار فيه الوجوب إذا قصدت الإستمتاع لأن الشهوة فيهن غالبة فيقام السبب مقام المسبب فاختلف الترجيح بالنسبة لإدخال الإصبع في قبل المرأة أفاده السيد رحمه الله تعالى قوله: "ما لم تحبل" لأنها لا تحبل إلا إذا أنزلت وتيعد ما صلت قبل الغسل وهذا أحد قولين وقيل لا غسل عليها ولو ظهر الحبل إلا إذا خرج منيها إلى ظاهر الفرج وهو ظاهر الرواية قال الحلواني وبه نأخذ انظر الزيلعي.

ص: 101

"‌

‌فصل لبيان فرائض الغسل

"يفترض في الاغتسال" من حيض أو جنابة أو نفاس "أحد عشر شيئا" وكلها ترجع لواحد هو عموم الماء ما أمكن من الجسد بلا حرج ولكن عدت التعليم منها "غسل الفم والأنف" وهو فرض اجتهادي لقوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} . بخلافه في الوضوء لأن الوجه لا يتناولهما لأن المواجهة لا تكون بداخل الأنف والفم وصيغة المبالغة في قوله فاطهروا تتناولهما ولا حرج فيهما "والبدن" عطف عام على خاص ومنه الفرج الخارج لأنه كفمها لا الداخل لأنه كالحلق ولا بد من زوال ما يمنع من وصول الماء للجسد كشمع وعجين لا صبغ بظفر صباغ ولا بين الأظفار ولو لمدني في الصحيح كخرء برغوث وونيم ذباب كما تقدم والفرض الغسل "مرة" واحدة مستوعبة لأن الأمر لا يقتضي التكرار "و" يفترض غسل "داخل قلفة لا عسر في فسخها" على الصحيح وإن تعسر لا يكلف به كثقب انضم للحرج "و" يفترض غسل "داخل سرة" مجوفة لأنه من خارج الجسد ولا حرج في غسله "و" يفترض غسل "ثقب غير منضم" لعدم الحرج "و" يفترض غسل "داخل المضفور" من.

ــ.

فصل لبيان فرائض الغسل.

قوله: "من حيض أو جنابة أو نفاس" قال في البحر ظاهره أن المضمضة والإستنشاق ليسا بشرطين في الغسل المسنون حتى يصح بدونهما ولكنهما شرطان في تحصيل السنة كما في الدر ويكفي وجودهما في الوضوء عن تحصيلهما في أول الغسل وقوله في تحصيل السنة أي سنة الغسل المسنون وليس المراد أنهما شرطان في سنيته قوله: "غسل الفم والأنف" أي بدون مبالغة فيهما فإنها سنة فيه على المعتمد وشرب الماء عبا يقوم مقام غسل الفم لا مصا ولو كان سنه مجوفا فبقي فيه طعام أو بين أسنانه أو كان في أنفه درن رطب أجزأه لأن الماء لطيف يصل إلى كل موضع غالبا بخلاف اليابس فإنه كالخبز الممضوغ والعجين فيمنع كما في الفتح قوله: لقوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} ولأنهما يغسلان عادة وعبادة نفلا في الوضوء وفرضا في النجاسة الحقيقية وهذا يدل على أنهما من الظاهر قوله: "عطف عام على خاص" وإنما أفردهما لوقوع الخلاف فيهما لأنها سنتان عند الإمامين مالك والشافعي رضي الله عنهما ولأنهما لا يكفر جاحدهما قوله: "ومنه الفرج الخارج" ومنه مخرج الغائط قوله: "كخرء برغوث وونيم ذباب" ولو لم يصل الماء إلى ما تحته قاله السيد والونيم زرق الذباب قوله: "داخل قلفة" هي الجلدة الساترة للحشفة والختان قطعها اهـ من الشرح.

ص: 102

شعر الرجل" ويلزمه حله "مطلقا" على الصحيح سواء سرى الماء في أصوله أو لا لكونه ليس زينة له فلا حرج فيه و "لا" يفترض نقض "المضفور من شعر المرأة إن سري الماء في أصوله" اتفاقا لحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: "إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك الماء فتطهرين" وأما إن كان شعرها ملبدا أو غزيرا فلا بد من نقضه ولا يفترض إيصال الماء إلى أثناء ذوائبها على الصحيح بخلاف الرجل فإنه يفترض عليه ذوائبه كلها والضفيرة بالضاد المعجمة الذؤابة وهي الخصلة من الشعر والضفر فتل الشعر وإدخال بعضه في بعض وثمن الماء على الزوج لها وإن كانت غنية ولو انقطع حيضها لعشرة "و" يفترض غسل "بشرة اللحية" وشعرها ولو كانت كثيفة كثة لقوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا} "و" يفترض "غسل الشارب و" بشرة "الحاجب" وشعرهما "والفرج الخارج" لأنه كالفم لا الداخل لأنه كالحلق كما تقدم.

ــ.

قوله: "سواء سري الماء في أصوله أو لا" فيه إنه إذا سرى في أصوله وعمه الماء كله لا يلزم حله وفسره بعض الإطلاق بقوله سواء كان علويا أو تركيا قال السيد وما في العيني من قوله إلا إذا كان علويا أو تركيا للحرج متعقب بأن دعوى الحرج ممنوعة اهـ قوله: "وأما إن كان شعرها ملبدا أو غزيرا" بحيث يمنع إيصال الماء إلى الأصول قوله: "ولا يفترض إيصال الماء إلى أثناء ذوائبها على الصحيح" احترز به عن قول بعضهم يجب بلها وعما في صلاة البقالي الصحيح أنه يجب غسل الذوائب وإن جاوزت القدمين وتمامه في الشرح قوله: "والضفيرة بالضاد المعجمة الذؤابة" قال في القاموس الذؤابة الناصية أو منبتها من الرأس وشعر في أصل ناصية الفرس اهـ والمراد الخصلة وهي كما في القاموس بالضم الشعر المجتمع أو القليل منه اهـ قوله: "والضفر فتل الشعر الخ" وأما العقص فجمعه على الرأس قوله: "وثمن الماء" أي لشرب ووضوء وغسل على الزوج لأنه مما لا بد منه اهـ شرح قوله: "ولو انقطع حيضها لعشرة" وبعهم قال إذا كان إنقطاع الحيض لأقل من عشرة فعلى الزوج لإحتياجه إلى وطئها بعد الغسل وإن كان لعشرة فعليها لأنها هي المحتاجة للصلاة ويعلم منه أن أجرة الحمام حيث اضطرت إليه عليه وفي الخانية دخول الحمام مشروع للرجال والنساء قال الكمال وحيث أبحنا لها الخروج للحمام إنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما لا يكون داعيا إلى نظر الرجال والإستمالة اهـ أي وبشرط عدم نظرهن إلى عورة بعضهن وإلا حرم كما لا يخفي ولو ضرها غسل رأسها تركته ولا تمنع نفسها عن زوجها.

ص: 103

‌فصل في سنن الغسل

"يسن في الاغتسال اثنا عشر" الأول "الابتداء بالتسمية" لعموم الحديث "كل أمر ذي بال""و" الابتداء ب "النية" ليكون فعله تقربا يثاب عليه كالوضوء والابتداء بالتسمية يصاحب النية لتعلق التسمية باللسان والنية بالقلب "و" يكونان مع "غسل اليدين إلى الرسغين" ابتداء كفعله صلى الله عليه وسلم "و" يسن "غسل نجاسة لو كانت" على بدنه "بانفرادها" في الابتداء ليطمئن بزوالها قبل أن تشيع على جسده "و" كذا "غسل فرجه" وإن لم يكن به نجاسة كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ليطمئن بوصول الماء إلى الجزء الذي ينضم من فرجه حال القيام وينفرج حال الجلوس "ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة فيثلث الغسل ويمسح الرأس" في ظاهر الرواية وقيل لا يمسحها لأنه يصب عليها الماء والأول أصح لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ قبل الاغتسال وضوءه للصلاة وهو اسم للغسل والمسح "ولكنه يؤخر غسل الرجلين إن كان يقف" حال الاغتسال "في محل يجتمع فيه

ــ.

فصل في سنن الغسل

قوله: "الإبتداء بالتسمية" هي كاللفظ المذكور في الوضوء قوله: "لعموم الحديث كل أمر ذي بال" لفظ كل الخ بدل من الحديث قوله: "والإبتداء بالنية" هي كما تقدم في الوضوء قوله: "لتعلق التسمية باللسان" لا يظهر لأن المطلوب من الذاكر إستحضار معنى الذكر فلها تعلق بالقلب أيضا فأما أن يقال أن الإبتداء إضافي أو أن القلب يلاحظ أشياء متعددة دفعة قوله: "مع غسل اليدين" أي قبل إدخالهما الإناء على ما مر قوله: "ويسن غسل نجاسة الخ" أي إن إزالتها قبل الوضوء والإغتسال هو السنة لئلا تزداد بإضافة الماء فلا ينافي أن مطلق إزالة القدر المانع منها غير مقيد بما ذكر فرض اهـ كلام السيد ملخصا قوله: "وكذا غسل فرجه" هو اسم للقبلين وقد يطلق على الدبر أيضا كما في المغرب قوله: "ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة" فيتمم سائر أعمال الوضوء من المستحبات والسنن والفرائض قوله: "لأنه صلى الله عليه وسلم الخ" روى الجماعة واللفظ لمسلم عن ميمونة رضي الله تعالى عنها قالت أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده في الإناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله على الأرض فدلكها دلكا شديدا ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات كل حفنة ملء كفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه الحديث قوله: "ولكنه يؤخر غسل الرجلين" فيه إختلاف المشايخ فقائل لا يؤخر لأن عائشة رضي الله عنها أطلقت في روايتها صفة غسله صلى الله عليه وسلم فلم تذكر تأخير الرجلين كما أخرجه الشيخان

ص: 104

الماء" لاحتياجه لغسلهما ثانيا من الغسالة "ثم يفيض الماء على بدنه ثلاثا" يستوعب الجسد بكل واحدة منها وهو سنة للحديث "ولو انغمس" المغتسل "في الماء الجاري أو" انغمس في "ما" هو "في حكمه" أي الجاري كالعشر في العشر "ومكث" منغمسا قدر الوضوء والغسل أو في المطر كذلك ولو للوضوء فقط "فقد أكمل السنة" لحصول المبالغة بذلك كالتثليث "ويبتدئ في" حال "صب الماء برأسه" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "ويغسل بعدها" أي الرأس "منكبه الأيمن ثم الأيسر" لاستحباب التيامن وهو قول شمس الأئمة الحلواني "و" يسن أن "يدلك" كل أعضاء "جسده" في المرة الأولى ليعم الماء بدنه في المرتين الأخيرتين وليس الدلك بواجب في الغسل إلا في رواية عن أبي يوسف لخصوص صيغة "اطهروا" فيه بخلاف الوضوء لأنه بلفظ اغسلوا والله الموفق.

ــ.

وأكثرهم على أنه يؤخر لحديث ميمونة فإن فيه تنصيصا على التأخير قال في المجتبى والأصح التفصيل وبه يحصل التوفيق قوله: "يستوعب الجسد بكل واحدة منها" وإلا لم تحصل سنة التثليث والأولى فرض والثنتان بعدها سنتان حتى لو لم يحصل بالثلاث إستيعاب يجب أن يغسل مرة بعد أخرى حتى يحصل وإلا لم يخرج من الجنابة كما في مجمع الأنهر قوله: "ولو انغمس المغتسل الخ" أي بعدما تمضمض واستنشق قوله: "كالعشر في العشر" قدر به محمد الكثير ثم رجع عنه إلى ما قاله الإمام أن الكثير ما استكثره المتبلي قوله: "أو في المطر" معطوفا على منغمسا أي أو مكث في المطر كذلك أي قدر الوضوء والغسل قوله: "ولو للوضوء" أي لو مكث منغمسا أو في المطر لأجل الوضوء قدر فقط فإنه يكون آتيا بكمال السنة فيه قوله: "ويغسل بعدها" الأولى التذكير قوله: "منكبه الأيمن ثم الأيسر" يغسلهما ثلاثا ثلاثا كما في الزاهدي وقيل يبدأ بالمنكب الأيمن ثم بالرأس قوله: "ويسن أن يدلك الخ" الدلك إمرار اليد على الأعضاء مع غسلها قوله: "إلا في رواية عن أبي يوسف" المذكور في البحر عن الفتح وفي منلا مسكين أنه شرط عنده في رواية النوادر.

ص: 105

"‌

‌فصل: وآداب الاغتسال

هي".

مثل "آداب الوضوء" وقد بيناها "إلا أنه لا يستقبل القبلة" حال اغتساله "لأنه يكون

ــ.

فصل وآداب الإغتسال الخ.

قوله: "ويستحب أن لا يتكلم بكلام معه ولو دعاء" أي هذا إذا كان غير دعاء بل ولو

ص: 105

غالبا مع كشف العورة" فإن كان مستورا فلا بأس به ويستحب أن لا يتكلم بكلام معه ولو دعاء لأنه في مصب الأقذار ويكره مع كشف العورة ويستحب أن يغتسل بمكان لا يراه أحد لا يحل له النظر لعورته لاحتمال ظهورها في حال الغسل أو لبس الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر" رواه أبو داود وإذا لم يجد سترة عند الرجال يغتسل ويختار ما هو أستر: والمرأة بين النساء كذلك وبين الرجال تؤخر غسلها والإثم على الناظر لا على من كشف إزاره لتطهيره وقيل يجوز أن يتجرد للغسل وحده ويجرد زوجته للجماع إذا كان البيت صغيرا مقدار عشرة أذرع ويستحب صلاة ركعتين سبحة بعده كالوضوء لأنه يشمله "وكره فيه ما كره في الوضوء" ويزاد فيه كراهة الدعاء كما تقدم ولا تقدير للماء الذي يتطهر به في الغسل والوضوء لاختلاف أحوال الناس ويراعى حالا وسطا من غير إسراف ولا تقتير.

ــ.

دعاء أما الكلام غير الدعاء فلكراهته حال الكشف كما في الشرح وأما الدعاء فلما ذكره المؤلف قوله: "ويكره مع كشف العورة" ولو في مكان لا يراه فيه أحد قوله: "ويستحب أن يغتسل" أي والحال أنه مستور العورة بدليل قوله لاحتمال ظهورها الخ وبدليل ما قبله قوله: "إن الله حي" أي منزه عن النقائص.

قوله: "يغتسل ويختار ما هو أستر" هذا ما في الوهبانية والقنية والذي في ابن أمير حاج أنه يؤخره كي يتمكن من الإغتسال بدون إطلاع عليه وسواء في ذلك الرجل والمرأة ولا فرق بين كونهما بين رجال أو نساء فإن خاف خروج الوقت تيمم وصلى والظاهر وجوب الإعادة عليه لقول غير واحد من المشايخ إن العذر في التيمم إن كان من قبل العباد لا تسقط الإعادة وإن أبيح التيمم اهـ قوله: "وبين الرجال تؤخر غسلها" وكذا بين الرجال والنساء وينبغي لها أن تتيمم وتصلي لعجزها شرعا عن الماء كما في الدر قوله: "والإثم على الناظر" أي إذا كان عامدا في صورة جواز كشف العورة.

قوله: "وقيل يجوز أن يتجرد للغسل وحده" اعلم أنه ذكر في القنية اختلافا في جواز الكشف في الخلوة فقال: تجرد في بيت الحمام الصغير لقصر إزاره أو حلق عانته يأثم وقيل يجوز في المدة اليسيرة وقيل لا بأس به وقيل يجوز أن يتجرد إلى آخر ما ذكره المؤلف قوله: "مقدار عشرة أذرع" وفي الشرح خمسة أذرع وانظر ما وجه هذا التحديد ولعل وجهه في الأول إن العشرة تعد كثيرا كما قد روا به في المياه فيكون المحل إذا كان بهذا القدر متسعا والله تعالى أعلم قوله: "كالوضوء" بل الغسل أولى لأنه وضوء وزيادة وإلى ذلك أشار بقوله لأنه يشمله.

ص: 106

"فصل: يسن الاغتسال لأربعة أشياء".

منها "صلاة الجمعة" على الصحيح لأنها أفضل من الوقت وقيل إنه لليوم وثمرته أنه أحدث بعد غسله ثم توضأ لا يكون له فضله على الصحيح وله الفضل على المرجوح وفي معراج الدراية لو اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة استن بالسنة لحصول المقصود وهو قطع الرائحة "و" منها "صلاة العيدين" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى وعرفة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" وهو ناسخ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والغسل سنة للصلاة في قول أبي يوسف كما في الجمعة "و" يسن "للإحرام" للحج أو العمرة لفعله صلى الله عليه وسلم: وهو للتنظيف لا للتطهير فتغتسل المرأة ولو كان بها حيض ونفاس ولهذا لا يتيمم مكانه بفقد الماء "و" يسن الاغتسال "للحاج" لا لغيرهم ويفعله الحاج "في عرفة" لا

ــ.

فصل يسن الإغتسال لأربعة أشياء.

قوله: "على الصحيح" هو قول أبي يوسف ويشهد له ما في الصحيحين من جاء منكم الجمعة فليغتسل وفي رواية لابن حبان من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل وفي رواية للبيهقي ومن لم يأتها فليس عليه غسل اهـ قوله: "وقيل إنه لليوم" قاله محمد إظهارا لفضيلته على سائر الأيام لقوله صلى الله عليه وسلم: "سيد الأيام يوم الجمعة" ونسبه كثير إلى الحسن وذكر في المحيط محمدا مع الحسن وفي غاية البيان عن شرح الطحاوي أنه لهما جميعا عند أبي يوسف قوله: "وثمرته أنه الخ" وتظهر فيمن لا جمعة عليه أيضا وأما الغسل بعد الصلاة فليس بمعتبر إجماعا كما في جمعة المحيط والخانية قوله: "استن بالسنة لحصول المقصود" وقال في النهر كالبحر ينبغي عدم حصول السنة بهذا إتفاقا أما على قول أبي يوسف فلاشتراط الصلاة به والغالب وجود الحدث بينهما في مثل هذا القدر من الزمان وأما على قول الحسن فلأنه يشترط أن يكون متطهرا بطهارة الإغتسال في اليوم لا قبله والغالب وجود الحدث أيضا اهـ ملخصا قوله: "فبها ونعمت" أي فبالسنة أخذ ونعمت هذه الخصلة فالضمير راجع إلى غير مذكور وهو جائز في المشهور كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32] قوله: "وهو ناسخ لظاهر قوله الخ" وقيل معنى الواجب المتأكد كما يقال حقك علي واجب قوله: "سنة للصلاة في قول أبي يوسف" ولليوم عند الحسن نقله القهستاني عن التحفة قوله: "للحج أو العمرة" أو مانعة خلو تجوز الجمع قوله: "ولهذا لا يتيمم مكانه

ص: 107

خارجها ويكون فعله "بعد الزوال" لفضل زمان الوقوف. ولما فرغ من الغسل المسنون شرع في المندوب فقال: "ويندب الاغتسال في ستة عشر شيئا" تقريبا لأنه يزيد عليها "لمن أسلم طاهرا" عن جنابة وحيض ونفاس للتنظيف عن أثر ما كان منه "ولمن بلغ بالسن" وهو خمسة عشر سنة على المفتى به في الغلام والجارية "ولمن أفاق من جنون" وسكر وإغماء "وعند" الفراغ من "حجامة وغسل ميت" خروجا للخلاف من لزوم الغسل بهما "و" ندب "في ليلة براءة" وهي ليلة النصف من شعبان لإحيائها وعظم شأنها إذ فيها تقسم الأرزاق والآجال "و" في "ليلة القدر إذا رآها" يقينا أو علما باتباع ما ورد في وقتها لإحيائها "و" ندب الغسل.

ــ.

بفقد الماء" أي مثلا والمراد بعذر والباء للسببية ومثله سائر الإغتسالات المسنونة والمندوبة قوله: "ويسن الإغتسال للحاج الخ" قال في البدائع يجوز أن يكون غسل عرفة على هذا الإختلاف أيضا يعني أن يكون للوقوف أو لليوم أي يوم عرفة لمن حضره قوله: "لفضل زمان الوقوف" وليكون أقرب إليه فيكون أبلغ في المقصود كما قالوا: في غسل الجمعة الأفضل أن يكون بقرب ذهابه إليها إلا أن هذا يقتضي الأفضلية فقط لا كونه شرطا في تحصيل السنة قال في الهداية وكون هذه الإغتسالات سنة هو الأصح وقيل إنها مستحبة بدليل أن محمدا سمى غسل الجمعة في الأصل حسنا قال في الفتح وهو النظر قوله: "لمن أسلم طاهرا" بذلك أمر صلى الله عليه وسلم من أسلم واحترز به عمن أسلم غير طاهر فإنه يفترض عليه الغسل على المعتمد كما تقدم قوله: "ولمن بلغ بالسن" احترز به عن بلوغ الصبي بالإحتلام والإحبال والإنزال وعن بلوغ الصبية بالإحتلام والحيض والحبل فإنه لا بد من الغسل فيها قوله: "وهو خمس عشرة سنة على المفتي به" وهو قولهما ورواية عن الإمام إذ العلامة تظهر في هذه المدة غالبا فجعلوا المدة علامة في حق من لم تظهر له العلامة وأدنى مدة يعتبر فيها ظهور العلامة إثنتا عشر سنة في حقه وتسع سنين في حقها فإذا بلغا هذا السن وأقرا بالبلوغ كانا بالغين حكما لأن ذلك مما يعرف من جهتهما قوله: "ولمن أفاق الخ" لعله للشكر على نعمة الأفاقة قوله: "وعند الفراغ من حجامة" لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع منها الحجامة رواه أبو داود قوله: "خروجا للخلاف" الأولى ما قاله السيد خروجا من خلاف القائل بلزوم الغسل منهما قوله: "وندب في ليله براءة" سميت بذلك لأن الله تعالى يكتب لكل مؤمن براءة من النار لتوفية ما عليه من الحقوق ولما فيها من البراءة من الذنوب بغفرانها قاله العمروسي قوله: "يقينا" بأن يكون بطريق الكشف مثلا قوله: "أو علما" كذا هو فيما شرح عليه السيد أيضا والمناسب لمقابلة اليقين أن يقول أو ظنا بأن يتبع الإمارة الواردة تعيينها وهي كونها ليلة بلجة لا حارة ولا باردة إلى غير ذلك مما ذكروه والذي فيما رأيته من الشرح أو عملا باتباع ما ورد والمعنى أن لرؤية إما باليقين أو بالعمل بما ورد من الإمارات قوله: "لإحيائها" يحتمل إرتباطه بالغسل أي إنما ندب لإحيائها وفيه أن الأحياء مطلوب آخر ليس له تعلق.

ص: 108

"لدخول مدينة النبي صلى الله عليه وسلم" تعظيما لحرمتها وقدومه على حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم "و" ندب "للوقوف بمزدلفة" لأنه ثاني الجمعين ومحل إجابة دعاء سيد الكونين بغفران الدماء والمظالم لأمته "غداة يوم الفجر" بعد طلوع فجره لأن به يدخل وقت الوقوف بالمزدلفة ويخرج قبيل طلوع الشمس "وعند دخول مكة" شرفها الله تعالى "لطواف" ما ولطواف "الزيارة" فيؤدي الطواف بأكمل الطهارتين ويقوم بتعظيم حرمة البيت الشريف "و" يندب "لصلاة كسوف" الشمس وخسوف القمر لأداء سنة صلاتهما "واستسقاء" لطلب نزول الغيث رحمة للخلق بالاستغفار والتضرع بالصلاة بأكمل الطهارتين "و" لصلاة من "فزع" من مخوف التجاء إلى الله وكرمه لكشف الكرب عنه "و" من "ظلمة" حصلت نهارا "و" من "ريح شديد" في ليل أو نهار لأن الله تعالى أهلك به من طغى كقوم عاد فيلتجئ المتطهر إليه ويندب للتائب من ذنب وللقادم من سفر وللمستحاضة إذا

ــ.

بالغسل إلا أن يقال إنه يعين عليه فيطلب له أو ليكون الإحياء مؤدي بأكمل الطهارتين ويحتمل أنه مرتبط بقوله وردوا لمعنى أن العلامات الواردة بطلب الأحياء هي العلامات التي يطلب عند وجودها الغسل قوله: "ومحل إجابة دعاء سيد الكونين" أي بعد إن دعا به في جمع عرفة فأخرت عنه الإجابة إليه قوله: "وعند دخول مكة" هي أفضل الأرض عندنا مطلقا وفضل مالك المدينة والخلاف في غير البقعة التي دفن بها صلى الله عليه وسلم فإنها أفضل حتى من العرش والكرسي بالإجماع كما ذكره الشهاب في شرح الشفاء ولكل من مكة والمدينة أسماء كثيرة نحو مائة قال النووي ولا يعرف في البلاد أكثر أسماء منهما وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى قوله: "ولطواف الزيارة" سيأتي أنه يغتسل لرمي الجمار وتقدم أنه يغتسل لجمع مزدلفة وقد تجتمع الثلاثة في يوم واحد والظاهر أن غسلا واحدا يكفي لجميعها بالنية قوله: "ويقوم بتعظيم حرمة البيت" أي التعظيم الزائد وإلا فأصله يتحقق بالوضوء قوله: "لأداء سنة صلاتهما" أي بأكمل الطهارتين كما ذكره في الذي بعد قوله: "لطلب إستنزال الغيث" الأولى حذف اللام من طلب لأنه تفسير لإستسقاء كما أن الأولى حذف السين والتاء من إستنزال والإضافة في إستنزال الغيث من إضافة المصدر إلى المفعول قوله: "بالإستغفار الخ" تصوير للطلب أو الباء للسببية قوله: "من مخوف" بصيغة إسم الفاعل1 وهو إشارة إلى أن فزع مصدر بمعنى مفزع قوله: "التجاء إلى الله تعالى" أي وهو متلبس بأكمل الطهارتين فإنه أدعى لإزالته قوله: "فيلتجىء المتطهر إليه" أي المتطهر بأكمل الطهارتين قوله: "ويندب للتائب من ذنب" إزالة لأثر ما كان فيه وشكرا للتوفيق إلى التوبة قوله: "وللقادم من سفر"

1 قول وهو إشارة إلخ كأنه فهم أن قول من مخوف تفسير لقول المتن وفزع والظاهر أن قوله من خوف صلة لفزع تأمل اهـ مصححه.

ص: 109

انقطع دمها ولمن يراد قتله ولرمي الجمار ولمن أصابته نجاسة وخفي مكانها فيغسل جميع بدنه وكذا جميع ثوبه احتياطا "تنبيه عظيم" لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة بالإخلاص لله والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد وتطهير القلب عما سوى الله من الكونين فيعبده لذاته لا لعلة مفتقرا إليه وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه المضطر بها عطفا عليه فيكون عبدا فردا للمالك الأحد الفرد الذي لا يسترقك شيء من الأشياء سواه ولا

ــ.

للنظافة قوله: "وللمستحاضة الخ" لإحتمال تخلل حيض أثناء المدة قوله: "ولمن يراد قتله" ليموت على أكمل الطهارتين قوله: "ولمن أصابته نجاسة الخ" عده في البحر من الغسل المفروض وهو الذي تفيده عبارة السيد قال وهو الصحيح خلافا لمن قال إنه يطهر بغسل طرف منه اهـ قوله: "لا تنفع الطهارة الظاهرة" أي التي اشترطت في بعض العبادات والمعنى أنها لا تنفع نفعا تاما إذ لا ينكر أن وجودها ليس كعدمها قوله: "بالإخلاص الخ" تصوير للطهارة الباطنة قوله: "والنزاهة" أي التباعد قوله: "عن الغسل" قال في القاموس الغليل الحقد كالغل بالكسر والضغن اهـ وقال في مادة ح ق د حقد عليه كضرب وفرح حقدا وحقدا وحقيدة أمسك عداوته في قلبه وتربص لفرصتها كتحقد والحقود الكثير الحقد اهـ ومنه يعلم إن الغل والحقد شيء واحد وقال في مادة غ ش ش غشه لم يمحضه النصح أو أظهر خلاف ما يضمر والغش بالكسر الإسم منه والغل والحقد والغش بالضم الرجل الغاش اهـ فالغش في بعض تفاسيره يرجع إلى ما قبله وأما الحسد أعاذنا الله تعالى منه فمعلوم قوله: "وتطهير القلب" عطف على إخلاص أي يطهره بقطع العلائق عن جملة الخلائق وما تطمح إليه النفوس فلا يقصد إلا الله تعالى يعبده لإستحقاقه العبادة لذاته تعالى وإمتثالا لأمره ملاحظا جلالته وكبرياءه لا رغبة في جنة ولا رهبة من نار اهـ من الشرح قوله: "مفتقرا" أي مظهرا فقره إليه بأن يسأله حاجته الدينية والدنيوية إظهارا للفاقة والإضطرار إلى المولى الغني عن كل شيء بعد تطهير لسانه من اللغو فضلا عن الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وتزيينه بالتقديس والتهليل والتسبيح وتلاوة القرآن لعله أن يتصف ببعض صفات العبودية إذ هي الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود قاله في الشرح قوله: "بالمن" أي الإحسان لا بالوجوب عليه قوله: "المضطر بها" أي بسببها قوله: "عطفا عليه" بفتح العين أي رحمة وحنوا وبالكسر الجانب قوله: "فتكون عبدا فردا الخ" أي غير مشترك من كلام الحلاج نفعنا الله تعالى به من علامات العارف كونه فارغا من أمور الدارين مشتغلا بالله وحده وقال ليس لمن يرى أحدا أو يذكر أحدا أن يقول عرفت الأحد الذي ظهرت منه الآحاد وقال من خاف من شيء سوى الله أو رجا سواه أغلق عليه أبواب كل شيء وسلط عليه المخافة وحجب بسبعين حجابا أيسرها الشك اهـ قوله: "ولا يستملك" السين والتاء زائدتان أو أن النهي عن طلب الميل أبلغ من النهي عن الميل قوله: "قال.

ص: 110

‌فصل يسن الاغتسال لأربعة أشياء

ص: 11