المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الوتر وأحكامه - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح

[الطحطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌خطبة الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌مدخل

- ‌فصل في بيان أحكام السؤر

- ‌فصل في مسائل الآبار

- ‌فصل في الاستنجاء

- ‌فصل".فيما يجوز به الاستنجاء

- ‌فصل: في" أحكام "الوضوء

- ‌فصل".في تمام أحكام الوضوء

- ‌فصل".في سنن الوضوء

- ‌فصل: من آداب الوضوءأربعة عشر شيئا

- ‌فصل".في المكروهات

- ‌فصل في أوصاف الوضوء

- ‌فصل: نواقض الوضوء

- ‌فصل عشرة أشياء لا تنقض الوضوء

- ‌فصل: عشرة أشياء لا يغتسل منها مذي

- ‌فصل لبيان فرائض الغسل

- ‌فصل في سنن الغسل

- ‌فصل: وآداب الاغتسال

- ‌فصل يسن الاغتسال لأربعة أشياء

- ‌باب التيمم

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌فصل في الجبيرة ونحوها

- ‌باب الحيض والنفاس والاستحاضة

- ‌باب الأنجاس والطهارة عنها

- ‌فصل: يطهر جلد الميتة

- ‌كتاب الصلاة

- ‌مدخل

- ‌فصل" في الأوقات المكروهة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة وأركانها

- ‌فصل في متعلقات الشروط وفروعها

- ‌فصل في بيان واجب الصلاة

- ‌فصل في بيان سننها

- ‌فصل: من آدابها

- ‌فصل في كيفية ترتيب أفعال الصلاة

- ‌باب الإمامة

- ‌فصل: يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئا

- ‌فصل: في بيان الأحق بالإمامة

- ‌فصل: فيما يفعله المقتدي بعد فراغ إمامه من واجب وغيره لو سلم الإمام

- ‌فصل: في صفة الأذكار

- ‌باب فيما لا يفسد الصلاة

- ‌فصل في المكروهات

- ‌فصل في اتخاذ السترة ودفع المار بين يدي المصلى إذا ظن

- ‌فصل فيما لا يكره للمصلي

- ‌فصل فيما يوجب قطع الصلاة وما يجيزه

- ‌باب الوتر وأحكامه

- ‌فصل في بيان النوافل

- ‌فصل في تحية المسجد وصلاة الضحى وإحياء الليالي

- ‌فصل في صلاة النفل جالسا وفي الصلاة على الدابة وصلاة الماشي

- ‌فصل: في صلاة الفرض والواجب على الدابة

- ‌فصل في الصلاة في السفينة صلاة الفرض

- ‌فصل: في صلاة التراويح

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌باب صلاة المريض

- ‌فصل في إسقاط الصلاة والصوم

- ‌باب قضاء الفوائت

- ‌باب إدراك الفريضة

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصل في الشك

- ‌باب سجود التلاوة

- ‌فصل: سجدة الشكر مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله

- ‌باب الجمعة

- ‌باب أحكام العيدينمن الصلاة وغيرها سمي عيدا

- ‌باب صلاة الكسوف والخسوف

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب أحكام الجنائز

- ‌فصل الصلاة عليه

- ‌فصل السلطان أحق بصلاته

- ‌فصل في حملها ودفنها

- ‌فصل في زيارة القبور

- ‌باب أحكام الشهيد

- ‌كتاب الصوم

- ‌مدخل

- ‌فصل في صفة الصوم وتقسيمه

- ‌فصل فيما لا يشترط تبييت النية وتعيينها فيه وما يشترط

- ‌فصل فيما يثبت به الهلال وفي صوميوم الشك

- ‌باب في بيان ما لا يفسد الصوم

- ‌فصل في الكفارة وما يسقطها عن الذمة

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء

- ‌فصل يجب الإمساك

- ‌فيما يكره للصائم وما لا يكره وما يستحب

- ‌فصل في العوارض

- ‌باب ما يلزم الوفاء به

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مدخل

- ‌باب المصرف

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الحج

- ‌مدخل

- ‌فصل في كيفية ترتيب أفعال الحج

- ‌فصل القران

- ‌فصل التمتع

- ‌فصل العمرةسنة

- ‌باب الجنايات

- ‌فصل قوله: "ولا شيء بقتل غراب

- ‌فصل الهدي

- ‌فصل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌باب الوتر وأحكامه

"‌

‌باب الوتر وأحكامه

".

لما فرغ من بيان الفرض العلمي شرع في العملي وهو في اللغة الفرد خلاف الشفع بالفتح والكسر وفي الشرع صلاة مخصوصة وصفه بقوله "الوتر واجب" في الأصح وهو آخر أقوال الإمام وروى عنه أنه سنة وهو قولهما وروي عنه فرضين ووفق المشايخ بين الروايات بأن فرض عملا وهو الذي لا يترك واجب اعتقادا فلا يكفر جاحده سنة دليلا لثبوته بها وجه الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني" رواه أبو داود والحاكم وصححه والأمر

ــ

باب الوتر.

قوله: "لما فرغ من بيان الفرض العلمي" أي الإعتقادي الذي يكفر جاحده شرع في العملي أي فيما يفترض عمله لا اعتقاده قوله: "صلاة مخصوصة" وهي ثلاث ركعات بتسليمة واحدة وقنوت في الثالثة وبه فارق المغرب كما فارقها بوجوب قراءة الفاتحة والسورة في الثالثة قوله: "وروي عنه أنه سنة" وهي الرواية الثانية قوله: "وروي عنه أنه فرض" وهي الرواية الأولى عنه وبها قال الشيخ علم الدين السخاوي المقري وعمل فيه جزأ وساق الأحاديث الدالة على فرضيته ثم قال ولا يرتاب ذوقهم بعد هذا كذا في الشرح قوله: "ووفق المشايخ الخ" هذا التوفيق لبعضهم وأما من لم يوفق بهذا التوفيق وحمل الوجوب على حقيقته المصطلح عليها فيرد عليه إفساد صلاة الفجر بتذكره والواجب ليس كذلك ويمكن دفع الأشكال بما ذكره صاحب الكشف في التحقيق أن الواجب نوعان واجب في قوة الفرض كالوتر عند الإمام حتى منع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء وواجب دون الفرض في العمل فوق السنة كتعين الفاتحة حتى وجب سجود السهو بتركه ولكن لا يفسد الصلاة اهـ وذكر الكمال أن الفرض العملي أعلى قسمي الواجب وبه يظهر جمع آخر وهو أن المراد بالواجب الفرض العملي ويكون هو المراد لمن عبر بالوجوب مقتصرا واندفع الإشكال وأما القول بالسنية فهو مرجوح إن لم يحمل على الحمل المذكور واعلم أن وجوبه لا يختص بالبعض دون البعض بل يعم الناس كلهم من رقيق وأنثى وغيرهما بعد كونهم أهلا للوجوب وحديث الإعرابي حيث قال هل على غيرها أي الخمس فقال صلى الله عليه وسلم: "لا إلا أن تطوع" لا يدل على عدم وجوب الوتر لأنه كان أول الإسلام ثم وجب الوتر بعده قوله: "واجب اعتقادا" ينافيه ما في البحر من قوله واعتقاد الوجوب لا يجب على الحنفي ويجاب بأن المراد أنه يجري عليه حكم الواجب في الاعتقاد بحيث إذا أنكر افتراضه لا يكفر قوله: "والأمر" أي الضمني المأخوذ من الحديث المذكور أو الأمر الذي في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زادكم

ص: 374

وكلمة حق وعلى الوجوب "و" كميته "هو" في الوتر "ثلاث ركعات" يشترط فعلها "بتسليمة" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن" صححه الحاكم وقال على شرط الشيخين "ويقرأ" وجوبا "في كل ركعة منه الفاتحة وسورة" لما روي أنه عليه السلام "قرأ في الأولى منه أي بعد الفاتحة بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بـ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة بقل هو الله أحد وقنت قبل الركوع" وفي حديث عائشة رضي الله عنها " قرأ في الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين" فيعمل به في بعض الأوقات عملا - بالحديثين لا على الوجوب "ويجلس" وجوبا "على رأس" الركعتين "الأوليتين منه" للمأثور "ويقتصر على التشهد" لشبهة الفرضية "ولا يستفتح" أي لا يقرأ دعاء الافتتاح "عند قيامه للثالثة" لأنه ليس ابتداء صلاة أخرى "وإذا فرغ من قراءة السورة فيها" أي الركعة الثالثة "رفع يديه حذاء أذنيه" كما قدمناه إلا إذا قضاه حتى لا يرى تهاونه فيه برفعه يديه عند

ــ.

صلاة وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلا صلاة الصبح" قوله: "وعلى" أي في قوله صلى الله عليه وسلم الوتر واجب على كل مسلم وأجمعوا على أنه لا يصلي بدون نية الوتر وأنه لا يصح من قعود ولا على الدابة إلا من عذر وعلى وجوب القراءة في جميع ركعاته ولو اجتمع قوم على تركه أدبهم الإمام وحبسهم فإن لم يصلوه قاتلهم كذا في النهر عن التجنيس والمراد بوجوب القراءة إفتراضها أو يحمل على خصوص الفاتحة والسورة أفاده السيد قوله: "وكميته الخ" لا حاجة إلى التصريح بها لعلمه مما ذكره المصنف قوله: "ثلاث ركعات" بالتحريك وقد تسكن قوله: "كان يوتر بثلاث" وهذا مذهب الفقهاء السبعة وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن البصري قال أجمع السلف على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وهو مذهب أبي بكر وعمر والعبادلة وأبي هريرة روي أنعمر رضي الله تعالى عنه رأى سعيدا يوتر بركعة فقال: ما هذه البتيراء تشفعها أو لأؤدبنك اهـ وروي أن سعد بن أبي وقاص أوتر بركعة فقال له عبد الله بن مسعود: ما هذه البتيراء ما أجزأت ركعة قط وروي أنه حلف على ذلك اهـ كذا في الشرح قوله: "وقال على شرط الشيخين" شرط البخاري أنه لا بد من تحقق اللقي بين الراوي ومن روى عنه وشرط مسلم إمكان اللقي فكلما تحقق شرط البخاري تحقق شرط مسلم ولا عكس ومسلم تلميذ البخاري قال الدارقطني لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء قوله: "وفي حديث عائشة" رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من طريق عبد العزيز بن جريج عنها قوله: "فيعمل به في بعض الأوقات" أصله للكمال وتمام كلامه كما في الشرح ولكن قال اسحق أصح شيء ورد في قراءته صلى الله عليه وسلم في الوتر سبح وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وزيادة المعوذتين أنكرها الإمام أحمد ويحيى بن معين اهـ فهذا سر اقتصار أئمتنا على الإخلاص في الثالثة قوله: "إلا إذا قضاه" أي عند الناس بدليل ما بعده قوله: "برفعه" متعلق بيرى.

ص: 375

من يراه "ثم كبر" لانتقاله إلى حالة الدعاء "و" بعد التكبير "قنت قائما" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر قبل الركوع وعند الإمام يضع يمينه على يساره وعن أبي يوسف يرفعهما كما كان ابن مسعود يرفعهما إلى صدره وبطونهما إلى السماء روى فرج مولى أبي يوسف قال رأيت مولاي أبا يوسف إذا دخل في القنوت للوتر رفع يديه في الدعاء قال ابن أبي عمران كان فرج ثقة قال الكمال ووجهه عموم دليل الرفع للدعاء ويجاب بأنه مخصوص بما ليس في الصلاة للإجماع على أنه لا رفع في دعاء التشهد انتهى. قلت وفيه نظر لأثر ابن مسعود الذي تقدم قريبا وفي المبسوط عن محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة: دعاء رغبة ففيه يجعل بطون كفيه إلى السماء ودعاء رهبة ففيه يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء ودعاء تضرع ففيه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء خفية وهو ما يفعله المرء في نفسه كذا في معراج الدراية ولما رويناه يقنت "قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر" وهو الصحيح لقول أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب رعل وزكوان وعصية حين قتلوا القراء وهو سبعون أو ثمانون رجلا ثم تركه لما ظهر عليهم فدل على نسخه وروى ابن أبي

ــ.

قوله: "عند من يراه" أي سواء كان في مسجد أم في غيره وإذا لم يكن أحد عنده يرفع وفيه أن صلاته ثلاث ركعات تؤذن بالتهاون وقد يقال أن الرفع أشد إيذانا في ذلك قوله: "ثم كبر" التكبير المذكور مروي عن علي وابن عمر والبراء بن عازب وابن مسعود والحكمة في الجمع بين رفع اليدين والتكبير إعلام المعذورين من الأصم والأعمى قوله: "وبعد التكبير قنت قائما" مرة واحدة فمدرك الإمام في ثالثته لا يقنت في قضاء ما سبق به لأنه أول صلاته ولو أدرك المسبوق إمامه في ركوع الثالثة كان مدركا للقنوت فلا يقنت فيما يقضي كذا في الفتح قوله: "وعند الإمام" أي وأبي يوسف وهو الأصح وقال محمد يرسل لما مر في فصل الكيفية واختاره الطحاوي والكرخي كما في النهر وغيره قوله: "وعن أبي يوسف يرفعهما" في جوامع الفقه لو بسط يديه بعد الفراغ منه ومسح بهما وجهه قيل تفسد صلاته اهـ قوله: "ووجهه" أي وجه فعل أبي يوسف قوله: "للإجماع الخ" الدليل أخص من الدعوى وكيف لا والشافعي رضي الله عنه يقول برفع اليدين في قنوت الصبح ولا إجماع إلا به قوله: "وفيه" أي في الجواب بالتخصيص قوله: "دعاء رغبة" أي دال عليها وكذا يقال فيما بعده قوله: "ودعاء رهبة" كقوله ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم قوله: "كالمستغيث من الشيء" كأنه يدفعه عن نفسه قوله "ودعاء تضرع" كأن يقول اللهم إني عبدك الذليل الحقير المنكسر خاطره الخائف الوجل قوله: "ودعاء خفية" هذا إنما تحسن مقابلته لما سبق من جهة النطق وعدمه وإلا فدعاء السر لا يخرج عن الثلاثة قبله.

ص: 376

شيبة لما قنت علي رضي الله عنه في الصبح أنكر الناس عليه ذلك فقال: إنما استنصرنا على عدونا وفي الغابة: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر وهو قول الثوري وأحمد وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها اهـ فعدم قنوت النبي صلى الله عليه وسلم في الفجر بعد ظفره بأولئك لعدم حصول نازلة تستدعي القنوت بعدها فتكون مشروعيته مستمرة وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وهو مذهبنا وعليه الجمهور وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى إنما لا يقنت عندنا في الفجر من غير بلية فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد الركوع كما تقدم "والقنوت" من "معناه الدعاء" في الوتر "وهو"

ــ.

قوله: "لما قنت على الخ" روي أنه قنت في محاربة معاوية ومعاوية قنت في محاربته قوله: "إنما استنصرنا على عدونا" أي إنما نطلب بقنوتنا في الصبح النصر على عدونا أي كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "قنت الإمام في صلاة الجهر" الذي في البحر عن الشمني في شرح النقاية معزيا للغاية إذا نزل بالمسلمين نازلة قنت في صلاة الفجر وهو قول الثوري وأحمد قوله: "وقال جمهور أهل الحديث الخ" وهذه هي الموافقة لما نقله بعد عن الطحاوي وأما القنوت في الصلوات كلها عند النوازل فلم يقل به إلا الشافعي وليس مذهبنا كما صرح به العلامة نوح قال الحموي وينبغي أن يكون القنوت قبل الركوع في الركعة الأخيرة ويكبر له وفي الأشباه يقنت للطاعون لأنه من أشد النوازل بل ذكر أنه يصلي له ركعتان فرادى وينوي ركعتا رفع الطاعون والطاعون مصيبة وإن كان سببا للشهادة كملاقاة العدو ومحاربة الكفار فإنه قد ثبت سؤال العافية منها مع أنها ينشأ عنها الشهادة قال صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية" ولا يباح الدعاء على أحد من المسلمين بالموت بالطاعون ولا بشيء من الأمراض ولو كان في ضمنه الشهادة ويجوز الدعاء بطول العمر لأنه صلى الله عليه وسلم دعا لأنس به بل يندب وينبغي أن يقيد بمن في بقائه منفعة للمسلمين وفائدة الدعاء به أنه يجوز أن يقدر الله تعالى عمر زيد مثلا ثلاثين سنة أي في اللوح المحفوظ فإذا دعى له يزاد له وعلى هذا ينزل جميع أنواع الدعاء أفاده الحموي في حاشية الأشباه قوله: "بعد ظفره" بفتح الظاء والفاء قوله: "فتكون مشروعيته مستمرة" هذا رد لقوله سابقا فدل على نسخة قوله: "وهو محمل الخ" أي حصول نازلة قوله: "وهو مذهبنا وعليه الجمهور" أي القنوت للحادثة وإن خصصناه بالفجر لفعله صلى الله عليه وسلم وعممه الجمهور في كل الصلوات قوله: "أي بعد الركوع" هذا يخالف ما قدمناه عن الحموي قوله: "كما تقدم" أي من قول أنس قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب قوله: "من معناه الدعاء" فالإضافة فيه للبيان ويطلق على العبادة والطاعة وإقامة الطاعة والإقرار بالعبودية والسكون والصلا ة والقيام وطوله أفاده البدر العيني نقلا عن الحافظ العراقي قوله: "الذي روي عن ابن مسعود" أشار به إلى أن فيه روايات أخر

ص: 377

باللفظ الذي روي عن ابن مسعود "أن يقول اللهم" أي يا الله "إنا نستعينك" أي نطلب منك الإعانة على طاعتك "ونستهديك" أي نطلب منك الهداية لما يرضيك "ونستغفرك" أي نطلب منك ستر عيوبنا فلا تفضحنا بها "ونتوب إليك" التوبة الرجوع عن الذنب وشرعا الندم على ما مضى من الذنب والإقلاع عنه في الحال والعزم على ترك العود في المستقبل تعظيما لأمر الله تعالى فإن تعلق به حق لآدمي فلا بد من مسامحته وإرضائه "ونؤمن" أي نصدق معتقدين بقلوبنا ناطقين بلساننا فقلنا آمنا "بك" وبما جاء من عندك وبملائكتك وكتبك ورسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره "ونتوكل" أي نعتمد "عليك" بتفويض أمورنا إليك لعجزنا

ــ.

وهو كذلك ذكرها الجلال السيوطي في الدر المنثور بألفاظ مختلفة قوله: "أن يقول اللهم الخ" ذكر السيوطي أن دعاء القنوت من جملة الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم وكانا سورتين كل سورة ببسملة وفواصل إحداهما تسمى سورة الخلع وهي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك إلى قوله من يكفرك والأخرى تسمى سورة الحفد وهي بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد إلى ملحق وقد اختلفت الصحابة في نسخهما وكتبهما أبي في مصحفه فعدة سور القرآن عنده مائة وست عشرة سورة قوله: "أي نطلب منك الهداية لما يرضيك" المراد من الهداية الوصول لا الدلالة فقط قوله: "ستر عيوبنا" الأولى ستر ذنوبنا لأن العيب قد لا يكون ذنبا كالعور والشلل اللهم إلا أن يقال المراد ما يعيب الشارع عليه والستر إما بالمحو من الصحيفة أو بعدم المؤاخذة به وإن بقي فيها والأول أرجح قوله: "فلا تفضحنا" بفتح التاء والحاء المهملة قوله: "وشرعا الندم" وهو أعظم أركانها قوله: "والإقلاع عنه في الحال" أي إن كانت آلة الفعل حاضرة كأن تاب عن السكر وآلته بين يديه فيريقه ويبعد آلته عنه قوله: "والعزم على ترك العود" أفاد العارف ابن عربي أن هذا الشرط لا يلزم لأنه غيب فالأولى فيه التسليم وفيه أن المغيب هو العود فلا ينافي طلب العزم على عدمه في التوبة قوله: "فلا بد من مسامحته وإرضائه" أي برد الظلامة إليه إن أمكنه وإن لم يمكنه تصدق بقدرها إن كانت من الأموال وقال بعضهم أن التوبة تصح عنها في المستقبل ويكون ما عليه كالديون قوله: "ناطقين بلساننا" هذا جرى فيه على أن الإيمان قول وعمل ونسب إلى الإمام أو هو بيان لشرطه الدنيوي الذي تجري عليه الأحكام الظاهرة قوله: "فقلنا آمنا بك الخ" لما كان الإيمان به تعالى لا يتم إلا بالإيمان بما ذكر بعد قال ذلك قوله: "وبما جاء من عندك" فيه أنه لا يخرج عن الكتب والقدر وقد ذكرهما بعد قوله: "ورسلك" المراد بهم ما يعم الأنبياء فإن الإيمان بهم لازم قوله: "وباليوم الآخر" أي بوقوعه قوله: "وبالقدر خيره وشره" القدر إيجاد الله تعالى الأشياء على وفق ما أراده تعالى وكله من الله تعالى وهو من هذه الجهة جميل وإنما يقبح باكتساب العبد ونسبته إليه قوله: "بتفويض" الباء للتصوير قوله: "لعجزنا" أي عن جلب نفعنا ودفع شرنا

ص: 378

"ونثني عليك الخير كله" أي نمدحك بكل خير مقرين بجميع آلائك إفضالا منك "نشكرك" بصرف جميع ما أنعمت به من الجوارح إلى ما خلقته لأجله سبحانك لك الحمد لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك "ولا نكفرك" أي لا نجحد نعمة لك علينا ولا نضيفها إلى غيرك الكفر نقيض الشكر وأصله الستر يقال كفر النعمة إذا لم يشكرها كأنه سترها بجحد وقولهم كفرت فلانا على حذف مضاف والأصل كفرت نعمته ومنته ولا نكفرك "ونخلع" بثبوت حرف العطف أن نلقى ونطرح ونزيل ربقة الكفر من أعناقنا وربقة كل ما لا يرضيك يقال خلع الفرس رسنه ألقاه "ونترك" أي نفارق "من يفجرك" بجحده نعمتك وعبادته غيرك نتحاشى عنه وعن صفته بأن نفرضه عدما تنزيها لجنابك إذ كل ذرة في الوجود شاهدة بأنك المنعم المتفضل الموجود المستحق لجميع المحامد الفرد المعبود والمخالف لهذا هو الشقي المطرود "اللهم إياك نعبد" عود للثناء وتخصيص لذاته بالعبادة أي.

ــ.

قوله: "ونثني عليك الخير كله" قال في المغرب والخير منصوب على المصدر أي ثناء الخير فيفيد نوعا من التأكيد اهـ أو على أنه مفعول نثني أو على نزع الخافض أي بالخير قوله: "إفضالا منك" أي حال كونها إفضالا أو لأجل الإفضال أي وليست بطريق الإيجاب ولا الوجوب قوله: "بصرف جميع ما أنعمت به الخ" أشار به إلا أنه ليس تأكيد النثني بل تأسيس فتدبر قوله: "أنت كما أثنيت على نفسك" أنت مبتدأ والكاف بمعنى على أي أنت على الوجه الذي أثنتيت به على نفسك أو الكاف زائدة أي أنت الذي أثنيت على نفسك أو هو تأكيد للضمير المجرور بعلى أي لا نطيق ثناء عليك كثنائك على نفسك أو المعنى أنت كالذي أثنيته على نفسك أي ثناؤك المعتبر هو كالثناء الذي أثنيت به على نفسك قوله: "ونزيل ربقة الكفر" أي الكفر الشبيه بالربقة أي عروة الحبل وظاهره أن مفعول نخلع محذوف والذي يقتضيه اللفظ أن مفعوله قوله من يفجرك قوله: "وربقة كل ما لا يرضيك" شبه ما لا يرضيه تعالى بشخص له حبل يضعه في العنق وإسناد الربقة تخييل قوله: "نتحاشى عنه" عطف على قوله نفارق قوله: "بأن نفرضه عدما" الباء للسببية قوله: "المتفضل" أخص من المنعم لأن المنعم قد ينعم لمقابلة نعم عليه قوله: "الموجود" أي وجودا كاملا وهو الواجب قوله: "المستحق" أي الذي كل المحامد حقه قوله: "والمخالف لهذا الخ" أي فنتركه ولا نميل إليه من جهة الدين وأما النكاح فمن قبيل المعاملات فليس في تزوج الكتابية ميل إليها من هذه الجهة قال في الذخيرة إذا دخل يهودي الحمام هل يباح للخادم المسلم أن يخدمه طمعا في فلوسه فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له إن كان ليميل قلبه إلى الإسلام فلا بأس به وإن فعل ذلك تعظيما له من غير أن ينوي شيئا مما ذكرناه كره ذلك وكذا إذا دخل ذمي على مسلم فقام له إن قام طمعا في ميله إلى الإسلام فلا بأس وإن فعل ذلك تعظيما من غير أن ينوي شيئا مما ذكرناه أو قام تعظيما لغناه كره له ذلك اهـ.

ص: 379

لا نعبد إلا إياك إذ تقديم المفعول للحصر "ولك نصلي" أفردت الصلاة بالذكر لشرفها بتضمنها جميع العبادات "ونسجد" تخصيص بعد تخصيص إذ هو أقرب حالات العبد من الرب المعبود "وإليك نسعى" هو إشارة إلى قوله في الحديث حكاية عنه تعالى: "من أتاني سعيا أتيته هرولة" والمعنى نجهد في العمل لتحصيل ما يقربنا إليك "ونحفد" نسرع في تحصيل عبادتك بنشاط لأن الحفد يعني السرعة ولذا سميت الخدم حفدة لسرعتهم في خدمة ساداتهم وهو بفتح النون ويجوز ضمها وبالحاء المهملة وكسر الفاء وبالدال المهملة يقال حفد وأحفد لغة فيه ولو أبدل الدال ذالا معجمة فسدت صلاته لأنه كلام أجنبي لا معنى له "نرجو" أي نؤمل "رحمتك" دوامها وإمدادها وسعة عطائك بالقيام لخدمتك والعمل في طاعتك وأنت كريم فلا تخيب راجيك "ونخشى عذابك" مع اجتنابنا ما نهيتنا عنه فلا نأمن مكرك فنحن بين الرجاء والخوف وهو إشارة إلى المذهب الحق فإن

ــ.

قوله: "إذ تقديم المفعول للحصر" كتقديم الظرف فيما بعد قوله: "بتضمنها جميع العبادات" من قيام وركوع وسجود وقعود وتكبير وثناء ودعاء وقراءة وتسبيح وتهليل وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء للمؤمنين وخشوع قوله: "إذ هو أقرب الخ" أي قرب مكانة لا مكان وهذا مما يدل على أن الله تعالى ليس في جهة قوله: "من أتاني سعيا أتيته هرولة" أي من اجتهد في طاعتي قابلته بأعظم منها قوله: "والمعنى نجهد في العمل" أي وليس المراد السعي بسرعة لأنه منهي عنه قوله: "نسرع في تحصيل عبادتك" فالعطف من عطف المرادف قوله: "بنشاط" أخذه من المقام قوله: "ولذا سميت الخدم حفدة" ويسمى أولاد الأولاد حفدة لأنهم كالخدم في الصغر كما في المصباح قوله: "ويجوز ضمها" فيكون من الرباعي قوله: "وأحفد لغة فيه" وبعضهم يجعله لازما مختار الصحاح قوله: "لا معنى له" 1 فيه أنه ورد في صفة البراق له جناحان يحفذ بهما أي يستعين بهما على السير ويسرع قوله: "نرجو رحمتك" أي إنعامك وإحسانك قوله: "وإمدادها" أي ازديادها قوله: "وسبعة عطائك" أي عطاءك الواسع وأخذ ذلك من إسناد الرحمة إليه تعالى قوله: "بالقيام الخ" أي مع القيام وإنما قال ذلك لأن الرجاء تعلق القلب بمرغوب فيه مع الأخذ في الأسباب وإلا فهو الطمع قوله: "فنحن بين الرجاء والخوف" قال الغزالي والعمل مع الرجاء أعلى منه مع الخوف والجمهور على أن الأفضل تكثير الخوف مع الصحة وتكثير الرجاء مع الضعف والرجاء بالمد وأما بالقصر فهو ناحية البئر وقد يمد قوله: "فإن أمن المكر" أي إنقلاب الحال وأمن المكر إطمئنان القلب بحيث يجزم بالنجاة قوله: "كفر" حمله بعضهم على الحقيقة وبعضهم قال

1 قوله فيه أنه ورد إلخ منه أن الوارد فيها يحفز بالزاي لا بالذال المعجمة ولا وجود لمادة ح ف ذ في القاموس ولا في المصباح ولا في الصحاح اهـ.

ص: 380

أمن المكر كفر كالقنوت من الرحمة وجمع بين الرجاء والخوف لأن شأن القادر أن يرجى نواله ويخاف نكاله وفي الحديث "لا يجتمعان في قلب عبد مؤمن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف" فلإنعامك علينا بالإيمان وتوفيقك للعمل بالأركان ممتثلين لأمرك مقتصرين على القلب واللسان إذ هو طمع الكاذبين ذوي البهتان نعتقد ونقول "إن عذاب الجد" أي الحق وهو بكسر الجيم اتفاقا بمعنى الحق وهو ثابت في مراسيل أبي داود فلا يلتفت لمن قال أنه لا يقول الجد "بالكفار ملحق" أي لاحق بهم بكسر الحاء أفصح وقيل بفتحها يعني أن الله سبحانه وتعالى ملحقه بهم ولما روى النسائي بإسناد حسن أن في حديث القنوت "وصلى الله على النبي" صلينا عليه صلى الله عليه "و" على "آله وسلم" كما

ــ.

معناه أنه يوصل إليه بسبب استرساله في المعاصي قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} قوله: "كالقنوط من الرحمة" أي اليأس منها والجزم بأنه من أهل العذاب فإنه يؤدي إلى تقليل العمل وإنكار الرحمة وفيه ما تقدم في الأمن قال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} قوله: "أني يرجى نواله" أي إنعامه ونكاله عقابه قوله: "لا يجتمعان الخ" قد علمت أن الرجاء لا يتحقق إلا مع الأعمال الصالحة وإلا فهو طمع قوله: "بالأركان" أي الأعضاء قوله: "ممتثلين لأمرك" حال مؤكدة قوله: "لا مقتصرين على القلب واللسان" بأن يرجو بقلبه أو ينطق بلسانه من غير عمل الأركان قوله: "ذوي البهتان" هو الكذب وفسره في القاموس بأن يقول على الشخص ما لم يفعل قوله: "نعتقد ونقول" معلول مؤخر عن علته وهو قوله فلإنعامك علينا بالإيمان ولا شك أن هذا الإعتقاد والقول علته الإنعام بالإيمان قوله: "بكسر الحاء" قالالنووي هذا هو المشهور وقالالجزري هكذا روينا قوله: "وقيل بفتحها" قاله ابن قتيبة وغيره ونص الجوهري على أنه صواب قوله: "وصلى الله على النبي" هذا هو الذي رواه النسائي فقط بدون وعلى آله وسلم كما يفهم من الشرح قوله: "صلينا" معلول لقوله ولما روى النسائي قوله: "وعلى آله وسلم" في الواقعات بعد ما ذكر اختيار الفقيه أبي الليث أنه يصلي قال والمستحب في كل دعاء أن يكون فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" اهـ فهذا يفيد أن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت بهذه الكيفية ويشهد له ما أخرجه النسائي بسند صحيح عن زيد بن خارجة قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليك فقال: "صلوا علي واجتهدوا في الدعاء وقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعنه صلى الله عليه وسلم الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى على فلا تجعلوني كغمر الراكب صلوا علي في أول الدعاء وأوسطه وآخره"1.

1 قوله والغمر بكسر الغين إلخ الذي في القاموس والصحاح أنه كصرد وأورد الحديث في اللسان مضبوطا هكذا فتنبه.

ص: 381

اختار الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى أنه يصلي في القنوت على النبي صلى الله عليه وسلم "والمؤتم يقرأ القنوت كالإمام" على الأصح ويخفي الإمام والقوم على الصحيح لكن استحب للإمام الجهر في بلاد العجم ليتعلموه كما جهر عمر رضي الله عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق ولذا فصل بعضهم إن لم يعلم القوم فالأفضل للإمام الجهر ليتعلموا وإلا فالإخفاء أفضل "وإذا شرع الإمام في الدعاء" وهو اللهم اهدنا الخ كما سنذكره "بعد ما تقدم" من قوله: "اللهم إنا نستعينك الخ""قال أبو يوسف رحمه الله يتابعونه ويقرؤونه معه" أيضا "وقال محمد لا يتابعونه" فيه ولا في القنوت الذي هو اللهم إنا نستعينك ونستغفرك "ولكن يؤمنون" على دعائه والدعاء قال طائفة من المشايخ أنه لا توقيت فيه والأولى أن يقرأ بعد المتقدم قنوت الحسن بن علي رضي الله عنهما قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر وفي لفظ في قنوت الوتر ورواه الحاكم وقال فيه إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت وتعاليت وحسنه الترمذي وزاد البيهقي بعد واليت ولا يعز من عاديت وزاد النسائي بعد وتعاليت وصلى الله على النبي فهو كما ترى بصيغة الإفراد المروى عنه صلى الله عليه وسلم حال

ــ.

والغمر بكسر الغين المعجمة القدح الصغير قوله: "كما اختار الفقيه أبو الليث" في الحلبي عن ابن الهمام لا ينبغي أن يعدل عن هذا القول وهو الحق كما في البحر وابن أميرحاج قوله: "هو الصحيح" والأصح كما في المحيط والمختار كما في المجمع والهداية وفي الذخيرة أن الإمام يتوسط في قراءة القنوت فلا يجهر جدا ولا يخافت جدا حتى يتمكن المتقدي أن يقرأ خلفه وهو المختار اهـ قوله: "قال أبو يوسف رحمه الله يتابعونه الخ" من القواعد أن يقدم قول أبي يوسف على قول محمد عند الإطلاق قال المنلا علي في شرح الحصن وينبغي تقديم هذا لأنه أصح وقال ابن الهمام الأولى أن يؤخر لأن الصحابة اتفقوا على اللهم إنا نستعينك الخ قوله: "والدعاء" مبتدأ خبره قوله قال طائفة الخ وأخرج المصنف عن إعرابه قوله: "إنه لا توقيت فيه" الأفضل أن يكون الدعاء موقتا لأن الداعي ربما يكون جاهلا فيدعو بما يقطع الصلاة ولا يعلمه كذا في غاية البيان وقول محمد ليس في القنوت دعاء موقت يعني غير اللهم إنا نستعينك الخ اللهم اهدنا بناية ورجحه ابن أميرحاج لما تقدم وتبركا لمأثور قوله: "إذا رفعت رأسي الخ" هذا لا يؤيد المذهب إلا أنه عارضه ما هو أصح منه عند أهل المذهب فقدموه قوله: "فيمن هديت" أي معهم قوله: "وقني شر ما قضيت" أي قضاء معلقا أو قني شره المهم بحيث يقع بلطف قوله: "من واليت" من كنت مواليا له قوله: "لما كان يفعله" أي في دعائه على أحياء من العرب.

ص: 382

دعائه في قنوت الفجر لما كان يفعله قال الكمال ابن الهمام لكنهم أي المشايخ لفقوه من حديث في حق الإمام عام لا يخص القنوت فقالوه بنون الجمع أي اللهم اهدنا وعافنا وتولنا إلى أخره انتهى. قلت ومنهم صاحب الدرر والغرر والبرهان "والدعاء" الذي قالوه "هو اللهم اهدنا" ورواية الحسن اهدني كما نبهنا عليها - أصل الهداية الرسالة والبيان كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فأما قوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فهي من الله تعالى التوفيق والإرشاد فطلب المؤمنين مع كونهم مهتدين بمعنى طلب التثبيت عليها أو بمعنى المزيد منها "بفضلك" لا وجوب عليك وهذه الزيادة ليست في قنوت الحسن اللهم اهدني "فيمن هديت" أي مع من هديته "وعافنا" العافية السلامة من الأسقام والبلايا والمحن والمعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك "فيمن عافيت" أي مع من عافيته "وتولنا" من توليت الشيء إذا اعتنيت به ونظرت فيه بالمصلحة كما ينظر الولي في حال اليتيم لأنه سبحانه ينظر في أمور من تولاه بالعناية "فيمن توليت" أي مع من توليت أمره من عبادك المقربين "وبارك لنا فيما أعطيت" البركة الزيادة من الخير فطلب ترقيا على

ــ.

قوله: "من حديث في حق الإمام عام" هو لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه أبو داود وحسنه الترمذي قوله: "أصل الهداية الرسالة والبيان" الذي في القاموس الهدى بضم الهاء وفتح الدال الرشاد والدلالة وتذكرو النهار هداه هدى وهديا وهداية وهدية بكسرهما أرشده فتهدي واهتدى وهداه الله الطريق وإليه وله اهـ فلم توجد بمعنى الإرسال والبيان إلا أن البيان لازم الرشاد والدلالة قوله: "وأنك لتهدي" أي لتدل قوله: "إنك لا تهدي" أي لا توصل ولكن الله يهدي أي يوصل قوله: "فهي من الله تعالى التوفيق" الأولى حذف قوله من الله لأنها تفسر بالتوفيق الملزوم للإيصال في قوله تعالى إنك لا تهدي كما تفسر به فيما بعد قوله: "فطلب المؤمنين" أي إذا علمت أنها من الله التوفيق والمؤمن موفق فطلبه مع حصوله يحمل على طلب الدوام عليه أو المزيد منه ومنه اللهم إهدنا قوله: "بفضلك" أي بإحسانك والباء للسببية قوله: "والبلايا والمحن" أي دنيا وأخرى فهي لفظ عام تحته كل خير والمفاعلة على غير بابها قوله: "من الناس" أي من شرورهم قوله: "ويعافيهم منك" هذا بيان للمفاعلة التي تكون من الجانبين قوله: "وتولنا" ولاية الله تعالى لعبده إرادة توفيقه وتأييده وتقريبه وإكرامه كذا في الشرح قوله: "من توليت الشيء" ويجوز أن يكون من وليت الشيء إذا لم يكن بينك وبينه واسطة والمعنى أنه يقطع الوسائط بينه وبين الله سبحانه وتعالى حتى يصير في مقام المراقبة والمشاهدة وهو مقام الإحسان كذا في الشرح قوله: "الزيادة من الخير" وقيل حلول الخير الإلهي في الشيء قوله: "ترقيا على المقامين السابقين" وهما مقام المعافاة ومقام الموالاة يعني أنه يطلب الزيادة فيهما

ص: 383

المقامين السابقين ثم رجع إلى مقام الخشية والجلال فقال: "وقنا" من الوقاية وهي الحفظ بالعناية بدفع "شر ما قضيت" لالتجائنا إليك "إنك تقضي" بما شئت "ولا يقضي عليك" لأنك المالك الواحد لا شريك لك في الملك فنطلب موالاتك "لأنه لا يذل من واليت" لعزتك وسلطان قهرك "ولا يعز من عاديت" ذلك بأن تقدست وتنزهت فهي صفة خاصة لا تستعمل إلا لله "ربنا" أي سيدنا ومالكنا ومعبودنا ومصلحنا وقال البيضاوي تبارك الله تعالى شأنه في قدرته وحكمته فهو معنى "وتعاليت" - ووجه تقديم تباركت الاختصاص به سبحانه - "وصلى الله على النبي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" لما روينا "ومن لم يحسن" دعاء "القنوت" المتقدم قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى "يقول اللهم اغفر لي" ويكررها "ثلاث مرات أو" يقول "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" في التجنيس هو اختيار مشايخنا "أو" يقول "يا رب يا رب يا رب" ثلاثا ذكره الصدر الشهيد فهذه ثلاثة أقوال مختارة "وإذا اقتدى بمن يقنت في الفجر" كشافعي "قام معه

ــ.

أي فإذا عانيتنا وتوليتنا فبارك لنا في ذلك ويدخل في المقامين كل نعمة وخير قوله: "من الوقاية" فق أصله أوق حذفت الواو ولوقوعها بين كسرتين ثم الهمزة للإستغناء عنها قوله: "بالعناية" أي مع العناية قوله: "بدفع" لا حاجة إليه لأن المعنى اجعل بيننا وبين ذلك الشر وقاية وحافظا قوله: "إنك تقضي" أي تحكم وتفعل أي تجري أفعالا وتبديها على حسب ما سبق في العلم والإرادة أو المعنى إنك قضيت ويكون المراد به إرادة الله تعالى المتعلقة بالأشياء أزلا قوله: "فنطلب موالاتك" أفاد به أنه تعليل لقوله وتولنا كما أن قوله إنك تقضي علة لقوله وقنا شر ما قضيت قوله: "وسلطان قهرك" أي قوة قهرك قوله: "وأن الكافرين لا مولى لهم" كولاية المؤمنين بالعناية واللطف قوله: "ومن يهن الله" المفعول محذوف أي من يهنه الله قوله: "فهو معنى وتعاليت" معنى مضاف وجملة تعاليت مضاف إليه قوله: "ومن لم يحسن الخ" التقييد به ليس بشرط بل يجوز لمن يعرف الدعاء المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر أفاده صاحب البحر.

قوله: "أو يقول ربنا آتنا الخ" قال صاحب البحر الظاهر أن الإختلاف في الأفضلية لا في الجواز وإن قوله ربنا الخ أفضل لشموله قوله: "وإذا اقتدى بمن يقنت الخ" قال في الهداية ودلت المسئلة على جواز الإقتداء بالمخالف يعني شافعيا كان أو غيره وجه الدلالة إن اختلافهم في أنه يتابعه أو لا فرع صحة الإقتداء إذا كان يحتاط في مواضع الإختلاف كأن يجدد الوضوء بخروج نحو دم وأن يمسح ربع رأسه وأن يغسل ثوبه من مني أو يفركه إذا حف وأن لا يقطع وتره بسلام على الصحيح وأن يرتب بين الفوائت والجامع لهذه الأمور.

ص: 384

في" حال "قنوته ساكتا في الأظهر" لوجوب متابعته في القيام ولكن عندهما يقوم ساكتا وقال أبو يوسف يقرؤه معه لأنه تبع للإمام والقنوت مجتهد فيه فصار كتكبيرات العيدين والقنوت في الوتر بعد الركوع "ويرسل يديه في جنبيه" لأنه ذكر ليس مسنونا "وإذا نسي القنوت في" ثالثة "الوتر وتذكره في الركوع أو" في "الرفع منه" أي من الركوع "لا يقنت" على الصحيح لا في الركوع الذي تذكر فيه ولا بعد الرفع منه ويسجد للسهو "ولو قنت بعد رفع رأسه من الركوع لا يعيد الركوع ويسجد للسهو لزوال القنوت عن محله الأصلي" وتأخير الواجب "ولو ركع الإمام قبل فراغ المقتدي من قراءة القنوت أو قبل شروعه فيه وخاف فوت الركوع" مع الإمام "تابع إمامه" لأن اشتغاله بذلك يفوت واجب المتابعة فتكون أولى وإن لم يخف فوت المشاركة في الركوع يقنت جمعا بين الواجبين "ولو ترك الإمام القنوت يأتي به المؤتم إن أمكنه مشاركة الإمام في الركوع" لجمعه بين الواجبين بحسب الإمكان "وإن" كان "لا" يمكنه المشاركة "تابعه" لأن متابعته أولى "ولو أدرك الإمام في ركوع الثالثة من الوتر كان مدركا للقنوت" حكما "فلا يأتي به فيما سبق به" كما لو قنت المسبوق

ــ.

أن لا يتحقق منه ما يفسد صلاته بناء على أن المعتبر رأي المقتدي وهو الصحيح الذي عليه الأكثرون وقيل رأى الإمام وعليه الهندواني وجماعة وقال في النهاية أنه الأقيس وعليه فيصح الإقتداء وإن لم يحط نهر وغيره وتظهر الثمرة فيما إذا رأى من إمامه ما يفسد الصلاة عند ذلك الإمام دون المقتدي وقد شرع في الصلاة غير عالم به تجوز صلاته على قول الأكثر لا على قول الهندواني وفي شرح السيد وكل من القولين مرجح قوله: "والقنوت في الوتر بعد الركوع" بالجر عطفا على تكبيرات يعني أنه يتابعه فيه ويقرؤه لأنه مجتهد فيه فصار كتكبيرات العيدين ولهما أن قنوت الفجر منسوخ على ما تقدم فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة فإنه لا يتابعه ويصح الإقتداء فيه بمن يراه سنة لكن بشرط أن يؤديه بتسليمة واحدة وإلا لا يصح على ما عليه الأكثر قوله: "على الصحيح" هذا مرتبط بقوله وتذكره في الركوع وأما في الصورة الثانية وهي ما بعد الرفع فإنه لا يعيده إتفاقا ولو أخر قوله وتذكره في الركوع ليربطه به لكان أولى أفاده السيد قوله: "لا يعيد الركوع" ظاهره أنه يحرم عليه إعادته لإتيانه بما ليس من الصلاة وفي شرح السيد مراده من عدم إعادة الركوع أن صحة صلاته لا تتوقف على إعادته وليس المراد أنه ممنوع من إعادته اهـ والظاهر ما قلنا قوله: "وتأخير الواجب" عطف مرادف قوله: "لأن اشتغاله الخ" وتعلل المسئلة الأولى بأن القنوت ليس بمؤقت في ظاهر الرواية فما أتى به منه يكفيه قوله: "يفوت واجب المتابعة" أي المتابعة الواجبة قد يقال في المسئلة الثانية أن القنوت واجب أيضا فمقتضاه التخيير له بل يدعي أن الإتيان بالقنوت أولى لأنه لا يمكنه تداركه بخلاف الركوع

ص: 385

معه في الثالثة أجمعوا أنه لا يقنت مرة أخرى فيما يقضيه لأنه غير مشروع وعن أبي الفضل تسويته بالشاك وسيأتي في سجود السهو "ويوتر بجماعة" استحبابا "في رمضان فقط" عليه إجماع المسلمين لأنه نقل من وجه والجماعة في النقل في غير التراويح مكروهة فالاحتياط تركها في الوتر خارج رمضان وعن شمس الأئمة أن هذا فيما كان على سبيل التداعي أما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره وإذا اقتدى ثلاثة بواحد اختلف فيه وإذا اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقا "وصلاته" أي الوتر "مع الجماعة في رمضان أفضل من أدائه منفردا آخر الليل في اختيار قاضيخان قال" قاضيخان رحمه الله "هو الصحيح" لأنه لما جازت الجماعة كان أفضل ولأن عمر رضي الله عنه كان يؤمهم في الوتر "وصححه غيره" أي غير قاضيخان "خلافه" قال في النهاية حكاية هذا واختار علماؤنا أن يوتر في منزله لا بجماعة لعدم اجتماع الصحابة على الوتر بجماعة في رمضان لأن عمر رضي الله تعالى عنه كان يؤمهم فيه وأبي بن كعب كان لا يؤمهم وفي الفتح والبرهان ما يفيد أن قول قاضيخان أرجح لأنه صلى الله عليه وسلم أوتر بهم فيه ثم بين عذر الترك وهو خشية أن يكتب علينا قيام رمضان وكذا الخلفاء الراشدون صلوه بالجماعة ومن تأخر عن الجماعة فيه أحب صلاته آخر الليل والجماعة إذ ذاك متعذرة فلا يدل على أن الأفضل فيه ترك الجماعة أول الليل انتهى. وإذا صلى الوتر قبل النوم ثم تهجد لا يعيد الوتر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة".

ــ.

قوله: "لأنه غير مشروع" أي الإتيان به مرة ثانية قوله: "وعن أبي الفضل الخ" راجع إلى المصنف للإجماع على الثانية أو للثانية والرواية هذه لا تعتبر لخرقها الإجماع قوله: "فالاحتياط تركها في الوتر خارج رمضان" وما في النوازل عن المغني الإقتداء في الوتر خارج رمضان جائز فلا ينافي الكراهة لأن معناه صحيح قوله: "أن هذا" أي كراهة الجماعة في النفل أو ما في حكمه كالوتر إذا كان على سبيل التداعي أي طريق يدعو الناس للإجتماع عليهم قوله: "لا يكره" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أم ابن عباس في صلاة الليل وكان يوقظ عائشة فتوتر معه وصح أنه صلى الله عليه وسلم أم أنسا واليتيم والعجوز فصلى بهم ركعتين وكانت نافلة قوله: "اختلف فيه" والأصح عدم الكراهة قوله: "قال في النهاية" ومثله في الظهيرية والذخيرة قال في النهر وهو يقتضي أن المذهب خلاف ما في الخانية وأنه ترجيح منه لا اختيار في المذهب اهـ.

قوله: "وهو خشية أن يكتب علينا" لأنه زمن تجدد الفرائض قوله: "دذاك" أي آخر الليل قوله: "لا وتران في ليلة" لا عاملة عمل ليس أو عمل إن وجرى على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع أحواله والمعنى لا يوتر لليلة وتران فلا ينافي أنه يقضي وترين وأكثر في ليلة والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.

ص: 386