الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الأول: دليل الحيران على مورد الظمآن في فني الرسم والضبط
بسم الله الرحمن الرحيم
مدخل
لدراسة القراءات والقراء:
القراءات: تجمع القراءة، وتطلق في اللغة على أنها مصدر: قرأ، كما اصطلح عليها أنها علم بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم، ويتجلى ذلك في التخفيف، والتشديد، والترقيق والتفخيم1، واختلاف ألفاظ الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، للإعجاز والبيان.
والقراءات هي اختلاف الوحي في الحروف وكيفيتها، غير أنها تعتمد كلية على التلقي والمشافهة؛ لأن هذا العلم الإسلامي الخالص لا يحكم إلا بالسماع والمشافهة، ولذا فقد اشترط العلماء في صحتها ضوابط منها:
1-
أن توافق القراءة رسم المصحف العثماني.
2-
أن تنقل بالتواتر؛ لأن القراءات الصحيحة لا تثبت إلا السند الصحيح المتواتر حتى، ولو وافقت رسم المصحف الإمام.
3-
أن توافق وجها من وجوه اللغة العربية2.
فإذا تحققت هذه الضوابط تحققت صحة القراءة، وإذا اختل ضابط منها اختلت القراءة، وضعف العمل بها.
والقراءات القرآنية وحي من عند الله تلقاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله بواسطة ملك الوحي جبريل عليه السلام، ولقنه النبي عليه الصلاة والسلام لصحابته، وعنه نقلت القراءات القرآنية بالتواتر، لقد روي عن الإمام ابن تيمية فتوى برواية ابن العباس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم: أن جبريل كان يعارض النبي عليه الصلاة والسلام بالقرآن في كل مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضة مرتين3، ويعزز ما أوجده الإمام ابن تيمية في هذه
1 البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 318.
2 الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 1/ 80.
3 فتاوي ابن تيمية: 13/ 395.
الرواية حديث الأحرف السبعة، ونص حديث الأحرف السبعة أخرجه الإمام البخاري، والإمام مسلم في صحيحيهما برواية الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه1.
والقراءات القرآنية هي أهم، وأصعب ما واجه كتبة المصحف الشريف، ولا سيما أن المصحف كان خاليا من الإعجام والشكل، فكان ذلك الحل الأوفق لمشكلة استيعاب جل القراءات، فاتسع المصحف لجل هذه القراءات التي تواترت إلى اليوم وإلى ما شاء الله.
القرآن الكريم والقراءات القرآنية:
من المعروف أن تدوين القرآن الكريم بدئ، وشرع فيه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. وكان كتاب النبي عليه الصلاة والسلام يكتبون الوحي، ومن هؤلاء الخلفاء الأربعة، ومعاوية، وإبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وأرقم بن أبي، وحنضلة بن ربيع. فكان عليه الصلاة والسلام إذا نزل عليه شيء أمر أحد كتابه بكتابة ما أنزل عليه، فيما تيسر لهم حتى في العظام، والرقاق، وجريد النخل ورقيق الحجارة.
جمع القرآن الكريم:
وقد جمع القرآن الكريم لأول مرة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه2، بإشارة ثم بإلحاح شديد من عمر بن الخطاب3، وذلك بعد موقعة اليمامة، مع مدعي النبوة مسيلمة الكذاب، وفي عهد الخليفة الثالث4، عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن الكريم في المصحف الإمام من طرف مجموعة من الصحابة رضوان الله عليهم بتكليف من الخليفة عثمان، وهؤلاء هم.
1 أخرجه الإمام البخاري في صحيحه بشرح فتح الباري لابن حجر: 6/ 152، 9/ 30 والإمام مسلم في صحيحه: 2/ 202.
2 ترجمته: في أسد الغابة: 3/ 309، وتاريخ الخلفاء: 27، وتذكرة الحفاظ: 1/ 2، والشذرات: 1/ 27 وطبقات ابن سعد: 3/ 119، والعبر: 1/ 16، ومروج الذهب: 2/ 305.
3 ترجمته: في أسد الغابة: 4/ 145، وتاريخ الخلفاء: 108، وتذكرة الحفاظ 1/ 5، وخلاصة تذهيب الكمال: 33 وطبقات ابن سعد: 3/ 190، وطبقات القراء: 1/ 59، والعبر: 1/ 27، ومروج الذهب: 2/ 312 والنجوم الزاهرة: 1/ 78.
4 ترجمته: في أسد الغابة: 3/ 584، والإصابة: 2/ 455، وتاريخ الخلفاء: 47
وتذكرة الحفاظ: 1/ 8، وخلاصة تذهيب الكمال: 221، والشذرات: 1/ 40، وطبقات ابن سعد: 3/ 36، وطبقات القراء: 1/ 507 والعبر: 1/ 36، ومروج الذهب:
2/ 340، والنجوم الزاهرة: 1/ 92.
1-
زيد بن ثابت. تـ/ 54هـ1.
2-
سعيد بن العاص. تـ/ 58هـ2.
3-
عبد الرحمن بن الحارث. تـ/ 43هـ3.
4-
عبد الله بن الزبير. تـ/ 43هـ4.
5-
أبو الدرداء. تـ/ 32هـ5.
6-
سعيد بن عبيد بن النعمان. تـ/ 16هـ6، وهو أول من جمع القرآن الكريم على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
فأعد هؤلاء الصحابة المصاحف المستحسنة على الوجه المطلوب والمرغوب فيه، وأرسلت إلى الأمصار وقتئذ، وأرسل مع كل مصحف مقرئ لإقراء الناس ما يحتمله المصحف الشريف، فأرسل:
1-
زيد بن ثابت مع مصحف المدينة7.
2-
عبد الله بن السائب. تـ/ 70هـ مع مصحف مكة8.
1 ترجمته: في أسد الغابة: 4/ 145، والآصابة: 2/ 511، وتاريخ الخلفاء: 108، وتذكرة الحفاظ: 1/ 5، وخلاصة تذهيب الكمال: 33، وطبقات ابن سعد: 3/ 190، وطبقات القراء: 1/ 591، والعبر: 1/ 27، ومروج الذهب: 2/ 312، والنجوم الزاهرة: 1/ 78.
2 ترجمته: في أسد الغابة: 3/ 584، والإصابة: 2/ 455، وتاريخ الخلفاء: 47، وتذكرة الحفاظ: 1/ 8، وخلاصة تذهيب الكمال: 221، والشذرات: 1/ 40، وطبقات ابن سعد: 3/ 36، وطبقات القراء: 1/ 507 والعبر: 1/ 36، ومروج الذهب: 2/ 340، والنجوم الزاهرة: 1/ 92.
3 ترجمته: في أسد الغابة: 2/ 278، والاصابة: 1/ 543، وتذكرة الحفاظ: 1/ 30، وخلاصة تذهيب الكمال: 108، والشذرات: 1/ 54، وطبقات الشيرازي: 46، وطبقات القراء لابن الجزري: 1/ 296، وطبقات القراء: 1/ 35، والعبر: 1/ 53، والنجوم الزاهرة: 1/ 130.
4 ترجمته في المشاهير: 66.
5 ترجمته في طبقات ابن سعد: 3/ 391، وطبقات خليفة: 213، وتاريخ البخاري/ الكبير: 7/ 76، والمشاهير: 50، وحلية الأولياء: 1/ 208، والاستيعاب: 3/ 15، وتاريخ ابن عساكر: 13/ 360، وأسد الغابة: 6/ 7، وتاريخ الإسلام: 2/ 107، وتذكرة الحفاظ: 1/ 24، وسير أعلام النبلاء: 2/ 330، والعبر: 1/ 33، ومرآة الجنان: 1/ 88، وغاية النهاية: 1/ 606، والاصابة: 3/ 45، وتهذيب التهذيب: 8/ 175، والنجوم الزاهرة: 1/ 89، وحسن المحاضرة: 1/ 244.
6 ترجمته في المشاهير: 12.
7 ترجمته: سبقت الإشارة إليها في رقم 8:
8 ترجمته في طبقات ابن سعد: 5/ 445، وطبقات خليفة: 45، وتاريخ البخاري: 5/ 8، وتاريخه الصغير: 1/ 126، والمعرفة والتاريخ ليعقوب: 1/ 247، والجرح والتعديل: 5/ 56، وجمهرة أنساب العرب: 143، والاستيعاب: 2/ 915، وأسد الغابة: 3/ 254، وسير أعلام النبلاء: 3/ 388، والإصابة: 2/ 314، وغاية النهاية: 1/ 419.
3-
المغيرة بن أبي شهاب. تـ/ 91هـ مع مصحف الشام1.
4-
أبو عبد الرحمن السلمي. تـ/ 74هـ مع مصحف الكوفة2.
أما المصحف الإمام فقد احتفظ به الخليفة عثمان3 رضي الله عنه لنفسه، وسمي الإمام؛ لأنه اعتبر الأصل لباقي مصاحف الأمصار المرسلة، وأنه المرجع للأمة.
ولما كان المعول عليه في القرآن الكريم إنما هو التلقي، والأخذ ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعلينا أن نرى كيف تواتر القرآن الكريم، وتواترت القراءات وتأصلت، ولنبدأ بطبقات الحفاظ من الصحابة والتابعين في الأمصار الإسلامية.
1-
طبقات الصحابة الحفاظ الذين منهم: عثمان، وعلي، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري وبعض هؤلاء كتب المصاحف وأرسل معها إلى الأمصار.
2-
طبقات التابعين الذين أخذوا عن هؤلاء منهم: ابن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وأخوه عطاء، وزيد بن أسلم ومسلم بن جندب، وابن شهاب الزهري، وعبد الرحمن بن هرمز، ومعاذ بن الحارث المشهور بالقارئ.
الأمصار الإسلامية التي اشتهرت بالقراء، والقراءات هي:
أ. مكة وطبقات قرائها:
عطاء ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، وابن أبي مليكة، وعبيد بن عمير.
ب. الكوفة وطبقات قرائها:
علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، والربيع بن هيثم، والحرث بن قيس، وعمر بن شرحبيل، وعمر بن ميمون، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وعبيد بن فضلة، وأبو زرعة بن عمرو، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي.
1 ترجمته في معرفة القراء الكبار: 1/ 48، وغاية النهاية: 2/ 305.
2 ترجمته في نفس المصدر: 102.
3 ترجمته: سبقت الإشارة إليها في رقم7.
ج. البصرة وطبقات قرائها:
عامر بن عبد القيس، وأبو العالية، وأبو رجاء، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، وجابر بن زيد، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة.
د. الشام وطبقات قرائه:
المغيرة بن شهاب المخزومي صاحب الخليفة عثمان رضي الله عنه، وخالد بن سعيد صاحب أبي الدرداء.
ثم تفرع عن هؤلاء أناس اشتهروا بالضبط والعدالة، والعناية بالقرآن والقراءات، فظهر القراء السبعة والعشر والأربع عشرة.
وقد كانت قراءة النص القرآني صحيحة اعتمادا على الحفظ أولا، والسليقة ثانيا، ورغم هذه الفطرة اللغوية، فقد بدأ النزوع لقراءة القرآن الكريم وفق العادات الصوتية لكل قبيلة، وهذا الاتجاه لم يخل منه زمان حتى زمان صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
أما الاختلاف في القراءات، فإن الرعيل الأول من التابعين استطاع قراءة الآية الواحدة أربع، أو خمس قراءات مختلفة، وإلى هذا النوع من الاختلاف يرى الباحث أن هناك جوانب متعددة ساعدت على نشوء الدراسة اللغوية، والعلمية للنص القرآني في زمان مبكر جدًّا، وعملت على تطور هذه الدراسة تطورا سريعا، ومنسجما مع الظروف التي واكبت التطور اللغوي في كل مجالاته.
إلا أن الدراسة قد بدأت بسيطة ولا سيما بعد جمع القرآن الكريم في مصحف واحد وبلغة قريش، وهنا برزت رواية تزعم: أن أبا الأسود الدؤلي1. ت/ 69هـ/ 688م هو أول من قام بوضع رموز تدل على الحركات، وكان ذلك بإيعاز من زياد ابن أبيه تـ/ 53هـ/ 673م، ورواية أخرى تزعم: أن نصر بن عاصم2. تـ/ 89هـ/ 707م. هو أول من قام بهذا العمل، وقد لا يهم من قام به أو فعله؛ لأن هذا العمل التحسيني تلقى معارضة
1 ترجمته: في طبقات ابن سعد: 7/ 99 وتاريخ البخاري: 6/ 334، والمعارف: 434، والفهرس: 39، وتاريخ ابن عساكر: 8/ 203، ومعجم الأدباء: 12/ 34، وأسد الغابة: 3/ 69، ووفيات الأعيان: 2/ 535.
2 ترجمته: في تاريخ البخاري: 8/ 101، والمعرفة والتاريخ: 1/ 345، 3/ 275، ونزهة الألباب: 17، وإرشاد الأريب: 7/ 210، وتذكرة الحفاظ: 1/ 106، ومعرفة القراء الكبار: 1/ 171، وغاية النهاية: 2/ 336، وتهذيب التهذيب: 10/ 427.