الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح مصطلحات الناظم المعتمدة في الرسم
واصطلاحا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم من حيث كونه منعما على الحامد أو غيره، سواء كان ذلك قولا باللسان، أو اعتقادا بالجنان، أي القلب، أو عملا بالأركان التي هي الأعضاء.
والشكر لغة: هو الحمد اصطلاحا لكن بإبدال الحامد بالشاكر1.
واصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم به عليه فيما خلق لأجله، والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق بجميع المحامد، وهو الإسم الأعظم عند الجمهور، ولدلالته على اتصافه تعالى بجميع المحامد اختير في مقام الحمد على سائر الأسماء، فلم يقل الحمد للرحمن مثلا.
وقوله العظيم صفة الله، وهو مضاف إلى: المنن، إضافة لفظية، والمنن بكسر الميم وفتح النون جمع منة، والمراد بها هنا العطية، أي العظيمة عطاياه.
وقوله: ومرسل، بكسر السين معطوف على العظيم، وهو مضاف إلى: الرسل أي: وباعث الرسل، والرسل: بضم السين ويجوز تسكينها تخفيفا، كما فعل الناظم جمع رسول، بمعنى مرسل بفتح: السين.
والرسول: إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به، وأمر بتبليغه، بخلاف النبي، فإنه إنسان أوحى إليه بشرع يعمل به، وإن لم يؤمر بتبليغه، فهو أعم من الرسول، ويمتنع شرعا إطلاق اسم النبي على غير من ذكر.
والباء في قوله بأهدى للمصاحبة، وأهدى بمعنى أدل، وهو مضاف إلى سنن إضافة الصفة إلى الموصوف، والسنن بتثليث السين، وفتح النون، وبضم السين والنون بمعنى الطريق، أي: وباعث للرسل مع طريق أدل وأرشد.
ثم قال:
ليبلغوا الدعوة للعباد
…
ويوضحوا مهايع الإرشاد2
1 لسان العرب، مادة:"ش. ك. ر".
2 الطرق: لسان العرب: "هـ. ي. ع".
ذكر في هذا البيت حكمة إرسال الله عز وجل للرسل عليهم الصلاة والسلام قال: ليبلغوا بضم الياء وكسر اللام من أبلغ الرباعي، أي: ليوصلوا الدعوة، أي: الرسالة للعباد، ولا معارضة بين هذا وبين ما تضمنه قوله تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ رُسُلًا} 1.
من أن حكمة الإرسال قطع الحجة؛ لأن تبليغ الدعوة يستلزم قطع الحجة.
وقوله: ويوضحوا بضم الياء وكسر الضاد من أوضح الرباعي معطوف على يبلغوا، ومعناه يبينوا، ومهايع الإرشاد بكسر الياء طرقه، والإرشاد مصدر أرشد بمعنى هدى، وفي بعض النسخ مناهج بدل مهايع، وهي كالمهايع وزنا ومعنى.
وختم الدعوة والنبوءه
…
بخير مرسل إلى البريئه
محمد ذي الشرف الأثيل
…
صلى عليه الله من رسول
وآله وصحبه الأعلام
…
ما انصدع الفجر عن الاظلام
فاعل ختم ضمير مستتر عائد على الله تعالى، ما ختم معطوف بالواو على مرسل من قوله، ومرسل الرسل، وهو من عطف الفعل على الاسم الشبيه بالفعل، أي مرسل الرسل، وخاتم الدعوة، والنبوءة، وختم مشتق من الختم، والختم يطلق بمعنى الإتمام، والفراغ، تقول: ختمت القرآن، أي: أتممته، وفرغت منه، ويطلق بمعنى الطبع، تقول: ختمت الكتاب بمعنى طبعته، أي جعلت عليه الطابع لئلا يفتح ويطلع على ما فيه، ويصح إرادة كلا المعنيين هنا؛ لأنه تعالى أتم الرسالة، والنبوءة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وطبع عليهما به فلا يفتح بابهما لأحد بعده، ويشهد لهذا قوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} 2.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرسالة، والنبوءة قد انقطعت فلا رسول من بعدي ولا نبي" 3 الحديث.
1 سورة النساء: 4/ 165.
2 سورة الأحزاب: 33/ 40.
3 أخرجه الإمام الترمذي في الصحيح تحت عدد: 2272، والإمام أحمد في المسند 3/ 267، والحاكم في المستدرك: 4/ 391، والمتقى الهندي في كنز العمال: 41407، والسيوطي في جمع الجوامع 5566، وابن حجر في فتح الباري: 12/ 375، وابن كثير في تفسيره: 6/ 423، والألباني في إرواء الغليل: 8/ 128، والسيوطي في الدر المنثور: 3/ 312.
وانعقد الإجماع على ذلك، وأل في قوله: الدعوة للعهد، المعهود، الدعوة المتقدمة، والنبوءة بالهمزة من النبأ، وهو لخبر، ويترك الهمزة مع تشديد الواو، أما من النبأ أيضا فأبدلت همزتها واوا، وأدغمت الواو في الواو، أو من النبوة بفتح النون، وهي الرفعة، والنبوءة: شرعا خصيصية من الله تعالى غير مكتسبة بإجماع المسلمين، هي اختصاص العبد، بسماع وحي من الله تعالى بحكم شرعي تكليفي سواء أمر بتبليغه أم لا، وهكذا الرسالة لكن بشرط أن يؤمر بالتبليغ على ما يفهم من تعريفي الرسول، والنبي المتقدمين.
وقوله بخير متعلق بختم، والمرسل المبعوث، والبريئة بالهمز من برأ الله الخلق أوجدهم، فهي فعليه بمعنى مفعوله، ويترك الهمز مع تشديد الياء، أما من برأ أيضا فأبدلت الهمزة ياء، وأدغمت الياء في الياء أو من بريت القلم إذا سوته على صورة لم يكن عليها قبل.
وقوله محمد بدل من خير، وهو علم منقول من اسم مفعول حمد المضعف العين. أي: المكرر العين فيفيد المبالغة في المحمودية، وهو أشرف أسمائه صلى الله عليه وسلم والذي سماه به جده عبد المطلب على الصحيح بإلهام من الله تعالى رجاء أن يحمد في السماء والأرض، وقد حقق الله رجاءه.
وقوله ذي الشرف صفة لمحمد والشرف الرفعة، والأثيل بالثاء المثلثة صفة للشرف، ومعناه الأصيل الثابت.
وقوله صلى الله عليه لفظه لفظ لخبر، ومعناه الدعاء، أي: صل يا رب عليه. ومعنى صلاته1 تعالى عليه صلى الله عليه وسلم رحمته المقرونة بالتعظيم، ومن في قوله من رسول بيانية، والمبين الضمير في قوله عليه، ومجرورها تمييز له في الأصل.
1 الصلاة لغة لها عدة إطلاقات:
1-
إذا أطلقت من الله فهى: رحمة.
2-
إذا أطلقت من الملائكة فهي: استغفار.
3-
إذا أطلقت من العبد فهي: دعاء.
وقوله وآله معطوف على ضمير عليه، ولم يعد الجار في المعطوف بناء على مذهب الكوفيين المجوزين لذلك، وأصل آل: أول كالجمل لتصغيره على أويل، وقيل: أهل لتصغيره على أهيل والمراد به هنا كل مؤمن، ولو عاصيا؛ لأن المقام مقام دعاء، والعاصي أشد احتياجا إلى الدعاء من غيره، والصحب اسم جمع على الصحيح لصاحب، وهو لغة: من طالت عشرتك به، والمراد به هنا الصحابي، وهو من اجتمع بنبينا صلى الله عليه وسلم. مؤمنا به بعد البعثة في محل التعارف، بأن يكون على وجه الأرض، وإن لم يره أو لم يرو عنه شيئا، أو لم يميز على الصحيح، وخص الصحب بالذكر مع دخولهم في الآل بالمعنى المذكور لمزيد الاهتمام بهم.
وقوله: الإعلام صفة للصحب، وهو جمع علم، معناه لغة الجيل استعار الإعلام هنا للصحب لشبههم بها في الشهرة، وما من قوله ما انصدع مصدرية ظرفية، ومعني انصدع: انشق، والفجر، ضوء الصباح، والإظلام: مصدر أظلم الليل، ذهب نوره، والمراد به هنا الظلام، أي: اللهم صلى على محمد وآله وصحبه مدة انشقاق الفجر عن الظلام، وهذا المعنى مستمر البقاء إلى انقضاء الدنيا. وفي عبارة الناظم قلب؛ لأن الظلام هو الذي ينشق عن الفجر لا العكس، والقلب من أنواع البديع، ويتعين قراءة النبوءة، والبريئة في النظم بالهمز؛ لأن تشديد الواو والياء من غير همز يؤدي إلى اختلاف القافية بالواو والياء، وإن كان يجوز في النبوة، والبرية في حد ذاتها الهمز وتركه كما قدمناه.
حكم الرسم القرآني:
ثم قال:
وبعد فاعلم أن أصل الرسم
…
ثبت عن ذوي النهى والعلم1
1 ومن هؤلاء:
1-
مقرئ المدينة المنورة السيد زيد بن ثابت.
2-
مقرئ مكة السيد عبد الله بن السائب.
3-
مقرئ الشام السيد المغيرة بن شهاب.
4-
مقرئ الكوفة السيد أبو عبد الرحمن السلمي.
5-
مقرئ البصرة السيد عامر بن قيس..
وهناك مقرئون آخرون بعثوا إلى اليمن والبحرين، وما إلى ذلك وبهؤلاء وغيرهم تواترات القراءات القرآنية، وانتشرت في كل بقاع الدنيا، ومنها الغرب الإسلامي.
الأكثر في: بعد أن تستعمل ظرف زمان، وقد تستعمل ظرف مكان، وهي هنا إما مبنية على الضم، على نية معنى المضاف إليه، وهو الجاري على الألسنة، أو بالنصب من غير تنوين على نية لفظه، وكلمة: وبعد يؤتي بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، أي: من نوع الكلام إلى نوع آخر، والنوع المنتقل منه هنا البسملة وما بعدها، والمنتقل إليه هو ما ولي كلمة وبعد، والواو فيها نائبة عن: أما. وأما قائمة مقام مهما يكن من شيء بدليل لزوم الفاء بعدها، والمذكور بعد الفاء جزاء الشرط، وبعد من متعلقاته على الأصح.
ثم إن بعضهم يقول: أما بعد، وهو السنة، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم خطب. فقال:"أما بعد"، وكان يأتي بها في مراسلاته، وبعضهم يأتي بالواو بدل أما اختصارا، كما فعل الناظم.
وقوله فاعلم، أي اجزم وتيقن أن أصل الرسم. إلخ.
والرسم لغة: الأثر، والمراد به هنا مرسوم القرآن، أعني حروفه المرسومة، ومراده بأصل الرسم ما يعتمد في كيفياته عليه، ويرجع عند اختلاف المقارئ إليه، ومعنى ثبت: صح، والنهي، جمع نهية بضم النون وهي العقل، سمي بذلك؛ لأنه ينهى عن القبيح، والمراد بذوي النهى والعلم الثابت عنهم أصل رسم القرآن، الصحابة رضي الله عنهم.
جمع القرآن الكريم وكيفية كتابته:
ثم قال:
جمعه في الصحف الصديق1
…
كما أشار عمر الفاروق2
لما ذكر أن أصل الرسم ثبت عن ذوي النهي والعلم، وهم الصحابة، وكان في ذلك إجمال، بين هذا البيت من جمعه أولًا، ومن أشار بجمعه، فأخبر أن أبا بكر الصديق -رضى الله عنه- جمعه أولًا يعنى أمر بجمعه بإشارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
1 أبو بكر الصديق رضي الله عنه، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤنسه في الغار عبد الله بن أبي قحافة، ترجمته في أسد الغابة: 3/ 309، وتاريخ الخلفاء وتذكرة الحفاظ: 1/ 2، وشذرات الذهب: 1/ 27، وطبقات ابن سعد 3/ 119، والعبر: 1/ 16، ومروج الذهب: 2/ 305.
2 أبو حفص عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمير المؤمنين، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، ت/ 23 هـ، طبقات: 1/ 591.
بذلك عليه، والمأمور بجمعه والمباشر له: زيد بن ثابت1 رضي الله عنه والصحف بضمتين جمع صحيفة، وهي ما يكتب فيه، والصديق لقب أبي بكر، لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة تصديقه له وأبو بكر كنيته، واسمه عبد الله، وقيل: عتيق، والكاف في قول الناظم كما أشار للتعليل، وما مصدرية، أي لإشارة عمر، والفاروق لقب سيدنا عمر، لقب به لكثرة فرقه بين الحق والباطل، وكنيته: أبو حفص، وهو أول من دعي أمير المؤمنين في الإسلام.
ثم قال:
وذاك حين قتلوا مسيلمه2
…
وانقلبت جيوشه منهزمه
ذكر في هذا البيت الوقت الذي كان فيه جمع القرآن في الصحف مشيرًا إلى القصة المتضمنة سبب جمعه فيها.
فقوله: وذاك إشارة إلى الجمع المفهوم من قوله: قبل جمعه، أي: وذلك الجمع كان حين قتل الصحابة رضي الله عنهم مسليمة الكذاب، وانقلبت، أي: رجعت جيوشه منهزمة، والجيوش جمع جيش، وهو الجمع الكثير السائرون لحرب أو غيرها، ومعنى منهزمة منكسرة، ومسيلمة لقب هارون بن حبيب، وكنيته أبو تمامة، وهو من قبيلة تسمي بني حنيفة، وبلده مدينة باليمن تسمى اليمامة، وهو أحد الكذابين اللذين ادعيا النبوءة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كذاب اليمامة والكذاب الآخر: هو الأسود3 بن كعب العنسي، وهو كذاب صنعاء، وكان يزعم أن جبريل يأتيه، وكان يبعث إلى مكة من يخبره بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقل إليه ما سمعه من القرآن ليقرأه على جماعته، ويقول
1 زيد بن ثابت رضي الله عنه، ت/ 45 هـ هو زيد بن ثابت الأنصاري شيخ المقرئين وإمام الفرضيين، ومن الصحابة الذين أتموا حفظ القرآن ترجمته في: طبقات ابن سعد: 2/ 358، وتاريخ خليفة: 207، وطبقات خليفة: 203، وتاريخ البخاري: 3/ 380، والاستيعاب: 1/ 551، وتذكرة الحفاظ: 1/ 30، وأسد الغابة: 4/ 145، والإصابة: 2/ 511، وتاريخ الخلفاء: 108
…
2 مسيلمة الكذاب: هو أبو تمامة ويلقب بهارون بن حبيب، وهو من قبيلة بني حنيفة، وينتسب إلى اليمامة باليمن، وهو أحد الذين ادعوا النبوة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
3 الأسود بن كعب العنسي وهو كذاب صنعاء، وكان يزعم أن ملكين يكلمانه من السماء أحدهما اسمه: سحيق، والثاني اسمه: شريق.
فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وقع بقراء القرآن خشي على من بقي منهم، وأشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن.
أسند: أبو عمرو1 الداني في المحكم إلى زيد2 بن ثابت أن عمر3 بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى أبي بكر، فقال: إن القتل قد أسرع في قراء القرآن أيام اليمامة، وقد خشيت أن يهلك القرآن فاكتبه، فقال أبو بكر4.
فكيف نصنع شيئا لم يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعهد إلينا فيه بعهد؟ فقال عمر: افعل فهو والله خير، فلم يزل عمر بأبي بكر حتى أرى الله أبا بكر مثل رأي عمر، قال زيد: فدعاني أبو بكر، فقال: إنك رجل شاب قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجمع القرآن واكتبه، قال زيد: كيف تصنعون شيئا لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ولم يعهد إليكم فيه بعهد؟ قال: فلم يزل أبو بكر حتى أراني الله الذي رأى أبو بكر، وعمر، والله لو كلفوني نقل الجبال لكان أيسر من الذي كلفوني، قال:"فجعلت أتتبع القرآن من صدور الرجال، ومن الرقاع، ومن الأضلاع، ومن العسب، قال: ففقدت آيه كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أجدها عند أحد، فوجدتها عند رجل من الأنصار: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} 5 فألحقتها في سورتها، فكانت تلك الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند حفصة حتى ماتت "انتهى".
وفي بعض الروايات عن زيد بن ثابت: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والعسب، واللخاف، وصدور الرجال "انتهى".
والرقاع: جمع رقعة بضم، وهي القطعة من الجلد، والعسب: جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة دقيقة مزال خوصها، واللخاف: ككتاب حجارة بيض رقاق
1 راجع ص: 25.
2 راجع ص: 25.
3 راجع ص: 45.
4 راجع ص: 5.
5 سورة الأحزاب: 33/ 23.
فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وقع بقراء القرآن خشي على من بقي منهم، وأشار على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن.
أسند: أبو عمرو1 الداني في المحكم إلى زيد2 بن ثابت أن عمر3 بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى أبي بكر، فقال: إن القتل قد أسرع في قراء القرآن أيام اليمامة، وقد خشيت أن يهلك القرآن فاكتبه، فقال أبو بكر4.
فكيف نصنع شيئا لم يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعهد إلينا فيه بعهد؟ فقال عمر: افعل فهو والله خير، فلم يزل عمر بأبي بكر حتى أرى الله أبا بكر مثل رأي عمر، قال زيد: فدعاني أبو بكر، فقال: إنك رجل شاب قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجمع القرآن واكتبه، قال زيد: كيف تصنعون شيئا لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ولم يعهد إليكم فيه بعهد؟ قال: فلم يزل أبو بكر حتى أراني الله الذي رأى أبو بكر، وعمر، والله لو كلفوني نقل الجبال لكان أيسر من الذي كلفوني، قال:"فجعلت أتتبع القرآن من صدور الرجال، ومن الرقاع، ومن الأضلاع، ومن العسب، قال: ففقدت آيه كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أجدها عند أحد، فوجدتها عند رجل من الأنصار: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} 5 فألحقتها في سورتها، فكانت تلك الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند حفصة حتى ماتت "انتهى".
وفي بعض الروايات عن زيد بن ثابت: فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والعسب، واللخاف، وصدور الرجال "انتهى".
والرقاع: جمع رقعة بضم، وهي القطعة من الجلد، والعسب: جمع عسيب وهو جريدة من النخل مستقيمة دقيقة مزال خوصها، واللخاف: ككتاب حجارة بيض رقاق
1 راجع ص: 25.
2 راجع ص: 25.
3 راجع ص: 45.
4 راجع ص: 5.
5 سورة الأحزاب: 33/ 23.
وأحدها: لخفة بفتح اللام، وقد كانوا يكتبون في هاته الأشياء لقلة الورق "أي: الكاغد".
ثم قال:
وبعده جرده الإمام
…
في مصحف ليقتدي الأنام
ولا يكون بعده اضطراب
…
وكان فيما قد رأى صواب
فقصة اختلافهم شهيره
…
كقصة اليمامة العسيره
أخبر أن الإمام يعني سيدنا عثمان بن عفان1 رضي الله عنه جرد أصل الرسم في مصحف، أي: نسخه من الصحف، وجمعه جمعا ثانيا في مصحف بعد جمع أبي بكر المتقدم، ليقتدى به الأنام، أي: الخلق، ولا يكون بعد ذلك التجريد اضطراب، أي: اختلاف بينهم، وأنه أصاب رضي الله عنه فيما قد رآه من ذلك.
قال ابن حجر: الفرق بين الصحف والمصحف، أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، وكان صورا مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها على حدة لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفًا "انتهى".
والمصحف مثلث الميم اسم أعجمي معناه جامع الصحف، وأشار الناظم بالبيتين الأولين، والشطر الأول من البيت الثالث إلى ما ذكره الحافظ الداني في المقنع بسنده إلى ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن حذيفة بن اليمان قد على عثمان، وكانوا يقاتلون على مرج أرمينية، فقال: حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين إني قد سمعت الناس اختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصاري، حتى أن الرجل ليقوم فيقول: هذه قراءة فلان، قال: فأرسل عثمان إلى حفصة: أرسلي إلينا بالصحف، فننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، قال: فأرسلت إليه بالصحف، قال: فأرسل عثمان إلى زيد بن
1 أمير المؤمنين عثمان بن عفان، أبو عمرو الأموي، ذو النورين ومن جمع الأمة على مصحف واحد هاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وروى جملة كثيرة من العلم، وكان من الصادقين المنفقين في سبيل الله، استشهد يوم الجمعة 18 ذي الحجة سنة 35هـ، وكانت خلافته 12 سنة، وترجمته: في أسد الغابة: 3/ 584، والإصابة: 2/ 455، وتاريخ الخلفاء: 147، وتذكرة الحفاظ: 1/ 8، وشذرات الذهب: 1/ 40، وطبقات ابن سعد: 3/ 36، وطبقات القراء: 1/ 507، ومروج الذهب: 2/ 340، والنجوم الزاهرة: 1/ 92.
ثابت1، وإلى عبد الله بن عمرو بن العاص2، وإلى عبد الله بن الزبير3، وإلى عبد الله بن عباس4، وإلى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام5، فقال: انسخوا هذه الصحف في مصحف واحد، وقال للنفر القرشيين: إن اختلفتم أنتم وزيد بنثابت فاكتبوه على لسان قريش، فإنما نزل "يعني معظمه" بلسان قريش، قال زيد: فجعلنا نختلف في الشيء، ثم نجمع أمرنا على رأي واحد، فاختلفوا في التابوت، فقال زيد: التابوت، وقال النفر القرشيون: التابوت، قال: فأبيت أن أرجع إليهم، وأبوا أن يرجعوا إلي، حتى رفعنا ذلك إلى عثمان رضي الله عنه فقال عثمان: اكتبوه: التابوت، فإنما أنزل القرآن على لسن قريش، قال زيد: فذكرت آية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أجدها عند أحد، حتى وجدتها عند رجل من الأنصار هو خزيمة بن ثابت:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 6.
قال أبو شهاب قال أنس: فرد عثمان الصحف إلى حفصة، وألغى ما سوى ذلك من المصاحف "انتهى".
1 زيد بن ثابت، أبو سعيد الأنصاري الخزرجي المقرئ كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم خط اليهود فجاد الكتابة، وكتب وحفظ القرآن وأتقنه وأحكم الفرائض، وشهد الخندق وما بعدها، وأمره أبو بكر الصديق بجمع القرآن ثم عينه الخليفة عثمان رضي الله عنه بكتابة المصحف وثوقا بحفظه، وأمانه وحسن خطه
…
ترجمته: في أسد الغاابة: 2/ 278، والإصابة: 1/ 543، وتذكرة الحفاظ: 1/ 30، والشذرات: 1/ 35، والعبر: 1/ 53، والنجوم الزاهرة: 1/ 130.
2 عبد الله بن عمرو بن العاص: أبو عبد الرحمن، وأبو محمد القرشي أحد المهاجرين قبل الفتح كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا توفي بمصر 56هـ ترجمته في أسد الغابة: 3/ 348، والإصابة: 1/ 343، وتذكرة الحفاظ: 1/ 41، والشذرات: 1/ 73، وطبقات ابن سعد: 4/ 8-2، وطبقات الشيرازي: 50، وطبقات ابن الجزري: 1/ 439.
3 عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة شهد فتح أفريقيا في خلافة عثمان، وبويع بالخلافة سنة 64هـ، وكان بينه وبين الحجاج بن يوسف الثقفي حروب انتهت بمقتل عبد الله بن الزبير سنة 73هـ بمكة روي له في كتب الحديث 33حديثا، انتدب لكتابة المصحف الشريف إلى جانب زيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن الحارث، ترجمته: في نزهة المتقين: 2/ 1317.
4 عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، أبو العباس الهاشمي، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعا له أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل، توفي سنة 68هـ، ترجمته: في أسد الغابة: 3/ 290، والإصابة: 1/ 322، وتاريخ بغداد للخطيب: 1/ 173، وتذكرة الحفاظ: 1/ 40.
5 عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فهو من خيرة الصحابة، وثقات الحفاظ الذين كتبوا المصاحف في عهد عثمان ت/ 93هـ الزرقاني، مناهل العرفان: 250/ 1.
6 سورة التوبة: 9/ 128-129.
والمرج الثغر: أي موضع الخوف، وأرمينية مدينة عظيمة في ناحية الشمال، وفي المقنع أيضا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث عثمان إلى كل أفق بمصحف من تلك المصافح التي نسخوها، ثم أمر بسوى ذلك من القراءة في كل صحيفة أو مصحف، أن يحرف "انتهى".
قال ابن حجر: وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع "انتهى". وقال ابن بطال: وفي هذا الحديث جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار؛ لأن ذلك إكرام لها، وحرز عن وطئها بالأقدام "انتهى".
قال القسطلاني: وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه، أي: القرآن في مصحف واحد؛ لأن النسخ يرد على بعضه، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدى إلى الاختلاف والاختلاط، فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ، فكان التأليف في الزمن النبوي، والجمع في الصحف في زمن الصديق، والنسخ في المصحف في زمن عثمان، وقد كان القرآن كله مكتوبا في عهده صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور "انتهى".
ومعنى قول الناظم: كقصة اليمامة والعسيرة إن سبب تجريد عثمان للصحف في مصحف هو قصة اختلاف القراء المشهورة، كما أن سبب جمع أبي بكر المتقدم هو قصة حرب اليمامة الشديدة، وكيف لا تكون شديدة، وقد مات فيها من المسلمين ألف ومائتان، منهم سبعمائة من حملة القرآن كما تقدم، وفي هذا البيت تعرض لبيان العلة الحاملة على الجمعين
وما قوله: ليقتدي الأنام ولا يكون بعده اضطراب، فهو بيان للعلة الغائبة في الجمع الثاني.
تنبيهان:
الأول: اختلاف في عدد المصاحف1 العثمانية، فالذي عليه الأكثر أنها أربعة أرسل منها سيدنا عثمان مصحفا إلى الشام، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، وأبقى مصحفا بالمدينة، وقيل: خمسة، الأربعة المذكورة، والخامس أرسله إلى مكة، وقيل ستة، الخمسة المتقدمة، السادس أرسله إلى البحرين، وقيل: سبعة، الستة المتقدمة والسابع أرسله إلى اليمن، وقيل: ثمانية، السبعة المتقدمة، والثامن هو الذي جمع فيه سيدنا عثمان القرآن أولا، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قتل، ولم يكتب سيدنا عثمان واحدا منها، وإنما أرم بكتابتها، وكانت كلها مكتوبة على الكاغط إلا المصحف الذي كان عنده بالمدينة، فإنه على رق الغزال.
واعلم: أن الأئمة لم يلتزموا النقل عن المصاحف الثمانية مباشرة، بل ربما نقلوا عن مصحف منها بعينه، وربما نقلوا عن المصاحف مع حكاية إجماعها أو دونه، وربما نقلوا عن المصاحف المدنية أو الملكية، أو الشامية، أو العراقية اعتمادا منهم على أن المظنون بمصاحف الأمصار متابعة كل واحد منها مصحف مصره العثماني، ولم يعهد منهم النقل عن مصحفي اليمن والبحرين لنقل الجعبري عن أبي علي عثمان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت أن يقرأ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن قيس مع البصري، وبعث مصحفا إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرًا، ولا علمنا من أنفذ معهما، قال: ولهذا انحصر الأئمة السبعة في الخمسة الأمصار، ثم قال الجعبري: والاعتماد في نقل القرآن متفقا ومختلفا على الحفاظ، ولهذا أنفذهم إلى أقطار الإسلام للتعلم، وجعل هذه المصاحف أصولا ثواني، وحرصا على الإنقاذ، ومن ثم أرسل إلى كل إقليم المصحف الموافق لقراءة قارئة في الأكثر، وليس لزاما كما توهم، "انتهى".
1 المصاحف "19-20" لأبي عبد الله بن أبي داود، تحقيق آرثر جفري، ط. الرحمانية، القاهرة، 1355هـ.
التنبيه الثاني: قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه"1.
وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الأحرف السبعة على نحو أربعين قولا، والذي عليه معظمهم، وصححه البيهقي، واختاره الأبهري وغيره، واقتصر عليه في القاموس أنها لغات.
ومن حكم إتيانه عليها التخفيف والتيسير على هذه الأمة في التكلم بكتابهم كما خفف عليهم في شريعتهم، وهذا كالمصرح به في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم:"إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف واحد فرددت إليه أن هون على أمتي، ولم يزل يدد حتى بلغ سبعة أحرف"2.
ومقتضى كلام الشاطبي في العقيلة، وصرح به الجعبري، وابن الجزري في المنجد وغيرهما أن الصحف المكتوبة بإذن أبي بكر كانت مشتملة على الأحرف السبعة، وأما المصاحف العثمانية، فقد اختلفوا في اشتمالها عليها، فذهب جماعة القراء والفقهاء، والمتكلمين إلى أن جميع المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، وذهب بعضهم إلى أنها مشتملة على حرف واحد، وذهب جماهير العلماء من السلف، والخلف إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها صلى الله عليه وسلم على جبريل، ولم تترك حرفا منها، وهذا القول الثالث قال في النشر هو الذي يظهر صوابه؛ لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة تدل عليها، "انتهى".
وقوله ليقتدي يقرأ بإسكان الياء على أن نصبه مقدر للوزن، والناصب له أن مضمرة بعد اللام.
وقوله: ولا يكون بالنصب عطف على يقتدي.
ثم قال:
فينبغي لأجل ذا أن تقتفي
…
مرسوم ما أصله في المصحف
ونقتدي بفعله وما رأى
…
في جعله لمن يخط ملجئا
1 أخرجه الإمام أحمد في مسنده: 4/ 169، وابن جرير الطبري في تفسيره: 1/ 43، والهيثمي في مجمع الزوائد: 7/ 151، وهناك عدة روايات مختلفة المتن والسند.
2 أخرجه الإمام أحمد في المسند: 5/ 127، والإمام مسلم في الصحيح: 6/ 349 رقم 820.
ما ذكره في هذين البيتين مسبب على ما تضمنته الأبيات الثلاثة قبل، فلذا عطفه بفاء السببية، فقال: ينبغي، يعني فيجب لأجل ذا، أي: لأجل التجريد المعلل بما تقدم أن نقتفي، أي تنبع في قراءتنا المرسوم الذي أصله سيدنا عثمان في المصحف، أي جعله فيه أصلا، وأن نقتدي في كتبنا القرآن بفعله، أي بكتبه رضي الله عنه ورأيه في حعل المصحف ملجأ، أي: مرجعا وإماما متبعا لمن يخط، أي: يكتب القرآن.
وقد قدمنا أن أصل الرسم ما يعتمد في كيفياته عليه، ويرجع عند اختلاف المقارئ إليه، ولا شك أن سبب جمع الإمام عثمان1 رضي الله عنه هو الاختلاف الواقع كما تقدمت الإشارة إليه بقوله: فقصة اختلافهم شهيرة، والعلة الغائية التي قصدها بالجمع هي انتفاء اختلافهم كما تقدم، فلما كتب المصاحف أمر الناس بالاقتصاد على ما وافقها لفظا، وبمتابعتها خطا ولذلك أمر بما سواها أن يحرق كما تقدم، إذ لولا قصده جعل هذه المصاحف أئمة للقارئين، والكاتبين ما أمر، بتحريق ما سواها، وهذا بمعنى قول الناظم في عمدة البيان:
فواجب على ذوي الأذهان
…
أن يتبعوا الرسوم في القرآن
ويقتدوا بما رآه نظرا
…
إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الافتداء
…
لما أتى نصبا به الشفاء
إلى عياض أنه من غيرا
…
حرفا من القرآن عمدا كفرا
زيادة أو نقصا أو إن أبدلا
…
شيئا من الرسم الذي تأصلا
وقوله في عمدة البيان: فواجب يؤيد ما أطبقوا عليه من تفسير ينبغي هنا يجب، وإن كان الغالب استعمال هذه المادة في الندب، وسيأتي قريبا، دليل وجوب الاقتفاء المذكور.
وقوله: وتقتدي عطف على نقتفي فهو منصوب لكنه قدر نصبه، فسكن الياء على ما تقدم في قوله: ليقتدي، من قوله: وما رأى مصدرية.
ثم قال:
1 المصاحف: 5 وعليه اعتمد المؤلف في هذا الشرح، وفضائل الصحابة: 1/ 359.
وجاء آثار في الاقتداء
…
بصحبة الغر ذوي العلاء
منهن ما ورد في نص الخبر
…
لدى أبي بكر الرضي وعمر
وخبر جاء على العموم
…
وهو أصحابي كالنحوم
لما ذكر في البيتين السابقين أن أتباع المصحف قراءة، وكتابة واجب استدل هنا على الوجوب المذكور بأحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في طلب الاقتداء بالصحابة صريحًا.
فقوله: وجاء آثار: أي: أحاديث.
وقوله: الغر1 بضم الغين صفة للصحب، وهو جمع أغر، والفرس الأغر هو ذو الغرة، أي: البياض في جبهته، ثم استعبر للمشهور كما هنا.
وقوله: العلاء بفتح العين والمد معناه: الرفعة والشرف.
والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها ما ورد مخصوما بأبي بكر2، وعمر رضي الله عنها ومنها ما ورد عامًا في الصحابة كلهم، وإلى الأول أشار بقوله: منهن أي: من الآثار ما ورد في نص الخبر، أي: في الخبر النص، أي: الحديث الصريح ولدى في قوله لدى أبي بكر بمعنى في، والرضي بتشديد الياء بمعنى المرضي نعت لأبي بكر، وأشار بهذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: $"اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر، وعمر".
قال السيوطي في الجامع الصغير، وأخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه زاد في ذيل الجامع، ومنهن خبر جاء دالا على عموم الاقتداء بالصحابة، وهو قوله: صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم"، "وتمام الحديث" بأيهم اقتديتم اهتديتم"3.
قال السيوطي أخرجه السجزي في الإبانة، وابن عساكر عن عمر بلفظ سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي إلي يا محمد: إن أصحابك عندي بمنزل النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء، مما هم عليه من اختلافهم
1 لسان العرب، مادة "غ. ر".
2 المصاحف "20-19".
3 أخرجه صاحب ميزان الاعتدال، ص: 1511، 229 وابن حجر في لسان الميزان: 2/ 488، 495، والعجلوني في كشف الحفاء: 1/ 147، والزبيدي في اتحاف السادة المتقين: 2/ 223، وابن حجر تلخيص الحبير: 4/ 190، وفي كتابه أيضا الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف:94.
فهو عندي على هدى1، وقد ورد هذان الحديثان بروايات مختلفة كما ورد في اتباع الصحابة أحاديث أخرى، وجملتها تدل على طلب الاقتداء بالصحابة: فما فعلوا ومما فعلوه مرسوم المصحف، وقد أجمعوا رضي الله عنه، وهم اثنا عشر ألفا، والإجماع كما تقرر في أصول الفقه.
وحذف الناظم تنوين بكر من قوله: أبي بكر الرضي لالتقاء الساكنين على لغة قرئ بما شاذا قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} 2 بحذف التنوين من أحد.
ثم قال:
ومالك حض على الإتباع
…
لفعلهم وترك الابتداع
إذ منع السائل من أن يحدثا
…
في الأمهات نقط ما قد أحدثا
وإنما رآه للصبيان
…
في الصحف والألواح للبيان
والأمهات ملجأ للناس
…
فمنع النقط للالتباس
لما استدل بالأحاديث التي أشار إليها في الأبيات قبل الدال مع الإجماع المتقدم على وجوب الاتداء بالصحابة رضي الله عنهم أكد الاستدلال على بما ورد عن إمام الأئمة، مالك بن أنس* رضي الله عنه فأخبر أن مالكا حض أي: حث على الاتباع،
1 هذا الحديث موضوع رواه ابن بطة في الإبانة، وأورده السيوطي في الجامع الصغير برواية السجزي، وقال شارحه المناوي: قال ابن الجوزي في العلل: هذا لا يصح نعيم مجروح، وعبد الرحيم قال: ابن معين كذاب، وفي الميزان هذا الحديث باطل وقال الذهبي: إسناده مقطوع، وروى ابن عبد البرعي البزار أنه قال في هذا الحديث: وهذا كلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجد"، "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، هذا الحديث موضوع رواه ابن عبد البر في جامع العلم وابن حزم في "الأحكام"، قال ابن عبد البر: هذا إسناد لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصبي مجهول، وقال ابن حزم: هذه رواية ساقطة، راجع سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حديث رقم 60-58.
2 سورة الإخلاص: 112/ 2-1.
* الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري، أبو عبد الله المدني، شيخ الأئمة وإمام دار الهجرة، روى عن نافع ومحمد بن المنكدر، وجعفر الصادق، وحميد الطويل وعنه الشافعي، وخلائق جمعهم الخطيب في مجلة، وقال ابن المديني له نحو ألف حديث، وقال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟ قال مالك: أثبت في كل شيء، وقال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال الشافعي: إذا جاء الأثر فمالك النجم، توفي بالمدينة سنة 179هـ وهو ابن 86سنة، ترجمته في الأنساب: 141، البداية والنهاية لابن كثير: 1/ 179، وتذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 207، وتهذيب الأسماء للنووي: 2/ 75، وتهذيب التذهيب 10/ 5، والأنساب لابن حزم: 435، وحلية الأولياء للأصبهاني: 6/ 313، وخلاصة تذهيب الكمال للخزرجي: 313، والديباج المذهب لابن فرحون: 17، والرسالة المستطرفة: 13، وشذرات الذهبي: 1/ 289، وصفوة الصفوة لابن الجوزي: 2/ 99، وطبقات ابن سعد، 5/ 45، وطبقات الشيزاري 67، وطبقات القراء لابن الجزري: 2/ 35ت، وطبقات المفسرين للداودي، 2/ 293، والعبر: 1/ 272، والفهرست لابن النديم: 198، اللباب، 1/ 55، 3/ 68، ومرأة الجنان: 1/ 373، ومروج الذهب للمسعودي: 3/ 350، والنجوم الزاهرة لابن تغري: 2/ 96، وفيات الأعيان خلكان: 1/ 439.
أي: أفعال الصحابة في المصاحف، وعلى ترك الابتداع، أي: الاختراع وإحداث ما لم يكن فيها.
ولما كان هذا الكلام الذي نسبه الناظم لمالك لم يقله صريحا وإنما هو لازم لجوابه الآتي عن سؤال من سأله علل نسبته لمالك بقوله: إذ منع، مالك السائل الآتي سؤاله من أن يحدث في الأمهات، أي: المصاحف الكمل الكبار، نقط المصاحب المحدثة في زمن السائل، وإنما رأى، أي: مالك جواز النقط للصبيان في الصحف، يعني الصغار، وفي الألواح للبيان، والإيضاح لهم، والمراد بالصبيان المتعلمون، ولو كبارا، وسيأتي قريبا ما المراد بالنقط، وقد أشار الناظم بهذا إلى ما نقله الحافظ الداني1 في المحكم من قوله مالك: ولا يزال الإنسان يسألني عن نقط القرآن فأقول له: أما الإمام من المصاحف، فلا أرى أن ينقط، ولا يزاد في المصاحف ما لم يكن فيها، وأما المصاحف الصغار التي يتعلم فيها الصبيان، وألواحهم فلا أرى في ذلك بأسا.
قال عبد الله بن الحكم: وسمعت مالكا، وقد سئل عن شكل المصاحف فقال: أما الإمهات فلا أراه، وأما المصاحف التي يتعلم فيها الغلماء فلا بأس "انتهى".
وحاصله التفصيل بين الأمهات الكمال، فلا يجوز نقطها، وبين الصغار والألواح، فيجوز ويقابل قول مالك هذا قولان آخران:
1-
أحدهما بجواز النقط مطلقا.
2-
والآخر بكراهته مطلقا.
وقد نسب في المحكم هذه الأقوال بأسانيدها إلى أربابها: وهي جارية أيضا في رسم الخموس، والعشور، ورسم أسماء السور، وما فيها من عدد الآي، والمراد بالنقط ما يشمل نقط الإعجام الدال على ذات الحرف، وشكل الإعراب ونحوه الدال على عارض الحرف، من فتح، وضم، وكسر، وسكون، وشد، ومد، ونحو ذلك، قال في ذيل المقنع: الناس في جميع أمصار المسلمين، من لدن التابعين إلى وقتنا على الترخيص في ذلك، يعني في
1 الداني عثمان بن سعيد المكنى أبا عمر جمال القراء، وكمال الإقراء لعلم الدين السخاوي علي بن محمد، ت/ 643هـ، تحقيق د علي حسين البواب: 1/ 135، ط: 1408/ 1987، مطبعة المدني، القاهرة.
شكل المصاحف ونقطها في الأمهات وغيرها، ولا يرون بأسا برسم فواتح السور وعدد آيها، والخموس، والعشور، في مواضعها، والخطأ مرتفع عن إجماعهم. "انتهى".
قلت ومن المعلوم أن العمل في وقتنا هذا على الترخص في ذلك وفي رسم أسماء السور، وعدد آيها، والأحزاب، والأرباع، والأثمان في مواضعها، لكن نقط الإعجام بالسواد، وما عداه بلون مختلف للسواد، ولا تخفى المعارضة بين حكاية الإجماع المذكور، وبين حكاية الأقوال الثلاثة المتقدمة.
وقول الناظم: والأمهات ملجأ للناس، أي: مرجع لهم، والفاء في قوله: فمنع سببية، وقوله للالتباس: نقل عن الناظم أنه قال: ليس هو تعليلا لمالك، ولا من كلامه، وإنما ذلك تبرع تبرعت به، وأخذته من كلام الحافظ في المحكم حيث لم يستجز نقط المصاحف بالسواد من الحبر وغيره، ونهى عنه؛ لأن السواد يحدث فيه نخليطا، "انتهى". كلام الناظم، وعليه فقوله منع مبني للنائب، والنقط نائب فاعله، والمانع هو الحافظ الذاتي في المحكم لا مالك، وإنما لم يجعل الناظم قوله: للالتباس علة لمنع مالك النقط؛ لأنه ليس في جواب مالك ما يدل عليه.
وقول الناظم: للاتباع بقطع الهمزة مصدر أتبع بمعنى أتبع بوصل الهمزة، وإذ في قوله إذ منع للتعليل، ويحدثا بضم الياء من أحدث الرباعي، وألفه للإطلاق كألف أحدثا. "تأليف الكتب في القراءات".
ثم قال:
ووضع الناس عليه كتبا
…
كل يبين عنه كيف كتبا
أجلها فاعلم كتاب المقنع1
…
فقد أتى فيه بنص مقنع
أخبر أن الناس، أي: العلماء المعتنين برسم القرآن وضعوا، أي: صنفوا كتبا تكلموا فيها على المرسوم الذي جعله سيدنا عثمان في المصاحف أصلا كتبعا، كل واحد من أولئك الناس يبين عن المرسوم كيف كتب، أي: يخبر كيفية كتابته: من حذف،
1 المقنع: لأبي عمرو الداني.
وإثبات ونقص وزيادة، وقطع، ووصل، ونحو ذلك إلا أن بعض ذلك تلقوه عن المصاحف العثمانية كما تقدم، وبعضه من مصاحف الأمصار المظنون بكل واحد منها متابعة مصحف مصره، كما تقدم أيضا، والضمير في قوله: أجلها يعود على الكتب المتقدمة، أي: أجل تلك الكتب الموضوعة في الرسم، وأعظمها فائدة، وصحة الكتاب المسمى بالمقنع؛ لأنه أتى فيه مؤلفه بنص، أي: بلفظ صريح مقنع، أي: كاف لمن اقتصر عليه، وكتاب المقنع الذي عناه الناظم هو المقنع الكبير، وهو مفيد في الرسم، وعليه اعتمد مجمل ممن اعتنى بعلم القرآن، والمقنع الصغير، نحو نصفه، وكلاهما من تأليف الحافظ أبي عمر، وعثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر الأموي1، مولاهم المعروف في زمانه بابن الصيرفي وبعد ذلك بالداني، ولد بقرطبة، ثم انتقل منها إلى دانية، فنسب إليها ويكنى أبا عمرو.
كان رحمه الله دينا ورعا كثير البركة مجاب الدعوة مالكي المذهب، سمع من أبي الحسن القابسي، وابن أبي زمنين وخلق كثير، وأخذ عنه أناس كثيرون بالأندلس وغيرها منهم أبو عمرو الداني قارئ الأندلس، وأبو الوليد الباجي فقيهها، وأبو عمرو بن عبد البر2 محدثها، قال اللبيب في شرح العقيلة: رأيت لأبي عمرو الداني مائة وعشرين تأليفا منها أحد عشر في الرسم، أصغرها جرما كتاب المقنع، قال: وسمعت من يوثق به من أصحابنا أن له مائة ونيفا وثلاثين تأليفا في علم القرآن من قراءة، ورسم وضبط وتفسير وغير ذلك، وقال أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال3: كان أحد الأئمة في علم القرآن بروايته وتفسيره، ومعانيه، وطرقه وإعرابه، وجمع في ذلك تأليف حسانا يطول تعدادها وله معرفة بالحديث، وطرقه، وأسماء رجاله ونقلته، وكان حسن الخط، جيد الضبط من أهل الحفظ والذكاء والتفنن،
1 الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر الأموي مولاهم المعروف في زمانه بابن الصيرفي، ثم الداني.
2 أبو عمر بن عبد البر، الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ولد سنة 368هـ، بقرطبة، وتوفي سنة 463هـ، له عدة تصانيف ومؤلفات وشروح، وتعاليق هدية العارفين: 2/ 550، إسماعيل باشا، وبغية الملتمس للضيي: 474، وتذكرة الحفاظ: 3/ 1128، وجذوة المقتبس للحميدي: 344، والديباج لابن فرحون: 375، والشذرات: 3/ 314، والصلة: 2/ 677، والعبر: 3/ 255، وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/ 348.
3 ابن بشكوال.
وقال: غيره، لم يكن في عصره آخر يضاهيه في حفظه، وتحقيقه وكان يقول: ما رأيت شيئا قط إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته فنسيته، وكان يسأل عن المسألة مما يتعلق بالآثار، وكلام العلماء فيوردها بجميع ما فيها مسندة من شيوخه إلى قائلها، ومولده سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وابتدأ طلب العلم وهو ابن أربع عشرة سنة، وتوفي بدانية يوم الاثنين في النصف من شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن بعد صلاة العصر، وخرج لجنازته كل من بدانية، ولم يبلغ نعشه إلى قبره إلا قرب المغرب لكثرة ازدحام الناس عليه، مع قرب المسافة بين داره وقبره جدا، ولو كانت بعيدة ما دفن تلك الليلة، ومشى السلطان ابن مجاهد على رجله أمام النعش وهو يقول: لا طاعة إلا طاعة الله لما شاهد من كثرة الخلق، وازدحام الناس، وختم الناس عليه القرآن تلك الليلة، واليوم الذي يليها أكثر من ثلاثين ختمة، وبات الناس على قبره أكثر من شهرين، نفعنا الله به.
والألف في قول الناظم كتبا في الشطر الأول من التنوين، وفي الشطر الثاني للإطلاق وكتبا الأول: جمع كتاب، وكتبا الثاني فعل ماض مبني للنائب.
ثم قال:
والشاطبي جاء في العقيلة
…
به وزاد أحرفا قليله
أخبر أن الإمام الشاطبي جاء به، أي: بالمقنع، يعني ذكر جميع مسائل كتاب المقنع في نظمه المسمى "بعقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد"، وزاد عليه أحرفًا، أي كلمات قليلة، وجملتها ست كلمات.
والشاطبي هو الشيخ الإمام المقري، أبو محمد قاسم بن فيرة أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير صابح القصيدة التي سماها "حرز الأماني ووجه التهاني"1.
1 أبو محمد قاسم بن فيرة الرعيني الشاطبي، ت/ 590، له قصيدة وهي لاميته المعروفة، بالشاطبية عدد أبياتها 1186 بيتًا، أولها:
بدأت باسم الله في النظم أولًا
…
تبارك رحمانا رحيما وموئلا
أورده بروكلمان في تاريخ الأدب العربي: 1/ 409-410، وسركيس في معجمه: 1091، ومنها نسخة خطية بالخزانة العامة بالرباط، حرف: د/ رقم: 815/ 1371. كما أن له: المعاني شرح حرز الأماني بنفس الخزانة، حرف: د/ رقم: 1007. وقصيدة حرز الأماني ووجه التهاني تقع في: 1173 بيتا: وقد ذكر الإمام الشاطبي في نهاية قصيدته هذا البيت: =
كان رحمه الله تعالى عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ، تصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد أهل زمانه في علم النحو واللغة، عالما بعلم الرؤيا، قرأ القرآن العظيم بالروايات على أبي عبد الله محمد بن علي أبي العاصي النفزي بالزاي المعجمة، وعلي أبي الحسن علي بن عبد الرحيم وغيرهما، وانتفع به خلق كثير، وكان يتجنب فضول الكلام، ولا ينطق في سائر أوقاته، إلا بما تدعوا إليه الضرورة، ولا يجلس للإقراء إلا على طهارة، وهيئة حسنة، وتخشع، وكانت ولادته في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة للهجرة، ودخل مصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، وكان يقول: عند دخول إليها أنه يحفظ وقر بعير في العلوم، وتوفي بمصر يوم الأحد بعد صلاة العصر، الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة، ودفن بالقرافة الصغرى في تربة القاضي الفاضل، وفيرة بكسر الفاء سكونم الياء المثناة من تحت، وتشديد الراء وضمها، وهو بلغة أعاجم الأندلس، ومعناه بالعربي الحديد والرعيني نسبة إلى قبيلة من قبائل المغرب.
والشاطبي نسبة إلى شاطبة مدينة كبيرة بالأندلس خرج منها جماعة من العلماء.
ثم قال:
وذكر الشيخ أبو داود*
…
رسما بتنزيل له مزيدا
= وأبياتها ألف تزيد ثلاثة
ومع مائة سبعين زهرا وكملا
وقد طبعت القصيدة في مصر بمراجعة علي محمد الضباع مراجع المصاحف بمشيخة المقارئ المصرية في 23/ 11/ 1355هـ 5/ 2/ 1937م مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، وتوجد عدة طبعات جديدة من هذه المنظومة خاصة في السعودية ولبنان.
وللمنظومة شرحان تحت اسم "كنز المعاني".
الأول: برهان الدين إبراهيم بن عمرو الجعبري المتوفى سنة 732هـ، ولدي نسخة مصورة منه ويقع في 3 أجزاء.
والثاني: لابن عبد الله محمد بن أحمد المعروف بشعلة الموصلي الحنبلي المتوفى عام 556هـ، انظر كشف الظنون، ج1، ص.
646، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
* أبو داود هو سليمان بن أبي القاسم نجاح مولى أمير المؤمنين هشام 413، 490هـ، روى عن أبي عمرو، وعثمان بن سعيد وعن أبي عمر بن عبد البر، وعن أبي الوليد الباجي، الصلة 2/ 200.