الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: فن الضبط
قال المؤلف رحمه الله بعد انتهائه من فن الرسم، هذا ما يسره الله تعالى من شرح النظم المتضمن لفن الرسم، وها أنا ذا أتبعه بحول الله، وقوته بشرح الذيل المتضمن لفن الضبط، فأقول مستعينًا بالله:
هذا تمام نظم رسم الخط
…
وها أنا أتبعه بالضبط
كيما يكون جامعا مفيدا
…
على الذي ألفيته معهودا
مستنبطا من زمن الخليل1
…
مشتهرا في أهل هذا الجيل
المشار إليه بـ"ذا" من قوله: "هذا تمام" هو البيت الأخير من نظم الرسم المسمى بـ"عمدة البيان" الذي ألفه قبل "مورد الظمآن"، وذيله بنظم الضبط المتصل اليوم بـ"مورد الظمآن"، وقوله:"تمام" بمعنى متمم بكسر الميم والمتمم بفتحها هو "عمدة البيان" الذي عبر عنه بقوله: "نظم رسم الخط"، فإن اعتبرت اتصال هذا الذيل اليوم بـ"مورد الظمآن" حتى صار كالجزء منه كان المشار إليه بذا هو البيت الأخير المتمم لمورد الظمآن الذي هو قوله:"صلى عليه ربنا" البيت، وكان المراد بقوله:"نظم رسم الخط" هو "مورد الظمآن". والمراد بالخط هنا المخطوط الذي هو المصاحف العثمانية، و"ها" من قوله و"ها أنا" حرف تنبيه و"أنا" ضمير المتكلم كنى به الناظم عن نفسه، وقوله "أتبعه" بظم الهمزة؛ لأنه من اتبع الرباعي، وقوله "بالضبط" على حذف مضاف أي بفن الضبط، وسيأتي تعريفه في المقدمة، ثم علل قوله "أتبعه بالضبط" بقوله "كيما يكون جامعا"، والضمير المستتر في "يكون" عائد على التأليف أي إنما أتبعت الرسم بالضبط لأجل أن يكون التأليف جامعا لفني الرسم، والضبط، مفيدا أي إفادة تامة، وقوله:"على الذي ألفيته" متعلق بـ"أتبعه".
1 الخليل، واسمه عبد الرحمن وشهرته الخليل بن أحمد الفراهيدي، كان إمام أئمة أهل اللغة، والأدب في عصره، أستاذ سيبويه في النحو، والقياس وقد أخذ العلم عن أبي عمرو بن العلاء، فقه اللغة للثعالبي ص17.
و"ألفيت" هنا بمعنى أصبت فلا تطلب إلا مفعولا واحدا، وهو هنا الضمير المتصل بها، و"معهودا" حال منه وكذا قوله:"مستنبطا" و"مشتهرا" حالان منه، والمعهود المتعارف، والمستنبط المستخرج والمخترع، و"من" في قوله "من زمن الخليل" بمعنى "في"، وعبر الناظم بالجيل عن الزمان وأراد زمانه، والمعروف عند اللغويين أن الجيل الصنف من الناس، والمراد بالخليل الخليل بن أحمد شيخ سيبويه المرجوع إليه في كلام العرب لغة، ونحوا، وتصريفا، وعروضا، ورسما، وضبطا. وكان عابدا زاهدا ورعا، يذكر أنه صلى الصبح بوضوء العتمة أربعين سنة، وهو المستنبط للضبط الذي اقتصر عليه الناظم، وارتضاه إلا أن عبارته غير موفية بما قصده من كون ما ارتضاه هو ما استنبطه الخليل؛ لأن لفظه لا يدل إلا على كونه مستنبطا في زمن الخليل، ولا يدل على أن الخليل هو المستنبط له، والخليل هو أول من ألف كتابا في الضبط، ثم قال الناظم:
فقلت طالبا من الوهاب
…
عونا وتوفيقا إلى الصواب
مقول "قلت" هو ما بعد هذا البيت إلى آخر الرجز، وقوله:"طالبا" حال من التاء في "قلت"، و"الوهاب"1 من أسمائه تعالى ومعناه الكثير العطاء تفضلًا. وقوله:"عونا" مفعول لـ"طالبا"، والمراد به الإعانة، وقوله "وتوفيقا" عطف على "عونا"، والتوفيق خلق القدرة على الطاعة، وعبر به هنا على الهداية إلى الصواب الذي هو ضد الخطأ.
1 اسم من أسماء الله الحسنى، سورة آل عمران: 3/ 8.
مقدمة:
فن الضبط علم يعرف به ما يدل على عوارض الحرف التي هي الفتح والضم والكسر، والسكون والشد والمد ونحو ذلك مما سيأتي، ويرادف الضبط الشكل، وأما النقط فيطلق بالاشتراك على ما يطلق عليه الضبط، والشكل وعلى الإعجام الدال على ذات الحروف، وهو النقط أفرادا وأزواجا المميز بين الحرف المعجم والمهمل، وموضوع فن الضبط العلامات الدالة على عوارض الحرف التي هي الحركة، والسكون وغيرهما مما سيأتي، ومن فوائده إزالة اللبس عن الحروف، بحيث إن الحرف إذا ضبط بما يدل على تحريكه بإحدى الحركات الثلاث لا يلتبس بالساكن، وكذا العكس، وإذا ضبط بما يدل على تحريكه بحركة مخصوصة لا يلتبس بالمتحرك بغيرها، وإذا ضبط بما يدل على التشديد لا يلتبس بالحرف المخفف، وإذا ضبط بما يدل على زيادته لا يلتبس بالحرف
الأصلي وهكذا، والضبط كله مبني على الوصل بإجماع علماء الفن إلا مواضع مستثناة تعلم مما سيأتي بخلاف الرسم، فإنه مبني على الابتداء والوقف كما ذكرناه في مقدمة فن الرسم.
واعلم أن العرب لم يكونوا أصحاب شكل، ونقط فكانوا يصورون الحركات حروفا، فيصورون الفتحة ألفا ويضعونها بعد الحرف المفتوح، ويصورون الضمة واوا، ويضعونها بعد الحرف المضموم، ويصورون الكسرة ياء، ويضعونها بعد الحرف المكسور، فتدل هذه الأحرف الثلاثة على ما تدل عليه الحركات الثلاث من الفتح، والضم، والكسر.
ولما كتب الصحابة رضي الله عنهم القرآن في المصاحف لم يصوروا فيها تلك الأحرف الدالة على ما تدل عليه الحركات الثلاث، مخافة أن تلتبس بأحرف المد، واللين الأصول، ولم يكن الضبط بالعلامات الآتية موجودًا عندهم. والصحيح أن المستنبط الأول للضبط هو أبو الأسود الدؤلي1، وسبب استنباطه له أن زياد بن أبي سفيان -أمير البصرة
1 تقدمت ترجمته في المدخل.
في أيام معاوية- كان له ابن اسمه "عبيد الله"، وكان يلحن في قراءته فقال زياد لأبي الأسود: إن لسان العرب دخله الفساد، فلو وضعت شيئا يصلح الناس به كلامهم ويعرفون به القرآن، فامتنع أبو الأسود فأمر زياد رجلا يجلس في طريق أبي الأسود، فإذا مر به قرأ شيئا من القرءان وتعمد اللحن، فقرأ الرجل عند مرور أبي الأسود به:{إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} 1 بخفض اللام من {رَسُولُهُ} فاستعظم ذلك أبو الأسود وقال: معاذ الله أن يتبرأ من رسوله، فرجع من فوره إلى زياد وقال له: قد أجبتك إلى ما سألت، فاختار رجلا عاقلا فطنا وقال له: خذ المصحف وصباغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط فوق الحرف نقطة، وإذا ضممتهما فانقط أمامه، وإذا كسرتهما فانقط تحته، فإذا اتبعته بغنة يعني تنوينا فانقط نقطتين، فبدأ بأول المصحف حتى أتى على آخره، فكان ضبط أبي الأسود نقطا مدورا كنقط الإعجام، إلا أنه مخالف له في اللون، وأخذ ذلك عنه جماعة، وأخذه منه الخليل، ثم إن الخليل اخترع نقطا آخر يسمى المطوع، وهو الأشكال الثلاثة المأخوذة من صور حروف المد، وجعل مع ذلك علامة الشد شينا أخذها من أول شديد، وعلامة الخفة جاء أخذها من أول خفيف، ووضع الهمزة والإشمام والروم فأتبعه الناس على ذلك إلى زمن الناظم، فلذلك اختاره في هذا النظم، واستمر العمل به إلى وقتنا هذا لكن مع بعض تغيير فيه كما ستقف عليه، ثم قال:
القول في أحكام وضع الحركة
…
في الحرف كيفما أتت محركة
أي هذا القول في صفات وضع الحركة المصاحبة للحروف كيفما جاءت تلك الحروف محركة أي بالفتح، أو بالضم، أو بالكسر فقوله:"أحكام" بفتح الهمزة جمع حكم بمعنى الصفة، ويروى بكسر الهمزة على أنه مصدر بمعنى الإتقان، والمراد بالحركة الجنس الشامل للفتحة، والضمة، والكسرة، و"في" من قوله "في الحرف" للمصاحبة مثلها في قوله تعالى:{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} 2 أي مع أمم و"أل" في الحرف للاستغراق، فيدخل فيه جميع الحروف حتى حروف فواتح السور نحو:{المَّ} 3 و {قَ} 4 و {نُ} 5، فتضبط
1 سورة التوبة: 9/ 3.
2 سورة الأعراف: 7/ 38.
3 سورة البقرة: 2/ 1.
4 سورة ق: 50/ 1.
5 سورة ن: 68/ 1.
كما نص عليه الداني وبه العمل، وأما نزول المط عليها فسنتكلم عليها في الباب الذي بعد هذا، وقوله "محركة" حال من فاعل "أتت" الذي هو ضمير عائد على الحرف، وأنث ضميره والحال الآتية منه نظرا إلى معناه؛ لأنه بمعنى الحروف فهو كقوله تعالى:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} 1، معناه أو الأطفال.
ثم قال:
ففتحة أعلاه وهي ألف
…
مبطوحة صغرى وضم يعرف
واوًا كذا أمامه أو فوقا
…
وتحته الكسرة ياء تلقى
أشار في هذين البيتين إلى صفة الحركات الثلاث، وإلى محلها من الحروف على مذهب الخليل الذي اختاره لجريان العمل به كما تقدم، وإن كان الداني اختار نقط أبي الأسود، فأشار بقوله:"أعلاه" إلى محل الفتحة يعني أنها توضع فوق الحرف، ولم يحك قول من جعلها أمام الحرف لضعف، وأشار بقوله:"مبطوحة صغرى" إلى صفتها، وجعلت مبطوحة أي مبسوطة، وممدودة من اليمين إلى اليسار لئلا يلتبس بأصلها الذي هو الألف، وجعلت صغيرة لتظهر مزية الأصل على الفرع، ثم أشار إلى صفة الضمة بقوله:"وضم يعرف واوا كذا" أي صغيرة كما ذكر في الفتحة، وأشار إلى محلها بقوله:"أمامه أو فوقا" أي لك وضع الضمة أمام الحرف على قول، ولك وضعها فوقه على قول آخره، وبقي قول ثالث بوضعها في نفس الحرف، ولم يحكه الناظم لضعفه، والمختار عند "المبرد"2، وجماعة وضعها فوق الحرف وبه جرى العمل عندنا، ثم أشار إلى محل وضع الكسرة بقوله:"وتحته الكسرة" أي تحت الحرف سواء كان معرفا، أو غير معرف إلا أنه إذا كان معرفا كالنون، فإن الكسرة توضع في أول تعريفه، ثم أشار إلى صفة الكسرة بقوله:"ياء تلقى" وفيه حذف النعت لدلالة ما قبله عليه، والتقدير: تلقى ياء صغيرة، ومعنى تلقى توضع وتكون الياء الصغيرة مردودة كما نص عليه الشيخان، وظاهر كلام الناظم، وغيره أن الواو الدالة على الضمة، والياء الدالة على الكسرة لهما رأس، وذكر بعض
1 سورة النور: 24/ 31.
2 المبرد: ترجمته تقدمت.
المتأخرين إسقاط رأسهما كما أسقط بعض الألف الدالة على الفتحة، وفي كلام "الداني"1، وغيره ما يشعر به، وعليه العمل عندنا إلا أن الياء يسقط رأسها بالكلية، وتسقط نقطتاها وتبقى جرتها فقط، وأما الواو فيسقط من رأسها الدارة فقط، ويكون شكلها معوجا، واعلم أن الحركات الثلاث المتقدمة شاملة لحركات البناء، والإعراب، وغيرهما كحركات انتقال الساكنين والاتباع، والنقل فضبطها كلها واحد، ولذلك اقتصر "أبو الأسود"2 في قضيته المتقدمة على الحركات الثلاث، وتبعه الداني، والناظم في ذلك، وفي تقديم الفتحة على الضمة والضمة على الكسرة، ومن قضيته أخذت أسماء هذه الحركات ومحلها، وقول الناظم "فوقا" بالنصب مع عدم التنوين على نية لفظ المضاف إليه، وألفه للإطلاق، ثم قال:
تمت إن أتبعتها تنوينا
…
فزد إليها مثلها تبيينا
لما فرغ من الكلام على الحركات الثلاث أتبعها بالكلام على التنوين اقتداء بأبي الأسود، والضمير في قوله:"أتبعتها" و"إليها" و"مثلها" يعود على الحركات الثلاث، أي إن أتبعت الحركات الثلاث تنوينا بأن نطقت به بعدها، فزد إليها مثلها بأن تزيد إلى الفتحة فتحة أخرى، وإلى الضمة ضمة أخرى، وإلى الكسرة كسرة أخرى، لأجل أن تبين ذلك أن بعد الحركة في اللفظ نونا تسمى تنوينا، ولما كانت هذه النون لا تأتي إلا بعد تمام الكلمة، وكان غيرها لا يأتي كذلك بل يأتي في أول الكلمة، أو وسطها أو متمما لها، فرق بينهما في التعبير فقيل لما هو من نفس الكلمة نون على الأصل، وعبر عن هذه بالتنوين تنبيها على ذلك، ولما حصل الفرق بينهما في التعبير جاء الخط تابعا لذلك، فرسم ما هو من نفس الكلمة نونا على الأصل، ولم يرسم التنوين، ولما لم يرسم احتاج أهل الضبط إلى أن يجعلوا له علامة تنبه عليه، وكان الأنسب أن ينبه عليه بعلامة سكون لكونه ساكنا، لكنهم جعلوا له علامة كعلامة الحركة لكونه ملازما لها بحيث لا يأتي بعدها، ولكنه مشابها لها في الثبوت وصلا والحذف وقفا، وقول الناظم "ثمت" حرف عطف زيدت عليها التاء المفتوحة لتأنيث اللفظ، وقوله:"تبيينا" مفعول لأجله علة لقوله: "زد".
1 الداني: ترجمته تقدمت.
2 أبو الأسود: ترجمته تقدمت.
ثم قال:
وإن تقف بألف في النصب
…
هما عليه في أصح الكتب
ذكر في هذا البيت أنك إذا وقفت على المنصوب المنون بالألف، لكونه كتب بها على مراد الوقف نحو:{غَفُورًا رَحِيمًا} ، فإن علامتي النصب، والتنوين يوضعان معا على الألف التي يوقف عليها بها يعني مع انفصالهما عنها، وأشار بقوله:"في أصح الكتب" إلى أن في هذه المسألة غير هذا القول سيصرح به بعد، وسنذكر المعمول به من ذلك، واحترز بقوله:"وإن تقف بألف في النصب" عن الأسماء المنونة التي لا يوقف عليها بالألف، فإن علامتي الحركة، والتنوين يوضعان فيها على نحو ما تقدم، فيوضعان فوق الحرف المتحرك بالفتح أو بالضم كـ"رحمة" المنصوب والمرفوع، وكـ"رحيم" المرفوع، ويوضعان تحت الحرف المتحرك بالكسر كـ"رحمة" و"رحيم" المجرورين. وقوله:"هما عليه" مبتدأ، وخبر والجملة جواب "إن" الشرطية، وحذف منه الفاء الرابطة للضرورة، و"الكتب" من قوله:"في أصح الكتب" يروى بفتح الكاف على أنه مصدر كتب، ويروى بضمها على أنه جمع كتاب، وعلى هذه الرواية لا بد من تقدير مضاف، والتقدير في أصلح أقوال الكتب أي كتب الضبط، ثم قال:
سوآء إن رسم أو إن جاء
…
وهو ملحق كنحو ماء
يعني أن الحكم بوضع علامتي النصب، والتنوين على ألف المنصوب المنون لا فرق فيه بين كون الألف ثابتة في الرسم نحو:{عَلِيمًا حَكِيمًا} 1، أو محذوفة من الرسم، وألحقت بالحمراء وقوله كنحو:{مَاءٍ} 2 يحتمل أن يكون مثالًا للثاني فقط لم يمثل للأول لوضوحه، ويحتمل أن يكون مثالا له، ولما قبله وذلك؛ لأن في ضبط نحو "ماء" و {غُثَاءً} 3، و {مِرَاءً} 4، و {افْتِرَاءً} 5 ثلاثة أوجه على ما ذكره أئمة النقط، أرجحها عندهم وبه العمل، أن تجعل الهمزة نقطة صفراء بعد الألف الكحلاء، وعلامتا النصب، والتنوين على الهمزة، ولا يلحق بعدها شيء، وإنما كان هذا الوجه هو الأرجح
1 سورة النساء: 4/ 11.
2 سورة الطارق: 86/ 6.
3 سورة الأعلى: 87/ 5.
4 سورة الكهف: 18/ 22.
5 سورة الأنعام: 6/ 138.
لكون الضبط مبنيا على الوصل كما قدمناه، الوجه الثاني: مثله وتلحق الألف حمراء بعد الهمزة وتجعل علامتا النصب، والتنوين على الألف الحمراء بناء على القول المتقدم، الوجه الثالث: جعل الألف الحمراء قبل الكحلاء، والهمزة بينهما، وعلامتي النصب والتنوين على الألف الكحلاء، فألف التنوين مرسوم في هذا الوجه، وملحق بالحمراء في الوجه الذي قبله، فصح أن يكون نحو "ماء" مثالًا للقسمين، و"إن" الواقعة بعد قوله:"سواء" وبعد قوله: "أو" يصح أن تكون بفتح الهمزة على أنها مصدرية، ويصح أن تكون بكسرها على أنها زائدة، وجملة قوله: و"هو ملحق" في محل الحال من فاعل "جاء" الذي هو ضمير الألف أي سواء في ذلك رسمه، ومجيئه ملحقا، ثم قال:
وإن يكون ياء كنحو مفترى
…
هما على الياء كذا النص سرى
يعني وإن يكن الألف المرقوف عليه في الاسم المنون مكتوبا في الخط ياء، فإنك تضع علامتي النصب، والتنوين على الياء كما تضعها على الألف في نحو:{عَلِيمًا حَكِيمًا} 1، ثم لذلك بقوله كنحو:{مُفْتَرىً} يعني من كل اسم مقصور منون رسمت ألفه ياء سواء كان مرفوعا نحو: {مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً} 2، أو منصوبا نحو:{سَمِعْنَا فَتىً} 3 أو مجرورا نحو: {فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} 4 وأصل: {مُفْتَرىً} "مفترى" بفتح الراء، وتنوين الياء تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت "ألفا" فالتقى ساكنان: الألف والتنوين، فحذفت ما سبق وهو الألف، وهكذا يقال فيما أشبهه.
واختلف في ألف هذا النوع الملفوظ بها في الوقف فقال "المازني"5: هي ألف التنوين مطلقا، وقال "الكسائي"6: هي المنقلبة عن الياء مطلقا، وقال "سيبويه"7: بالتفصيل قياسا على الصحيح، ففي المنصوب هي ألف التنوين، وفي غيره هي بدل الياء.
1 سورة النساء: 4/ 11.
2 سورة القصص: 28/ 63.
3 سورة الأنبياء: 21/ 60.
4 سورة الحشر: 59/ 14.
5 المازني: هو أبو عثمان بكر عالم نحوي لغوي من أهل البصرة، أخذ عن الأخفش الأوسط، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي، وله كتاب ما يحلف فيه العامة، ترجمته في الأعلام ص:628.
6 الكسائي: هو علي بن حمزة أحد القراء السبعة، كان عالما بالنحو والقراءات، ترجمته في مقدمة فقه اللغة للثعالبي ص:17.
7 سيبويه: هو أبو بشر عمر الحارثي، وسيبويه لقب فارسي، معناه رائحة التفاح، كان أعلم المتقدمين، والمتأخرين بالنحو، أخذ عن الخليل، نفس المصدر ص:21.
وقوله: "كذا النص سرى" معناه كذا شاع النص في هذه المسألة بين أهل الضبط، وكنى به عن شهرة ما ذكره هنا، وسيأتي قول آخر مقابل له، وقوله:"هما على الياء" مبتدأ وخبر، والجملة جواب "إن" الشرطية، وحذف منه الفاء الرابطة للضرورة كما تقدم في نظيره، ثم قال:
وقيل في الحرف الذي من قبل
…
حسبما اليوم عليه الشكل
ذكر في هذا البيت أن في المنون الذي يوقف عليه بالألف قولا آخر، وهو وضع علامتي الحركة، والتنوين على الحرف المحرك الذي قبل الألف المرسومة في نحو "عليما"، وقبل الألف الملحقة بالحمراء في نحو "ماء"، وقبل الألف المرسومة ياء في نحو "مفترى"، وهذا القول الذي قدمه هو الذي عليه نقاط المدينة، والكوفة، والبصرة، واختاره الشيخان، وجرى به عمل الجمهور وعليه عملنا الآن، ووجه أن الألف الموقوف عليها لما لم توجد في الوصل خيف أن يتوهم زيادتها في الرسم، فوضعت علامة التنوين عليها إشارة إلى أنها مبدلة من التنوين، واستدعى التنوين وضع الفتحة معه على الألف لملازمته للحركة، بحيث لا يأتي إلا بعدها كما تقدم، فلذلك وضعت العلامتان معا على الألف أو ما يقوم مقامها، والقول الذي ذكره الناظم في هذا البيت هو قول الخليل وسيبويه، واختاره بعضهم، وأشار الناظم بقوله:"حسبما اليوم عليه الشكل" إلى جريان العمل به في زمانه، وبقي في المسألة قولان آخران: أحدهما وضع الحركة على حرفها، ووقع علامة التنوين على الألف أو ما يقوم مقامه، والقول الآخر وضع حركة الحرف عليه، ثم تعاد مع التنوين فيوضعان معا على الألف أو ما يقوم مقامه، ولم يذكر الناظم هذين القولين لضعفهما، وقوله:"في الحرف" خبر مبتدأ محذوف تقديره هما، و"في" معنى "على"، وقوله:"حسبما" بفتح السين، وحسب بمعنى مثل، ثم قال:
وفي إذا ثمت نون إن تخف
…
لنسفعا وليكونا في الألف
ذكر في هذا البيت نونين جعل أهل الضبط علامتهما كعلامة التنوين، ووضعوها أين توضع علامة التنوين النون الأولى النون من "إذا" نحو: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا
عَظِيمًا} 1، {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} 2، وهي حرف جواب وجزاء، فليس النون في طرفها تنوينا لكن لما أشبهت المنون المنصوب، قلبت نونها في الوقف ألفا فكتبت به، وجعل أهل الضبط علامتها كعلامة التنوين، ووضعوها مع الفتحة على الألف النون الثانية نون:{لَنَسْفَعًا} ، و {لِيَكُونَا} من قوله تعالى:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 3، {وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} 4، والنون الساكنة فيهما هي نون التوكيد الخفيفة قياسها أن تبدل في الوقف ألفا، فلذا كتبت به في جميع المصاحف، وجعل أهل الضبط علامتها كعلامة التنوين، ووضعوها مع الفتحة على الألف أيضًا، وإلى محل وضع علامتي الفتح، والنونين أشار الناظم بقوله:"في الألف" وهو خبر مبتدأ محذوف، و"في" بمعنى "على" وقوله "في إذا" متعلق بما تعلق به الخبر، وقوله:"إن تخف" يروى بفتح "إن" على أنها زائدة، "وتخف" بكسر الخاء من خف الشيء صار خفيفا صفة لنون على تقدير مضاف قبل نون، وقوله:"لنسفعًا وليكونًا" بدل من المضاف المحذوف. ويروى بكسر "إن" على أنها زائدة، "وتخف" بكسر الخاء من خف الشيء صار خفيفا صفة لنون على تقدير مضاف قبل نون، ويروى بكسر "إن" على أنها شرطية، وسبك البيت مقدراته هكذا: وهما أي العلامتان كائنتان على الألف في "إذا"، ثم في "ذي" نون خفيفة الذي هو:{لَنَسْفَعًا} ، و {لِيَكُونَا} ، وكأن اقتصار الناظم على وضع العلامتين على الألف تبعا لظاهر كلام الشيخين، والمحققون جعلوا ظاهر كلامهما على اختيار ذلك لا على تعيينه، فلا ينافي جريان القول بجعل العلامتين هنا على الحرف الذي قبل الألف، كما تقدم في التنوين، بل في كلام بعضهم ما يشعر بأن الأقوال الأربعة المتقدمة في التنوين تجري هنا، ولكن المختار ما اقتصر عليه الناظم، وبه جرى العمل عندنا، ثم قال:
وقبل حرف الخلق ركبتهما
…
وقبل ما سواه أتبعتهما
ذكر في هذا البيت أن علامتي الحركة، والتنوين إذا وقعتا قبل حرف من حروف الحلق، فإنهما تركبان أي تجعل علامة التنوين فوق علامة الحركة، وإذا وقعتا قبل حرف غير
1 سورة النساء: 4/ 67.
2 سورة الإسراء: 17/ 76.
3 سورة العلق: 96/ 15.
4 سورة يوسف: 12/ 32.
حلقي فإنهما تجعلان متتابعتين أي تجعل علامة التنوين أمام علامة الحركة. وأطلق الناظم في التركيب قبل حرف الحلق، فدخلت حروف الحلق الستة: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، فالهمزة نحو:{مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} 1. {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} 2، و {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} 3 وسواء كانت محققة أو محذوفة بعد نقل حركتها على رواية ورش؛ لأنها في حكم الثابتة مراعاة للأصل، والهاء نحو: {جُرُفٍ هَارٍ} 4 والعين نحو: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 5 والحاء نحو: {لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} 6، والغين نحو: {لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 7 والخاء نحو: {عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 8 بناء على المشهور من أن حكم النون الساكنة، والتنوين عند الغين والخاء الإظهار، وأما على ما جاء شاذا عن نافع من الإخفاء عندهما -وبه قرأ أبو جعفر من القراء العشرة- فالحكم الإتباع، والظاهركلامه أن الحكم مع الحرف الغير الحلقي الإتباع سواء كان متحركا نحو: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} 9، و {قَوْمًا صَالِحِينَ} 10. و {عَلِيمٌ بِمَا} 11 أم ساكنا وتحرك التنوين للتخلص من التقاء الساكنين نحو: {مَحْظُورًا، انْظُرْ} 12. و {رَحِيمًا، النَّبِيُّ} 13 ولا نص للمتقدمين في الساكن، والمحققون من المتأخرين حكموا بالتركيب معه، واستثنوا من ذلك: {عَادًا الْأُولَى} 14، فحكموا فيه بالإتباع؛ لأنه لم يتحرك فيه التنوين ولذلك أدغم، وما حكم به المحققون من المتأخرين هو الذي جرى به العمل عندنا، ووجه التركيب مع حروف الحلق، والإتباع مع غيرها أن حروف الحلق لما بعد مخرجها عن مخرج التنوين حتى أظهر التنوين عندها في اللفظ، أشير بالتركيب إلى البعد المذكور، إذ في تركيب التنوين إبعاد له عن حروف الحلق خطا كما كان بعيدا منها لفظا، ولما لم تبعد بقية الحروف عن مخرج التنوين كبعد حروف الحلق بل منها ما قرب جدا، ومنها ما قرب فقط حتى كان حكم التنوين عندها الإدغام في بعض، والإخفاء عند بعض والقلب عند بعض، أشير بالإتباع إلى قربه منها إذ إتباع التنوين للحركة تقريب له من تلك الحروف خطا كما كان قريبا منها لفظا، وقوله: "ركبتهما" أكثر الروايات فيه بفتح الكاف
1 سورة الأنعام: 6/ 141.
2 سورة يونس: 10/ 5.
3 سورة الغاشية: 88/ 5.
4 سورة التوبة: 9/ 109.
5 سورة الحجرات: 49/ 1.
6 سورة الزخرف: 43/ 4.
7 سورة الحج: 22/ 60.
8 سورة لقمان: 31/ 34.
9 سورة القمر: 54/ 55.
10 سورة النور: 24/ 41.
11 سورة يوسف: 12/ 9.
12 سورة الإسراء: 17/ 21.
13 سورة الأحزاب: 33/ 5، 6.
14 سورة النجم: 53/ 56.
وسكون الباء وبعدها تاء على أنه فعل ماض وفاعل، ولفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب أي ركبهما، وفي بعض الروايات بكسر الكاف، وفتح الباء بعدها نون التوكيد الخفيفة ومعناه ظاهر، وبمثل هذين الوجهين يروى قوله:"أتبعتهما"، ثم قال:
والشد بعد في هجاء لم نرا
…
وغيره فعره كيف جرا
ذكر في الشطر الأول من هذا البيت أن التنوين إذا وقع بعده حرف من الحروف المجموعة في هجاء "لم نر"، وهي أربعة: اللام والميم، والنون، والراء نحو:{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 1، {هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} 2، {يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} 3، {غَفُورٌ رَحِيمٌ} 4، فإن ذلك الحرف يشدد بعلامة التشديد الآتية في الباب الذي بعد هذا، ثم أمر بتعرية غير الأحرف الأربعة، يعني من علامة التشديد كيف جرى ذلك الغير على لسانك في التلاوة، أي سواء كان مما يظهر عنده التنوين هو حروف الحلق الستة المتقدمة نحو:{عَلِيمٌ حَكِيمٌ} 5، أو مما يقلب عنده التنوين وهو الباء نحو:{عَلِيمٌ بِمَا} 6، أو مما يدغم عنده التنوين إدغاما ناقصا، وهو الياء والواو نحو:{قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} 7، أو مما يدغم عنده التنوين، وهو الحروف الخمسة عشر الباقية نحو:{غَفُورٌ شَكُورٌ} 8، فهذه كلها تعرى من علامة التشديد، وأما الحركة فلا تعرى منها بل لا بد من وضعها إذ لا موجب لذهابها، ووجه تشديد حروف "لم نر" بعد التنوين التنبيه على التنوين أدغم في ذلك الحرف إدغاما تاما قلب لأجله التنوين، وصار من جنس ذلك الحرف، ولأجل ذلك سمي هذا النوع بالإدغام الخالص، ولما لم يدغم التنوين في غير هذه الأحرف الأربعة إدغاما تاما عري ذلك الغير من علامة التشديد تنبيها على ذلك، وقوله: و"الشد" مبتدأ على حذف مضاف أي، وعلامة التشديد تنبيها على ذلك، وقوله: و"الشد" مبتدأ على حذف مضاف أي وعلامة، و"في هجاء" خبره، و"في" بمعنى "على" وقوله:"بعد" أي بعد التنوين حال من "هجاء لم نر"، والفاء في قوله:"فعره" زائدة والألف في "نرا" لإطلاق، ثم قال:
1 سورة البقرة: 2/ 2.
2 سورة البقرة: 2/ 5.
3 سورة الغاشية: 88/ 8.
4 سورة البقرة: 2/ 173.
5 سورة الأنفال: 9/ 28.
6 سورة يوسف: 12/ 9.
7 سورة النازعات: 79/ 8.
8 سورة فاطر: 35/ 34.
هذا إذا أبقيت عند الياء
…
والواو غنة لدى الأداء
كانا كباقي الأحرف المعراة
…
من غير فرق ولدا النحاة
ألفرق بين مدغم ومخفى
…
هذا مشدد وهذ خفا
يعني أن محل تعرية الياء والواو من علامة التشديد، إذا أبقيت غنة التنوين عند اجتماعه معها في الأداء أي التلاوة بأن تقرأ بقراءة من يبقى الغنة عندهما، وهم غالب القراء فيكونان حينئذ عاريين من علامة التشديد، كباقي الحروف التي لا تشد وهي حروف الإظهار، والقلب والإخفاء المتقدمة، من غير فرق بين الجميع، وإما إذا لم تبق غنة التنوين عند الياء، والواو كما هو رواية "خلف" عن "حمزة"، فإنك تضع علامة التشديد فوقهما إشارة إلى أن الإدغام تام أي لم تبق معه ذات المدغم -وهو هنا التنوين- ولا صفته -وهي هنا الغنة- وإنما لم توضع علامة التشديد مع إبقاء الغنة؛ لأن الإدغام ناقص أي أدغمت معه الذات، وأبقيت الصفة -وهي هنا الغنة- فلو وضعت معه علامة التشديد لالتبس بالإدغام التام، وقد تبرع الناظم باشتراط إبقاء الغنة إذ كلامه في ضبط قراءة "نافع"، ولم يرو عنه الإدغام التام في الياء والواو، وما تقدم من وضع علامة التشديد في الإدغام التام، وعدم وضعها في الإدغام الناقص هو مذهب أهل الضبط، واقتصر عليه "الداني" في المحكم، وبه جرى العمل، وخالفهم النحاة في ذلك كما أشار إليه الناظم بقوله:"ولدا النحاة" إلخ، يعني أن النحاة يفرقون بين المدغم، والمخفي فيضعون علامة التشديد على المدغم فيه؛ لأنه مشدد في اللفظ، ولا يضعونها على المخفي عنده؛ لأنه مخفف في اللفظ، ولا يفرقون بين الإدغام التام، والإدغام الناقص بل يضعون علامة التشديد في كليهما، ويلزمهم التباس الناقص بالتام.
فإن قلت: يرد على أهل الضبط أن الياء، والواو إذا لم يشددا مع إبقاء غنة التنوين يتوهم أن الحكم عندهما الإخفاء، فالواجب أن هذا التوهم يدفعه شهرة عدد حروف الإخفاء إذ لم يعد فيها أحد الياء والواو، وهذا الوجه الثاني الذي نسبه الناظم للنحاة ذكره "الداني" في "المقنع" مع الوجه الأول، وكذا "أبو داود"، إلا أنهما لم يخصا الوجه الثاني بالنحاة كما فعل الناظم، واسم الإشارة من قوله:"هذا إذا أبقيت" يعود على الحكم
السابق وهو تعرية غير هجاء "لم نر"، ولا يصح عود اسم الإشارة من قوله:"هذا مشدد وهذا خفا" على مدغم ومخفي، وإنما يعود على ما دل عليه مدغم، ومخفي وهو المدغم فيه والمخفي عنده، وقوله:"خفا" فعل ماض مفتوح الأول ولا يصح ضمه؛ لأنه لازم، ولا يبنى للنائب إلا المتعدي وألفه للإطلاق، ثم قال:
وعوضن إن شئت ميما صغرى
…
منه لباء إذ بذاك يقرى
يعني أن التنوين إذا لقي الباء نحو: {عَلِيمٌ بِمَا} 1 جاز فيه وجهان: أحدهما أن تجعل علامته كعلامة الحركة، وتتبعها لها على ما تقدم في قوله:"وقبل ما سراه أتبعتهما"؛ لأن الباء داخلة فيما سوى حروف الحلق، الوجه الثاني: أن تعوض منه ميما صغرى أي تجعل ميما صغيرة عوضا من علامة التنوين، وأشار بقوله:"إن شئت" إلى أنك مخير في هذين الوجهين، وعلل الوجه الثاني بقوله:"إذ بذاك يقرا" أي؛ لأن التنوين عند الباء يقلب ميما في القراءة، فيكون تصويره ميما في الضبط مشعرا بذلك، واقتصر الداني في المحكم على الوجه الأول، وذكر "أبو داود" الوجهين، واختار الوجه الثاني وبه جرى عملنا، وإذا صورت التنوين ميما فلا تجعل عليها علامة السكون؛ لأنها بمنزلة الحركة الدالة على التنوين، فكما أن السكون لا يجعل على الحركة لا يجعل على ما تنزل منزلتها، واللام في قوله:"لباء" بمعنى "عند"، وقوله "يقرا" يصح ضبطه بالياء المضمومة، فيكون فيه مستتر عائد على التنوين، ويصح ضبطه بالتاء المفتوحة على الخطاب أي تقرا أنت، وألفه على كلا الضبطين مبدلة من الهمزة، ثم قال:
وَحُكْمُ نُونٍ سَكَنَتْ أن تُلْقِي
…
سكونها عند حروف الحلْقِ
لما فرغ من أحكام التنوين في أكثر الأحكام، فأشار في هذا البيت إلى أن حكم النون الساكنة، إذا لقيها أحد حروف الحلق الستة، أن تلقي على النون أي تضع عليها علامة السكون الآتية، إشارة إلى أن النون عند حروف الحلق مظهرة في اللفظ لبعد مخرجها من مخرجهن، كما أن تركيب التنوين عند حروف الحلق إشارة إلى ذلك على ما قدمناه، فتصوير السكون هنا بمنزلة التركيب في التنوين، ولا فرق في ذلك بين أن تكون
1 سورة يوسف: 12/ 9.
النون مع حرف الحلق في كلمة واحدة، وبين أن يكونا في كلمتين نحو:{وَيَنْأَوْنَ} 1، و {مَنْ آمَنَ} 2 لقالون، وأما ورش فينقل حركة همزة:{آمَنَ} 3 إلى نون: {مِنْ} 4 فمن أخذ بروايته يضبط النون في ذلك، وما أشبه بالحركة لا بالسكون، ونحو {مِنْهَا} 5، و {مِنْ هَادٍ} 6، و {أَنْعَمْتَ} 7، و {مِنْ عَمَلِ} 8 و {انْحَرْ} 9 و {مَنْ حَادَّ} 10، و {فَسَيُنْغِضُونَ} 11، و {مِنْ غِلٍّ} 12، و {الْمُنْخَنِقَةُ} 13، و {مَنْ خَفَّتْ} 14، وهذا الحكم في غير الغين والخاء متفق عليه، وفي الغين والخاء كذلك على المشهور، وأما على ما جاء شاذا عن نافع من الإخفاء عندهما -وبه قرأ أبو جعفر من القراء العشرة- فحكم النون عندهما كحكمها عند حروف الإخفاء، وسيأتي إثر هذا البيت، وقوله:"تلقي" بضم التاء من ألقى، وهو منصوب بـ"أن" لكنه سكنه للوقوف، و"سكونها" مفعول "تلقي" على حذف مضاف إلى علامة سكونها، ثم قال:
وعند كل ما سواه تعرى
…
وإن تشأ صورت ميما صغرى
من قبل باء ثم شد يلزم
…
في كل ما التنوين فيه يدغم
ذكر في الشطر الأول أن حكم النون الساكنة عند غير الحرف الحلقي أن تعرى من علامة السكون، وشمل قوله:"كل ما سواه" حروف الإخفاء الخمسة عشر المعلومة، متصلة مع النون، أو منفصلة عنها نحو "أنت" و"إن كنتم"، وحرف القلب وهو الباء متصلة مع النون، أو منفصلة عنها:{مُنْبَثًّا} 15، و {مِنْ بَعْدُ} 16، وحروف الإدغام التام والناقص، وهي حروف "يرسلون" نحو:{مِنْ رَبِّهِمْ} 17، {مِنْ لَدُنْهُ} 18. و {مَنْ يَعْمَلُ} 19، {مِنْ وَالٍ} 20 لكن بشرط انفصال الياء والواو عن النون كما مثلنا، وأما إذا كانا متصلين معها في كلمة واحدة نحو: {الدُّنْيَا} 21، و {قِنْوَانٌ} 22، فالحكم تصوير سكونها؛ لأنها
1 سورة الأنعام: 6/ 26.
2 سورة البقرة: 2/ 177.
3 سورة البقرة: 2/ 184.
4 سورة النساء: 4/ 48.
5 سورة طه: 20/ 55.
6 سورة الرعد: 13/ 33.
7 سورة الفاتحة: 1/ 6.
8 سورة يونس: 10/ 61.
9 سورة الكوثر: 108/ 2.
10 سورة المجادلة: 58/ 22.
11 سورة الإسراء: 17/ 51.
12 سورة الأعراف: 7/ 43.
13 سورة المائدة: 5/ 3.
14 سورة القارعة: 101/ 8.
15 سورة الواقعة: 56/ 6.
16 سورة البينة: 98/ 4.
17 سورة البقرة: 2/ 26.
18 سورة النساء: 4/ 40.
19 سورة سبأ: 34/ 12.
20 سورة الرعد: 13/ 10.
21 سورة البقرة: 2/ 87.
22 سورة الأنعام: 6/ 99.
مظهرة حينئذ، وظاهر كلام الناظم تعريتها لعمومه، وسيذكر وجها آخر في النون عند الواو، والياء المنفصلين عنها وهو إثبات علامة سكونها، وإنما عريت النون عند ما سوى الحرف الحلقي إشارة إلى قربها مما بعدها في المخرج حتى أدغمت في بعض، وقلبت عند بعض وأخفيت عند بعض، كما أن اتباع التنوين إشارة إلى ذلك على ما قدمناه، فتعرية النون هنا بمنزلة الاتباع في النون، وأشار بقوله:"وإن تشأ صورت ميما صغرى من قبل ياء"، إلا أن النون الساكنة إذا لقيت الباء نحو:{مِنْ بَعْدِ} 1 جاز لك فيها وجهان: أحدهما تعريتها من علامة السكون حسبما دل عليه العموم السابق، وهذا الوجه هو اختيار الداني، الوجه الثاني أن تصور ميما صغيرة تنبيها على أن النون انقلبت في اللفظ ميما لمؤاخاتها للنون في الغنة، وقربها من الباء في المخرج، وهذا الوجه هو اختيار أبي داود وبه جرى العمل، وتوضع تلك الميم على النون في مكان السكون على ما نص عليه أبو داود وبه العمل، ولا تجعل على الميم علامة السكون كما قدمناه في التنوين عند الباء، وقوله:"ثم شد يلزم" إلخ، يعني به أن وضع علامة التشديد يلزم في كل حرف يدغم فيه التنوين إدغاما خالصا في اللفظ، ويشدد بعد التنوين في الضبط، وذلك حروف "لم نر" المتقدمة في قوله "والشد بعد في هجاء لم نر"، وأمثلتها بعد النون:{مِنْ لَدُنْهُ} 2، {مِنْ مَاءٍ} 3، {مِنْ نِعْمَةٍ} 4، {مِنْ رِزْقِ} 5، ووجه تشديدها بعد النون التنبيه على أنها أدغمت فيها النون إدغاما تاما كما تقدم في التنوين، وفهم من كلام الناظم أن ما عدا حروف "لم نر"، لا تجعل عليه علامة التشديد بعد النون الساكنة، وهو كذلك إلا الواو والياء، فسيتكلم عليهما في البيتين بعده.
تنبيه: لم يتعرض الناظم ولا غيره إلى ضبط الميم عند الباء نحو: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} 6، والذي جرى به عملنا أن ضبطها كضبط النون الساكنة عند حروف الإخفاء، وهو أن تعرى من علامة السكون، ولا تجعل علامة التشديد على الباء، وهذا مبني على أن حكم الميم الساكنة عند الباء الإخفاء مع الغنة، وهو المختار عند المحققين من أهل الأداء لجميع القراء، وأخذ كثير من أهل الأداء فيها بالإظهار التام لجميع القراء، والضمير في
1 سوة الأنعام: 6/ 29.
2 سورة سبأ: 34/ 12.
3 سورة الطارق: 86/ 6.
4 سورة النحل: 16/ 53.
5 سورة البقرة: 2/ 60.
6 سورة البقرة: 2/ 8.
قول الناظم "سواه" يعود على حرف الحلق المفهوم من قوله: "حروف الحلق" في البيت السابق، ثم قال:
والواو والياء إذا أبقيتا
…
غنتها عندهما أثبتا
علامة التشديد والسكونا
…
إن شئت أو عرهما والنونا
تكلم هنا على حكم الواو، والياء الواقعين بعد النون الساكنة، وعلى حكم النون الساكنة الواقعة بعدهما نحو:{مَنْ يَعْمَلْ} 1، {مِنْ وَالٍ} 2، فذكر أن الواو، والياء إذا أبقيت عندهما غنة النون بأن أدغمت فيها النون إدغاما ناقصا على قراءة غالب القراء، فإن الحكم في النون وما بعدها من الواو، والياء التخيير بين وجهين: أحدهما أن تضع علامة التشديد على الواو، والياء للدلالة على إدغام النون فيهما، وتضع علامة السكون على النون للدلالة على أن الإدغام ناقص بسبب إبقاء غنة المدغم الذي هو النون، وهذا معنى قوله:"أثبتا * علامة التشديد والسكونا" أي علامة سكون النون، وهذا الوجه هو مختار الشيخين وبه جرى العمل، الوجه الثاني أن تعري النون من علامة السكون إشعارا بإدغامها فيما بعدها، وتعري الواو والياء من علامة التشديد لا من الحركة إشعارا بأن النون لم تدغم فيهما إدغاما خالصا، وإنما جوزوا هذين الوجهين في الواو، والياء من علامة التشديد لا من الحركة إشعارا بأن النون لم تدغم فيهما إدغاما خالصا، وإنما جوزوا هذين الوجهين في الواو والياء بعد النون الساكنة، واقتصروا على تعريتها بعد التنوين لالتبس الإدغام الناقص بالإدغام التام، كما قدمناه بخلاف وضعها عليهما بعد النون الساكنة، فإنه لا التباس فيه؛ لأن وضع علامة السكون على النون يدل على أن الإدغام غير خالص، وفهم من قول الناظم:"إذا أبقيتا غنتها عندهما" أنك إذا لم تبق غنتهما عندهما كما هو رواية خلف عن حمزة، فإن الضبط لا يكون كذلك بل يكون بوضع علامة التشديد على الواو والياء، وتعرية النون من علامة السكون؛ لأن الإدغام حينئذ خالص، وما أفاده الناظم في هذين البيتين هو مذهب أهل الضبط، وخالفهم النحاة في ذلك، فقالوا: لا بد من وضع
1 سورة النساء: 4/ 123.
2 سورة الرعد: 13/ 10.
علامة التشديد على الواو، والياء بعد النون الساكنة في الإدغام التام، والإدغام الناقص على ما تقدم في التنوين، وقد تبرع الناظم باشتراط إبقاء الغنة في النون إذ كلامه في ضبط قراءة نافع، ولم يرو عنه الإدغام التام في الواو والياء كما قدمناه في التنوين، نعم روي عنه شاذا إبقاء غنة النون الساكنة، والتنوين عند اللام والراء، فعلى هذه الرواية يكون الإدغام ناقصًا، ويكون ضبط النون واللام والراء الواقعين بعدها، وبعد التنوين كضبط النون والواو والياء الواقعين بعدها، وبعد التنوين وقد علمته.
تنبيه: اتفق أهل الأداء على أن الغنة الظاهرة مع الإدغام في الواو، والياء غنة المدغم وهو النون الساكنة والتنوين، فيكون الإدغام ناقصا ومع الإدغام في النون نحو:{مِنْ نَصِيرٍ} 1. و {يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} 2 غنة المدغم فيه، فيكون الإدغام تاما، واختلفوا في الغنة مع الإدغام في الميم نحو: {مِنْ مَاءٍ} 3، و {هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ} 4، فالذي عليه الجمهور وهو الصحيح أنها غنة الميم المدغم فيها، وقيل: غنة الميم المبدلة من النون والتنوين، وقيل: غنتها وغنة الميم المدغم فيها، وقيل: غنة النون والتنوين، فعلى الأقوال الثلاثة الأول يكون الإدغام تاما، ويكون الضبط على ما تقدم وهو أن تعري النون من علامة السكون، وتضع علامة التشديد على الميم كالنون بعد النون، وعلى القول الرابع يكون الإدغام ناقصا، ويكون ضبط النون والميم الواقعة بعدها، وبعد التنوين كضبط النون والواو والياء الواقعين بعدها وبعد التنوين، وقوله: و"السكونا" عطف على "علامة" وقوله: و"النونا" عطف على الضمير المنصوب في قوله: "عرهما"، ثم قال:
وكل ما اختلس أو يشم
…
فالشكل نقط والتعري حكم
لما تكلم على الحركة الخالصة، وعلى التنوين شرع في الكلام على الحركة الغير الخالصة، وقسمها إلى ثلاثة أقسام: مختلسة ومشمة وممالة، وسيتكلم على القسم الثالث في البيتين بعد، وتكلم هنا على ضبط القسمين الأولين، فذكر أن كل ما اختلس من الحركات، أو أشم منها ففي ضبطه وجهان: أحدهما أن يجعل الشكل الدال عليه نقطا
1 سورة الحج: 22/ 71.
2 سورة الغاشية: 88/ 8.
3 سورة الطارق: 86/ 6.
4 سورة البقرة: 2/ 5.
مدورا كنقط الإعجام لئلا يلتبس بالحركة الخالصة، وإلى هذا الوجه أشار بقوله:"فالشكل نقط"، ويجعل هذا النقط الحمراء، ويوضع في الاختلاص فوق الحرف إن كان مفتوحا كعين {تَعْدُوا} 1 وتحته إن كان مكسورا كعين:{نِعِمَّا} 2، وأما في الإشمام فسينص الناظم على أنه يوضع أمام الحرف، الوجه الثاني أن يعرى الحرف الذي اختلست حركته، أو أشمت من شكل الحركة الخالصة، ومن عوضها وهو النقط المدور، وإلى هذا الوجه أشار بقوله:"والتعري حكم" أي حكم آخر يعني وجها ثانيا في الضبط، والاختلاس عند القراء اختطاف الحركة بسرعة حتى يذهب القليل، ويبقى الكثير ويكون في الحركات كلها، وقد رواه قالون عن نافع في عين:{نِعِمَّا} 3 و {تَعْدُوا} 4 وفي هاء: {يَهْدِي} 5 وخاء: {يَخِصِّمُونَ} 6 تنبيها على أن أصلها السكون. وروى ورش فيها الحركة التامة، وضبطها على روايته ظاهر وكذا على رواية إسكانها لقالون، والمراد بالإشمام هنا النطق بحركة تامة مركبة من حركتين ضمة وكسرة، وجزء الضمة مقدم وهو الأقل، ويليه جزء الكسرة وهو الأكثر هذا هو الصحيح في معناه، وقد قرأ به نافع في سين:{سِيءَ} 7، و {سِيئَتْ} 8 تنبيها على أن أصلها الضم، وإنما كانت الحركة المختلسة، والمشمة غير خالصتين؛ لأن الأولى مشوبة بسكون، والثانية كسرة مشوبة بضمة، الوجه الأول في ضبط ما اختلس، أو شم هو اختيار الداني وبه جرى عملنا، والوجه الثاني هو اختيار أبي داود قال: لأن الإشمام والاختلاص لا يؤخذان من الخط بل بالمشافهة من الشيخ، فالتعرية تحمل على السؤال. ا. هـ. والأظهر اختيار الداني إذ قد يظن الناظر أن التعري غفلة من الناقط، فيقرأه بحركة خالصة بخلاف ضبطه بغير ضبط سائر الحروف، ثم قال:
وعوضن الفتحة الممالة
…
بالنقط تحت الحرف للإمالة
أو عره والنقط في إشمام
…
سيئ وسيئت هو من أمام
تكلم هنا على ضبط لقسم الثالث من أقسام الحركة الغير الخالصة، وهو الفتحة الممالة، وإنما كانت غير خالصة؛ لأنها مشوبة بالكسرة كما سيتضح، والإمالة ضد الفتح
1 سورة النساء: 4/ 154.
2 سورة البقرة: 2/ 271.
3 سورة البقرة: 2/ 271.
4 سورة النساء: 4/ 154.
5 سورة البقرة: 2/ 26.
6 سورة يس: 36/ 49.
7 سورة هود: 11/ 77.
8 سورة الملك: 67/ 27.
الخالص وتنقسم عند القراء إلى قسمين: محضة وغير محضة، فالمحضة هي أن تقرب الفتحة من الكسرة، والألف من الياء من غير قلب خالص، ولا إشباع مبالغ فيه وتسمى بالإمالة الكبرى، وربما عبر عنها بالكسر، وغير المحضة هي ما بين الفتح الخالص والإمالة المحضة، ولذا يقال:"بين بين" و"بين اللفظين"، وتسمى بالإمالة الصغرى وبالتقليل، وقد ذكر الناظم في ضبط الفتحة الممالة وجهين: أحدهما أن تعوضها بالنقط المدور لئلا تلتبس بالفتحة الخالصة، ويجعل هذا النقط بالحمراء، ويؤخذ من قوله و"عوضن" أن الفتحة لا توضع على الحرف الممال، وهو كذلك؛ لأن العوض والمعوض عنه لا يجتمعان. وأشار بقوله:"تحت الحرف" إلى بيان محل النقط، "وأل" في الحرف بدل من الضمير أي تحت حرفها، وليس المراد تحت الألف الناشئ عنها كما عند كثير من الجهلة، ولا فرق في تعويض الفتحة الممالة بالنقط بين أن تكون الإمالة رائية، أو يائية في فواتح السور أو في غيرها محضة أو غير محضة، ولا بين أن يكون الألف الناشئ عن الفتحة ثابتا، أو محذوفا كتب بالياء أم لا فيدخل في ذلك نحو:{مَجْرَاهَا} 1، و {الْكَافِرِينَ} 2، و {الْأَبْرَارَ} 3، و {المر} 4، و {هَارٍ} 5، و {مُرْسَاهَا} 6، و {خَطَايَاهُمْ} 7، لكن بشرط أن تكون الإمالة وصلا ووقفا كما في هذه الأمثلة، وكما في نحو:{النَّهَارِ} 8، فإن الجمهور على إمالته في الوقف كالوصل لعروض السكون، أو وصلا فقط كما في:{النَّهَارِ} 9 أيضا عند من لم يمله، وقفا اعتدادا بسكون الوقف، وأما ما كانت الإمالة فيه وقفا، ويقرأ في الوصل بالفتح كالأسماء المقصورة، وما لقيه ساكن منفصل نحو:{مُفْتَرىً} 10، {وَتَرَى الشَّمْسَ} 11، و {مُوسَى الْكِتَابَ} 12، فالصواب ضبطه بما يدل على الفتحة الخالصة لإجماعهم على أن الضبط مبني على الوصل، كما قدمناه، وقوله:"للإمالة" علة القول "عوضن" أي إنما كان هذا التعويض لأجل أن يدل على القراءة بالإمالة، فلو لم يقرأ بها بل بالفتحة الخالصة كما هو رواية قالون في أكثر ما يميله ورش، لم
1 سورة هود: 11/ 41.
2 سورة البقرة: 2/ 19.
3 سورة آل عمران: 3/ 193.
4 سورة الرعد: 13/ 1.
5 سورة التوبة: 9/ 109.
6 سورة هود: 11/ 41.
7 سورة العنكبوت: 29/ 12.
8 سورة البقرة: 2/ 164.
9 سورة البقرة: 2/ 164.
10 سورة القصص: 28/ 26.
11 سورة الكهف: 18/ 17.
12 سورة البقرة: 2/ 51.
تعوض بالنقط بل تكون فتحة كما في غيرها، وفي بعض النسخ "للدلالة" أي لأجل أن يدل النقط على أن الفتحة ممالة، وهذا الوجه الأول هو اختيار الداني، وبه جرى العمل عندنا.
الوجه الثاني: تعرية الحرف الممال من المعوض منه، والعوض ليقع السؤال عند رؤية ذلك كما في الاختلاس والإشمام، وإليه أشار الناظم بقوله:"والنقط في إشمام" إلخ، أي أن نقط المشم محله إمام الحرف تنبيها على أنه يشار بالكسرة إلى الضمة هكذا:{سِيءَ بِهِمْ} 1، {سِيئَتْ وُجُوهُ} 2، واقتصر على هذا الوجه لجريان العمل به، وفيه وجه آخر غير معمول به، وهو أن تجعل نقطة الإشمام حمراء في وسط السين إشعارا بأنه لم يرتق إلى مرتبة الضمة، ولم ينحط إلى مرتبة الكسرة، ولا تجعل النقطة فوق السين كما زعم بعضهم، واحترز الناظم بقوله "سيئ" و {سِيئَتْ} 3، من {تَأْمَنَّا} 4 فإنه وإن قرأ نافع بإشمام نونه في وجه، وبإخفاء حركتها في وجه آخر، إلا أن الناظم أخر الكلام عليه إلى باب النقص من الهجاء، وسنبين فيه المراد بالوجهين مع كيفية ضبط:{تَأْمَنَّا} 5 عليهما، وقوله "من أمام" يقرأ بالخفض من غيره تنوين لحذف المضاف إليه، ونية لفظه أي من أمام السين، ثم قال:
ألقول في السكون والتشديد
…
وموضع المط من الممدود
أي هذا القول في بيان أحكام السكون والتشديد، وفي بيان موضع المط من الحرف الممدود، والمط والمد لفظان مترادفان، وأحكام السكون، والتشديد التي بينها في هذا الباب هي علامتهما، وإنه لا يكتفي بعلامة التشديد عن علامة الحركة، وأما المط فلم يتعرض لعلامته وسنبينها بعد، وهذه الألفاظ التي هي السكون والتشديد، والمط والمد مصادر في الأصل، وهي في الاصطلاح أسماء للأشكال على المعاني القائمة بالحروف، وقوله:"من الممدود" حال من "موضع"، ثم قال:
ألقول في السكون والتشديد
…
وموضع المط من الممدود
1 سورة هود: 11/ 77.
2 سورة الملك: 67/ 27.
3 سورة الملك: 67/ 27.
4 سورة يوسف: 12/ 11 "تامننا".
5 سورة يوسف: 12/ 11 "تامننا".
أي هذا القول في بيان أحكام السكون، وفي بيان موضع المط من الحرف الممدود، والمط والمد لفظان مترادفان، وأحكام السكون والتشديد التي بينها في هذا الباب هي علامتهما، ومحلهما وإنه لا يكتفي بعلامة التشديد عن علامة الحركة، وأما المط فلم يتعرض لعلامته وسنبينها بعد، وهذه الألفاظ التي هي السكون، والتشديد، والمط، والمد مصادر في الأصل، وهي في الاصطلاح أسماء للأشكال الدالة على المعاني القائمة بالحرف، وقوله:"من الممدود" حال من "موضع"، ثم قال:
فدارة علامة السكون
…
أعلاه والتشديد حرف الشين
ذكر في هذا البيت علامة السكون، ومحله وعلامة التشديد ومحله، فعلامة السكون أشار إليها بقوله:"فدارة علامة السكون"، ومحله أشار إليه بقوله:"أعلاه"، فكأنه يقول: فعلامة السكون دارة تجعل فوق الحرف الساكن أي منفصلة عنه، فالضمير في أعلاه عائد على الحرف الساكن المفهوم من قوله:"السكون"؛ لأن السكون صفة وكل صفة لا بد لها من موصول تقوم به، واقتصر في علامة السكون على الدارة اعتمادا على اختيار أبي داود، واقتداء بالأكثرين من نقاط مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم يجعلون علامة السكون دارة، وأخذوها مما تقرر عند أهل الحساب من جعل دارة صغيرة في المنزل الخالية من العدد دلالة على الخلو، فما كان الحرف الساكن خاليا من الحركة، جعلوا عليه تلك الدارة دليلا على خلوه من الحركة، وجرى بذلك عمل المتأخرين وعليه عملنا الآن، وفيه مذاهب آخر لم يتكلم عليها الناظم لكون المتأخرين، تركوا العمل بها منها مذهب الخليل، وأصحابه أن علامة السكون جاء هكذا "الحمد لله"، وأرادوا بذلك الحرف الأول من خفيف، ومنها مذهب نقاط الأندلس أن علامة السكون جرة، وأرادوا بذلك مذهب الخليل لكنهم أسقطوا رأس الخاء، وأبقوا مطتها إلا أن مذهبهم إنما يحسن مع نقط الدؤلي، ومنها مذهب بعض النحاة، والأقل من أهل المدينة أن علامة السكون هاء واقفة، فهؤلاء كلهم يقولون بافتقار الساكن إلى علامة السكون، وخالف في ذلك بعض نقاط العراق، فلم يجعلوا للسكون علامة أصلا، ثم أشار إلى علامة التشديد ومحله بقوله:"والتشديد حرف الشين" أي وعلامة التشديد شين يريد غير معرفة، ولا مجرورة، ولا منقوطة، ويريد أيضًا أنها
أعلاه أي أعلى الحرف المشدد، وحذف "أعلاه" من هنا لدلالة "أعلاه" الأول عليه، هذا الوجه هو مذهب الخليل وأصحابه، وإنما قال الناظم:"حرف الشين"، ولم يقل "حرف السين"؛ لأن الخليل أخذ الحرف الأول من شديد -وهو الشين- وجعله علامة التشديد محتجا بأن العرب تستغني بالحرف الأول من الكلمة، والكلام بدليل قول الشاعر:
نادوهم إذ ألجموا ألاتا
…
قالوا جميعا كلهم ألافا
أراد بالأول "ألا تركبون"، وبالثاني "ألا فاركبوا"، وعلى هذا الوجه غالب نقاط المشرق، واختاره "أبو داود"1 لمن ينقط بالحركات المأخوذة من الحروف لكون مخترع الجميع واحدا، وهو "الخليل"2، وبهذا الوجه جرى عملنا، وسيذكر الناظم غير هذا الوجه، ثم قال:
ويجعل الشمل كما قلناه
…
أمامه أو تحت أو أعلاه
يعني أنك أنك لا تكتفي بعلامة التشديد التي هي الشين المجعولة فوق الحرف المشدد، بل لا بد أن تضيف إليها شكل الحرف المشدد، فتجعله على الصفة المتقدمة بأن تجعل شكل الفتحة ألفا صغيرة مبطوحة، وشكل الضمة واوًا صغيرة، وشكل الكسرة ياء صغيرة، وهذا هو المراد بقوله:"كما قلناه" أي مثل الصفة التي ذكرناها للشكل في الباب السابق، وقوله:"أمامه أو تحت أو أعلاه" أراد به بيان محل يجعل الشكل الذي على الصفة المتقدمة؟ فأجاب بقوله: "أمامه" أي يجعل أمام الحرف المشدد يعني في الضم على قول، أو تحت أي تحت الحرف المشدد يعني في الكسر، أو أعلاه أي أعلى الحرف المشدد يعني في الفتح، ومثله في المحل الضم على قول آخر، وهو المختار المعمول به كما قدمناه، ولم يبين الناظم هل الفتحة توضع فوق الشين أو تحته، وكذا الضمة على القول بجعلها فوق الحرف، هل توضع فوق الشين أو تحته، والذي نص عليه الداني، وغيره وبه العمل أنهما يوضعان فوق الشين، ووجه أنهما لما تواردا مع الشين على محل واحد، وكانت الحركة تدل على شيء واحد -وهو تحريك- والشين يدل على شيئين -التحريك والشد- حصلت
1سبقت ترجمته.
2 سبقت ترجمته.
للشين مزية استوجب بها القرب من الحرف، وأما الكسرة فلم تتوارد مع الشين على محل واحد؛ لأنها توضع من أسفل، ومثلها الضمة على القول بجعلها أمام الحرف، وقول الناظم "أو تحت" أصله، أو تحته أي الحرف، فحذف المضاف إليه، ونوى معناه فبناه على الضم و"أو" فيه، وفيما بعد للتنويع، ثم قال:
وبعض أهل الضبط دالا جعله
…
يكون إن كان بكسر أسفله
وفوقه فتحا وفي انضمامه
…
يكون لا امتراء من أمامه
وطرفاه فوق قآئمان
…
وفهي سوى الأولى منكسان
ذكر هنا علامة أخرى للتشديد، فأخبر أن بعض أهل الضبط جعل علامته دالا.
والمراد بهذا البعض نقاط مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم وهم نقاط الأندلس، وأرادوا بذلك الدال من "شد"، وكأنهم رجحوها على الشين لتكرارها في اللفظ، فصارت بذلك ثلثي الكلمة وذلك في حكم الكل، فكأنهما هي اللفظة كلها، وهذا الوجه هو اختيار الداني، ثم ذكر الناظم أن هذا الدال لا يختص بأعلى الحرف كما اختص به الشين، بل يختلف محله باختلاف الحركة، فإن كانت الحركة كسرة كان الدال تحت الحرف المشدد، وإلى هذا أشار بقوله:"يكون إن كان بكسر أسفله" أي يكون الدال أسفل الحرف إن كان الحرف محركًا بالكسر، وإن كانت الحركة فتحة كان الدال فوق الحرف المشدد، وإلى هذا أشار بقوله:"وفوقه فتحا" أي يكون الدال فوق الحرف إن كان ذا فتح، وإن كانت الحركة ضمة كان الدال أمام الحرف المشدد لا فوقه، وإلى هذا أشار بقوله:"وفي انضمامه يكون لا امتراء من أمامه"، ومعنى لا امتراء لا شك، ثم ذكر في البيت الثالث أن طرفي هذا الدال -أي جناحيه- يكونان قائمين إلى أعلى إن وضع فوق الحرف المشدد، وذلك في الفتح فقط كما تقدم، ويكونان منكسين إلى أسفل إن وضع في سوى الأعلى الذي عبر عنه بفوق، وسواه هو الإمام في الضم، والأسفل في الكسر على ما تقدم هكذا:{لِلَّهِ الْحَقِّ} 1، {بِرَبِّ} 2، ثم قال:
1 سورة الكهف: 18/ 44.
2 سورة طه: 20/ 70.
من غير شكلة لما تنزلا
…
منزلها والبعض منهم أشكلا
كأول وبعضهم في الطرف
…
...............................
تكلم هنا على حكم حركة الحرف المشدد على مذهب نقاط المدينة الذين يجعلون علامة الشد دالا، فذكر أن لهم في الحركة مع الدال ثلاثة أقوال: الأول: أن الدال يغني عنها، وإلى هذا القول أشار بقوله:"من غير شكلة" أي من غير وضع علامة الحركة، واللام في قوله:"لما تنزلا" للتعليل، و"ما" مصدرية أي، وإنما لم توضع الشكلة على هذا القول لتنزل الدال منزلتها؛ لأنه يوضع في موضعها كما تقدم، ففيه بيان للشد وللشكلة معا، وباختيار هذا القول صرح أبو داود.
القول الثاني: أنه يجمع بين الشد، والشكل تأكيدا في البيان، وإليه أشار بقوله "والبعض منهم أشكلا كأول" أي وقع البعض منهم الشكل مع الدال مطلقا كوضعه في الوجه الأول الذي هو الشد بالشين، وهذا القول رجحه بعض المتأخرين، ولم يتكلم الناظم ولا غيره من المتقدمين على محل الحركة من الشد على هذا القول، واستظهر أن يكون الشد هو الذي يلي الحرف من أي جهة كان قياسا على ما إذا كان الشد بالشين.
القول الثالث بالتفصيل: وهو أن الحرف المشدد إن كان في آخر الكلمة جمع فيه بين الشد والشكل؛ لأن الأطراف محل التغيير فيطلب فيها البيان أكثر من غيرها، وإن كان الحرف المشدد أول الكلمة، أو وسطها اكتفى فيه بالشد وإلى هذا القول أشار بقوله:"وبعضهم في الطرف" أي، وبعضهم أشكل في الطرف دون الأول والوسط، قال الداني: وهو قول حسن. ا. هـ. وبقي في علامة التشديد وجوه أخرى لم يتعرض لها الناظم لضعفها، وترك العمل بها وإنكار الشيوخ لها، ثم قال:
. . . . . . . . . . .
…
وفوق واو ثم يا وألف
مط لهمز بعدها تأخرا
…
وساكن أدغم أو أن أظهرا
بين هنا موضع المط المشار إليه بقوله في الترجمة، وموضع المط من الممدود، فذكر أن المط الذي هو الذي يجعل فوق حروف المد الثلاثة التي هي الألف والواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والمراد بالفوقية أن يكون بين المد وحرفه بياض
كما كان في الحركة، ويكون حرف المد مقابلًا لوسط المد على المختار، وقبل: يكون ابتداء المد من حرف المد ويمر به إلى الهمز أو الساكن، ولا يدخل في حروف المد هنا ما كان منها مبدلا من الهمز كما في:{الذَّاكِرِينَ} 1 و {أَقْرَرْتُمْ} 2، و {شَاءَ أَنْشَرَهُ} 3 على وجه البدل لورش؛ لأنه سيتكلم عليه في باب الهمز.
وقد بين الناظم موضع المد ولم يبين علامته، وهي صورته الدالة عليه، وكأنه لما رأى صورته موافقة للفظه الذي هو مد لم يحتج إلى بيانها إلا أن صورته تطمس ميمها، ويزال الطرف الأعلى من دالها هكذا فرقا بينهما وبين لفظه، وقوله:"لهمز بعدها تأخرا أو ساكن" أشار به إلى أن العلة في وقع المد هو وجود الهمز، أو الساكن بعد حروف المد، وذلك أنه لما كان وجود الهمز، أو الساكن بعدها في اللفظ سببا في امتداد الصوت بها، وضع عليها صورة مد في الضبط تنبيها على أنها في اللفظ ممدودة، وقوله:"تأخرا" مستغنى عنه بقوله: "بعدها"، وقوله:"أدغم وإن أظهرا" تعميم في الساكن، فمثال الهمز بعدها {جَاءَ} 4، و {قُرُوءٍ} 5، و {سِيءَ} 6، ومثال الساكن المدغم أو المظهر بعدها:{الْحَاقَّةُ} 7، و {مَحْيَايَ} 8، عند من سكن ياءه، وخالف نقاط العراق في هذا فلم يجعلوا للمد علامة، ورأوا أن وجود السبب كاف في ذلك.
واعلم أن قول الناظم "لهمز" يدخل فيه الهمز المتصل المغير، والهمز المتصل المغير والهمز المنفصل، فالأول نحو:{وَاللَّائِي} 9، عند ورش و {هَؤُلاءِ إِنْ} 10، و {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} 11، و {شَاءَ أَنْشَرَهُ} 12 عند قالون، والثاني نحو:{بِمَا أُنْزِلَ} 13، فيوضع المط في القسم الأول بناء على أحد الوجهين في حرف المد الواقع قبل الهمز المغير وهو وجه لمد، ويوضع المط لورش في القسم الثاني؛ لأنه يمده اتفاقا، ولقالون بناء على أحد الوجهين له فيه وهو وجه المد، وأما على وجه القصر فلا يوضع المط لا في المغير ولا في المنفصل، واحترز الناظم بقوله:"بعدها" عما إذا تقدم الهمز على حروف المد نحو: {آمَنَ} 14، و {أُوتُوا} 15
1 آلذكرين سورة الأنعام: 6/ 144.
2 أأقررتم سورة آل عمران: 3/ 81.
3 شاء أنشره سورة عبس: 80/ 22.
4 سورة النساء: 4/ 43.
5 سورة البقرة: 2/ 228.
6 سورة هود: 11/ 77.
7 سورة الحاقة: 69/ 1.
8 سورة الأنعام: 6/ 162.
9 سورة الطلاق: 65/ 4.
10 سورة البقرة: 2/ 31.
11 سورة الأحقاف: 46/ 32.
12 سورة عبس: 80/ 22.
13 سورة البقرة: 2/ 4.
14 سورة البقرة: 2/ 184.
15 سورة البينة: 98/ 4.
و {أَيْمَانٌ} 1، فإنه لا يوضع عليها المط عند قالون لكونه يقرأها بالقصر اتفاقا، ومثله ورش على رواية قصرها وتوسطها له، وأما على رواية إشباعها له، فيوضع المط عليها كما إذا تأخر عنها الهمز، وإنما لم يوضع المط على رواية التوسط مع أن فيه زيادة على المد الطبيعي، لئلا يلتبس المد المتوسط بالمد المشبع.
تنبيه: مراد الناظم بالساكن الساكن الموجود مع حرف المد وصلا، ووفقا كما في الأمثلة السابقة، فيخرج الساكن الذي يوجد وصلا خاصة، ويحذف لأجله حرف المد لفظا في الوصل نحو:{وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ} 2، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا} 3، {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} 4، فلا يوضع المط في ذلك خطا لعدم وجود حرف المد لفظًا، ويخرج الساكن الموجود وقفا خاصة سواء كان الوقف معه بوجوب الإشباع على التحقيق كما في:{الصَّلاةَ} 5 و"مزجية"6 أو بجوازه نحو: {نَسْتَعِينُ} 7، و {الْمُفْلِحُونَ} 8، و {مَتَابِ} 9، فلا يوضع المط في ذلك خطا لكون حرف المد يقصر في الوصل لعدم وجود الساكن بعده وصلا، والنقط مبني على الوصل، وقوله: و"ساكن" معطوف على "همز" والأظهر في "أن" من قوله: "وأن ظهرا" أن تكون مفتوحة الهمزة زائدة، ويصح كسر الهمزة، وتكون شرطية حذف جوابها لدلالة ما تقدم عليه واو حينئذ بمعنى الواو أي، وإن أظهر الساكن فكذلك، ثم قال:
كذا لورش مثل ياء شيء
…
في مده ونحو واو السوء
ذكر في هذا البيت حكم حرفي اللين الواقع بعدهما همزة كياء: {شَيْءٍ} 10 وواو: {السُّوءَ} 11، فأخبر أنهما كحروف المد في جعل المط فوقهما على رواية مدهما لورش أي مدا مشبعا؛ لأن المد إذا أطلق إنما يحمل على المشبع، وأما على رواية التوسط فيهما لورش، فلا يوضع المط عليهما لئلا يلتبس المد المتوسط بالمد المشبع كما لا يوضع المط عليهما على رواية من قصرهما، وقوله:"في مده" على حذف مضاف أي في رواية مده، والضمير فيه عائد على حرف اللين الذي دل عليه "شيء"، وقوله: و"نحو" بالرفع عطف على "مثل"، ثم قال:
1 سورة المائدة: 5/ 108.
2 سورة النمل: 27/ 15.
3 سورة النمل: 27/ 47.
4 سورة إبراهيم: 14/ 10.
5 سورة البقرة: 2/ 3.
6 سورة يوسف: 12/ 38.
7 سورة الفاتحة: 1/ 5.
8 سورة البقرة: 2/ 5.
9 سورة الرعد: 13/ 30.
10 سورة البقرة: 2/ 20.
11 سورة البقرة: 2/ 49.
وإن تكن ساقطة في الخط
…
ألحقتها حمرا لجعل المط
وإن تشأ إلحاقها تركتا
…
ومطة موضعها جعلتا
لما تكلم على حكم حروف المد الثابتة في الخط، وما ألحق بهما من حرفي اللين، أشار هنا إلى حكم حروف المد الواقع بعدها همز، أو سكون إذا كانت ساقطة أي محذوفة في خط المصحف، فذكر فيها وجهين: الأول أن تلحقها بالحمراء لأجل أن يجعل عليها المط إذ الأصل فيه أن يجعل فوق حروف المد، فإذا لم توجد في الخط ألحقت محافظة على هذا الأصل، وسواء كان سبب المد همزا متصلا نحو {شُفَعَاءَ} 1، و {النَّبِيِّينَ} 2 و {لِيَسُوءُوا} 3، أو همزًا منفصلًا نحو {أَسَاءُوا السُّوأَى} 4، و {فَأْوُوا إِلَى} 5 و {لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ} 6، و {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 7، و {تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} 8، و {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى} 9 وكذلك:{الدَّاعِ إِذَا} 10، و {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} 11، عند ورش و {إِنْ تَرَنِ أَنَا} 12 عند قالون، أو كان السبب سكونا نحو:{وَالصَّافَّاتِ} 13، و {أَتُحَاجُّونِّي} 14، و {تُشَاقُّونَ} 15، و {مَحْيَايَ} 16 عند من حذف ألفه، وإلى هذاالوجه أشار بالبيت الأول، وقوله:"حمرا" تصريح بما علم التزاما من قوله: "ألحقتها"، وذلك؛ لأن التعبير الإلحاق كان من باب التصريح باللازم للإيضاح، وهذا بخلاف لتعبير بالرسم، فإنه لا يسلتزم الحمرة إذ أكثر ما يطلق على ما يكتب بالكحلاء مما هو ثابت في المصاحف.
الوجه الثاني: أن لا تلحق حروف المد المحذوفة بل تستغني بجعل المط في موضعها، فيدل المط على الحرف، وعلى كونه ممدودا وإلى هذا الوجه أشار بالبيت الثاني، وقد نص على هذين الوجهين الشيخان وغيرهما، وصرح أبو داود باختيار الوجه الأول، وبه صدر الداني، ولذا قدمه الناظم، وبه جرى عملنا.
1 سورة الأعراف: 7/ 53.
2 سورة البقرة: 2/ 177.
3 سورة الإسراء: 17/ 7.
4 سورة الروم: 30/ 10.
5 سورة الكهف: 18/ 16.
6 سورة البقرة: 2/ 26.
7 سورة الشعراء: 26/ 31.
8 سورة آل عمران: 3/ 7.
9 سورة المنافقون: 63/ 10.
10 سورة البقرة: 2/ 186.
11 سورة المائدة: 5/ 105.
12 سورة الكهف: 18/ 39.
13 سورة الصافات: 37/ 1.
14 سورة الأنعام: 6/ 80.
15 سورة النحل: 16/ 27.
16 سورة الأنعام: 6/ 162.
تنبيه: لا يدخل فيما ذكره الناظم في البيت الأول حروف المد التي في أوائل السور، وإن كانت ساقطة في الخط للإجماع على أنها لا تلحق، وأما نزول المط على الحروف التي قبلها المرسومة في فواتح السور نحو:{الم} 1 {قَ} 2، {نَ} 3، فلم يرد فيه نص عن المتقدمين، ولذا لم يتعرض له الناظم، وقد اختلف فيه المتأخرون فمنهم من قال بنزوله، ومنهم من قال بعدمه، والعمل عندنا على نزوله، ويجعل فوقها على ما جرى به العمل، وقال بعضهم: يجعل أمامها على محل حرف المد لو كتب هكذا: {يس، وَالْقُرْآنِ} 4 وقال في {آلم} 5 يجعل المط بين الألف، واللام؛ لأن ذلك هو موضع إلحاق الألف لو كتب إذ الصحيح أن الألف المحذوف المعانق للام يلحق من اليمين كما سيأتي، وقوله:"وان تشأ" شرط، ومفعوله محذوف تقديره غير إلحاق الحروف، و"تركنا" جواب الشرط و"إلحاقها" مفعول مقدم لـ"تركتا" و"مطة" مفعول أول لـ"جعلتا"، وموضعها ظرف في محل المفعول الثاني له، وهذه الجملة معطوفة على جملة جواب الشرط، والألف في "تركنا" و"جعلتا" ألف الإطلاق، ثم قال:
ومثل هذا حكمها يكون
…
إن لم يكن همز ولا سكون
في كل ما قد زدته من ياء
…
أو صلة أتتك بعد الهاء
تعرض هنا إلى حكم حروف المد الساقطة في الخط إذا لم يكن بعدها همز، ولا سكون، فأخبر أنه يخير فيها بين أن تلحق بالحمراء، وبين أن يستغني عن إلحاقها بجعل المط في موضعها، كما خير إذا كان بعدها همز أو سكون، فاسم الإشارة في قوله:"ومثل هذا" راجع إلى التخيير المتقدم، والضمير في حكمها يعود على حروف المد الساقطة، فإن قلت: ظاهر قول الناظم: "ومثل هذا حكمها" البيت، يقتضي وضع المط على حروف المد الملحقة إذا لم يكن بعدها همز، ولا سكون مع أنه لا يوضع عليها حينئذ، فالجواب أن مراد الناظم أن ما هنا مثل ما تقدم في التخيير في الإلحاق، وعدمه لا فيما زاد على ذلك إذ من المعلوم أن المط إنما يوضع على حروف المد إذا كان بعدها همز، أو سكون، ثم أشار إلى موضع التخيير المذكور هنا بقوله:"في كل ما قد زدته من ياء" البيت، أي في كل ما قرأته لنافع بزيادة الياء، وفي كل صلة أتتك بعد هاء الضمير.
1 سورة البقرة: 2/ 1.
2 سورة ق: 50/ 1.
3 سورة ن: 68/ 1.
4 سورة يس: 36/ 1.
5 سورة آل عمران: 3/ 1.
والمراد بزيادة الياء زيادتها في اللفظ على خط المصحف سواء كانت أصلية كالياء في: {يَوْمَ يَأْتِي} 1، وفي {الْمُهْتَدِي} 2، أو زائدة على أصول الكلمة كالياء في:{أَنْ يَهْدِيَنِي} 3، وفي {إِذَا دَعَانِ} 4، والمراد بصلة الهاء صلة هاء ضمير الواحد المذكر سواء كانت واوا، أو ياء نحو:{إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} 5، ومثل صلة هاء الضمير في التخيير المذكور صلة ميم الجمع إذا لم يقع بعدها همز، وكأن الناظم لم يتعرض لها لكونه بنى نظمه على قراءة نافع من رواية ورش وقالون، ولا شك أن ورشا روى عن نافع إسكان ميم الجمع، إذا لم يقع بعدها همز، والأشهر عن قالون إسكانها.
واعلم أن ما ذكره الناظم من التخيير في الياء الزائدة، وفي صلة هاء الضمير ومثلها صلة ميم الجمع، هو مما انفرد به أبو داود، وأما الداني فليس عنده في ذلك إلا الإلحاق، ولا يكتفي فيه بالمد عنده، ومذهب الداني هو الأصح الذي جرى به عملنا، واحترز الناظم بقوله:"إن لم يكن همز ولا سكون" عما كان فيه بعد حرف المد همز نحو: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى} 6، و {تَأْوِيلَهُ إِلَّا} 7، و {بِهِ إِنْ كُنْتَ} 8، فإنه داخل في قوله السابق:"وإن تكن ساقطة في الخط" إلخ، وأما ما كان فيه بعد حرف المد ساكن نحو:{بِهِ اللَّهُ} 9، و {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ} 10 فإنه لا صلة فيه، ولا زيادة حتى يحترز عنه غير أنه وقعت الزيادة قبل الساكن في موضع واحد، لكن مع تحريك الياء وذلك قوله تعالى:{آتَانِيَ اللَّهُ} 11 في "النمل"، فلعل الناظم منه احترز، ثم قال:
كذا قياس نحو لا يستحيي
…
كقوله أنت وليي يحيي
لما ذكر الناظم ما نص الشيوخ على التخيير فيه بين الإلحاق، والاستغناء عنه بالمط، وهو الياء الزائدة وصلة هاء الضمير إذا لم يكن بعدها همز ولا سكون، تعرض في هذا البيت إلى ما لم ينصوا عليه، وهو ما ليس بعده همز ولا سكون مما احتمع فيه ياءان، وحذفت منها الثانية على المختار لكونها ساكنة في الطرف نحو:{وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} 12.
1 سورة الأعراف: 7/ 158.
2 سورة الإسراء: 17/ 97.
3 سورة القصص: 28/ 22.
4 سورة البقرة: 2/ 156.
5 سورة الانشقاق: 84/ 15.
6 سورة المنافقون: 63/ 10.
7 سورة آل عمران: 3/ 7.
8 سورة الشعراء: 26/ 31.
9 سورة البقرة: 2/ 281.
10 سورة طه: 20/ 12.
11 سورة النمل: 27/ 36.
12 سورة الأحزاب: 33/ 53.
و {أَنْتَ وَلِيِّي} 1، و {يُحْيِي وَيُمِيتُ} 2، فذكر أن قياه أن يكون مثل ما نصوا عليه في التخيير بين الإلحاق والاستغناء عنه بالمط؛ لأن الياء في ذلك سقطت من الطرف خطا ولفظا، وهي ساكنة فكانت كالياء الزائدة في:{نَبْغِي} 3 و {وَعِيدِي} 4 إذ هي ساكنة ساقطة من الطرف خطا لا لفظا، فلذا حكم الناظم بقياس ما هنا على تقدم، وقاسية صحيح، والعمل فيما ذكره هنا على الإلحاق دون الاكتفاء بالمد مثل ما تقدم، فإن جاء بعد حرف المد هنا همز نحو:{لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ} 5، دخل ذلك في قوله قبل هذا "وإن تكن ساقطة في الخط" إلخ، وإن جاء بعده سكون نحو:{نُحْيِ الْمَوْتَى} 6 كان ساقطا في الوصل لفظا، فلا يلحق لإجماعهم على أن الضبط مبني على الوصل إلا مواضع مستثناه لم يذكروا هذا منها، ولا يلتفت إلى من زعم أنه يلحق إذ لم يقل به أحد من الأئمة المعتبرين، وقول الناظم "كقوله"، وفي بعض النسخ بالكاف على أنه تمثيل لـ"نحو لا يستحي"، وفي بعضها بالواو بدل الكاف. ثم قال:
ألقول في المدغم أو ما يظهر
…
فمظهر سكونه مصور
وحرك الحرف الذي من بعد
…
حسبما يقرأ ولا يشد
أي هذا القول في أحكام الحرف المدغم، وأحكام الحرف المظهر يعني وأحكام ما بعدها من الحرف المدغم فيه، والحرف المظهر عنده؛ لأنه تكلم عليهما أيضا في الباب، وقوله:"فمظهر سكونه مصور" معناه أن ما قرأته لنافع بالإظهار، فإنك تجعل عليه علامة السكون المتقدمة سواء كان مجمعا على إظهاره كاللام والميم من:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} 7، والفاء والغين والياء من:{أَفْرِغْ عَلَيْنَا} 8 أو مما اختلف فيه القراء، وقرأه نافع بالإظهار من غير خلاف عنه نحو:{قَدْ سمِعَ} 9، أو من رواية قالون فقط نحو:{حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} 10 أو من رواية ورش فقط نحو: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 11، فالحكم في ذلك كله أن يجعل على الساكن علامة السكون دلالة على أنه مظهر في اللفظ، ثم أمرك الناظم في البيت الثاني بأن تحرك الحرف الذي من بعد الساكن المظهر بالحركة التي يقرأ بها من فتحة، أو ضمة أو
1 سورة يوسف: 12/ 101.
2 سورة البقرة: 2/ 258.
3 سورة الكهف: 18/ 64.
4 سورة ق: 58/ 14.
5 سورة البقرة: 2/ 26.
6 سورة يس: 36/ 12.
7 سورة الفاتحة: 1/ 1.
8 سورة البقرة: 2/ 250.
9 سورة المجادلة: 58/ 1.
10 سورة الأنعام: 6/ 138.
11 سورة المائدة: 5/ 40.
كسرة وهي معنى قوله: "حسبما يقرأ" أي تحريكا مثل تحريك يقرأ به، وقوله:"ولا يشد" لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي أي حرك الحرف الذي من بعده، ولا تشدد أي لا تجعل عليه علامة التشديد إذ لا موجب لها، و"أو" في قوله:"أو ما يظهر" بمعنى الواو، وقوله:"حسبما" بفتح السين، وقوله:"يقرأ" بإسكان الهمزة للوزن، ثم قال:
وعر ما بصوته أدغمته
…
وكل حرف بعده شددته
لما فرغ من حكم الحرف المظهر وما بعده، شرع في حكم الحرف المدغم، وما بعده، وقسم المدغم إلى قسمين: قسم أدغم بصوته أي مع صفته ويسمى إدغامه تاما وكاملا وخالصا، وقسم أدغم مع إبقاء صوته أي صفته، ويسمى إدغامه ناقصا، وسيتكلم على القسم الثاني إثر هذا البيت، وتكلم هنا على القسم الأول، فذكر أن حكمه تعرية الحرف المدغم يشدد أي توضع عليه علامة التشديد تنبيها على أنه أدغم فيه ما قبله، وصارا معا كحرف واحد مشدد يرتفع اللسان ارتفاعه واحدة، ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون الحرفان متماثلين نحو:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ} 1، أو غير متماثلين نحو:{بَلْ رَانَ} 2 ولا بين أن يكون الإدغام عليه نحو: {الرَّحْمَنِ} 3، {وَإِنْ عُدْتُمْ} 4، و {قَالَتْ طَائِفَةٌ} 5، و {اضْرِبْ بِعَصَاكَ} 6، أو مختلف فيه وقرأ به نافع من غير خلاف عنه نحو:{أَخَذَتِ} 7 أو رواه ورش فقط نحو: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} 8، أو قالون فقط نحو:{وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} 9، فحكم المختلف فيه عند من يدغمه تعرية الأول تشديد الثاني كالمتفق عليه، والباء في قول الناظم:"بصوته" بمعنى "مع" وفي بعض النسخ، "وعر ما أدغمته وصوته"، وهو أصرح في المعنى المقصود، وقوله "شددته" لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر أي كل حرف بعده شدده، ويجوز في "كل" النصب والرفع، ثم قال:
ثم الذي أدغمت مع إبقاء
…
صوت كطاء عند حرف التآء
صور سكون الطاء إن أردتا
…
وشددن بعده حرف التا
أو عر شئت كلا الحرفين
…
والأول اختير من الوجهين
1 سورة الأعراف: 7/ 205.
2 سورة المطففين: 83/ 14.
3 سورة الرحمن: 55/ 1.
4 سورة الإسراء: 17/ 8.
5 سورة الأحزاب: 33/ 13.
6 سورة الشعراء: 26/ 63.
7 سورة فاطر: 35/ 26.
8 سورة الروم: 30/ 58.
9 سورة البقرة: 2/ 284.
تكلم هنا على حكم القسم الثاني من قسم المدغم، وهو ما أدغم مع إبقاء صوته أي صفته المسمى إدغامه ناقصا، ومنه إدغام النون الساكنة في الواو والياء مع إبقاء الغنة وقد تقدم، ومنه ما مثل به الناظم هنا وهو إدغام الطاء في التاء من:{أَحَطْتُ} 1، و {بَسَطْتَ} 2، و {فَرَّطْتُ} 3 لجميع القراء، وقد ذكر الناظم في ضبطه وجهين على سبيل التخيير: الأول أن تصور سكون الطاء وتضع علامة التشديد على التاء، الثاني أن تعرى الطاء من علامة السكون وتعرى التاء من علامة التشديد دون الحركة، وهذان الوجهان هما المتقدمان مع توجيههما في إدغام النون في الواو والياء مع إبقاء الغنة، قال الناظم: و"الأول اختير من الوجهين" أي الأول من هذين الوجهين هو مختار الشيخين وغيرهما، وبه جرى العمل، ومن المدغم إدغاما ناقصا القاف في الكاف من {نَخْلُقْكُمْ} 4 بالمرسلات على أحد الوجهين فيه، وهو إدغام ذات القاف في الكاف مع إبقاء الاستعلاء الذي هو صفة للقاف، وإليه ذهب مكي وجماعة، وعليه يكون ضبطه كضبط:{أَحَطْتُ} 5، ونحوه، والوجه الآخر فيه إدغام القاف في الكاف ذاتا وصفة، وهو مذهب الجمهور، وحكى الداني الإجماع عليه، وعليه يكون الإدغام تاما، ويضبط كسائر المدغمات إدغاما تاما بأن تعري القاف من علامة السكون، وتجعل علامة التشديد على الكاف، وبهذا جرى العمل في ضبطه.
تنبيه: مما يناسب أن يذكر هنا حكم فواتح السور، وذلك أن فيها الإظهار والإخفاء، والإدغام الخالص والإدغام الناقص، فأما الإظهار فهو الدال من صاد حيث وقع، وفي الميم من ميم حيث وقعت، وفي الميم من لام عند الراء، وفي الفاء من كاف وقاف، ومن ألف حيث وقع، وفي الميم من لام عند الراء، وفي الفاء من كاف وقاف، ومن ألف حيث وقع، وفي النون من:{يّس} 6 عند قالون، ومن:{نْ وَالْقَلَمِ} 7 عنده، وعند ورش على الأشهر له، فالحكم أن يحرك الحرف الذي بعدها بحركته، ولا يشدد إذ لا موجب لتشديده سواء كان ما بعدها من هذه الحروف نحو:{الر} 8، فإنك تحرك اللام، والراء
1 سورة النمل: 27/ 22.
2 سورة المائدة: 5/ 28.
3 سورة الزمر: 39/ 56.
4 سورة المرسلات: 77/ 20.
5 سورة النمل: 27/ 22.
6 سورة يس: 36/ 1.
7 سورة القلم: 68/ 1.
8 سورة إبراهيم: 14/ 1.
ولا تشددهما لإظهار فاء ألف وميم لام، أو كان ما بعدها من غير هذه الحروف نحو:{الر} 1، فإنك تحرك اللام والراء، ولا تشددهما لإظهار فاء ألف وميم لام، أو كان ما بعدها من غير هذه الحروف نحو:{آلم ذَلِكَ} 2، و {حم، تَنْزِيلٌ} 3، فإنك تحرك الذال من ذلك والتاء من:{تَنْزِيلٌ} 4، ولا تشددهما، وأما الإخفاء فإنه في النون من عين في فاتحتي "مريم" و"الشورى" وفي النون من سين في فاتحتي "النمل" و"الشورى"، والحكم فيه كالحكم في الإظهار سواء؛ لأن الفرق بين الإظهار والإخفاء إنما يظهر في ضبط المسكن وترك ضبطه، والمسكن غير موجود هنا في الرسم، وأما الإدغام الخالص فهو في الميم من لام قبل ميم، وفي النون من {طسم} 5، والحكم فيه تشديد ما بعده وهو ميم، وأما الإدغام الناقص فهو في نون {يّس} 6، عند ورش، وعلى وجه عنده أيضا في {نْ وَالْقَلَمِ} 7، والحكم فيه تعرية ما بعده الشد على المختار المعمول به، وهو ميم، وأما الإدغام الناقص فهو في نون:{يّس} 8، عند ورش وعلى وجه عنده أيضا في {نْ وَالْقَلَمِ} 9، والحكم فيه تعرية ما بعده الشد على المختار المعمول به، ووجه أن النون من {يّس} 10، و {ن} 11، لما لم ترسم أعطيت الواو بعدها حكم الواو بعد التنوين، فلم تشدد، و"ثم" في قول الناظم ثم الذي لترتيب الأخبار فلا تدل على مهلة، ثم قال:
ألقول في الهمز وكيف جعلا
…
محققا ورد أو مسهلا
أي هذا القول في بيان أحكام الهمز، والمراد بالأحكام هو ما سيذكره في الباب من هيئة الهمزة هل هي نقطة أو عين، ولونها هل هي صفراء أو حمراء، وموضعها إن لم تكن لها صورة في المصحف، وامتحان موضعها ومحلها من صورتها إن كانت لها صورة في المصحف، ولوازم تغييرها من مد وغيره وقوله و"كيف جعلا" من عطف الخاص على العام إذ هو داخل في الأحكام؛ لأنه محتل لهيئة الهمزة ولونها، وكرره مع دخوله فيما
1 سورة الحجر: 15/ 1.
2 سورة البقرة: 2/ 1.
3 سورة غافر: 40/ 1.
4 سورة الزمر: 39/ 1.
5 سورة القصص: 28/ 1.
6 سورة يس: 36/ 1.
7 سورة القلم: 68/ 1.
8 سورة يس: 36/ 1.
9 سورة القلم: 68/ 1.
10 سورة يس: 36/ 1.
11 سورة القلم: 68/ 1.
قبله اعتناء به لكثرته بالنسبة إلى غيره من أحكام الباب، وقوله:"محققا أو مسهلا" حالان من ضمير ورد العائد على الهمز، ومراده بالتسهيل التخفيف على أي وجه كان، لا التسهيل بين بين فقط، وهذا لا باب يلزم مزيد الاعتناء به لكونه أعظم أبواب هذا النظم تنويعا، وأكثرها تأصيلا، وتفريعا، وأدقها تعليلا وتوجيها، وأحوجها بيانا وتنبيها، ثم قال:
فضبط ما حقق بالصفراء
…
نقط وما سهل بالحمراء
تلكم في هذا البيت على حكمين من أحكام الهمزة: أحدهما هيئتها، والثاني لونها، فأما هيئتها فذكر أنها نقط يعني مدورًا كنقط الإعجام في الصورة سواء كانت محققة أو مسهلة، وسيذكر أنها تكتب عينا أيضًا، وأما لونها فصفرة أو حمرة فأشار إلى أنها إن كانت محققة في اللفظ، فهي الخط صفراء اللون سواء كانت أولًا نحو:{أَنا} 1 أو وسطا نحو: {سَأَلُوا} 2 أو آخرا نحو: {بَدَا} 3 وسواء كانت صورتها ألفا كما مثلنا أو ياء نحو: {يُبْدِئُ} 4 أو واوا نحو: {يَعْبَأُ} 5، وسواء كانت مصورة نحو ما تقدم أو غير مصورة نحو:{آنِيَةٍ} 6 و {الْأَفْئِدَةِ} 7، و {مِلءُ} 8، وسواء كانت متحركة كما تقدم، أو ساكنة نحو:{الرُّؤْيا} 9، و {وَرِئْيًا} 10، و {سُؤْلَكَ} 11، و {نَبِّئْ} 12، وسواء كانت مفردة كما تقدم، أو مجتمعة مع غيرها نحو:{أَأَسْجُدُ} 13، و {آلِهَتِنَا} 14، و {شَاءَ أَنْشَرَهُ} 15، وأشار بقوله:"وما سهل بالحمراء" إلى أن الهمزة إن كانت مسهلة يعني مخففة في اللفظ فهي في الخط حمراء، اللون، وظاهره يقتضي العموم كالذي قبله، لكن الناظم سيخصصه بعد هذا البيت بالتسهيل بين بين، وبالبدل حرفا محركا، فلا يدخل فيه المخفف بالإسقاط، ولا بالنقل ولا بالبدل حرفًا ساكنًا.
تنبيه: لم يذكر الناظم حكم حركة الهمزة، والذي عندهم أن المحققة تحرك كسائر الحروف، وأما المخففة فإن سهلت بين بين، فلا تحرك إذ حركتها غير خالصة، ولا فرق
1 سورة الكهف: 18/ 34.
2 سورة النساء: 4/ 153.
3 سورة العنكبوت: 29/ 20.
4 سورة البروج: 85/ 13.
5 سورة الفرقان: 25/ 77.
6 سورة الغاشية: 88/ 5.
7 سورة الهمزة: 104/ 7.
8 سورة آل عمران: 3/ 91.
9 سورة الصافات: 37/ 105.
10 سورة مريم: 19/ 74.
11 سورة طه: 20/ 36.
12 سورة الحجر: 15/ 49.
13 سورة الإسراء: 17/ 61.
14 سورة هود: 11/ 53.
15 سورة عبس: 28/ 22.
في عدم تحريكها بين: {أَؤُنَبِّئُكُمْ} 1 وباب: {أَإِفْكًا} 2، وغيرهما على المختار المعمول به، وكذلك لا تحرك المبدلة حرف مد، وأما المبدلة حرفا محركا نحو:{لَيْلًا} 3، و {مُؤَجَّلًا} 4 عند ورش فقيل تحرك، وقيل: لا تحرك، والعمل على تحريكها، وقول الناظم "نقط" خبر عن قوله:"ضبط" وقوله: "بالصفراء" هو في الأصل نعت لنقط لكنه لما قدم عليه رجع حالا، "وما سهل" مبتدأ على حذف مضاف أي نقط ما سهل، وخبره محذوف تقديره نقط، و"الحمراء" نعت لنقط المحذوف، ثم قال:
وذا الذي ذكرت في المسهل
…
سهل بين بين أو بالبدل
إذا تحرك..........
…
.....................
لما قدم أن ضبط الهمز المسهل نقط بالحمراء، واقتضى لفظه المتقدم عموم هذا الضبط في جميع أنواع التسهيل، لكونه أراد بالمسهل فيما تقدم المخفف، أشار هنا إلى تخصيص ذلك العموم، فأخر أن الضبط الذي ذكره في الهمز المسهل خاص بما سهل بين بين، وبما أبدل حرفا محركا، أما تسهيل بين بين، فجعلت علامته نقطة تشبيها له بالهمزة المحققة لما فيه من بعض الهمزة، إذ هي تسهل بينها وبين حرف شكلها، وأما ما أبدل حرفا محركا، فإبقاء حركة الهمزة فيه صير الهمزة، كأنها باقية، فجعلت علامتها نقطة بخلاف ما أبدل حرف مد، فإن الهمزة ذهبت فيه ذهبت حركتها، والحرف الذي جيء به أجنبي.
وقوله: "سهل بين بين" يشمل مواضع منها: {أَرَأَيْتَ} 5، و {هَا أَنْتُمْ} 6، وباب:{أَأَنْذَرْتَهُمْ} 7 لقالون، وكذا ورش على وجه التسهيل له وباب:{آللَّهُ} 8 على وجه التسهيل فيه، فتجعل في الجميع نقطة حمراء في رأس الألف دلالة على التسهيل بين بين، فإن كانت الألف محذوفة نقطة حمراء في رأس الألف دلالة على التسهيل بين بين، فإن كانت الألف محذوفة كألف:{أَرَأَيْتَ} 9 ألحقت، وجعلت النقطة في رأسها على ما جرى به العمل، ومنها باب:{أَإِلَهٌ} 10، وباب "أئزل" مما صورت فيه إحدى الهمزتين
1 سورة الإسراء: 17/ 61.
2 سورة الصافات: 37/ 86.
3 سورة الحديد: 57/ 29.
4 سورة آل عمران: 3/ 145.
5 سورة الماعون: 107/ 1.
6 سورة آل عمران: 3/ 66.
7 سورة البقرة: 2/ 6.
8 سورة يونس: 10/ 59.
9 سورة الماعون: 107/ 1.
10 سورة النمل: 27/ 60-63.
فقط، فإن نقطه على المختار عند الناظم، وبه العمل أن تجعل الصفراء في رأس الألف، والحمراء في السطر بعدها علامة التسهيل، وسيأتي للناظم فيه غير هذا الوجه، منها:{جَاءَ أُمَّةً} 1، وباب:{وَجَاءَ إِخْوَةُ} 2 وكذلك باب: {يَشَاءُ إِلَى} 3 على وجه التسهيل، وكذلك المتفقان من كلمتين نحو:{شَاءَ أَنْشَرَهُ} 4 على وجه تسهيل الثانية منهما لورش، فالحكم في الجميع أن تجعل نقطة حمراء في موضع الهمزة المسهلة، ومنها:{أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} 5، وباب على {الْبِغَاءِ إِنْ} 6 عند قالون، فالحكم أن تجعل نقطة حمراء في موضع الهمزة الأولى دلالة على التسهيل، وبهذا جرى العمل، وسيأتي للناظم في ذلك غير هذا الوجه، وقوله:"أو بالبدل إذا تحرك" يشمل مواضع أيضا منها: {لَيْلًا} 7 و {لِأَهَبَ} 8 وباب: {مُؤَجَّلًا} 9، فالحكم فيها جعل نقطة حمراء في موضع الهمزة من الصورة دلالة على إبدالها حرفا محركا، وسنذكر في:{لِأَهَبَ} 10 غير هذا الوجه مع بيان ما به العمل فيه، ومنها باب:{مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} 11، و {يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 12، فالحكم جعل نقطة حمراء في موضع الهمزة المبدلة دلالة على البدل.
ومنها باب: {يَشَاءُ إِلَى} 13 على وجه الإبدال، و {هَؤُلاءِ إِنْ} 14 و {عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ} 15 عند من يبدلهما ياء مكسورة، فالحكم جعل نقطة حمراء في موضع الهمزة المبدلة دلالة على البدل.
وأخرج بقوله: "إذا تحرك" مواضع: {أَرَأَيْتُمْ} 16، و {هَا أَنْتُمْ} 17 وباب:{أَأَنْذَرْتَهُمْ} 18 وباب {آللَّهُ} 19 عند من يقرؤها كلها بإبدال الهمزة حرف مد، فإن الهمزة المبدلة حرف مد لا تجعل النقطة في موضعها، ومنها الهمزة الثانية من المتفقين في كلمتين على وجه إبدالها لورش حرف مد، فلا تجعل النقطة في وضعها، ومنها الهمزة
1 سورة المؤمنون: 23/ 44.
2 سورة يوسف: 12/ 58.
3 سورة البقرة: 2/ 142.
4 سورة عبس: 80/ 22.
5 سورة الأحقاف: 46/ 32.
6 سورة النور: 24/ 33.
7 سورة الحديد: 57/ 29.
8 سورة مريم: 19/ 19.
9 سورة آل عمران: 3/ 145.
10 سورة مريم: 19/ 19.
11 سورة يوسف: 12/ 76.
12 سورة هود: 11/ 44.
13 سورة البقرة: 2/ 142.
14 سورة البقرة: 2/ 31.
15 سورة النور: 24/ 33.
16 سورة الأحقاف: 46/ 4.
17 سورة آل عمران: 3/ 66.
18 سورة البقرة: 20/ 6.
19 سورة يونس: 10/ 59.
الساكنة إذا أبدلت نحو: {آمَنَ} 1، و {يُؤْمِنَّ} 2 و {بَيْنَ} 3 وشبهة، فلا تجعل النقطة في موضعها.
تنبيهان:
- الأول: إطلاق الناظم فيما سهل بين بين يقتضي دخول باب: {أَإِفْكًا} 4، و {فَيُنَبِّئُكُمْ} 5، و {اللَّائِي} 6 مما للهمزة المسهلة فيه صورة، فيكون حكمها جعل نقطة حمراء في موضع الهمزة المسهلة علامة للتسهيل، وذلك تحت الياء وفوق الواو، وهذا الوجه حسن وهو الذي يعطيه القياس، وبه جرى العمل عندنا في باب:{إِفْكًا} 7 غير أن المتقدمين لم ينصوا عليه في هذه المواضع، وسنذكر ما نصوا عليه فيها مع بيان ما جرى به عملنا في:{أَؤُنَبِّئُكُمْ} 8، {وَاللَّائِي} 9.
- الثاني: لم يتعرض الشيخان لكيفية ضبط: {النَّبِيُّ إِنَّا} 10 في "الأحزاب" لقالون و {بِالسُّوءِ إِلَّا} 11 في سورة "يوسف" على وجه الإبدال له، والذي جرى به العمل في ضبطهما له أن تعري الياء في:{النَّبِيُّ أَنْ} 12 والواو في {بِالسُّوءِ إِلَّا} 13 على وجه الإبدال من علامتي التشديد، والحركة لعدم وجود المدغم فيه رسما في الكلمتين، وبيانه أن الرسم مبني على الابتداء والوقف كما قدمناه، ولا شك أن الموقف عليه لقالون في الكلمتين همزة، ولا وجود لها في المصحف، فيتعين أن تكون الياء المرسومة في:{النَّبِيُّ أَنْ} 14 والواو المرسومة في: {بِالسُّوءِ إِلَّا} 15 هما الناشئتان عن الحركة قبلهما، وهما المدغمان في وصل قالون فيلزم تعريتهما، وإلى هذا أشار الشيخ سيدي عبد الرحمن بن القاضي بقوله:
بالسو في الصديق والنبي
…
معا لدى الأحزاب يا صفي
بالهمز في الوقف لقالون ورد
…
فخذ به ورد قول من جحد
ولا تضع في ضبطه شكلا ولا
…
شدا لفقد مدغم فيه جلا
1 سورة البقرة: 2/ 285.
2 سورة البقرة: 2/ 232.
3 سورة البقرة: 2/ 66.
4 سورة الصافات: 37/ 86.
5 سورة الإسراء: 17/ 61.
6 سورة الطلاق: 65/ 4.
7 سورة الصافات: 37/ 86.
8 سورة الإسراء: 17/ 61.
9 سورة الطلاق: 65/ 6.
10 سورة الأحزاب: 33/ 45.
11 سورة يوسف: 12/ 53.
12 سورة الأحزاب: 33/ 50.
13 سورة يوسف: 12/ 53.
14 سورة الأحزاب: 33/ 50.
15 سورة يوسف: 12/ 53.
وهذا بخلاف: {النَّسِيءُ} 1 لورش، فإنه بوضع فيه على الياء علامة التشديد والحركة على الصواب لوجود المدغم فيه وصلا، ووقفا فيتعين أن يكون المحذوف منه رسما هي الياء الأولى على قاعدة المدغمين في كلمة كالولي، والموجود فيه رسما هي الياء الثانية المدغم فيها، التي أصلها الهمز اكتفي بصورتها عن صورة المدغم على قياس المدغمين في كلمة.
فإن قلت: هل تجعل نقطة بالحمراء في موضع الهمزة من هذه الكلمات، لإبدال الهمزة حرفا محركا حتى أدغمت فيه الياء، والواو؟ قلت: ذكر العلامة التنسي ما معناه أن شرط ضبط الهمزة المبدلة حرفا محركا بالحمراء أن لا يؤدي الإبدال إلى الإدغام، أما إن أدى إليه، فلا يجعل لها نقطة أصلًا، قال: وذلك: {النَّسِيءُ} 2 لورش: {النَّبِيَّ} 3 في حرفي "الأحزاب" لقالون و {بِالسُّوءِ إِلَّا} 4 على قول عنده انتهى، واعترضه الشيخ ابن عاشر بما "الأحزاب" لقالون و {بِالسُّوءِ إِلَّا} 5 على قول عنده انتهى، واعترضه الشيخ ابن عاشر بما يعلم بالوقوف عليه، وقال في:{النَّبِيُّ إِنَّا} 6 لقالون و {بِالسُّوءِ إِلَّا} 7 على وجه الإبدال له القياس على مقتضى قول الناظم في الضبط، وذا الذي ذكرت في "المسهل" سهل بين بين، أو بالبدل إذا تحرك أن تجعل الهمزة نقطة بالحمراء في السطر لإبدالها حرفا محركا حتى أدغمت فيها الواو، والياء قبلها. ا. هـ. والذي جرى به العمل عدم وضع النقطة في {النَّبِيُّ إِنَّا} 8، وفي {بِالسُّوءِ إِلَّا} 9 على وجه الإبدال لقالون كـ {النَّسِيءُ} 10 لورش. وقول الناظم "في المسهل" متعلق بمحذوف خبر عن قوله:"ذا"، وجملة "سهل" في موضع الحال من "المسهل" متعلق بمحذوف خبر عن قوله:"ذا"، وجملة "سهل" في موضع الحال من "المسهل"، ثم قال:
. . . . . . . . . . . . ففي مؤجلا
…
وبابه من فوقه إن أبدلا
وهكذا بألف من لأهب
…
لمن إلى الياء قراة ذهب
1 سورة التوبة: 9/ 37.
2 سورة التوبة: 9/ 37.
3 سورة الأحزاب: 33/ 50.
4 سورة يوسف: 12/ 53.
5 سورة يوسف: 12/ 53.
6 سورة الأحزاب: 33/ 50.
7 سورة يوسف: 12/ 53.
8 سورة الأحزاب: 33/ 50.
9 سورة يوسف: 12/ 53.
10 سورة التوبة: 9/ 37.
أتى الناظم بما ذكره هنا تمثيلا لما أبدل حرفا محركا وزيادة، وفي البيان إذ هو مندرج في قوله:"أو بالبدل إذا تحرك" كما قررناه قبل، ولما كان المبدل حرفا محركا يتنوع إلى ما وافقت صورته تلاوته، وإلى ما خالفت صورته تلاوته، مثل لكلا النوعين، فمثل للنوع الأول بـ {مُؤَجَّلًا} 1، وببابه عند من أبدله وأراد بابه نحو:{مُؤَذِّنٌ} 2، و {لَيْلًا} 3، ومثل للنوع بـ {لِأَهَبَ} 4 إذ صورة همزة في الرسم ألف، وهي مخالفة للياء عند من قرأ بها، ومثل بـ {لِأَهَبَ} 5، نحو {يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 6 ومن:{وِعَاءِ أَخِيهِ} 7 ونحو {يَشَاءُ إِلَى} 8، و {هَؤُلاءِ إِنْ} 9 عند من أبدل الثانية ياء إذ كلها لا توافق صورة الهمز فيها التلاوة. فقول الناظم:"وهكذا بألف من لأهب" يعني وبابه أيضا، وما ذكره في:{لِأَهَبَ} 10 من جعل نقطة حمراء على الألف دلالة على الإبدال هو الذي يؤخذ من كلام الداني، وصرح به بعض الأئمة، وهو مذكور في بعض نسخ ذيل "التنزيل"، وعمل به في بعض البلاد، واقتصر أبو داود حسبما هو في عدة نسخ من الذيل على جعل ياء بالحمراء على الألف بناء على أن الياء عند من قرأ بها مبدلة من الهمز، وهذا الوجه الذي اقتصر عليه أبو داود هو الذي اختاره اللبيب، وبه جرى العمل عندنا بتونس، وهو الذي يجري مع كون الياء:{لِأَهَبَ} 11 حرف مضارعة، وقد ذكر اللبيب أوجها أخرى في {لِأَهَبَ} 12 لم يصحبها عمل لضعفها، وقول الناظم في "مؤجلا" و"من فوقه" يتعلقان بـ"تجعل" محذوفا، ويقدر مثله في البيت الثاني للتعلق به مجروراته، ثم قال:
والحكم في أخراهما كاحكم
…
من بعد كسر وردت أو ضم
ذكر في هذا البيب حكم الهمزة الثانية من الهمزتين المجتمعين في كلمتين إذا أبدلت الثانية حرفا محركًا، فأخبر أن الحكم في أخراهما أي الهمزة الثانية كالحكم السابق في:{مُؤَجَّلًا} 13، و {لِأَهَبَ} 14 من جعل نقطة حمراء في موضع الهمزة المبدلة، وذلك إذا وقعت الهمزة الثانية من بعد كسر، أو ضم في الهمزة الأولى، فمثالها بعد الكسر
1 سورة آل عمران: 3/ 145.
2 سورة الأعراف: 7/ 44.
3 سورة الحديد: 57/ 29.
4 سورة مريم: 19/ 59.
5 سورة مريم: 19/ 59.
6 سورة هود: 11/ 44.
7 سورة يوسف: 12/ 76.
8 سورة البقرة: 2/ 142.
9 سورة البقرة: 2/ 31.
10 سورة مريم: 19/ 19.
11 سورة مريم: 19/ 19.
12 سورة مريم: 19/ 19.
13 سورة آل عمران: 3/ 145.
14 سورة مريم: 19/ 19.
{مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} 1، ونحوه {هَؤُلاءِ إِنْ} 2 و {عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ} 3 عند من يبدل الثانية ياء مكسورة، ومثالها بعد الضم:{يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 4، ونحوه {يَشَاءُ إِلَى} 5 على مذهب من يبدل الثانية واوا، وما ذكره في هذا البيت هو من باب {لِأَهَبَ} 6 إذ صورته لا توافق تلاوته كما قدمنا، فكان اللائق أن يستغني عنه بالتمثيل بـ {لِأَهَبَ} 7 لكن لما كان الهمز في:{لِأَهَبَ} 8 مفردا وفيما هنا مجتمعا مع همز آخر خشي الناظم أن يتوهم افتراقهما في الحكم، فأشار بهذا البيت إلى أن الحكم في الجميع واحدا، وما ذكره هنا هو الذي اقتصر عليه الشيخان، وبه العمل كما قدمناه، وأجاز بعضهم أن تجعل في موضع الهمزة واو حمراء في نحو:{يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} 9، وياء حمراء في نحو:{مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} 10، وأنكر ذلك الداني، وقول الناظم:"كالحكم" فيه حذف النعت أي كالحكم السابق وجملة: "وردت" حال من "أخراهما"، وقوله "من بعد كسر" متعلق بـ"وردت" و"أو ضم" معطوف على كسر، ثم قال:
وإن تشأ صورت همزًا أولًا
…
واوا حمرا لمن قد سهلا
لاهما لدى اتفاق الهمزتين
…
إن جاءتا بالضم أو مكسورتين
ذكر في هذين البيتين أن الهمزتين في كلمتين إذا اتفقتا في الضم نحو: {أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ} 11، أو في الكسر نحو:{هَؤُلاءِ إِنْ} 12 يجوز لمن سهل أولاهما بين بين -وهو قالون- أن تجعل في موضع المسهلة منهما صورة حمراء من جنس حركتها واوا إن كانت مضمومة، وياء إن كانت مكسورة، وقد تقدم للناظم أن كل ما سهل بين بين تجعل فيه نقطة حمراء في موضع الهمزة، وهذان النوعان المذكوران هنا من ذلك، فيتحصل فيهما وجهان: أحدهما أن تجعل نقطة حمراء في موضع المسهل، وهو المأخوذ من عموم ما تقدم، والوجه الآخر هو المذكور هنا، وقد ذكر الشيخان هذين الوجهين، واختار أبو داود الوجه الأول، وبه جرى العمل كما قدمنا، وقول الناظم:"بالضم" راجع إلى قوله "واوا"
1 سورة يوسف: 12/ 76.
2 سورة البقرة: 2/ 31.
3 سورة النور: 24/ 33.
4 سورة هود: 11/ 44.
5 سورة البقرة: 2/ 142.
6 سورة مريم: 19/ 19.
7 سورة مريم: 19/ 19.
8 سورة مريم: 19/ 19.
9 سورة هود: 11/ 44.
10 سورة يوسف: 12/ 76.
11 سورة الأحقاف: 46/ 32.
12 سورة البقرة: 2/ 31.
وقوله: "أو مكسورتين" راجع إلى قوله: "ويا" ففي كلامه لف ونشر مرتب، وقوله:"أولا" نعت لـ"همزا" أي همزا سابقا، وقوله:"واوا" على حذف النعت أي واوا حمراء، وحذفه لدلالة ما بعده عليه، والباء في قوله:"بالضم" بمعنى "مع"، ثم قال:
وكل ما وجدته من نبر
…
من غير صورة فضع في السطر
ذكر في هذا البيت محل وضع الهمز الذي لا صورة له في المصحف، فأمر بأن يوضع في السطر كل ما وجد من نبر لا صورة له أي لم يصور في المصحف العثماني بالألف، ولا بالواو ولا بالياء، والنبر عند سيبويه، والجمهور مرادف للهمز كان محققا، أو مخففا وهو الذي عند الناظم، وقال الخليل: النبر خاص بالهمز المخفف، ولا فرق في وضع الهمز في السطر إذا لم تكن له صورة بين أن يكون أولا نحو:{آسِنٍ} 1 أو وسطا نحو: {شَطْأَهُ} 2 أو آخرا نحو: {مِلءُ} 3، ولا يبين أن يكون محققا كما مثلنا، أو مبدلا حرفا محركا نحو:{هَؤُلاءِ آلِهَةً} 4، أو مسهلا بين بين نحو:{أَإِلَهٌ} 5 على المختار المعمول به.
ولا فرق أيضا بين جعل الهمزة نقطة كما عند نقاط المصاحف، وبين جعلها عينا كما عند النحاة والكتاب، وإذا لم تكن هناك مطة كـ {مِلءُ} 6 و {أَإِلَهٌ} 7، فلا إشكال في وضع الهمز في بياض السطر، وأما إن كان هناك مطة كـ {شَطْأَهُ} 8، فصرح أبو داود بأن الهمزة تكون متصلة بالمطة من غير أن تقطعها، وهو الصواب المعمول به، وقول الناظم:"وكل" بالنصب مفعول بـ "ضع"، والفاء زائدة و"من" في قوله:"من غير" بمعنى الباء، ثم قال:
وما بشكل فوقه ما يفتح
…
مع ساكن وما بكسر يوضع
من تحت والمضموم فوقه ألف
…
لكنه بوسط من الألف
تعرض في هذين البيتين إلى محل وضع الهمز الذي له صورة، وهي التي عبر عنها هنا بالشكل، فلفظ الشكل عند الناظم مشترك بين الحركة، وبين صورة الهمز التي هي
1 سورة محمد: 67/ 15.
2 سورة الفتح: 48/ 29.
3 سورة آل عمران: 3/ 91.
4 سورة الأنبياء: 21/ 99.
5 سورة النحل: 27/ 60-63.
6 سورة آل عمران: 3/ 91.
7 سورة النحل: 27/ 60-63.
8 سورة الفتح: 48/ 29.
الألف أو الواو أو الياء، فقوله: و"ما بشكل فوقه ما يفتح مع ساكن" معناه أن الهمز الذي له شكل إن كان مفتوحا، أو ساكنا فإنه يجعل فوق الشكل سواء كان أولا نحو "أنتم"، أو وسطا نحو "سألوا" و"البأس"، أو آخر نحو "بدأ" و"قرأ"، وسواء كانت الصورة ألفا كما مثلنا أو واوا:{مُؤَجَّلًا} 1، و {يُؤْمِنُ} 2 لقالون أو ياء نحو:{فِئَةٍ} 3 "وهيئ"، وقوله:"وما بكسر يوضح من تحت" معناه أن الهمز إذا كان مكسورا جعل تحت شكل الصورة، سواء كان أولا نحو "إن"، أو وسطا نحو "فإن أو آخرا نحو "من نبإ"، وسواء كانت الصورة ألفا كما مثلنا، أو ياء نحو "سئلت" أو واوا نحو "لؤلؤ"، وقوله: و"المضموم فوقه ألف إلخ، معناه أن الهمز إذا كان مضموما جعل فوق الشكل لكن لا مطلقا بل إذا صور بواو أو ياء نحو:{يَكْلَأُكُمْ} 4، و {يُنْشِئُ} 5، وأما إذا صور بألف فإنه يجعل في وسطه نحو:{أُكُلُهَا دَائِمٌ} 6 لكن بشرط أن لا تقع المطة، وحكم الهمزة متصلة بصورتها، أو يبقى بينهما بياض؟ حكى الداني في ذلك قولين، واختار القول بالاتصال مطلقا وبه العمل، وقوله الناظم:"بوسط من الألف" صريح في اتصال الهمزة بصورتها إلا أنه لم يقل إلا في المضمومة المصورة بألف، وكلامه في غيرها مجمل، فإذا رد المجمل إلى المسفر وافق كلامه مختار الداني، وقوله:"يوضح" بالبناء للنائب معناه يبين أي في الخط، وقوله:"ألف" بضم الهمزة فعل ماض مبني للنائب بمعنى عهد، وأما الألف في آخر البيت فهو اسم للحرف، والباء في قوله:"بوسط" بمعنى "في"، ثم قال:
ثم امتحن موضعه بالعين
…
حيث استقرت ضعه دون مين
كعامنوا في ءامنوا والسوع
…
في السوء والمسيء كالسيع
ذكر في البيت الأول ما يمتحن به موضع الهمز، فأمر بأن يمتحن أي يختبر موضعه بالعين بأن ينطق بها في موضع الهمز، فالموضع الذي تظهر فيه العين فيه يوضع الهمز خطا، وهذا معنى قوله:"حيث استقرت" أي العين "ضعه" أي الهمز كيف ما كان "دون مين" أي دون كذب، وهذا الذي ذكره الناظم ذكره النقاط وغيرهم، وإنما احتاجوا لذكره؛ لأن من أاد وضع الهمزة نقد يشكل عليه محل وضعها، لكون المصاحف العثمانية لم توضع
1 سورة آل عمران: 3/ 145.
2 سورة البقرة: 2/ 232.
3 سورة الأنفال: 8/ 16.
4 سورة الأنبياء: 21/ 42.
5 سورة الرعد: 13/ 12.
6 سورة الرعد: 13/ 35.
فيها الهمزة بل جعل موضعها خاليا، فجاء من بعد السلف، وأحدث للهمزة هيئة إما نقطا أو عينا، ثم مثل الناظم في البيت الثاني بثلاثة أمثلة لما يمتحن بالعين: الأول "آمنوا"، وأشار به إلى ما وقع فيه بعد الهمز حرف مد، فيدخل فيه:{مَسْؤُولًا} 1، و {مُتَّكِئِينَ} 2 فتقول:"عامنوا" و"مسعولا" و"متكعين"، فظهرت العين قبل الألف والواو والياء، فتجعل الهمزة في مكانها، والمثال:{السَّوْءِ} 3 مثل به للهمز الذي قبله واو، والمثال الثالث:{الْمُسِيءُ} 4 مثل به للهمز الذي قبله ياء، ولم يمثل للهمز الذي قبله ألف نحو:{دُعَاءِ} 5 اكتفاء عنه بمثالي الواو والياء الواقعين قبل الهمز، وهذه الأمثلة التي ذكرها قد يتوهم فيها جعل الهمزة في حرف المد، فلذا اقتصر عليها، وإلا فالامتحان بالعين يعم الهمز الذي لا صورة له -كأمثلة الناظم- والهمز الذي له صورة نحو:{سَأَلُوا} 6 و {مُؤَجَّلًا} 7، و {فِئَةٍ} 8، و"ثم" في قوله:"ثم امتحن" لمجرد العطف، وليست للمهلة بل ولا للترتيب؛ لأن مرتبة الامتحان بالعين سابقة على ما استفيد من قوله:"وكل من نبر" وما بعده، وقوله:"موضعه" مفعول به لـ"امتحن"، وليس بظرف، ثم قال:
وخصت العين لما بينهما
…
من شدة وقرب مخرجيهما
لأجل ذا خطت عن الثقات
…
عينا من الكتاب والنحاة
يعني أن وجه اختصاص العين بالامتحان بها دون غيرها من الحروف هو ما بينها، وبين الهمزة من المناسبة من وجهين: أحدهما كون الهمزة شديدة والعين فيها بعض الشدة بخلاف سائر حروف الحلق، والثاني أنهما معا من حروف الحلق بخلاف سائر حروف الشدة، ليس يخرج منها شيء من الحلق، فما يشارك الهمزة من حروف الهجاء إما يشاركها في المخرج فقط، أو في الصفة فقط ما عدا العين، فإنها تشاركها في المخرج والصفة، وهذا التوجيه ذكره الداني، وزاد في التوجيه اشتراكهما في الجهر، وكون العين أكثر دورا من غير واعلم أن الناسبة المذكورة بين الهمزة، والعين أوجبت للهمزة أمرين: أحدهما يرجع إلى اللفظ وهو امتحان موضعها بالعين دون غيرها، وهو الذي ذكره الناظم فيما
1 سورة الإسراء: 17/ 34.
2 سورة الواقعة: 56/ 16.
3 سورة التوبة: 9/ 98.
4 سورة غافر: 40/ 58.
5 سورة إبراهيم: 14/ 40.
6 سورة النساء: 4/ 153.
7 سورة آل عمران: 3/ 145.
8 سورة الأنفال: 8/ 16.
تقدم، والأمر الثاني يرجع إلى الخط، وهو تصويرها بصورة العين دون صورة غيرها من الحروف، وإلى هذا أشار هنا في البيت الثاني، فقوله:"لأجل ذا" أي لأجل ما بين الهمزة، والعين من المناسبة المتقدمة "خطت" أي كتبت الهمزة صورة عين "عن الثقاة من الكتاب والنحاة"، والنحاة معروفون، والمراد بالكتاب هنا أصحاب الرسائل والأشعار، وأما نقاط المصاحف فمجمعون على جعل الهمزة نقطة كانت لها صورة في المصحف أو لا، نعم جرى العمل بجعل الهمزة المحققة عينا في ألواح التعليم، وقوله:"عن الثقاة" هو في بعض النسخ بالثاء المثلثة جمع ثقة وهو العدل المأمون، وفي بعضها بالتاء المثناة فوق جمع ناق بمعنى تقي. ثم قال:
وكل ما من همزتين وردا
…
في كلمة بصورة قد أفردا
فقيل: صورة للأولى منهما
…
وقيل: بل هي إلى ثانيهما
يعني أنه إذا اجتمع همزتان في كلمة، وليس فيها إلا صورة واحد فقد اختلف هل تلك الصورة للهمزة الأولى أو للهمزة الثانية، ودخل في عموم كلامه الهمزتان المفتوحتان نحو:{أَأَسْجُدُ} 1، و {ءالله} 2، والمفتوحة فالمضمومة نحو {آمَنَ} 3، ودخل فيه أيضا ما اجتمع فيه ثلاث همزات نحو:{أَآلِهَتُنَا} 4 الواقع في "الزخرف"، فإنك إذا قطعت النظر عن الثالثة كان الأولياء داخلتين في قسم المفتوحة فالساكنة، وقوله:"فقيل صورة للأولى منهما"، هو مذهب الفراء، وعلل بتصدرها وبأنها جيء بها لمعنى في الأكثر، وقوله:"وقيل بل هي إلى ثانيهما" هو مذهب الكسائي، وعلل بأن الأولى زائدة دائما فهي أولى بحذف صورتها، وأخذ النقاط بالقولين على ما سيتبين مما بعد، واحترز بقوله:"بصورة قد أفردا" مما فيه صورتان وذلك: {أَؤُنَبِّئُكُمْ} 5 وباب: {أَإِفْكًا} 6 فإن حكمها مخالف لحكم هذا الفصل، وقد ذكر المتقدمون فيهما وجهين على قراءة من سهل الهمزة الثانية: الوجه الأول: جعل دارة ووجهه على التحقيق أن النقطة علامة الهمزة المسهلة، والدارة لتوهم زيادة الواو والياء؛ لأن قائل ذلك يرى أن هذا الموضع ليس
1 سورة الإسراء: 17/ 61.
2 سورة يوسف: 12/ 59.
3 سورة البقرة: 2/ 285.
4 سورة هود: 11/ 53.
5 ورة آل عمران: 3/ 15.
6 سورة الصافات: 37/ 86.
بمحل للواو والياء وإنما هو محل الألف، لكنها الدارة، الوجه الثاني: تعرية الواو والياء من النقطة والدارة، واستحسنه أبو داود، ووجه أن الأداء إنما يؤخذ من الشيوخ مشافهة، فالتعرية توجب السؤال.
وزاد بعض العلماء وجها ثالثا فيهما، وهو الاكتفاء بالنقطة عن الدارة، وهذا الوجه الثالث هو الذي يقتضيه قول الناظم فيما تقدم:"وذا ذكرت في المسهل" إلخ، كما نبهنا عليه هناك غير أن النظام يجعل النقطة المكتفى بها علامة التسهيل. ومن يقول بالوجه الثالث يجعل النقطة علامة الحركة، والوجه الذي اقتضاه كلام الناظم فيما تقدم هو الذي يعطيه القياس، وبه جرى العمل عندنا في باب:{أَإِفْكًا} 1 كما قدمناه في شرح قول الناظم: "وذا الذي ذكرت في المسهل" إلخ. وأما {أَؤُنَبِّئُكُمْ} 2، فالعمل عندنا بتونس في ضبطه على الوجه الأول الذي استحسنه الداني، وهو جعل دارة على الواو، وجعل نقطة أمام الواو، وعمل في بعض البلاد بجعل نقطة فوق الواو.
فإن قلت: لم أعرض الناظم عن ذكر الدارة مع أن الواو في: {أَؤُنَبِّئُكُمْ} 3 والياء في باب {أَإِفْكًا} 4 كلاهما كالزائد كما تقدم في توجيه الوجه الأول؟ فالجواب أن الناظم لما قدم في الرسم أن الواو، والياء في ذلك كتبتا على مراد الوصل لا على أنهما زائدتان، أعرض عن ذكر الدارة، واقتصر على اندراج ذلك في عموم التسهيل بين بين الذي يكتفي فيه بالنقط، وذلك منه حسن جدا رحمه الله، وقوله:"قد أفراد" حال من فاعل "ورد" ومعنى أفرد خص، وقوله:"صورة" خبر لمبتدأ محذوف أي هي، وقوله:"هي" مبتدأ خبره محذوف أي صورة و"إلى" في قوله "إلى ثانيهما" بمعنى اللام، ثم قال:
وذا الأخير اختير في المتفقين
…
وأول الوجهين في المختلفين
يعني أن النقاط أخذوا بالمذهبين المتقدمين، واختاروا كلا منهما في نوع من الهمزتين، فالمذهب الأخير الذي هو مذهب الكسائي، وهو ما دل عليه قوله المتقدم:"وقيل بل هي إلى ثانيهما" اختاروه في نوع الهمزتين المتفقتين، ومراده بالمتفقتين هنا المتفقتان
1 سورة الصافات: 37/ 86.
2 سورة آل عمران: 3/ 15.
3 سورة آل عمران: 3/ 15.
4 سورة الصافات: 37/ 86.
في الصورة لو صورت الهمزتان معا، فيدخل في ذلك ما كانت همزتاه مفتوحتين نحو:{أَأَنْذَرْتَهُمْ} 1، و {اللَّهُ} 2، وما كان الثانية فيه ساكنة نحو:{آمَنَ} 3، ولو حملنا كلامه على المتفقتين في الحركة للزم خروج القسم الثاني من هذا النوع، ودخوله في النوع الثاني، وذلك مخالف لما عند النقاط، والمذهب الأول الذي هو مذهب الفراء، وهو ما دل عليه قوله المتقدم:"فقيل صورة للأولى منهما" اختاروه في نوع الهمزتين المختلفتين، ومراده أيضا بالمختلفتين هنا المختلفتان في الصورة لو صورت الهمزتان معا، فيخرج منه حينئذ ما كانت فيه الثانية ساكنة، ويدخل فيه باب:{أَإِلَهٌ} 4 وباب: {أَأُنْزِلَ} 5 مما لم يصور فيه إلا إحدى الهمزتين، وقوله: و"أول الوجهين" مبتدأ خبره محذوف تقديره: "اختير" دخل عليه "اختير" الأول، ومراده بالوجهين المذهبان المتقدمان، ثم قال:
ففي اتفاق تجعل المبينة
…
من قبلها وفوقها الملينة
ذكر في هذا البيت، وما بعده النقط المسبب على الاختيار الذي قدمه، فأشار في هذا البيت إلى أنك إذا بنيت على مذهب الكسائي، الذي هو المختار عند النقاط في نوع الهمزتين المتفقتين نحو:{أَنْتَ} 6، {آللَّهُ} 7، فكيفية النقط فيه أن تجعل الهمزة المحققة -وهي التي عبر عنها بالمبينة- نقطة صفراء قبل الصورة التي هي الألف، وتجعل على الألف علامة الهمزة المسهلة بين بين التي عبر عنها بالملينة نقطة حمراء.
فإن قلت: أطلق الناظم في هذا النقط، فظاهر كلامه أنه يجري على قراءة التسهيل بين بين، وعلى قراءة البدل حرف مد، وليس كذلك عند أهل النقط بل هو عندهم خاص بقراءة التسهيل بين بين، فالجواب إنما فعل ذلك اتكالًا على ما تقدم له من أن علامة التسهيل إنما تجعل للمسهل بين بين، أو بالبدل حرفا محركا دون ما أبدل حرف مد، ولذلك لا يرد عليه ما كانت الثانية فيه ساكنة من هذا القسم نحو:{آمَنَ} 8، فكأنه يقول:
اجعل الأولى من المتفقتين -وهي المحققة التي عبر عنها بالمبينة- نقطة صفراء قبل الألف، فلا يدخل في كلامه المبدلة حرف مد ساكنة كانت أو متحركة، وفي قوله
1 سورة البقرة: 2/ 6.
2 سورة البقرة: 255.
3 سورة البقرة: 2/ 285.
4 سورة النمل: 27/ 64.
5 سورة النمل: 27/ 64.
6 سورة آل عمران: 3/ 8.
7 سورة النمل: 27/ 59.
8 سورة البقرة: 2/ 285.
"المبينة" إشعار بأن هذا الحكم خاص بما إذا كانت محققة، وأما لو خففت بالنقل نحو {رَحِيمٌ} 1، {أَأَشْفَقْتُمْ} 2، فلا تجعل الصفراء وهو كذلك؛ لأن الذي يجعل حينئذ في موضعها إنما هو جرة كما سيقوله بعد هذا.
تنبيه: اقتصر الناظم، وغيره على بيان نقط هذا النوع على قراءة التسهيل، ولم يتكلموا على نقطة على قراءة البدل حرف مد؛ لأن المبدل حرف مد لا تجعل عليه علامة حسبما دل عليه كلامه أول الباب، والضمير في قوله:"من قبلها" وقوله: "فوقها" يعود على الصورة، ثم قال:
وفي اختلاف فوقها الصفراء
…
ونقطة أمامها حمراء
وإن تشأ فاجعل هنا مت سهلا
…
واوا بنحو قوله أءنزل
والياء في الباقي من المختلف
…
حمرا................................
ذكر هنا وجهين مبنيين على مذهب الفراء الذي هو المختار عند النقاط في نوع الهمزتين المختلفتين نحو: {أَأُنْزِلَ} 3، {أَإِلَهٌ} 4.
الوجه الأول: أن تجعل الصفراء التي هي المحققة فوق الصورة، وتجعل علامة المسهلة نقطة حمراء في السطر إذ لا صورة لها حسبما دل عليه قوله:"فوقها الصفراء" إجمالا؛ لأن هناك من المواضع ما لا تجعل فيه الصفراء، وهو حيث تنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها نحو:{حَاجِزًا أَإِلَهٌ} 5، {اخْتِلاقٌ، أَأُنْزِلَ} 6 فإنك لا تجعل الصفراء على الألف إذا نقطت لورش، وإنما تجعل هناك جرة، لكن هذا الإجمال سيفسره الناظم بعد هذا بقوله:"وإن يكن مسكن من قبل"، إلخ.
الوجه الثاني: كالوجه الذي قبله إلا أنك تلحق واوا حمراء في باب: {أَأُنْزِلَ} 7، وتجعل فوقها علامة التسهيل، وياء حمراء في باب:{أَأُنْزِلَ} 8 وتجعل فوقها علامة التسهيل، وياء حمراء في باب:{أَإِلَهٌ} 9، وتجعل تحتها علامة التسهيل، وحكم هذه الياء في الاتصال بما بعدها حكم الثابتة، ولذلك سكت الناظم عن بيانه؛ لأنه جاء على
1 سورة البقرة: 2/ 143.
2 سورة المجادلة: 58/ 13.
3 سورة ص: 38/ 8.
4 سورة النمل: 27/ 64.
5 سورة النمل: 27/ 61.
6 سورة ص: 38/ 7.
7 سورة ص: 38/ 8.
8 سوة ص: 38/ 8.
9 سورة النمل: 27/ 64.
وفاق الأصل، وإنما لم يصرح بنقطة التسهيل؛ لأنه اكتفى بما تقدم في قوله:"ونقط ما سهل بالحمراء"، ويحتمل أن الناظم يرى الاكتفاء بإلحاق الواو، والياء عن نقطة التسهيل، ويكون ما ألحق عوضا عن النقطة، وإلى هذا الوجه الثاني أشار بقوله:"وإن تشأ" إلخ، وهو وجه مرجوح عن النقاط، والوجه الأول هو الراجح عندهم وبه جرى العمل، وقوله:"واوًا" على حذف النعت أي حمراء يدل عليه "حمراء" الذي بعده.
و"الياء" منصوب بالعطف على "واوا"، و"حمرا" حال من "الياء"، و"في الباقي" متعلق بـ"اجعل" و"من المختلف" حال من "الباقي"، و"الباقي من مختلف" هو باب {أَإِلَهٌ} 1 كما أشرنا إليه؛ لأن الهمزتين في هذا الفصل منحصرتان في قسمين مفتوحة، فمضمومة وهو ما أشار إليه:"بنحو قوله أءنزل"، ومفتوحة فمكسورة، وهو الذي عبر عنه بالباقي، ثم قال:
. . . . . . . . . . .
…
وءالهتنا في الزخرف
وقوله ءامنتم مستفهما
…
الحكم فيهن كما تقدما
لكن بعد ألف ألحقتا
…
حمراء مثل هذه إن أنتا
جعلت هذه هي الملينة
…
وإن جعلتها هي السكنة
فالألف الحمراء قبل ألحقن
…
وانقط عليها أو بنقط عوضن
ذكر هنا حكم ما اجتمع فيه ثلاث همزات، ولم يرسم إلا بصورة واحدة وهو {أَآلِهَتُنَا} 2 في "الزخرف"، و {أَأَمِنْتُمْ} 3 المستفهم به، أما {أَآلِهَتُنَا} 4 في "الزخرف" فهو:{وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} 5، وقيده بالزخرف احترازا مما في غيرها كقوله تعالى:{أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} 6، وأما {أَأَمِنْتُمْ} 7 المستفهم به أي الذي في أوله همزة استفهام ففي ثلاثة مواضع: موضع في "الأعراف"، وموضع في "طه" وموضع في "الشعراء"، وقيده بالاستفهام احترازا من غير هذه المواضع الثلاثة نحو قوله تعالى:{إِذَا مَا َقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} 8، وضمير فيهن من "قوله الحكم فيهن كما تقدم" يعود على
1 سورة النمل: 27/ 64.
2 سورة هود: 10/ 53.
3 سورة طه: 20/ 71.
4 سورة هود: 11/ 53.
5 سورة الزخرف: 43/ 58.
6 سورة الصافات: 37/ 36.
7 سورة طه: 20/ 71.
8 سورة يونس: 10/ 51.
{أَآلِهَتُنَا} 1، و {أَأَمِنْتُمْ} 2، وجمعه باعتبار المواضع إذ مواضع:{أَأَمِنْتُمْ} 3 ثلاثة كما ذكرنا، ومعنى كلامه أن حكم ما اجتمع فيه ثلاث همزات كالحكم المتقدم فيما اجتمع فيه همزتان متفقتان، فيجري هنا ما قدمه هناك من الخلاف في كون الصورة للأولى أو للثانية، ومن اختيار كونها للثانية، وما ينبني على الاختيار المذكور من الضبط، ولما كان عموم قوله:"الحكم فيهن كما تقدم" يقتضي اختيار جعل الصورة لغير الأولى كما تقدم في الهمزتين المتفقتين، واحتمل هنا أن تكون الصورة للوسطى وأن تكون للأخيرة، استدرك أوجه الضبط المتفرعة على الاحتمالين بقوله:"لكن بعد ألف الحقتا" إلخ، وجملتها ثلاثة:
الوجه الأول: أن تلحق بعد الألف الكحلاء ألفا حمراء مثل هذه أي مثل الألف الكحلاء، ويعني بقوله:"مثل هذه" أن الألف الحمراء تكون مساوية للألف الكحلاء في الصورة، والقدر وإن كانت مخالفة لها في اللون، وهذا الوجه الأول مبني على جعل الصورة للوسطى، كما أشار إليه بقوله:"إن أنت جعلت هذه الملينة"، أي إنما تلحق الألف الحمراء بعد الكحلاء إذا جعلت هذه -أي الكحلاء- هي صورة الهمزة الملينة أي المسهلة لنافع، وهي الهمزة الوسطى، وهذا الوجه هو المختار عند النقاط؛ لأنه لا يتوالى الحذف معه بخلاف غيره، ولهذا بدأ به الناظم وبه جرى العمل، ولم ينبه الناظم على جعل النقطة التي هي علامة التسهيل على الألف الكحلاء في هذا الوجه، كما لم ينبه على جعل النقطة الصفراء في السطر لدخول ذلك في عموم قوله:"الحكم فيهن كما تقدم".
الوجه الثاني: أن تلحق الألف الحمراء قبل الكحلاء، وتجعل عليها علامة التسهيل.
الوجه الثالث: أن تعوض الألف الحمراء بنقطة في موضع الهمزة الثانية بأن تكتفي بالنقطة عن إلحاق الألف، وهذان الوجهان مرجوحان، وهما مبنيان على جعل الألف الكحلاء صورة للأخيرة، كما أشار إلى ذلك بقوله:"وإن جعلتها" أي الألف الكحلاء هي المسكنة أي صورة للهمزة المسكنة المبدلة ءالان ألفا، وهي الأخيرة، "فالألف الحمراء قبل ألحقن" البيت، ولم يتكلم في هذين الوجهين على حكم المحققة، والمبدلة
1 سورة هود: 11/ 53.
2 سورة طه: 20/ 71.
3 سورة طه: 20/ 71.
حرف مد اكتفاء بما تقدم، وهذه الأوجه الثلاث مفرعة على تسهيل الثانية بين بين، وهو رواية ضعيفة، ولضعفها لم يتكلم المتقدمون على النقط المبني عليها، وإن كانت راجحة في غير هذا الموضع من المفتوحتين، وقد ذكر المتأخرون في ضبط ما اجتمع فيه ثلاث همزات وجوها كثيرة لقالون وورش، أنهاها بعضهم إلى ستين وجها بعضها مفرع على تسهيل الثانية، وبعضها مفرع على إبدالها، ولم يتعرض الناظم منها إلا لأوجه الثلاثة المتقدمة لضعف ما عداها.
تنبيه: اختلف في إيصال الألف الملحقة إلى السطر، وعدم إيصالها كما اختلف في إيصال سائر المحذوفات الملحقة إلى ما أثبت كالياء في:{إِيلافِهِمْ} 1، والمحققون على الإيصال، وجعل المحذوف على صفة الثابت إلا في اللون، وفي قول الناظم:"مثل هذه" إشارة إلى اختيار إيصال الألف الملحقة، واختار اللبيب عدم الإيصال في الكل، والعمل عندنا على عدم إيصال الألف الملحقة، وعلى إيصال غيرها من سائر الملحقات، وقول الناظم:"لكن بعد ألف" فيه حذف اسم "لكن"، والتقدير: لكنك "والحقنا" خبرها وهو بمعنى "تلحق"، وقوله:"بعد ألف" على حذف النعت أي ألف كحلاء، وكل من قوله:"حمراء" وقوله: "مثلها" نعت لمحذوف تقديره "ألفا"، ثم قال:
وقبل ذي الكحلاء أيضا تجعل
…
حمرا على مذهب من قد يفصل
لضدا اتفاق واختلاف بعده
…
وإن تشأ عوضهما بمده
تكلم في هذين البيتين على ضبط ألف الإدخال على مذهب قالون حيث يفصل بها بين الهمزة المحققة، والهمزة المسهلة المتجمعين في كلمة سواء كانتا متفقتين نحو:{أَأَنْذَرْتَهُمْ} 2 أو مختلفتين نحو: {أَإِلَهٌ} 3، فذكر في ضبطها وجهين مبنين على ما اختاره النقاط من أن الصورة للأخيرة في المتفقتين وللأولى في المختلفتين.
الوجه الأول: أن تجعل أي تلحق في المتفقتين قبل الألف الكحلاء ألفا حمراء هي ألف الإدخال بحيث تكون بين الألف الكحلاء، وبين النقطة الصفراء، وتلحق في المختلفتين ألفا حمراء هي ألف الإدخال بعد الألف الكحلاء، فتكون بين الألف الكحلاء، وبين النقطة الحمراء.
1 سورة قريش: 106/ 2.
2 سورة البقرة: 2/ 6.
3 سورة النمل: 27/ 64.
الوجه الثاني: ما أشار إليه بقوله: "وأن تشأ عوضهما بمده"، وهو كالذي قبله إلا أنك تعوض الألف الحمراء في المتفقتين بمدة، أي تجعل في موضع الألف في القسمين مدة عوضا عن الألف الحمراء، وبالوجه الأول جرى العمل عندنا، ولم يذكر المتقدمون في علامة الإدخال إلا ما ذكره الناظم من الوجهين، ولم يذكروا الجميع بينهما، وهو جعل ألف حمراء فوقها مدة، وهذا منهم والله أعلم بناء على أن ذلك المد المدخل ليس بمشبع بل هو طبيعي، وهو المقرؤ به عندنا، وأجاز المتأخرون الجمع بين الوجهين بناء على أن المد المدخل مشبع، واحترز الناظم بقوله:"على مذهب من قد يفصل" من مذهب ورش الذي لا يفصل مطلقًا، ومن رواية قالون عدم الفصل في:{أَئِمَّةً} 1، وفيما اجتمع فيه ثلاث همزات وفي:{أَشَهِدُوا} 2 في "الزخرف" على أحد الوجهين في هذا الأخير، وقوله:"الكحلاء نعت لمحذوف أي الألف الكحلاء، وقوله: "حمرا" نعت لمحذوف أيضا، أي ألفا حمراء، وضمير الاثنين في قوله: "عوضهما" يعود على الألف الحمراء التي قبل الكحلاء في المتفقتين، والألف الحمراء التي بعد الكلاء في المختلفتين، ثم قال:
وهمز ءالان إذا ما أبدلا
…
وبابه مط عليه جعلا
تكلم في هذا البيت على الألف المبدلة من الهمزة الثانية في: {آلْآنَ} 3، وبابه هل يجعل عليها أو لا يجعل، ومراده بـ {آلْآنَ} 4، وبابه هو ما دخل فيه همزة الاستفهام على همزة الوصل من الأسماء، وذلك:{آلْآنَ} 5 بموضعي "يونس"{آلذَّكَرَيْنِ} 6 معا بـ"الأنعام" و {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} 7 بـ"يونس"، و {اللَّهِ خَيْرٌ} 8 بـ"النمل"، ولجميع القراء في الهمزة الثانية من هذه الألفاظ وجهان: الإبدال حرف مد -وهو الأشهر- والتسهيل بين بين، وقد قدمنا أن هذا من باب ما اجتمع فيه همزتان متفقتان، وقد تقدم أن المختار في المتفقين كون الصورة للثانية، وقد بنى الناظم هنا على المختار فذكر أن الهمزة الثانية إذا أخذ فيها بالإبدال حرف مد، فإنها حينئذ كسائر حروف المد التي وقع بعدها سبب إشباع المد، فيلزم حيئنذ جعل المط أي المد على الألف الكحلاء التي هي صورة للثانية هكذا:{اللَّهِ} 9، واحترز بقوله:"إذا ما أبدلا" مما إذا أخذ فيها
1 سورة الأنبياء: 21/ 73.
2 سورة الزخرف: 43/ 19 "أ. شهدوا".
3 سورة يونس: 10/ 51 "الآن".
4 سورة يونس: 10/ 51.
5 سورة يونس: 10/ 51.
6 سورة الأنعام: 6/ 143.
7 سورة يونس: 10/ 59.
8 سورة النمل: 27/ 59.
9 سورة البقرة: 2/ 255.
بالتسهيل بين بين فإن الحكم حينئذ يكون كالحكم في باب: {أَأَنْذَرْتَهُمْ} 1 عند من سهل الثانية، وقد تقدم بيان ذلك إلا أنه اتفق هنا على عدم الإدخال لضعف همزة الوصل.
واعلم أن {آلْآنَ} 2 في الموضعين مما اتفق ورش، وقالون فيه على نقل حركة الهمزة إلى اللام، واختلف في المد لأجل ذلك، فمن اعتد بالنقل لا يجعل المد مشبعا فلا ينزل المد على مذهبه، وهذا الذي جرى به العمل، ومن لم يعتد بالنقل كان المد عنده مشبعا فينزل المد على مذهبه، وهذا هو الذي بنى عليه الناظم هنا، ولذلك حسن منه بـ {آلْآنَ} 3 الذي هو محل الخلاف، فإنه إذا حكم بنزول المد في هذا مع وجود الخلاف فيه، كان نزوله فيما لا خلاف فيه وهو:{آللَّهُ} 4 و {آلذَّكَرَيْنِ} 5 من باب أولى بخلاف ما لو أتى بغير: {آلْآنَ} 6 كـ {آللَّهُ} 7 فقد يتوهم أن: {آلْآنَ} 8 لا يكون حكمه كذلك، و"ما" من قوله:"إذا ما أبدلا" زائدة، وقوله:"وبابه" يقرأ بالجر عطفا على "ءالان"، ثم قال:
ولك في هذا ءأنت أن تعتبره
…
وبابه ولا تقس شا أنشره
تعرض في هذا البيت إلى الألف المبدلة من الهمزة الثانية في باب {أَأَنْتَ} 9 هل يوضع عليها المد على قراءة الإبدال أو لا يوضع، وباب {أَأَنْتَ} 10 هو ما اجتمع فيه همزتان مفتوحتان في كلمة ليست الثانية منهما همزة وصل نحو:{أَأَنْذَرْتَهُمْ} 11، {أَأَعْجَمِيٌّ} 12، {أَأَرْبَابٌ} 13، وقد ذكر الناظم فيه وجهين مبنيين على القول المختار في المتفقتين، وهو جعل الصورة للثانية: الوجه الأول أن تضع المد على الألف المبدلة من الهمزة الثانية قياسا على باب: {آلْآنَ} 14 وإلى هذا الوجه أشار بقوله: "ولك في ءأنت أن تعتبره وبابه" أي لك أن تعتبر في: {أَأَنْتَ} 15، وبابه حكم:{آلْآنَ} 16 المتقدم، فتضع المد على الألف في باب:{أَأَنْتَ} 17 قياسا على باب: {آلْآنَ} 18 إذ أبدل،
1 سورة البقرة: 2/ 6.
2 سورة يونس: 10/ 51.
3 سورة يونس: 10/ 51.
4 سورة النمل: 27/ 59.
5 سورة الأنعام: 6/ 143.
6 سورة يوسف: 10/ 51.
7 سورة النمل: 27/ 59.
8 سورة يونس: 10/ 51.
9 سورة المائدة: 5/ 116.
10 سورة المائدة: 5/ 116.
11 سورة البقرة: 2/ 6.
12 سورة فصلت: 41/ 44.
13 سورة يونس: 10/ 39.
14 سورة يونس: 10/ 51.
15 سورة المائدة: 5/ 116.
16 سورة يونس: 10/ 51.
17 سورة المائدة: 5/ 116.
18 سورة يونس: 10/ 51.
يعني، ولك أن لا تعتبر فلا تضع المد على الألف في باب:{أَأَنْتَ} 1، وهذا هو الوجه الثاني، وبالوجه الأول جرى العمل.
والسبب في هذين الوجهين مراعاة الأصل أو الحال، فإن روعي في باب {أَأَنْتَ} 2 أصل الألف، فلا يوضع عليها المد؛ لأن أصلها همزة متحركة، وإن روعي حالها:{آلْآنَ} 3 وضع المد عليها؛ لأنها حرف مد بعده سبب الإشباع، وفهم من قول الناظم:"في ءأنت" وبابه أن هذا الحكم إنما هو فيما وقع بعد الهمزة المبدلة فيه ساكن، وأما ما وقع بعدها فيه متحرك وذلك:{أَأَلِدُ} 4، و {أَأَمِنْتُمْ} 5 في سورة "الملك"، فلا يوضع فيه المد إذ لا سبب بعده. وقوله:"ولا تقس شا أنشره" بعده معطوف محذوف تقديره "وبابه" بدليل ما قبله.
ويعني بذلك أن ما اجتمع فيه همزتان متفقتان في كلمتين، وأخذ فيه بقراءة من يبدل الثانية منهما حرف مد ووجد بعده ساكن كـ {شَاءَ أَنْشَرَهُ} 6، فإنك لا تضع فيه على حرف المد المبدل من الهمزةل مدا أصلا، ولا فرق في عدم وضع المد بين المفتوحتين، وغيرهما كـ {هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} 7 أما من يراعي الأصل، فعدم نزول المد عنده ظاهر، وإذا كان المد لا ينزل عنده فيما كان من كلمة واحدة، فأحرى ما كان من كلمتين، وأما من لا يراعي الأصل بل ينظر إلى الحال، فيفرق بين ما كان من كلمة وما كان من كلمتين بلزوم المد في الأول وصلا، ووفقا، وعدم لزومه في الثاني إذ لا وجود له في الوقف فيه.
فإن قلت: قد تقرر عند أرباب هذا الفن أن النقط مبني على الوصل، فينبغي لذلك أن يجعل المد فيما كان من كلمتين لوجوده في الوصل، قلت: أجيب بأن الناظم كأنه رأى أن ذلك خاص بما بقي على أصله كالمحقق، أو نزل منزلته كالمسهل بين بين، أو بالبدل حرفا محركا، وأما ما خرج عن أصله بالكلية، فإنمت يراعى فيه اتفاق حالتي الوصل، والوقف، فلذلك منع قياسه على باب {آلْآنَ} 8، ولو اتفق الوصل والوقف فإنما يراعى اتفاقهما عند من ينظر إلى الحال خاصة، ألا ترى إلى باب:{أَأَنْتَ} 9 مع اتفاق حالتي الوصل، والوقف فيه لا يوضع فيه المد إذا روعي أصله كما تقدم.
1 سورة المائدة: 5/ 116.
2 سورة المائدة: 5/ 116.
3 سورة يونس: 10/ 51.
4 سور هود: 11/ 72.
5 سورة طه: 20/ 71.
6 سورة عبس: 80/ 22.
7 سورة البقرة: 2/ 31.
8 سورة يونس: 10/ 51.
9 سورة المائدة: 5/ 116.
واعلم أن ما ذكره الناظم في هذا البيت هو من رأيه رحمه الله إذ لم يتكلم من تقدمه في ذلك بوجه، وكلامه في ذلك صحيح، وفيه دليل على تمكنه في هذا الفن، ثم قال:
ألقول في الصلة عند الوصل
…
وحكم الابتداء ثم النقل
أي هذا القول في بيان ثلاثة أشياء: الأول حكم صلة ألف الوصل عند وصل الكلمة التي فيها ألف الوصل بالكلمة التي قبلها، والثاني حكم الابتداء بألف الوصل، والثالث حكم جرة النقل عند من أخذ بالنقل، وقد ذكرها الناظم فيما سيأتي على هذا الترتيب، واعلم أن الألف الوصل وتسمى همزة الوصل، لما كانت ساقطة في الوصل وضعوا علامة تدل على سقوطها فيه، وتلك العلامة هي الصلة، والمراد بها جرة صغيرة تجعل بالحمراء فوق ألف الوصل، أو تحته أو وسطه على ما سيذكره الناظم، وأما الابتداء فكان القياس أن لا تجعل له علامة؛ لأن النقط مبني على الوصل لا على الابتداء، وهكذا الحكم فيه عند المشارقة أن لا تجعل له علامة رعيا للقاعدة، وأما غيرهم فاختاروا جعل علامة الابتداء، إما؛ لأنه يخشى بسبب جعل عالمه السقوط أن يكون ألف الوصل ساقطا وصلًا ووقفًا، وإما خشية أن يتوهم أن يكون الابتداء بموضع الصلة فجعلوا علامة الابتداء تنبيها على ثبوت ألف الوصل في الوقف، وعلى أنه لا يكون ابتداؤه تابعا لمحل الصلة، واصطلحوا على جعل تلك العلامة نقطة كنقطة الإعجام صورة لا لونًا، وأما النقل فلما كانت الهمزة تسقط مع وصلا ولا تثبت إلا وقفا، لم يكن بينها وبين همزة الوصل فرق، فجعلت فيه الجرة الدالة على السقوط كما جعلت في همزة الوصل، غير أنهم فرقوا بينهما في العبارة، فسموا التي في همزة الوصل صلة للمناسبة، وأبقوا التي في النقل على اسمها الأصلي الذي هو جرة، وقوله:"في الصلة" على حذف مضاف أي حكم الصلة، وقوله: "ثم النقل على حذف مضافين أي ثم حكم جرة النقل، ثم قال:
فصلة للحركات تتبع
…
ففوقه من بعد فتح توضع
وتحته إن كسرة ووسطة
…
إن ضمة كذا أتت مرتبطة
أراد أن يبين هنا موضع الصلة التي هي الجرة، فأخبر أن الصلة تتبع الحركات يعني أنها تكون تابعة في الخط لحركة ما قبل ألف الوصل في اللفظ، فإذا نطق بما قبل ألف
الوصل مفتوحا وضعت الصلة فوق الألف نحو: {وَقَالَ اللَّهُ} 1، وإن نطق بما قبله مكسورا وضعت الصلة تحت الألف نحو:{وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} 2، وإن نطق بما قبله مكسورا، وضعت الصلة تحت الألف نحو:{وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} 3، وإن نطق بما قبله مضموما، وضعت الصلة في وسط الألف نحو:{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} 4، وسواء كانت تلك الحركات لازمة كالأمثلة المتقدمة أم عارضة نحو:{مَنْ آمَنَ} 5، {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} 6، {قُلِ انْظُرُوا} 7، فعلم من هذا أن موضع الصلة يدل على حركة ما قبلها، وقد قدمنا أن الصلاة تدل على سقوط ألف الوصل، فتكون الصلة دالة على أمرين: وجودها يدل على سقوط ألف الوصل، وموضوعها يدل على حركة ما قبلها.
واعلم أن المراعى هو حركة الحرف الملفوظ به قبل ألف الوصل، كما ذكرنا ولا عبرة بالحرف الموجود في الخط الساقط في اللفظ وصلا نحو:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} 8، {قَالُوا الْحَقَّ} 9، {فِي اللَّهِ} 10، ولا فرق في الحرف الملفوظ به قبل ألف الوصل بين أن تكون له صورة في الخط نحو ما تقدم، وبين أن لا تكون له صورة في الخط نحو:{الم} 11، {آللَّهُ} 12، {نُفُورًا} 13، {اسْتِكْبَارًا} 14، {مَحْظُورًا} ، 15 {انْظُرْ} 16، وقوله:"كذا أتت مرتبطة" معناه أن هذه الصلة جاءت هكذا مرتبطة بحركة ما قبل ألف الوصل على ما ذكرناه، وكأنه قصد بهذا التنبيه على قول المشارقة إن الصلاة لا ترتبط بحركة ما قبلها، بل تجعل دالا مقلوبة فوق ألف الوصل دائمًا، والعمل عندنا على ما ذكره الناظم.
تنبيهان:
الأول: أطلق الناظم كالشيخين في جعل الصلاة في ألف الوصل، ولم يفصلوا بين أن يكون ما قبله مما يمكن الوقف عليه نحو:{فِي اللَّهِ} 17، و {قَالَ اللَّهُ} 18، أو مما لا يمكن
1 سورة النمل: 27/ 59.
2 سورة البقرة: 2/ 8.
3 سورة البقرة: 2/ 8.
4 سورة الحشر: 59/ 23.
5 سورة البقرة: 2/ 177.
6 سورة يوسف: 12/ 51.
7 سورة يونس: 10/ 101.
8 سورة النساء: 4/ 1.
9 سورة سبأ: 34/ 23.
10 سورة لقمان: 31/ 20.
11 سورة البقرة: 2/ 1.
12 سورة يونس: 10/ 59.
13 سورة الإسراء: 17/ 46.
14 سورة فاطر: 34/ 43.
15 سورة الإسراء: 17/ 20.
16 سورة النساء: 4/ 50.
17 سورة لقمان: 31/ 20.
18 سورة المائدة: 5/ 115.
الوقف عليه نحو {وَاللَّهِ} 1، و {بِاللَّهِ} 2، وقد نص بعض علماء الفن على ذلك خاص بألف الوصل الذي يمكن الوقف على ما قبله، وأما ما لا يمكن الوقف على ما قبله، فلا تجعل فيه الصلة، وبهذا التفصيل جرى العمل عندنا، وجملة ما وقع في القرءان قبل ألف الوصل مما لا يمكن الوقف عليه ستة "أحرف يجمعها قولك"، "فكل وتب" نحو:{فَاللَّهُ} 3، {كَالطَّوْدِ} 4، {لاِبْنِهِ} 5، {وَالطُّورِ} 6، {تَاللَّهِ} 7، {بِاسْمِ رَبِّكَ} 8.
الثاني: قول الناظم "ووسطه أن ضمة"، هو كقول الشيخين جعلت في وسط الألف، وذلك صريح في اتصال الصلة بألف الوصل؛ لأنه لا يقال في الوسط إلا لما كان متصلا إلا أنهم لم يعبروا بما هو صريح في الاتصال، إلا في ألف الوصل الواقعة بعد الضم، وعبارتهم في ألف الوصل الواقعة بعد الفتح، والكسر مجملة، فإذا رد المجمل إلى المفسر كانت الصلاة متصلة بألف الوصل في جميع الأحوال، وبهذا جرى عملنا، والضمير في قوله:"ففوقه""وتحته""ووسطه" يعود على ألف الوصل، وقوله:"كسرة" يصح نصبه على أنه خبر لكان محذوفة أي إن كان شكل ما قبلها كسرة، ويصح رفعه بفعل محذوف تقديره إن وجدت قبله كسرة، ومثل هذا يجري في قوله:"إن ضمة"، ثم قال:
وأن تنون تحته جعلتا
…
ووسطا إن ثالثا ألزمتا
ضما لما ذكر قبل هذا أن الصلة تكون تابعة لحركة الحرف الذي قبل ألف الوصل، وكان مراده من ذلك حركة الحرف الملفوظ به لا الموجود خطًّا، خاف أن يتوهم المراد الحرف الموجود خطا، فأتى بهذا الكلام ليرفع ذلك التوهم، وينبه على أن المراد حركة الحرف الملفوظ به وجد في الخط أم لا كما قدمناه، ومعنى كلامه أن ألف الوصل إن كان قبله تنوين، فإنه لا بد من تحريكه لالتقاء الساكنين، والأصل في التحريك لالتقاء الساكنين الكسر إلا لعارض، فلذلك حكم بأنه مهما وجد التنوين قبل ألف الوصل جعلت الصلة تحت ألف الوصل، وما ذاك إلا؛ لأن التنوين إنما نطق به مكسورا، فجعلت الصلة من أسفل
1 سورة البقة: 2/ 232.
2 سورة النساء: 4/ 146.
3 سورة يوسف: 12/ 64.
4 سورة الشعراء: 26/ 63.
5 سورة لقمان: 31/ 13.
6 سورة الطور: 52/ 1.
7 سورة يوسف: 12/ 91.
8 سورة العلق: 96/ 1.
تنبيها على كسر التنوين وذلك نحو: {نُفُورًا} 1، {اسْتِكْبَارًا} 2، {حَكِيمٌ، انْفِرُوا} 3، {بِغُلامٍ اسْمُهُ} 4، فإن لم ينطق بالتنوين مكسورا بل أبقي على سكونه، وذلك في {عَادًا الْأُولَى} 5 بالنجم على قراءة نافع، ومن وافقه بإدغام تنوين عادا في اللام من الأولى، فظاهر إطلاق الناظم كغيره من المتقدمين أن الحكم فيه كالمكسور، وقال المتأخرون: المعتبر حينئذ حركة ما قبل التنوين، فتجعل الصلة حينئذ فوق الألف نظرا إلى حركة الدال لا سيما، ولفظ التنوين قد ذهب بالإدغام، وبما قاله المتأخرون جرى العمل عندنا، فإن نطق بالتنوين مضموما، فالحكم ما أشار إليه بقوله:"ووسطا إن ثالثا الزمتا ضما" يعني أن ثالث حروف الكلمة التي أولها ألف وصل إذا ضم ضمة لازمة، فاجعل الصلة في وسط الألف إشعارا بأن التنوين المنطوق به قبلها مضموم، وذلك نحو:{مَحْظُورًا، انْظُرْ} 6، و {مُبِينٍ، اقْتُلُوا} 7 في قراءة نافع ومن وافقه بضم التنوين اتباعا للثالث، واستثقالا للخروج من كسر إلى ضم؛ لأن الساكن الفاصل بينهما في اللفظ ليس بحاجز حصين.
فتحصل: أن ألف الوصل الواقعة بعد التنوين تارة توضع الصلة في وسطها، وذلك إذا كان الثالث مضموما ضما لازما، وتارة توضع فوقها، وذلك في:{عَادًا الْأُولَى} 8، وتارة توضع تحتها، وذلك فيما عدا القسمين، وخرج بضم الثالث نحو:{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} 9؛ لأن الكلمة التي في أولها ألف الوصل، وهي أل ثنائية لا ثالث لها والحرف المضموم -وهو الميم- أول كلمة أخرى، فلذلك كسر التنوين جعلت الصلة تحت ألف الوصل لا في وسطه. وخرج بالضمة اللازمة الضمة التي لا تلزم نحو:{بِغُلامٍ اسْمُهُ} 10 إذ هي حركة إعراب تختلف بحسب العوامل، فلذلك كان التنوين معها مكسورًا، وقوله "تنون" بضم التاء وكسر الواو، فعل الشرط الذي هو "إن"، ومفعوله محذوف تقديره ما قبل ألف الوصل أي، وإن تنطق بما قبل ألف الوصل أي وإن تنطق بما قبل ألف الوصل منونا، وقوله "جعلت" جواب الشرط، ومفعوله الأول محذوف تقديره الصلة، و"تته" في محل المفعول الثاني، والهاء عائدة على ألف الوصل، و"جعلت" لفظه الخبر ومعناه الأمر، ثم قال:
1 سورة الإسراء: 17/ 46.
2 سورة فاطر: 35/ 43.
3 سورة التوبة: 9/ 40، 41.
4 سورة مريم: 19/ 7.
5 سورة النجم: 53/ 50.
6 سورة الإسراء: 17/ 20.
7 سورة يوسف: 12/ 8، 9.
8 سورة النجم: 53/ 50.
9 سورة الشعراء: 26/ 123.
10 سورة مريم: 19/ 7.
.......... ووضع ضبط الابتداء
…
نقط كوضع الشكل بالخضراء
أمامه إذا بضم ابتدأت
…
وفوق إن فتح وتحت إن كسرت
تكلم هنا على ضبط الابتداء بألف الوصل، فذكر علامة الابتداء عند من يجعلها وذكر لونها ومحلها، فأشار إلى أن علامة الابتداء نقطة توضع كوضع الشكل الموجود وصلا، وأراد بقوله:"كوضع الشكل" إفادة أن نقطة الابتداء بألف الوصل، ووجه الفصل أن الذي جرى به العمل خلافا لمن قال باتصال نقطة الابتداء بألف الوصل، ووجه الفصل أن الذي عند الأئمة أن هذه النقطة هي حركة ألف الوصل، جعلت كنقط الإعجام على ضبط أبي الأسود الدؤلي المتقدم، والإجماع على أن حركة الفتح، والكسر لا تكون متصلة بحرفها، وكذلك حركة الضم عند الجمهور، ثم أشار إلى لون نقطة الابتداء فقال:"بالخضراء"، أي أن نقطة الابتداء تجعل بالخضراء لا بالحمراء التي يجعل بها الشكل الموجود وصلا، وإنما خالفوا بينهما في اللون تنبيها على أن جعل علامة الابتداء مخالف للقاعدة التي هي بناء النقط على الوصل، ثم بين في البيت الثاني محل علامة الابتداء، التي هي بناء النقط على الوصل، ثم بين في البيت الثاني محل علامة الابتداء مخالف للقاعدة التي هي بناء النقط على الوصل، ثم بين في البيت الثاني محل علامة الابتداء التي هي النقطة الخضراء، فقال:
إنك إذا ابتدأت بها مفتوحة جعلت النقطة فوق الألف نحو: {آللَّهُ} 1، وإذا ابتدأت بها مكسورة جعلت النقطة تحت الألف نحو:{إِنِ ارْتَبْتُمْ} 2، فنقطة الابتداء إنما يعتبر فيها حركة ألف الوصل نفسها لا حركة ما قبلها، واستفيد من قول الناظم:"إذا بضم ابتدأت" أن علامة الابتداء لا تجعل إلا فيما يمكن الابتداء به، والوقف على ما قبله كالأمثلة المتقدمة، وأما ما لا يمكن الابتداء به لعدم إمكان الوقف على ما قبله، وهو حروف "فكل وتب" المتقدمة نحو:{فَاللَّهُ} 3، {كَالَّذِينَ} 4، {لاِبْنِهِ} 5، {وَاللَّهُ} 6، {تَاللَّهِ} 7، {بِاللَّهِ} 8، فلا تجعل فيه نقطة الابتداء إذ لا يبتدأ به هذا هو الذي يدل عليه كلام الشيخين، وبه وهذا هو الذي يدل عليه كلام الشيخين، وبه جرى العمل، ثم قال:
1 سورة النمل: 27/ 59.
2 سورة الطلاق: 65/ 4.
3 سورة النمل: 27/ 59.
4 سورة الأحزاب: 33/ 69.
5 سورة لقمان: 31/ 13.
6 سورة البقرة: 2/ 232.
7 سورة يوسف: 12/ 91.
8 سورة النساء: 4/ 196.
وحكمها لورشهم في النقل
…
كحكمها في ألفات الوصل
ففوقه أو تحته أو وسطا
…
في موضع الهمز الذي قد سقطا
لما كانت الهمزة المنقولة حركتها تسقط في الوصل، وتثبت في الابتداء صارت كهمزة الوصل في جعل الجرة الدالة على السقوط، وفي تبعية محل الجرة لما قبلها، ولذلك شبه الناظم في البيت الأول كغيره حكم الجرة في النقل لورش بحكم الصلة في ألفات الوصل، فالهمزة إذا نقلت حركتها إلى ما قبلها بالشروط المعلومة تسقط من اللفظ، وتجعل جرة كجرة ألف الوصل في محلها دالة على السقوط، ويكون محل تلك الجرة تابعا لما قبلها، والمعتبر فيما قبلها ما كان منطوقا به، فإن نطق به مفتوحا وضعت الجرة فوق الألف نحو:{قَدْ أَفْلَحَ} 1، و {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ} 2 وفي {كَبَدٍ، أَيَحْسَبُ} 3، وإن نطق به مكسورا وضعت تحت الألف نحو من إملاق، وجمعا أن الإنسان و {رَافِعَةٌ، إِذَا} 4 وإن نطق به مضموما وضعت وسط الألف نحو: {قُلْ أُوحِيَ} 5 و {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} 6، وسواء كان الحرف المنطوق به قبلها موجودا في الخط أم لا كما تقدم في التمثيل، وإلى تفصيل تبعية جرة النقل إلى ما قبلها أشار في البيت الثاني بقوله:"ففوقه" أي الألف يعني إن نطق قبله بفتح، أو تحته أي الألف يعني إن نطق قبله بكسر، أو وسطا يعني إن نطق قبله بضم فأوفى كلامه للتفصيل لا للتخيير، ولرفع توهم أنها للتخيير أتى بقوله:"في موضع الهمز الذي قد سقطا"، وما ذكره الناظم وغيره من الأئمة من أن الجرة الدالة على السقوط هي التي تجعل في موضع الهمزة مفتوحة كانت، أو مضمومة أو مكسورة هو المعول عليه، والمعمول به خلافا لمن قال تجعل في موضع المفتوحة فتحة، وفي موضع المضمومة ضمة، وفي موضع المكسورة كسرة.
واعلم أن ما تقدم من وضع الجرة فوق الألف، أو تحتها أو في وسطها محله إذا كانت الهمزة منفصلة عن الساكن كما في الأمثلة المتقدمة، وأما إذا كانت الهمزة متصلة به، وذلك
1 سورة المؤمنون: 23/ 1.
2 سورة العنكبوت: 29/ 1.
3 سورة البلد: 90/ 4، 5.
4 سورة الواقعة: 56/ 3-5.
5 سورة الجن: 32/ 1.
6 سورة المرسلات: 77/ 12.
في {رِدْءًا} 1، ولام التعريف نحو:{عَادًا الْأُولَى} 2، و {الْأَرْضَ} 3، و {الْآزِفَةِ} 4، فلا توضع الجرة أصلا كما ذكره بعض علماء الفن، وبه جرى العمل.
تنبيهان:
الأول: تكلم الناظم على محل جرة النقل، وسكت عن شكل الهمزة أين يوضع، والذي عندهم وبه جرى العمل أن يوضع على الساكن الذي نقل إليه، فيصير محركا بحركة الهمزة كما قدمناه في باب الهمز، وهذا إذا كان الساكن المنقول إليه غير تنوين، وأما إذا كان تنوينًا نحو:{فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ} 5، {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا، إِنَّ الْأِنْسَانَ} 6، {رَافِعَةٌ، إِذَا رُجَّتِ} 7، {لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} 8، فلا يوضع الشكل المنقول من الهمز أصلا؛ لأن التنوين لما ذهب من الخط صحبته حركة النقل التي حرك بها، فاكتفى عن الجميع بوضع حركة مجانسة لحركة الحرف الذي قبله كما اكتفى بوضعهما في حال سكونه لذهابه مع سكونه من الخط، ومما يقرب من ذلك:{الم، أَحَسِبَ النَّاسُ} 9، فإن أكثر المتأخرين على أن الميم الساكنة التي هي الميم الثانية، هي المحذوفة من الخط، ولما حذفت منه صحبتها حركة النقل، ولهذا لا توضع على الميم المرسومة حركة النقل على ما جرى به العمل، وإنما توضع كسرتها تحتها.
الثاني: تشبيبهم جرة النقل بصلة ألف الوصل يقتضي اتصالها بالألف كما في ألف الوصل، وهو الجاري على القول باتصال الهمزة بصورتها الذي اختاره الداني، وقد قدمناه في باب الهمزة، واختار جماعة من المتأخرين فصل جرة النقل عن الألف ليحصل الفرق بينها، وبين صلة ألف الوصل، وهذا الاختيار جار على القول بفصل الهمزة عن صورتها الذي قدمناه عن الداني في باب الهمز أيضا، وقول الناظم:"أو وسطا" صريح في الاتصال؛ لأنه لا يقال في الوسط إلا لما كان متصلا بصورته، والعمل عندنا على الاتصال، وما احتج به من اختار الانفصال من طلب الفرق بين جرة النقل، وصلة الوصل مستغنى عنه؛ لأن الفرق بينهما حاصل بوجود نقطة الابتداء في ألف الوصل، وانعدامها في النقل.
1 سورة القصص: 28/ 34.
2 سورة النجم: 53/ 50.
3 سورة البقرة: 2/ 29.
4 سورة النجم: 53/ 57.
5 سورة البلد: 90/ 13.
6 سورة العاديات: 100/ 4، 5.
7 سورة الواقعة: 56/ 3، 4.
8 سورة المرسلات: 77/ 12.
9 سورة العنكبوت: 29/ 1.
والضمير في قوله: "وحكمها" الأول عائد على الجرة، وفي "حكمها" الثاني عائد على صلة والضمير المضاف إليه "ورش" عائد على القراء، ثم قال:
فإن أتى من بعد همز ألف
…
فقبله محل همز تألف
لما ذكر أن جرة النقل توضع فوق الألف، أو تحته أو وسطه قدر كأن سائلا قال له: هذا إذا كان الألف صورة للهمزة التي نقلت حركتها، فما الحكم إذا كانت الهمزة صورة لها، والألف إنما هو حرف مد بالأصالة نحو:{وَلَقَدْ آتَيْنَا} 1، {حَمِيمٍ آنٍ} 2، فأشار في هذا البيت إلى جواب هذا السؤال، فقال: إذا أتاك ألف بعد الهمزة التي لا صورة لها المنقول حركتها، فإنك تضع الجرة قبل الألف في المحل الذي كنت تألف فيه الهمزة أي تعهدها، وهو السطر إذ هو موضع الهمزة التي لا صورة لها كما تقدم للناظم، وهذا الوجه الذي اقتصر عليه هو أحد وجهين ذكرهما النقاط، والوجه الثاني كالأول إلا أنك تجعل دارة على الألف إشعارا بأنه ساكن، لئلا يتوهم أن حركة الهمزة إليه نقلت، ولضعف هذا التوهم اختار النقاط الوجه الأول، وبه جرى العمل، وقوله:"محل" يقرأ بالنصب على أنه بدل من قوله "قبله"، ثم قال:
ألقول في النقص من الهجاء
…
...................................
أي هذا القول في بيان حكم الحروف التي نقصت من الهجاء يعني حذفت خط المصاحف العثمانية، وأكثر ما وجد الحذف في حروف المد الثلاثة التي هي الألف والواو، والياء لكثرتها، وربما كان في النون الساكنة لشبهها بحروف المد؛ لأنه يصوت بها كحروف المد، والحذف في حروف المد -على ما سيذكره الناظم- يكون إما لاجتماع مثلين أو للاختصار، أو لوجود عوضه من ياء أو واو، والأول يكون إما لاجتماع ألفين، أو لاجتماع واوين، أو لاجتماع ياءين، وكل منها يكون أحد المثلين فيه صورة للهمزة، وغير صورة لها، وإنما تعرضوا لحكم الحروف المحذوفة من الخط؛ لأن اللفظ لما كان يقتضي وجودها، ولم توجد في الرسم خافوا أن يتوهم سقوطها لسقوطها رسما، فتعرضوا لحكمها رفعا لذلك التوهم، ثم قال:
1 سورة البقرة: 2/ 87.
2 سورة الرحمن: 55/ 44.
...................................
…
إن شئت أن تلحق بالحمراء
أول ما الثاني به قد دخلا
…
علامة للجمع أو أن أصلا
نحو النبيئين تراءا
…
......................
قسم الناظم اجتماع المثلين إلى ثلاثة أقسام: قسم يكون أول المثلين فيه ساكنًا، وقسم يكون فيه مضموما، وقسم يكون فيه مشددا، وسيتكلم فيما سيأتي على القسمين الأخيرين، وتكلم هنا على القسم الأول، فأشار إلى أنه إذا اجتمع مثلا، وحذف أحدهما من الرسم وكان أولهما ساكنا، وثانيهما أصليا، أو دالا على الجمع وبنيت على أن ثاني المثلين هو الثابت، وأولهما هو المحذوف، فإنك في المثل الأول بالخيار إن شئت ألحقته بالحمراء، وإن شئت لم تلحقه أصلا، يعني وتجعل في موضعه مدا دلالة على أنه ممدود.
ولا فرق في هذا التخيير بين أن يكون المثلان ياءين، أو ألفين أو واوين وإن كان الناظم إنما مثل للياءين والألفين، فمثل للياءين بـ {النَّبِيِّينَ} 1، وهو مما اجتمع فيه ياءان أولاهما ساكنة جيء بها لبناء فعيل، وهي التي بين عين الكلمة ولامها، والثانية هي علامة الجمع والإعراب، واتفقت المصاحف على كتبه بياء واحدة، لئلا يجتمع فيه ياءان إذ لا وجود للهمز الفاصل بينهما خطا، فيجوز أن تكون الياء المحذوفة هي الأولى، وأن تكون هي الثانية، ورجح الداني يأتي في ضبط:{النَّبِيِّينَ} 2 ما ذكره الناظم هنا من التخيير، والعمل عندنا على ما رجحه أبو داود، وعليه فكيفية ضبط النبيئين أن تجعل الياء الأولى سوداء، والياء الثانية حمراء بعد السوداء، وتجعل الهمزة نقطة صفراء بين الياءين، كما قدمناه في الرسم.
ومثل للألفين بـ {تَرَاءَى} 3، وهو مما اجتمع فيه ألفان الأولى لبناء وزن تفاعل، وهي التي بعد الراء، والثانية أصلية بدل من لام الكلمة، وسيتكلم على ما إذا كانت الألف الأولى أصلية والثانية ألف الاثنين وذلك في:{جَاءَنَا} 4 واتفقت المصاحف على كتب
1 سورة البقرة: 2/ 61.
2 سورة آل عمران: 3/ 21.
3 سورة الشعراء: 26/ 61.
4 سورة الزخرف: 43/ 38.
{تَرَاءَى} 1 بألف واحدة لئلا يجتمع فيه مثلان إذ الهمزة غير موجودة في الخط، وقد ذكر الشيخان احتمال أن تكون الألف المرسومة فيه هي الأولى، وأن تكون هي الثانية، وصرح الناظم في الرسم باختيار حذف الأولى، وإثبات الثانية تبعا للشيخين، وبه جرى العمل كما قدمناه هناك، وعليه يأتي في ضبطه الوجهان المخير فيهما هنا، والعمل عندنا على الوجه الأول منهما، وهو أن تلحق الألف التي قبل الهمزة بالحمراء، وتضع عليها المد لوجود سببه، وتجعل الألف التي بعدها سوداء، وقد تكلمنا في الرسم على:{تَرَاءَى} 2 بأبسط مما ذكرناه هنا، ومما يشمله كلام الناظم هنا لـ {لِيَسُوءُوا} 3؛ لأنه مما اجتمع فيه مثلان أولهما ساكن، والثاني دال على الجمع، والمثلان فيه واوان الأولى عين الكلمة وهي التي بعد السين، والثانية ضمير الجمع وهي التي بعد الهمزة، واتفقت المصاحف على كتبه بواو واحدة، لئلا يجتمع فيه واوان إذ الهمز الفاصل بينهما غير موجود خطا، فيجوز أن تكون الواو المحذوفة هي الأولى، وثبوت الثانية وهو الذي جرى به العمل كما قدمناه هناك، وعليه يأتي في ضبطه ما ذكره الناظم هنا من التخيير بين أن تلحق الواو الأولى بالحمراء في السطر، وتجعل المد عليها لوجود سببه، وبين أن لا تلحقها وتعوضها بمد تضعه فوق الجرة على موضع الواو، وبالوجه الأول جرى العمل عندنا.
وقوله: "إن شئت" شرط حذف جوابه أي فألحق، و"أول" مفعول بـ"تلحق" و"ما" التي أضيف إليها "أول" صادقة على مثلين، والباء في "به" بمعنى "من"، والضمير عائد على لفظ "ما" و"إن" في قوله:"أو أن أصلا" مفتوحة الهمزة زائدة، و"أصلا" معطوف على "قد دخلا"، وسبك الكلام إن شئت أن تلحق أول مثلين الثاني منهما دخل علامة للجمع، أو أصلا أي كان أصليا فألحق، وقد أحسن الناظم في قوله علامة للجمع، إذ لو قال ضمير جمع لخرج منه:{النَّبِيِّينَ} 4، ولو قال علامة إعراب لخرج منه:{لِيَسُوءُوا} 5، فأتى بعبارة شاملة لقسمين، ثم قال:
ثم ما هذا كيلوون
…
أولاهما ضمت ففي الثاني كما
1 سورة الشعراء: 26/ 61.
2 سورة الشعراء: 26/ 61.
3 سورة الإسراء: 17/ 7.
4 سورة آل عمران: 3/ 21.
5 سورة الإسراء: 17/ 7.
تكلم هنا على المثلين إذا ضم أولهما كيلوون، وهو القسم الثاني من أقسام اجتماع المثلين، فذكر أن حكم ثاني المثلين فيه كحكم أول المثلين في هذا القسم الأول الذي تقدم له، وهو التخيير في إلحاقه، وعدم إلحاقه على ما سنبينه، ثم مثل لذلك بـ {يَلْوُونَ} 1، وقد اجتمع فهي وفيما ماثله كـ {يَسْتَوُونَ} 2، و {الْغَاوُونَ} 3، واوان إحداهما عين الكلمة، وهي الأولى المضمومة، والأخرى ساكنة علامة الجمع، وسيتكلم على ما إذا كانت الأولى مضمومة، والثانية ساكنة لبناء الكلمة نحو:{مَا وُورِيَ} 4، واتفقت المصاحف على كتب:{يَلْوُونَ} 5، ونحوه بواو واحدة لئلا يجتمع مثلان، فيجوز أن تكون الواو المحذوفة هي الأولى، ويجوز أن تكون هي الثانية، ونص الناظم في الرسم على اختيار حذف الثانية، وبه جرى العمل كما قدمناه هناك، وعليه يأتي في ضبط هذا القسم ما أشار إليه الناظم هنا من التخيير في إلحاق الواو الثانية بالحمراء وترك إلحاقها، وبإلحاقها جرى العمل عندنا، وقد نص الداني على هذين الوجهين إلا أن ظاهره يعطي بقاء موضع الواو المحذوفة خالبا على الوجه الثاني، وقال أبو داود: إن شئت ألحقت الواو وإن شئت تركتها، وجعلت في موضعها مدًّا. ا. هـ. والظاهر أن كلام أبي داود مفسر لكلام الداني، وحينئذ فليس هناك إلا وجهان لا ثلاثة كما فهمه بعضهم، و"ما" من قول الناظم "ثم ما" موصولة واقعة على المثلين وهما هنا الواوان، وقوله:"في الثاني" متعلق بمحذوف، والتقدير فالحكم في الثاني، و"ما" من قوله "كما" زائدة، والمخفوض بالكاف اسم الإشارة العائد على القسم الأول، وعبر بـ"أولاهما" بصيغة التأنيث ثم عبر بالثاني بصيغة التذكير؛ لأن الحروف تذكر وتؤنث، وقوله:"كيلوون" خبر مبتدأ محذوف أي وذلك، ثم قال:
وإن شددتا
…
كنحو الأمين
أشار هنا إلى حكم القسم الثالث من أقسام اجتماع المثلين، وهو ما كان أول المثلين في مشدًا فقال: و"إن شددتا كنحو الأميين"، يعني أن أول المثلين إذا كان مشددا، وذلك في بـ {الْأُمِّيِّينَ} 6، و {الْحَوَارِيِّينَ} 7، و {رَبَّانِيِّينَ} 8، ومثلها {النَّبِيِّينَ} 9، بالتشديد
1 سورة آل عمران: 3/ 153.
2 سورة التوبة: 9/ 19.
3 سورة الشعراء: 26/ 94.
4 سورة الأعراف: 7/ 20.
5 سورة آل عمران: 3/ 153.
6 سورة آل عمران: 3/ 75.
7 سورة المائدة: 5/ 111.
8 سورة آل عمران: 3/ 79.
9 سورة آل عمران: 3/ 21.
على قراءة غير نافع فإن حكمه حكم القسم الذي قبله في أنك في المثل الثاني بالخيار في إلحاقه وترك إلحاقه، وهذا مبني على ما رجحه أبو داود، وقدمه الناظم في الرسم من حذف الباء الثانية في ذلك، وهو الذي جرى به العمل، وعليه يأتي في ضبط هذا القسم ما أشار إليه الناظم هنا من التحيير في إلحاق الياء الثانية بالحمراء، وترك إلحاقها لدلالة الكسرة عليها، لكن تجعل في موضعها مطا على ما قدمناه في قسم:{يَلْوُونَ} 1 إلا أن ما ذكره الناظم في هذا القسم من التخيير مخالف لظاهر كلام المتقدمين، وهو أنه لا بد من إلحاق الثانية إذا قلنا: إنها هي المحذوفة، وكأن الناظم قاس هذا القسم على قسم:{يَلْوُونَ} 2، فإنهم جوزوا فيه عدم الإلحاق كما تقدم، ولا فرق بينهما إذ كل واحد منهما الأول فيه متحرك، والثاني ساكن من جنس حركة ما قبله علامة للجمع، فقياس أحدهما على الأخر صحيح، وبإلحاق الياء الثانية جرى العمل، "وإن شددتا" شرط ومفعول "شددتا" مقدر أي أول المثلين، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه تقديره ففي الثاني إلخ، ثم قال:
. . . . . . . . . . .
…
والتزمتا
أن تلحق الأخرى إذا ما حذفت
…
فيما به أولاهما قد سكنت
لما ذكر في ضبط قسم {النَّبِيِّينَ} 3، و {تَرَاءَى} 4، و {لِيَسُوءُوا} 5 التخيير بين الإلحاق، وتركه بناء على حذف المثل الأول منه تعرض هنا إلى ضبطه بناء على حذف المثل الثاني منه، فذكر أن المثلين المجتمعين المحذوف أحدهما إذا بنيت على حذف ثانيهما لزم الإلحاق في الثاني إذا كان المثل الأول ساكنا، ومراده بذلك قسم:{النَّبِيِّينَ} 6، و {تَرَاءَى} 7، و {لِيَسُوءُوا} 8، فيكون فيه حينئذ ثلاثة أوجه: الوجهان اللذان قدمهما وهما الإلحاق، والتعويض بالمد بناء على حذف المثل الأول منه، والوجه الثالث هو المذكور هنا، وهو لزوم الإلحاق، وعدم الاستغناء عنه بالمد بناء على حذف المثل اثاني منه، وقد قدمنا ما به العمل، واحترز بسكون المثل الأول عن قسم:{يَلْوُونَ} 9، وقسم
1 سورة آل عمران: 3/ 153.
2 سورة آل عمران: 3/ 153.
3 سورة آل عمران: 3/ 21.
4 سورة الشعراء: 26/ 61.
5 الإسراء: 17/ 7.
6 سورة آل عمران: 3/ 21.
7 سورة الشعراء: 26/ 61.
8 سورة الإسراء: 17/ 7.
9 سورة آل عمران: 3/ 153.
{الْأُمِّيِّينَ} 1، فيجوز في المثل الثاني منهما الإلحاق وتركه كما تقدم، وأما المثل الأول منهما إذا قلنا: إنه هو المحذوف فلا بد من إلحاقه؛ لأنه محرك والمحرك لا يصح إسقاطه وتعويض المد عنه؛ لأنه ليس بحرف مد ولذا لم يتكلم عليه الناظم، وإنما جوزوا الوجهين في الثاني من قسمي:{يَلْوُونَ} 2، و {الْأُمِّيِّينَ} 3؛ لأن الضمة والكسرة تدلان على ما لم يلحق، وعينوا الإلحاق في ثاني قسم:{تَرَاءَى} 4 وما معه، وإن كانت حركة ما قبله تدل عليه؛ لأنها لما كانت حركة همز والهمز لا وجود له في المصحف صيرت كالعدم.
تنبيه: لا يدخل في كلام الناظم هنا: {الْمَوْؤُودَةُ} 5، وإن كان أول المثلين فيه ساكنا؛ لأنه سيتكلم بعد على حكم الواوين إذا كانت الثانية منهما لبناء الكلمة و {الْمَوْؤُودَةُ} 6 من ذلك، وقوله:"والتزامتا" لفظه لفظ الخبر، والمراد به الأمر أي والتزم أن تلحق، و"ما" الواقعة بعد "إذا" زائدة، وقوله:"فيما" متعلق بتلحق و"ما" موصولة واقعة على اللفظ و"أولاهما" مبتدأ، أو ضميره عائد على المثلين المفهومين من السياق، وخبره "قد سكنت" و"به" متعلق بـ"سكنت"، والباء بمعنى "في" والضمير عائد على "ما"، ثم قال:
وإن حذفت ما عليه بنيا
…
أللفظ نحو قوله ما ووريا
ففيه تخيير لدا الإلحاق
…
وإن تك الأولى فباتفاق
وعكس البيتين الأولين حكم ما اجتمع فيه واوان، والثانية ساكنة لبناء الكلمة، ومثل لذلك بقوله تعالى:{مَا وُورِيَ} 7، ومثله:{الْمَوْؤُودَةُ} 8، و {دَاوُدَ} 9، وحاصل ما ذكره في هذا النوع أنك إذا حذفت ما بني عليه اللفظ، وهو الواو الثانية، جاز لك في ضبطه وجهان: أحدهما إلحاقه الحمراء، والثاني عدم إلحاقه لدلالة الضمة عليه، ولم يزد الداني على هذا، وظاهره يقتضي بقاء موضع المحذوف خاليا على الوجه الثاني، وقال أبو داود بعد ذكر الوجه الأول: وإن شئت تركت إلحاقه وعوضته بمد، والظاهر أن كلام أبي داود مفسر لكلام الداني، وحينئذ فليس في هذا النوع على حذف الواو الثانية إلا وجهان لا ثلاثة كما فهمه بعضهم، وأما إذا بنيت على حذف الواو الأولى، فأشار الناظم إلى أنه
1 سورة آل عمران: 3/ 153.
2 سورة آل عمران: 3/ 153.
3 سورة آل عمران: 3/ 75.
4 سورة الشعراء: 26/ 61.
5 سورة التكوير: 81/ 8.
6 سورة التكوير: 81/ 8.
7 سورة الأعراف: 7/ 20.
8 سورة التكوير: 81/ 8.
9 سورة البقرة: 2/ 251.
يتعين فيه الإلحاق باتفاق أهل الفن، وقد صرح الناظم في الرسم باختيار حذف الثانية، وبه جرى العمل عندنا، وعليه يأتي الوجهان المبنيان على حذفهما والعمل عندنا على الوجه الأول منهما، ثم ذكر الناظم في البيت الثالث أن حكم:{جَاءَنَا} 1، على عكس حكم:{وُورِيَ} 2، والألف الأولى في {جَاءَنَا} 3 أصلية والثانية ألف الاثنين، ومراده بالعكس أنك إذا أثبت الألف الأولى التي قبل الهمزة في:{جَاءَنَا} 4 لم يصح الاستغناء عن الألف الثانية بالمد، بل لا بد من إلحاقها بالحمراء، وإن أثبت الألف الثانية التي بعد الهمزة جاز لك في الألف الأولى الإلحاق يعني وتجعل في موضعها مدًّا، وقوله و"حذف آخر با استبانا"، أفاد به اختيار حذف الأخير في:{جَاءَنَا} 5، وبه صرح في الرسم وهو الذي جرى به العمل، وقوله:"وإن تك" شرط جوابه مقدر بعد الفاء من قوله: "فباتفاق أي فألحقها، وحذف نون "تكن" قبل الساكن، وذلك قليل في كلام العرب، ثم قال:
وألحقن ألفا توسطا
…
مما من الخط اختصارًا سقطا
لما قدم الكلام على ما حذف لاجتماع مثلين وهو النوع الأول، وشرع هنا في الكلام على ما حذف من حروف المد اختصارا وهو النوع الثاني، فأمر بإلحاق الألف المتوسط الذي سقط أي حذف من الخط لأجل الاختصار نحو:{الْعَالَمِينَ} 6، قال في "التنزيل": ويترك الكاتب في هذا، وما أشبه فسحة لإلحاق الألف. ا. هـ. ويكون الإلحاق بالحمراء، ولم يحتج الناظم إلى بيان موضع الإلحاق؛ لأنه لا يتوهم جعله في غير الموضع الذي ينطق به فيه، وقد نبهنا في باب الهمز على الخلاف في إيصال الألف الملحقة إلى السطر، وعدم إيصالها، وعلى أن العمل على عدم إيصالها، واحترز الناظم بقوله:"توسط" عن الألف المتطرف فإنه سيتكلم عليه، والألف المتوسط إن كان ما بعده متحركا فلا بد من إلحاقه نحو:{الصَّابِرِينَ} 7 وإن كان ما بعده ساكنا نحو {صَافَّاتٍ} 8 {وَمَحْيَايَ} 9 عند من حذف ألفه، فيجوز إلحاقه وهو المعمول به، ويجوز تر إلحاقه وجعل المد موضعه.
1 سورة الزخرف: 43/ 38.
2 سورة الأعراف: 7/ 20.
3 سورة الزخرف: 43/ 38.
4 سورة الزخرف: 43/ 38.
5 سورة الزخرف: 43/ 38.
6 سورة الفاتحة: 1/ 1.
7 سورة البقرة: 2/ 153.
8 سورة الملك: 67/ 19.
9 سورة الأنعام: 6/ 162.
وخص الحكم بالألف؛ لأن الواو لا تحذف من الوسط اختصارا، وكذا الياء إذا كانت حرف مد بالأصالة، وإنما يحذفان من الطرف، وذلك في الزوائد والصلات وقد تقدم الحكم فيها، ومراده بالوسط أن يوجد قبل المحذوف شيء وبعده شيء سواء كانا متساويين نحو:{إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} 1، فإن قبله ثلاثة أحرف وبعده ثلاثة أحرف، أو غير متساويين نحو:{صَالِحُ} 2، و {أَنْهَارٌ} 3، ولا فرق بين أن يكون المحذوف المتوسط مفردا في الكلمة كما مثلنا، أو متعددا فيها نحو {الصَّالِحَاتِ} 4، و {السَّمَاوَاتِ} 5، وسواء كان موجودا لفظا عند جميع القراء كما مثلنا، أو عند بعضهم نحو:{دَفْعُ} 6، و {يُخَادِعُونَ} 7 وأطلق الناظم هنا هذا الحكم، وهو مقيد بغير الألف المعانق للام؛ لأنه سينص على حكم المعانق لها، وقوله:"توسطا" فعل ماض والجملة صفة لقوله "ألفا"، و"من الخط" متعلق بـ"سقطا" و"اختصارا" مفعول لأجله علة لـ"سقطا"، والألف في "توسطا"، و"سقطا" ألف الإطلاق، ثم قال:
وما بواو أو بياء كتبا
…
عن واو عن حرف ياء قلبا
تكلم هنا على ما حذف من حروف المد لوجود عوضه من ياء، أو واو وهو النوع الثالث، فأخبر أن الألف الذي كتب في المصاحف واوا، أو ياء قلبه أهل الضبط على الواو والياء يعني ألحقوه بالحمراء فوق عوضه الذي هو الواو والياء، فمثال المكتوب واوا:{الْحَيَاةِ} 8، و {الزَّكَاةَ} 9 ومثل المكتوب ياء:{هُدَاهُمْ} 10، و {مُزْجَاةٍ} 11، وأطلق الناظم هنا هذا الحكم وهو مقيد بغير الألف المعانق للام؛ لأنه سيذكر المعانق كما أنه مقيد بالألف المتوسط؛ لأنه سيذكر المتطرف، و"ما" من قوله "وما بواو" موصولة مبتدأ، وهي صادقة على الألف المحذوفة، وجملة "قلبا" خبرها، و"عن" بمعنى "على" متعلقة بـ"قلبا" وألف "كتبا" و"قلبا" للإطلاق، ثم قال:
وإن تطرفت كذا تكون
…
ما لم يقع من بعدها سكون
1 سورة البقرة: 2/ 125.
2 سورة التحريم: 66/ 41.
3 سورة محمد: 47/ 15.
4 سورة البقرة: 2/ 25.
5 سورة البقرة: 2/ 107.
6 سورة الحج: 22/ 40.
7 سورة البقرة: 2/ 9.
8 سورة البقرة: 2/ 204.
9 سورة البقرة: 2/ 43.
10 سورة التوبة: 9/ 115.
11 سورة يوسف: 12/ 88.
يعني أن الألف المحذوفة من الطرف إن لم يقع بعدها ساكن، لا بد من إلحاقها سواء حذفت لاجتماع مثلين نحو:{رَأى كَوْكَبًا} 1، و {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} 2 عند من يجعل الكحلاء صورة للهمزة، أو حذفت لوجود عوض نحو:{الرِّبا} 3، و {تَرَدَّى} 4، أو حذفت اختصارا كالألف التي بعد الهاء في "هذا" و"هؤلاء" ونحوهما، وبعد الياء في {يَا جِبَالُ} 5، و {يَا أَيُّهَا} 6 ونحوهما، وإنما كانت الألف في هذا النوع الأخير متطرفة لا متوسطة؛ لأن ها التنبيه ويا النداء كلمتان مستقلتان بأنفسهما، ولهذا كان المد منفصلا في نحو:"هؤلاء" و"يأيها"، فتحلق هذه الألفات كلها في موضع النطق بها كما هو الشأن فيها إذا حذفت من الوسط.
وفهم من قوله "ما لم يقع من بعدها سكون" أن الألف المحذوفة من الطرف إذا وقع قعدها ساكن لا تلحق وهو كذلك؛ لأن الساكن يوجب سقوطها من اللفظ وصلا، والنقط مبني على الوصل، ومثاله فيما حذف اختصارا:{يَا ابْنَ أُمَّ} 7، فإن ألفه لا تلحق عند الجميع خلافا للبيب، ومثاله في المعوض {مُوسَى الْكِتَابَ} 8، و {قُرىً} 9، و {مِنْ رِبًا} 10 على كتبه بالواو، وإنما كانت الألف في:{قُرىً} 11، و {مِنْ رِبًا} 12، متطرفة؛ لأن مرادهم بالمتطرف هنا آخر الكلمة الذي تطرف خطا، فدخلت الألف في {قُرىً} 13، و {مِنْ رِبًا} 14؛ لأنها متطرفة خطا والتنوين إنما هو طرف لفظا، ودخل أيضا:{الرِّبا} 15، ونحوه؛ لأن آخر الكلمة المتطرفة هو الألف المعوض، وأما الألف التي بعد الواو فإنما جيء بها بعد تمام الكلمة، فليست منها ولذلك سميت زائدة.
فإن قلت: مقتضى قول الناظم: "ما لم يقع من بعدها سكون" أن لا تلحق الألف الثانية من: {تَرَاءَى} 16 بناء على أنها هي المحذوفة، والمنصوص خلافه، فالجواب أن:{تَرَاءَى} 17 غير مراد للناظم هنا لنصه عليه فيما تقدم، وكذا ما ألحق به على ما سيأتي.
1 سورة الأنعام: 6/ 76.
2 سورة الإسراء: 7/ 83.
3 سورة البقرة: 2/ 275.
4 سورة الليل: 92/ 11.
5 سورة سبأ: 34/ 10.
6 سورة البقرة: 2/ 21.
7 سورة طه: 20/ 94.
8 سورة البقرة: 2/ 53.
9 سورة سبأ: 34/ 18.
10 سورة الروم: 30/ 39.
11 سورة سبأ: 34/ 18.
12 سورة الروم: 30/ 39.
13 سورة سبأ: 34/ 18.
14 سورة الروم: 30/ 18.
15 سورة البقرة: 2/ 275.
16 سورة الشعراء: 26/ 61.
17 سورة الشعراء: 26/ 61.
تنبيه: يلحق بـ {قُرىً} 1، و {رَبًّا} 2 نحو {مَاءٍ} 3 على المختار فيه، وهو أن المحذوف منه صورة الهمزة وكذلك {مَلْجَأَ} 4 عند من يجعل الألف الموجودة صورة للهمزة، وإن كان مرجوحا فيدخلان في مفهوم قول الناظم:"ما لم يقع من بعدها سكون"، وحينئذ لا تلحق الألف المحذوفة فيهما كما لا تلحق في:{قُرىً} 5، و {رَبًّا} لسقوطها في الجميع وصلا، والنقط مبني على الوصل، ولا يدخل فيه نحو:{رَأى الشَّمْسَ} 6، على رأي من يجعل المحذوفة هي الثانية إذا حذفت وعلته كعلته، وهو عدم ما يدل على المحذوفة كما قدمناه في {تَرَاءَى} 7 بخلاف نحو:{مَاءً} 8، و {مَلْجَأً} 9 إذ علامة التنوين تدل فيهما على الألف، ثم قال:
ومع لام ألحقت يمناه
…
لأسفل من منتهى أعلاه
ما لم تكن بواو أو ياء أتت
…
وقيل يمناه بكل ألحقت
تكلم هنا على الألف المعانقة للام إذا حذفت، وقسمها إلى قسمين: قسم حذفت فيه اختصارًا، وقسم حذفت فيه لوجود عوض، فأشار إلى حكم القسم الأول بالبيت الأول، ومعناه أن الألف التي مع اللام إذا حذفت اختصارا نحو:{لاعِبِينَ} 10 تلحق بالحمراء في الجهة اليمنى من اللام باعتبار الكاتب، ويبتدأ بالإلحاق من الموضع الذي انتهى فيه أعلى اللام، بحيث يكون أعلى الملحق مقارنا لأعلى اللام مع بقاء بياض يسير بينهما، ويمتد الملحق إلى أسفل اللام، ولا بد من خروج الألف الملحقة من اللام إلى مطته من أمام كما نصوا عليه، وهذا الإلحاق بهذه الكيفية منظور فيه إلى الألف المعانقة للام إذا أثبتت، فإنها هي التي في الجهة اليمنى على ما هو المختار لما سيأتي في محله إن شاء الله.
ثم أشار بالبيت الثاني إلى حكم القسم الثاني، وهو ما حذف لوجود عوضه سواء كان واوا أو ياء نحو:{الصَّلاةِ} 11، و {مَوْلاهُ} 12، فذكر فيه قولين: أحدهما أن الألف الملحقة لا تكون معانقة للام خارجة إلى يمناه، وإلى ذلك أشار بقوله: "ما لم تكن بواو أو ياء
1 سورة سبأ: 34/ 18.
2 سورة الروم: 30/ 39.
3 سورة الطارق: 86/ 6.
4 سورة التوبة: 9/ 57.
5 سورة سبأ: 34/ 18.
6 سورة الأنعام: 6/ 78.
7 سورة الشعراء: 26/ 61.
8 سورة الطارق: 86/ 6.
9 سورة التوبة: 9/ 57.
10 سورة الأنبياء: 21/ 16.
11 سورة النساء: 4/ 43.
12 سورة التحريم: 66/ 4.
أتت"، وسكت عن بيان موضعها استغناء بما قدمه في قوله: "وما بواو أو بياء كتبا" البيت، من أنه يحلق على الواو والياء، وهذا القول اقتصر عليه الداني وهو المعمول به، والقول الثاني وهو مذهب أبي داود أنك تلحقها معانقة للام خارجة إلى يمناه، وهو معنى قوله: "وقيل يمناه بكل ألحقت" أي تلحق يمينه سواء كانت مما حذف اختصارا أو لوجود عوضه، ولا بد على هذا القول من أن يبتدأ بالإلحاق من رأس الحرف المعوض، ويمر به إلى جهة اليمين خارجا إلى يمين اللام مارا إلى أعلاه كما نصوا عليه، وليس في كلام الناظم ما يشعر بذلك، وأطلق في كلامه ومراده التقييد بما لم يقع بعده ساكن نحو: {الْأَعْلَى، الَّذِي} 1، و {الْمَوْلَى} 2، فإنه لا يلحق لا يمين ولا يسار، والباء في قوله: "بواو" للمصاحبة وفي قوله "بكل" بمعنى "في"، ثم قال:
لكن من اسم الله رسما حطا
…
واللات بالإلحاق فرقا خطا
لما قدم أن الألف المعانقة للام إذا حذفت لا بد من إلحاقها، وكان من جملة ما يدخل في ذلك لفظ الجلالة، وهو "الله" إذ هو مما حذفت منه الألف المعانقة للام، استدرك الكلام عليه هنا لكون حكمه مخالفا لما تقدم فقال:"لكن من اسم الله وسما حطا"، يعني أن ألف اسم الله لا تلحق بل تحذف من الخط رأسا، وإنما تثبت لفظا خاصة.
ومراده باسم الله لفظ "الله" على أي وجه ورد سواء كان مجردا من الزوائد نحو: {اللَّهُ رَبُّنَا} 3، {قَالَ اللَّهُ} 4، {إِلَى اللَّهِ} 5، أو اتصلت الزوائد بأوله نحو {بِاللَّهِ} 6، و {تَاللَّهِ} 7 أو بآخره نحو "اللهم"؛ لأن لفظ الله موجود في الجميع، والزوائد بأوله لا عبرة بها، وقوله "رسما" احترز به من اللفظ، وعبر به عن النقط تسامحا لهذا المقصد، وهو الاحتراز من اللفظ، وقوله "حطا" في الشطر الأول بحاء مهملة بمعنى ترك، وأسقط والضمير المستتر فيه عائد على الألف المحذوف، وإنما لم يلحق الألف في لفظ الجلالة مع كونه متوسطا موجودا في اللفظ -والقاعدة فيما كان هذا لزوم إلحاقه- لما أشر إليه في الشطر الثاني، وهو القصد إلى أن يفرق بينه، وبين اللات الذي هو اسم صنم وهو
1 سورة الأعلى: 87/ 1، 2.
2 سورة الحج: 22/ 78.
3 سورة الأعراف: 7/ 89.
4 سورة المائدة: 5/ 115.
5 سورة المائدة: 5/ 105.
6 سورة يونس: 10/ 84.
7 سورة يوسف: 12/ 95.
المذكور في قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} 1 لا سيما على مذهب من يقف عليه بالهاء، ولو عكس لحصل الفرق أيضا لكن لما كان لفظ الجلالة كثير الدور ناسبه التخفيف بخلاف اللات، إذ لم يرد إلا في موضع واحد.
فإن قلت: الفرق بينهما موجود خطا بكون آخر اسم الجلالة هاء، وآخر اسم الصنم تاء، فالجواب أنهم قصدوا بذلك تقوية الفرق بينهما، وتأكيده فمهما أمكنهم فرق أتوا به زيادة في أبعاد كل من اللفظين من الآخر، ولذلك فرقوا بينهما في اللفظ أيضا بالتفخيم في لفظ الجلالة والترقيق في الآخر، واعلم أن الذي عندهم هو ما ذكرناه من أن الذي قصد به الفرق، إنما هو ترك الإلحاق في لفظ الجلالة، وأما الإلحاق في اللات فقد جاء على الأصل، وظاهر كلام الناظم يقتضي العكس، وأن إلحاق اللات هو الذي قصد به الفرق، وليس كذلك، وقوله:"خطأ" في الشطر الثاني بخاء معجمة بمعنى كتب، والضمير المستتر فيه عائد على "اللات" و"فرقا" مفول لأجله علة لـ"خطأ"، ثم قال:
وألحقن ألفي إدارأتم
…
والياء من إيلافهم وترسم
ثاني ننجي يوسف والأنبيا
…
حمراء وأولا بباب حيي
واختير ترك لحق تئوي رءيا
…
..................................
ذكر هنا ستة أشياء يلحق الحرف المحذوف منها بالحمراء اتفاقا في أربعة منها، وعلى غير المختار في اثنين، والمختار فيهما ترك الإلحاق، وهذه الأشياء الستة بعضها حذف منه الألف وهو:{فَادَّارَأْتُمْ} 2 في "البقرة"، وبعضها حذف منه الياء وهو {إِيلافِهِمْ} 3 في سورة "قريش" وباب:{حيي} 4 وبعضها حذف منه النون، وهي {نُنَجِّي} 5 "يوسف" و"الأنبياء"، وبعضها حذف منه الواو وهو {وَتُؤْوِي} 6، و {وَرِئْيًا} 7، فأشار إلى حكم:{فَادَّارَأْتُمْ} 8 في "البقرة" بقوله: "وألحقن ألفي ادارأتم"، وألفاه هما التي بعد الدال، وهي ألف تفاعل والتي بعد الراء وهي صورة الهمزة، وقد قدم في الرسم حذف الألفين، وأمر هنا بإلحاقها معا يعني اتفاقا، ولا إشكال في إلحاق التي بعد الدال؛ لأنها مما
1 سورة النجم: 53/ 19.
2 سورة البقرة: 2/ 72.
3 سورة قريش: 106/ 1.
4 سورة البقرة: 2/ 255.
5 سورة الأنبياء: 21/ 88.
6 سورة الأحزاب: 33/ 51.
7 سورة مريم: 19/ 74.
8 سورة البقرة: 2/ 72.
حذف الألفين وأمر هنا بإلحاقهما معا يعني اتفاقا، ولا إشكال في إلحاق التي بعد الدال؛ لأنها ما حذف من الوسط اختصارا، وذكر حكمها مع كونه معلوما من قوله:"وألحقن ألفا توسطا" البيت، خوفا من توهم عدم إلحاقها لو اقتصر على ذلك إلحاق الثانية، وأما الألف التي بعد الراء، فكان حقها أن لا تلحق بل يكتفي عنها بنقطة الهمزة في موضعها كما هو عند الجمهور في غير {فَادَّارَأْتُمْ} 1، مما همزته ساكنة مفتوحة ما قبلها، وذلك {اطْمَأْنَنْتُمْ} 2، و {امْتَلأْتِ} 3، إذا قلنا بحذف صورة الهمزة منهما، وكأنهم لما رأوا في:{فَادَّارَأْتُمْ} 4 تكرار الحذف جعلوا الإلحاق جبرا لذلك، وسكت عن {اطْمَأْنَنْتُمْ} 5، و {امْتَلأْتِ} 6 مع أنه قدم في باب الهمز من الرسم الخلاف في حذف صورة الهمزة منها، إما؛ لأنه يختار إثبات الصورة فيهما، وهو المعول به كما قدمناه، أو؛ لأنه يختار فيهما عدم الإلحاق بناء على حذف الصورة.
ثم أشار إلى حكم: {إِيلافِهِمْ} 7 في سورة "قريش" بقوله: "والياء من إيلافهم"، فقوله: و"الياء" منصوب بالعطف على ألفي: {ادَّارَأْتُمْ} 8 أي وألحقن الياء من: {إِيلافِهِمْ} 9 باتفاق.
وقد قدم في الرسم حذفها وصفة إلحاقها كصفة رسمها لو كانت ثابتة، وهو أن تجعل بعد الألف الذي هو صورة الهمزة ياء حمراء متصلة باللام بعدها. وخالف اللبيب فقال: إن الياء تلحق هنا مردودة جريا على ما اختياره من عدم إيصال المحذوفات الملحقة إلى ما أثبت، والعمل على الأول، وقد نبهنا على هذا الخلاف في باب الهمز، وإنما ألحقوا هذه الياء خفية أن يتوهم إسقاطها رأسا حتى من اللفظ لا سيما، وقد قرئ به كما قدمناه في الرسم، وهذه الياء ليست بحرف مد بالأصالة بل أصلها همزة على ما قدمناه في الرسم، ولذلك لم يصح عندهم الاستغناء عنها يجعل المد في موضعها.
1 سورة البقرة: 2/ 72.
2 سورة النساء: 4/ 103.
3 سورة ق: 50/ 30.
4 سورة البقرة: 2/ 72.
5 سورة النساء: 4/ 103.
6 سورة ق: 50/ 30.
7 سورة قريش: 106/ 1.
8 سورة البقرة: 2/ 72.
9 سورة قريش: 106/ 1.
ثم أشار إلى حكم {نُنَجِّي} 1 في "يوسف" و"الأنبياء" بقوله: "وترسم ثاني ننجي يوسف والأنبيا حمرا" أي وارسم ثاني نوني: {نُنَجِّي} 2 حمراء من غير خلاف في سورة "يوسف"، وسورة "الأنبياء"، فقوله: و"ترسم" لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، ولذلك صح عطفه على "ألحقن"، وقد قدم الناظم في الرسم حذف النون الثانية من:{نُنَجِّي} 3 في السورتين وأمرك هنا بأن تلحقها أي بين النون الكحلاء، والجيم بأن تجعل سنا بالحمراء بينها واصلا إلى السطر، هذا هو الجاري على ما عليه المحققون من إيصال الملحق إلى السطر، والجاري على مختار اللبيب أن تجعل نونا معرفة فوق السطر حمراء، وبالأول جرى العمل، ولما سكت الناظم في الرسم عن النون الثانية من:{لَنَنْصُرُ} 4 في "يونس" و {لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} 5 في "غافر" سكت عنها هنا أيضًا، وقد قدمنا في الرسم أن الشيخين ذكراها بالخلاف وضعفا حذفها، وبإثباتها جرى العمل، وإذا بنيت على حذفها فلا فرق بينها وبين نون:{نُنَجِّي} 6 المحذوفة في الإلحاق، ولما عبر الناظم في ألفي:{فَادَّارَأْتُمْ} 7 بالإلحاق لم يحتج إلى بيان لون الحمرة لاستلزام الإلحاق له كما قدمناه، ولما عبر في {نُنَجِّي} 8 بالرسم احتاج حينئذ إلى بيان اللون فقال:"حمراء"؛ لأن الرسم لا يستلزم الحمرة إذا أكثر ما يطلق على ما يكتب بالكحلاء مما هو ثابت كما قدمناه أيضا، وعبر بـ"ثاني"، وهو مذكر ثم وصفه بحمراء وهو مؤنث؛ لأن الحروف يجوز تذكيرها وتأنيثها.
ثم أشار إلى حكم باب {حَيَّ} 9 بقوله: "وأولا بباب حيي" أي وارسم بالحمراء حرفا أولا في باب: {حَيَّ} 10، ويعني الياء الأولى منه، وباب:{حَيَّ} 11 هو ما اجتمع فيه ياءان متحركتان في الطرف، ولم ترسم منهما إلا ياء واحدة وقد وقع ذلك في أربع كلمات في خمسة مواضع، وهي:{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ} 12 في الأعراف، و {مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 13 في "الأنفال" و {لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} 14 في "الفرقان"، و {عَلَى أَنْ
1 سورة الأنبياء: 21/ 88.
2 سورة الأنبياء: 21/ 88.
3 سورة الأنبياء: 21/ 88.
4 سورة يونس: 10/ 14.
5 سورة غافر: 40/ 51.
6 سورة الأنبياء: 21/ 88.
7 سورة البقرة: 2/ 72.
8 سورة الأنبياء: 21/ 88.
9 سورة الأنفال: 8/ 42.
10 سورة الأنفال: 8/ 42.
11 سورة الأنفال: 8/ 42.
12 سورة الأعراف: 7/ 196.
13 سورة الأنفال: 8/ 42.
14 سورة الفرقان: 25/ 49.
يُحْيِيَ الْمَوْتَى} 1 في "الأحقاف" والقيامة، وقد قدم الناظم في الرسم أن الراجح في باب حيي حذف الياء الأولى، وأمر هنا بإلحاقها مراعاة لحركتها إذ لا توجد حركة غير قائمة بحرف، ولا يصح أن يستغنى عن الياء هنا بالمد في موضعها، إذ ليست بحرف مد فتعين إلحاقها، ولم يذكر حكم الثانية إذا بنينا على حذفها، والظاهر أن لا فرق بينها، وبين الأولى فلا بد من إلحاقها لأجل حركتها، وسكت هنا عن:{يَسْتَحْيِي} 2، ونحوه مما ثاني المثلين فيه ياء ساكنة في الطرف لتقدمه في باب المد في قوله:"كذا قياس نحو لا يستحي" البيت، لكن ذلك على حذف الثانية، وأما إن بني فيه على حذف الأولى فلا بد من إلحاقها رعيا لحركتها كما تقدم في باب:{حَيَّ} 3، فهذه هي الأشياء الأربعة التي يلحق فيها المحذوف اتفاقًا.
ثم ذكر ما لا يلحق في المحذوف على المختار، وهو {تُؤْوِي} 4، و {وَرِئْيًا} 5، فأشار إلى حكم {تُؤْوِي} 6، ويكون المراد حينئذ بنحو تئوي كل ما اجتمع فيه مثلان أحدهما صورة الهمزة، وقلنا بحذفها لاجتماع المثلين، وسواء كان المثلان واوين، أو ياءين، أو ألفين.
مثال الواوين: {تُؤْوِي} 7، و {لِيُطْفِئُوا} 8، و {الْخَاطِئُونَ} 9، ولا فرق في {تُؤْوِي} 10، بين أن يكون مجردا كما نطق له، أو متصلا بضمير نحو {تُؤْوِيهِ} 11، وقد قدم الناظم في الرسم أن {تُؤْوِي} 12 مما حذفت فيه صورة الهمزة لئلا يجتمع مثلان، ومثال الياءين:{مُسْتَهْزِئُونَ} 13، و {وَرِئْيًا} 14، بكسر الراء مهموزا، ومثال الألفين:{مَآبٍ} 15، و {تَبَوَّءا} 16، و {نَأَى} 17، و {رَأَى} 18 في غير الموضعين المتقدمين للناظم في الرسم، فالمختار المعمول به في ضبط جميع ذلك ترك إلحاق صورة الهمزة
1 سورة الأحقاف: 46/ 33.
2 سورة البقرة: 2/ 26.
3 سورة الأنفال: 8/ 42.
4 سورة الأحزاب: 33/ 51.
5 سورة مريم: 19/ 74.
6 سورة الأحزاب: 33/ 51.
7 سورة الأحزاب: 33/ 51.
8 سورة الصف: 61/ 8.
9 سورة الحاقة: 69/ 37.
10 سورة الأحزاب: 33/ 51.
11 سورة المعارج: 70/ 13.
12 سورة الأحزاب: 33/ 51.
13 سورة البقرة: 2/ 14.
14 سورة مريم: 19/ 74.
15 سورة الرعد: 13/ 36.
16 سورة يونس: 10/ 87.
17 سورة الإسراء: 17/ 83.
18 سورة النجم: 53/ 11.
والاقتصار على جعل الهمزة نقطة صفراء في السطر قبل الواو في: {وَتُؤْوِي} 1 ونحوه، وقبل الياء في {مُسْتَهْزِئُونَ} 2 ونحوه، وقبل الألف في {مَآبِ} 3، ونحوه، ومقابل المختار إلحاق صورة الهمزة قبل الأحرف الثلاثة، وجعل الهمزة نقطة صفراء فوق الصورة الملحقة.
ثم أشار إلى حكم {وَرِئْيًا} 4، بقوله "رءيا"، وهو بضم الراء معطوف على "تئوي" بإسقاط العاطف، ومراده به الرءيا ورءياك وشبههما، ونطق به مجردا من السوابق، واللواحق قصدا للشمول؛ لأنه القدر المشترك وإلا فلفظ "رءيا" لم يقع في القرءان منكرا، وقد قدم الناظم في الرسم أن صورة الهمزة محذوفة من الرءيا، وأشار هنا إلى أن المختار في ضبطه ترك إلحاق الواو -التي هي صورة الهمزة- والاقتصار على جعل الهمزة نقطة صفراء في السطر، مقابل المختار إلحاق صورتها، وجعل الهمزة نقطة صفراء فوقها، ويستثنى من ذلك {ادَّارَأْتُمْ} 5، لتقدم ذكره بحكمه الخاص به، وقوله:"ألحقن" بنون ساكنة في آخره هي نون التوكيد الخفيفة، و"ألفي" مفعوله منصوب بالياء لكونه مثنى، وحذفت نونه للإضافة، وياؤه مكسورة لالتقاء الساكنين، ثم قال:
. . . . . . . . . . .
…
وألحق أولياء واوا أولياء
إن شئت في اتصاله بمضمر
…
وهمزه في الخط لم يصور
لما قدم في الرسم الخلاف في همز "أولياء" المرفوع، والمجرور إذا أضيف إلى ضمير هل له صورة أو لا، تعرض هنا إلى ضبطه إذا بنيت على أن همزة لم يصور في الخط، فذكر أنك بالخيار إن شئت ألحقت واوا حمراء يعني في المرفوع نحو:{أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} 6، أو ياء حمراء يعني في المجرور نحو {إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} 7، وجعلت الهمزة فقط صفراء فوق الواو وتحت الياء، وإن شئت لم تلحق، واكتف بجعل همزة صفراء في السطر، فهما وجهان مبنيان على أن همزة غير مصور ولذا قال:"وهمزة في الخط لم يصور"، وأما إذا بنيت أن همزه غير مصور، فالحكم لدخوله في عموم قوله:"وما بشكل" إلخ، ولذا لم يتعرض
1 سورة الأحزاب: 33/ 51.
2 سورة البقرة: 2/ 14.
3 سورة الرعد: 13/ 36.
4 سورة مريم: 19/ 74.
5 سورة البقرة: 2/ 72.
6 سورة البقرة: 2/ 207.
7 سورة الأنعام: 6/ 121.
له هنا، وسكت هنا عن إلحاق الألف الواقعة بعد الياء في أولياء المذكور إذا قلنا بحذفها، لكونه يعلم من قوله في باب المد:"وإن تكن ساقطة في الخط" البيت، وقد قدمنا في الرسم أن أبا داود اختار تصوير همز "أولياء" المذكور، وإثبات ألفه وعلى ما اختاره العمل، وقوله الناظم "وألحق" فعل أمر إلا أنه مفتوح الآخر، لنقل حركة همزة "أولياء" و"واوا" أو "ياء" حال من صورة المقدرة، و"أو" للتنويع لا للتخيير، وجملة قوله "همزه في الخط لم يصور" حالية والواو الداخلة عليها واو الحال أي، وألحق إن شئت في حال انتفاء صورة الهمز من الخط أي الرسم، ثم قال:
قياسه جزاؤه في يوسفا
…
لكن في نصونصه ما ألفا
لما قدم في الرسم أن صاحب المقنع ذكر حذف صورة الهمز بقلة في جزاؤه الواقع في سورة سيدنا يوسف في قوله تعالى: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ، قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} 1، تعرض هنا إلى ضبطه باعتبار ما ذكره صاحب المقنع، فأشار إلى أن المتقدمين إنما تكلموا على:{جَزَاؤُهُ} 2 في "يوسف" باعتبار الرسم، ولم يتكلموا عليه باعتبار الضبط، لكن القياس يقتضي أن يكون حكمه حكم:{أَوْلِيَاؤُهُ} 3 المتقدم إذ لا فرق بينهما، فيكون فيه عند من حذف صورة همزه وجهان كوجهي:{أَوْلِيَاؤُهُ} 4 المرفوع أحدهما إلحاق الواو بالحمراء، وجعل الهمزة صفراء فوقها، والثاني عدم إلحاق الواو، والاكتفاء عنها بجعل همزة صفراء في السطر، وقياس الناظم هنا صحيح إذ كل من المقيس، والمقيس عليه حذفت منه صورة همزة مضمومة اتصلت بضمير وقبلها ألف، وسكت هنا عن إلحاق الألف الواقعة بعد الزاي في "جزاء" يوسف مع أنه قدم في الرسم أن أبا داود نص في التنزيل على حذفها لما قدمناه في:{أَوْلِيَاؤُهُ} 5، وقد ذكرنا في الرسم أن العمل في "جزاء" يوسف على تصوير الهمزة، وهو الكثير وعلى حذف الألف، وقوله:"قياسه" مبتدأ خبره "جزاؤه" و"في يوسف" حال من "جزاؤه، وضمير "قياسه" عائد على "أولياء"، و"قياس" مصدر بمعنى اسم مفعول كضرب الأمير، ونسج اليمين أي
1 سورة يوسف: 12/ 74، 75.
2 سورة يوسف: 12/ 74.
3 سورة الأنفال: 8/ 34.
4 سورة الأنفال: 8/ 34.
5 سورة الأنفال: 8/ 34.
مقيس أولياء جزاؤه في يوسف، وقوله:"لكن" بتشديد النون واسمها عائد على "جزاؤه"، وحذفه للعلم به وخبرها جملة "ما ألفا"، و"ما" نافية و"ألفا" بكسر اللام مخففة معناه عهد، و"في نصوصهم" متعلق به، ثم قال:
ونون تأمنا إذا ألحقته
…
فانقط أماما أو به عوضته
أشار هنا إلى كيفية ضبط: {تَأْمَنَّا} 1 من قوله تعالى: {مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} 2، وهذه اللفظة مركبة من فعل مضارع مرفوع آخره نون، ومن مفعول به أوله نون ففيها نونان: إحداهما المرفوعة التي هي آخر المضارع، والأخرى نون ضمير المفعول على حد قولك:"تضمننا"، وقد أجمع كتاب المصاحب على كتبها بنون واحدة، وفيها لنافع وغيره من القراء السبعة وجهان: أحدهما إدغام النون الأولى في النون الثانية إدغاما تاما مع الإشمام، والآخر الإخفاء، والمراد بالإشمام أن تضم شفتيك من غير إسماع صوت قبل الفراغ من النطق بالنون الثانية تنبيها على حركة النون الأولى، وقيل: بعد الفراغ من النطق بالنون الثانية، والصحيح الأول، والمراد بالإخفاء هنا الروم، وهو أن تضعف الصوت بحركة النون الأولى بحيث أنك لا تأتي إلا ببعضها، وتدغمها في الثانية إدغاما غير تام؛ لأن التام يمتنع مع الروم؛ لأن الحرف لم يسكن سكونا تاما، فيكون أمرًا متوسطا بين الإظهار والإدغام، هذا ما عليه أكثر المحققين في معنى الإخفاء هنا، وبه القراءة عندنا، وذهب جماعة إلى أن النون الأولى مظهرة مع الإخفاء، فعلى الوجه الأول، وهو الإدغام التام مع الإشمام لا حذف في:{تَأْمَنَّا} 3؛ لأن الإدغام التام لا يتأتى إلا مع تسكين أول المثلين، فيرجع رسمها إلى باب {آمَنَّا} 4، وعلى الوجه الثاني وهو الإخفاء يكون في {تَأْمَنَّا} 5 حذف النون الأولى من الرسم، كما صرح به الشيخان وذلك على خلاف الأصل؛ لأنها لم تدغم فيما بعدها إدغاما تاما فضبط {تَأْمَنَّا} 6 على الوجه الأول الذي هو الإدغام التام مع الإشمام يكون بتشديد النون، وجعل نقطة بالحمراء بينها، وبين الميم دلاة على الإشمام، ويجوز على هذا الوجه أن تجعل جرة بين الميم، والنقطة علامة على أن السكون قبل الإشمام، وهذا على أن الإشمام يكون قبل الفراغ من النطق بالنون الثانية.
1 سورة يوسف: 12/ 11.
2 سورة يوسف: 12/ 11.
3 سورة يوسف: 12/ 11.
4 سورة آل عمران: 3/ 52.
5 سورة يوسف: 12/ 11.
6 سورة يوسف: 12/ 11.
وأما على القول بأنه يكون بعد الفراغ من النطق بها، فضبط {تَأْمَنَّا} 1، كذلك إلا أن النقطة تجعل بعد النون الكحلاء لا قبلها.
فهذه ثلاثة أوجه في ضبط، {تَأْمَنَّا} 2 على وجه الإدغام التام مع الإشمام، ولم يتعرض الناظم إلى ضبطها على هذا الوجه، وإنما تعرض إلى ضبطها على الوجه الثاني الذي هو الإخفاء، فذكر فيها وجهين منصوصين لأهل الفن: أحدهما أن تشدد النون الكحلاء، وتلحق نونا حمراء قبلها، وتجعل نقطة بالحمراء أمام النون الحمراء دلالة على ضمتها، كما هو الشأن في الحركة المختلسة، فتشديد الكحلاء دليل على الإدغام، وجعل النقطة الدالة على ضمة النون الحمراء دليل على نقصانه، وإلى هذا الوجه أشار الناظم بقوله:"ونون تأمنا إذا ألحقته فانقط أماما"، ومعنى قوله "إذا ألحقته" إذا قرأت بالإخفاء الذي يترتب عليه الإلحاق، الوجه الثاني أن تشدد النون الكحلاء، وتعوض النون الحمراء بالنقط بأن تستغني عن إلحاق الحمراء بجعل النقطة الدالة على الضمة في موضعها، وإلى هذا الوجه أشار بقوله:"أو به عوضته" أي أو عوض النون الحمراء بالنقط الدال على ضمتها، وإنما وضعت علامة الحركة هنا بدون حرفها لكون الحركة غير خالصة، وأما الحركة الخالصة، فلا يجوز عندهم وضع علامتها بدون حرفها.
وهذا الوجه الثاني مماثل لوجه الاقتصار على النقطة إذا جعلت قبل النون في الإشمام، ولا يفرق بينهما إلا بالقصد من الناقط، وما ذكرناه من تشديد النون الكحلاء في هذين الوجهين اللذين ذكرهما الناظم مبني على ما عليه أكثر المحققين من أن النون الأولى مدغمة في الثانية، إلا أن الإدغام غير تام على ما قدمناه، وأما على ما ذهب إليه جماعة من أنها مظهرة مع الإخفاء، فلا تشدد النون، وإنما اقتصر الناظم على ضبط:{تَأْمَنَّا} 3 على وجه الإخفاء؛ لأنه هو الذي عليه أكثر أهل الأداء، واختاره الداني، ولهذا جرى العمل بضبط:{تَأْمَنَّا} 4 على وجه الإخفاء كما جرى العمل بالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الناظم المبنيين عليه، وقوله:"ونون تأمنا" مبتدأ، ومضاف إليه وللمبتدأ نعت مقدر أي نون تأمنا المحذوف، والخبر "إذا" وما بعدها، وقوله "فانقط".
1 سورة يوسف: 12/ 11.
2 سورة يوسف: 12/ 11.
3 سورة يوسف: 12/ 11.
4 سورة يوسف: 12/ 11.
جواب "إذا"، والضمير في "ألحقته"، و"عوضته" عائد على المبتدأ والضمير في "به" عائد على النقط المفهوم من قوله "فانقط"، وهو متعلق بـ"عوضته"، ثم قال:
ألقول فيما زيد في الهجاء
…
من ألف أو واو أو من ياء
أي هذا القول في علامة ما زيد في الهجاء من ألف أو واو أو ياء، ففي الترجمة حذف مضاف وهو علامة، والمراد بالعلامة هنا الدارة التي تجعل بالحمراء على الحرف المزيد لتدل على أنه زائد، وسينص عليها الناظم آخر الباب، وهي المقصودة بالذكر في هذا الباب؛ لأنها هي التي من فن الضبط، وأما ما زيد من الألف والواو والياء، وهو من فن الرسم، وقد قدمه الناظم فيه، وإنما ذكره هنا توطئة لذكر الدارة، ولذا اختصره هنا مشيرا في الغالب إلى كل نوع من أنواعه بكلمة فقط، ومراده بالهجاء هجاء المصاحف المعبر عنه عندهم بالرسم،
واعلم أن الناظم نوع زيادة الألف التي تجعل عليها الدارة إلى عشرة أنواع: الأول: ما زيدت فيه الألف بعد همزة مفتوحة للام على الراجح نحو: {لَأَذْبَحَنَّهُ} 1 الثاني مثله إلا أن الهمزة مكسورة، وهو {لا إِلَى} 2، الثالث: ما زيدت فيه بين كسرة وفتحة نحو {مِائَةٌ} 3 الرابع: ما زيدت فيه بين كسرة، وياء متولدة عنها وذلك {وَجِيءَ} 4 الخامس: ما زيدت فيه بين فتحة، وياء ساكنة نحو {تَيْأَسُوا} 5 السادس: ما زيدت فيه بعد واو الفرد نحو: {أَدْعُو رَبِّي} 6 الثامن: ما زيدت فيه بعد واو متطرفة جعلت صورة للهمز على خلاف الأصل نحو: {تَفْتَأُ} 7 التاسع: ما زيدت فيه بعد واو معوضة من ألف الطرف نحو: {الرِّبا} 8 العاشر: ما زيدت فيه بعد واو متطرفة جعلت صورة للهمز على القياس نحو: {امْرُؤٌ} 9، ونوع زيادة الياء إلى ثلاثة أنواع، وأما زيادة الواو، فهو عند الناظم نوع واحد، وستأتي كلها في كلامه، ثم قال:
فكل ما الألف فيه أدخلا
…
كقوله لا أذبحن لإ إلى
وشبهه مما بقي فالمتصل
…
باللام صورة قيل المنفصل
1 سورة النمل: 27/ 21.
2 سورة الصافات: 37/ 68.
3 سورة البقرة: 2/ 259.
4 سورة الزمر: 39/ 69.
5 سورة يوسف: 12/ 87.
6 سورة مريم: 19/ 48.
7 سورة يوسف: 12/ 85.
8 سورة البقرة: 2/ 275.
9 سورة النساء: 4/ 176.
تعرض في هذين البيتين إلى نوعين من أنواع زيادة الألف، وهما الأول والثاني منها، وعبر عن الألف الزائدة بالمدخلة؛ لأن كل مدخل على شيء زائد عليه لطروه بعد أن لم يكن، ومعنى البيتين أن كل لفظ فيه ألفان إحداهما صورة للهمزة، والأخرى زائدة خطا كـ {لَأَذْبَحَنَّهُ} 1 من قوله تعالى:{لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} 2 في "آل عمران"، و {لَإِلَى الْجَحِيمِ} 3 في "والصافات" اختلف أهل الضبط في أي ألفيه صورة للهمزة، وأيهما الزائد فقيل: الألف المتصل باللام أي المعانق لها هو صورة الهمزة، والألف الزائد هو المنفصل، وقيل: بالعكس، والراجح القول الأول ولذا صدر به الناظم، وأشار بـ {لَأَذْبَحَنَّهُ} 4 إلى النوع الأول، ويدخل فيه ما بقي من هذا النوع، وهو {لَأَوْضَعُوا} 5، و {لَأَنْتُمْ} 6، و {لَآتَوْهَا} 7، عند من يزيد الألف فيها، وإلى ذلك أشار بقوله "وشبهه مما بقي"، وقد قدمنا في الرسم أن المعمول به عدم زيادة الألف في {لَأَوْضَعُوا} 8، و {لَأَنْتُمْ} 9، و {لَآتَوْهَا} 10، وأشار إلى النوع الثاني بـ {لإِلَى} 11، وهو معطوف على ما قبله بواو محذوفة، ولم يوجد من هذا النوع إلا هذا اللفظ، وقد قدمنا في الرسم أن المعمول به في {لإِلَى} 12 عدم زيادة الألف، وكيفية ضبط النوع الأول بناء على أن الألف المنفصلة هي الزائدة أن تجعل الهمزة نقطة صفراء معها حركتها فوق الألف المعانقة، وهي التي من جهة اليمين على الراجح كما سيأتي، وتجعل دارة حمراء فوق الألف المنفصلة دلالة على زيادتها.
وهذا الضبط هو الذي جرى به العمل، وهو مبني على ما قدمناه في الرسم من أن زيادة الألف في هذا النوع للدلالة على إشباع حركة الهمزة، فيعلم بذلك أن فتحتها مشبعة أن تامة لا مختلسة، أو أن زيادتها لتقوية الهمزة، وبيانها؛ لأنها حرف خفي بعيد المخرج، فقويت بزيادة الحرف في الكتابة كما قويت بزيادة المد في التلاوة، وعلى أن الألف زائدة لما قدمنا، بنى الناظم هنا -لأنه نص آخر- هذا الباب على لزوم الدارة لهذه الألف، وذلك إنما ينبني على أنها زائدة لما قدمنا إذ لو بنينا على غيره من بقية الأوجه التي وجهوا
1 سورة النمل: 27/ 22.
2 سورة آل عمران: 3/ 159.
3 سورة الصافات: 34/ 68.
4 سورة النمل: 27/ 22.
5 سورة التوبة: 9/ 47.
6 سورة الحشر: 59/ 13.
7 سورة الأحزاب: 33/ 14.
8 سورة التوبة: 9/ 47.
9 سورة الحشر: 59/ 13.
10 سورة الأحزاب: 33/ 14.
11 سورة الصافات: 37/ 68.
12 سورة آل عمران: 3/ 158.
بها لم تجعل عليها الدارة أصلا، وأما النوع الثاني، وهو {لإِلَى} 1، فإذا بنينا على أن الألف الزائدة فيه هي المنفصلة، فلا توجه إلا بكونها تقوية للهمزة وبيانا لها، وكيفية ضبط هذا النوع أن تجعل الهمزة صفراء مع حركتها تحت المعانق، والدارة فوق الألف المنفصل، وهذا الضبط الذي ذكرناه في النوعين إنما هو على القول الراجح، وهو أن الألف المنفصلة هي الزائدة، وأما على مقابله وهو أن الزائد هو المعانق، فإنك تجعل النقطة الصفراء مع حركتها فوق المنفصل في النوع الأول، وتحته في النوع الثاني، وتجعل الدارة على المعانق في النوعين، وقول الناظم:"المنفصل" مبتدأ خبره محذوف أي صورة دل عليه ما قبله، ثم قال:
وزيد ما في مأية وجيئ
…
وتايئسوا وشبهه مجيئا
أشار في هذا البيت إلى أربعة أنواع من أنواع زيادة الألف العشرة: أولها: ما زيدت فيه الألف بين كسرة وفتحت، وإليه أشار "بمائة" ومثله مائتين، وقد قدمنا في الرسم وجه زيادة الألف في هذا النوع، وأما كيفية ضبطه فيجعل دارة فوق الألف دلالة على زيادة، وجعل الهمزة صفراء مع حركتها فوق الياء، ثاني الأنواع التي في هذا البيت: مازيدت فيه الألف بين كسرة، وياء متولدة عنها وإليه أشار بـ"جيئ"، وقد وقع في "الزمر" و"الفجر"، وليس ثم غيره، وقد قدما في الرسم أن العمل على رسمه بغير ألف، وإذا بنيت على رسمه بها، فكيفية ضبطه أن تجعل دارة على الألف والمد على الياء، وتجعل الهمزة نقطة صفراء بعد الياء في السطر، ثالث الأنواع التي في هذا البيت: ما زيدت فيه الألف بين فتحة، وياء ساكنة وإليه أشار بـ"تايئسشوا" وشبهه، والضمير في قوله:"وشبهه" يعود على "تايئسوا"، ومراده بشبهه في هذا النوع {يَيْأَسُ} 2، و {لِشَيْءٍ} 3، في "الكهف"، وكذلك {اسْتَيْأَسُوا} 4، و {اسْتَيْأَسَ} 5، وقد قدمنا في الرسم أن زيادة الألف في {تَيْأَسُوا} 6، و {يَيْأَسُ} 7 و {لِشَيْءٍ} 8، في "الكهف" متفق عليها، وفي {اسْتَيْأَسُوا} 9، و {اسْتَيْأَسَ} 10، مختلف فيها، وأن العمل في المختلف فيه على ترك زيادتها، وقدمنا أيضا وجه زيادة الألف في {تَيْأَسُوا} 11، و {يَيْأَسُ} 12 و {لِشَيْءٍ} 13 في "الكهف".
1 سورة الصافات: 37/ 68.
2 سورة يوسف: 12/ 87.
3 سورة الكهف: 18/ 23.
4 سورة يوسف: 12/ 80.
5 سورة يوسف: 12/ 110.
6 سورة يوسف: 12/ 87.
7 سورة يوسف: 12/ 87.
8 سورة الكهف: 18/ 23.
9 سورة يوسف: 12/ 80.
10 سورة يوسف: 12/ 110.
11 سورة يوسف: 12/ 87.
12 سورة يوسف: 12/ 87.
13 سورة الكهف: 18/ 23.
وكيفية ضبط {تَيْأَسُوا} 1، و {يَيْأَسُ} 2، أن تجعل الدارة على الألف، وتجعل الهمزة نقطة صفراء في السطر بعد الياء، وكيفية ضبط {لِشَيْءٍ} 3 في "الكهف" أن تجعل الدارة على الألف، وتجعل الهمزة صفراء بعد الياء في السطر، وضبط {اسْتَيْأَسُوا} 4، و {اسْتَيْأَسَ} 5، عند من يزيد الألف فيهما كضبط:{تَيْأَسُوا} 6، و {اسْتَيْأَسَ} 7 رابع الأنواع التي في هذا البيت: ما زيدت الألف فيه بعد واو متطرفة دالة على الجمع، وإليه أشار بـ"تايئسوا" وشبهه، فـ"تايئسوا" أتى به الناظم مثالا للنوع الثالث والرابع، وذلك؛ لأن فيه زيادة في موضعين بين الفتحة، والياء الساكنة وبعد الواو، فكل موضع دلت فيه الزيادة على النوع وضمير، و"شبهه" عائد على تايئسوا"، ومراده بشبهه في هذا النوع كل لفظة في آخرها واو دل على جمع سواء كان الواو مجانسا لما قبله أم لا، كان ضميرًا أو لا، نحو {قَالُوا} 8، {اشْتَرَوُا} 9، {مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ} 10، وقد قدمنا في الرسم وجه زيادة الألف التي بعد الواو في هذا النوع، وأما ضبطه فيجعل الدارة على الألف دلالة على زيادتها، وقوله "مجيئا" تمييز أو مصدر في موضع الحال، ويقع في بعض النسخ "وجاء ما في مائة"، فعليها يكون "مجيئا" مفعولا مطلقا، ثم قال:
وبعد واو الفرد ثم تفتؤا
…
وبابه وفي الربوا وفي امرؤا
أشار في هذا البيت إلى الباقي من أنواع زيادة الألف العشرة، وهو أربعة أنواع: النوع الأول: ما زيدت فيه الألف بعد واو الفرد، والمراد بذلك كل ما كانت واوه من نفس الكلمة وهي آخرها، سواء بقيت تلك الواو ساكنة على الأصل نحو:{إِنَّمَا أَدْعُو} 11، أو حركت لعارض نحو {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} 12، وقد قدمنا في الرسم وه زيادة الألف في هذا النوع، وأما ضبطه فيجعل الدارة على الألف دلالة على زيادتها.
النوع الثاني من الأنواع التي أشار إليها في هذا البيت: ما زيدت فيه الألف بعد واو متطرفة جعل صورة للهمزة على خلاف الأصل، ولا فرق بين أن يكون قبل الهمزة في هذا
1 سورة يوسف: 12/ 87.
2 سورة يوسف: 12/ 87.
3 سورة الكهف: 18/ 23.
4 سورة يوسف: 12/ 80.
5 سورة يوسف: 12/ 110.
6 سورة يوسف: 12/ 87.
7 سورة يوسف: 12/ 110.
8 سورة الأحقاف: 46/ 34.
9 سورة البقرة: 2/ 16.
10 سورة القمر: 54/ 27.
11 سورة الجن: 72/ 20.
12 سورة محمد: 46/ 31.
النوع ألف كـ {عُلَمَاءُ} 1 و {بُرَآءُ} 2، أو لم يكن قبلها ألف كـ {تَفْتَأُ} 3، و {يَتَفَيَّأُ} 4، وإلى ذلك أشار بقوله:"ثم تفتؤا وبابه"، وقد قدمنا في الرسم أن الواو في كلمات هذا النوع صورة للهمزة على مراد وصلها بما بعدها، فكأنها متوسطة نحو {وَأَبْنَاؤُكُمْ} 5، و {يَذْرَأُكُمْ} 6، وقدمنا أيضا علة زيادة الألف في هذا النوع، وعلى أن الواو صورة للهمزة، والألف زائدة بني الناظم هنا لحكمه ءاخر الباب بلزوم جعل الدارة الألف، وما بنى عليه الناظم هو المختار، وعليه فكيفية ضبط هذا النوع أن تجعل الهمزة صفراء فوق الواو معها حركتها، وتجعل الدارة على الألف دلالة على زيادتها، وهذا الضبط هو الذي جرى به العمل.
الثالث من الأنواع التي أشار إليها بقوله: و"في الربوا" ويجري مجراه: {مِنْ رِبًا} 7، في "الروم" عند من كتبه بألف بعد الواو، وقد قدمنا في الرسم وجه زيادة الألف في "الربوا"، وفي "ربوا"، وأن العمل في "ربا" على رسمه بالألف، وتقدم للناظم أن الواو تلحق عليها ألف حمراء، فيكون ضبط "الربوا" بجعل الألف الحمراء فوق الواو، وجعل الدارة على الألف.
الرابع من الأنواع التي أشار إليها في هذا البيت: ما زيدت فيه الألف بعد واو متطرفة جعلت صورة للهمزة على القياس، وإليه أشار بقوله:"وفي امرؤ" أي في سورة "النساء"، ومن هذا النوع:{لُؤْلُؤًا} 8، رفعا جراء عند من زادها، وأما ضبط هذا النوع، فبجعل الهمزة نقطة صفراء فوق الواو في {امْرُؤٌ} 9، و {لُؤْلُؤًا} 10، المرفوع، وتحت الواو في {لُؤْلُؤً} 11 المجرور، وجعل الدارة فوق الألف، وتقد قدمنا في الرسم أن العمل على عدم زيادة الألف في {لُؤْلُؤً} 12، الذي في "الطور" و"الواقعة"، وعلى زيادتها في {اللُّؤْلُؤا} 13، الذي في الرحمان".
1 سورة الشعراء: 26/ 197.
2 سورة الممتحنة: 60/ 4.
3 سورة يوسف: 12/ 85.
4 سورة النحل: 16/ 48.
5 سورة النساء: 4/ 11.
6 سورة الشورى: 42/ 11.
7 سورة الروم: 30/ 29.
8 سورة الإنسان: 86/ 49.
9 سورة النساء: 4/ 176.
10 سورة الإنسان: 86/ 49.
11 سورة الطور: 52/ 24.
12 سورة الطور: 52/ 24.
13 سورة الرحمن: 55/ 22.
وهنا كملت أنواع الألف الزائدة العشرة التي تحتاج إلى الدارة، وبقي مما ذكره الناظم في الرسم من أنواع زيادة الألف أربعة أنواع: أولها {لِأَهَبَ} 1، على قراءة الياء، {ابْنُ} 2، حيث وقع، وثالثها {إِذَا} 3، و {لَنَسْفَعًا} 4، و {لِيَكُونَا} 5، ورابعها {لَكُنَّا} 6 و {إِنَّا} 7، وإنما لم يذكرها هنا؛ لأنه يرى أن الزائد الذي تجعل عليه الدارة إنما هو الزائدة حقيقة، وهو ما لا يلفظ به لا وصلا ولا وقفا، وذلك موجود في جميع الأنواع التي ذكرها هنا، وأما الأنواع التي سكت عنها هنا، فليست الألف فيها كذلك، بل هي إما ثابتة في الحالين كما في:{لِأَهَبَ} 8، فإن الألف فيه عوض عن الياء إن قلنا: إن الياء فيه حرف مضارعة، وصورة للهمزة إن قلنا: إن الياء فيه مبدلة من الهمزة، فصارت الألف كأنها هي الياء فثبتت في الحالين، وإما ثابتة في الوقف كما في الأنواع الثلاثة الباقية، فرءى الناظم جعل الدارة في هذه الأنواع الأربعة يوهم إسقاط الألف بالكلية وصلا ووفقا وليس كذلك، فكان ذلك سبب سكوته عنها هنا، وما رآه في ذلك صحيح؛ لأن القواعد تقتضيه، وإن وقع في كلام الشيخين التمثيل للألف المزيدة المستحقة للدارة بـ {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 9، و {أَنَا وَرُسُلِي} 10، قائلين وشبهه، لكن لم يوافقهما الناظم لما تقدم، وبعدم جعل الدارة على الألف في الأنواع الأربعة جرى العمل.
فإن قلت: لما كان الناظم يرى أن الألف في الأنواع الأربعة لا تستحق الدارة لما تقدم، كان حقه أن لا يطلق في الرسم الزيادة عليها إذ إطلاق الزيادة عليها يقتضي أنها زائدة حقيقة، قلت: قد قدمنا في الرسم أن إطلاقه الزيادة عليها تسامح اعتمد فيه على أن سكوته عنها هنا يدل على أنها ليست زائدة حقيقة، وقوله "بعد واو" معطوف على الجار والمجرور في البيت الذي قبله، و"تفتؤا معطوف على "واو الفردش بـ"ثم"، وقوله:"وبابه" معطوف بالجر على "تفتؤا"، وهذا البيت يقع في بعض النسخ في هذا الموضع وهو الصواب، ويقع في بعضها بعد هذا الموضع وليس بصواب، ثم قال:
وزيد أيضا ياء من ءاناءيي
…
وبابه والواو في أولاء
1 سورة الرحمن: 55/ 22.
2 سورة مريم: 19/ 19.
3 سورة مريم: 19/ 34.
4 سورة المنافقون: 63/ 1.
5 سورة العلق: 96/ 15.
6 سورة يوسف: 12/ 32.
7 سورة الكهف: 18/ 38.
8 سورة مريم: 19/ 19.
9 سورة يوسف: 12/ 180.
10 سورة المجادلة: 58/ 21.
لما فرغ من الكلام على أنواع الألف الزائدة التي تلزمها الدارة، شرع في الكلام على زيادة الياء وزيادة الواو، فأما زيادة الياء فنوعها إلى ثلاثة أنواع: نوعان تلزمهما الدارة ونوع لا تلزمه الدارة، وأما زيادة الواو فهي عنده نوع واحد، فأما أنواع الياء فأولها ما زيد بعد همزة مكسورة نحو:{آنَاءِ} 1، وثانيها ما زيد بعد ياء ساكنة، وهو {بِأَيْدٍ} 2، وهذان محل الدارة عند الناظم، وثالثها ما قبل ياء مشددة نحو {بِأَيِّكُمُ} 3، وهذا لا دارة فيه، فأما النوع الأول وهو ما بعد همزة مكسورة، فإليه أشار بقوله "من ءاناءي وبابه" وهذا النوع ينقسم إلى قسمين: قسم ليس قبل الهمزة فيه ألف نحو: {نَبَأِ} 4، وقسم قبل الهمزة فيه ألف نحو:{مِنْ تِلْقَاءِ} 5، ومنه لقآء معا في "الروم"؟ عند الغازي، ضبط القسم الأول بجعل الهمزة صفراء مع حركتها في السطر، وجعل الدارة على الياء دلالة على زيادتها، وهذا الضبط في القسمين هو الذي جرى به العمل عندنا، وهو مبني على ما قدمناه في الرسم من أن الياء زائدة لتقوية الهمزة وبيانها، أو للدلالة على إشباع حركة الهمزة من غير تولد ياء لتتميز عن الحركة المختلسة، وهذا هو الذي بنى عليه إشباع حركة الهمزة من غير تولد ياء لتمييز عن الحركة المختلسة، وهذا هو الذي بنى عليه الناظم هنا؛ لأنه نص آخر الباب على لزوم الدارة لهذه الياء، وذلك إنما ينبني على زيادتها لما قدمنا إذ بنينا على غير ذلك مما ذكروه في توجيه رسم الياء في القسمين لم تجعل الدارة على الياء أصلًا.
واعلم أن صريح كلام الناظم في الرسم أن الياء في باب: {وَمَلَأِهِ} 6، والياء في {الائي} 7 زائدتان، فيكون باب {وَمَلَأِهِ} 8 داخلا هنا في القسم الأول، وهو ليس قبل الهمزة فيه ألف، ويكون {اللَّائِي} 9، هنا في القسم الثاني، وهو ما قبل الهمزة فيه ألف، وقد قدمنا في الرسم الكلام على باب {وَمَلَأِهِ} 10 رسما وضبطا، فارجع إليه إن شئت.
1 سورة طه: 20/ 130.
2 سورة الذاريات: 51/ 47.
3 سورة القلم: 68/ 6.
4 سورة الأنعام: 6/ 34.
5 سورة يونس: 10/ 15.
6 سورة الأعراف: 7/ 103.
7 سورة يونس: 10/ 15.
8 سورة الطلاق: 65/ 4.
9 سورة الطلاق: 65/ 4.
10 سورة الأعراف: 7/ 103.
"وأما"{اللَّائِي} 1، فقد رسم بالياء في جميع المصاحف حيثما وقع في القرءان، فيحتمل أن تكون ياؤه ليست بزائدة، وإنما هي صورة للهمزة إما إلحاقا بما استثني مما يعد ساكن نحو:{لَتَنُوءُ} 2، أو على مراد وصل الهمزة بعدها، فتصير كالمتوسطة التي تصور من مجانس حركتها:{عَنْ أَنْبَائِكُمْ} 3، وهذا الاحتمال هو الجاري على قاعدة أن الحرف، إذا دار بين الزيادة، وعدمها فحمله على عدم الزيادة أولى؛ لأنه الأصل، ويحتمل أن تكون ياؤه زائدة تقوية للهمزة، أو دلالة على إشباع حركتها، أو مراعاة لقراءة من قرأ:{اللَّائِي} 4 بياء ساكنة بعد الهمزة، وهذا الاحتمال هو الجاري على القياس في الهمزة المتطرفة الواقعة بعد ساكن كالألف في نحو:"السماء" و"الماء" إذ قياسها أن لا ترسم لها صورة.
والاحتمال الأول هو ظاهر كلام الشيخين حيث بنيا ضبط: {اللَّائِي} 5 على الاحتمال الأول، لكونه هو المختار عندهما مع تجويزهما زيادة الياء في {اللَّائِي} 6، فذكره في الرسم مع ما زيدت فيه الياء جمعا للنظائر، ولو على احتمال مرجوح عندهما، وهو فهم صحيح.
واعلم أن رواية قالون في: {اللَّائِي} 7 تحقيق الهمزة، وأما ورش فالرواية المشهورة عنه تسهيلها بينها وبين الياء، ولم يتعرض الشيخان لضبط:{اللَّائِي} 8 على رواية قالون، ومقتضى قواعد الفن أن يكون ضبطه له بجعل الهمزة صفراء تحت الياء من غير دارة فوقها، هذا إذا قلنا: إن الياء غير زائدة وإنما هي صورة للهمزة، وأما إذا قلنا: إن الياء زائدة فيكون ضبطه لقالون بجعل الهمزة صفراء قبل الياء، وجعل دارة حمراء فوق الياء دلالة على زيادتها، والعمل عندنا على الضبط الأول لقالون، وأما ورش ففي ضبط:{اللَّائِي} 9 له على رواية التسهيل المشهورة عنه وجهان نقلهما أبو داود عن شيخه أبي عمرو الداني: أولهما أن تجعل تحت الياء نقطة بالحمراء، وفوقها دارة علامة لتحفيفها، ودلالة على أنها همزة ملينة بين بين، وأن كسرتها غير خالصة، ولا سكونها أيضا، والوجه
1 سورة الطلاق: 65/ 4.
2 سورة القصص: 28/ 76.
3 سورة الأحزاب: 33/ 20.
4 سورة الطلاق: 65/ 4.
5 سورة الطلاق: 65/ 4.
6 سورة الطلاق: 65/ 4.
7 سورة الطلاق: 65/ 4.
8 سورة الطلاق: 65/ 4.
9 سورة الطلاق: 65/ 4.
الثاني أن تعرى الياء من النقط إذ كسرها غير خالص، وتجعل الدارة وحدها عليها. ا. هـ، واختار أبو داود تعرية الياء من ضبط الوجهين المذكورين، فتحصل أن المنصوص في ضبط {اللَّائِي} 1، لورش على رواية التسهيل ثلاثة أوجه، وهي مبنية على أن الياء خلف من الهمزة، كما صرح به أبو داود لا زائدة، وبقي فيه وجه رابع، وهو أن تجعل نقطة حمراء تحت الياء علامة للتسهيل من غير أن تجعل الدارة فوق الياء، وهذا الوجه هو الذي يقتضيه قول الناظم فيما سبق، "وذا الذي ذكرت في المسهل" البيت، كما قدمنا، وبالوجه الأول من هذه الأوجه الأربعة جرى العمل عندنا، ولم يتعرض الشيخان لضبط:{اللَّائِي} 2 لورش على رواية التسهيل إذ قلنا: إن الياء فيه زائدة، ومقتضى القواعد أن تجعل نقطة حمراء قبل الياء علامة للتسهيل بين بين، وتجعل دارة فوق الياء دلالة على زيادتها، وقول الناظم "والواو في أولاء" أشار به إلى ما زيدت فيه الواو، وهو عنده نوع واحد، وذلك ما زيدت فيه الواو بعد همزة مضمومة، وهو {أُولاءِ} 3، وبابه، وحذف "وبابه" هنا لدلالة ما تقدم عليه، ومراده {أُولاءِ} 4 كيفما أتى في القرءان أي سواء اتصل به حرف خطاب لمفرد، أو غيره أم لا كما قدمنا في الرسم، والمراد ببابه بقية ما زيدت فيه الواو من هذا النوع، وذلك {أُولُوا} 5، و {أُولِي} 6، و {أُولاتِ} 7، وكذلك {سَأُرِيكُمْ} 8، و {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ} 9، عند من زاد الواو فيهما، وقد قدمنا في الرسم أن العمل على زيادة الواو في:{سَأُرِيكُمْ} 10 في "الأعراف"، و"الأنبياء" وعلى عدم زيادتها في {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ} 11 في "طه" و"الشعراء" كالذي في "الأعراف" المتفق على عدم زيادة الواو فيه.
وكيفية ضبط هذا النوع بناء على توجيه زيادة الواو فيه بما قدمناه في الرسم أن تجعل الهمزة صفراء في وسط الألف، ومعها حركتها، وتجعل الدارة الحمراء على الواو دلالة على زيادتها، وهذا الضبط جرى العمل عندنا، ومما يجري مجرى هذا النوع في الضبط هؤلاء عند النحاة، فإن مذهبهم أن الواو الموجودة فيه زائدة، وأن الهمزة غير مصورة كما قدمناه في الرسم، قال الداني: ونقطة على هذا المذهب بأن تلحق ألفا حمراء بعد الهاء
1 سورة الطلاق: 65/ 4.
2 سورة الطلاق: 65/ 4.
3 سورة طه: 20/ 84.
4 سورة طه: 20/ 84.
5 سورة البقرة: 2/ 267.
6 سورة آل عمران: 3/ 13.
7 سورة الطلاق: 65/ 4.
8 سورة الأعراف: 7/ 145.
9 سورة طه: 20/ 71.
10 سورة الأعراف: 7/ 145.
11 سورة طه: 20/ 71.
صورة للهمزة، وتجعل فيها النقطة الصفراء معها حركتها، وتجعل الدارة على الواو، ولا تلحق ألف ها التنبيه لئلا يجتمع مثلان. ا. هـ. وأما مذهب الرسام في هؤلاء فهو ما تقدم للناظم في الرسم، وهو أن الواو صورة للهمزة على مراد الوصل وهو الصحيح.
وضبطه يجعل الهمزة صفراء على الواو، ومعها حركتها وحكم الألف التي قبلها داخل في مدلول قول الناظم:"وإن تكن ساقطة في الخط" البيت، وقوله "والواو" مرفوع بالعطف على "ياء"، ثم قال:
وآخر الياءين من بأييدي
…
للفرق بينه وبين الأيدي
أشار هنا إلى النوع الثاني مما زيدت فيه الياء، وهو ما زيدت فيه بعد ياء ساكنة، وقد وقع في {بِأَيْدٍ} 1، من قوله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} 2، لا غير، واتفقت المصاحف على كتبه بياءين، قد قدمنا في الرسم أن الياء الأولى فيه هي الأصلية والياء الثانية هي الزائدة على المختار، وعليه عول الناظم، وقدمنا أيضا أنهم زادوا الياء فيه للفرق بينه، وبين {أَيْدِي} 3، في نحو {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} 4، و {أَيْدِي النَّاسِ} 5، لأن زيدت فيه الياء مفردة بمعنى القوة، وهمزته فاء الكلمة وياؤه الأخيرة لامها، فقول الناظم "للفرق بينه، وبين الأيدي" لا يريد به لفظ "الأيدي" المحلى بأل، وإنما معناه للفرق بينه وبين "أيدي" التي هي الجوارح، فعبر بلفظ الأيدي عن الجوارح.
وكيفية ضبط: {بِأَيْدٍ} 6 بناء على المختار، وهو أن الياء الثانية هي الزائدة أن تجعل الهمزة صفراء مع حركتها فوق الياء الثانية دلالة على زيادتها، وتجعل على الياء الأولى الأصلية جرة تكون علامة للسكون ليظهر الزائد من غيره، وبهذا الضبط جرى العمل عندنا، وإنما جعلوا الجرة هنا علامة للسكون دون الدارة مخافة الالتباس بين الزائد، والأصلي من الياءين، وقوله و"آخر" معطوف على "ياء" من "ءاناءي"، فهو بالرفع معمول لـ"زيد" و"للفرق" علة لـ"زيد" والياء بعد الدال في "بأييدي" للإطلاق، وفي "الأيدي" أصلية، ثم قال:
فدارة تلزم ذا المزيدا
…
من فوقه علامة أن زيد
1 سورة الذاريات: 51/ 47.
2 سورة الذاريات: 51/ 47.
3 سورة الروم: 30/ 41.
4 سورة عبس: 80/ 15.
5 سورة الروم: 30/ 41.
6 سورة الذاريات: 20/ 30.
ذكر في هذا البيت علامة الحرف بالمزيد في الخط، وهي الدارة التي تجعل عليه بالحمراء لتدل على أنه زائدة، وهي المقصودة بالذكر في هذا الباب كما قدمناه، ومعنى البيت أن تسأل عن حكم هذه الأحرف الزوائد المتقدمة، فالدارة تلزمها من فوقها، فالإشارة بقوله:"ذا المزيد" تعود على الأحرف المزيدة في الأنواع الثلاثة عشر المتقدمة، وهي أنواع زيادة الألف العشرة، ونوعا زيادة الياء المتقدمان ونوع زيادة الواو، واحترز بقوله "ذا المزيدا" من غير ما ذكر، وذلك ما بقي من أنواع الزوائد التي ذكرها في الرسم، فقد بقي من الألف الزائد أربعة أنواع، وهي التي قدمناها في شرح قوله:"وبعد واو الفرد ثم تفتؤا" البيت، وإنما احترز عنها؛ لأنها لا تجعل فيها الدارة لما قدمناه، وبقي من أنواع الياء الزائدة نوع واحد، وهو ما زيد فيه الياء قبل ياء مشددة نحو {بِأَيِّكُمُ} 1، وإنما احترز عنه؛ لأنه صرح فيه بعد هذا البيت بأنه يعرى من الدارة، ولذلك أخره عن هذا البيت، و"أن" في قوله "علامة أن زيد" بفتح الهمزة على حذف الجار قبلها أي علامة لزيادته، وأشار بهذا إلى أن علة لزوم الدارة للحرف المزيد هي الدلالة على الزيادة أي في الخط، وقال غير النام: العلة في ذلك الدلالة على سقوط تلك الأحرف من اللفظ، وقد أخذ النقاط تلك الدارة من الصفر عند أهل العدد الدال على خلو المنزلة.
واعلم أن ما ذكره الناظم وغيره من جعل الدارة فوق الحرف المزيد لم يبينوا فيه هل هي متصلة بالحرف أو منفصلة عنه، واضطرب رأي المتأخرين فيه والصحيح كونها منفصلة، كما هي في الساكن.
تنبيه: اختلف النقاط في جعل الدارة على الحرف المخفف إذا خيف تشديده.
فمذهب نقاط المدينة والأندلس -واختاره الداني- جعل الدارة عليه دلالة على أنه خال من الشد سواء كان مما اتفق على تخفيفه نحو: {عَالِينَ} 2، و {الْعَادُونَ} 3، و {صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} 4، و {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ} 5، و {ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} 6، و {وَتَعِيَهَا} 7، أو اختلف في تشديده إذا قرأته بالتخفيف نحو:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} 8، {فَقَدَرَ عَلَيْهِ} 9
1 سورة القلم: 68/ 6.
2 سورة المؤمنون: 23/ 46.
3 سورة المؤمنون: 23/ 7.
4 سورة يس: 36/ 52.
5 سورة الأعراف: 7/ 72.
6 سورة المزمل: 73/ 20.
7 سورة الحاقة: 69/ 12.
8 سورة النجم: 53/ 11.
9 سورة الفجر: 89/ 16.
و {جَمَعَ مَالًا} 1، ومن النقاط من لا يجعل عليه الدارة، ويرى تعريته من الشد كافية واختاره أبو داود، وكأن الناظم على اختياره اعتمد، ولهذا لم يتعرض لجعل الدارة على الحرف المخفف إذا خيف تشديده، وبعدم جعلها عليه جرى عمل المتأخرين طلبا للاختصار، ثم قال:
وشدد الثاني من بأييكم
…
وعر أولا لما قد يدغم
أشار هنا إلى النوع الثالث من أنواع زيادة، وهو الذي لا تجعل فيه الدارة، وذلك ما زيدت فيه قبل ياء مشددة وإليه أشار "بأييكم"، وقد كتب هذا اللفظ في جميع المصاحف بياءين، لكن بهما عند المحققين ليس على الزيادة، وإنما هو لما قدمناه في الرسم، وهو الدلالة على أن الحرف المدغم الذي يترفع اللسان به، وبما أدغم فيه ارتفاعه واحدة حرفان في الأصل والوزن، فلذلك أشار الناظم هنا إلى أن الضبط:{بِأَيِّكُمُ} 2، جار على ما تقرر في باب الإدغام، وهو أن تشدد الثاني من الياءين، وتعري الأول منهما من علامة السكون لأجل الإدغام، وتكون الهمزة صفراء على الألف معها حركتها، وبهذا الضبط جرى عملنا في {بِأَيِّكُمُ} 3، وجوز فيه الداني وغيره غير ما قدمناه.
تنبيه: مما يناسب ذكره في هذا الباب حكم الياء المتطرفة، هل هي معرفة إلى قدام -وهو المعبر عنه بالوقص- أو مردودة إلى خلف -وهو المعبر عنه بالعقص؟ ولا نص للداني في ذلك، وأما أبو داود فقال في قوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} 4، إن ياءه في بعض المصاحف وقص وفي بعضها عقص، واستحب هو لمن قرأها بالفتح الوقص، ولمن قرأها بالإسكان العقص.
والحاصل أن الياء ثمانية أقسام: مفتوحة نحو: {هُدَايَ} 5، ومضمومة نحو {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} 6، ومكسورة نحو {فَبِأَيِّ} 7، وساكنة حية نحو {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} 8، وساكنة ميتة نحو {الَّذِي} 9، ومنقلبه نحو {الْهُدَى} 10، وصورة
1 سورة الهمزة: 104/ 2.
2 سورة القلم: 68/ 6.
3 سورة القلم: 68/ 6.
4 سورة البقرة: 2/ 152.
5 سورة البقرة: 2/ 38.
6 سورة آل عمران: 3/ 68.
7 سورة الرحمن: 55/ 16.
8 سورة سبأ: 34/ 16.
9 سورة الماعون: 107/ 1.
10 سورة البقرة: 2/ 120.
للهمزة نحو {أَمْرِي} 1، وزائدة نحو {مِنْ نَبَأِ} 2، والمأخوذ من كلام الشيوخ الذين تكلموا على هذه المسألة أن المفتوحة، والمنقلبة يترجح فيهما الوقص، والمضمومة يجوز فيها الوقص والعقص على حد السواء، والمكسورة والساكنة الحية، والساكنة الميتة يترجح في كل منها العقص، والمصورة والزائدة يتعين فيهما العقص، والعمل عندنا على الوقص في المنقلبة، وفي المتحركة كيفما حركتها، وعلى العقص في الساكنة بقسميها، وفي صورة الهمزة وفي الزائدة.
واعلم أن الياء المتطرفة يجوز أن تنقط نقط الإعجام وأن لا تنقط، ومثلها النون والفاء والقاف المتطرفات، وهي المجتمعة في "ينفق"، وعلى عدم نقط الأربعة اقتصر الداني في المحكم، ووجهه أن حروف "ينفق" إذا تطرفت لا تلتبس صورتها بصورة غيرها، وأما إذا لم تتطرف فإنها تنقط كلها، ولا فرق عند القراء في نقط الياء الغير المتطرفة بين أن تكون مهموزة همزا محققا نحو:{قَالَ قَائِلٌ} 3، و {الْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ} 4، أو مسهلا نحو {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} 5، عند من سهله، أو غير مهموزة، وقال النحاة: لا تنقط المهموزة في نحو "قائل" و"بائع"، ودخل في الياء الغير المهموزة الياء الممالة نحو:{مَحْيَايَ} 6، عند من أماله، والياء المبدلة من الهمزة نحو {لَيْلًا} 7 لورش، والياء الزائدة كما في {بِأَيْدٍ} 8، فتنقط كلها إذا كانت في غير الطرف على الراجح المعمول به عندنا، وقوله:"لما قد يدغم" متعلق بـ"عر" على أنه علة له، و"ما" مصدرية و"قد" للتحقيق والتقدير وعر أولا لتحقيق الإدغام، ويدغم بتشديد الدال، ثم قال:
ألقول فيما جد في لام ألف
…
ألحكم في الهمزة منه مختلف
فقيل ثانيه وقيل الأول
…
وهمز أول هو المعول
أي هذا القول في بيان الأحكام التي جاءت في لام ألف، وهو مركب من حرفين متعانقين: أحدهما لام الآخر ألف، وفي أعلاه طرفان وفي أسفله دارة صغيرة، وقد ذكر الداني وغيره أن الخليل بن أحمد، وسعيد بن مسعدة الأخفش الوسط اختلفا في أي
1 سورة الكهف: 18/ 73.
2 سورة الأنعام: 6/ 34.
3 سورة يوسف: 52/ 10.
4 سورة الأحزاب: 33/ 18.
5 سورة الصافات: 37/ 36.
6 سورة الأنعام: 6/ 162.
7 سورة الحديد: 57/ 29.
8 سورة الذاريات: 51/ 47.
الطرفين هو الألف، فقال الخليل: هو الأول، وقال الأخفش: هو الثاني. ا. هـ، والمختار مذهب الخليل لما سيأتي بعد من الحجة، وقد ذكر الناظم في هذا الباب أربعة أحكام للام ألف: أحدها حكم الهمزة التي صورت بالألف المعانقة للام، والثاني حكم المد إن كانت المعانقة حرف مد، والثالث حكم الهمزة المتأخرة عن الألف المعانقة، والرابع حكم الهمزة المتقدمة عن الألف المعانقة، فأشار إلى الحكم الأول بقوله:"الحكم في الهمزة منه مختلف"، وفيه مضاف محذوف أي الحكم في صورة الهمزة من لام ألف مختلف فقيل: صورتهتا منه الطرف الأول في نحو: {لَأَنْتُمْ} 1، وقيل: صورتها منه الطرف الثاني، وإلى هذا أشار بقوله "فقيل ثانيه"، وهو مفرع على مذهب الأخفش "وقيل الأول"، وهو مفرع على مذهب الخليل، ثم أشار إلى المختار من القولين "وهمز أول هو المعول" أي جعل الطرف الأول صورة للهمزة هو المعول عليه. ثم:
ومده إن كان ما يمد
…
لأجل همز كائن من بعد
أشار في هذا البيت إلى الحكم الثاني من الأحكام الأربعة، وهو بيان محل المد من لام ألف فقال: و"مده" أي ومذ أول من لام ألف هو المعول عليه، فالضمير في قوله و"مده" عائد على "أول" في قوله "وهمز أول هو المعول" و"مد" مبتدأ خبره محذوف دل عليه ما قبله، والمعنى إن جعل الطرف الأول من لام ألف محل المد في نحو {الْأَخِلَّاءُ} 2، و {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} 3 هو المعمول عليه، وهو مفرع على مذهب الخليل الذي هو المختار، وأما جعل الطرف الثاني محل المد، فهو خلاف المعول عليه، وهو مفرع على مذهب الأخفش، وأشار بقوله:"إن كان ما يمد" إلخ، إلى أن شرط وضع المد على المحل الذي يوضع فيه من لام ألف أن يكون المعانق للام ممدودا لأجل همز بعده، كما في المثالين السابقين، فإن لم يمد المعانق مع تأخر الهمز نحو:{أَلا إِلَى اللَّهِ} 4 في أحد الوجهين لقالون، فلا يوضع المد عليه، فإن كان الهمز قبل الألف المعانق نحو {لَآتِيَةٌ} 5، فمن ذهب إلى مده لورش مدا مشبعا، فإن يوضع المد في مذهبه، وكأن الناظم لم يعتبر هذا
1 سورة الحشر: 59/ 13.
2 سورة الزخرف: 43/ 67.
3 سورة البقرة: 2/ 255.
4 سورة الشورى: 42/ 52.
5 سورة الحجر: 15/ 85.
المذهب لضعفه عنده، ولهذا اقتصر على تأخر الهمز، والظاهر أن "ما" في قوله "ما يمد" زائدة، ثم قال:
إذ أصله حرفان نحو يا وما
…
فظفرا خطا كما قد رسما
أشار هنا إلى تعليل ما قدمه من أن همز الأول من لام ألف ومده هو عليه، وهذا التعليل الذي أشار إليه في هذا البيت ذكره الداني، وغيره حجة لاختيار مذهب الخليل المتقدم المتفرع عليه ما قدمه الناظم، قال الداني: عامة أهل النقط متقدمهم، ومتأخرهم على اختيار مذهب الخليل، واحتجوا بأن هذا اللفظ كان في الأصل لامًا ممطوطة بعدها ألف هكذا "لا"، كما هو الشأن في نحو "يا"، و"ما" مما هو على حرفين، فاستقبحت العرب ذلك في لام ألف لاستواء طرفيه ومشابهته لخط الأعاجم، فغيروا صورته وحسنونها بأن ظفروا الحرفين، فأمالوا كل واحد منهما، فأدخلوه في الآخر وأخرجوه حتى لم يبق إلا شيء يسير منه بقية الدارة أسفله، فرجع بسبب ذلك الأول ثانيا، والثاني أولا كما هو الشأن في كل مظفور أن يصير يمينه يسارا، ويساره يمينًا، قال: ولذلك كان كل من أتقن الكتابة يبتدئ في رسم الألف بالأيسر، ويرى أن الابتداء بالأيمن جهل إذ هو كمن ابتدأ بالألف قبل الميم في نحو "ما قال"، وما ذهب إليه الأخفش من أن الطرف الثاني هو الألف رعيا للفظ غير صحيح. ا. هـ، وبكلام الداني هذا يتضح ما ذكره الناظم في هذا البيت، وقد رد الداني مذهب الأخفش، وانتصر له بعض المحققين، ولكن العمل على مذهب الخليل، وعلى ما يتفرع عليه على مذهب الأخفش، وقول الناظم "نحو" يقرأ بالنصب على الحال من الهاء في "أصله"، وقوله "ظفرا" ماض مبني للنائب والألف نائب فاعله، والأولى في الفاء من "ظفرا" التخفيف، والظاهر أن قوله:"كما قد رسما" مستغنى عنه إذ لم يفد به غير تشبيه الشيء بنفسه، والله أعلم، ثم قال:
وإن يكن ذا الهمز في نفس الألف
فحكمه كما مضى لا يختلف
لما قدم أن صورة الهمزة من لام ألف هي الطرف الأول على المعول عليه، ولم يبين هناك هل توضع الهمزة فوق الطرف أو في وسطه أو تحته، أراد أن يبين ذلك هنا فقال:"وإن يكن ذا الهمز في نفس الألف" بأن كان الألف المعانق للام صورة له، فإن حكمه كما مضى
في قوله المتقدم في باب الهمز: "وما بشكل فوقه ما يفتح" إلخ، فإن كان الهمز مفتوحا نحو:{لَأَمْلَأَنَّ} 1، أو ساكنا نحو {امْتَلأْتِ} 2، جعل فوق الألف الذي هو الطرف الأول على مذهب الخليل، أو الطرف الثاني على مذهب الأخفش، وإن كان الهمز مضموما نحو لامه جعل في وسط الألف المعانق الذي هو الطرف الأول، أو الطرف الثاني على اختلاف المذهبين، وإن كان الهمز مكسورًا نحو:{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ} 3، جعل أسفل يسار الدارة التي في أسفل لام ألف على المذهبين على ما يظهر من كلام الداني.
فأما الخليل فذاك جار على مذهبه، وأما الأخفش فمقتضى مذهبه أن يجعل الهمز المكسور أسفل عن يمين الدارة التي في أسفل لام زلف، وكأنه مما قرب من الشيء يعطي حكمه، فوضع الهمزة على يسار دارة لام ألف كالخليل، وقول الناظم "لا يختلف" معناه لا يتغير محل الهمزة من الصورة بسبب تغييرها لأجل الظفر، بل لا تزال باقية على الأصل الذي قدمه في باب الهمز، ولو تغيرت الألف بالظفر.
تنبيه: إذا كانت الألف المعانقة للام محذوفة نحو: {لاعِبِينَ} 4 فعلى مذهب الخليل تلحق في الجهة اليمنى وهو المختار، وعليه اقتصر الناظم في باب النقص من الهجاء.
وعلى مذهب الأخفش تلحق في الجهة اليسرى، وأما حركة اللام من لام ألف وسكونها، والحركة المنقولة إليها عند ورش، فمحلها على مذهب الخليل الطرف الثاني من لا ألف، وعلى مذهب الأخفش الطرف الأول منه، وكأنهم الناظم لم يتعرض لذلك لكونه رأى أن ما قدمه من بيان الطرف الذي هو صورة للهمزة من لام، وبيان الطرف الذي هو محل للمد يؤخذ منه محل ذلك، وهو الطرف الآخر، ثم قال:
وبعد لام ألف إن رسما
…
مؤخرا وقبل إن تقدما
تعرض هنا إلى الحكم الثالث، والحكم الرابع من الأحكام الأربعة المتقدمة وهما:
حكم الهمزة المتأخرة عن الألف المعانقة، وحكم الهمزة المتقدمة عنها، فأشار إلى الحكم الثالث بقوله:"وبعد لام إن رسما مؤخرا"، ومعناه أن الهمز إن كان بعد لام ألف أي في اللفظ، فإنك ترسمه مؤخرا أي عن لام ألف على المذهبين، وذلك نحو "هؤلاء"، فإنك
1 سورة الأعراف: 7/ 18.
2 سورة ق: 50/ 30.
3 سورة قريش: 106/ 1.
4 سورة الأنبياء: 21/ 16.
تجعل الهمزة صفراء في السطر بعد لام ألف، وتجعل المد على الألف على ما تقدم من الخلاف في أي طرف هو الألف، فقوله:"بعد لام ألف" هو خبر ليكن محذوفة مع "أن" الشرطية لدلالة ما تقدم أي، وإن يكن ذا الهمز بعد لام ألف، و"إن" في قوله:"إن رسما" زائدة بمعنى "قد"، وليست شرطية لاختلال المعنى، و"رسم" جواب الشرط المقدر و"مؤخرا" حال من ضمير "رسم"، والألف في "رسما" و"تقدما" للإطلاق، ثم أشار إلى الحكم الرابع بقوله "وقبل أن تقدما"، أي ورسم الهمز قبل لام ألف على المذهبين إن تقدم ذلك الهمز على الألف في اللفظ نحو:{لَآكِلُونَ} 1 فقوله: و"قبل" مضاف في الأصل إلى لام ألف، وهو معمول لـ"رسم" محذوف دل عليه الذي قبله، ومعمول "تقدم" محذوف تقديره على الألف، ولا يكون تقديره على لام ألف لفساد المعنى، وهذان الحكمان المذكوران في هذا البيت، وإن كانا من أحكام الهمزة في الحقيقة لكنهما عدا من أحكام لام ألف لملاصقة الهمزة للام ألف، ثم قال:
وكل ما ذكرت من تنوين
…
أو حركات ومن السكون
والقلب للباء وما للهاء
…
من صلة من واو أو من ياء
ونحو يدع الداع والتشديد
…
ومطة ودارة المزيد
ونقط تأمنا وما يشم
…
مع الذي اختلسه فالحكم
أن تجعل الجميع بالحمراء
…
................................
تعرض هنا إلى اثني عشر نوعا ذكرها في الضبط، ولم يذكر لها فيه لونا، فنبه هنا على أن لونها يكون بالحمراء، النوع الأول: التنوين ذكره في قوله "ثمت أن ابتعتها تنوينا" البيت، الثاني: الحركات ذكرها في قوله: "ففتحة أعلاه" إلخ، وأراد بالحركات ما يشتمل جرة النقل وصلة ألف الوصل؛ لأن صورتهما صورة الحركات، الثالث: السكون ذكره في قوله "فدارة علامة السكون"، الرابع: القلب للباء أي قلب التنوين، والنون الساكنة ميما عند الباء سواء صور عوضا من علامة التنوين، وهو الذي ذكره في قوله:
وعوضن إن شئت ميما صغرى
…
منه لباء إذ بذاك يقرا
1 سورة الصافات: 37/ 66.
أو صور عوضًا من علامة سكون النون، وهو الذي ذكره في قوله:"أو صلة أتتك بعد الهاء" سواء كانت واوا أو ياء كما ذكره، السادس: الزائد في الساقط من الخط، وهو الذي أراد بقوله هنا ونحو:{يَدْعُ الدَّاعِ} 1، ذكره في قوله:"في كل ما قد زدته من ياء" وهذان النوعان لا حاجة إلى ذكرهما هنا؛ لأن لونهما يؤخذ من قوله: "وإن تكن ساقطة في الخط" إلى آخر الكلام عليها، السابع: التشديد ذكره في قوله: "والتشديد" حرف الشين وفي قوله: "وبعض أهل الضبط دالا جعله"، الثامن: المد ذكره في قوله: "وفوق واو ثم ياء وألف مط" إلخ، التاسع: دارة المزيد ذكره في قوله: "فدارة تلزم ذا المزيدا"، العاشر: نقط {تَأْمَنَّا} 2، سواء اجتمع مع النون، أو انفرد وهو الذي ذكره في قوله:
ونون تأمنا إذا لحقته
…
فانقط إماما أو به عوضته
الحادي عشر والثاني عشر: نقطة المشم ونقطة المختلس ذكرهما معا في قوله: "وكل ما اختلس أو يشم" إلخ، ولم يذكر نقطة الممال استغناء عنها بذكر نقطة المشم، ونقطة المختلس بجامع أن الكل دال على حركته ممتزجة، قال الناظم "فالحكم أن تجعل الجميع" أي جميع هذه الأنواع: "بالحمراء ما ذكره في باب النقص من الهجاء مما لم يصرح فيه أنه بالحمراء، ولم يذكره هنا استغناء عنه بقوله في أول الباب المذكور: إن شئت أن تلحق بالحمراء إذ يقدر مع الجميع، ثم قال:
. . . . . . . . . . . .
…
هذا تمام الضبط والهجاء
محمد جاء به منظوما
…
نجل محمد بن إبراهيما
الأموي نسبا وأنشأه
…
عام ثلاث معها سبعمائه
المشار إليه بذا من قوله "هذا" هو الشطر الأول الذي قبل اسم الإشارة، و"تمام" بمعنى متمم، ومراده بالهجاء الرسم، ولما كانت فائدة الرسم إنما تظهر في أكثر المسائل بالضبط جعل المشار إليه بذا متمما للرسم، والضبط وإلا فهو متمم للضبط فقط، وأما الرسم فقد تقدم له متممه، ثم ذكر أن اسمه محمد بن محمد بن إبراهيم الأموي نسبًا
1 سورة القمر: 54/ 6.
2 سورة يوسف: 12/ 11.
والنجل الابن، والأموي نسبة إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، ومن ذرية أمية عثمان ومعاوية رضي الله عنهما، ثم أخبر أنه أنشأ هذا التأليف في عام ثلاث من المائة الثامنة من الهجرة النبوية، والضمير في قوله:"به" وفي قوله "أنشأه" عائد على الضبط والهجاء، وأفرده؛ لأنه تأوله بالمذكور، وقوله:"نجل" خبر لمبتدأ محذوف أي وهو نجل محمد، ولا يصح جعله نعتا لمحمد إذ لا يخبر عن الاسم قبل أخذ نعته، و"الأموي" مخفوض نعت لإبراهيم، ثم قال:
عدته أربعة وعشرة
…
جاءت لخمسمائة مقتفره
أخبر أن عدة أبيات هذا المنظوم في الضبط، والهجاء خمسمائة بيت وأربعة عشرة، وهذا العدد صحيح باعتبار الرسم الأول المسمى بـ"عمدة البيان" الذي نظم هذا الضبط معه، وأما بعد تبديل الرسم المذكور بالرسم الموجود الآن المسمى بـ"مورد الظمآن"، فهذا العدد غير صحيح؛ لأنه قدم أن عدة ما في الرسم الموجود الآن أربعة وخمسون، وأربعمائة، وإذا أضيف ذلك إلى ما في هذا الضبط، وهو أربعة وخمسون ومائة، كان مجموع ذلك ثمانية وستمائة وهو مخالف لما ذكر هنا، وقوله:"مقتفرة" بكسر الفاء بمعنى تابعة، ثم قال:
فإن أكن بدلت شيئا غلطا
…
مني أو أغفلته فسقطا
فادركنه موقنا ولتسمح
…
فيما بدا من خلل ولتصفح
أي إن غلطت فبدلت شيئا مما نقلته، أو أغفلته أي تركته فسقط من هذا النظم فليتداركه من تيقنه، ولا يقدم عليه من غير يقين، وليسامح فيما بدا أي ظهر من الخلل، وليصفح عنه أي يعرض عنه هذا تواضع منه رحمه الله، وقوله "غلطا" مفعول لأجله، ثم قال:
ما كل من قد أم قصدا يرشد
…
أو كل من طلب شيئا يجد
لكن رجاءي فيه أن غيرا
…
فما صفا خذ واعف عما كدرا
أي ليس كل من قصد شيئًا من مقاصد الناس يرشد، ولا كل من طلب شيئا وجده؛ لأن المرشد والهادي هو الله تعالى، والعبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، وأتى
بهذا الكلام اعتذارا عما في نظمه من الخلل إن كان فيه، ثم رجا أن لا يكون فيه تغيير، فإن تخلف رجاؤه بأن تحقق فيه من اطلع عليه التغيير، فالأليق أن يأخذ منه ما صفا، ويعفو عما كدر فيه لا سيما إن كان ذلك نزرا، فالكامل من عدت سقطاته، و"ما" من قوله:"ما كل" نافية "وأم" معناه قصد، و"قصدا" مفعول لـ"أم"، وهو مصدر بمعنى اسم المفعول، ثم قال:
ولست مدعيا الإحصاء
…
ولو قصدت فيه الاستقضاء
إذ ليس ينبغي اتصاف بالكمال
…
إلا لربي الكبير المتعال
وفوق كل من ذوي العلم عليم
…
ومنتهى العلم إلى الله العظيم
يعني أنه لم يدع بعد الفراغ من نظمه هذا أنه أحصى فيه جميع ما ذكر الكتب التي نقل منها، ولو كان قصد فيه أولا الاستقصاء أي الإحاطة، فكأنه يقول: إنما يلزم البحث والمناقشة من ادعى الإحصاء بعد الفراغ، وإما من قصد ذلك أولا كما فعل في قوله:"وكلما ذكروه اذكر" لم يدعه بعد الفراغ، فلا يلزمه ذلك، ثم إنه استشعر سؤالا وهو أن يقال له حين التزمت أولا الاستفاء، فلم لم تأت به؟ فأجاب عنه بأن العبد شأنه النقصان، والاتصاف بالكمال لا ينبغي إلا الله الكبير المتعال، ثم نبه بقوله "وفوق كل" إلخ، على أن الإنسان وإن اتصف بالعلم ففي الناس من هو أعلم منه، ولا يحيط بالعلم إلا الله العظيم، ولذا قال سيدنا علي كرم الله وجهه:
قل للذي يدعي علما ومعرفة
…
علمت شيئا وغابت عنك أشياء
وما ذكره الناظم في الشطر الأول من البيت الأخير اقتبسه من قوله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 1، ثم قال:
كيف وما ذكري سوى ما اشتهرا
…
عن جلهم وما إليه ابتدرا
إلا يسيرة سوى المشتهرة
…
أو ردتها زيادة وتذكرة
1 سورة يوسف: 12/ 76.
أي كيف أدعي الإحصاء، وأنا لم أذكر إلا ما اشتهر عند أكثر الأئمة، وما يتبادل الناس إلى أخذه منهم، ولم أذكر ما ليس بمشهور إلا أحرف يسيرة أوردتها في نظمي هذا مع اشتهر زيادة لمن لم يعرفها، وتذكرة لمن عرفها ونسيها، فقوله:"كيف" معناها هنا الإنكار و"ما" نافية، و"ذكري" وهو مصدر بمعنى المفعول و"سوى" خبره، وقوله:"يسيرة" صفة لمحذوف تقديره "أحرفا" و"سوى" صفة أخرى لـ"أحرفا" المقدر، و"زيادة" مفعول لأجله و"تذكرة" عطف عليه، ثم قال:
فالحمد لله على إكماله
…
وما به قد من من إفضاله
حمدا كثيرا طيبا مجددا
…
متصلا دون انقطاع أبدا
لما أكمل ما أراده ورغب فيه من النظم ختمه بالحمد، ولا شك في كون الحمد مطلوبا عند ختم كل أمر مرغوب، وقد أخبر الله تعالى بأن أهل الجنة يختمون دعاءهم به فقال:{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1، ولم يكتف بحمد الله على إكمال النظم، بل أضاف إلى ذلك الحمد على سائر ما تفضل الله عليه به؛ لأن نعم الله على العبد لا يحصرها عد قال الله تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 2، ووصف هذا الحمد بأوصاف كثيرة فقال:"حمدًا كثيرًا" أي ليس بقليل "طيبا" أي لم يشبه شيء من أغراض الدنيا يوجب قبحه "مجددا" أي لا يزال جديدا، وفسر ذلك بقوله:"متصلا دون انقطاع"، وجعل ظرفه الأبد وهو الزمان المتصل المستمر إلى قيام الساعة ثم قال:
وانفع به اللهم من قد أما
…
إليه درسا أو حواه فهما
واجعله ربي خالصا لذاتك
…
وقائدا بنا إلى جناتك
عساه دائما به ينتفع
…
في يوم لا مال ولا ابن ينفع
دعا هنا بالمنفعة لمن أم أي درس نظمه، واعتنى بفهمه حتى حصله وإن لم يحفظ لفظه، ثم سأل الله تعالى أن يجعل هذا النظم خالصا لوجهه غير مشوب بغرض دنيوي، وسأل مع ذلك منه تعالى أن يجعل هذا النظم قائدا يقود به إلى الجنة، وجمعها؛ لأنها
1 سورة يونس: 10/ 10.
2 سورة إبراهيم: 14/ 34.
ثمانية كما هو معلوم، وقوله "عساه" إلخ، هو رجاء مرتب على قوله "وانفع به اللهم" إلخ، والانتفاع الذي رجاه بهذا التأليف يوم القيامة، وقوله "دائما" معناه ما دام يوم القيامة، وهو الذي عبر عنه بقوله:"في يوم لا مال ولا ابن ينفع"، واقتبس ذلك من قوله تعالى:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} 1، وفي كثير من النسخ "اليوم لا مال" إلخ، وعليه تكون اللام بمعنى "في" كما في قوله تعالى:{يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} 2 ومراده أنه يجد ثواب تأليفه في جميع مواطن القيامة كالصراط والميزان، والحوض وغير ذلك، ثم قال:
ويا إلاهي عظمت ذنوبي
…
وليس لي غيرك من طبيب
فامنن علي سيدي بتوبة
…
عسى الذي جنيته من حوبة
يذهب عني وإليك رغبتي
…
في الصفح عن مقترفي وزلتي
وحجة لبيتك الحرام
…
وقفة بذلك المقام
ضمن في البيت الأول إقراره بالذنوب، واستعظامها والاعتراف بأنه لا غافر لها إلا الله تعالى، وفعل ذلك لما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا أذنب، ثم استغفر الله منه يقول الله: يا ملائكتي أذنب عبدي ذنبا وعلم أنه له ربا يغفر الذنب أشهدكم أني قد غفرت له" 3، ثم طلب من الله تعالى أن يمن عليه بالتوبة ليصير بذلك من أهل محبته {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} 4، ورجا بذلك غفران ما جناه من الحوبة أي الذنب، وأطنب في ذلك بقوله:"وإليك رغبتي" إلخ؛ لأن الدعاء من المواضع التي يطلب فيها الإطناب لما فيه من إظهار العبودية والمقترف المكتسب، والزلة -الزلل، وعبر بهما عن الذنوب وسأل مع ذلك أن يرزقه الله الحج، وإنما طلب ذلك لأداء الواجب ورجاء غفران ذنوبه لما في الحديث:"إن الحاج يخرج من ذنبه كيوم ولدته أمه"، وخص المقام بالذكر دون سائر مشاعر الحج لقوله تعالى:{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} 5، وقوله:"غيرك" يتعين فيه النصب لكونه مستثنى تقدم على المستثنى منه وهو "طبيب"، و"من" الداخلة على "طبيب" زائدة، والمراد بالسيد في قوله:"فامنن علي سيدي" الله تعالى، وأطلقوا عليه بناء على مذهب من أجاز
1 سورة الشعراء: 26/ 88.
2 سورة الأعراف: 7/ 187.
3 متفق عليه من رواية أبي هريرة أخرجه البخاري في صحيحه 13/ 466 ومسلم في صحيحه 4/ 2112.
4 سورة البقرة: 2/ 222.
5 سورة آل عمران: 3/ 97.
ذلك وإلا فمالك يكرهه، وقوله "وحجة" بالجر عطفا على "توبة"، أو على "الصفح"، ثم قال:
واغفر ما قد فعلى
…
من سيئ رحماك يا رب العلا
وارحم بفضل منك من علمنا
…
كتابك العزيز أو أقرءنا
لما فرغ من الدعاء لنفسه شرع هنا في الدعاء لغيره؛ لأن جملة أداب الدعاء أن يبدأ الداعي بنفسه، ثم يذكر غيره كما في دعاء سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم، وقدم والديه، وعلى غيرها فدعا لهما بالغفران والرحمة، وإنما قدمهما لعظيم حقهما إذ أوصى الله بهما في غير ما آية وقام حقهما بحقه، ثم دعا بالرحمة لمن علمه الكتاب العزيز الذي هو القرءان، ولمن أقرءه إياه يعني جوده عليه، وأخذ عنه أحكام قراءته، وإنما دعا لهما بكونهما أنقذاه من ظلمات الجهل بذلك، كأنهما أخرجاه من العدم إلى الوجود، فأشبها بذلك والديه فاستوجبا منه الدعاء لذلك، وقوله:"من سيئ" بيان لـ"ما" و"رحماك" مصدر بدل من اللفظ بفعله، و"العلى" نعت لمحذوف تقديره السموات أي وارحمهما يا رب السموات العلى، والباء في قوله "بفضل" سببية، ثم قال:
بجاه سيد الورى المؤمل
…
محمد ذي الشرف المؤثل
صلى الإله ربنا عليه
…
ما حن شوقا دنف إليه
هذا الكلام مرتبط بجمع ما دعا به من قوله: "وانفع به اللهم" إلى آخر دعائه، والجاه المنزلة الرفيعة، وسيد الورى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والورى الخلق، المؤمل الذي تقف عليه الآمال، فلا يتعلق الرجاء بأحد سواه، وذلك حين يبعثه الله المقام المحمود حين يقول كل نبي مرسل وملك مقرب: نفسي نفسي، فيأتي الخلق كلهم من لدن آدم إلى قيام الساعة إليه صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد أما ترى ما نحن فيه اشفع لنا إلى ربك: فيقول: أنا لها، فيشفع الشفاعة الكبرى في الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالشرف المؤثل، ومعناه المؤصل لكونه صلى الله عليه وسلم لم يزل خيارا من خيار، كما ورد في الحديث ثم ختم دعاءه بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لما في الحديث: "إن الدعاء لا يزال موقوفا بين السماء، والأرض حتى يعقب بالصلاة على النبي
-صلى الله عليه وسلم: "فإذا عقب بها ارتفع" 1، وكان من حقه أن يقرن الصلاة عليه بالتسليم عليه حسبما جاء في كتاب الله تعالى، ويضيف إليه آله بذلك تخرج عن الصلاة البتراء، وقوله:"ما حن شوقا دنف إليه" معناه ما بقيت الدنيا؛ لأن حنين الدنف اشتياقا إليه صلى الله عليه وسلم لا يزال ما بقيت
الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" 2، ولا يتناول كلام الناظم الآخرة لاستحالة الدنف فيها، وهو المرض بسبب كثرة الشوق، و"الدنف" في كلام الناظم بكسر النون وصف لمن قام به الدنف بفتحها، والحنين إلى الشيء هو الميل إليه حسا ومعنى، فكأنه يقول: اللهم صل على سيدنا محمد مدة دوام حنين المريض محبة، وشوقا إليه صلى الله عليه وسلم.
قال مؤلفه غفر الله له ولوالديه، ولأشياخه ولذريته ولأحبته، ولمن له حق عليه، ولجميع المسلمين الأحياء والميتين: هذا آخر ما تفضل به المولى الكريم، من شرح هذا النظم المتضمن لكيفية رسم، وضبط القرءان العظيم، سائلا ممن اطلع عليه من ذوي الألباب، أن ينظر بعين الرضى والصواب، وأن يدعو لنا دعوة صالحة، تكون بها إن شاء الله تجارتنا في الدارين رابحة، وكان الفراغ من تحريره، وتبييضه في أوائل صفر الخير من عام 1325 خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا، ومولانا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ا. هـ.
ويلي هذا القسم: كتاب "تنبيه" الخلان" للشيخ الإمام عبد الواحد بن عاشر الأندلسي، الفاسي.
1 أخرج الحديث الإمام الترمذي في سننه كتاب الوتر باب 21.
2 أخرج الحديث الإمام البخاري في صحيحه من كتاب "باب الاعتصام""10"، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه من كتاب الإيمان رقم الحديث 247، وأخرجه الإمام أبو داود في سننه في كتاب الفتن باب "1"، وأخرجه الإمام الترمذي في سننه من كتاب الفتن باب "51"، وأخرجه الإمام ابن ماجه في سننه من كتاب المقدمة باب "1"، وأخرجه الإمام الدارمي في كتاب الجهاد باب 38، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 4/ 93-99-104.