الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من ثلاثة آلاف حرف من قطع، وهمز، وتخفيف، وإدغام، وشبهه، ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش، وإنما ذلك؛ لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلدة، فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته فتركه على ذلك، وكذلك ما قرأ عليه قالون وغيره، وكذلك الجواب عن اختلاف الرواة عن جميع القراء، وقد روي عن غير نافع أنه كان لا يرد على أحد ممن يقرأ عليه إذا وافق ما قرأ به على بعض أئمته، فإن قيل له: اقرئنا بما اخترته من روايتك اقرأ بذلك. انتهى. ببعض حذف.
الثناء على الرواة:
ثم قال:
وربما ذكرت بعض أحرف
…
مما تضمن كتاب المنصف1
لأن ما نقله مروي
…
عن ابن لب2 وهو القيسي
وشيخه مؤتمن جليل
…
وهو الذي ضمن إذ يقول
حدثني عن شيخه المغامي3
…
ذي العلم بالتنزيل والأحكام
أخبر أنه ذكر بقلة في هذا الرجز بعض أحرف، أي: كلمات من الرسوم الذي تضمنه، واحتوى عليه الكتاب المسمى بالمنصف، وجملة ما ذكره منه نحو: اثني عشر موضعًا والقصد من ذكرها بيان انفرد مؤلفه بها، وإنما اقتصر الناظم عليها، وسكت عن غيرها مما انفرد صاحب المنصف؛ لأن تلك المواضع اشتهرت في زمن الناظم دون بقية ما انفرد به.
والمنصف نظم الشيخ أبي الحسن علي بن محمد المرادي الأندلسي البلنسي، ثم علل الناظم اعتماده عليه فيما ذكره منه بأن ما نقله فيه مؤلفه مروي عن شيخه الأستاذ ابن لب القيسي، وشيخ القيسي ثقة مؤتمن في نقله، جليل، أي: عظيم، وهو الإمام: أبو عبد الله محمد بن أحمد المغامي من طبقة أبي داود، يروى عن الحافظ أبي عمرو الداني، وعن أبي محمد مكي قال الناظم وهو، أي: شيخ ابن لب هذا هو الذي ضمنه البلنسي في نظمه المسمى بالمنصف إذ يقول فيه حدثني، أي: ابن لب عن شيخه المغامي ونصه:
1 المنصف كتاب الشيخ أبي الحسن علي بن محمد اليمرادي الأندلسي البلنسي.
2 ابن لب الغرناطي: أبو سعيد بن فرج بن قاسم بن لب الغرناطي: ت. 783هـ/ 1381م. بغية الوعاة: 372 وبروكلمان: 1/ 171.
3 المغامي: هو الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد المغامي، كان يعاصر أبا داود.
إذ كنت قد أخذته روايه
…
عن ابن لب من ذوي الدرايه
وكان شيخا خص بالإتقان
…
في عصره من أهل هذا الشان
حدثني عن شيخه المغامي
…
ذي العلم بالتنزيل والأحكام
وكل ما أذكره فعنه
…
أخذته مما استفدت منه
وقوله: ذي العلم صفة للمغامي، والمراد بالتنزيل هنا القرآن، أي: صاحب العلم بعلوم القرآن، وبأحكامه من حلال وحرام، وناسخ ومنسوخ وغير ذلك.
ثم قال:
جعلته مفصلًا مبوبا
…
فجاء مع تحصيله مقربا
وحذفه جئت به مرتبا
…
لأن يكون البحث فيه أقربا
شرع من هنا إلى قوله لأجل ما خص من البيان في ذكر اصطلاحه في هذا الرجز، فأخبر أنه جعله مفصلا مبوبا، أي: ذا فصول وذا أبواب، وسيأتي تفسير الباب، والفصل عند أول ترجمة من النظم، ومراده بكونه مبوبا أنه ذو تراجم، فمنها ما صرح فيه بلفظ باب، كباب اتفاقهم، والاضطراب، ومنها ما خلا عنه كالقول فيما سلبوه الياء، وهاك واوا سقطت في الرسم، ولما كان لفظ التبويب، ظاهرا في التراجم دون الفصول، وإن كان يصدق بالفصول نبه على أنه مفصل أيضا، ثم فرع على جعله مفصلا مبوبا.
قول: فجاء مع تحصيله مقربا، أي: جاء هذا الرجز مع حفظه مقربا لفهم حافظيه، ثم أخبر أن حذف هذا الرجز، أي: حذف الألفات المذكورة فيه جاء به مرتبا من أول القرآن إلى آخره، في ست تراجم لكثرة مسائله، فيتطلب مسائل كل ترجمة فيها ثم علل مجيئه بالحذف مرتبا بقوله، لأن يكون البحث فيه أقربا، أي: لأجل أن يكون بالبحث والتفتيش على الحذف في هذا الرجز قريبا لطالبيه.
ثم قال:
وفي الذي كرر منه اكتفي
…
بذكر ما جاء أولا من أحرف
منوعا يكون أو متحدا
…
وغير ذا جئت به مقيدا
هذا من جملة مصطلحه في هذا الرجز، وهو أن الذي في القرآن من كلمات الحذف المطرد يكتفي فيه بذكر ما جاء أولا من أحرف، أي: يقتصر فيه على ذكر حذف ما وقع أولا من الكلمات، ولا يتعرض لحذف ما زاد على ذلك الأول من نظائره الواقعة بعده اكتفاء به عنها، لكون حكم الجميع واحدا، ومن هذا يعلم أن اللفظ الذي يذكر فيه الناظم الحذف في ترجمة من التراجم يعم نظائره الواقعة في تلك الترجمة، وفيما بعدها ولا يعم ما قبل الترجمة التى هو فيها؛ لأن الناظم إنما الناظم إنما يكتفي بالأول عما بعده، ولا يكتفي عن الأول بما بعده، نعم إن وجد في كلامه ما يدل على تعميم الحكم في السابق واللاحق كان الحكم شاملا للجميع، وذلك كتعليق الحكم على ضابط لا على عين لفظ. نحو قوله: وقبل تعريف وبعد لام، وقوله: ووزن فعال، فاعل ثبت.
ثم إنه لا فرق في ذلك المكرر الذي يكتفي فيه بذكر الأول بين أن يكون منوعا، أو متحدا والمراد بالنوع اللفظ المكرر الذي في أوله أو آخره زيادة على نظيره: كالأزواج و"أزواجهم" أو"أزواج" و"الأبصار"، و"أبصارهم"، و"أبصار"، و"بسلطان"، و"سلطان"، والمراد بالمتحد اللفظ المكرر الذي على صورة واحدة في جميع القرآن من غير زيادة، ولا نقص "كباخع" و"صلصال" و"غضبان".
واسم الإشارة في قوله وغير ذا جئت به مقيدا يعود على المكرر، المطرد حذفه بقسيمه، الممنوع، والمتحد، يعني أن المكرر من الكلمات غير المطرد حذفها بأن حذفت في بعض المواضع دون بعض يقيده بقيد يميزه به عن غيره، والتقيد بأشياء، منها المجاور، كقوله: إلا الذي مع خلال قد ألف، ومنها التقيد بالحرف، كقوله: لابن نجاح: خاشعا، والغفار، فقيد الغفار بالحرف وهـ "وأل" احترازا عن:"غفارا" بسورة نوح، ومنها التقيد بسورة، كقوله: والحذف في الأنفال في الميعاد، ومنها التقييد بغير ذلك مما سنقف عليه إن شاء الله في كلام الناظم، وحذف همزة جاء من قوله: ما جاء أولا على إحدى اللغات في اجتماع الهمزتين.
ثم قال:
وكل ما قد ذكروه أذكر
…
من اتفاق أو خلاف أثروا
والحكم مطلقا به إليهم
…
أشير في أحكام ما قد رسموا
يعني أن من اصطلاحه أن يذكر جميع ما ذكره الشيوخ الثلاثة المتقدمون وهم: أبو عمرو الداني، والشاطبي، وأبو داود، من أحكام الرسم التي اتفقت عليها المصاحف، أو اختلفت فيها مما رووه عنها، واعتمدوه موافقا لقراءة نافغ، فخرج ما ذكروه من الأحكام، واستضعفوه فلا يذكره، وأما التعاليل التي ذكروها فالغالب عدم ذكره لها، وقوله: من اتفاق أو خلاف يؤذن بأنه لم يلتزم ببيان ما ذكره الشيوخ من التشهير والترجيح، وحينئذ لا يلتفت إلى اعتراض شارحيه عليه بفوات بيان ذلك.
ثم أخبر أن من اصطلاحه، أيضا أن يشير بالحكم في حال كونه مطلقا إلى اتفاق الشيوخ المذكورين في أحكام ما قد رسموا أي: في أحكام الألفاظ التي ذكروا رسمها.
ومراده بالحكم المطلق ما لم يسند لواحد فأكثر من شيوخ النقل المذكورين، فيدخل فيه، قوله: وحذف "إِدَّارَأْتُم""رهان"، وقوله و"احذف تفادوهم "يتامى"، و"دفاع"، وشبه ذلك، ويدخل فيه أيضا قوله: "كذاك لا خلاف بين الأمة" وقوله: "وللجميع الحذف في الرحمن"، وقوله: "وجاء أيضا عنهم في " العالمين"، وشبه ذلك مما فيه الحكم لكتبة المصاحف لا لشيوخ النقل؛ لأن هذه الأمثلة ونحوها خالية من إسناد الحكم لواحد فأكثر من شيوخ النقل المذكورين.
تنبيهان:
التنبيه الأول: ما اصطلح عليه في هذين البيتين لا يختص بحذف الألفات، بل يجرى في جميع أبواب نظم الرسم.
وأما قوله: قبل وفي الذي كرر منه اكتفى، البيتين فهو مختص بالحذف كما قررناه؛ لأن المتبادر عود ضمير على الحذف في قوله:"وحذف جئت به مرتبا"، ومن الشراح من جعله جاريا في جميع أبواب النظم أيضًا.
التنبيه الثاني: إنما لم ندخل الشيخ البلنسي في ضمير ذكروه؛ لأن إدخاله فيه يقتضي أن جميع ما ذكروه في المنصف يذكره الناظم، وهو ينافي قوله: قبل وربما
ذكرت بعض أحرف البيت، وحيئنذ لا يكون صاحب المنصف معتبرا في إطلاق الحكم الذي يشير به الناظم إلى اتفاق شيوخ النقل، ومما يؤيد ذلك أن الناظم ساق الخلاف مطلقا في قوله الآتي:"لكن قل سبحان فيه اختلفا"، مع أن صاحب المنصف ليس له فيه كلام.
وقول الناظم: أثروا بقصر الهمزة بمعنى رووا، وجملة أثروا صفة اتفاق وما عطف عليه، وعائد الموصوف محذوف تقديره أثروه.
ثم قال:
وكل ما جاء بلفظ عنهما
…
فابن نجاح مع دان رسما
وأذكر التي بهن انفردا
…
لدى العقيلة على ما وردا
ذكر في البيت الأول أن من مصطلحه أن كل حكم جاء في هذا الرجز مصاحبا للفظ عنهما الذي هو ضمير اثنين مجرور بعن، ولم يتقدم له معاد فرسمه أبو داود مع أبي عمرو الداني، أي: ذكراه معا نحو قوله: "والحذف عنهما "بأكّلُونَ"، وقوله: عنهما روضات"، وقوله:"وبعد واو عنهما قد أثبتت"، فإن تقدم معاد، عاد ضمير الاثنين له نحو، وقوله:"والأولان عنهما قد سكتا"، ولا يخفى أن ما نسبه لأبي عمرو وحده أوله مع أبي داود يستلزم نسبته للشاطبي أيضًا، لقوله: قبل "والشاطبي جاء في العقيلة"، وأما لفظ عنه الواقع في هذا الرجز، فضميره لأبي داود غالبا، وإنما لم يذكره الناظم في اصطلاحه؛ لأنه داود إلا وقد تقدم معاده بخلاف لفظ عنهما، فإنه يضمره للشيخين من غير تقدم معاد كما عرفت.
ثم أخبر في البيت الثاني أنه يذكر في هذا الرجز الكلمات التي انفرد بها الشاطبي في العقيلة مسندة إليه على الوجه الذي ورد فيها، وهي التي أشار إليها بقوله: قبل، "وزاد أحرفا قليلة"، وقد تقدم أن عدتها ستة، وفي هذا البيت من الفائدة أنه إذا نقل حكما مسندا للعقيلة علم انفراد الشاطبي به إلا أن يصرح الناظم بزائد عليه نحو، ومن عقيلة وتنزيل، وعن، والألف في قوله: رسما للإطلاق للتثنية كما قيل ولدى في قوله: لدى العقيلة بمعني في.
ثم قال:
وكل ما لواحد نسبت
…
فغيره سكت إن سكت
وإن أتى بعكسه ذكرته
…
على الذي من نصه وجدته
ذكر في هذين البيتين أن مصطلحه أيضًا أن كل حكم في أي باب من الأبواب نسبه لواحد من الشيخين المتقدمين، وسكت عن غيره، وهو الشيخ الآخر، بحيث لم يذكر له فيه شيئا، فإن ذلك الغير سكت عن حكم ذلك اللفظ الذي تعرض الآخر لحكمه، وإن أتى ذلك الغير بعكس ذلك الحكم يعني بما يخالف ذلك الحكم بوجه ما، فإنه يذكره على الوجه الذي من نصه إلى من لفظه، سواء كان مقابلا للحكم الأول أم لا، مثال القسم الأول قوله: والحذف في المقنع في ضَعَفا، و"عن أبي داود جا أضعافا"، ومثال القسم الثاني: مقابلا حذف "نحسات" لأبي عمرو لدخوله في ضابط الجمع، وثبته لأبي داود ومثاله غير مقابل قوله:
ومقنع قرآنا أولى يوسف
…
وزخرف وسليمان احذف
وما شرحنا به قوله: "وكل ما لواحد نسبت" من أن المراد لواحد من الشيخين المتقدمين، هو الذي يدل عليه استقراء النظم خلافا لمن حمله على أن المراد لواحد من الأئمة المتقدمين، أما الثلاثة أو الأربعة بزيادة البلنسي.
ثم قال:
لأجل ما خص من البيان
…
سميته بمورد الظمآن
ملتمسا في كل ما أروم
…
عون الإله فهو الكريم
أخبر أنه سمى رجزه هذا بمورد الظمآن، لجل ما خص به من البيان، والإيضاح والمورد بكسر الراء اسم مكان من مورد الماء وغيره وصل إليه، ويطلق ويراد به نفس الماء الذي شأنه أن يورد، وهذا المعنى هو الذي اعتبره الناظم في التسمية، والظمآن: العطشان، ووجه مطابقة الاسم للمسمى، أن الطالب في تلهفه، واشتياقه للمسائل شبيه
بالعطشان، وهذا الرجز لما اشتمل عليه من الفوائد مع سهولته بالماء العذب البارد، لإطفائه لهب المشتاق لمسائله إطفاء الماء ظمأ الوارد.
وقوله: ملتمسا حال من التاء في تسميته، أي: سميته في حال كوني ملتمسا، أي: طالبا في كل ما أروم، أي: في كل أمر أقصده، وأريد فعله عون الإله، أي: إعانة الله تعالى، ومن جملة ما رامه، وقصده هذا الرجز.
ثم علل طلبه الإعانة من الله بقوله: فهو الكريم، أي: إلا أنه لا كريم على الحقيقة إلا هو عز وجل.