الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في اتباعه عليه السلام
(قال جماهير الفقهاء والمعتزلة: يجب اتباعه في فعله، إِذا علم وجهه [وجب اتباعه] (1) في ذلك الوجه، لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (2)، والأمر ظاهر في الوجوب.
وقال أبو علي بن خلاد (3) به في العبادات فقط).
ش: قوله: (في اتباعه)، أي: في وجوب اتباعه عليه السلام.
قال المؤلف في شرح المحصول: هذه المسألة في غاية الالتباس بالتي قبلها.
لأن المسألة الأولى في دلالة فعله على الوجوب والندب والإباحة، وذلك يرجع إلى وجوب اتباعه في ذلك، وهي المسألة الثانية (4).
قال: الفرق بينهما: أن المسألة الأولى إنما هي: هل نصب فعله عليه السلام دليلًا أم لا؟
(1) ساقط من أ.
(2)
سورة الحشر آية رقم 7.
(3)
أبو علي محمَّد بن خلاد البصري، من الطبقة العاشرة من المعتزلة، درس على أبي هاشم في العسكر ثم ببغداد، من كتبه: الأصول، والشرع، توفي سنة 321 هـ.
انظر: الفهرست لابن النديم ص 247.
(4)
انظر: شرح المسطاسي ص 45.
والمسألة الثانية: إذا قلنا بنصبه دليلًا، فهل كلفنا باتباعه أم لا؟
فإن هنالك أشياء أمرنا بالاتباع فيها مع أنها لم تنصب دليلًا، كأئمة الصلاة، والأمراء، فإنه يجب علينا اتباعهم وطاعتهم مع أن أفعالهم لم تنصب دليلًا شرعيًا، فهذا هو الفرق بين المسألتين (1).
فالمسألة الأولى إذًا: إنما هي في فعله المجهول حكمه.
والمسألة الثانية: هي في فعله المعلوم حكمه (2)(3).
قوله: (قال جماهير الفقهاء والمعتزلة)، أي: وجماهير المعتزلة بخفض المعتزلة عطفًا على الفقهاء.
بدليل قوله: "وقال علي بن خلاد"(4)؛ لأنه من المعتزلة (5).
قوله: (يجب اتباعه في فعله إِذا علم وجهه)، أي: إذا علم حكمه الذي فعله عليه، أي: إن فعله على وجه الوجوب وجب علينا أن نفعله على وجه الوجوب، وإن فعله على وجه الندب وجب علينا أن نفعله على وجه
(1) انظر: شرح المسطاسي ص 45.
(2)
إلى هنا انتهى النقل من شرح المحصول للقرافي، فانظر اللوحة رقم 248، من المخطوط المصور فلميًا بجامعة الإمام برقم 8224 ف.
(3)
انظر للمسألة: المعتمد 1/ 383، والبرهان فقرة 398، والمحصول 1/ 3/ 373، والتبصرة ص 240، والإحكام للآمدي 1/ 186، والمسودة ص 186. والوصول لابن برهان 1/ 369، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 313، وتيسير التحرير 3/ 121، وشرح العضد 2/ 23، وجمع الجوامع وحواشيه 2/ 102، وشرح القرافي ص 290، وشرح المسطاسي ص 45، وشرح حلولو ص 245.
(4)
الصواب: أبو علي كما ذكره أولًا، وكما تقدم في ترجمته أن اسمه محمَّد.
(5)
انظر: شرح المسطاسي ص 45.
الندب إذا أردنا فعله، وإن فعله على وجه الإباحة وجب علينا أن نفعله على وجه الإباحة إذا أردنا فعله؛ إذ لو خالفناه في النية لم يحصل الاتباع (1)(2).
قال القاضي عبد الوهاب في الملخص: ليس المراد بهذا أن المندوب والمباح واجب علينا إذا فعله النبي عليه السلام، وإنما الواجب اتباع صفة ذلك الفعل؛ إذ لا يجب علينا إلا الواجب على/ 235/ النبي عليه السلام، وأما المندوب والمباح فلا يجب علينا كما لا يجب على النبي عليه السلام.
حجة الجمهور: قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (3)، قال بعضهم: هذه الآية لا دليل فيها على اتباعه في فعله عليه السلام؛ لأن الإيتاء لا يصدق على فعله؛ لأنه ظاهر في الإعطاء (4)، وهو مجاز في القول (5).
ودليل الجمهور أيضًا: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (6)(7)،
(1) انظر: شرح القرافي ص 291، وشرح المسطاسي ص 45.
(2)
قال المسطاسي: لم يحك المؤلف في هذا إلا قولين، وقد تقدمت فيه أربعة أقوال، وقال ابن برهان في الأوسط: يجب التأسي عندنا، وقال المتكلمون: بالوقف، والقولان للحنفية، قال: فإذا قلنا بالوجوب فهل بالسمع أو بالعقل؟، قولان. اهـ. وسيأتي للمسألة بيان. انظر: شرح المسطاسي ص 45، 46، وشرح حلولو ص 245.
(3)
سورة الحشر آية رقم 7.
(4)
في الأصل: "الأعضاء" وهو تصحيف ظاهر.
(5)
قال هذا الجويني في البرهان فقرة 398.
(6)
سورة الأعراف آية رقم 158.
(7)
انظر: المحصول 1/ 3/ 374، والمعتمد 1/ 384، والتبصرة 241، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 315.
وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)(2)، وقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (3)(4).
وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5)، والأمر قدر مشترك بين القول والفعل، فوجب القول به نفيًا للمجاز والاشتراك؛ لأنهما على خلاف الأصل.
قوله: (وقال علي بن خلاد به (6) في العبادات فقط)، أي: قال ابن خلاد المعتزلي: إنما يجب اتباعه عليه السلام في فعله المعلوم حكمه في العبادات فقط، ولا يجب في العادات كالأنكحة والمعاملات وغيرها فإنه يندب ولا يجب (7)(8).
(1) سورة آل عمران آية رقم 31.
(2)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 186، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 315.
(3)
سورة الأحزاب آية رقم 21.
(4)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 186، والمعتمد 1/ 383، والمحصول 1/ 3/ 374، والتبصرة ص 241.
(5)
سورة النور آية رقم 63.
(6)
هو أَبو علي وليس عليًا كما سبق التنبيه.
(7)
انظر: المعتمد 1/ 383، والمحصول 1/ 3/ 373، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 314، والإحكام للآمدي 1/ 186، وقد نسبه ابن برهان في الوصول لابن خيران وترجم له المحقق؛ إذ هو إمام من أئمة الشافعية ولم أجد هذا الرأي منسوبًا إليه في غير الوصول.
(8)
وفي المسألة أقوال أخرى ذكرها بعضهم وملخصها:
1 -
المنع مطلقًا من الاتباع في الفعل، ومال إليه الجويني.
2 -
التوقف، نسبه ابن برهان للمتكلمين.
3 -
وجوب التأسي عقلاً لا سمعًا، وبه تقول المعتزلة. =
حجته: قوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وقوله:"خذوا عني مناسككم"، وظاهر الأمر للوجوب، فمفهوم هذا المنطوق أن غير المذكور لا يجب، وهو المطلوب (1).
قوله: (يجب اتباعه في فعله)، يريد: وكذلك يجب اتباعه في تركه، لأن في المتروكات ما يجب تركه كالمحرمات، ومنها ما يندب إلى تركه كأكل الضب (2)، ومنها ما يباح كلبس الثوب المباح (3).
= 4 - وجوب التأسي سمعًا لا بمجرد العقل، وبه يقول أهل السنة.
انظر: المحصول 1/ 3/ 373، والإحكام للآمدي 1/ 186، والبرهان فقرة ص 398، وشرح المسطاسي ص 46، وشرح حلولو ص 245، والتبصرة ص 240.
(1)
انظر: المحصول 1/ 3/ 378، والإحكام للآمدي 1/ 187، وشرح القرافي ص 291، والمسطاسي ص 46.
(2)
المندوب إلى تركه معناه المكروه، ولم يقل بكراهة أكل الضب أحد إلا ما روي عن أبي حنيفة، ونسب صاحب المغني القول بالتحريم له وللثوري، والقول بإباحته هو مذهب الجماهير كمالك والشافعي وأحمد والليث وابن المنذر، وهو قول جماعة من الصحابة، منهم: عمر وابن عباس وأبو سعيد، وهو الذي يعضده صحيح الدليل، وصريحه، حيث روي أنه أكل على مائدة حضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظر كتاب الأطعمة من صحيح البخاري الحديث رقم 5391، 5400، وكتاب الصيد من مسلم الحديث رقم 1943، 1944، 1945.
قال الشافعي رضي الله عنه: ولا بأس بأكل الضب صغيرًا أو كبيرًا، ثم قال عن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم له: فإنما ترك مباحًا عافه ولم يشتهه، ولو كان خبزًا أو لحمًا أو تمرًا أو غير ذلك كان ذلك شيئًا من الطباع. اهـ.
انظر: الأم 2/ 250، وقال الباجي في شرح الموطأ: وأما أكل الضب فمباح عند مالك، وقال أَبو حنيفة هو مكروه. اهـ. انظر: المنتقى 3/ 132.
ونقل الكراهة عن أبي حنيفة صاحب الهداية 4/ 68، وانظر: المغني لابن قدامة 8/ 603.
(3)
انظر: المعتمد 1/ 272، والمسطاسي ص 46، وصفحة 156 من مخطوط مكناس رقم 352.
قوله: (يجب اتباعه في فعله) انظر: هل يجب اتباعه في زمان فعله وفي مكان فعله أم لا؟
قال أَبو زكريا المسطاسي: هذه المسألة اختلف فيها الأصوليون على أربعة أقوال:
قيل بالتعبد فيهما، وقيل: بعدم التعبد فيهما، وقيل: بالتعبد إن تكرر الفعل فيهما وإلا فلا، وقيل بالتعبد في المكان دون الزمان (1).
والمشهور من هذه الأقوال: أن الزمان والمكان لا يعتبران؛ وذلك أن الزمان لا يمكن الاتباع فيه؛ لأن الزمان الذي فعل فيه النبي عليه السلام ذلك الفعل قد ذهب ولا يمكن الاتباع فيه منا (2)(3).
ويدل على عدم اعتبار المكان: أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قطع الشجرة التي بويع النبي عليه السلام تحتها مخافة أن تعبد (4)، وكان عمر رضي الله عنه ينهى الناس عن تعمد الصلاة في المواضع التي صلى فيها النبي عليه السلام (5)، وقال:"إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا"(6)، وهذا حجة
(1) انظر: المسطاسي ص 156 من مخطوط مكناس رقم 352، وراجع هذه المسألة في: المعتمد 1/ 372، والمستصفى 2/ 224، وإحكام الفصول للباجي 2/ 272.
(2)
انظر: المعتمد 1/ 373، والفصول للباجي 2/ 272، والمستصفى 2/ 225، والمسطاسي ص 155 من مخطوط مكناس رقم 352.
(3)
المقصود بالزمان: المثلية لا عين الزمن الماضي كما أيد هذا أبو الحسين في المعتمد 1/ 374.
(4)
روى ابن أبي شيبة عن نافع أنه بلغ عمر أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقطعت. اهـ. انظر: المصنف لابن أبي شيبة 2/ 375، باب ما جاء في الصلاة إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وانظر: الدر المنثور للسيوطي 6/ 73.
(5)
جاء في الهامش من مخطوط الأصل: انظر نهي عمر عن تعمد الصلاة في موضع صلى فيه النبي عليه السلام.
(6)
روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة: أن عمر رضي الله عنه في حجه رأى قومًا ينزلون =
المشهور.
وحجة القول بالتعبد في المكان دون الزمان: أن ابن عمر يقصد المواضع التي صلى بها النبي عليه السلام فيصلي فيها (1).
حجة القول بالتعبد فيهما: أن الزمان والمكان يعتبران في الحج فيجب اعتبارهما في غير الحج (2).
ورد هذا بأن الحج خرج بدليله بأمر النبي عليه السلام، وليس بمحل النزاع (3).
وحجة القول باعتبار الزمان والمكان إن تكرر الفعل فيهما وإلا فلا: أن التكرار فيهما قرينة تدل على اعتبار القربة فيهما، والله أعلم (4).
قوله: (وإذا وجب التأسي به، وجب معرفة وجه (5) فعله من الوجوب والندب والإِباحة).
= فيصلون في مسجد، فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعًا، من مر بشيء من المساجد فحضرت الصلاة فليصل وإلا فليمض. اهـ.
هذا لفظ عبد الرزاق، فانظر: مصنفه 2/ 119، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة 2/ 376.
(1)
انظر: صحيح البخاري في كتاب الصلاة الحديث رقم 483.
(2)
انظر: الفصول للباجي 2/ 272، والمعتمد 1/ 372، والمسطاسي ص 156 من مخطوط مكناس رقم 352.
(3)
انظر: الفصول للباجي 2/ 272، والمسطاسي ص 156، من مخطوط مكناس رقم 352.
(4)
انظر: المستصفى 2/ 225، والمسطاسي ص 156 من مخطوط مكناس رقم 352.
(5)
"وجهه" في أ.
ش: التأسي معناه: الاتباع والاقتداء والاقتفاء والاقتفار (1)، وإنما لم يذكر من أقسام الحكم الشرعي إلا هذه الثلاثة؛ لأن أفعاله عليه السلام محصورة في هذه الثلاثة؛ لأنه عليه السلام معصوم من المحرم ومن المكروه (2).
قوله: (إما بالنص، أو بالتخيير بينه وبين غيره مما (3) علم فيه وجه (4)(5) فيسوى به، أو بما يدل على نفي القسمين (6) فيتعين الثالث، أو بالاستصحاب في [عدم](7) الوجوب (8)، وبالقربة (9) على نفي (10) الإِباحة [فيحصل (11) الندب](12)، وبالقضاء على الوجوب، وبالإِدامة مع الترك في بعض الأوقات على الندب، وبعلامة الوجوب عليه كالأذان، وبكونه (13) جزاء (14) لسبب
(1) قال في القاموس: قفر الأثر واقتفره اقتفاه وتبعه. اهـ.
انظر: القاموس مادة: قفر.
(2)
انظر المسألة في: المعتمد 1/ 385، والمحصول 1/ 3/ 381، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 329، والإبهاج 2/ 298.
(3)
"فيما" في ش.
(4)
"وجهه" في ش.
(5)
"ثبوته" زيادة في خ.
(6)
"قسمين" في نسخ المتن.
(7)
ساقط من أ.
(8)
"والندب" زيادة في أ.
(9)
"أو بالقربة" في خ وش.
(10)
"عدم" في ش.
(11)
"فيتعين" في خ.
(12)
ساقط من أ.
(13)
"أو بكونه" في أ، وفي ش:"وبكون".
(14)
"جزء" في خ.
الوجوب كالنذر).
ش: ذكر المؤلف ها هنا الأشياء التي يعرف بها حكم فعله عليه السلام.
ذكر المؤلف ثمانية أشياء، وهي في التحقيق خمسة أشياء كما سيظهر لك (1).
قوله: (إِما بالنص)، أي: إما أن يعرف حكم فعله عليه السلام بنصه، كما إذا نص على أن الفعل واجب أو مندوب أو مباح، كما نص بعد أن صلى صلاة الجمعة، فقال:"هذا حق واجب على كل مكلف"(2)، فيدل
(1) "خلاصة كلام من طَرَقَ هذه المسألة من الأصوليين أن طُرُقَ معرفة وجه أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين: عام، وخاص.
أما الأمور العامة فهي:
1 -
النص على أن هذا الفعل واجب أو مندوب أو مباح.
2 -
التسوية بينه وبين فعل آخر يعلم حكمه.
3 -
أن يقع امتثالاً لأمر يعلم حكمه.
4 -
أن يكون بيانًا لأمر يعلم حكمه.
5 -
أن تنفي القسمين فيتعين الثالث.
أما الأمور الخاصة فمما يعلم به الواجب:
1 -
أن يقترن بعلامة تدل على وجوبه كالأذان للصلاة.
2 -
أن يكون جزاء لسبب الوجوب.
3 -
القضاء عند المالكية؛ حيث خصوه بالواجب.
ويعرف المندوب بما يلي:
1 -
أن يكون فيه معنى القربة مع عدم الدليل على وجوبه.
2 -
أن يداوم على فعله ويتركه أحيانًا.
انظر: المعتمد 1/ 385، والمحصول 1/ 3/ 381، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 129، والإبهاج 2/ 298، وشرح حلولو ص 245.
(2)
أخرج أَبو داود في سننه عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجمعة حق واجب =
على أنها واجبة.
وكما نص على سجدة التلاوة بعد أن سجدها فقال: "إِن الله تعالى لم يكتبها علينا إِلا أن نشاء"(1) فيدل على أنها مندوبة.
قوله: (أو بالتخيير) أي: إذا خير النبي عليه السلام بين الفعل الصادر منه، وبين فعل علم حكمه، فحكم ذلك الفعل حكم ذلك المعلوم، فإن كان واجبًا فواجب، وإن كان مندوبًا فمندوب، وإن كان مباحًا فمباح (2).
مثال ذلك: حديث أنس بن مالك: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا المتم ومنا المقصر ومنا الصائم ومنا المفطر (3)، فلم يعب بعضنا بعضًا (4).
= على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض". انظره في السنن كتاب الصلاة برقم 1067.
قال أَبو داود: طارق رأى النبي ولم يسمع منه. انظر: السنن 1/ 384.
(1)
لم أجد الحديث مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووجدته موقوفًا على عمر؛ حيث قرأ سجدة في خطبة الجمعة فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الثانية ولم يسجد، فقال:"إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء".
هذا لفظ مالك في الموطأ، أما لفظ البخاري فهو:"إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء".
انظر: صحيح البخاري في سجود القرآن رقم 1077، والموطأ في كتاب القرآن 1/ 206.
(2)
انظر المسطاسي ص 46.
(3)
في مخطوط الأصل: "المطفر"، وهو تصحيف.
(4)
روى هذا عدد من الصحابة، ولم أجد من روى القصر والإتمام وإنما وجدت الصيام والفطر، فانظر: حديث أنس في البخاري كتاب الصوم رقم 1947، ومسلم في الصيام رقم 1118، وأبي داود في الصوم رقم 2405، وانظره عن أبي سعيد في: الترمذي رقم 1712، والنسائي 4/ 188، وعن جابر في النسائي 4/ 189.
فيستدل بالتخيير بين شيئين على أن حكمهما واحد؛ لأن التخيير يقتضي التسوية في الحكم (1).
قال المؤلف في القواعد السنية (2): جمهور الفقهاء يعتقدون أن التخيير يقتضي التسوية، وأنه لا يخير إلا بين واجب وواجب، أو بين مندوب ومندوب، أو بين مباح [ومباح](3)، وليس الأمر كذلك، بل التخيير على قسمين: تخيير يقتضي التسوية، وتخيير لا يقتضي التسوية، فالتخيير الذي يقتضي التسوية هو التخيير [بين](4) الأشياء المختلفة، كالتخيير بين خصال الكفارة؛ فإن حكم كل واحد من الخصال حكم الأخرى.
وأما التخيير الذي/ 236/ لا يقتضي التسوية فهو التخيير بين الأقل والأكثر، أو بين الجزء والكل.
مثال التخيير بين الأقل والأكثر: قوله (5) تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إلا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (6)، فإنه خيره تعالى بين الثلث والنصف والثلثين، مع أن الثلث هو الواجب والزائد عليه مندوب، فقد وقع التخيير ها هنا بين واجب ومندوب؛ لأن التخيير قد وقع بين الأقل والأكثر.
(1) انظر: شرح القرافي ص 291.
(2)
انظر: الفروق للقرافي 2/ 8 الفرق الثامن والأربعين بين قاعدة التخيير الذي يقتضي التسوية وبين قاعدة التخيير الذي لا يقتضي التسوية بين الأشياء المخير بينها.
(3)
ليست في الأصل، وقد أثبتها من الفروق للقرافي.
(4)
في الأصل: "بعض"، والمثبت من الفروق للقرافي.
(5)
"فقوله" في الأصل، والمثبت أولى.
(6)
سورة المزمل الآيات من 1 - 4.
ومثال التخيير بين الجزء والكل: قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) خير الله المسافرين بين ركعتين وأربع ركعات، مع أن الركعتين واجبتان جزمًا، والزائد ليس بواجب؛ لأنه يجوز تركه، وما يجوز تركه ليس بواجب، وأما الركعتان فلا يجوز تركهما إجماعًا، فقد وقع التخيير بين واجب وغير واجب؛ لأن التخيير وقع بين جزء وكل (2).
قوله: (أو بما يدل على نفي قسمين فيتعين الثالث) يعني: إذا كان هناك ما يدل على نفي حكمين فإن الثالث يتعين، ذلك أن أفعاله عليه السلام محصورة في ثلاثة أحكام وهي: الوجوب، والندب، والإباحة؛ إذ لا يفعل محرمًا ولا مكروهًا، فإذا كان هنالك ما ينفي الوجوب والندب تعين الإباحة، وإذا كان هنالك ما ينفي الوجوب والإباحة تعين الندب، وإذا كان هنالك ما ينفي الندب والإباحة تعين الوجوب (3).
وإنما يتعين الثالث بانتفاء الاثنين لضرورة انحصار أحكامه في ثلاثة أشياء وهي المذكورة قبل (4).
قوله: (أو بالاستصحاب في عدم الوجوب - وبالقربة - على نفي الإِباحة)، يعني: أن من وجوه الاستدلال: أن الاستصحاب يدل على عدم
(1) سورة النساء الآية رقم 101، وقد كتبها ناسخ الأصل:"لا جناح عليكم أن تقصروا".
(2)
إلى هنا انتهى النقل من كتاب الفروق للقرافي، وهو نقل بالمعنى، فقد صاغه الشوشاوي بعبارة مختلفة.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 292، وشرح المسطاسي ص 46.
(4)
انظر: المحصول 1/ 3/ 382.
الوجوب، وكونه قربة يدل على عدم الإباحة (1)، وهذا تكرار؛ لأنه أحد أقسام ما يدل على نفي قسمين، فجعله المؤلف قسيمًا للذي قبله مع أنه أحد أقسامه؛ لأنه حين انتفى الوجوب والإباحة تعين الندب، فصوابه أن يقول: كالاستصحاب في عدم الوجوب مع القربة في نفي الإباحة فيحصل الندب (2).
قوله: (وبالقضاء على الوجوب)، هذا على مذهب مالك القائل: بأن النوافل لا تقضى، وأما على مذهب الشافعي القائل: بأن ذوات الأسباب من النوافل كالعيدين تقضى، فلا يستدل بالقضاء على الوجوب (3) ....
(1) انظر: الشرح للقرافي 292، وشرح المسطاسي ص 46.
(2)
ذكره صاحب المحصول 1/ 3/ 383 أمرًا خاصًا بمعرفة المندوب كصنيع القرافي هنا، وكذا صاحب الإبهاج 2/ 299، وقد أورد هذا الاعتراض عليهما وعلى المؤلف المسطاسي في شرحه 46.
(3)
لا بد هنا من إيضاح مسألتين: وجوب القضاء، وجوازه.
أما جواز القضاء فالذي ينص عليه هو الجواز مطلقًا سواء للنوافل أو للرواتب أو لذوات الأسباب كالعيد ونحوه، وأما الوجوب فيتصور بمسألتين:
الأولى: إذا قطع النافلة فما حكم القضاء؟ حكى الباجي فيها ثلاثة أقوال:
قال مالك: يلزمه القضاء إن قطعها عمدًا.
وقال أَبو حنيفة: يقضي سواء قطعها عامدًا أو معذورًا.
وقال الشافعي: لا يقضي.
الثانية: صلاة العيد إذا لم يعلموا بها إلا بعد فوات وقتها:
1 -
قال مالك: لا تقضى أصلاً؛ لأنها سنة فات وقتها فلا تقضى كالكسوف، وحكاه في المغني عن أبي حنيفة.
2 -
أنهم يصلونها من الغد وهو قول الجمهور، وحكاه صاحب الهداية عن الحنفية.
3 -
أنه إن علم بعد الزوال وقبل الغروب لم تقض، وإن علم بعد الغروب من يوم العيد صلوا من الغد؛ لأنه وقتها، قاله الشافعي. =
(1)
.
قوله: (وبالإِدامة مع الترك في بعض الأوقات على الندب)، يعني: أن المداومة على الفعل يدل على عدم الإباحة، والترك في بعض الأوقات يدل على عدم الوجوب، فيتعين الندب (2)، وهذا أيضًا تكرار لقوله: أو بما يدل على نفي القسمين فيتعين الثالث.
قوله: (وبعلامة الوجوب عليه كالأذان)، يعني: إذا أمر عليه السلام بالأذان لصلاة علمنا أنها واجبة؛ لأن الأذان من خصائص الوجوب (3).
قوله: (وبكونه جزاء لسبب الوجوب كالنذر) يعني: ويستدل أيضًا على معرفة حكم فعله عليه السلام: بأن يكون ذلك الفعل جزاء لسبب الوجوب، والمراد بالجزاء جواب الشرط، يقال له: الجواب، والجزاء.
والمراد بالسبب هو الشرط؛ لأن الشروط اللغوية أسباب (4).
= هذا بالنسبة للجماعة أهل البلد، أما الفرد فلا خلاف أنه إن شاء صلى وإن شاء ترك نص عليه مالك وغيره.
انظر: المدونة 1/ 97، 155، الأم 1/ 149، 229، 240، والمنتقى للباجي 1/ 313، 319، 321، والهداية للمرغيناني 1/ 86، 87، والمغني لابن قدامة 2/ 121، 141، 390، 391، وبداية المجتهد 1/ 219.
(1)
انظر: المحصول 1/ 3/ 384، وقد جعله أيضًا علامة على المندوب فانظره 1/ 3/ 383، وانظر: الإبهاج 2/ 299، وشرح القرافي ص 292، والمسطاسي ص 47.
(2)
انظر: المحصول 1/ 3/ 383، والمسطاسي ص 47.
(3)
انظر: المحصول 1/ 3/ 384، والإبهاج 2/ 298، وشرح القرافي ص 292، والمسطاسي ص 47.
(4)
انظر: المحصول 1/ 3/ 385، والإبهاج 2/ 298.
مثل المؤلف ذلك بالنذر، قال ابن رشد: حقيقة النذر التزام ما لا يلزم من الطاعات، فإذا بلغنا أن النبي عليه السلام نذر صلاة أو غيرها من المندوبات وفعلها قضينا على أن ذلك الفعل بالوجوب؛ لأن فعل المنذور واجب (1).
قوله: (وبكونه جزاء لسبب الوجوب)، تقديره: وبكونه جوابًا لشرط الوجوب كالنذر، وذلك أن الفعل لا يجب أولاً قبل النذر، ثم إنه لما جعل جوابًا لشرط صار واجبًا إذا وجد شرطه، كقولك: إن شفى الله مريضي، أو قدم غائبي، فعلي كذا وكذا من الطاعات.
قوله: (وبكونه جزاء لسبب الوجوب) هذه النسخة لا تتناول إلا النذر المعلق على شرطه كما تقدم تمثيله، ولا تتناول النذر المطلق، كقوله: لله علي أن أفعل كذا وكذا من الطاعات، من غير تعليق ذلك النذر على شرط، وفي بعض النسخ:"وبكونه جزءًا لسب الوجوب كالنذر"، من غير ألف قبل الهمزة (2)، فقوله: كالنذر، هو أحد جزئي السبب، والجزء الآخر: هو كون المنذور مندوبًا إليه قبل النذر، لأن النذر لا تعلق له بالمحرم ولا بالمكروه ولا بالواجب ولا بالمباح، وإنما يتعلق بالمندوب فقط، فإذا كان مندوبًا إليه قبل النذر، ثم نذره وفعله لأجل النذر علمنا أن تأثير النذر إنما هو في الوجوب، فسبب الوجوب إذًا: النذر والندب.
قوله: (تفريع: إِذا وجب الاتباع وعارض فعله قوله (3)، فإِن تقدم القول وتأخر (4) الفعل نسخ الفعل القول، كان القول خاصًا به أو بأمته أو عمهما،
(1) انظر: شرح القرافي ص 292، والمسطاسي ص 47.
(2)
وهو ما في النسخة المطبوعة مع الذخيرة، فانظر مقدمة الذخيرة 1/ 102.
(3)
في ش: "وعارض قوله عليه السلام فعله".
(4)
"أو تأخر" في أ.
وإِن تأخر القول وهو عام له ولأمته أسقط حكم الفعل عن الكل، وإِن اختص بأحدهما خصصه عن عموم حكم الفعل.
وإِن تعقب الفعل القول من غير تراخ وعم القول له ولأمته خصصه عن عموم القول، وإِن اختص بالأمة ترجح القول [على الفعل، وإن اختص به جاز إِن جوزنا نسخ الشيء قبل وقته، وإِلا فلا.
وإِن لم يتقدم واحد منهما، رجح القول] (1) لاستغنائه بدلالته عن (2) غيره من غير عكس.
فإِن عارض الفعل الفعل بأن يقر شخصًا على فعل فعل (3)[هو](4) عليه السلام ضده، فيعلم خروجه عنه، أو يفعل عليه السلام ضده في وقت (5) يعلم لزوم مثله (6)[له فيه، فيكون نسخًا للأول](7)).
ش: كلام المؤلف ها هنا في حكم الدليلين إذا تعارضا بنفي/ 237/ أو إثبات (8).
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من أوخ وش.
(2)
"من" في أ.
(3)
"وفعل" في الأصل.
(4)
ساقط من أوخ.
(5)
"أخر" زيادة في ش.
(6)
"عنه" زيادة في أ.
(7)
ساقط من أ.
(8)
تراجع المسألة في: المعتمد 1/ 388 - 389، والمستصفى 2/ 226، والفصول للباجي 1/ 274، 277، والبرهان فقرة 405، والتبصرة ص 249، والمحصول 1/ 3/ 385، والإحكام للآمدي 1/ 190، 191، وجمع الجوامع 2/ 99، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 330، والإبهاج 2/ 299، وشرح العضد 2/ 26، وتيسير التحرير 3/ 148، وشرح الكوكب المنير 2/ 198، والمسطاسي ص 47، وحلولو ص 247.
ينبغي أن نقدم ها هنا أربعة أمور:
أحدها: أن الدليلين المتعارضين إذا تأخر أحدهما كان المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم (1).
والأمر الثاني: مهما أمكن الجمع بين الدليلين فلا يعدل عنه إلى النسخ (2).
والأمر الثالث: أن من شرط الناسخ أن يكون مساويًا أو أقوى من المنسوخ (3).
والأمر الرابع: أن الأفعال لا يصح التعارض فيها لاستحالة اجتماعهما في زمان واحد، بخلاف الأقوال؛ فإنها تتناول الأزمنة بصيغها (4).
واعلم (5) أن التعارض على ثلاثة أوجه: إما بين القولين، وإما بين الفعلين. وإما بين القول والفعل.
فالتعارض بين القولين لم يتعرض له المؤلف ها هنا وموضعه (6) باب
(1) انظر: المحصول 1/ 3/ 387، 388، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 331، والمعتمد 1/ 390، وشرح القرافي ص 293، والمسطاسي ص 47.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 295، والمسطاسي ص 47.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 294، والمسطاسي ص 47.
(4)
انظر: المعتمد 1/ 381، وشرح الكوكب المنير 2/ 198، والمستصفى 2/ 226، وشرح القرافي ص 295، والمسطاسي ص 47.
وقد ذكر صاحب المحصول 1/ 3/ 393، والباجي في الفصول 1/ 174، أن التعارض يحصل بين الفعلين كما سيبين المؤلف بعد قليل.
(5)
انظر هذا التفصيل في: المسطاسي ص 47، وحلولو ص 247.
(6)
في الأصل: "وموضه"، وهو تصحيف ظاهر.
النسخ، وأما التعارض بين الفعلين، أو بين القول والفعل، فهذان القسمان هما اللذان تعرض لهما المؤلف ها هنا.
ذكر المؤلف في هذا التفريع جزأين:
الأول: في حكم التعارض بين القول والفعل.
والجزء الثاني: في حكم التعارض بين الفعلين.
أما التعارض بين القول والفعل، فإما أن يعلم التاريخ أو يجهل التاريخ، فإن علم التاريخ ففيه اثنا عشر وجهًا: ستة أوجه في تقديم (1) القول على الفعل، وستة أوجه في تقديم (1) الفعل على القول.
وبيان ذلك أن القول إذا تقدم على الفعل، فإما بتراخ، وإما بفور، وعلى التقديرين: فإما أن يكون القول خاصًا به عليه السلام، أو خاصًا بالأمة، أو عامًا لهما، فهذه ستة أوجه في تقديم القول وتأخير الفعل.
وهكذا يقول أيضًا في تقديم الفعل وتأخير القول؛ لأنا نقول: إما أن يتأخر عنه القول بتراخ، أو بفور، وعلى التقديرين: فإما أن يكون القول خاصًا به عليه السلام، أو خاصًا بالأمة، أو عامًا لهما، أيضًا ستة أوجه في تقديم الفعل وتأخير القول (2).
مجموع ذلك اثنا (3) عشر وجهًا ذكرها المؤلف كلها.
(1) لعلها: "تقدم".
(2)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 191، وجمع الجوامع 2/ 99، والمحصول 1/ 3/ 386، 387، وشرح الكوكب المنير 2/ 200، وشرح العضد 2/ 26، والمسطاسي ص 47.
(3)
في الأصل: "اثني" وهو لحن، والصواب الرفع بالألف:"اثنا"؛ لأنه خبر لمجموع.
قوله: (إِذا وجب الاتباع).
يعني: إذا وجب التأسي بالنبي عليه السلام في فعله المعلوم حكمه.
قوله: (فإِن تقدم القول وتأخر الفعل نسخ الفعل القول)، وإنما ينسخه لأن الدليلين الشرعيين إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما نسخ المتأخر المتقدم (1).
قوله: (كان القول خاصًا به أو بأمته أو عمهما).
مثال الخاص بأمته: قوله عليه السلام: "الزاني المحصن يجلد ثم يرجم"(2)، ثم إنه عليه السلام رجم ماعزًا والغامدية (3) من غير جلد.
ومثال العام له ولأمته: قوله عليه السلام: "من أصبح جنبًا فلا صيام له"(4)، ثم أصبح عليه السلام جنبًا (5).
(1) انظر: شرح القرافي ص 293.
(2)
مشهور من حديث عبادة بن الصامت رواه مسلم في الحدود برقم 1690، والترمذي في الحدود برقم 1434.
وجمهور العلماء على نسخه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية وغيرهما من غير جلد، وذهب داود ورواية عن أحمد إلى بقائه مستدلين بهذا الحديث، وبقصة علي رضي الله عنه مع شراحة؛ حيث جلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة. انظر: الأم 6/ 134، والمدونة 4/ 397، والمغني 8/ 157، وبداية المجتهد 2/ 435، والهداية 2/ 97، والقوانين الفقهية ص 304، والإفصاح 2/ 234.
(3)
في الأصل: "العامرية" ولم أجدها في شيء من كتب الحديث، والصواب:"الغامدية" كما مر في ترجمتها.
(4)
رواه مسلم في الصيام برقم 1109 موقوفًا على أبي هريرة، وقد رواه ابن ماجه في الصوم برقم 1302 عن أبي هريرة مرفوعًا.
(5)
أحاديث كثيرة عن عائشة وأم سلمة وغيرهما، دلت على أن النبي يصبح جنبًا من جماع، فيغتسل ويصوم.
فانظر: البخاري في الصوم رقم 1931 عن عائشة، ومسلم في الصيام رقم 1109، عن عائشة، والترمذي في الصوم رقم 779 عن عائشة وأم سلمة.
قوله: (وإِن تأخر القول وهو عام له ولأمته، أسقط حكم الفعل عن الكل)، فلما ذكر حكم الفعل إذا تأخر عن القول، شرع ها هنا في عكسه وهو حكم القول إذا تأخر عن الفعل، فذكر أن القول إن كان عامًا له ولأمته أسقط حكم الفعل عن الكل (1)، معناه: أسقط ذلك القول المتأخر حكم الفعل المتقدم عن الكل، أي: عن النبي عليه السلام وعن أمته.
مثال ذلك: أنه عليه السلام يسجد سجدة التلاوة مع أصحابه حتى قال لهم: "إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء".
قوله: (وإِن اختص بأحدهما خصصه عن عموم حكم الفعل (2))، اعلم أن الفعل في ذاته لا عموم له؛ ولأجل ذلك أضاف المؤلف العموم إلى حكمه لا إلى ذاته، بخلاف القول، فلا عموم للفعل، وإنما يتعلق الفعل بالنبي عليه السلام بالدليل الدال على التكرار في حقه، وتعلق بالأمة بالدليل الدال على التأسي، فالقول الخاص بأحدهما ناسخ، وهي عبارة فخر الدين (3)، والآمدي (4)، وغيرهما (5)، فإطلاق التخصيص عليه تَجَوُّز (6).
قوله: (وإِن تعقب الفعل القول من غير تراخ وعم القول له ولأمته، خصصه عن عموم القول).
هذا مقابل قوله أولاً: "فإن تقدم القول وتأخر الفعل نسخ الفعل
(1) انظر: المعتمد 1/ 390، والمحصول 1/ 3/ 388، وشرح القرافي ص 293.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 293.
(3)
انظر: المحصول 1/ 3/ 388.
(4)
انظر: الإحكام 1/ 92.
(5)
القرافي في شرحه أيضًا ص 293.
(6)
انظر: المسطاسي ص 48.
القول"، لأن ما تقدم إنما هو فيما إذا تأخر الفعل بتراخ، وكلامه ها هنا فيما إذا تأخر الفعل من غير تراخ (1).
قوله: (خصصه عن عموم القول)، معناه: خصص الفعل النبي عليه السلام من عموم القول (2).
قال المؤلف في شرحه: تعذر النسخ في هذه الصورة؛ لأن من شرط النسخ التراخي، فإذا تعذر النسخ لم يبق إلا التخصيص، فيعلم أنه عليه السلام غير مراد بالعموم (3).
مثال ذلك: قوله عليه السلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها حين ذكرها"، فأخر عليه السلام الصبح حتى خرجوا من واد الشيطان (4)، ولا يجوز التأخير لغيره إذا ذكرها، فالنبي عليه السلام مختص بذلك الفعل (5).
(1) انظر: المعتمد 1/ 390.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 293.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 293، والمسطاسي ص 48.
(4)
هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حينما كانوا قافلين من خيبر فأرادوا المبيت، وعهد النبي إلى بلال ليكلأهم، فاستند إلى راحلته فنعس، فلم يستيقظوا إلا والشمس قد طلعت، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوب، وقال:"هذا منزل حضرنا فيه الشيطان"، كما في رواية مسلم عن أبي هريرة عنه في كتاب المساجد برقم 680.
وانظر القصة عنده عن أبي قتادة برقم 681، وعن عمران بن حصين برقم 682، ورواها النسائي في المواقيت عن أبي هريرة 1/ 298، وأبو داود في الصلاة برقم 436، وابن ماجه في الصلاة برقم 697.
(5)
كلامه هنا فيه نظر:
وذلك أن الفعل هنا لم يتعقب القول؛ لأنه إما متراخ عنه، أو أن القول هو المتأخر؛ إذ قد ثبت في رواية أبي هريرة عند مسلم، فلما قضى الصلاة قال:"من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها" الحديث، وكذا عند الترمذي من حديث أبي قتادة أنهم لما ساروا =
قوله: (وإِن اختص بالأمة ترجح القول على الفعل)، قال فخر الدين في المحصول: يجب المصير إلى القول جمعًا بين الدليلين؛ لأن حكم الفعل ثابت في حقه عليه السلام، بخلاف المصير إلى الفعل؛ فإن فيه إلغاء القول (1).
وقال المؤلف في الشرح: إن اختص القول بالأمة، والفعل أيضًا شأنه أن يترتب في حقهم حكمه، وهما متناقضان متعارضان، فيقدم القول على الفعل لقوته؛ لأن دلالة القول بالوضع فلا يفتقر إلى دليل يدل على أنه حجة، بخلاف الفعل؛ لولا (2) قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (3) لتعذر علينا نصب الفعل دليلاً (4).
مثال هذا: قوله عليه السلام: "إذا انتصف شعبان فلا يصومن أحدكم"(5)،
= بعد الصلاة سألوا النبي عن صلاتهم، فقال:
…
الحديث.
فانظر: مسلم رقم 680، والترمذي رقم 177.
وقد قال بعض العلماء: إنه يستحب التأسي بالنبي في فعله هذا، وهو التحول عن المواضع التي تحل فيها الشياطين، وقياسًا على الحمام ونحوه.
بل قد أمر النبي عليه السلام بالتحول في حديث أبي هريرة عند أبي داود بقوله: "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة".
فانظر: سنن أبي داود رقم الحديث 436، وشرح النووي على مسلم 5/ 182 - 183.
(1)
انظر: المحصول 1/ 3/ 386، وانظر أيضًا: شرح القرافي ص 293.
(2)
لو قال: "إذ لولا" لكان أولى.
(3)
سورة الحشر آية رقم 7.
(4)
انظر: شرح القرافي ص 293.
(5)
رواه الترمذي في الصوم برقم 738، وأبو داود برقم 2337، وابن ماجه برقم 1651 كلهم عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. =
فصام عليه السلام إلى رمضان (1).
قوله: (وإِن اختص به جاز إِن جوزنا نسخ الشيء قبل وقته، وإِلا فلا).
ش: مثال هذا: إذا قال النبي عليه السلام: الفعل الفلاني واجب علي في الوقت الفلاني، ثم تلبس بضده في ذلك الوقت قبل التمكن منه/ 238/، فمن جوز نسخ الحكم قبل التمكن من الامتثال قال: الفعل ناسخ للقول، ومن لم يجوز ذلك مع كون الفعل رافعًا لحكم القول، قال: لا يتصور وجود مثل هذا الفعل، وهو معنى قوله: وإلا فلا.
قوله: (وإِن اختص به جاز إِن جوزنا نسخ الشيء قبل وقته وإلا فلا)(2)، مثاله قوله عليه السلام:"نهيت عن قتل النساء والصبيان" ثم بعد ذلك رمى عليه السلام أهل الطائف بالمجانيق (3)، فقيل له عليه السلام: فيهم الذرية، فقال:"هم من آبائهم"(4).
= قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطرًا، فإذا بقي من شعبان شيء أخذ في الصوم لحال شهر رمضان، ثم ساق قوله صلى الله عليه وسلم:"إلا أن يوافق ذلك صومًا كان يصومه أحدكم".
(1)
أحاديث كثيرة روتها عائشة وأم سلمة وغيرهما.
فانظرها في كتاب الصوم في البخاري برقم 1970، والترمذي برقم 736، والنسائي 4/ 199، 200، 201، وأبو داود برقم 2336، وابن ماجه برقم 1648، 1649.
(2)
انظر: المسطاسي ص 48.
(3)
جمع منجنيق، وهي الآلة التي ترمى بها الحجارة الكبيرة، وهي فارسية معربة أصلها جه. نيق، أي: أنا ما أجودني. ذكر هذا صاحب القاموس في مادة (جنق).
(4)
أما رمي أهل الطائف بالمنجنيق فقد ذكره أصحاب السير، ولم أجده في حديث، إلا ما روى ابن سعد في الطبقات بسند رجاله ثقات عن مكحول مرسلاً:"أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يومًا"، ويؤيده ما روى مسلم عن أنس قال: =
انظر قول ابن الحاجب: ويقاتل العدو بكل نوع ولو بالنار
…
إلى آخر المسألة (1).
قوله: (وإِن لم يتقدم واحد منهما، رجح القول باستغنائه (2) عن غيره من غير عكس).
ش: لما ذكر المؤلف حكم التعارض بين القول والفعل إذا علم التاريخ، شرع ها هنا في حكم التعارض بينهما إذا جهل التاريخ، فذكر أن القول هو
= "فحاصرناهم أربعين يومًا" انظر: صحيح مسلم الحديث رقم 1059، وطبقات ابن سعد 2/ 159. وسيرة النبي لابن هشام 4/ 128، والبداية والنهاية 4/ 348، وجوامع السيرة لابن حزم 243، وحدائق الأنوار لابن الديبع 2/ 691.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "هم من آبائهم" فلم أجد من الأحاديث ولا من كلام أهل السير ما يشير إلى أنه قالها في أهل الطائف، وقد رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أن النبي سئل في الأبواء أو بودان: أن خيل المسلمين وطئت من نساء المشركين وأولادهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"هم منهم"، وفي رواية عمرو بن دينار:"هم من آبائهم".
انظر: كتاب الجهاد من البخاري رقم 3012، ومسلم رقم 1745، وأبا داود رقم 2672، وابن ماجه رقم 2839، وكتاب السير في الترمذي رقم 1570، وهذا الحديث أعني حديث الصعب لا يصلح للتمثيل هنا من ناحيتين:
الأولى: أن هذا من تعارض الأقوال؛ لأن قوله عليه السلام: "هم من آبائهم" هو الذي أخذ منه حكم الجواز، وهو قول لا فعل.
الثانية: أن هذا سابق للنهي عن قتل النساء والأطفال لا بعده بدليل قول الزهري في رواية أبي داود السابقة: ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان. اهـ.
انظر: حديث رقم 2672 في أبي داود.
(1)
انظر: الفروع الورقة 39 - ب من مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 887 د.
(2)
في المتن كما مر: "لاستغنائه" وهي أولى.
المتقدم (1)؛ لأنه يدل بنفسه، أي: يدل بالوضع ولا يحتاج إلى ما يدل على أنه دليل (2)، بخلاف الفعل؛ فإنه لا يكون دليلاً إلا بالقول الدال على أنه دليل.
مثال ذلك: قوله عليه السلام: "امشوا أمام الجنازة"(3) رواه أَبو هريرة رضي الله عنه، وقال ابن عباس عنه: يمشي وراء الجنازة مع الصحابة (4).
(1) لو قال: المقدم، لكان أولى؛ لأن القصد أن القول يقدم على الفعل، فالقول مقدم لا متقدم.
(2)
انظر: المحصول 1/ 3/ 388 - 389، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 331، والإحكام للآمدي 1/ 192، 193، والمعتمد 1/ 390، وإحكام الفصول للباجي 1/ 279، وتيسير التحرير 3/ 148، وشرح الكوكب المنير 2/ 202، والمسطاسي ص 48.
(3)
لم أجد الحديث عن أبي هريرة، وقد روي عن أنس وابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر" زاد أنس:"وعثمان""يمشون أمام الجنازة".
فانظر الأحاديث: في كتاب الجنائز في الترمذي برقم 1007 عن ابن عمر، 1010 عن أنس، وفي النسائي 4/ 56، عن ابن عمر، وفي أبي داود برقم 3119 عن ابن عمر أيضًا، وفي ابن ماجه برقم 1482 عن ابن عمر.
أما الآثار: فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف 3/ 277، والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 24، عن أبي حازم أنه رأى أبا هريرة والحسن بن علي يمشيان أمام الجنازة.
وكذا عن أبي صالح مولى التوأمة أنه رأى أبا هريرة وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد يمشون أمام الجنازة.
وروى ابن أبي شيبة عن الغفار بن المغيرة أن أبا هريرة لما رآه يمشي خلف جنازة دفعه حتى جعله أمامها، فانظر: المصنف 3/ 278.
(4)
لم أجد هذا الحديث عن ابن عباس، وقد روى المشي خلف الجنازة ابن مسعود، وأبو هريرة وعلي وجماعة من الصحابة.
فانظر حديث ابن مسعود عند: الترمذي في الجنائز برقم 1011، وعند ابن ماجه برقم 1484، وانظر حديث أبي هريرة في المسند، انظر: ترتيب المسند للبنا 8/ 17 الحديث رقم 212 من كتاب الجنائز، وانظر الآثار عن علي في: مصنف عبد الرزاق 3/ 445، 447، =
قوله: (فإِن عارض الفعل الفعل، بأن يقر شخصًا على فعل، وفعل هو عليه السلام ضده، فيعلم خروجه عنه، أو يفعل عليه السلام ضده في وقت يعلم لزوم مثله له فيه، فيكون نسخًا للأول).
ش: هذا هو الجزء الثاني، وهو التعارض بين الفعلين (1)؛ فإن ما تقدم كله فإنما هو في حكم التعارض بين القول والفعل، وهذا الكلام إنما هو في حكم التعارض بين الفعلين.
قال الغزالي: لا يمكن التعارض بين الفعلين (2)، وذلك أن نقول: إما أن يمكن اجتماعهما، فإن أمكن اجتماعهما كالصلاة والصوم فلا تعارض، وإن لم يمكن اجتماعهما، إما أن يتماثلا، أو يتضادا؛ فإن تماثلا كظهر اليوم وظهر الغد فلا تعارض أيضًا، وإن تضادا كما إذا صام في وقت معين وأكل في مثل ذلك الوقت فلا تعارض أيضًا، لجواز أن يكون الفعل واجبًا في أحد الوقتين وجائزًا (3) في الوقت الآخر (4)، فإذا انتفت المعارضة فلا نسخ ولا تخصيص إلا في مسألتين (5):
= وروى عبد الرزاق بسند صحيح عن طاوس بن كيسان أنه قال: ما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة حتى مات إلا خلف الجنازة وبه نأخذ. انظره في المصنف 3/ 445.
(1)
انظر: البرهان فقرة 405، والمعتمد 1/ 288، والإحكام للآمدي 1/ 190، وشرح العضد 2/ 26، وجمع الجوامع 2/ 99، وتيسير التحرير 3/ 147، وشرح الكوكب المنير 2/ 198، والمستصفى 2/ 226، والمحصول 1/ 3/ 393، وشرح القرافي ص 293، والمسطاسي ص 48.
(2)
انظر: المستصفى 2/ 226، وشرح القرافي ص 295، والمسطاسي ص 48.
(3)
في الأصل: "وجائز" بالرفع، وهو لحن.
(4)
انظر: الإحكام للآمدي 1/ 190، وشرح القرافي ص 294.
(5)
انظرهما في: المحصول 1/ 3/ 393، والمعتمد 1/ 389، وشرح القرافي ص 294، والمسطاسي ص 48، وحلولو ص 251.
إحداهما: أن يقر عليه السلام شخصًا على فعل ثم فعل عليه السلام ضد ذلك الفعل؛ فإنه يعلم خروج ذلك الشخص المقر من حكم ذلك الفعل، فيكون إقرار ذلك الشخص على ذلك الفعل نسخًا لحكم الفعل في حق ذلك الشخص، أو يكون تخصيصًا له من حكم ذلك الفعل.
مثال ذلك: إقراره عليه السلام عبد الرحمن بن عوف على لباس الحرير (1)، وهو عليه السلام يترك لباسه (2).
وإلى هذه المسألة أشار المؤلف بقوله: بأن يقر شخصًا على فِعْلٍ فَعَلَ هو عليه السلام ضده فيعلم خروجه عنه.
المسألة الثانية: أن يفعل عليه السلام فعلاً ويدل الدليل على أنه يجب عليه تكرر ذلك الفعل في مثل ذلك الوقت، ثم فعل عليه السلام ضد ذلك الفعل في مثل ذلك الوقت، فيكون الفعل الثاني ناسخًا لحكم الفعل الأول.
مثال ذلك: أنه عليه السلام رئي يشرب جالسًا ثم رئي بعد ذلك يشرب قائمًا، فالقيام ضد الجلوس.
…
(1) روى هذا البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكة كانت بهما"، وجاء في بعض الروايات: أنهما اشتكيا القمل
…
إلخ.
انظره في: البخاري برقم 2919، 5839، وفي مسلم برقم 2076، وفي الترمذي برقم 1722.
(2)
لحديث نهيه عن لبس الحرير الذي سبق تخريجه، وهو أنه رفع خيطًا من ذهب وخيطًا من حرير، فقال:"هذان محرمان على ذكور أمتي حلال لإناثها".