المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في حكمه - رفع النقاب عن تنقيح الشهاب - جـ ٤

[الحسين الشوشاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابعفي أقل الجمع

- ‌الباب الثامنفي الاستثناء

- ‌(الفصل الأول في حده:

- ‌الفصل الثاني في أقسامه

- ‌الباب التاسعفي الشروط

- ‌الفصل الثاني في حقيقته

- ‌الفصل الثالث في حكمه

- ‌الباب العاشرفي المطلق والمقيد

- ‌الباب الحادي عشرفي دليل الخطاب

- ‌الباب الثاني عشرفي المجمل والمبين

- ‌الفصل الثاني فيما ليس مجملًا

- ‌الفصل الثالث في أقسامه

- ‌الفصل الرابع في حكمه

- ‌الفصل الخامس في وقته

- ‌الفصل السادس في المبين له

- ‌الباب الثالث عشرفي فعله عليه الصلاة والسلام

- ‌الفصل الأول في دلالة فعله عليه السلام

- ‌الفصل الثاني في اتباعه عليه السلام

- ‌الفصل الثالث في تأسيه عليه السلام

- ‌الباب الرابع عشرفي النسخ

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الرابع فيما يتوهم أنه ناسخ

- ‌الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ

- ‌الباب الخامس عشرفي الإجماع

- ‌الفصل الأول في حقيقته

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مستنده

- ‌الفصل الرابع في المجمعين

- ‌الفصل الخامس في المجمع عليه

الفصل: ‌الفصل الثاني في حكمه

‌الفصل الثاني في حكمه

ش: أي: في حكم النسخ باعتبار الجواز والوقوع.

أي: هل هو جائز أم لا؟ وهل هو واقع أم لا؟

ذكر المؤلف في هذا الفصل ثماني مسائل.

قوله: (وهو واقع (1)، وأنكره بعض اليهود عقلاً وبعضهم سمعًا، وبعض المسلمين مؤولاً لما وقع من ذلك بالتخصيص.

لنا: ما اتفقت عليه الأمم من أن الله تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته (2) غير توأمته، وقد نسخ ذلك).

ش: قال سيف الدين الآمدي في الإحكام: اتفق أهل الشرائع على جواز النسخ عقلاً، وعلى وقوعه شرعًا، ولم يخالف في ذلك من المسلمين سوى

(1) انظر هذه المسألة في: المعتمد 1/ 401، والعدة 3/ 769، والمحصول 1/ 3/ 440، والإحكام للآمدي 3/ 115، والمستصفى 1/ 111، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 341، والتبصرة للشيرازي ص 251، واللمع ص 164، وإحكام الفصول للباجي 1/ 414، والبرهان فقرة 1423 وما بعدها، والمسودة ص 195، وشرح الكوكب المنير 3/ 533، والتنقيح لصدر الشريعة وشرحه المسمى بالتلويح للسعد 2/ 62، وشرح العضد 2/ 188، وشرح القرافي ص 303، والمسطاسي ص 55، وشرح حلولو ص 257.

(2)

"خته" في الأصل.

ص: 459

أبي مسلم الأصفهاني (1) من المعتزلة، فإنه جوّزه عقلاً ومنعه شرعًا، ولم يخالف في ذلك من أرباب الشرائع سوى اليهود، فإنهم افترقوا في ذلك ثلاث فرق:

فذهبت الشمعنية (2) إلى امتناعه عقلاً وسمعًا (3).

وذهبت العنانية (4) منهم إلى امتناعه سمعًا لا عقلاً.

وذهبت العيسوية (5) إلى جوازه عقلاً ............

(1) هو محمد بن بحر الأصفهاني أو الأصبهاني المعتزلي، كان كاتبًا بليغًا متكلمًا جدلاً، له كتاب جامع التأويل لمحكم التنزيل في تفسير القرآن على مذهب المعتزلة، توفي سنة 322 هـ.

انظر: الفهرست لابن النديم ص 196، وشذرات الذهب 3/ 307، وقد ذكر الشيرازي في التبصرة أن اسمه عمرو بن يحيى وتابعه على ذلك القرافي في شرحه، والشوشاوي كما سيأتي في آخر المسألة، فانظر: التبصرة ص 251، وشرح القرافي ص 306.

(2)

كذا في الأصل، وفي الإحكام للآمدي 3/ 115، وعند بعضهم كالإسنوى في نهاية السول 2/ 555: الشمعونية بواو بين العين والنون، قيل: منسوبون إلى شمعون بن يعقوب، قاله الدكتور مصطفى زيد في كتابه النسخ في القرآن الكريم 1/ 27، وقال: إنه لم يعثر له على ترجمة بعد طول بحث - ثم قال: فلعله صاحب فرقة من الفرق الصغيرة التي لم تشتهر. اهـ.

(3)

انظر: نفائس الأصول للقرافي/ 267/ ب من مخطوط رقم 8224 ف مصور فلميًا بجامعة الإمام.

(4)

هم أصحاب عنان الداودي اليهودي، يخالفون سائر اليهود في السبت والأعياد، ويكثرون في العراق والشام ومصر وطليطلة من الأندلس.

انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/ 78، والملل والنحل للشهرستاني 3/ 20.

(5)

نسبة إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، كان في زمن المنصور، وابتدأ دعوته في آخر عهد بني أمية فتبعه كثير من اليهود وادعوا له كرامات ومعجزات، =

ص: 460

ووقوعه (1) سمعًا، واعترفوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم لكن إلى العرب خاصة لا إلى الأمم كافة (2).

قوله: (وهو واقع) يعني باتفاق المسلمين، وأما قول الأصبهاني المذكور فهو مؤول كما سيأتي.

وقوله: (وأنكره بعض اليهود عقلاً) يعني: وسمعًا بأولى وأحرى وهم الشمعنية (3) المذكورة (4).

قوله: (وبعضهم سمعًا) يعني: وجوزه عقلاً، وهم العنانية المذكورة (5).

قوله: (وبعض المسلمين مؤولاً لا وقع من ذلك بالتخصيص) يعني: أن بعض المسلمين وهو أَبو مسلم الأصبهاني من المعتزلة، فسر النسخ الوارد في الشريعة بالتخصيص في الأزمان (6)؛ وذلك أن الحكم المنسوخ عنده هو مؤقت [بغاية وأنه](7) انتهى بانتهاء غايته، فعلى هذا لا خلاف في المعنى، وإنما

= وهؤلاء يعترفون بنبوة عيسى إلى بني إسرائيل خاصة ونبوة محمد إلى بني إسماعيل خاصة. انظر: الفصل لابن حزم 1/ 78، والملل والنحل للشهرستاني 3/ 21.

(1)

"ووقوعًا" في الأصل، والمثبت من الإحكام للآمدي 3/ 115.

(2)

إلى هنا نهاية النقل من الآمدي وهو قريب مما في الإحكام، فانظر: الإحكام 3/ 115.

(3)

"الشمعية" هكذا في الأصل، والصواب المثبت كما سبق.

(4)

انظر: التبصرة ص 252، والإحكام للآمدي 3/ 115، ونهاية السول 2/ 555، والمسطاسي ص 55.

(5)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 414، والإحكام للآمدي 3/ 115، وشرح الكوكب المنير 3/ 533.

(6)

انظر: جمع الجوامع مع شرح المحلي 2/ 88، وشرح القرافي ص 306، والبرهان فقرة 1414.

(7)

غير واضحة في الأصل، والظاهر أنها كما أثبت.

ص: 461

الخلاف في التسمية؛ هل يسمى نسخًا أو يسمى تخصيصًا؟ (1).

فحصل من كلام المؤلف رحمه الله تعالى ثلاثة أقوال:

الجواز مطلقًا، والمنع مطلقًا، والثالث: يجوز عقلاً ولا يجوز سمعًا.

فالأول للمسلمين، والآخران لليهود لعنهم الله تعالى.

قوله: (لنا ما اتفقت عليه الأمم من [أن] (2) الله تعالى شرع لآدم تزويج الأخ بأخته (3) غير توأمته)، هذا دليل أهل الإسلام على جوازه عقلاً وسمعًا؛ لأن الوقوع يستلزم الجواز (4)، وذلك أن أمنا حواء عليها السلام ولدت أربعين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى، فكان آدم عليه السلام يزوج لكل ذكر غير توأمته (5)، ثم حرم الله ذلك في زمان نوح عليه السلام.

ولنا أيضًا (6) أن الله تعالى أباح لآدم وحواء أكل كل ما دب على وجه الأرض، ثم حرم الله تعالى في زمان نوح عليه السلام، وهذان الدليلان يستدل بهما على من أنكر النسخ من اليهود؛ لأن هذا موجود في التوراة (7).

(1) انظر: شرح القرافي ص 306، وشرح المسطاسي ص 56، وشرح حلولو ص 257.

(2)

ساقط من الأصل.

(3)

"لأخته" في الأصل.

(4)

انظر هذا الدليل في: المعتمد 1/ 402، والتبصرة ص 252، والعدة 3/ 773، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 345، والمحصول 1/ 3/ 442، والمسطاسي ص 56.

(5)

انظر: البداية والنهاية لابن كثير 1/ 92.

(6)

انظر الدليل في: المحصول 1/ 3/ 442، لكنه جعل الإحلال لنوح والتحريم على موسى، وانظر: الإحكام للآمدي 3/ 117، والمسطاسي ص 56.

(7)

التوراة هي أحد الكتب الأربعة التي أنزلها الله، وقد أنزلت التوراة على نبي الله موسى عليه السلام وكانت صحيحة في عهده، فلما توفي وخبث اليهود وخشوا من ذهاب السلطة من أيديهم حرفوا التوراة، بناء على أن الله ربهم من دون الناس وأن =

ص: 462

ولنا أيضًا: إباحة العمل في السبت ثم حرم في زمان موسى (1).

ولنا أيضًا: أن في التوراة السارق إذا سرق في الرابعة تنقب أذنه ويباع (2)، ثم نسخ ذلك.

ولنا أيضًا: جواز الجمع بين الحرة والأمة في شرع إبراهيم؛ لأنه جمع بين سارة الحرة وهاجر الأمة، ثم نسخ ذلك في التوراة (3).

= التوراة لهم دون الناس، وأن النبي سيظهر فيهم، ثم توالى تحريف التوراة حتى اشتهر منها ثنتان: التوراة العبرانية، والتوراة السامرية.

انظر: مقدمة كتاب التوراة السامرية للدكتور أحمد السقا.

* تحريم تزوج الأخ أخته موجود في الإصحاح الثامن عشر/ 9 من سفر الأحبار من التوراة السامرية. انظر ص 207.

أما إحلال ما دب على الأرض لآدم فهو في الإصحاح الأول/ 28، 30 من سفر التكوين من التوراة السامرية، انظر ص 36.

وتحريم بعض ذلك على نوح في الإصحاح التاسع/ 3، 4 من سفر التكوين من التوراة السامرية ص 45.

وتحريم بعضه على موسى في الإصحاح الحادي عشر من سفر الأحبار. انظر: التوراة السامرية ص 194.

* الاستدلال بهذه الوقائع من التوراة، من باب إلزامهم بما في كتبهم، وإلا فمعلوم أنها محرفة.

(1)

انظر: الإصحاح السادس عشر/ 29، 30، 31 من سفر الخروج من التوراة السامرية، وجاء هذا صريحًا في القرآن العظيم في قوله تعالى:{وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} النساء: 154.

وانظر: شرح القرافي ص 305، والمسطاسي ص 56.

(2)

ذكر بيع السارق إذا لم يكن لديه ما يعوض المسروق منه في الإصحاح الثاني والعشرين/ 3 من سفر الخروج. انظر: التوراة السامرية ص 148.

وانظر: شرح القرافي ص 205.

(3)

انظر: الإصحاح السادس عشر من سفر التكوين في التوراة ص 53، وانظر: شرح =

ص: 463

ولنا أيضًا: أن الله تعالى قال في التوراة لموسى عليه السلام: أخرج أنت وشعبك لترثوا الأرض المقدسة التي وعدت بها أباكم (1) إبراهيم، فلما صاروا إلي التيه، قال الله تعالى: لا تدخلوها لأنكم عصيتموني (2)، فهذا أيضًا عين النسخ) (3).

قال المؤلف في الشرح (4): وقد ذكرت في شرح المحصول صورًا كثيرة غير هذه (5)، وكذلك ذكرتها في كتاب الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة (6)، في الرد على اليهود والنصارى (7).

ولنا أيضًا: قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} (8) والتحليل بعد التحريم نسخ.

= القرافي ص 305.

(1)

"آباءكم" في الأصل.

(2)

انظر: الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر الخروج في التوراة السامرية ص 166.

(3)

انظر: شرح القرافي ص 305.

(4)

انظر: المصدر السابق ص 306.

(5)

انظر: شرح المحصول للقرافي لوحة 267، 268 من المخطوط رقم 8224 ف مصور فلميًا بجامعة الإمام.

(6)

أحد كتب القرافي التي يشير إليها كثيرًا في كتبه، وقد طبع في مصر عام 1322 هـ على حاشية كتاب الفارق بين المخلوق والخالق لعبد الرحمن أفندي، كما حقق أخيرًا في جامعة الإمام، ويوجد له مخطوطات كثيرة في مكتبات العالم مثل مكتبة جامعة الملك سعود برقم 1268، وطوبقبوسراي برقم 4831، 4832 وغيرها.

وقد ناقش القرافي في هذا الكتاب بعض مسائل العقيدة عن طريق الإجابة على أسئلة تقدم بها إليه بعض اليهود والنصارى. انظر: كشف الظنون 1/ 11.

(7)

انظر: الأجوبة الفاخرة للقرافي ص 83 - 85.

(8)

آل عمران: 50.

ص: 464

وكذلك قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} (1)(2)، وبيّن الله تعالى ذلك بقوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} (3)، ومعنى ذي ظفر: ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والأوز، وقد بين المجاصي (4) ذلك في أرجوزته (5) فقال:

وجاءنا/ 245/ في وصف كل ذي ظفر

يعني البعير والنعام والحمر

وقيل كل كاسب بالظفر

من سبع أو غيره كالطير (6)

ثم الحوايا مبعر في البطن

فيما حكى ذوو النهى والفطن (7)(8)

وقوله: أو الحوايا: في مفرده ثلاثة أقوال ذكرها المهدوي في التحصيل (9).

(1) النساء: 160.

(2)

انظر: العدة لأبي يعلى 3/ 772، والمسطاسي ص 56.

(3)

الأنعام: 146.

(4)

لم أجد له ترجمة، وقد جاء في طرة أرجوزته أن اسمه محمد بن محمد المجاصي، وكنيته أَبو عبد الله.

(5)

هي أرجوزة في غريب القرآن للمجاصي، توجد منها نسخة في الخزانة العامة بالرباط برقم 1645 د.

(6)

في أرجوزة المجاصي: "وغيره في الطير".

(7)

في أرجوزة المجاصي: "فيما حكاه ذو الحجا والفطن".

(8)

انظر: أرجوزة المجاصي في غريب القرآن. غريب سورة الأنعام ورقة 81/ ب.

(9)

كتاب في التفسير اختصره المهدوي من كتابه الكبير الموسوم بالتفصيل، يوجد مخطوطًا بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 658 مجلد واحد فيه من الآية 44 من سورة آل عمران إلى آية 23 من سورة هود، وقد أكلت الأرضة أطرافه وكتب على غلافه: جزء من التفسير مجهول مؤلفه.

ص: 465

قال: قيل: حاوياء مثل قاصعاء وقواصع، وقيل: حاوية كضاربة وضوارب، وقيل: حوية، كسفينة وسفائن (1).

ولنا أيضًا: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى

} الآية (2) فأمر بذبح ولده، ثم نسخ ذلك.

ولنا أيضًا: قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ

} الآية (3)، وذلك أن الله تعالى حرم على اليهود العمل يوم السبت بعد أن كان مباحًا قبل ذلك، والتحريم بعد التحليل نسخ (4).

ولنا أيضًا: أن العلماء أجمعوا على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع السالفة (5).

وكذلك أجمعوا أيضًا على نسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة (6).

(1) انظر: التحصيل للمهدوي في تفسير قوله تعالى: {أَوِ الْحَوَايَا} من الآية 146 من سورة الأنعام، مخطوط في خزانة ابن يوسف بمراكش برقم 658.

(2)

الصافات: 102.

(3)

الأعراف: 163.

(4)

ذكر هذا الدليل في صفحة 463 وكرره هنا مرة أخرى بعبارة أخرى.

(5)

انظر: إحكام الفصول للباجي 1/ 414.

(6)

الإجماع على وجوب استقبال البيت العتيق، ذكره غير واحد من العلماء، فانظر: الإفصاح 1/ 121، وبداية المجتهد 1/ 111، وانظر: الاعتبار للحازمي ص 100، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص 109.

ص: 466

وكذلك أجمعوا أيضًا على نسخ عدة الوفاة التي هي مقدرة بالحول الكامل بأربعة أشهر وعشر (1).

وكذلك أجمعوا أيضًا (2) على نسخ الوصية الوالدين (3) والأقربين بآية المواريث (4).

وكذلك أجمعوا أيضًا على نسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة النبي عليه السلام (5).

وكذلك أجمعوا على نسخ وجوب وقوف الواحد للعشرة بوقوفه للاثنين (6)(7).

ويدل على جواز النسخ أيضًا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ

(1) انظر: بداية المجتهد 2/ 96، والإفصاح 2/ 173، والمغني 7/ 470، وانظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 153.

(2)

هكذا جمع بين كذلك وبين أيضًا، وكان الاكتفاء بواحدة منهما أولى، وقد كرر ذلك مرارًا كما رأيت.

(3)

كذا في الأصل، والأولى أن يقول: الوصية للوالدين، بلام الجر.

(4)

اتفق العلماء على النسخ هنا، لكنهم اختلفوا في الناسخ، فقال قوم: الناسخ آية المواريث، وقال آخرون: بل الناسخ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث"، ومرد الخلاف هنا إلى الخلاف في جواز نسخ القرآن بالسنة.

انظر: الاعتبار للحازمي ص 45، 46، والإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 119.

(5)

انظر: تفسير ابن كثير 4/ 326، والدر المنثور 6/ 185، والإيضاح لمكي ص 368، وأسباب النزول للواحدي ص 234، 235.

(6)

انظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 259، وشرح القرافي ص 303.

(7)

بعض هذه الأدلة جاء بها المؤلف مفصلة في المسألة الآتية، وهي نسخ القرآن بالقرآن فانظر ص 477.

ص: 467

بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (1)(2)، قوله:"ننسخ" و"ننسها"، في كل واحد من الفعلين قراءتان في السبع، أما "ننسخ" بقراءة ابن عامر بضم النون وكسر السين (3)، يقال: أنسخت الكتاب، أي: وجدته منسوخًا (4)، كقولك: أحمدته وأبخلته، أي: وجدته محمودًا، أو بخيلاً (5)، وفتحها الباقون (6)، وأما "ننسها"(7) فقرأه ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون والسين مع الهمزة، وقرأه الباقون بضم النون وكسر السين من غير همزة (8).

فقوله تعالى: {أَوْ نُنْسِهَا} (9) على قراءته بغير همز، يحتمل أن يكون من النسيان الذي هو ضد الذكر، ويحتمل أن يكون من النسيان الذي هو

(1) البقرة: 106.

(2)

انظر: المستصفى 1/ 112، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 344.

(3)

انظر: النشر 2/ 219، وحجة القراءات لابن زنجلة ص 109.

(4)

هذا أحد التأويلات بناء على أن الفعل ليس للتعدية، وعليه تتفق مع القراءة الأخرى في المعنى وإن اختلفا في اللفظ، واختار هذا المعنى أَبو علي الفارسي، واختار الزمخشري التعدية وجعل المعنى: ما نأمر جبريل بجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها، وجعل ابن عطية الأمر لمحمد، أي ما نأمرك يا محمد بتركه، انظر: تفسير البحر المحيط 1/ 342، وحجة القراءات ص 109، والكشاف للزمخشري 1/ 176.

(5)

انظر: القاموس المحيط مادة (بخل)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة (حمد).

(6)

انظر: النشر 2/ 220، وحجة القراءات ص 109، والإقناع لابن الباذش 2/ 601.

(7)

"ننسيها" في الأصل بالياء.

(8)

فتكون على القراءة الأولى: نَنْسَأها، وعلى الثانية: نُنْسِهَا. انظر: النشر 2/ 220، والإقناع 2/ 601، وحجة القراءات ص 109، 110.

(9)

"وننسيه" في الأصل، وهو خطأ.

ص: 468

الترك، كقوله تعالى:{وَقِيلَ الْيَوْمَ (1) نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} (2) معناه (3): نترك ثوابكم كما تركتم العمل ليوم هذا (4)، فمعناه على أن المراد به النسيان الذي هو ضد الذكر: ما ننسخ من حكم آية أو ننسيكها تلاوتها، على حذف المفعول الأول لننسي (5).

ومعناه على أن المراد بالنسيان الترك: ما ننسخ من تلاوة آية أو ننسيكها العمل (6) بها، أي نأمرك بترك العمل بها (7).

وقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} ، يعني: ثوابها (8) في الآجل لا في العاجل.

وأما معناه على قراءة الهمز فهو: ما ننسخ من حكم آية أو نؤخرها من التلاوة مع بقاء حكمها نأت بخير منها أو مثلها (9).

(1) في الأصل: "فاليوم" وهو خطأ، والصواب المثبت.

(2)

الجاثية: 34.

(3)

في الأصل: "معنا" بإسقاط الهاء.

(4)

الأسلوب ركيك، فلعل العبارة:"ليومكم هذا"، أو:"لهذا اليوم".

(5)

انظر: البحر المحيط 1/ 343، وحجة القراءات ص 110.

(6)

"العمل" بدل من الهاء في ننسيكها.

(7)

انظر: تفسير البحر المحيط 1/ 344.

(8)

انظر: الكشاف للزمخشري 1/ 176.

والذي عليه أغلب المفسرين: أن المراد بالخيرية سقوط المشقة إن كان الناسخ أخف، وزيادة الثواب إن كان الناسخ أثقل، انظر: البحر المحيط لأبي حيان 1/ 344، وابن كثير 1/ 150.

(9)

انظر: تفسير ابن كثير 1/ 150، وتفسير البحر المحيط 1/ 344، وحجة القراءات ص 109، والمفردات للراغب الأصفهاني، مادة:(نسأ)، والعدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب ص 81.

ص: 469

فقوله: أو ننسأها بالهمز: نؤخر (1)، فقولهم: نسأه ينسؤه نسأ، إذا أخره (2) ومنه قوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (3)، وهو تأخير القتال في المحرم إلى صفر إذا احتيج إلى ذلك (4).

ومنه تسمية العصا بالمنسأة (5)، ومنه قوله تعالى:{مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} (6).

ومنه قول الشاعر:

إذا دببت على المنساة من كبر

فقد تباعد عنك اللهو والغزل (7)

ويدل على جواز النسخ أيضًا قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ

} (8) الآية (9).

وهذا بأسره (10) يدل على جواز النسخ، وإلى ذلك أشار المؤلف بقوله:

(1) في الأصل: "مؤخر وهو تصحيف".

(2)

انظر: الصحاح والقاموس المحيط مادة: (نسأ).

(3)

التوبة: 37.

(4)

الصواب: تأخير تحريم القتال في المحرم إلى صفر، أي إنهم يحلون القتال في المحرم ويحرمونه في صفر. انظر: تفسير ابن كثير 2/ 356.

(5)

قال في القاموس: سميت بذلك لأن الدابة تنسأ بها. اهـ. أي: تدفع وتساق بها.

انظر: القاموس المحيط مادة (نسأ).

(6)

سبأ: 14.

(7)

بيت من البسيط لم أعثر على قائله، وقد ذكره الجاحظ في البيان والتبيين 3/ 29، وابن منظور في اللسان مادة (نسأ) دون نسبة.

(8)

النحل: 101، وتمامها:{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} .

(9)

انظر هذا الدليل في: إحكام الفصول للباجي 1/ 415، والمستصفى 1/ 111، وروضة الناظر ص 73.

(10)

بأسره أي: بقده، يعني: جميعه، كما يقال: برمته، وانظر: الصحاح مادة (أسر).

ص: 470

"وهو واقع".

قوله: (وأنكره بعض اليهود عقلاً) حجتهم: أن الفعل لا يخلو إما أن يكون حسنًا وإما أن يكون قبيحًا، فإن كان حسنًا استحال النهي عنه لحسنه، وإن كان قبيحًا استحال الإذن فيه لقبحه؛ لأن الله تعالى لا يأمر بشيء إلا وفيه مصلحة، ولا ينهى عن شيء إلا وفيه مفسدة، فكيف يأمر بما فيه مصلحة ثم ينهى عنه؟ وكيف ينهى عن شيء فيه مفسدة ثم يأمر به؟ (1).

أجيب عن هذا: بأن الفعل قد يكون حسنًا في وقت وقبيحًا في وقت آخر، كالأكل والشرب، باعتبار الصحة والمرض، وباعتبار الجوع والشبع، وباعتبار الشتاء والصيف.

ألا ترى أن الطبيب قد يأمر المريض بدواء خاص في وقت معين لمصلحة، وينهاه عن ذلك في وقت آخر لمصلحة أخرى؛ لأن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، كما تختلف باختلاف الأزمان والأوقات (2).

قوله: (وبعضهم سمعًا) يعني الطائفة العنانية من اليهود.

حجتهم: أن موسى عليه السلام تواتر عندهم أنه قال: إن هذه الشريعة مؤبدة عليكم ما دامت السموات والأرض (3)(4).

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 119، ونهاية السول 2/ 560، والمحصول 1/ 3/ 446، والتنقيح لصدر الشريعة 2/ 63، والتبصرة ص 253، والمعتمد 1/ 402، وشرح القرافي ص 303، والمسطاسي ص 56.

(2)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 116، والتنقيح لصدر الشريعة 2/ 63، وشرح القرافي ص 304، والمسطاسي ص 56، والمغني للخبازي ص 252، وتيسير التحرير 3/ 182، والمحصول 1/ 3/ 452.

(3)

انظر: الإصحاح السادس من سفر التثنية في التوراة السامرية، ص 300.

(4)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 120، والمحصول 1/ 3/ 452، والتبصرة ص 254، =

ص: 471

أجيب عنه بأوجه:

أحدها: الأدلة المتقدمة في جواز النسخ.

الوجه الثاني: أن لفظ الأبد ظاهر في عموم الأزمنة المستقبلة لا نص، والمسألة علمية لا يكتفى فيها بالظواهر (1) كما يأتي في قوله:"ويجوز نسخ ما قيل فيه: افعلوا أبدًا خلافًا لقوم"(2)، فإن صيغة أبدًا بمنزلة العموم في الأزمان، والعموم قابل للتخصيص والنسخ.

الوجه الثالث: أن اليهود لم يبق منهم ما يصلح للتواتر؛ لأنهم أفناهم وأبادهم بختنصر (3) بالقتل (4).

= وتيسير التحرير 3/ 183، وشرح القرافي ص 304، والمسطاسي ص 56.

(1)

انظر: المسطاسي ص 57.

(2)

انظر: ص 150 من مخطوط الأصل، ص 498 من هذا المجلد، وشرح القرافي ص 310.

(3)

كثير من المؤرخين المسلمين يجعلون بختنصر الذي غزا أورشليم مرزبانًا أو أميرًا على العراق من قبل ملوك فارس، وكان في عصر الملك لهراسب، قال المسعودي: وأهل التواريخ يجعلونه ملكًا برأسه، وإنما كان مرزبانًا على ما وصفنا. اهـ.

أما المؤرخون المعاصرون فيرون أنه أحد ملوك الدولة الكلدانية التي حكمت بين عامي (608 - 538 ق. م)، وكان حكمه بين عامي (605 - 562 ق. م)، ويسمى بختنصر أو بنوخذ نصر بن نيوبل عزر، وقد غزا أورشليم فحاصرها ثم ظفر بها، فدمر قصر الملك، والهيكل، وذبح ستين من أعيانها، وأسر أكثر من عشرة آلاف، وكان ذلك نحو عام (586 ق. م). انظر: تاريخ الطبري 1/ 538، ومروج الذهب للمسعودي 1/ 235، والبداية والنهاية 2/ 38 - 39، والأمم السامية مصادر تاريخها وحضارتها تأليف حامد عبد القادر ص 92، 112، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 1/ 351، وانظر: القاموس المحيط مادة (نصر).

(4)

انظر: المحصول 1/ 3/ 457، والتلويح 2/ 63، وتيسير التحرير 3/ 184، وشرح القرافي ص 305، وشرح المسطاسي ص 57.

ص: 472

الوجه الرابع: أن لفظ الأبد في التوراة ورد على خلاف التأبيد (1)، فقال في التوراة: العبد يستخدم ست سنين ثم يعتق في السابعة، فإن أبى العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبدًا (2)، فأطلق الأبد على العمر خاصة، وقال في السفر الثاني من التوراة: قربوا إليّ كل يوم خروفين/ 246/؛ خروفًا غدوة وخروفًا عشية قربانًا دائمًا لاحقًا بكم أبدًا (3)، ثم نسخ ذلك.

الوجه الخامس: أنه لو صح ما ذكروه من النقل عن موسى عليه السلام لحاججوا (4) به النبي عليه السلام، ولم يرو عن أحد منهم أنه أظهر ذلك في زمان النبي عليه السلام، وإنما أظهره ابن الراوندي (5)(6) بعد ذلك، ليعارض

(1) انظر: المحصول 1/ 3/ 457، والإحكام للآمدي 3/ 125، وشرح القرافي ص 305، والمسطاسي ص 57.

(2)

انظر: الإصحاح الحادي والعشرين 2، 5، 6 من سفر الخروج من التوراة السامرية ص 146.

وانظر: المحصول 1/ 3/ 458، وشرح القرافي ص 305، والمسطاسي ص 57.

(3)

انظر: الإصحاح التاسع والعشرين من سفر الخروج/ 38 - 42، ص 161 من التوراة السامرية والنص بالمعنى.

انظر: شرح القرافي ص 305، والمسطاسي ص 57.

(4)

كذا في الأصل، والصواب الإدغام؛ لأنهما مثلان متحرك ثانيهما في كلمة واحدة، جب الإدغام، والفك هنا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر.

انظر: المفصل للزمخشري ص 393، وشرحه لابن يعيش 10/ 121، والتبصرة للصيمري 2/ 934، 935.

(5)

في الأصل: "ابن ابن الراوندي" وهو تكرار.

(6)

أَبو الحسين: أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي، نسبة إلى قرية من قرى قاسان بنواحي أصبهان، جزم أكثر العلماء بإلحاده لتصنيفه كتبًا يسفه بها القرآن والنبوات، وقد عده بعضهم من المعتزلة، وصنف هو كتابًا ردّ فيه عليهم سماه: فضيحة المعتزلة، قالوا: ألّف ما يزيد على مائة كتاب، توفي سنة 245 هـ، وقيل غير ذلك. انظر: =

ص: 473

بذلك دعوى محمد صلى الله عليه وسلم (1).

الوجه السادس: أنه لو صح ما نقلوه عن موسى عليه السلام لما ظهرت معجزات نبي بعده، وقد ظهرت معجزات عيسى، ومعجزات محمد عليهما الصلاة والسلام (2).

فثبت بما قررناه أن ما نقلوه عن موسى عليه السلام افتراء عليه وبهتان، والحمد لله على ظهور كذبهم وفضيحتهم.

قوله: (ويجوز عندنا وعند الكافة نسخ القرآن خلافًا لأبي مسلم (3) الأصفهاني؛ لأن الله تعالى نسح وقوف الواحد للعشرة [في الجهاد](4) بثبوته للاثنين، وهما في القرآن).

ش: هذه مسألة ثانية (5).

= الوفيات 1/ 94، وشذرات الذهب 2/ 235.

(1)

انظر: الإحكام 3/ 124، والتلويح على التوضيح لمتن التنقيح للسعد التفتازاني 2/ 63، والتبصرة ص 254، وتيسير التحرير 3/ 184، والمسطاسي ص 57.

(2)

انظر: شرح المسطاسي ص 57، وبرهان الجويني فقرة 1428.

(3)

"مسلمة" في أ.

(4)

ساقط من الأصل.

(5)

اللائق بهذه المسألة أن توضع في الفصل الثالث الخاص بالناسخ والمنسوخ كما هو صنيع كثير من الأصوليين، لكن الشوشاوي تبع القرافي في ذكرها هنا وتكرارها هناك. وكثير من الأصوليين كالباجي والشيرازي وأبي الخطاب وغيرهم لم يذكروا فيها خلافًا، فانظر المسألة في: الإحكام لابن حزم 1/ 440، واللمع للشيرازي ص 173، وإحكام الفصول للباجي 1/ 455، والمحصول 1/ 3/ 460، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 368، والإبهاج 2/ 251، وشرح القرافي ص 306، وشرح المسطاسي ص 58.

ص: 474

قوله: (عندنا) يعني: أهل السنة.

قوله: (وعند الكافة) يعني: المعتزلة.

قوله: (خلافًا لأبي مسلم الأصبهاني)، ذكر المؤلف أن الخلاف المنسوب إلى أبي مسلم الأصبهاني مخصوص بنسخ القرآن.

وهذا مخالف لما قال سيف الدين الآمدي في الإحكام؛ لأنه ذكر أن أبا مسلم الأصبهاني خالف في النسخ مطلقًا، فإنه منع وروده شرعًا وجوزه عقلاً (1)، كما تقدم لنا أول هذا الفصل (2).

فيحتمل أن يكون لأبي مسلم الأصبهاني قولان: قول بإنكار النسخ مطلقًا كما قاله الآمدي، وقول بإنكاره في القرآن خاصة، كما قاله المؤلف (3).

قوله: (خلافًا لأبي مسلم الأصبهاني) ذكر المؤلف الخلاف في جواز نسخ القرآن، وهذا مخالف لما ذكره القاضي أَبو بكر وإمام الحرمين؛ لأنهما قالا: لا خلاف بين الأمة في جواز نسخ القرآن بالقرآن (4)، ولم يذكرا خلاف

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 115.

(2)

انظر: ص 460 من هذا المجلد.

(3)

ذكر القرافي خلاف أبي مسلم تبعًا للرازي في المحصول 1/ 3/ 460، ولعل ذلك من باب أنه مخالف في أصل المسألة، وهو وقوع النسخ، فخلافه جار على فروعها لا أن له قولين، على أن الآمدي لم ينف خلاف أبي مسلم في هذه المسألة؛ لأنه قال: اتفق القائلون بالنسخ على جواز نسخ القرآن بالقرآن. اهـ.

فانظر: الإحكام 3/ 146، وانظر: الإبهاج 2/ 251، وشرح المسطاسي ص 58.

(4)

لم أجد في البرهان نصًا لإمام الحرمين يدل على هذا، ولعله يفهم من تعرضه للخلاف في نسخ الكتاب بالسنة والسنة بالكتاب، أو أنه في كتاب آخر كالتلخيص، وقد صرح بنفي الخلاف: الباجي في الفصول 1/ 455.

وقال الآمدي: اتفق القائلون بالنسخ على جواز نسخ القرآن بالقرآن، وهي عبارة =

ص: 475

أبي مسلم الأصبهاني، فيحتمل أن يكون سكوتهما عن خلاف أبي مسلم الأصبهاني بناء على القول بتكفير المعتزلة (1)، فلا يعتبرون في الإجماع (2).

قوله: (خلافًا لأبي مسلم)، قال أَبو إسحاق الشيرازي في اللمع: أَبو مسلم كنيته، واسمه: عمر بن يحيى (3).

حجة الجماعة: ما قاله المؤلف، وهو قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ (4) مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا [أَلْفًا](5) مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ

= جميلة، فانظر: الإحكام 3/ 146.

(1)

لم أجد من صرح بتكفير المعتزلة، غير أن ابن تيمية قال في الفتاوى 7/ 507: والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية والمشبهة وأمثال هؤلاء، ولم يكفر أحمد الخوارج ولا القدرية إذا أقروا بالعلم وأنكروا خلق الأفعال وعموم المشيئة، لكن حكي عنه في تكفيرهم روايتان. اهـ.

وانظر مسألة التكفير وعدمه في الفتاوى 7/ 507، 12/ 484 وما بعدها.

(2)

أو بناء على معرفة خلافه في أصل المسألة، فلا حاجة إلى التنبيه على خلافه في فروعها، كما فعل ذلك الآمدي في الإحكام 3/ 146.

وانظر: المسطاسي ص 58.

(3)

هذا ما صرح به بعض متأخري الأصوليين من أن أبا إسحاق ذكر اسمه في اللمع وقال: هو عمر بن يحيى، أو عمرو بن يحيى، ولم أجد هذا في نسخة اللمع المطبوعة.

وقد ذكره الشيرازي في التبصرة فقال: وقال أَبو مسلم عمرو بن يحيى الأصبهاني: فلعل مراد العلماء: التبصرة، وقد تابع الشوشاوي القرافي في هذا.

والأصوليون يختلفون في اسم هذا الرجل، فبعضهم يقول: محمد بن بحر، وآخرون يسمونه عمرو بن بحر، وقال آخرون: عمرو بن يحيى، وقال آخرون: محمد بن يحيى، وغير ذلك، والصحيح الذي ذكرته كتب التراجم هو الأول، وغيره إنما هو من تصحيفات النسّاخ، فراجع ترجمته المتقدمة.

وانظر: شرح القرافي ص 306، وشرح المسطاسي ص 58.

(4)

بالتاء، هي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر، وقرأ الباقون بالياء:"يكن". انظر: النشر 2/ 277.

(5)

ساقط من الأصل.

ص: 476

قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (1)، هذه الآية منسوخة بالتي بعدها، وهي قوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ (2) مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (3)(4).

وكذلك نسخ اعتداد المتوفى عنها بالحول الكامل بأربعة أشهر وعشر، وذلك أن قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (5)، وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (6)(7).

وغير ذلك من الناسخ والمنسوخ في القرآن.

حجة أبي مسلم القائل بمنع نسخ القرآن بالقرآن: قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ [مِنْ] (8) بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (9)، فلو نسخ لبطل؛ لأن النسخ إبطال (10).

(1) الأنفال: 65.

(2)

بالتاء هي قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر، وقرأ الباقون بالياء:"يكن". انظر: النشر 2/ 277.

(3)

الأنفال: 66.

(4)

انظر: المحصول 1/ 3/ 463، والإحكام للآمدي 3/ 146، والمسطاسي ص 58، والإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 259.

(5)

البقرة: 240.

(6)

البقرة: 234.

(7)

انظر: المحصول 1/ 3/ 460، والإبهاج 2/ 252، والإحكام للآمدي 3/ 146، وشرح القرافي ص 306، والمسطاسي ص 58.

(8)

ساقط من الأصل.

(9)

فصلت: 42، وتمامها:{تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .

(10)

انظر: المحصول 1/ 3/ 467، والإبهاج 2/ 255، ونهاية السول 2/ 562، وشرح =

ص: 477

أجيب: بأن معنى الآية: لم يتقدمه من الكتب ما يبطله، ولا يأتي بعده ما يبطله (1)، فالناسخ والمنسوخ حق (2).

قوله: (ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه عندنا خلافًا لأكثر الشافعية والحنفية [والمعتزلة] (3)، كنسخ ذبح إسحاق عليه السلام قبل وقوعه).

ش: هذه مسألة ثالثة (4)(5).

= القرافي ص 306، وشرح المسطاسي ص 58.

(1)

العبارة في الأصل: "ولا يأتي بعده ما بعده ما يبطله"، وهي زيادة من الناسخ.

(2)

انظر: المحصول 1/ 3/ 467، والإبهاج 2/ 256، ونهاية السول 2/ 562، وشرح القرافي ص 306، والمسطاسي ص 58.

(3)

ساقط من خ.

(4)

انظر المسألة في: البرهان فقرة 1431، والإحكام لابن حزم 1/ 472، والمعالم للرازي ص 214، والمحصول 1/ 3/ 467، والفصول للباجي 1/ 438، والوصول لابن برهان 2/ 36، والمعتمد 1/ 406، والمستصفى 1/ 112، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 66، واللمع للشيرازي ص 165، والإحكام للآمدي 3/ 126، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 355، والعدة 3/ 807، والإبهاج 2/ 256، وشرح القرافي ص 306، والمسطاسي ص 58، وشرح حلولو ص 258.

(5)

الخلاف في هذه المسألة مشهور عن المعتزلة، أما نسبته لأكثر الشافعية والحنفية فغير محررة.

أما الشافعية، فلأن المصرح به في كتب أصولهم الجواز، ككتب الشيرازي والرازي والغزالي وغيرهم، إلا أن الشيرازي في اللمع نسب الخلاف لبعض الشافعية، وصرح الآمدي بنسبته إلى أبي بكر الصيرفي، أما الحنفية، فالخلاف عندهم محكي عن بعض شيوخهم، وهم: الكرخي والماتريدي والجصاص والدبوسي، أما جماهيرهم وعلى رأسهم البزدوي والسرخسي فيقولون بالجواز، هذا ما صرح به صاحب المسلم وشارحه، وصاحب التيسير، ولم يحك صدر الشريعة في توضيحه الخلاف إلا عن المعتزلة.

وقد حكى بعض الأصوليين الخلاف هنا عن بعض الحنابلة، وصرح بعض الحنابلة =

ص: 478

قال المؤلف في شرحه: ها هنا أربع صور:

إحداها: أن يوقت الفعل بزمان مستقبل فينسخ قبل حضوره.

وثانيها: أن يؤمر به على الفور فينسخ قبل الشروع فيه.

وثالثها: أن يشرع فيه فينسخ قبل كماله.

ورابعها: أن يكون الفعل يتكرر فيفعل مرارًا ثم ينسخ.

فأما هذه الصورة الرابعة فقد وافقنا فيها المعتزلة، لحصول مصلحة الفعل بتلك المرة الواقعة قبل النسخ، كنسخ بيت المقدس بالكعبة وغير ذلك.

وأما المسألة الأولى والثانية، وهما: النسخ قبل الوقت، وقبل الشروع، فقد منعه المعتزلة، لعدم حصول مصلحة الفعل؛ لأن ترك المصلحة عندهم ممنوع على قاعدة التحسين والتقبيح.

وأما الصورة الثالثة وهي: النسخ بعد الشروع وقبل الكمال، فقال المؤلف في شرحه: لم أر فيه نقلاً للأصوليين، ومقتضى مذهب المعتزلة في هذه الصورة التفصيل بين الفعل الذي لا تحصل مصلحته إلا بكماله، وبين الفعل الذي تكون مصلحته متوزعة على أجزائه.

مثال الفعل الذي لم تحصل مصلحته إلا بكماله كذبح الحيوان، وإنقاذ

= بأنه رأي لأبي الحسن التميمي، أما جماهير الحنابلة فيقولون بالجواز.

انظر: اللمع للشيرازي ص 165، والمحصول 1/ 3/ 468، والمستصفى 1/ 112، والمنخول 297، والإحكام للآمدي 3/ 126، والفصول للباجي 1/ 438، ومسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت 2/ 61، وتيسير التحرير 3/ 187، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 66، والعدة لأبي يعلى 3/ 807، 808، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 355، والمعتمد 1/ 407.

ص: 479

الغريق؛ فإن مجرد قطع الجلد لا يحصل مقصود الذكاة من إخراج الفضلات وزهوق الروح على وجه السهولة، وكذلك إيصال الغريق في البحر إلى قرب البر ويترك هنالك لا يحصل مقصود النجاة.

ومثال الفعل الذي تكون مصلحته متوزعة على أجزائه كإطعام الجوعان، وسقي العطشان، وإكساء العريان، فإن كل جزء من هذه الأفعال يحصل جزءًا من المصلحة.

فمقتضى مذهبهم (1) في القسم الأول منع النسخ لعدم حصول المصلحة، ومقتضى مذهبهم في القسم الثاني الاحتمال: يحتمل أن يقولوا بالجواز لحصول بعض المصلحة المخرجة للأمر الأول عن العبث، ويحتمل أن يقولوا بالمنع؛ لأن جزء المصلحة لا يقصدها العقلاء غالبًا بخلاف المصالح التامة (2).

قوله: (ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه عندنا) هو أعم/ 247/ من كونه لم يحضر وقته، أو حضر ولم يفعل منه شيء، أو فعل بعضه ولم يكمل، فإن هذه الصور كلها مندرجة في كلام المؤلف، وهي كلها جائزة عندنا نحن المالكية (3).

قوله: (كنسخ ذبح إِسحاق عليه السلام قبل وقوعه) أي: قبل وقوع الذبح، أي: قبل حصوله (4).

(1)"مذهم" في الأصل، وهو تصحيف ظاهر.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 307، والنقل بمعناه، وانظر: شرح المسطاسي ص 58 - 59، وشرح حلولو ص 259.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 59.

(4)

هذا الدليل على الجواز، فانظره في البرهان فقرة 1436، والإحكام لابن حزم 1/ 474، والمعالم للرازي ص 214، والفصول للباجي 1/ 438، واللمع =

ص: 480

وذلك أن الله تعالى أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، بدليل قوله تعالى:{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (1)، ثم نسخ ذلك قبل فعله بذبح كبش بدليل قوله تعالى:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (2)(3).

قال ابن عباس رضي الله عنه: فدي بكبش رعى في الجنة أربعين سنة (4)، ومعنى قوله: عظيم، أي: كبير متقبل (5).

قوله: (كنسخ ذبح إِسحاق عليه السلام هذا يقتضي أن الذبيح هو إسحاق، هذا هو القول الصحيح، وهو الذي عليه كثير أهل العلم (6)(7).

= ص 165، والتوضيح 2/ 66، والمحصول 1/ 3/ 468، والإحكام للآمدي 3/ 126، والوصول لابن برهان 2/ 39، والإبهاج 2/ 258، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 356.

(1)

الصافات: 102.

(2)

الصافات: 107.

(3)

انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص 339.

(4)

أخرجه ابن جرير في التفسير؛ في تفسير سورة الصافات، بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، فانظر: التفسير 23/ 50، وانظر: الدر المنثور للسيوطي 5/ 284، وتفسير ابن كثير 4/ 15.

(5)

انظر: تفسير القرطبي 15/ 107، وتفسير الطبري 23/ 50، 51.

(6)

لعل العبارة: "كثير من أهل العلم".

(7)

أما إن كثيرًا من أهل العلم عليه فصحيح، وأما إنه الصحيح ففيه نظر؛ لأن القولين متكافئان؛ فكل واحد منهما قال به جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

قال ابن كثير بعد أن ساق أقوالاً لبعض الصحابة والتابعين بأن الذبيح إسحاق، قال: وهذه الأقوال والله أعلم كلها مأخوذة عن كعب الأحبار. اهـ.

قلت: وقد تعددت الروايات الصحيحة عن ابن عباس على أن الذبيح إسماعيل، وجزم به عدد من كبار التابعين، كالحسن البصري، ومجاهد، والشعبي، وسعيد بن =

ص: 481

وقيل: بأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، واستدل قائل هذا بقوله تعالى:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} (1)؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أن المبشر به خلاف الذبيح، أي: وبشرناه بإسحاق مع الفداء، وإنما قلنا: ظاهر الآية أن إسماعيل هو الذبيح؛ لأن الله تعالى لما فرغ من قصة الذبيح قال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} ، فدل ذلك على أن المبشر به غير الذبيح.

وتأولها القائلون بأن الذبيح هو إسحاق بأن التقدير: وبشرناه بكون إسحاق نبيًا من الصالحين (2).

قوله: (كنسخ ذبح إسحاق عليه السلام اعترض سيف الدين هذا المثال بأن النسخ فيه بعد التمكن من الامتثال، وليس محل النزاع في النسخ قبل التمكن من الامتثال (3)(4).

أجيب: بأنه لو كان بعد التمكن لعصى بتأخير المأمور به عن أول زمان الإمكان.

ومثل سيف الدين هذه المسألة: بنسخ الخمسين صلاة ليلة الإسراء بخمس

= جبير، وسعيد بن المسيب، فالجزم بصحة القول بأن الذبيح إسحاق فيه نظر.

وانظر تحرير المسألة ونسبة الأقوال إلى أهلها في: تفسير الطبري 3/ 48 - 50، وتفسير القرطبي 15/ 99، 100، والدر المنثور للسيوطي 5/ 280 - 283، وتفسير ابن كثير 4/ 17، 18، وشرح المسطاسي ص 59.

(1)

الصافات: 112.

(2)

انظر: تفسير الطبري 3/ 51.

(3)

هكذا العبارة في الأصل، وهي قلقة لا تناسب السياق، ولعل صوابها: وليس محل النزاع في النسخ بعد التمكن من الامتثال، أو: وليس محل النزاع؛ إذ محل النزاع في النسخ قبل التمكن من الامتثال.

(4)

انظر: المسطاسي ص 59.

ص: 482

صلوات (1)(2).

قال المؤلف في شرحه: ويرد عليه أن ذلك خبر واحد والمسألة علمية، فلا يفيد القطع، ولأنه نسخ قبل الإنزال، وقبل الإنزال لا يتقرر علينا حكم، فليس من صورة النزاع (3).

قال بعضهم: قول المؤلف: نسخ قبل الإنزال، فيه نظر، بل هو نسخ بعد الإنزال؛ لأنه أنزل على النبي عليه السلام في السماء ولا عبرة في هذا بالإنزال إلى الأرض؛ لأن الذي ينزل عليه هو النبي عليه السلام (4)، وقد أمر بذلك سواء كان في الأرض أو في السماء، فمثال سيف الدين موافق.

قوله (5): (ونسخ (6)[الحكم](7) لا إِلى بدل خلافًا لقوم، كنسخ الصدقة في قوله تعالى:{فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (8) لغير بدل).

(1) نسخ الصلوات من خمسين إلى خمس صلوات ورد في حديث الإسراء المشهور، الذي رواه الأئمة وتلقته الأمة بالقبول، فانظره في البخاري في كتاب الصلاة برقم 349، وفي مسلم في كتاب الإيمان برقم 162، 163، وفي الترمذي في كتاب الصلاة برقم 213.

(2)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 130، وقد سبق الآمدي في التمثيل بهذا ابن حزم في الإحكام 1/ 472، والباجي في الفصول 1/ 441.

(3)

انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 308، حيث أوردهما، وانظر الاعتراضين أيضًا في: الإحكام للآمدي 3/ 131.

(4)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 132، وشرح المسطاسي ص 59.

(5)

"ويجوز" زيادة في خ.

(6)

"والنسخ" في أ، وش.

(7)

ساقط من أ، وش.

(8)

المجادلة: 12، وصدرها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا} الآية.

ص: 483

ش: هذه مسألة رابعة (1) اختلف فيها أهل السنة وأهل الاعتزال.

قوله: (خلافًا لقوم) يعني المعتزلة (2).

سبب الخلاف: هل يجوز ارتفاع التكليف عن المكلفين جملة أو لا يجوز؟

جوزه أهل السنة ومنعه المعتزلة، فإذا جوزناه جملة فأولى وأحرى أن نجيزه في عبادة مخصوصة (3).

واحتج المعتزلة على منع النسخ بغير بدل: بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (4)، فنص على أنه لا بد في النسخ من بدل بخير أو مثل (5).

أجيب عنه: بأن رفع الحكم لغير بدل قد يكون خيرًا للمكلف باعتبار

(1) انظر المسألة في: البرهان فقرة 1450، والمعتمد 1/ 415، واللمع ص 171، والمحصول 1/ 3/ 479، والوصول لابن برهان 2/ 21، والإحكام للآمدي 3/ 135، وجمع الجوامع وشرحه للمحلي 2/ 87، والإبهاج 2/ 261، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 351، وشرح المسطاسي ص 60، وشرح حلولو ص 260.

(2)

نسب الخلاف إليهم: أَبو المعالي في البرهان فقرة 1450، ولم يصرح أَبو الحسن في المعتمد 1/ 415 بنسبة القول بالمنع إلى أحد من أصحابه، ونصر القول بالجواز، وقد حكى ابن السبكي في الإبهاج 2/ 261 أنه قال: خالف فيه قوم من أهل الظاهر، وكذلك المعتزلة. اهـ، وانظر: شرح حلولو ص 260.

(3)

انظر: شرح المسطاسي ص 60.

(4)

البقرة: 106.

(5)

انظر الدليل في: المعتمد 1/ 416، والمحصول 1/ 3/ 479، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 251، وشرح القرافي ص 308، والمسطاسي ص 60.

ص: 484

التخفيف عليه يرفع التكليف عنه (1).

وأجيب عنه أيضًا: بأن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ

} الآية صيغة شرط والشرط لا يستلزم الإمكان؛ إذ ليس من شرط الشرط (2) أن يكون ممكنًا، فقد يكون الشرط ممكنًا كقوله: إن جاء زيد فأكرمه، وقد يكون متعذرًا إن (3) كان الواحد نصف العشرة فالعشرة اثنان، فهذا الشرط محال مع أن الكلام عربي فصيح، ومنه قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (4) فالشرط ها هنا محال أيضًا؛ لأن تعدد الآلهة محال، فإذا كان الشرط لا يستلزم الإمكان، فلا يدل على الوقوع مطلقًا، فضلاً عن الوقوع ببدل (5).

قوله: (كنسخ الصدقة في قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} (6))، قال بعضهم: الاستدلال بهذه الآية على جواز النسخ ضعيف؛ لأن هذا من باب ارتفاع الحكم لارتفاع سببه؛ لأن الأمر بالصدقة المذكورة

(1) انظر: المحصول 1/ 3/ 479، والوصول لابن برهان 2/ 21، وشرح القرافي ص 308، والمسطاسي ص 60.

(2)

في الأصل: "شر الشرط"، وهو سقط ظاهر.

(3)

كذا في الأصل ولعل العبارة: وقد يكون متعذرًا كقولك: إن كان

إلخ.

(4)

الأنبياء: 22.

(5)

نقل الشوشاوي هذا عن القرافي والمسطاسي.

وفي هذا التعليل نظر؛ فإن الشرط وإن كان لا يستلزم الإمكان إلا أنه يقتضي وجود المشروط عند وجوده، فالفساد لا بد أن يوجد عند تعدد الآلهة، وآية النسخ التي معنا صريحة في الدلالة على البدل، فيمكن أن يقال: إن التخفيف بغير بدل هو البدل، لا أن يقال بنفي البدل مطلقًا، والله أعلم.

انظر: شرح القرافي ص 308، والمسطاسي ص 60.

(6)

المجادلة: 12.

ص: 485

سببه التمييز بين المؤمنين والمنافقين (1)، وقد ذهب المنافقون فارتفع الحكم لارتفاع سببه (2).

أجيب عنه: بأن هذا رفع للحكم مع بقاء سببه؛ لأنه روي أنه لم يتصدق إلا علي رضي الله عنه (3)، فرفع الحكم ونسخ حينئذ مع بقاء السبب بعد صدقته (4).

وأجيب عنه أيضًا: بأن سبب الأمر بالصدقة هو أن أهل المشورة غلبوا على مجالسة النبي عليه السلام ومناجاته، فكره عليه السلام ذلك، فأمر الله عز وجل الأغنياء بالصدقة عند المناجاة، ثم نسخ ذلك (5).

(1) روى ابن جرير عن ابن زيد أنها نزلت لئلا يناجي أهل الباطل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن زيد: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم به. اهـ.

ونقل القرطبي عن زيد بن أسلم: أنها نزلت في المنافقين واليهود، كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: هو أذن. اهـ.

انظر: تفسير الطبري 28/ 14، 15، وتفسير القرطبي 17/ 301.

(2)

انظر: شرح القرافي ص 308، وشرح المسطاسي ص 61.

(3)

أخرجه الحاكم في التفسير من المستدرك 2/ 482، عن علي بن أبي طالب قال: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى .. الحديث.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقد أخرجه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد، فانظره في 28/ 14، وانظر: الدر المنثور للسيوطي 6/ 185.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 308، وشرح المسطاسي ص 61.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل كما ذكره السيوطي في الدر، وذكره عن مقاتل أيضًا: الواحدي في أسباب النزول، ونقل القرطبي عن الحسن البصري قريبًا منه.

انظر: الدر المنثور للسيوطي 6/ 185، وتفسير القرطبي 17/ 301، وأسباب النزول للواحدي ص 276، وانظر هذا الرد في المسطاسي ص 61.

ص: 486

قوله: (ونسخ الحكم إِلى الأثقل، خلافًا لبعض أهل الظاهر كنسخ عاشوراء برمضان)(1).

ش: هذه مسألة خامسة، ها هنا ثلاثة أوجه:

أحدها: نسخ الحكم ببدل مماثل، كنسخ توجه بيت المقدس بالكعبة.

الثاني: نسخ الحكم ببدل أخف، كنسخ تحريم الأكل بعد النوم ليلة رمضان بإباحة الأكل (2).

(1) روى البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بصيام عاشوراء، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. فانظره في كتاب الصوم عند البخاري برقم 1893، 2001، وفي مسلم برقم 1125، وفي الترمذي برقم 753، وفي أبي داود برقم 2442.

وللبخاري ومسلم وأبي داود مثله عن ابن عمر، فانظر كتاب الصوم في البخاري، الحديث رقم 1892، ومسلم رقم 1126، وأبي داود رقم 2443.

ويرى بعض العلماء أن عاشوراء لم يجب قط، وإنما كان مندوبًا، وعمدتهم في ذلك حديث معاوية أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر" رواه البخاري في الصوم برقم 2003، والذي عليه جمع من العلماء أنه كان واجبًا قبل فرض رمضان، نقل الحازمي عن الشافعي أنه قال: لا يحتمل قول عائشة ترك صيامه بمعنى يصح إلا ترك إيجاب صومه. اهـ. قالوا: ولأن معاوية إنما صحب النبي من سنة الفتح، والذي روى إيجاب الصوم شهدوه في السنة الأولى.

انظر: الاعتبار للحازمي ص 205 - 208، والمعتبر للزركشي ص 205، وفتح الباري لابن حجر 4/ 247.

(2)

الناسخ هو قوله تعالى في سورة البقرة: 187،:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية.

وقد ورد هذا من حديث البراء في قصة صرمة الأنصاري أنه طلب من أهله طعامًا فلم يجد فقالت امرأته: أذهب ألتمس لك طعامًا، فلما رجعت وجدته نائمًا فلم يأكل =

ص: 487

والثالث: نسخ الحكم بأثقل منه، كنسخ عاشوراء بصوم رمضان؛ لأن صوم شهر أثقل من صوم يوم.

أما القسمان الأولان فلا خلاف في جوازهما عند القائلين بالنسخ.

وأما القسم الثالث، وهو النسخ بالأثقل: فهو محل النزاع (1).

جوّزه جمهور العلماء من الفقهاء والمتكلمين (2)، ومنعه بعض الظاهرية (3)، وبعض الشافعية (4)، وبعض المعتزلة (5)، ولكن منهم من منعه مطلقًا عقلاً وسمعًا، ومنهم من منعه سمعًا وجوّزه عقلاً (6).

حجة الجمهور: نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان (7)، وكذلك نسخ الصفح/ 248/ عن الكفار بالقتال؛ لأن القتل أثقل وأشد من الصفح؛ لأن

= لأنه حرم عليه، فلما انتصف النهار من غد سقط مغشيًا عليه من الجوع، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فنزل التخفيف، فانظر القصة في البخاري في كتاب الصوم برقم 1915، والترمذي في التفسير برقم 2968، والنسائي في الصوم 4/ 147، وأبي داود في الصوم برقم 2313.

(1)

في هامش مخطوط الأصل: الخلاف، وقد جزم بصحتها الناسخ.

(2)

انظر: اللمع ص 171، والفصول للباجي 1/ 429، والوصول لابن برهان 2/ 25، والمحصول 1/ 3/ 480، والمعتمد 1/ 416، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 352، والإحكام للآمدي 3/ 137، والإبهاج 2/ 262.

(3)

انظر: الإبهاج 2/ 263، والفصول للباجي 1/ 429، والمحصول 1/ 3/ 480، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 352.

(4)

انظر: اللمع ص 172، والإحكام للآمدي 3/ 137.

(5)

انظر: شرح المسطاسي ص 61.

(6)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 137.

(7)

انظر: المحصول 1/ 3/ 480، والآمدي 3/ 137.

ص: 488

قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} (1) منسوخ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (2)(3).

وكذلك نسخ الحبس في البيوت بالجلد والرجم؛ لأنهما أثقل وأشد على الزناة (4) من الحبس؛ لأن قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ} (5) منسوخ بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي

} الآية (6)، وبرجم النبي عليه السلام ماعزًا والغامدية (7)(8).

حجة المخالف: قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (9) فنصّ على الخير وهو الأخف، ونصّ على المثل، ولم ينص على الأثقل، فيمنع (10).

أجيب عنه: بأن الأثقل قد يكون خيرًا للمكلف باعتبار الثواب

(1) الزخرف: 89، وتمامها:{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} .

(2)

التوبة: 5.

(3)

انظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 267، والفصول للباجي 1/ 432، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 352، والمسطاسي ص 61.

(4)

"الزيادة" في الأصل وهو تصحيف.

(5)

النساء: 15، وتمامها:{حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} .

(6)

النور: 2.

(7)

في الأصل: "العامرية".

(8)

انظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 179، والمحصول 1/ 3/ 480، والوصول لابن برهان 2/ 26، وشرح القرافي ص 308، والمسطاسي ص 61.

(9)

البقرة: 106.

(10)

انظر: الفصول للباجي 1/ 432، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 352، والإحكام للآمدي 3/ 139، والإبهاج 2/ 263، وشرح القرافي ص 308.

ص: 489

والأجور (1).

واحتج المخالف أيضًا: بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2) والأثقل هو عسر لا يسر (3).

أجيب عنه: بأن اليسر محمول على اليسر في الآخرة (4).

قوله: (ونسخ التلاوة دون الحكم، كنسح: "الشيخ والشيخة إِذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله" مع بقاء الرجم (5)، والحكم دون التلاوة كما تقدم في [آية](6) الجهاد (7)، وهما معًا لاستلزام إمكان المفردات إِمكان المركبات (8)).

(1) انظر: المحصول/ 3/ 481، والوصول لابن برهان 2/ 26، والفصول للباجي 1/ 432، وشرح القرافي ص 309.

(2)

البقرة: 185.

(3)

انظر: الفصول للباجي 1/ 431، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 253، والإحكام للآمدي 3/ 138، والإبهاج 2/ 264، وشرح القرافي ص 308.

(4)

انظر: الفصول للباجي 1/ 431، والمحصول 1/ 3// 482، والإبهاج 2/ 264، وشرح القرافي ص 309.

(5)

روى هذا البخاري في خطبة عمر المشهورة فانظرها بطولها في كتاب الحدود من الصحيح برقم 6830، وانظر ما يتعلق بنسخ هذه الآية في مسلم عن ابن عباس عن عمر موقوفًا برقم 1691، والموطأ 2/ 824، وأبي داود برقم 4418، وابن ماجه برقم 2553، والبيهقي 8/ 211، وقد رواها البيهقي من حديث أبيّ بن كعب 8/ 211، وأيضًا من حديث زيد بن ثابت 8/ 211، وأخرج الحاكم في المستدرك حديث أبيّ فانظر: المستدرك 4/ 359.

(6)

ساقط من أوخ وش.

(7)

هي قوله تعالى في سورة الأنفال: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} الآية: 65.

(8)

"المركب" في أوخ وش.

ص: 490

ش: هذه مسألة سادسة (1)، ذكر المؤلف فيها ثلاثة فروع وهي: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، أو نسخ التلاوة والحكم معًا.

مثال نسخ التلاوة دون الحكم قوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله".

وكذلك روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: كنا نقرأ من القرآن: "لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم"(2).

وكذلك روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: أنزل في قتلى بئر معونة (3):

(1) انظر المسألة في: اللمع ص 168، والفصول للباجي 1/ 434، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 73، والإحكام للآمدي 3/ 141، وشرح القرافي ص 309، وشرح المسطاسي ص 61، وشرح حلولو ص 261.

(2)

أخرجه السيوطي عنه في مسند الصديق من جمع الجوامع، فانظر مسند أبي بكر للسيوطي ص 56 ط. السلفية، وقد أخرجه البخاري عن عمر في خطبته، فانظر: كتاب الحدود برقم 6830، وأحمد 1/ 55، رواها أحمد مختصرة في المسند 1/ 47، ولم أجد هذا اللفظ عند من روى الخطبة غير من ذكرت.

وقد روى البخاري في الفرائض ص 6768، ومسلم في الإيمان ص 62، وأحمد في المسند 2/ 526، عن أبي هريرة حديثًا مرفوعًا لفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر".

(3)

معونة بفتح الميم وضم العين، بئر لبني سليم بين مكة والمدينة، وكانت عندها الوقعة المعروفة بسرية القراء، والتي غدرت فيها رعل وذكوان بسبعين من قراء الصحابة أرسلهم النبي في جوار أبي البراء عامر بن مالك المعروف بملاعب الأسنة، والقصة مسطورة في كتب السير والتاريخ.

فانظر: سيرة ابن هشام 3/ 183، وجوامع السيرة لابن حزم ص 178، والبداية والنهاية 4/ 71، وفتح الباري 7/ 386، وانظر: معجم البلدان مادة (بئر).

ص: 491

"ألا بلغوا إخواننا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"(1).

ومثال نسخ الحكم دون التلاوة: نسخ وقوف الواحد للعشرة بوقوفه للاثنين، وإليه أشار المؤلف بقوله: كما تقدم في آية الجهاد، وكذلك نسخ الاعتداد بالحول الكامل بالاعتداد بأربعة أشهر وعشرًا في حق المتوفى عنها زوجها.

وكذلك نسخ الوِصية للوالدين (2) والأقربين (3): {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (4) بآية المواريث، وهي قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ

} (5) الآية (6).

وكذلك نسخ وجوب الفدية على المفطر القادر على الصوم بوجوب الصوم، وذلك أن قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (7) أي: يطعم عن كل يوم أفطر فيه مدًا من الطعام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:

(1) رواه البخاري في المغازي من حديث أنس بن مالك برقم 4090، 4091، وفيه: قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنًا ثم إن ذلك رفع: "بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" اهـ.

(2)

"لوالدين" في الأصل.

(3)

لو قال: في قوله تعالى

إلخ لكان أولى.

(4)

البقرة: 180، وتمامها:{بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} .

(5)

النساء: 11.

(6)

وفي معناها غيرها من آيات المواريث، وهذه المسألة من المسائل التي اختلف فيها العلماء في جواز نسخ القرآن بالسنة، والخلاف هنا هل الناسخ لهذه الآية آيات المواريث، أو قوله صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث"؟ وستأتي هذه المسألة مبسوطة في جواز نسخ القرآن بالسنة إن شاء الله.

(7)

البقرة: 184، وهي بالجمع قراءة نافع وابن عامر وقرأها الباقون بالإفراد "مسكين".

انظر: النشر 2/ 226، وحجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 124.

ص: 492

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1)(2).

ومثال نسخ التلاوة والحكم معًا: قول عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل الله تعالى: "عشر رضعات يحرمن" ثم نسخن بخمس (3).

وروي أيضًا أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة ثم نسخ منها ما نسخ (4).

حجة الجمهور بالجواز مطلقًا: أن التلاوة والحكم عبادتان متباينتان، أي: حكمان متباينان، فجاز رفع أحدهما وبقاء الآخر، وجاز رفعها معًا؛ إذ ليس في ذلك كله ما يحيله كسائر الأحكام (5).

حجة من منع نسخ التلاوة مع بقاء الحكم: أن التلاوة دليل على الحكم والحكم يثبت بثبوتها، فينبغي أن ينتفي بانتفائها (6).

(1) البقرة: 185.

(2)

انظر: الإيضاح لمكي ص 125.

(3)

معنى حديث مشهور عن عائشة رواه مسلم برقم 1452، والترمذي رقم 1150، وأبو داود في النكاح برقم 2062، ومالك في الموطأ 2/ 608، والدارمي 2/ 157.

(4)

هذا مشهور أيضًا من حديث أبي بن كعب الذي مر معنا في نسخ آية: "الشيخ والشيخة إذا زنيا

" إلخ، وقد أخرجه النسائي في السنن الكبرى. انظر: تحفة الأشراف 1/ 16، وأحمد 5/ 132، والحاكم في المستدرك 4/ 359، والبيهقي 8/ 211، وابن حبان: انظر: موارد الظمآن رقم الحديث 1756.

(5)

انظر الدليل في: اللمع ص 171، والفصول للباجي 1/ 437، والوصول لابن برهان 2/ 28، والمحصول 1/ 3/ 482، والإحكام للآمدي 3/ 141، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 368، وشرح القرافي ص 309، وشرح المسطاسي ص 62.

(6)

انظر: الوصول لابن برهان 2/ 31، والإحكام للآمدي 3/ 142، والمسطاسي ص 62.

ص: 493

أجيب عنه: بأنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، فإن وجود العالم دليل على وجود صانعه جل وعلا، ولا يلزم من عدم العالم عدم صانعه (1).

حجة من منع نسخ الحكم دون التلاوة: أن التلاوة دليل على الحكم، فإذا ارتفع المدلول ارتفع دليله (2).

أجيب عنه: بأن دلالة التلاوة على الحكم مشروطة بعدم الناسخ، فإذا وجد الناسخ انتفت الدلالة لانتفاء شرطها (3).

قوله: (وهما معًا) فيه حذف مضاف تقديره: ونسخهما معًا، أي: ويجوز نسخ التلاوة والحكم معًا.

قوله: (لاستلزام إِمكان المفردات إِمكان المركبات).

هذا دليل على جواز نسخ التلاوة والحكم معًا، معناه: لأن ما يمكن في المفردات يلزم أن يمكن في المركبات، أي: فيما تركب من المفردات، يعني: أن النسخ لما جاز في حالة إفراد التلاوة دون الحكم، وجاز أيضًا في حالة إفراد الحكم دون التلاوة، فيجوز نسخهما معًا في حالة تركيبهما، أي: في حالة اجتماعهما.

قوله: (ونسخ الخبر إِذا كان متضمنًا لحكم عندنا خلافًا لمن جوز (4) مطلقًا، أو منع (5) مطلقًا، وهو أبو علي، وأبو هاشم وأكثر المتقدمين، لنا أن

(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 143، والمسطاسي ص 62.

(2)

انظر: اللمع ص 171، والفصول للباجي 1/ 434، والوصول لابن برهان 2/ 31، والمسطاسي ص 62.

(3)

انظر: الفصول للباجي 1/ 435، والمسطاسي ص 62.

(4)

"جوزه" في ش.

(5)

"منعه" في ش.

ص: 494

نسخ الخبر يوجب عدم المطابقة، وهو محال، فإِذا تضمن (1)[جاز نسخه](2)؛ لأنه (3) مستعار له، ونسخ الحكم جائز كما لو عبر عنه بالأمر).

ش: هذه مسألة سابعة (4). ذكر المؤلف في جواز نسخ الخبر ثلاثة أقوال: قولان متقابلان، والثالث بالتفصيل بين أن يكون بمعنى الطلب أم لا.

وهذا القول الثالث هو المختار عندنا، قاله الباجي في الفصول (5)، والقاضي عبد الوهاب في الملخص.

قوله: (خلافًا لمن جوز مطلقًا) كأبي عبد الله البصري، وأبي الحسين البصري، والقاضي عبد الجبار (6) كلهم من المعتزلة، واختاره فخر الدين منا (7) في المحصول (8).

قوله: (أو منع مطلقًا) وهو أبو علي وأبو هاشم وأكثر الأصوليين (9)،

(1)"الحكم" زيادة في أوخ وش.

(2)

ساقط من أ.

(3)

"فإنه" في أ.

(4)

انظر المسألة في: الإحكام لابن حزم 1/ 448، والفصول للباجي 1/ 427، والوصول لابن برهان 2/ 63، والمحصول 1/ 3/ 486، والإحكام للآمدي 3/ 144، واللمع ص 166، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 66، والمعتمد 1/ 419، والعدة لأبي يعلى 3/ 825، والمسودة ص 196، وشرح القرافي ص 309، وشرح المسطاسي ص 62، وشرح حلولو ص 262.

(5)

انظر: الفصول للباجي 1/ 427، وانظر: المسطاسي ص 63.

(6)

انظر آراءهم في: المعتمد 1/ 419، وانظر: الإحكام للآمدي 3/ 144، والمسطاسي ص 63.

(7)

هذا وهم، ولعله من النساخ؛ لأن الفخر شافعي، أو لعله يريد من أهل السنة.

(8)

انظر: المحصول 1/ 3/ 486، واختاره أيضًا ابن برهان في الوصول 2/ 63.

(9)

خاصة المتقدمين، انظر: المحصول 1/ 3/ 487، والمعتمد 1/ 419، والإحكام =

ص: 495

وهو مذهب القاضي أبي بكر (1).

قوله: (ونسخ الخبر

) المسألة، واعلم أن الخبر على قسمين: إما خبر عما لا يتغير؛ كالخبر بالوحدانية وحدوث العالم/ 249/ وما في معنى ذلك، فهذا لا يصح فيه النسخ باتفاق.

والقسم الثاني: هو الخبر عما يتغير، فهذا هو محل الخلاف (2)، سواء كان ماضيًا أو مستقبلاً، كان وعدًا أو وعيدًا أو حكمًا شرعيًا (3).

مثال الماضي: قولك: زيد مؤمن، أو زيد كافر.

ومثال الوعد: قولك: المطيع يدخل الجنة.

ومثال [الوعيد](4): قولك: العاصي يدخل النار.

ومثال الحكم الشرعي: قولك: يجب الحج على المستطيع.

قوله: (إِذا كان متضمنًا لحكم) أي: إذا كان الخبر بمعنى الأمر، مثلاً كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (5)، وقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (6)، وقوله تعالى:

= للآمدي 3/ 144، والفصول للباجي 1/ 427، وشرح القرافي ص 309، وشرح المسطاسي ص 63.

(1)

انظر: الإحكام للآمدي 3/ 144، وشرح المسطاسي ص 63.

(2)

انظر: اللمع ص 166، والمحصول 1/ 3/ 486، والمعتمد 1/ 419، والعدة 3/ 845، والتوضيح لصدر الشريعة 2/ 66، وشرح القرافي ص 309.

(3)

في الأصل بالواو: "وحكمًا شرعيًا".

(4)

غير موجودة في الأصل.

(5)

البقرة: 228.

(6)

البقرة: 233، وبعدها:{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} .

ص: 496

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (1).

وسبب الخلاف في جواز نسخ الخبر: مبني على الخلاف في حقيقة النسخ، فمن قال: النسخ عبارة عن بيان مدة لعبادة، قال هنا بجواز النسخ مطلقًا؛ إذ لا فرق في ذلك بين الخبر وغيره.

ومن قال: النسخ عبارة عن رفع الحكم الثابت، قال هنا بمنع النسخ مطلقًا؛ لأن رفع الخبر يؤدي إلى الخَلْف (2) والبداء (3)، وذلك في حق الله تعالى محال، فهذا هو سبب الخلاف بين القولين المتقابلين (4).

وأما من فرّق بين أن يتضمن حكمًا أم لا، فلأنه إذا تضمن حكمًا كان

(1) البقرة: 234.

(2)

بفتح المعجمة وتسكن اللام، هكذا ضبطها الناسخ، والذي ذكره أصحاب المعاجم في معنى هذه الكلمة أنها تطلق على الكلام الرديء، أو عكس قُدَّام، وذكروا معاني أخرى لا علاقة لها بمقامنا، وهذان المعنيان لا يدلان دلالة واضحة على ما يراد من الكلمة ها هنا، ولهذا أظن الأصوب في ضبطها هو الضم للمعجمة، قال صاحب القاموس: والخلف بالضم الاسم من الإخلاف، وهو في المستقبل كالكذب في الماضي، فهذا المعنى هو الذي يدل على ما يراد من الكلمة هنا، وهو التغير في الخبر، والله أعلم.

انظر: القاموس المحيط، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس، والمشوف المعلم، والصحاح مادة (خلف).

(3)

البداء، بفتحتين: اصطلاح كلامي تعلق به من أنكر النسخ أو بعض أنواعه، وتعلقت به الرافضة وجعلته سبب النسخ، وعولت عليه في بعض الآراء التي تقول بها، وأصل البداء في اللغة: الظهور، أو نشأة رأي جديد في الأمر، ويعرفه العلماء بأنه ظهور رأي محدث لم يظهر من قبل، أي: أمر بأمر ثم بدا له أن المصلحة في خلافه.

انظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 98، ومناهل العرفان للزرقاني 2/ 76، وشرح القرافي ص 310، والقاموس المحيط مادة (بدا).

(4)

انظر: شرح المسطاسي ص 63.

ص: 497

حكمه حكم الأمر فيجوز فيه النسخ كما يجوز في الأمر؛ إذ معناه معنى الأمر.

وأما ما لم يتضمن معنى الحكم (1) فلا يجوز فيه النسخ؛ لأنه يؤدي إلى الخلف والبداء، وذلك محال على الله جل جلاله (2).

قوله: (لنا أن نسخ الخبر يوجب عدم المطابقة، وهو محال، فإِذا تضمن الحكم جاز؛ لأنه مستعار له) هذا دليل القول بالتفصيل الذي هو المختار يعني: إنه لو قلنا: إنه يجوز النسخ لأدى ذلك إلى الكذب، وهو المراد بعدم المطابقة؛ لأن الخبر لم يطابق المخبر عنه، فإن الكذب معناه عدم المطابقة، كما أن الصدق معناه ثبوت المطابقة، والكذب في حق الله تعالى محال.

وأما إذا تضمن الخبر الحكم جاز نسخ الخبر؛ لأن الخبر مستعار للحكم، فإذا كان الخبر بمعنى الحكم فإن نسخ الحكم جائز، كما يجوز إذا عبر عن الحكم بالأمر.

قوله: (ويجوز نسخ ما قيل (3) فيه افعلوا (4) أبدًا، خلافًا لقوم؛ لأن صيغة أبدًا بمنزلة العموم في الأزمان، والعموم قابل للتخصيص (5) والنسخ).

ش: هذه مسألة ثامنة (6)، مثالها: أن يقول الشارع مثلاً: صوموا أبدًا.

(1) في الصلب: "الأمر"، وقد صححت في الهامش.

(2)

انظر: اللمع ص 166، 167، والإحكام للآمدي 3/ 145، والمعتمد 1/ 120، وشرح المسطاسي ص 63.

(3)

"ما قال" في أوخ وش.

(4)

"افعلوه" في ش.

(5)

"للخصوص" في الأصل.

(6)

انظرها في: التمهيد لأبي الخطاب 2/ 348، والوصول لابن برهان 2/ 27، =

ص: 498

حجة المشهور: أن لفظ الأبد بمنزلة لفظ العموم في الأزمان فيصح به النسخ والتخصيص كسائر الألفاظ العامة (1)، ولأجل هذا قال ابن العربي: إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق أبدًا، وقال: نويت يومًا أو شهرًا، فله الرجعة، بخلاف قوله لها: أَنتِ طالق حياتها، فليس له الرجعة، قاله في أحكام القرآن له، في سورة الحجر (2).

حجة المانع: قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (3) في أهل الجنة، وفي أهل النار، فلولا كلمة أبدًا لما استفدنا دوام أهل الجنة في الجنة، ولا دوام أهل النار في النار (4).

أجيب عنه: بأن الدوام لم يستفد من مجرد لفظة "أبدًا"، وإنما استفيد ذلك من تكراره في القرآن تكرارًا يفيد القطع بالدوام والبقاء (5).

= والمحصول 1/ 3/ 491، والإحكام للآمدي 3/ 134، والقرافي ص 310، وحلولو ص 263، وهذه المسألة لم يذكرها المسطاسي.

(1)

انظر الدليل في: المحصول 1/ 3/ 491، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 349، والإحكام للآمدي 3/ 134.

(2)

انظر: أحكام القرآن لابن العربي 3/ 1139.

(3)

قالها الله سبحانه في أهل الجنة في سورة: النساء: 57، 122، والمائدة: 119، والتوبة: 22، 100، والتغابن: 9، والطلاق: 11، والبيّنة:8.

وقالها سبحانه في أهل النار في سورة: النساء: 169، والأحزاب: 65، والجن:23.

(4)

انظر: شرح القرافي ص 310.

(5)

انظر: شرح القرافي ص 310.

ص: 499