الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع عشر
في النسخ
وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: في حقيقته.
الفصل الثاني: في حكمه.
الفصل الثالث: في الناسخ والمنسوخ.
الفصل الرابع: فيما يتوهم أنه ناسخ.
الفصل الخامس: فيما يعرف به النسخ.
الباب الرابع عشر في النسخ
وفيه خمسة فصول:
ش: النسخ في اللغة يطلق على معنيين: أحدهما: الإزالة (1)، والثاني: النقل (2).
فمن الإزالة (1): قوله تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ
…
} (3)، أي: يزيله (4)، ومنه قوله: نسخت الشمس الظل، ..................
(1)"الازلة" في الأصل.
(2)
ذكر هذين المعنيين معظم أصحاب المعاجم، كما ذكر صاحب اللسان وصاحب القاموس معان أخرى: كالإبطال والتبديل والتغيير.
فانظر: اللسان، والقاموس المحيط، وشرحه تاج العروس، والصحاح، ومعجم مقاييس اللغة، والأفعال للمعافري، كلها في مادة: نسخ، وانظر: شرح المسطاسي ص 51 - 52 تجد فيه كثيرًا مما في هذه المقدمة.
(3)
الحج: 5.
(4)
الذي في كتب أكثر المفسرين أن معنى ينسخ هنا: يبطل أو يذهب به، وأشار إلى هذا المعنى أَبو حيان في البحر المحيط.
وأرى أن المعنى الذي ذكره أكثر المفسرين أولى؛ لأن ما ألقى الشيطان لا يزول وإنما يزول تأثيره ببيان بطلانه وإنزال الله الرد عليه.
انظر: الكشاف للزمخشري 3/ 165، وتفسير القرطبي 12/ 86، والبحر المحيط 6/ 381، وتفسير ابن كثير 3/ 230، وروح المعاني 17/ 173، وتفسير أبي السعود 6/ 113.
أي: أزالته (1)، وقولهم: نسخت الريح الأثر، أي: أزالته (2)، وقولهم: نسخ الشيب الشباب (3).
ومثال المعنى الذي هو النقل: [قوله](4) تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (5) أي: ننقل (6)، ومنه قولهم: نسخت النحل ونسخت العسل، إذا نقلتهما من خلية إلى خلية (7)، ومنه قولهم: تناسخ المواريث، وهو نقل الحق من وارث إلى وارث (8)، ومن معنى النقل قولهم: نسخت الكتاب (9)، ولكن إطلاق النسخ على هذا مجاز، وهو مجاز التشبيه؛ لأن حقيقة النقل نقل الشيء من مكان إلى مكان ومن حالة إلى حالة مع بقائه في نفسه، كقولك: نقلت الحجر من مكان إلى مكان، وأما نسخ الكتاب فليس فيه نقل، وإنما هو شبيه بالنقل؛ لأن تحصيل مثل ما في أحد الكتابين/ 241/ في الآخر يجري
(1) انظر: اللسان مادة (نسخ).
(2)
قال في اللسان: نسخت الريح آثار الديار غيرتها. اهـ. انظر مادة: (نسخ)، وانظر: الصحاح مادة: (نسخ).
(3)
قال ابن فارس: وكل شيء خلف شيئًا فقد انتسخه
…
والشيب الشباب. اهـ.
انظر: مادة (نسخ).
(4)
ليست في الأصل ولا يتم المعنى إلا بها.
(5)
الجاثية: 29.
(6)
وقيل: معناه: نستكتب الملائكة، قالوا: والنسخ لا يكون إلا عن أصل، والأصل هو أفعال العباد، وهذا مروي عن ابن عباس.
انظر: روح المعاني 25/ 156، وتفسير أبي السعود 8/ 74، وتفسير ابن كثير 4/ 152، والدر المنثور للسيوطي 6/ 36.
(7)
انظر: القاموس المحيط، ومعجم المقاييس لابن فارس مادة:(نسخ).
(8)
انظر: المصدرين السابقين.
(9)
انظر: المصدرين السابقين والصحاح مادة: (نسخ).
مجرى نقله، وأما عين الشيء الذي في الكتاب المنسوخ منه فلم ينقل حقيقة (1).
وهذان المعنيان المذكوران اللذان هما: الإزالة والنقل، اختلف الأصوليون في إطلاق النسخ عليهما؛ هل هو على سبيل الاشتراك فهو لفظ مشترك بينهما؟ قاله القاضي أَبو بكر والغزالي (2)؛ إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة.
وقيل: هو حقيقة في الإزالة، مجاز في النقل، قاله أَبو الحسين البصري (3) وغيره (4)؛ لأن إطلاق النسخ على النقل في قولهم: نسخت الكتاب مجاز؛ لأنه لم ينتقل حقيقة، فيتعين كونه حقيقة في الإزالة (5).
وقيل: حقيقته (6) في النقل مجاز في الإزالة، قاله بعض الشافعية (7)؛ لأنه حقيقة في تناسخ المواريث، ونسخ النحل من خلية إلى خلية أخرى؛ لأن ذلك
(1) انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب ص 41 - 43، والمعتمد 1/ 395.
(2)
انظر: المستصفى 1/ 107، والإحكام للآمدي 3/ 102، والوصول إلى الأصول لابن برهان 2/ 5، ونسبه المسطاسي للقاضي عبد الوهاب، انظر: المسطاسي ص 52.
والمراد بالاشتراك هنا: الاشتراك المعنوي، وهو المتواطئ. قاله المسطاسي ص 52، ومولى حلولو ص 255.
(3)
انظر: المعتمد 1/ 394، 395، والمسطاسي ص 52.
(4)
كالرازي؛ حيث احتج له في المحصول 1/ 3/ 420 - 423.
(5)
انظر: المعتمد 1/ 395، والإحكام للآمدي 3/ 102، والوصول لابن برهان 2/ 6.
(6)
لعلها: "حقيقة".
(7)
انظر: المحصول 1/ 3/ 420 - 421، والإحكام للآمدي 3/ 102، والمسطاسي ص 52، ونسبوه للقفال.
نقل حقيقة، فيكون مجازًا في الإزالة.
ولكن هذان القولان المتعاكسان فيهما نظر؛ لأن كل واحد منهما معارض بمثله، والظاهر القول الأول بالاشتراك، والله أعلم؛ إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة فيكون حقيقة فيهما، وهذا الخلاف لفظي لا حظ للمعنى فيه (1).
وها هنا ثلاثة ألفاظ وهي: النسخ، والمسخ، والسلخ.
لأنه يقال: نسخت الكتاب وسلخته ومسخته، فالنسخ معناه: نقل اللفظ والمعنى، والسلخ معناه: نقل المعنى دون اللفظ، والمسخ معناه: إفساد اللفظ والمعنى (2).
وقد كتب بعض العلماء إلى صديق له يعرفه بناسخ فقال: أعرفك بصفته: إن نسخ مسخ، وإن لفظ غلط، وإن شَكَّل أشكل، ولقد أمليته زيدًا فسمع عمرًا، وكتب خالدًا فقرأ عبد الله (3).
قوله: (الفصل الأول: في حقيقته (4).
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 104.
(2)
انظر: تاج العروس للزبيدي حيث قال في مادة (سلخ):
وسلخ الشعر: وضع لفظ بمعنى اللفظ الآخر في جميعه، فتزيل ألفاظه وتأتي بدلها بألفاظ مرادفة لها في معناها فهذا سلخ، فإن قصر دون معناه كان مسخًا. اهـ.
وانظر منه أيضًا: مسخ. وانظر: شرح المسطاسي ص 52.
(3)
انظر: شرح المسطاسي ص 52.
(4)
المراد: في حد النسخ اصطلاحًا.
انظر: حد النسخ اصطلاحًا في: المعتمد لأبي الحسين 1/ 396، والعدة 3/ 778، والبرهان فقرة 1412، وما بعدها، والمستصفى 1/ 107، والمسودة ص 195، =
قال القاضي (1) منا والغزالي (2)(3): هو خطاب دال على ارتفاع حكم ثابت بخطاب متقدم على وجه لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه عنه) (4).
ش: وفي بعض النسخ: والغزالي من الشافعية (5)، ولا شك أن الغزالي من الشافعية.
قوله: (خطاب)، جنس يشمل اللفظ والفحوى والمفهوم والفعل والإقرار؛ لأن النسخ يقع بالجميع (6).
= وروضة الناظر ص 69، والعضد على ابن الحاجب 2/ 185، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار لأبي بكر الحازمي ص 9، والإحكام لابن حزم 4/ 438، والإحكام للآمدي 3/ 104، والمحصول للرازي 1/ 3/ 423، وفواتح الرحموت 2/ 53، وإرشاد الفحول ص 184، وشرح المحلي على جمع الجوامع مع حواشيه 2/ 75، وإحكام الفصول للباجي 1/ 410، واللمع للشيرازي ص 163، وشرح الكوكب المنير 3/ 526، والفقيه والمتفقه 1/ 80، والوصول لابن برهان 2/ 7، والإشارة للباجي ص 162، والإبهاج 2/ 247، ونهاية السول 2/ 548، وتيسير التحرير 3/ 178، والتلويح على التوضيح 2/ 62، والتمهيد لأبي الخطاب 2/ 336، وشرح القرافي ص 301، والمسطاسي ص 53، وحلولو ص 256.
(1)
نسبه للقاضي أبي بكر الباقلاني: الجويني في البرهان فقرة 1415، وابن برهان في الوصول 2/ 7، وصاحب الإبهاج 2/ 248، وابن الحاجب في مختصره 2/ 187، والرازي في المحصول 1/ 3/ 423، والحازمي في الاعتبار ص 9، والمسطاسي ص 53.
(2)
انظر: المستصفى 1/ 107.
(3)
"من الشافعية" زيادة في خ.
(4)
وقد ارتضاه الشيرازي في اللمع، فانظر: اللمع ص 163.
(5)
هو الموجود في نسخة خ.
(6)
انظر: المحصول 1/ 3/ 424، والمستصفى 1/ 107، والإحكام للآمدي 3/ 105، والمسطاسي ص 53.
قوله: (دال على ارتفاع حكم) الحكم أعم من الوجوب والحظر والندب والكراهة والإباحة؛ لأن النسخ يقع في جميعها (1).
قوله: (ثابت بخطاب متقدم) احترازًا من حكم ثابت بعقل؛ لأن العقل ليس بخطاب؛ لأن العقل يقتضي براءة الذمة قبل ورود الشرع، فابتداء إيجاب العبادة في الشرع مزيل لحكم العقل الذي هو براءة الذمة، ولا يسمى ذلك نسخًا (2).
قوله: (على وجه لولاه لكان ثابتًا) أي: لولا الخطاب الناسخ لكان حكم الخطاب المتقدم ثابتًا؛ أي مستمرًا.
واحترز بذلك من الحكم المؤقت، كقوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (3) فيقول الله تعالى مثلاً: فإذا دخل الليل فكلوا واشربوا، فإن هذا لا يكون نسخًا لحكم الأول لفوات شرط النسخ وهو استمرار الحكم الأول عند عدم الثاني الذي هو الناسخ، فإن الحكم المؤقت بغاية لا يستمر إذا انتهى إلى غايته (4).
قوله: (مع تراخيه عنه) أي: مع تأخير الخطاب الثاني الذي هو الناسخ عن الخطاب الأول الذي هو المنسوخ.
واحترز بذلك من الخطاب المتصل بالخطاب الأول كالاستثناء والشرط
(1) انظر: المحصول 1/ 3/ 424، والمستصفى 1/ 107، والمسطاسي ص 53.
(2)
انظر: المستصفى 1/ 107، والمحصول 1/ 3/ 424، والإحكام للآمدي 3/ 105.
(3)
البقرة: 187.
(4)
انظر: المستصفى 1/ 107 - 108، والإحكام للآمدي 3/ 105، والمسطاسي ص 53.
والصفة والغاية، فلا يسمى ذلك نسخًا لفوات شرط النسخ وهو التراخي بين الناسخ والمنسوخ؛ فإن ذلك يسمى بيانًا ولا يسمى نسخًا (1).
قوله: (خطاب دال على ارتفاع حكم
…
) إلى آخر الحد معترض من أوجه:
أحدها: أن الخطاب طريق معرف للنسخ وليس هو نفس النسخ؛ لأن النسخ هو الارتفاع، فالخطاب معَرِّف والنسخ معَرَّف، والفاعل خلاف المفعول فلا يتناول الحد المحدود أصلاً (2).
الثاني: أنه غير جامع، لخروج الفعل والإقرار من المحدود؛ لأن فعله عليه السلام وإقراره ليس بخطاب مع أن النسخ يقع بذلك كما تقدم لنا في الباب قبل هذا، في قوله:"تفريع: إذا وجب الاتباع وعارض فعله قوله، فإن تقدم القول وتأخر الفعل نسخ الفعل القول، كان القول خاصًا به أو بأمته أو عمهما (3) "(4).
الثالث: أنه غير جامع لخروج الفعل والإقرار منه أيضًا بالنسبة إلى المنسوخ؛ لأنه يقع النسخ في الفعل والإقرار كما يقع بهما؛ لأن قول المؤلف:
(1) انظر: المستصفى 1/ 108، والمحصول 1/ 3/ 425، والإحكام للآمدي 3/ 105.
(2)
انظر: المحصول 1/ 3/ 25، وشرح العضد 2/ 187، والإحكام للآمدي 3/ 105، وشرح القرافي ص 301، وشرح المسطاسي ص 53، وحلولو ص 256.
(3)
انظر قوله في صفحة: 237 من مخطوط الأصل، وشرح القرافي ص 292.
(4)
انظر: المحصول 1/ 3/ 425، والإحكام للآمدي 3/ 105، وشرح العضد 2/ 187، وفواتح الرحموت 2/ 53، وشرح القرافي ص 301، وشرح المسطاسي ص 53 - 54، وشرح حلولو ص 256.
(بخطاب متقدم)، يقتضي أن الفعل والإقرار لا ينسخان؛ إذ ليسا بخطاب (1)، فوقع الاعتراض بالفعل والإقرار من وجهين: وجه من جهة الخطاب الناسخ، ووجه من جهة الخطاب المنسوخ.
الرابع: أن رفع الحكم لا يصح؛ لأنه إما أن يريد به كلام الله القديم، أو يريد أفعال المكلفين، ولا يصح الرفع في كليهما.
أما رفع القديم فمحال ظاهر، وأما أفعال المكلفين، فإما أن يقع الفعل أم لا، فإن وقع الفعل فلا يصح رفعه/ 242/ لأن رفع الواقع محال، وإن لم يقع فرفع ما لم يقع محال أيضًا، فاستحال الرفع على كل حال (2).
الخامس: أن قوله: (لولاه لكان ثابتًا)، حشو مستغنى عنه، فإن الحكم المغيا بوقت يرتفع بانتهائه إلى وقته، فلا يدل الخطاب الثاني على ارتفاع حكم الخطاب الأول، بل يرتفع بانتهائه إلى وقته؛ لأن ارتفاعه يتوقف على ثبوته لاستحالة ارتفاع المرتفع (3).
السادس: أن قوله: (مع تراخيه عنه) حشو أيضًا؛ لأن الخطاب المتصل ليس رافعًا لحكم الخطاب الأول، بل هو مبين لكون الخطاب المتقدم لم يرد به الحكم في المستثنى، وفيما خرج عن الشرط، والغاية، والصفة (4).
أجيب عن الأول الذي هو قولنا: الخطاب مُعَرِّف للنسخ لا نفس النسخ:
(1) انظر: الإحكام للآمدي 3/ 105، وشرح العضد 2/ 187، وفواتح الرحموت 2/ 53، وشرح القرافي ص 301.
(2)
انظر: المستصفى 1/ 108، وروضة الناظر ص 70، والمحصول 1/ 3/ 427، 435، والمسطاسي ص 54.
(3)
انظر: الإحكام للآمدي 3/ 106، وشرح العضد 2/ 187، وشرح حلولو ص 256.
(4)
انظر: أحكام الآمدي 3/ 106، وشرح العضد 2/ 187، وشرح حلولو ص 256.
بأن الناسخ في الحقيقة هو الله، ولذلك أضاف النسخ إلى نفسه في قوله تعالى:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (1)، فالنسخ هو فعل الناسخ، وفعله هو هذه المدارك وجعلها ناسخًا، فالمصدر في التحقيق هو هذه المدارك، فاندفع السؤال (2).
وأجيب عن الثاني - الذي هو خروج الفعل والإقرار من الحد لكونهما غير خطاب - بأن فعله عليه السلام وإقراره يدل على ورود خطاب الله تعالى الدال على ارتفاع الحكم أو على ثبوت الحكم؛ إذ ليس للرسول عليه السلام رفع الحكم ولا إثباته من تلقاء نفسه؛ لأنه مبلغ عن الله تعالى أحكامه للعباد، فيندرج فعله عليه السلام وإقراره في الخطاب، وهذا الجواب أيضًا هو جواب عن الثالث (3).
وأجيب عن الرابع الذي هو قولنا: رفع الحكم الشرعي محال: بأن المراد بالحكم الشرعي ها هنا ما يجعل المكلف بعد أن لم يكن، وهو الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وهو تعلق تنجيز التكليف، وهو كون المخاطب مكلفًا بالإتيان بالمكلف به عند تعلق الخطاب به، وليس المراد بالحكم الشرعي ها هنا الحكم القديم الأزلي (4).
وأجيب عن الخامس الذي هو قولنا: لولاه لكان ثابتًا حشو: بأنه أتى به
(1) البقرة: 106.
(2)
انظر: إحكام الآمدي 3/ 106، وشرح العضد 2/ 186، وشرح القرافي ص 302، وشرح المسطاسي ص 54.
(3)
انظر: الإحكام للآمدي 3/ 106، وشرح العضد 2/ 186، وفواتح الرحموت 2/ 53، وشرح حلولو ص 256.
(4)
انظر: المستصفى 1/ 109، وروضة الناظر ص 71، والمسطاسي ص 54.
رفعًا للبيان إلى أقصى غايته.
وهكذا الجواب عن السادس الذي [هو](1) قولنا: قوله: مع تراخيه عنه حشو.
قوله: (قال (2) الإِمام فخر الدين: الناسخ طريق شرعي يدل على أن مثل الحكم الثابت بطريق لا يوجد بعده متراخيًا عنه بحيث لولاه لكان ثابتًا (3)، فالطريق يشمل (4) سائر المدارك الخطاب وغيره، وقوله (5): مثل الحكم؛ لأن الثابت قبل النسخ غير المعدوم بعده، وقوله: متراخيًا (6) لئلا يتهافت الخطاب، وقوله:[لولاه](7) لكان ثابتًا احترازًا من المغيات نحو: الخطاب بالإِفطار بعد غروب الشمس، فإِنه ليس ناسخًا (8)[لوجوب](9) الصوم (10)).
ش: لما نظر الإمام إلى الإشكالات الواردة على حد القاضي عدل إلى هذا الحد فقال: طريق شرعي، فالطريق يندرج فيه الخطاب والفعل والإقرار، فالطريق أعم من الخطاب (11) وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: "فالطريق يشمل
(1) ليست في الأصل، وهي زيادة يقتضيها السياق.
(2)
"وقال" في م وش.
(3)
انظر: المحصول 1/ 3/ 428.
(4)
"تشمل" في خ.
(5)
"فقوله" في الأصل.
(6)
"عنه" زيادة في ش.
(7)
ساقط من خ.
(8)
"نسخًا" في ش.
(9)
ساقط من أ.
(10)
"للصوم" في أ.
(11)
انظر: المحصول 1/ 3/ 428، وشرح القرافي ص 301، والمسطاسي ص 54.
سائر المدارك: الخطاب وغيره".
وقوله: (يدل) يعني دلالة الالتزام، ولا تصح ها هنا دلالة المطابقة ولا دلالة التضمن؛ لأن المنسوخ ليس جملة الناسخ ولا جزأه.
قوله: (على أن مثل الحكم الثابت بطريق) أي: بطريق شرعي، وإنما حذف صفة الطريق ها هنا لدلالة الأول عليه، وإنما قال:"مثل الحكم" ولم يقل: يدل على أن الحكم الثابت، بناء على أن الحكم الأول لا يرتفع، وإنما الذي يرتفع بالنسخ هو مثله لا نفسه؛ لأنه لو لم يرد النسخ لتجدد مثل الحكم الأول، فورود النسخ يمنع تجدد مثل الحكم الأول، وهذا على طريقة المعتزلة القائلين بأن الحكم الشرعي قول، والأقوال عندهم لا تبقى زمانين فلا بد من تجددها.
قوله: (الثابت) أي: الثابت قبل النسخ.
قوله: (لا يوجد بعده) أي: لا يوجد بعد النسخ، أي: لا يوجد مثل الحكم الأول بعد النسخ بل يعدم مثله بعد النسخ، وهذا بناء على أن النسخ ليس فيه رفع الحكم المتقدم، وإنما هو بيان انتهاء مدة الحكم المتقدم.
قوله: (متراخيًا عنه) قال فخر الدين وتاج الدين (1): أخرجنا بهذا القيد
(1) الأقرب أنه تاج الدين الأرموي وهو محمد بن الحسن بن عبد الله الأرموي الشافعي، تلميذ الفخر الرازي، وصاحب كتاب الحاصل مختصر المحصول، كان بارعًا في العقليات، استوطن بغداد وبها توفي حوالي سنة (653 هـ).
انظر ترجمته في: طبقات الإسنوي 1/ 451، والدليل الشافي 2/ 613، وفيه محمد بن الحسن، وقلت: إنه الأقرب؛ لتقدمه ولارتباطه بالمحصول فإنه ذكر هنا مع الفخر الرازي صاحب المحصول.
ويحتمل أن يكون تاج الدين ابن السبكي وهو أَبو نصر عبد الوهاب بن الشيخ علي =
الأشياء المتصلة من الشرط والاستثناء والغاية؛ لأنها غير متراخية (1).
قوله: (لئلا يتهافت الخطاب) التهافت لغة: هو التساقط، قال المؤلف في الشرح: قولي: مع تراخيه عنه؛ لأنه لو قال الشارع: افعلوا، لا تفعلوا، لتهافت الخطاب وأسقط الثاني الأول، وكذلك لو قال عند الأول: هو منسوخ عنكم بعد سنة، لكان هذا الوجوب مغيًا بتلك الغاية من السنة فلا يتحقق النسخ بل ينتهي بوصوله إلى غايته، وحينئذ يتعين أن يكون الناسخ مسكوتًا عنه في ابتداء الحكم. انتهى نصه (2).
قوله: (بحيث لولاه لكان ثابتًا) أي: على وجه لولا الناسخ لكان مثل الحكم ثابتًا أي مستمرًا.
قوله: (احترازًا من المغيات) كأن يقول الله تعالى مثلاً: صوموا إلى الليل، ثم يقول بعد ذلك: إذا دخل الليل فكلوا واشربوا.
فإن الحكم إذا جعل له غاية فلا يكون ثابتًا إذا وصل غايته، ومن شرط النسخ أن يكون الحكم الأول قابلاً للثبوت والدوام، والمغيا لا يقبل الثبوت والدوام بعد وصوله غايته (3).
قوله: (الناسخ طريق شرعي
…
) إلى آخر الحد.
= ابن عبد الكافي السبكي، صاحب الطبقات والإبهاج ورفع الحاجب وغيرها، المتوفى سنة (771 هـ)، وانظر ترجمته في: الدرر الكامنة 3/ 39، وشذرات الذهب 6/ 221.
(1)
انظر: المحصول 1/ 3/ 435، وانظر: الإبهاج 2/ 247 - 248.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 302.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 302.
معترض/ 243/ من أوجه:
أحدها: أن الطريق ناسخ لا نسخ، والمصدر غير الفاعل، فالحد لا يصدق على المحدود (1).
الثاني: أن قوله: "يدل على أن مثل الحكم الثابت"، يقتضي خروج ما أمر به مرة واحدة في العمر ثم نسخ، كذبح إسحاق عليه السلام (2) فإنه شيء واحد والشيء الواحد لا مثل له، فيكون الحد غير جامع (3).
الثالث: أن الحكم الشرعي كلام الله القديم، والمثلية في حق القديم محال، وإنما تصح المثلية في الأعراض الممكنة التي يستحيل البقاء عليها زمانين (4)(5).
الرابع: أن قوله: "متراخيًا عنه"، مناقض لقوله في الباب الذي قبل هذا: وإن تعقب الفعل القول من غير تراخ، وعم القول له ولأمته، خصصه عن
(1) انظر: شرح العضد 2/ 186، وشرح المسطاسي ص 54.
(2)
هذا الذي يرجحه المؤلف في الذبيح، والصحيح أن الذبيح إسماعيل كما سترى تحقيقه في الفصل القادم عند قوله: ويجوز نسخ الشيء قبل وقوعه. اهـ. في صفحة 248 من مخطوط الأصل ص 481 من هذا المجلد.
أما إسحاق فهو ابن نبي الله إبراهيم من زوجته سارة، بشّرهما به الملائكة لما مروا بإبراهيم في طريقهم لإهلاك قوم لوط، وكان إبراهيم وسارة قد شاخا، وإسحاق هذا هو الذي من ذريته بنو إسرائيل، والله أعلم.
انظر: البداية والنهاية 1/ 160.
(3)
انظر: شرح المسطاسي ص 54.
(4)
انظر: المسطاسي ص 54.
(5)
هذا الاعتراض مبني على قول الأشاعرة في كلام الله، وهي مسألة سبق التنبيه عليها في باب الاستثناء.
عموم القول، وإن اختص بالأمة ترجح القول على الفعل، وإن اختص به جاز إن جوزنا نسخ الشيء قبل وقته وإلا فلا (1). انتهى نصه.
فذكر هنالك أن الفعل إذا تعقب القول من غير تراخ وكان القول خاصًا بالنبي عليه السلام فإنه يكون نسخًا، فإن كان التراخي شرطًا في النسخ فلا يصح كلامه في تعارض القول والفعل، وإن لم يكن التراخي شرطًا فلا يصح حده في النسخ، فأحد الأمرين لازم.
الخامس: قوله: "لولاه لكان ثابتًا" إنما يحسن على القول بأن النسخ رفع لا أنه انتهاء (2).
أجيب عن الأول: الذي هو قولنا: أن الطريق ناسخ لا نسخ والمصدر خلاف الفاعل: بأن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى والنسخ هو فعله، وفعله هو هذا الطريق الذي جعله ناسخًا، فالمصدر في التحقيق هو هذا الطريق الذي جعله ناسخًا (3).
أجيب عن الثاني: الذي هو قولنا: قوله: "يدل على أن مثل الحكم الثابت"، يقتضي خروج ما أمر به مرة واحدة كنسخ ذبح إسحاق؛ لأنه شيء واحد، والشيء الواحد لا مثل له مع تحقق النسخ، أجيب عنه: بأن المقصود التعدد في الزمان لا في الفعل المأمور به (4)؛ لأن زمان الذبح متسع من حين
(1) انظر: مخطوط الأصل ص 238، وص 406 من هذا المجلد، وشرح القرافي ص 292.
(2)
انظر: فواتح الرحموت 2/ 53.
(3)
انظر: شرح العضد 2/ 186، والمسطاسي ص 54.
(4)
انظر: الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص 51.
الأمر به إلى حين الفداء (1).
أجيب عن الثالث: الذي هو قولنا: الحكم الشرعي قديم ولا تصح المثلية في القديم: بأن المراد بالحكم الشرعي ما يحصل على المكلف بعد أن لم يكن، وهو تنجيز التكليف وهو كونه مخاطبًا بالإتيان بالمكلف به كما تقدم في حد القاضي (2).
أجيب عن الرابع: الذي هو قولنا: قوله: (متراخيًا عنه) مناقض لما تقدم في تعارض الفعل والقول (3): بأن ما تقدم جار على أحد القولين بدليل: جاز إن جوزنا نسخ الشيء قبل وقته وإلا فلا، وما ذكر ها هنا جار على القول الآخر.
أجيب عن الخامس: الذي هو قولنا: قوله: (لولاه لكان ثابتًا)، إنما يحسن على القول بأن النسخ رفع لا على أنه انتهاء.
أجيب: بأن ذلك على أحد القولين، ولا يعارض قول بقول.
والمختار في تحديد النسخ عند المحققين ما قاله ابن الحاجب في الأصول وهو: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر (4).
ومراده بالحكم الشرعي: ما يحصل على المكلف بعد أن لم يكن، وليس المراد به الحكم القديم.
قوله: (وقال القاضي (5) منا، والغزالي: الحكم المتأخر يزيل
(1) انظر: المسطاسي ص 54.
(2)
انظر: المسطاسي ص 54.
(3)
في الأصل: في تعارض الفعل القول، والصحيح المثبت كما سبق قبل قليل.
(4)
انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 185، وانظر: شرح الكوكب المنير 3/ 526.
(5)
جاء في الهامش: القاضي الباقلاني مالكي.
[الحكم](1) المتقدم، وقال الإِمام والأستاذ وجماعة: هو بيان انتهاء (2) مدة الحكم، وهو (3)[الذي يتجه](4)؛ لأنه لو كان دائمًا في نفس الأمر لعلمه الله دائمًا، فكان يستحيل نسخه، لاستحالة انقلاب العلم [جهلاً](5)، وكذلك الكلام القديم الذي [هو](6) خبر عنه) (7).
ش: لما ذكر المؤلف حد النسخ فذكر في ذلك حدين: أحدهما للقاضي، والآخر للإمام، فذكر أن معنى النسخ عند القاضي: هو رفع الحكم المتقدم (8)، وأن معناه عند الإمام: هو انتهاء الحكم المتقدم (9)، ولا خلاف بين الفريقين في
(1) ساقط من نسخ المتن.
(2)
"لانتهاء" في ش.
(3)
"الحق" زيادة في نسخ المتن.
(4)
ساقط من نسخ المتن.
(5)
ساقط من نسخ المتن.
(6)
ساقط من الأصل.
(7)
"منه" في الأصل.
(8)
ذكر ذلك عنه الرازي في المحصول 1/ 3/ 430، وفي المعالم ص 210، والشريف التلمساني في مفتاح الوصول ص 607، والإسنوي في نهاية السول 2/ 548، وانظر: الحازمي في الاعتبار، وقد اختار هذا ابن السبكي في جمع الجوامع 2/ 74، وابن الحاجب، انظر: شرح العضد 2/ 185، والمسطاسي ص 54.
(9)
نقله الرازي في المحصول 1/ 3/ 431 عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وانظر: المعالم ص 210، ونهاية السول 2/ 549، والاعتبار ص 9، وقد رجحه الجويني في البرهان فقرة 1412، والمسطاسي ص 54، وأصحاب هذا الرأي اتفقوا على أنه بيان، ثم اختلفوا:
فقال بعضهم: هو بيان انتهاء مدة العبادة.
وقال آخرون: هو بيان انتهاء مدة الحكم.
وقال آخرون: هو بيان انتفاء شرط دوام الحكم.
انظر: المسطاسي ص 54 - 55، وشرح حلولو ص 256.
قلت: وعلى هذا يكون عزو المؤلف هذا الرأي للإمام والأستاذ والجماعة غير محرر؛ =
أن الخطاب يقتضي الدوام في اعتقادنا، وإنما الخلاف بينهما: هل يقتضي الدوام في نفس الأمر؟ قاله القاضي، أو لا يقتضيه؟ قاله الإمام.
قال القاضي: النسخ بمنزلة الفسخ، فكما أن الإجارة إلى شهر مثلاً يمكن فسخها في أثناء الشهر؛ لأن شأنها أن تدوم إلى تمام الشهر، فكذلك النسخ لا يكون إلا فيما شأنه أن يدوم (1)، وأما بعد الشهر فلا يمكن الفسخ لعدم الدوام، فيقتضي الخطاب عنده الدوام إلا أن يبطله الناسخ.
وقال الإمام والجماعة (2): لا يقتضي الخطاب الدوام في نفس الأمر، وإنما يقتضي الحكم إلى الغاية التي بيّنها النسخ.
حجة القاضي: أن معنى النسخ لغة هو: الإزالة والرفع، فوجب أن يكون عرفًا كذلك؛ لأن الأصل عدم النقل والتغيير (3).
وحجة الإمام ما قاله المؤلف وهو قوله: (لو كان دائمًا في نفس الأمر لعلمه الله دائمًا
…
) إلى آخره، وتقدير (4) هذا الدليل: لو كان الحكم المتقدم يقتضي دوامه في نفس الأمر إلى أن رفعه الناسخ، لَعلمه الله تعالى دائمًا فيما
= لأنهم وإن قالوا: إنه بيان، فإنهم لم يتفقوا على أنه بيان انتهاء مدة الحكم .. والله أعلم.
انظر: شرح حلولو ص 257.
(1)
انظر: شرح القرافي ص 302، والمسطاسي ص 54.
(2)
قال المسطاسي في شرحه: وإليه ذهب أكثر الفقهاء، وبه قال ابن فورك وأبو الطيب الطبري، وإليه رجع إمام الحرمين في البرهان، وهو اختيار المؤلف ها هنا. اهـ.
انظر: المسطاسي ص 54، وانظر: البرهان فقرة 1412.
(3)
انظر: مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص 107، والمسطاسي ص 55.
(4)
هكذا في الأصل، ولعلها:"وتقرير".
علمه الله تعالى دائمًا، فيستحيل نسخه، لاستحالة انقلاب علم الله جهلاً، فذلك محال وما يؤدي إلى المحال فهو محال (1) فيتبين بهذا الدليل أن الحكم المتقدم لا يقتضي الدوام في نفس الأمر، فإذا كان لا يقتضي الدوام في نفس الأمر فلا يصح رفعه بالنسخ وهو المطلوب.
قالوا: يلزم القاضي القائل برفع الحكم المحال في ثلاث صفات: وهي العلم، والخبر، والإرادة (2).
أما العلم: فلأن الله تعالى علم الأشياء على ما هي عليه، فلو كان الحكم دائمًا في نفس الأمر لعلمه الله دائمًا، ولو علمه الله لاستحال نسخه؛ لأن خلاف معلومه محال (3).
وأما الخبر: فلأن الله تعالى لو شرعه دائمًا لعلمه دائمًا، ولو علمه دائمًا لأخبر عن دوامه، ولو أخبر عن دوامه لوجب دوامه/ 244/ ولو وجب دوامه لاستحال نسخه؛ لأن خلاف خبره محال (4)، وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: وكذلك الكلام القديم الذي [هو](5) خبر عنه، معناه: وكذلك يستحيل نسخ الكلام القديم الذي هو خبر عن الحكم؛ لأن ذلك يؤدي إلى التناقض.
(1) انظر: المحصول 1/ 3/ 437، والمعالم ص 210، وشرح القرافي ص 302، وشرح المسطاسي ص 55.
(2)
انظر: شرح المسطاسي ص 55.
(3)
انظر: شرح المحصول للقرافي لوحة 264، من المخطوط رقم 8224 ف مصور فلميًا بجامعة الإمام.
وانظر: شرح التنقيح للقرافي 302، والمسطاسي ص 55.
(4)
انظر: شرح المحصول للقرافي لوحة 264، من المخطوط رقم 8224 ف مصور فلميًا بجامعة الإمام.
(5)
غير واضحة في الأصل.
وأما الإرادة: فلأن [الله](1) تعالى لو شرعه دائمًا لأراد دوامه، ولو أراد دوامه لوجب دوامه، ولو وجب دوامه لاستحال نسخه؛ لأن خلاف مراده محال (2).
فلو صح رفع الحكم بالنسخ كما قال القاضي للزم مخالفة هذه الصفات الثلاث، فتعين بذلك أن الحكم كان دائمًا في اعتقادنا لا في نفس الأمر، فالناسخ مزيل للدوام من اعتقادنا لا من نفس الأمر (3)، فالنسخ على هذا بمنزلة تخصيص العام، ولهذا قالوا: النسخ تخصيص في الأزمان (4).
قال بعضهم: هذا الخلاف بين القاضي والإمام، إنما هو اختلاف حال وليس باختلاف مقال، فقول القاضي: النسخ هو: الحكم المتأخر يزيل المتقدم، إنما هو بالنسبة إلى اعتقادنا، وقول الإمام والجماعة: هو بيان انتهاء مدة الحكم، إنما هو بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فعلى هذا فلا خلاف بين الفريقين (5).
…
(1) غير واضحة في الأصل.
(2)
انظر: شرح القرافي ص 302.
(3)
انظر: شرح القرافي ص 303، والمسطاسي ص 55.
(4)
انظر: المسألة الثانية والثالثة من مسائل النسخ من موافقات الشاطبي 3/ 104 - 108 تجد أن النسخ عند المتقدمين يشمل: تقييد المطلق، وبيان المجمل، وتخصيص العام بالمتصل أو المنفصل، ورفع الحكم بدليل متأخر، وأن هذا أيضًا يمكن أن يجري على قواعد المتأخرين.
لأن المجمل بعد بيانه، والعام بعد تخصيصه، والمطلق بعد تقييده أصبح غير الأول، بحيث لا يعمل بالأول مع أي منها.
وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 14/ 101، وإعلام الموقعين 1/ 35، وانظر: شرح المسطاسي ص 55.
(5)
انظر: شرح المحصول للقرافي لوحة 266 من المخطوط رقم 8224 ف، مصور فلميًا بجامعة الإمام، وانظر: شرح المسطاسي ص 55.