الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْأَخِ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَمْكَنَ تَوْرِيثُ الْمُخْتَصِّ بِتِلْكَ الْقَرَابَةِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجِبٍ، بِأَنْ تَرَكَ بِنْتًا وَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، لِأَنَّ إِخْوَةَ الْأُمِّ سَقَطَتْ بِالْبِنْتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَخِ وَحْدَهُ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ، كَمَا لَوِ اجْتَمَعَ مَعَ الْبِنْتِ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَأَخٌ لِأَبٍ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ، فَتَرَكَ ابْنَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، وَآخَرَ لِأَبٍ وَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، فَلِلثَّانِي السُّدُسُ بِالْأُخُوَّةِ، وَالْبَاقِي لِلْأَوَّلِ، وَتَسْقُطُ بِهِ عُصُوبَةُ الثَّانِي. وَلَوْ تَرَكَتْ ثَلَاثَةً بَنِي أَعْمَامٍ مُتَفَرِّقِينَ، وَالَّذِي هُوَ لِأُمٍّ زَوْجٌ، وَالَّذِي هُوَ لِأَبٍ أَخٌ لِأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ. وَلَوْ تَرَكَ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَتَرَكَ سِوَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ فَلَهُمَا الثُّلُثُ بِالْأُخُوَّةِ، وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، وَتَرَكَ سِوَاهُمَا أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ أَحَدُهُمَا ابْنُ عَمٍّ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَرَكَ أَخَوَيْنِ هُمَا ابْنَا عَمٍّ، وَأَخًا لَيْسَ بِابْنِ عَمٍّ، وَابْنَ عَمٍّ لَيْسَ بِأَخٍ، فَالثُّلُثُ لِلْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ، وَالْبَاقِي لِبَنِي الْأَعْمَامِ الثَّلَاثَةِ.
فَصْلٌ
فِي عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ
قَدْ سَبَقَ أَنْ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ مِنَ النَّسَبِ، فَمَالُهُ أَوْ مَا يَفْضُلُ عَنِ الْفُرُوضِ لِمُعْتِقِهِ إِنْ كَانَ عَتِيقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْمُعْتِقُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِعَصَبَاتِهِ مِنَ النَّسَبِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ دُونَ مَنْ يُعَصِّبُهُمْ غَيْرُهُمْ، فَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ بِالْوَلَاءِ إِلَّا مِمَّنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ جَرَّ الْوَلَاءَ إِلَيْهِنَّ مَنْ أَعْتَقْنَ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: لَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إِلَّا مُعْتَقَهَا، أَوْ مُنْتَمِيًا إِلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ أَضْعَفُ مِنَ النَّسَبِ الْبَعِيدِ. وَإِذَا بَعُدَ النَّسَبُ، وَرِثَ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ،
فَيَرِثُ ابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ دُونَ أَخَوَاتِهِمْ. فَإِذَا لَمْ تَرِثْ بِنْتُ الْأَخِ، فَبِنْتُ الْمُعْتِقِ أَوْلَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ تَرْتِيبُهُمْ فِي الْوَلَاءِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ، فَيُقَدَّمُ ابْنُ الْمُعْتِقِ وَابْنُ ابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ، لَكِنْ يَفْتَرِقُ التَّرْتِيبَانِ فِي مَسَائِلَ.
إِحْدَاهَا: فِي الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبِ طَرِيقَانِ: الْمَذْهَبُ: يُقَدَّمُ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ كَمَا فِي النَّسَبِ. وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ: ثَانِيهِمَا: يَتَسَاوَيَانِ، إِذْ لَا مَدْخَلَ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ هَنَا. الثَّانِيَةُ: فِي الْجَدِّ وَالْأَخِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَبِي خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ: أَنَّ الْأَخَ مُقَدَّمٌ. وَالثَّانِي: يَتَسَاوَيَانِ كَالنَّسَبِ، وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيُّ. فَإِنْ قُلْنَا: يَتَسَاوَيَانِ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا نَقَلَهُ الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لِلْجَدِّ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ وَثُلُثِ الْمَالِ، كَمَا سَيَأْتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّسَبِ. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فِي الْوَلَاءِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: الْقَطْعُ بِالْمُقَاسَمَةِ أَبَدًا. وَلَوِ اجْتَمَعَ مَعَ جَدِّ الْمُعْتِقِ إِخْوَةٌ لِأَبَوَيْنِ، وَإِخْوَةٌ لِأَبٍ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ اللَّبَّانِ: يُعَدُّ الْإِخْوَةُ مِنَ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ، كَمَا فِي النَّسَبِ. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَكْثَرُونَ: لَا يُعَدُّونَ، بَلِ الْجَدُّ وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ يَقْتَسِمَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ قَدْ يَأْخُذُونَ شَيْئًا فِي النَّسَبِ، كَمَا إِذَا كَانَ مَعَهُمْ أُخْتٌ لِلْأَبَوَيْنِ وَجَدٌّ، وَهُنَا لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ هُنَا إِلَّا ذَكَرٌ، وَلَا يَرِثُ الْأَخُ لِلْأَبِ مَعَ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْقِسْمَةِ مَنْ لَا يَأْخُذُ بِحَالٍ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَدُّ أَوْلَى مِنِ ابْنِ الْأَخِ عَلَى الْأَصَحِّ كَالنَّسَبِ. وَقِيلَ: يَسْتَوِيَانِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: الْأَخُ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْجَدِّ، وَأَبُو الْجَدِّ مَعَ ابْنِ الْأَخِ يَسْتَوِيَانِ. وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَظْهَرِ: إِنَّ الْأَخَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَدِّ، فَابْنُ الْأَخِ مُقَدَّمٌ أَيْضًا كَابْنِ الِابْنِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْأَخِ وَالْجَدِّ يَجْرِيَانِ فِي الْعَمِّ مَعَ أَبِي الْجَدِّ، وَفِي كُلِّ عَمٍّ اجْتَمَعَ هُوَ وَجَدٌّ إِذَا أَدْلَى ذَلِكَ الْعَمُّ بِابْنِ ذَلِكَ الْجَدِّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجَدَّ أَوْلَى مِنَ الْعَمِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا كَانَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ، فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ مُقَدَّمٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ.
فَرْعٌ
إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ الْمُعْتِقِ، فَالْمَالُ لِمُعْتِقِ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ لِعَصَبَاتِهِ عَلَى النَّسَقِ الْمَذْكُورِ فِي عَصَبَاتِ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ لِمُعْتِقِ مُعْتِقِ الْمُعْتَقِ. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. وَالْقَوْلُ فِي مُعْتِقِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَقَوَاعِدَ أُخَرَ وَمَسَائِلَ عَوِيصَةٍ نَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ
إِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ مِنَ الْأَبِ لَمْ يَسْقُطُوا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَسْقُطُونَ، وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ اللَّبَّانِ، وَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ. وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ مَعَهُ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوْ مِنَ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ، فَلِلْجَدِّ الْأَوْفَرُ مِنْ مُقَاسَمَتِهِمْ وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ. فَإِنْ قَاسَمَ كَانَ كَأَخٍ. وَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ، فَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَقَدْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ فَلَا يَكُونُ فَرْقٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَلَكِنِ الْفَرْضِيُّونَ يَتَلَفَّظُونَ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ. وَإِنَّمَا تَكُونُ الْقِسْمَةُ أَوْفَرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَخٌ، أَوْ أُخْتٌ، أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، أَوْ أُخْتَانِ، أَوْ أُخْتَانِ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، فَهِيَ خَمْسُ مَسَائِلَ. وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ إِلَّا أَخَوَانِ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ، أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ. وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الثُّلُثُ أَوْفَرُ. وَضَابِطُهُ أَنَّ
الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، إِنْ كَانُوا مِثْلَيْهِ، فَالْقِسْمَةُ وَالثُّلُثُ سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانُوا دُونَ مِثْلَيْهِ، فَالْقِسْمَةُ أَوْفَرُ. وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ مِثْلَيْهِ، فَالثُّلُثُ أَوْفَرُ. وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ - وَأَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْوَارِثُونَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ سِتَّةٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالزَّوْجُ، وَالزَّوْجَةُ - فَإِمَّا أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْفُرُوضِ شَيْءٌ، كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ، فَيُفْرَضُ لِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ. وَإِمَّا أَنْ يَبْقَى السُّدُسُ فَقَطْ، كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، فَيُصْرَفُ إِلَى الْجَدِّ. وَإِمَّا أَنْ يَبْقَى دُونَ السُّدُسِ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ، فَيُفْرَضُ لِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَتُعَالُ الْمَسْأَلَةُ. وَعَلَى هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ الثَّلَاثَةِ يَسْقُطُ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي أَكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ، فَلِلْجَدِّ خَيْرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَسُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ إِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ، فَلِلْجَدِّ خَيْرُ الْأَمْرَيْنِ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذُو فَرْضٍ، وَخَيْرُ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ إِنْ كَانَ كَمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ، لَكِنْ هُنَا يُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَادَ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ فِي الْقِسْمَةِ. ثُمَّ إِذَا أَخَذَ الْجَدُّ حِصَّتَهُ نُظِرَ إِنْ كَانَ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ عَصَبَةً، إِمَّا ذَكَرًا، وَإِمَّا ذُكُورًا، وَإِمَّا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَلَهُمْ كُلُّ الْبَاقِي، وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْأَبِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ، بَلْ أُنْثَى، أَوْ إِنَاثٌ، فَالِاثْنَتَانِ فَصَاعِدًا يَأْخُذُونَ إِلَى الثُّلُثَيْنِ وَلَا يَبْقَى شَيْءٌ، فَيَسْقُطُ أَوْلَادُ الْأَبِ، وَالْوَاحِدَةُ تَأْخُذُ إِلَى النِّصْفِ. فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، فَلِأَوْلَادِ الْأَبِ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَرْعٌ
إِذَا كَانَ الصِّنْفَانِ مَعَهُ، وَكَانَ غَيْرُ الْقِسْمَةِ خَيْرًا لَهُ، بِأَنْ كَانَ مَعَهُ أُخْتٌ لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَخَوَانِ، أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ فَصَاعِدًا لِلْأَبِ، فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ. قَالَ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ: يُجْعَلُ الْبَاقِي
بَيْنَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأَبِ، ثُمَّ يَرُدُّ وَلَدُ الْأَبِ عَلَى وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ قَدْرَ فَرْضِهِ. قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُفْرَضَ لِلْأُخْتِ لِلْأَبَوَيْنِ النِّصْفُ، وَيُجْعَلَ الْبَاقِي لِأَوْلَادِ الْأَبِ.
فَرْعٌ
لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَحَّضَ مَعَ الْجَدِّ إِخْوَةٌ أَوْ أَخَوَاتٌ، أَوْ يَخْتَلِطُوا، فَالْجَدُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا كَأَخٍ، وَالْأَخَوَاتُ مَعَهُ كَهُنَّ مَعَ أَخٍ، فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ وَلَا تُعَالُ مَسْأَلَةٌ بِسَبَبِهِنَّ، بِخِلَافِ الْجَدِّ حَيْثُ فَرَضْنَا لَهُ وَأَعَلْنَا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ فَرْضٍ بِالْجُدُودَةِ، فَرُجِعَ إِلَيْهِ لِضَرُورَةٍ. وَهَذَا أَصْلٌ مُطَّرِدٌ إِلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَكْدَرِيَّةِ، وَهِيَ زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأُخْتٌ لِلْأَبَوَيْنِ أَوْ لِلْأَبِ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَيُفْرَضُ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَتَعُولُ مِنْ سِتَّةٍ إِلَى تِسْعَةٍ، ثُمَّ يُجْمَعُ نَصِيبُ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْجَدِّ ثَمَانِيَةٌ. وَيُمْتَحَنُ بِهَا فَيُقَالُ: وُرَّاثٌ أَرْبَعَةٌ، أَخَذَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ الْمَالِ، وَالثَّانِي ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالثَّالِثُ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَالرَّابِعُ الْبَاقِي. وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأُخْتِ أَخٌ، سَقَطَ، إِذْ لَا فَرْضَ لَهُ. وَلَوْ كَانَتْ أُخْتَانِ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لَهُمَا، وَلَا عَوْلَ [وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ] .
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْحَجْبِ
هُوَ نَوْعَانِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ - كَحَجْبِ الْوَلَدِ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةَ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَالْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ - وَحَجْبُ حِرْمَانٍ،
وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ، فَالْوَرَثَةُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ غَيْرُهُمْ، وَهُمُ: الْأَبَوَانِ، وَالزَّوْجَانِ، وَالْأَوْلَادُ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ. وَقِسْمٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ.
[الضَّرْبُ] الْأَوَّلُ: الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ الْعُلُوِّ، وَهُمُ الْأُصُولُ. فَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُهُ إِلَّا الْأَبُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جَدٍّ يَحْجُبُ مَنْ فَوْقَهُ. وَأَمَّا الْجَدَّاتُ، فَقَدْ يَحْجُبُهُنَّ غَيْرُهُنَّ، وَقَدْ يَحْجُبُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأُمُّ تَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا، أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَمَا يَحْجُبُ الْأَبُ كُلَّ مَنْ يَرِثُ بِالْأُبُوَّةِ، وَالْأَبُ يَحْجُبُ كُلَّ جَدَّةٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَكَذَا كُلُّ جَدٍّ يَحْجُبُ أُمَّ نَفْسِهِ وَأُمَّ آبَائِهِ، وَلَا يَحْجُبُ أُمَّ مَنْ دُونَهُ، وَالْأَبُ وَالْأَجْدَادُ لَا يَحْجُبُونَ الْجَدَّةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ قَرِيبَةً كَانَتْ أَوْ بَعِيدَةً بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا حَجْبُ بَعْضِهِنَّ، فَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ لَا يَكُونُ إِلَّا وَالْبُعْدَى مُدْلِيَةٌ بِالْقُرْبَى، وَمِنْ جِهَةِ الْأَبِ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ كَمِثْلٍ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كَأُمِّ الْأَبِ، وَأُمِّ أَبِ الْأَبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ عَنِ الْفَرْضِيِّينِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْقُرْبَى تَحْجُبُ الْبُعْدَى أَيْضًا.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ كَانَتِ الْبُعْدَى مُدْلِيَةً بِالْقُرْبَى لَكِنَّ الْبُعْدَى جَدَّةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَلَا تُحْجَبُ.
مِثَالُهُ: لِزَيْنَبَ بِنْتَانِ، حَفْصَةُ، وَعَمْرَةُ، وَلِحَفْصَةَ ابْنٌ، وَلِعَمْرَةَ بِنْتُ بِنْتٍ، فَنَكَحَ الِابْنُ بِنْتَ بِنْتِ خَالَتِهِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَلَا تُسْقِطُ عَمْرَةُ الَّتِي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ أُمَّهَا ; لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أَبِي الْمَوْلُودِ.
فَرْعٌ
الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، كَأُمِّ الْأُمِّ، تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ تَحْجُبُ أُمَّ الْأَبِ. وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ الْأَبِ، هَلْ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ؟ فِيهِ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَحْجُبُهَا، فَأُمُّهُ الْمُدْلِيَةُ بِهِ أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ نَقَلَ الْبَغَوِيُّ أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ، تُسْقِطُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ آبَاءِ الْأَبِ، كَأُمِّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ، وَأُمِّ أَبِي أَبِي الْأَبِ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ آبَاءِ الْأَبِ، كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ، هَلْ تُسْقِطُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ أُمَّهَاتِ الْأَبِ، كَأُمِّ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّفْلِ، فَابْنُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُهُ إِلَّا الِابْنُ، وَبِنْتُ الْابْنِ يَحْجُبُهَا الِابْنُ، وَكَذَا بِنْتَا صُلْبٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا ذَكَرٌ يُعَصِّبُهَا، وَكَذَا بَنَاتُ ابْنِ الِابْنِ [يُسْقِطُهُنَّ] ابْنُ الِابْنِ، وَيَسْقُطْنَ أَيْضًا إِذَا اسْتَكْمَلَ بَنَاتُ الِابْنِ الثُّلُثَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ مَنْ يُعَصِّبُهُنَّ، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ بِنْتُ صُلْبٍ، وَبِنْتُ ابْنٍ، أَوْ بَنَاتُ ابْنٍ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: الْمُنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ عَلَى الطَّرَفِ فَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِلْأُمِّ يَحْجُبُهُمْ أَرْبَعَةٌ: الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الِابْنِ، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ. وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ الْأَبُ، وَالِابْنُ، وَابْنُ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ سَبَقَ وَجْهٌ: أَنَّ الْجَدَّ أَيْضًا يُسْقِطُهُ. وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ لَا يَحْجُبُهَا أَيْضًا إِلَّا هَؤُلَاءِ. وَالْأَخُ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ. وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَرْبَعَةُ. وَكَذَلِكَ إِذَا اسْتَكْمَلَتِ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبَوَيْنِ الثُّلُثَيْنِ سَقَطَتِ الْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مُعَصِّبٌ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: الِابْنُ، وَابْنُ الِابْنِ، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَالْأَخُ لِلْأَبِ. وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ. وَالْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ الْأَخِ
لِلْأَبِ. وَالْعَمُّ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَالْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ [وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ] يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَالْعَمُّ لِلْأَبِ. وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ. وَالْمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَاتُ النَّسَبِ. وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُسْتَغْرِقَةِ.
فَرْعٌ
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحَجْبِ هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْحَاجِبُ وَارِثًا مِنَ الْمَيِّتِ. فَإِنْ لَمْ يَرِثْ نُظِرَ إِنْ كَانَ امْتِنَاعُ الْإِرْثِ لِنَقْصٍ كَالرِّقِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَانِعِ، فَلَا يَحْجُبُ لَا حَجْبَ حِرْمَانٍ، وَلَا حَجْبَ نُقْصَانٍ. وَإِنْ كَانَ لَا يَرِثُ لِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ.
إِحْدَاهَا: مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ، فَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِهِ.
الثَّانِيَةُ: أُمٌّ، وَجَدٌّ، وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ، لِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ.
الثَّالِثَةُ: أَبٌ، وَأُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أُمٍّ، فَتَسْقُطُ أُمُّ الْأَبِ بِالْأَبِ، وَفِيمَا تَرِثُهُ أُمُّ الْأُمِّ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: السُّدُسُ. وَالثَّانِي: نِصْفُ السُّدُسِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا تَرَكَ جَدًّا، وَأَخًا لِأَبَوَيْنِ، وَأَخًا لِأَبٍ، يَنْقُصُ بِالْأَخِ لِلْأَبِ نَصِيبُ الْجَدِّ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا.
قُلْتُ: وَصُورَةٌ خَامِسَةٌ: أُمٌّ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، وَأَخٌ لِأَبٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي بَيَانِ مَانِعِ الْمِيرَاثِ
هُوَ خَمْسَةٌ.
[الْمَانِعُ] الْأَوَّلُ: اخْتِلَافُ الدِّينِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسِيبِ وَالْمُعْتِقِ وَالزَّوْجِ، وَلَا بَيْنَ مَنْ يُسْلِمُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمْ لَا.
الثَّانِيَةُ: يَرِثُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَالْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ مِنَ الْمَجُوسِيِّ، وَالْمَجُوسِيِّ الْحَرْبِيِّ مِنَ الْوَثَنِيِّ، وَبِالْعُكُوسِ عَنِ ابْنِ خَيْرَانَ وَغَيْرِهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا تَرِثُ مِلَّةٌ مِنْهُمْ مِنْ أُخْرَى. وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ، هُوَ الْأَوَّلُ. هَذَا إِذَا كَانَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ مَثَلًا ذِمِّيَّيْنِ أَوْ حَرْبِيَّيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْبِيَّانِ مُخْتَلِفَيِ الدَّارِ أَوْ مُتَّفِقَيْهَا، كَالرُّومِ وَالْهِنْدِ. فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ حَرْبِيًّا، فَطَرِيقَانِ: الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَتَوَارَثَانِ لِانْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَهُمَا، وَرُبَّمَا نَقَلَ الْفَرْضِيُّونَ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا. وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، ثَانِيهِمَا: التَّوَارُثُ لِشُمُولِ الْكُفْرِ. وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ، هَلْ هُمَا كَالذِّمِّيِّ، أَمْ كَالْحَرْبِيِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: كَالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْصُومَانِ بِالْعَهْدِ وَالْأَمَانِ. فَعَلَى هَذَا، يَتَوَارَثُ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ. وَعَلَى الْآخَرِ: فِي التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا الطَّرِيقَانِ، وَيَتَوَارَثُ هُوَ وَالْحَرْبِيُّ.
فَرْعٌ
مَاتَ يَهُودِيٌّ ذِمِّيٌّ عَنِ ابْنٍ مِثْلِهِ، وَابْنٍ نَصْرَانِيٍّ ذِمِّيٍّ، وَابْنٍ يَهُودِيٍّ مُعَاهَدٍ،
وَابْنٍ يَهُودِيٍّ حَرْبِيٍّ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّ التَّرِكَةَ لِجَمِيعِهِمْ غَيْرَ الْحَرْبِيِّ، وَيَجِئُ فِي الْحَرْبِيِّ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَرِثُ، وَفِي الْآخَرِينَ وَجْهٌ بِالْمَنْعِ، سِوَى الْأَوَّلِ.
الثَّالِثَةُ: لَا يَرِثُ الْمُرْتَدُّ أَحَدًا، وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ، وَمَالُهُ فَيْءٌ سَوَاءٌ كَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ فِي الرِّدَّةِ، وَسَوَاءٌ فِي الْمُرْتَدِّ الْمُعْلِنُ وَالزِّنْدِيقُ وَالْمُسْتَسِرُّ، وَلَا يُنَزَّلُ الْتِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَنْزِلَةَ مَوْتِهِ.
الْمَانِعُ الثَّانِي: الرِّقُّ. فَلَا يَرِثُ رَقِيقٌ وَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا يُوَرَّثُ رَقِيقٌ إِذْ لَا مِلْكَ لَهُ، وَإِذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، فَمِلْكُهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، يَعُودُ إِلَى السَّيِّدِ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَتِهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَنُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، فَلَا يَرِثُونَ وَلَا يُوَرَّثُونَ.
فَرْعٌ
الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ لَا يَرِثُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنِ الْمُزَنِيِّ، وَابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ يَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الْحُرِّيَّةِ. وَهَلْ يُوَرَّثُ؟ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: لَا، وَالْجَدِيدُ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ.
قُلْتُ: الْجَدِيدُ، هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَعَلَى الْقَدِيمِ: فِيمَا مَلَكَهُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ: أَنَّهُ لِمَالِكِ الْبَاقِي. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْإِصْطَخْرِيِّ، وَنَقَلَهُ الْفَرْضِيُّونَ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالُوا: هُوَ الْأَصَحُّ. وَعَلَى الْجَدِيدِ: يَرِثُهُ قَرِيبُهُ أَوْ مُعْتِقُهُ.
قُلْتُ: وَزَوْجَتُهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَفِي الْقَدْرِ الْمَوْرُوثِ، وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: جَمِيعُ مَا مَلَكَهُ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقَسَّطُ مَا مَلَكَهُ بَحُرِّيَّتِهِ عَلَى مَالِكِ الْبَاقِي وَالْوَرَثَةِ بِقَدْرِ رِقِّهِ وَحُرِّيَّتِهِ. فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ حُرًّا، فَنِصْفُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ، وَنِصْفُهُ لِمَالِكِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَلَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ مُنْقَسِمٌ إِلَى رِقٍّ وَحُرِّيَّةٍ.
الْمَانِعُ الثَّالِثُ: الْقَتْلُ، وَهُوَ ضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَضْمُونٌ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْحِرْمَانِ، سَوَاءٌ ضُمِنَ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَنْ رَمَى صَفَّ الْكُفَّارِ وَلَمْ يَعْلَمْ [فِيهِمْ] مُسْلِمًا، فَقَتَلَ قَرِيبَهُ الْمُسْلِمَ، تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا دِيَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ قَوْلًا أَنَّ الْمُخْطِئَ يَرِثُ مُطْلَقًا، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَطَأُ بِمُبَاشَرَةٍ كَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ مُوَرِّثَهُ، أَوْ بِالسَّبَبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَسَقَطَ فِيهَا مُوَرِّثُهُ، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَعَثَّرَ بِهِ مُوَرِّثُهُ. وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِالتَّسَبُّبِ مَصْلَحَتَهُ، كَضَرْبِ الْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ لِلتَّأْدِيبِ، وَكَسَقْيِهِ الدَّوَاءَ وَبَطِّ جُرْحِهِ لِلْمُعَالَجَةِ إِذَا مَاتَ بِهِ الصَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَقْصِدُ. وَفِي بَطِّ الْجُرْحِ وَسَقْيِ الدَّوَاءِ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ اللَّبَّانِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ. وَعَنْ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» وَجْهٌ فِي مُطْلَقِ الْقَتْلِ بِالتَّسَبُّبِ: أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الْأَوَّلُ. وَسَوَاءٌ صَدَرَ الْقَتْلُ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَجِئُ فِي الصَّبِيِّ وَجْهٌ يَتَخَرَّجُ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي الْمُخْطِئِ إِذَا قُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ خَطَأٌ. وَسَوَاءٌ فِيهِ الْمُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ، وَفِي الْمُكْرَهِ خِلَافٌ، وَالْمَذْهَبُ الْمَنْعُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: قَتْلٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَهُوَ قِسْمَانِ: مُسْتَحَقٌّ مَقْصُودٌ، وَغَيْرُهُ. وَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ.
أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُسَوَّغُ تَرْكُهُ. فَإِذَا قَتَلَ الْإِمَامُ مُوَرِّثَهُ حَدًّا بِالرَّجْمِ، أَوْ فِي الْمُحَارَبَةِ، فَفِي مَنْعِهِ أَوْجُهٌ. الثَّالِثُ: إِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، مُنِعَ. وَإِنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يُسَوَّغُ تَرْكُهُ، كَالْقِصَاصِ، فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى قَتْلِ الْإِمَامِ حَدًّا، وَأَوْلَى بِالْحِرْمَانِ. وَلَوْ شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوِ الْقِصَاصَ، فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِ، أَوْ شَهِدَ عَلَى إِحْصَانِهِ، وَشَهِدَ غَيْرُهُ بِالزِّنَا، أَوْ زَكَّى الشُّهُودَ بِالزِّنَا عَلَى مُوَرِّثِهِ، فَهُوَ كَمَا إِذَا قَتَلَهُ قِصَاصًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ مَقْصُودٌ، كَقَتْلِ الصَّائِلِ وَالْبَاغِي، فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْقِصَاصِ، وَأَوْلَى بِالْحِرْمَانِ، وَالْبَاغِي أَوْلَى بِالْحِرْمَانِ مِنَ الْعَادِلِ. وَالْمَذْهَبُ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا: مَنْعُ الْإِرْثِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَكِنَّ الْقِيَاسَ وَالِاخْتِيَارَ: أَنَّ مَا لَا ضَمَانَ فِيهِ لَا يُمْنَعُ.
فَرْعٌ
قَدْ يَرِثُ الْمَقْتُولُ مِنْ قَاتِلِهِ، بِأَنْ جَرَحَ مُوَرِّثَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمَجْرُوحِ.
الْمَانِعُ الرَّابِعُ: اسْتِبْهَامُ وَقْتِ الْمَوْتِ. فَإِذَا مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ، أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ تَحْتَ هَدْمٍ، أَوْ فِي بِلَادِ غُرْبَةٍ، أَوْ وَجَدَا قَتِيلَيْنِ فِي مَعْرَكَةٍ، فَلَهُ خَمْسُ صُوَرٍ: إِحْدَاهَا: أَنْ نَعْلَمَ سَبْقَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ نَعْلَمَ التَّلَاحُقَ وَلَا نَعْلَمَ السَّابِقَ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ نَعْلَمَ وُقُوعَ الْمَوْتَتَيْنِ مَعًا.
الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا نَعْلَمَ شَيْئًا، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَا نُوَرِّثُ أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، بَلْ نَجْعَلُ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ اسْتِحْقَاقَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ وَلِأَنَّا إِنْ وَرَّثْنَا أَحَدَهُمَا فَقَطْ، فَهُوَ تَحَكُّمٌ. وَإِنْ وَرَّثْنَا كُلًّا مِنْ صَاحِبِهِ تَيَقَّنَّا الْخَطَأَ. وَقِيلَ: إِذَا تَلَاحَقَ الْمَوْتَانِ، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ، أُعْطِيَ كُلُّ وَارِثٍ لَهُمْ مَا يُتَيَقَّنُ لَهُ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، قَالَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَيُصْرَفُ الْجَمِيعُ إِلَى الْوَرَثَةِ.
الْخَامِسَةُ: أَنْ يُعْلَمَ سَبْقُ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَلْتَبِسَ فَيُوقَفَ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا؛ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْهُ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمِ السَّابِقُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْإِمَامِ.
الْمَانِعُ الْخَامِسُ: الدَّوْرُ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنَ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ. وَمِثَالُهُ: أَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِأَخِيهِ الْمَيِّتِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ. وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِأَبِي الْعَبْدِ، فَمَاتَ الْأَبُ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَقَبِلَهَا أَخُوهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يَرِثُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَلَوِ اشْتَرَى الْمَرِيضُ أَبَاهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ. وَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ نَسَبًا عَلَى وَرَثَةِ مَيِّتٍ، فَأَنْكَرُوا وَنَكَلُوا عَنِ الْيَمِينِ، حَلَفَ وَوَرِثَ مَعَهُمْ إِنْ لَمْ يَحْجُبْهُمْ. وَإِنْ كَانَ يَحْجُبُهُمْ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَرِثُ، وَإِلَّا لَبَطَلَ نُكُولُهُمْ وَيَمِينُهُ. وَلَوْ مَلَكَ أَخَاهُ، ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَنْفُذُ، ثُمَّ إِنْ صَحَّحْنَا الْإِقْرَارَ لِلْوَارِثِ، وَرِثَهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ تَوْرِيثَهُ يُوجِبُ إِبْطَالَ الْإِقْرَارِ بِحُرِّيَّتِهِ. وَإِذَا بَطَلَتْ، بَطَلَ الْإِرْثُ.
الْبَابُ السَّادِسُ فِي أَسْبَابٍ تَمْنَعُ صَرْفَ الْمَالِ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ لِلشَّكِّ فِي اسْتِحْقَاقِهِ
هِيَ أَرْبَعَةٌ:
[السَّبَبُ] الْأَوَّلُ: الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ، كَمَنْ مَاتَ وَلَهُ قَرِيبٌ مَفْقُودٌ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَلَا مَوْتَهُ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: فِي التَّوْرِيثِ مِنْهُ. فَالْمَفْقُودُ: الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَجُهِلَ حَالُهُ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ فِي قِتَالٍ أَوْ عِنْدَ انْكِسَارِ سَفِينَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَهُ مَالٌ - وَفِي مَعْنَاهُ: الْأَسِيرُ الَّذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ - فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَوْتِهِ، قُسِّمَ مِيرَاثُهُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ حَالُهُ. وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهُ إِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَعِيشُ فِيهَا، قُسِّمَ مَالُهُ، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَيْسَتْ مُقَدَّرَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ: تَتَقَدَّرُ بِسَبْعِينَ سَنَةً، وَيَكْفِي مَا يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إِلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْقَطْعِ غَلَبَةُ الظَّنِّ. ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بِالْحَاكِمِ، فَقِسْمَتُهُ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ، وَإِنِ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي اعْتِبَارِ حُكْمِهِ مُخْتَلِفٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ خِلَافٌ، إِنِ اعْتَبَرْنَا الْقَطْعَ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْحُكْمِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ. وَإِذَا مَضَتِ الْمُدَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ، وَقُسِّمَ مَالُهُ، فَهَلْ لِزَوْجَتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ؟ مَفْهُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ دَلَالَةً وَصَرِيحًا: أَنَّ لَهَا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمَنْعَ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ مَخْصُوصٌ بِمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى [الْقَوْلِ] الْقَدِيمِ حَيْثُ قَالُوا: إِذَا لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ فِي قِسْمَةِ مَالِهِ وَعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، لَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهِ فِي فِرَاقِ زَوْجَتِهِ، فَأَشْعَرَ
بِأَنَّهُمْ رَأَوُا الْحُكْمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ. وَعَلَى هَذَا فَالْعَبْدُ الْمُنْقَطِعُ الْخَبَرِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ، وَلَا يُجْزِئُ عَنِ الْكَفَّارَةِ بِلَا خِلَافٍ. وَمَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّا نَنْظُرُ إِلَى مَنْ يَرِثُهُ حِينَ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُوَرَّثُ مِنْهُ مَنْ مَاتَ قُبَيْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَفْقُودِ بَيْنَ مَوْتِهِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَأَشَارَ الْعَبَّادِيُّ فِي «الرَّقْمِ» إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقَعَ حُكْمُ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَقَالَ: يَضْرِبُ لَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً لَا يَعِيشُ فِي الْغَالِبِ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَإِذَا انْتَهَتْ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَوْرِيثِهِ. فَإِذَا مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا الْمَفْقُودَ، تَوَقَّفْنَا حَتَّى يَبِينَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مَوْتِ الْقَرِيبِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْمَفْقُودِ تَوَقَّفْنَا فِي نَصِيبِ الْمَفْقُودِ، وَأَخَذْنَا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَأِ، فَمَنْ يَسْقُطُ مِنْهُمْ بِالْمَفْقُودِ، لَا يُعْطَى شَيْئًا حَتَّى يَبِينَ حَالُهُ، وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِحَيَاتِهِ يُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ حَيَاتُهُ، وَمَنْ يَنْقُصُ حَقُّهُ بِمَوْتِهِ يُقَدَّرُ فِي حَقِّهِ مَوْتُهُ. وَمَنْ لَا يَخْتَلِفُ نَصِيبُهُ بِحَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ، يُعْطَى نَصِيبَهُ.
مِثَالُهُ: زَوْجُ مَفْقُودٌ، وَأُخْتَانِ لِأَبٍ وَعَمٌّ حَاضِرُونَ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَلَهُمَا اثْنَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ، فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّهِمْ حَيَاتُهُ.
أَخٌ لِأَبٍ مَفْقُودٍ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَجَدٌّ حَاضِرَانِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِلْأَخِ الثُّلُثَانِ، وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَيُقَدَّرُ فِي حَقِّ الْجَدِّ حَيَاتُهُ، وَفِي حَقِّ الْأَخِ مَوْتُهُ.
أَخٌ لِأَبَوَيْنِ مَفْقُودٌ، وَأُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ وَزَوْجٌ حَاضِرُونَ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمْ، فَيَكُونُ لِلْأُخْتَيْنِ الرُّبُعُ. وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ، وَلِلْأُخْتَيْنِ أَرْبَعَةٌ مِنْ سَبْعَةٍ، فَيُقَدَّرُ فِي الزَّوْجِ مَوْتُهُ، وَفِي حَقِّ الْأُخْتَيْنِ حَيَاتُهُ.
ابْنٌ مَفْقُودٌ، وَبِنْتٌ وَزَوْجٌ، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ بِكُلِّ حَالٍ. هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي كُلِّ الصُّوَرِ هُوَ الصَّحِيحُ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَفِي وَجْهٍ: يُقَدَّرُ مَوْتُهُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَاضِرِينَ مَعْلُومٌ، وَاسْتِحْقَاقَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ، غَيَّرْنَا الْحُكْمَ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: تُقَدَّرُ حَيَاتُهُ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ. فَإِنَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ غَيَّرْنَا الْحُكْمَ.
السَّبَبُ الثَّانِي: الشَّكُّ فِي النَّسَبِ. فَإِذَا أَشْكَلَ نَسَبُ مَوْلُودٍ، بِأَنْ وَطِيءَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، أَوِ ادَّعَى اثْنَانِ فَصَاعِدًا مَجْهُولًا، فَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّهُ لَا يُلْحَقُ إِلَّا بِوَاحِدٍ بِأَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْقَائِفِ. فَلَوْ مَاتَ فِي زَمَنِ الْإِشْكَالِ وَقَفْنَا مِنْ مَالِهِ مِيرَاثَ أَبٍ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْوَاطِئَيْنِ، وَقَفْنَا مِنْ مَالِهِ مِيرَاثَ الْمَوْلُودِ، وَأَخَذْنَا فِي نَصِيبِ كُلِّ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِالْأَسْوَإِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْمَفْقُودِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: الْحَمْلُ وَنَعْنِي بِهِ كُلَّ حَمْلٍ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا لَوَرِثَ مِنْهُ، إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا عَلَى تَقْدِيرٍ. وَهَذَا الْحَمْلُ، قَدْ يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ وَيَرِثُ لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا إِذَا كَانَتْ أُمُّهُ حَامِلًا مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ مِنْ أَبِيهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ، أَوْ مَمْنُوعٌ بِرِقٍّ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا زَوْجَةُ ابْنِهِ أَوْ أَخِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَالْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ، قَدْ لَا يَرِثُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ، كَحَمْلِ امْرَأَةِ الْأَخِ وَالْجَدِّ، وَقَدْ لَا يَرِثُ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ كَمَا إِذَا مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَحَمْلٍ مِنَ الْأَبِ، وَفِيهِ فَصْلَانِ.
[الْفَصْلُ] الْأَوَّلُ: فِيمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَإِنَّمَا يَرِثُ بِشَرْطَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ، وَانْفَصَلَ لِمَا بَيْنَ مَوْتِهِ وَبَيْنَ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَرِثَ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَإِنِ انْفَصَلَ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَرِثْ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ يَطَؤُهَا، فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْهُ قَطْعًا. وَإِنْ كَانَ زَوْجٌ يَطَؤُهَا، فَإِنِ انْفَصَلَ قَبْلَ تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، فَقَدْ عُلِمَ وُجُودُهُ حِينَئِذٍ. وَإِنِ انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، لَمْ يَرِثْ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْعُلُوقَ حَصَلَ بَعْدَهُ إِلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَإِذَا مَاتَ حُرٌّ عَنْ أَبٍ رَقِيقٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ حَامِلٌ، فَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ وَرِثَ الْمَوْلُودُ مِنْ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ رَقِيقٌ لَا يَحْجُبُهُ. وَإِنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَمْ يَرِثْ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْعُلُوقِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى وُجُودِهِ يَوْمَئِذٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ الْأَبُ عَنِ الْوَطْءِ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَالُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا، فَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَكَأَنْ لَا حَمْلَ، سَوَاءٌ كَانَ يَتَحَرَّكُ فِي الْبَطْنِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْغُرَّةَ، وَتَصْرِفُ الْغُرَّةَ إِلَى وَرَثَةِ الْجَنِينِ؛ لِأَنَّ إِيجَابَ الْغُرَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ تَقْدِيرُ الْحَيَاةِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْغُرَّةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْجَانِي الْحَيَاةَ مَعَ تَهَيُّؤِ الْجَنِينِ لَهَا، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْغُرَّةِ بِتَقْدِيرِ الْحَيَاةِ، فَالْحَيَاةُ مُقَدَّرَةٌ فِي حَقِّ الْجَانِي فَقَطْ تَغْلِيظًا، فَتُقَدَّرُ فِي تَوْرِيثِ الْغُرَّةِ فَقَطْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْحَيَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ. فَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا، وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الِانْفِصَالِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مَيِّتًا فِي الْإِرْثِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ. حَتَّى لَوْ ضَرَبَ بَطْنَهَا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ، وَانْفَصَلَ مَيِّتًا، فَالْوَاجِبُ الْغُرَّةُ دُونَ الدِّيَةِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ. وَعَنِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ:[أَنَّهُ] إِذَا خَرَجَ بَعْضُهُ حَيًّا، وَرِثَ وَإِنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَلَوْ مَاتَ عَقِبَ انْفِصَالِهِ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، وَرِثَ، وَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ. وَتُعْلَمُ الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ: بِصُرَاخِهِ، وَكَذَا بِالْبُكَاءِ، أَوِ الْعُطَاسِ، أَوِ التَّثَاؤُبِ، أَوِ امْتِصَاصِ الثَّدْيِ، لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْحَيَاةِ. وَحَكَى الْإِمَامُ اخْتِلَافَ قَوْلٍ فِي الْحَرَكَةِ وَالِاخْتِلَاجِ، ثُمَّ قَالَ:
وَلَيْسَ مَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ مَا إِذَا قَبَضَ الْيَدَ وَبَسَطَهَا - فَإِنَّ هَذِهِ الْحَرَكَةَ تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ قَطْعًا - وَلَا الِاخْتِلَاجَ الَّذِي يَقَعُ مِثْلُهُ لِانْضِغَاطِ وَتَقَلُّصِ عَصَبٍ فِيمَا أَظُنُّ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَرَكَتَيْنِ. وَالظَّاهِرُ: كَيْفَمَا قُدِّرَ الْخِلَافُ: أَنَّ مَا لَا تُعْلَمُ بِهِ الْحَيَاةُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لِانْتِشَارٍ بِسَبَبِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَضِيقِ أَوْ لِاسْتِوَاءٍ عَنِ الْتِوَاءٍ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِحَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ.
فَرْعٌ
لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ، لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَرِثُ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ قَرِيبًا مِنْهُ عَنِ الْمُزَنِيُّ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: مَنْ صَارَ فِي حَالِ النَّزْعِ، فَلَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ، فَكَيْفَ الظَّنُّ بِالْمَذْبُوحِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَمَتَى ظَهَرَتْ مَخَايِلُ الْحَمْلِ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوَقُّفِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَخَايِلُهُ، وَادَّعَتِ الْمَرْأَةُ الْحَمْلَ، وَوَصَفَتْ عَلَامَاتٍ خَفِيَّةً، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ. وَالظَّاهِرُ: الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهَا. وَطَرْدُ التَّرَدُّدِ فِيمَا إِذَا لَمْ تَدَّعِهِ لَكِنَّهَا قَرِيبَةُ عَهْدٍ بِالْوَطْءِ، وَاحْتِمَالُ الْحَمْلِ قَرِيبٌ. إِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ الْمُنْتَظَرِ، وَقَفْنَا الْمَالَ إِلَى أَنْ يَنْفَصِلَ. وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ، فَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ، وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو خَلَفٍ قَوْلًا عَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ: أَنَّهُ يُوقَفُ جَمِيعُ الْمَالِ. وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُوقَفُ الْجَمِيعُ، بَلْ يُنْظَرُ فِي الْوَرَثَةِ الظَّاهِرِينَ، فَمَنِ احْتَمَلَ حَجْبُهُ بِالْحَمْلِ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ بِحَالٍ وَلَهُ مُقَدَّرٌ لَا يُنْقَصُ دَفَعَ إِلَيْهِ. وَإِنْ أَمْكَنَ الْعَوْلُ، دُفِعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَائِلًا.
مِثَالُهُ: زَوْجَةٌ حَامِلٌ، وَأَبَوَانِ، يُدْفَعُ إِلَيْهَا ثُمُنٌ عَائِلٌ، وَإِلَيْهِمَا سُدُسَانِ عَائِلَانِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَمْلَ بِنْتَانِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ كَالْأَوْلَادِ، فَالصَّرْفُ إِلَيْهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَقْصَى عَدَدِ الْحَمْلِ هَلْ لَهُ ضَبْطٌ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ أَوِ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا ضَبْطَ [لَهُ]، وَبِهِ قَالَ شَيْخَا الْمَذْهَبِ: أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَفَّالُ، وَالْعِرَاقِيُّونَ، وَالصَّيْدَلَانِيُّ، وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خَمْسَةٌ فِي بَطْنٍ [وَاثْنَا عَشَرَ فِي بَطْنٍ] . وَالثَّانِي: أَنَّ أَقْصَى الْحَمْلِ أَرْبَعَةٌ، وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَالْغَزَالِيُّ، وَجَعَلَهُ الْفَرْضِيُّونَ قِيَاسَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَأَرَادُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه، يَتْبَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوُجُودَ، وَأَكْثَرُ الَّذِي وُجِدَ أَرْبَعَةٌ، لَكِنَّ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ مُشْكِلٌ بِمَا نَقَلَهُ الْأَوَّلُونَ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ خَلَّفَ ابْنًا وَأُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا، لَمْ يُصْرَفْ إِلَى الِابْنِ شَيْءٌ. وَلَوْ خَلَّفَ ابْنًا وَزَوْجَةً حَامِلًا، فَلَهَا الثُّمُنُ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَى الِابْنِ شَيْءٌ.
وَعَلَى الثَّانِي: لَهُ الْخُمُسُ أَوْ خُمُسُ الْبَاقِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ. وَعَلَى هَذَا، هَلْ يُمَكَّنُ الَّذِينَ صُرِفَ إِلَيْهِمْ حِصَّتُهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَإِلَّا لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِمْ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ، قَالَ الْقَفَّالُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلِكُ الْمَوْقُوفُ لِلْحَمْلِ، فَيُحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِرْدَادِ، وَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَ يَلِي أَمْرَ الْأَطْفَالِ، فَلَا يَلِي أَمْرَ الْأَجِنَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا جَرَى عَلَى الْقِسْمَةِ. ثُمَّ الْمَوْقُوفُ لِلْحَمْلِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، قَدْ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ أَكْثَرَ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ أَكْثَرَ، بِأَنْ خَلَّفَتْ زَوْجًا وَأُمًّا حَامِلًا مِنْ أَبِيهَا، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ ذَكَرًا، فَلَهُ سُدُسُ الْمَالِ. وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا، فَثُلُثُ الْمَالِ. وَإِنْ كَانَ أُنْثَيَيْنِ، عَالَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ، فَيُدْفَعُ إِلَى الزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَإِلَى الْأُمِّ سَهْمٌ، وَيُوقَفُ أَرْبَعَةٌ.
فَرْعٌ
مَاتَ كَافِرٌ عَنْ زَوْجَةٍ حَامِلٍ، وَقَفْنَا الْمِيرَاثَ لِلْحَمْلِ، فَأَسْلَمَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ، وَرِثَ الْوَلَدُ وَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ.
فَرْعٌ
مَاتَ عَنِ ابْنٍ وَزَوْجَةٍ حَامِلٍ، فَوَلَدَتْ ابْنًا وَبِنْتًا، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَوُجِدَا مَيِّتَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمِ الْمُسْتَهِلُّ، أُعْطِيَ كُلُّ وَارِثٍ أَقَلَّ مَا يُصِيبُهُ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي حَتَّى يَصْطَلِحُوا أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ: [الْخُنُوثَةُ] سَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، بَيَانُ مَا تُعْرَفُ بِهِ ذُكُورَتُهُ وَأُنُوثَتُهُ. فَلَوْ مَاتَ لَهُ مُوَرِّثٌ فِي مُدَّةِ إِشْكَالِهِ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ مِيرَاثُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، كَوَلَدِ الْأُمِّ وَالْمُعْتِقِ وُرِّثَ. وَإِنِ اخْتَلَفَ، أُخِذَ فِي حَقِّ الْخُنْثَى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ بِالْيَقِينِ، وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يَرِثُ عَلَى أَحَدِ تَقْدِيرَيِ الْأُنُوثَةِ وَالذُّكُورَةِ، دُونَ الْآخَرِ، لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَوُقِفَ مَا يَرِثُهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. وَكَذَا مَنْ يَرِثُ مَعَهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى يَرِثُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، لَكِنْ يَرِثُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَقَلَّ، دُفِعَ إِلَيْهِ الْأَقَلُّ، وَوُقِفَ الْبَاقِي، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَرِثُ مَعَهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ مَا يَأْخُذُهُ. وَإِنْ كَانَ مَنْ مَعَهُ يَرِثُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَلَا يَخْتَلِفُ حَقُّهُ، دُفِعَ إِلَيْهِ حَقُّهُ. وَلَنَا وَجْهٌ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ فِي حَقِّ الْخُنْثَى بِالْيَقِينِ، وَيُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَنَسَبَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ إِلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَحَكَى وَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ ضَمِينٌ؟
فَرْعٌ
الْمَالُ الْمَوْقُوفُ بِسَبَبِ الْخُنْثَى لَا بُدَّ مِنَ التَّوَقُّفِ فِيهِ مَا دَامَ الْخُنْثَى بَاقِيًا عَلَى إِشْكَالِهِ. فَإِنْ مَاتَ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاصْطِلَاحِ عَلَيْهِ. وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ يُرَدُّ إِلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ.
فَرْعٌ
لَوِ اصْطَلَحَ الَّذِينَ وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ جَازَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمَا تَوَاهُبٌ، وَإِلَّا لَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى صُورَةِ التَّوَقُّفِ، وَهَذَا التَّوَاهُبُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ جَهَالَةٍ، لَكِنَّهَا تُحْتَمَلُ لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ مِنَ الْبَيْنِ، وَوَهَبَهُ لَهُمْ عَلَى جَهْلٍ بِالْحَالِ، جَازَ أَيْضًا.
فَرْعٌ
لَوْ قَالَ الْخُنْثَى فِي أَثْنَاءِ الْأَمْرِ: أَنَا رَجُلٌ، أَوْ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ، قَطَعَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ يُقْضَى بِقَوْلِهِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى التُّهْمَةِ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا عَنْ نَصِّهِ هُنَا، قَالَ: وَنَصَّ فِيمَا إِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْجَانِي وَالْخُنْثَى فِي ذُكُورَةِ الْخُنْثَى: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْجَانِي. وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَجَ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّا عَرَفْنَا هُنَاكَ أَصْلًا ثَابِتًا، وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْجَانِي، فَلَا نَرْفَعُهُ بِقَوْلِهِ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ. وَإِذَا قَبِلْنَا قَوْلَهُ، حَلَّفْنَاهُ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
فِي أَمْثِلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ تُوَضِّحُ مَسَائِلَ الْخُنْثَى
بِنْتَانِ وَوَلَدُ ابْنٍ خُنْثَى وَأَخٌ، لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي.
وَلَدٌ خُنْثَى، وَأَخٌ أَوْ عَمٌّ، لِلْخُنْثَى النِّصْفُ، وَيُوقَفُ الْبَاقِي.
وَلَدٌ خُنْثَى وَابْنٌ، يُعْطَى الِابْنُ النِّصْفَ، وَالْخُنْثَى الثُّلُثَ.
وَلَدٌ خُنْثَى، وَابْنَانِ، يُعْطَى الْخُنْثَى الْخُمُسُ، وَالِابْنَانِ الثُّلُثَيْنِ.
وَلَدٌ خُنْثَى، وَبِنْتٌ، وَعَمٌّ، يُعْطَى الْخُنْثَى الثُّلُثَ، وَكَذَا الْبِنْتُ.
زَوْجٌ، وَأَبٌ، وَوَلَدٌ خُنْثَى، لِلزَّوْجِ الرُّبُعُ، وَلِلْأَبِ السُّدُسُ، وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ.
زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَوَلَدُ أَبٍ خُنْثَى، لِلزَّوْجِ النِّصْفُ عَائِلًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ عَائِلًا، وَلِلْخُنْثَى سُدُسٌ تَامٌّ. وَإِذَا اجْتَمَعَ وَلِدَانِ خُنْثَيَانِ، فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي.
ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ خَنَاثَى، وَعَمٌّ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَنَاثَى خُمُسُ الْمَالِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُنْثَى وَصَاحِبَاهُ ذَكَرَانِ.
ابْنٌ وَخُنْثَيَانِ، يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثُّلُثُ، وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخُمُسُ.
وَلَدٌ خُنْثَى، وَوَلَدُ ابْنٍ خُنْثَى، وَعَمٌّ، فَلِلْوَلَدِ النِّصْفُ.
بِنْتٌ، وَبِنْتُ ابْنٍ، وَوَلَدُ ابْنٍ خُنْثَى، وَعَمٌّ، لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِوَلَدَيْ الِابْنِ السُّدُسُ بِالسَّوِيَّةِ.
ثَلَاثَةُ أَوْلَادِ ابْنٍ خَنَاثَى بَعْضُهُمْ أَسْفَلُ مِنْ بَعْضٍ، لِلْأَوَّلِ النِّصْفُ.
وَالْبَاقِي فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يُوقَفُ حَتَّى يَبِينَ الْحَالُ.
الْبَابُ السَّابِعُ فِي مِيرَاثِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْمَجُوسِ
فِيهِ ثَلَاثَةُ فُصُولٍ.
[الْفَصْلُ] الْأَوَّلُ: اللِّعَانُ يَقْطَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْمُلَاعِنِ وَالْوَلَدِ؛ لِانْقِطَاعِ النَّسَبِ، وَكَذَا يَقْطَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَكُلِّ مَنْ يُدْلِي بِالْمُلَاعِنِ، كَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَوْلَادِهِ. وَفِي «السِّلْسِلَةِ» لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَجْهٌ مُخَرَّجٌ: أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقْطَعُ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْمُلَاعِنِ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُلَاعِنَ هَلْ لَهُ نِكَاحُ الْبِنْتِ الَّتِي نَفَاهَا بِاللِّعَانِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا؟ [إِنْ قُلْنَا: لَهُ ذَلِكَ كَنِكَاحِ بِنْتِ الزِّنَا، فَلَا يَرِثُ، وَ] إِنْ مَنَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ نَسَبَهَا يَعْرِضُ لِلثُّبُوتِ، بِأَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَرِثَ، وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْوَجْهُ لِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَا نَسَبَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْوَلَدُ مَعَ الْأُمِّ، فَيَتَوَارَثَانِ تَوَارُثَ سَائِرِ الْأَوْلَادِ وَالْأُمَّهَاتِ. وَالتَّوْأَمَانِ الْمَنْفِيَّانِ بِاللِّعَانِ فِي تَوَارُثِهِمَا وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ: لَا يَتَوَارَثَانِ إِلَّا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ، لِانْقِطَاعِ نَسَبِ الْأَبِ. وَالثَّانِي: يَتَوَارَثَانِ بِأُخُوَّةِ الْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَطْ، فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَلَا عَصَبَةَ لِلْمَنْفِيِّ إِلَّا مِنْ صُلْبِهِ، أَوْ بِالْوَلَاءِ بِأَنْ يَكُونَ عَتِيقًا أَوْ أُمُّهُ عَتِيقَةً، فَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِمَوْلَاهَا عَلَيْهِ، وَعَصَبَةُ الْأُمِّ لَا يَكُونُونَ عَصَبَةً لَهُ.
فَرْعٌ
إِذَا نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ. فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ، وَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ إِنْ كَانَتْ تَرِكَتُهُ قُسِّمَتْ. حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّهِ وَلَاءٌ، فَأَخَذَ مَوْلَاهَا مِيرَاثَهُ، كَانَ لِلْمُسْتَلْحَقِ اسْتِرْدَادُهُ، وَلَا فَرْقَ فِي اللُّحُوقِ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَيِّتُ وَلَدًا، أَمْ لَا.
الْفَصْلُ الثَّانِي: وَلَدُ الزِّنَا كَالْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَجْهَ الْمَنْقُولَ عَنِ «السِّلْسِلَةِ» ، لَا يَجِئُ هُنَا قَطْعًا. وَالثَّانِي: أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا يُلْحَقُ بِالِاسْتِلْحَاقِ. الثَّالِثُ: التَّوْأَمَانِ مِنَ الزِّنَا لَا يَتَوَارَثَانِ إِلَّا بِأُخُوَّةِ الْأُمِّ قَطْعًا. وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَصَاحِبُ (الْحَاوِي) : يَتَوَارَثَانِ بِأُخُوَّةِ الْأَبَوَيْنِ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ عَلِقَتْ بِتَوْأَمَيْنِ مِنْ وَاطِئٍ بِشُبْهَةٍ، ثُمَّ جُهِلَ الْوَاطِئُ تَوَارَثَا بِأُخُوَّةِ الْأَبَوَيْنِ بِلَا خِلَافٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ قَرَابَتَانِ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ اجْتِمَاعِهِمَا، كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ، وَذَلِكَ يَقَعُ فِي الْمَجُوسِ، لِاسْتِبَاحَتِهِمْ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ، وَرُبَّمَا أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا، وَقَدْ يَتَّفِقُ فِي الْمُسْلِمِينَ نَادِرًا بِغَلَطٍ وَاشْتِبَاهٍ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا تَوْرِيثَ بِالْقَرَابَتَيْنِ، بَلْ يُوَرَّثُ بِأَقْوَاهُمَا. وَفِي وَجْهٍ: يَرِثُ بِهِمَا إِنْ كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتَا فِي شَخْصَيْنِ وَرِثَا مَعًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ اللَّبَّانِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، وَيُعْرَفُ الْأَقْوَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ تَحْجُبَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ، أَنْ يَطَأَ أُمَّهُ فَتَلِدَ بِنْتًا. وَالثَّانِي: أَنْ لَا تُحْجَبَ إِحْدَاهُمَا أَصْلًا، أَوْ يَكُونَ حَجْبُهَا أَقَلَّ، فَالْأَوَّلُ: كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ. وَالثَّانِي: كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ، فَتَرِثُ بِالْأُمُومَةِ أَوِ الْجُدُودَةِ دُونَ الْأُخُوَّةِ، وَعَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ [وَجْهٌ: أَنَّهَا تَرِثُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُخُوَّةِ، دُونَ الْجُدُودَةِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الْأُخْتِ أَكْثَرُ، وَلْيُجْبَرْ هَذَا فِي