الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: بَلْ هُوَ بَعِيدٌ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ.
فَصْلٌ
فِي يَدِهِ مَالٌ، جَاءَ رَجُلَانِ ادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ مُودِعُهُ، فَجَوَابُهُ يُفْرَضُ بِصِيَغٍ. إِحْدَاهَا: أَنْ يُكَذِّبَهُمَا وَيَقُولَ: الْمَالُ لِي، فَيَحْلِفُ لِكُلٍّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ.
[الصِّيغَةُ] الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقِرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَيُعْطَاهُ، وَهَلْ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِعَمْرٍو، هَلْ يُغَرَّمُ لِعَمْرٍو؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَلَا، وَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ. فَإِنْ حَلَفَ، سَقَطَتْ دَعْوَى الْآخَرِ. وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ. ثُمَّ هَلْ يُوقَفُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ يَصْطَلِحَا، أَمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمَا، أَمْ يُغَرَّمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لَهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْمَذْهَبُ هُوَ الثَّالِثُ.
[الصِّيغَةُ] الثَّالِثَةُ: قَالَ: هُوَ لَكُمَا، فَهُوَ كَمَالٌ فِي يَدِ شَخْصَيْنِ يَتَدَاعَيَانِهِ. فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، قُضِيَ لَهُ، وَلَا خُصُومَةَ لِلْآخَرِ مَعَ الْمُودَعِ؛ لِنُكُولِهِ. وَإِنْ نَكَلَا أَوْ حَلَفَا، جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ كَالْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
[الصِّيغَةُ] الرَّابِعَةُ: قَالَ: هُوَ لِأَحَدِكُمَا وَقَدْ نَسِيتُ عَيْنَهُ، فَإِنْ ضَمِنَا الْمُودَعَ بِالنِّسْيَانِ، فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِلَّا، نُظِرَ، إِنْ صَدَّقَاهُ، فَلَا خُصُومَةَ لَهُمَا مَعَهُ، وَإِنَّمَا الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا. فَإِنِ اصْطَلَحَا فِي شَيْءٍ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَيُجْعَلُ الْمَالُ كَأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا يَتَدَاعَيَانِهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَالٌ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَتَدَاعَيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ. فَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً [أَوْ حَلَفَا أَوْ نَكَلَا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ
أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَوْ حَلَفَ، وَنَكَلَ صَاحِبُهُ، قُضِيَ لَهُ. وَعَلَى الثَّانِي، لَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً] ، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ. وَإِنْ نَكَلَا أَوْ حَلَفَا، وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا. وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَمْ بِالثَّانِي، هَلْ يُتْرَكُ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَى أَنْ تَنْفَصِلَ خُصُومَتُهُمَا، أَمْ يُنْزَعُ مِنْهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَالْقَوْلَانِ فِيمَا إِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الِانْتِزَاعَ وَالْآخَرُ التَّرْكَ، أَمَّا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، فَيَتَّبِعُ الْحَاكِمُ رَأْيَهُمَا. أَمَّا إِذَا كَذَّبَاهُ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَادَّعَيَا عِلْمَهُ، فَهُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَيَكْفِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عِلْمُهُ.
وَهَلْ لِلْحَاكِمِ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إِذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْخَصْمَانِ؟ وَجْهَانِ. ثُمَّ إِذَا حَلَفَ، فَالْحُكْمُ كَمَا إِذَا صَدَّقَاهُ فِي النِّسْيَانِ. وَقِيلَ: يُنْتَزَعُ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يُنْتَزَعْ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهُ خَائِنٌ عِنْدَهُمَا بِدَعْوَى النِّسْيَانِ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا. فَإِنْ نَكَلَا، فَالْمَالُ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، قُضِيَ لَهُ. وَإِنْ حَلَفَا، فَقَوْلَانِ. وَيُقَالُ: وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا. وَأَظْهَرُهُمَا: يُقَسَّمُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا. وَعَلَى هَذَا، يُغَرَّمُ الْقِيمَةَ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِيَمِينِ الرَّدِّ كُلَّ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَأْخُذْ إِلَّا نِصْفَهَا. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ فِيمَا إِذَا نَكَلَ الْمُودَعُ. وَقِيلَ: لَا يُغَرَّمُ الْقِيمَةَ مَعَ الْعَيْنِ إِذَا حَلَفَا. وَقِيلَ: لَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا بِنُكُولِهِ، بَلْ يُوقَفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ حَلَفَا وُقِفَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا، فَلَا مَعْنَى لِعَرْضِ الْيَمِينِ. وَإِذَا رَدَدْنَا الْيَمِينَ، فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؟ أَمْ يَبْدَأُ الْحَاكِمُ بِمَنْ رَأَى؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي. وَإِذَا حَلَفَا وَقَسَّمَ بَيْنَهُمَا الْعَيْنَ وَالْقِيمَةَ، فَإِنْ لَمْ يُنَازِعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَلَا كَلَامَ. وَإِنْ نَازَعَهُ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ لَهُ، سَلَّمْنَاهَا إِلَيْهِ وَرَدَدْنَا الْقِيمَةَ إِلَى الْمُودَعِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَنَكَلَ صَاحِبُهُ عَنِ الْيَمِينِ فَحَلَفَ وَاسْتَحَقَّ الْعَيْنَ، رَدَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ