الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْمَنْعَ بِمَا إِذَا قَصَدَ تَعْظِيمَ الْكَنِيسَةِ. فَأَمَّا إِذَا قَصَدَ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِينَ أَوِ الْمُجَاوِرِينَ بِضَوْئِهَا، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ.
فَصْلٌ
وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمُلْكُ. وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الضَّبْطِ مَسَائِلُ. إِحْدَاهَا: الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ جَائِزَةٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ، فَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِحَمْلِ فُلَانَةَ، أَوْ لِحَمْلِ فُلَانَةَ الْمَوْجُودِ الْآنَ، فَلَا بُدَّ لِنُفُوذِهَا مِنْ شَرْطَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، بِأَنْ يَنْفَصِلَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَلَوِ انْفَصَلَ لِسِتَّةٍ فَصَاعِدًا نُظِرَ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا، بَلْ فَارَقَهَا مُسْتَفْرِشُهَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. فَإِنْ كَانَ الِانْفِصَالُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَإِنِ انْفَصَلَ لِدُونِ ذَلِكَ، فَقَوْلَانِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُهُ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِحَمْلِ فُلَانَةَ مِنْ زَيْدٍ اشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْ زَيْدٍ، حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، وَلِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ; لِأَنَّ النَّسَبَ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْهُ. وَلَوِ اقْتَضَى الْحَالُ ثُبُوتَ نَسَبِهِ مِنْ زَيْدٍ، فَنَفَاهُ بِاللِّعَانِ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ: لَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: يَسْتَحِقُّ ; لِأَنَّ النَّسَبَ كَانَ ثَابِتًا، وَاللِّعَانُ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لَحَمْلِ أَمَةٍ مِنْ سَيِّدِهَا، فَادَّعَى سَيِّدُهَا الِاسْتِبْرَاءَ، وَرَأَيْنَاهُ نَافِيًا لِلنَّسَبِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَنْفَصِلَ حَيًّا، فَلَوِ انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنِ انْفَصَلَ بِجِنَايَةٍ وَأَوْجَبْنَا الْغُرَّةَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ.
فَرْعٌ
أَتَتْ بِوَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْأَوَّلِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا وَإِنْ زَادَ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا؛ لِأَنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ.
فَرْعٌ
يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَمْلِ مَنْ يَلِي أَمْرَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ حَيًّا. وَإِنْ قَبِلَهَا قَبْلَ انْفِصَالِهِ، ثُمَّ انْفَصَلَ حَيًّا، فَعَنِ الْقَفَّالِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فِيهِ قَوْلَانِ. كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى ظَنِّ حَيَاتِهِ فَبَانَ مَيِّتًا.
فَرْعٌ
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فِيمَا إِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ لِحَمْلِهَا، أَوْ لِحَمْلِهَا الْمَوْجُودِ. أَمَّا إِذَا قَالَ: لِحَمْلِهَا الَّذِي سَيَحْدُثُ، فَأَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ، قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَبُو مَنْصُورٍ، كَمَا تَصِحُّ بِالْحَمْلِ الَّذِي سَيُوجَدُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا حَالَ الْمَوْتِ، صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي، وَإِمَّا لِلْوَرَثَةِ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: لِأَجْنَبِيٍّ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ. ثُمَّ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَنْ يَسْتَمِرَّ رِقُّهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَسْتَمِرَّ رِقُّهُ، فَالْوَصِيَّةُ لِلسَّيِّدِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ الْمُوصِي الْعَبْدَ الْمُوصَى لَهُ لَمْ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ، وَلَوْ قَتَلَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ، كَانَتْ وَصِيَّتُهُ لِلْقَاتِلِ. وَفِي افْتِقَارِ قَبُولِ الْعَبْدِ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ «مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ» . أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَلَا. يَصِحُّ مِنَ السَّيِّدِ مُبَاشَرَةُ الْقَبُولِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، وَالْوَجْهَانِ فِيمَا حُكِيَ مَخْصُوصَانِ بِقَوْلِنَا: إِنَّ قَبُولَ الْعَبْدِ يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعَمَّمَا ; لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَا يَبْعُدُ تَصْحِيحُ الْقَبُولِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ فِي الْوَصِيَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَارِثَ الْمُوصَى لَهُ يَقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ فِي الْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا قَبُولُ السَّيِّدِ مَا وُهِبَ لِعَبْدِهِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: هُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ الْقَبُولَ فِي الْهِبَةِ كَالْقَبُولِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ. وَإِذَا صَحَّحْنَا قَبُولَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، فَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْقَبُولِ فَقَبِلَ، قَالَ الْإِمَامُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي الصِّحَّةُ، وَحُصُولُ الْمِلْكِ لِلسَّيِّدِ، كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنِ الْخَلْعِ فَخَالَعَ. وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ بِلَا إِذْنٍ، فَلَوْ رَدَّ السَّيِّدُ، فَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ. فَلَوْ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِي الْقَبُولِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، قَالَ: وَإِذَا صَحَّحْنَا الْقَبُولَ مِنَ السَّيِّدِ، فَيَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ رَدُّ الْعَبْدِ لَوْ رَدَّهُ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَسْتَمِرَّ، بَلْ يُعْتَقَ. فَيُنْظَرُ إِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْمِلْكِ حُرٌّ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَإِنْ قَبِلَ ثُمَّ عَتَقَ، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ عَتَقَ ثُمَّ قَبِلَ، فَإِنْ قُلْنَا: الْوَصِيَّةُ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ،
فَالْمِلْكُ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، فَلِلْعَبْدِ. وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدٍ هُوَ لِزَيْدٍ، فَبَاعَهُ لِعَمْرٍو، فَيُنْظَرُ فِي وَقْتِ الْبَيْعِ، وَيُجَابُ بِمِثْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ.
فَرْعٌ
أَوْصَى لِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، وَقَبِلَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَالْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا لَوِ احْتَشَّ أَوِ احْتَطَبَ. وَإِنْ قَبِلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقُلْنَا: يَفْتَقِرُ قَبُولُ الْعَبْدِ إِلَى إِذْنِ سَيِّدِهِ، فَالْقَبُولُ بَاطِلٌ فِي نِصْفِ السَّيِّدِ. وَفِي نِصْفِهِ وَجْهَانِ ; لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ يَنْقَسِمُ عَلَى نِصْفَيْهِ، فَيَلْزَمُ دُخُولُ نِصْفِهِ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْأَكْسَابَ النَّادِرَةَ هَلْ تَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي «زَكَاةِ الْفِطْرِ» ، وَفِي «كِتَابِ اللُّقَطَةِ» . فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَدْخُلُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُهَايَأَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا: تَدْخُلُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ ; لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ إِذْنٌ لَهُ فِي جَمِيعِ الْأَكْسَابِ الدَّاخِلَةِ فِيهَا. وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي، أَمْ بِيَوْمِ الْقَبُولِ، أَمْ بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: الْأَوَّلُ. وَلَوْ وَهَبَ لِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي دُخُولِ الْكَسْبِ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ. فَإِنْ أَدْخَلْنَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِي يَوْمِ أَحَدِهِمَا، وَالْقَبْضُ فِي يَوْمِ الْآخَرِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ الْمَقْبُوضَةَ يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ فِيهَا إِلَى الْعَقْدِ، أَمْ يَثْبُتُ عَقِبَ الْقَبْضِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَالِاعْتِبَارُ بِيَوْمِ الْعَقْدِ، وَإِلَّا فَيَوْمِ الْقَبْضِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَعَلَى الثَّانِي بِيَوْمِ الْعَقْدِ.
فَرْعٌ
قَالَ: أَوْصَيْتُ لِنِصْفِهِ الْحُرِّ، أَوْ لِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ خَاصَّةً. فَعَنِ الْقَفَّالِ: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ لِبَعْضِ شَخْصٍ، كَمَا لَا يَرِثُ [بَعْضُهُ]، وَقَالَ غَيْرُهُ:
يَصِحُّ وَيَنْزِلُ بِتَقْيِيدِ الْمُوصِي مَنْزِلَةَ الْمُهَايَأَةِ، فَيَكُونُ الْمُوصَى بِهِ لِلسَّيِّدِ إِنْ وَصَّى لِنِصْفِهِ الرَّقِيقِ، وَلَهُ إِنْ أَوْصَى لِنَفْسِهِ الْحُرِّ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الثَّانِي. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
تَرَدَّدَ الْإِمَامُ فِيمَا إِذَا صَرَّحَا بِإِدْرَاجِ الْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ فِي الْمُهَايَأَةِ، أَنَّهَا تَدْخُلُ قَطْعًا، أَمْ تَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ؟ وَفِيمَا لَوْ عَمَّتِ الْهِبَاتُ وَالْوَصَايَا فِي قُطْرٍ، أَنَّهَا هَلْ تَدْخُلُ قَطْعًا، أَمْ تَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ؟
قُلْتُ: الرَّاجِحُ طَرْدُ الْخِلَافِ مُطْلَقًا، لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ لِلْمُوصِي، فَيُنْظَرُ إِنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ بِرَقَبَتِهِ، فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي. وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ رَقَبَتِهِ نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَعَتَقَ ذَلِكَ الْجُزْءُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِ مَالِي وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِ مَا أَمْلِكُ مِنْ رَقَبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْوَالِي، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِهِ، وَبَقِيَ بَاقِيهِ رَقِيقًا لِلْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَصِيَّةً لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ لِوَارِثِهِ. وَسَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِ مَا أَمْلِكُ، أَوْ بِثُلُثِ أَمْوَالِي، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَأَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: أَنَّ رَقَبَتَهُ تَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَمْوَالِهِ. وَالثَّانِي: لَا لِإِشْعَارِهِ بِغَيْرِهِ. فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ وَصِيَّةٌ لِلْعَبْدِ بِغَيْرِ رَقَبَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِثُلُثِ رَقَبَتِهِ، وَثُلُثِ بَاقِي أَمْوَالِي. وَالثَّالِثَةُ:
تُجْمَعُ الْوَصِيَّةُ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، صُرِفَ الْفَضْلُ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِعَيْنِ مَالٍ، أَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ مِنْ مَالِي كَذَا، فَإِنْ مَاتَ وَهُوَ مِلْكُهُ، فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ. وَإِنْ بَاعَهُ الْمُوصِيَ، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ أَعْتَقَهُ، فَهِيَ لِلْعَتِيقِ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ جَمِيعِ أَمْوَالِهِ، وَشَرَطَ تَقْدِيمَ رَقَبَتِهِ، عَتَقَ جَمِيعُهُ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ مَا يَتِمُّ بِهِ الثُّلُثُ.
فَرْعٌ
تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأُمِّ وَلَدِهِ ; لِأَنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلِلْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْمِلْكِ. ثُمَّ إِنْ عَجَزَ وَرَقَّ، صَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَرَثَةِ. وَكَذَا الْمُدَبَّرُ. ثُمَّ عِتْقُهُ وَالْوَصِيَّةُ لَهُ مُعْتَبَرَانِ مِنَ الثُّلُثِ. فَإِنْ وَفَى بِهِمَا عَتَقَ، وَنَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عُتِقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَصَارَتِ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ. وَإِنْ وَفَى بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيَّةِ، بِأَنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ يُسَاوِي مِائَةً، وَالْوَصِيَّةُ بِمِائَةٍ، وَلَهُ غَيْرُهُمَا مِائَةٌ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: تُقَدَّمُ رَقَبَتُهُ، فَيُعْتَقُ كُلُّهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ: يُعْتَقُ نِصْفُهُ، وَالْوَصِيَّةُ وَصِيَّةٌ لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ لِلْوَارِثِ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ: أَصَحُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِوَارِثِ الْمُوصِي بِأَنْ بَاعَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَالْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَعْتَقَهُ، فَهِيَ لِلْعَتِيقِ، فَإِنِ اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهِ، فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَعَبْدِ أَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ
وَارِثُهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي. وَلَوْ أَوْصَى لِمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ، وَنِصْفُهُ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ، أَوْ كَانَتْ، وَقُلْنَا: لَا تَدْخُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهَا، فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبَعِّضَ الْوَصِيَّةَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ. وَإِنْ جَرَتْ مُهَايَأَةٌ، وَقُلْنَا: يَدْخُلُ فِيهَا، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ مَاتَ فِي يَوْمِ الْعَبْدِ، فَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ لَهُ، وَإِلَّا، فَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُهَايَأَةٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ أَحْدَثَاهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ.
فَرْعٌ
أَوْصَى لِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ. فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْدَهُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ. فَإِنْ عَجَزَ، وَرَقَّ، صَارَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَوْصَى لِدَابَّةِ غَيْرِهِ، وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا، أَوْ أَطْلَقَ. قَالَ الْأَصْحَابُ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ; لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ لِلتَّمْلِيكَ، وَالدَّابَّةُ لَا تَمْلِكُ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْعَبْدِ، بِأَنَّ الْعَبْدَ تَنْتَظِمُ مُخَاطَبَتُهُ، وَيَتَأَتَّى مِنْهُ الْقَبُولُ، وَرُبَّمَا عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ. وَقَدْ سَبَقَ فِي الْوَقْفِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ فِي كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى مَالِكِهَا، فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُضَافَ إِلَى مَنْ تَمَلَّكَ.
قُلْتُ: الْفَرْقُ أَصَحُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ فُسِّرَ بِالصَّرْفِ فِي عَلَفِهَا صَحَّتْ ; لِأَنَّ عَلَفَهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَالْقَصْدُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ الْمَالِكُ. هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ، وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ، وَالْبَغَوِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
وَيُحْتَمَلُ طَرْدُ خِلَافٍ سَبَقَ فِي مِثْلِهِ فِي الْوَقْفِ. فَعَلَى الصِّحَّةِ فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِ الْمَالِكِ وَجْهَانِ: اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ: لَا يُشْتَرَطُ، وَيُجْعَلُ وَصِيَّةً لِلدَّابَّةِ. وَالْأَصَحُّ: الِاشْتِرَاطُ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» كَسَائِرِ الْوَصَايَا. وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِمَالِكِهَا، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِعِمَارَةِ دَارِهِ، فَعَلَى هَذَا، يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إِلَى جِهَةِ الدَّابَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّلْخِيصِ» رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي. فَعَلَى هَذَا، يَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ الْوَصِيُّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَالْقَاضِي، أَوْ مَنْ يَأْمُرُهُ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ لَهُ إِمْسَاكُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ.
فَرْعٌ
لَوِ انْتَقَلَتِ الدَّابَّةُ مِنْ مَالِكِهَا إِلَى غَيْرِهِ، فَقِيَاسُ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ لِلدَّابَّةِ الِاسْتِمْرَارُ لَهَا. وَقِيَاسُ كَوْنِهَا لِلْمَالِكِ اخْتِصَاصُهَا بِالْمُنْتَقَلِ عَنْهُ.
قُلْتُ: بَلِ الْقِيَاسُ اخْتِصَاصُهَا بِالْمُنْتَقَلِ إِلَيْهِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْعَبْدِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
أَوْصَى لِمَسْجِدٍ وَفُسِّرَ بِالصَّرْفِ فِي عِمَارَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَهَلْ تَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ لِلدَّابَّةِ، أَمْ تَصِحُّ تَنْزِيلًا عَلَى الصَّرْفِ فِي عِمَارَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَيَصْرِفُهُ الْقَيِّمُ فِي الْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ. وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: سَبَقَ أَنْ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي أَشَارَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ إِلَى اخْتِيَارِهِ هُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَكَذَا لِلْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ فِي «عُيُونِ الْمَسَائِلِ» .
[الْمَسْأَلَةُ] الْخَامِسَةُ: فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ: الصِّحَّةُ، كَالْهِبَةِ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِحَقٍّ أَمْ بِغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِي الْقَتْلِ ظُلْمًا، وَتَصِحُّ لِلْقَاتِلِ بِحَقٍّ قَطْعًا، كَالْقِصَاصِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِنْ وَرَّثْنَا الْقَاتِلَ بِحَقٍّ صَحَّتْ، وَإِلَّا فَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ. وَقِيلَ: الْقَوْلَانِ فِيمَنْ أَوْصَى لِجَارِحِهِ ثُمَّ مَاتَ. أَمَّا مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ، فَقَتَلَهُ فَبَاطِلَةٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْجِلٌ، فَحُرِمَ كَالْوَارِثِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الْجَارِحِ قَطْعًا. وَالْقَوْلَانِ فِي الْآخَرِ. وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا.
فَرْعٌ
الْمُسْتَوْلَدَةُ إِذَا قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَتَقَتْ قَطْعًا وَإِنِ اسْتَعْجَلَتْ ; لِأَنَّ الْإِحْبَالَ كَالْإِعْتَاقِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدًا، فَقَتَلَ سَيِّدَهُ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي حُرِّيَّتِهِ. وَلَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ فَقَتَلَهُ. وَإِنْ قُلْنَا: تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ عَتَقَ [قَطْعًا]، كَالْمُسْتَوْلَدَةِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ صَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ بِقَتْلِ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَلَا. وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ سَوَاءٌ قُلْنَا: التَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ، أَمْ تَعْلِيقٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا، فَفِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الثُّلُثِ.
فَرْعٌ
أَوْصَى لِعَبْدِ جَارِحِهِ، أَوْ لِمُدَبَّرِهِ، أَوْ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لِلْعَتِيقِ، وَإِنِ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، صَحَّتْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ، وَإِلَّا فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِجَارِحٍ.
فَرْعٌ
أَوْصَى لِعَبْدِ زَيْدٍ بِشَيْءٍ، فَجَاءَ الْعَبْدُ فَقَتَلَ الْمُوصِيَ، لَمْ تَتَأَثَّرْ بِهِ الْوَصِيَّةُ. فَإِنْ جَاءَ زَيْدٌ وَقَتَلَهُ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ. وَلَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبٍ، فَقَتَلَ الْمُكَاتَبُ الْمُوصِيَ، فَإِنْ عَتَقَ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِلْقَاتِلِ. وَإِنْ عَجَزَ، فَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ لِلسَّيِّدِ. وَإِنْ قَتَلَهُ سَيِّدُ الْمَكَاتِبِ، فَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ. وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ الْقَاتِلِ ; لِأَنَّهَا تَقَعُ لِسَيِّدِهِ.
فَرْعٌ
مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إِذَا قَتَلَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَلَّ دَيْنُهُ ; لِأَنَّ الْحَظَّ لَهُ الْآنَ فِي تَعْجِيلِ بَرَاءَتِهِ.
[الْمَسْأَلَةُ] السَّادِسَةُ: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. يُقَدَّمُ عَلَيْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. فَلَوْ خَالَفَ وَلَهُ وَارِثٌ [خَاصٌّ] فَرَدَّ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ أَجَازَ دُفِعَ الْمَالُ بِالزِّيَادَةِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ. وَهَلْ إِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ لِتَصَرُّفِ الْمُوصِي، أَمِ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنَ الْوَارِثِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: تَنْفِيذٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ خَاصٌّ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ بَاطِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ،
لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا مُجِيزَ. وَحَكَى أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ وَجْهًا فِي صِحَّتِهَا. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لِلْإِمَامِ رَدُّهَا. وَهَلْ لَهُ إِجَازَتُهَا؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ، هَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْوَارِثِ الْخَاصِّ. وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، فَتَبْطُلُ بِرَدٍّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ. فَإِنْ أَجَازُوا، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِجَازَتُهُمُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، وَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَأَظْهَرُهُمَا: أَنَّهَا تَنْفِيذٌ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِبُطْلَانِهَا وَإِنْ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ. وَالْفَرْقُ [أَنَّ] الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ هُنَاكَ لَحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا رَضُوا أَجَازَ. وَالْمَنْعُ هُنَا لِتَغْيِيرِ الْفُرُوضِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ لِلْوَرَثَةِ، فَلَا أَثَرَ لِرِضَاهُمْ. فَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، كَفَى لَفْظُ الْإِجَازَةِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى هِبَةٍ وَتَجْدِيدِ قَبُولٍ وَقَبْضٍ، وَلَيْسَ لِلْمُجِيزِ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَإِنْ قُلْنَا: ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، فَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْوَصِيَّةِ أَوَّلًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولٍ آخَرَ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ، وَلِلْمُجِيزِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظُ التَّمْلِيكِ أَوْ لَفْظُ الْإِعْتَاقِ إِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ إِعْتَاقًا؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَلَا يَكْفِي لَفْظُ الْإِجَارَةِ، كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا فَاسِدًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ ثُمَّ أَجَازَهُ.
فَرْعٌ
خَلَّفَ زَوْجَةً هِيَ بِنْتُ عَمِّهِ، وَأَبَاهَا، وَكَانَ أَوْصَى لَهَا، فَأَجَازَ أَبُوهَا الْوَصِيَّةَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ إِنْ جَعَلْنَا الْإِجَازَةَ تَنْفِيذًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ، فَلَهُ الرُّجُوعُ.
فَرْعٌ
أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ، أَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ
عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، فَوَلَاءُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْمُجِيزِينَ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ. وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، فَوَلَاءُ جَمِيعِهِ لِلْمَيِّتِ يَرِثُهُ ذُكُورُ الْعَصَبَةِ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ وَجْهٌ: أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمَيِّتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ عَبْدًا، فَمَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ، فَهَلْ يَمُوتُ كُلُّهُ حُرًّا، أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي «بَابِ الْعِتْقِ» .
فَرَوَّعَ
تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ
إِحْدَاهَا: الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْوَارِثِ، وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ وَإِبْرَاءُهُ مِنْ دَيْنٍ كَالْوَصِيَّةِ لَهُ، فَفِيهَا الْخِلَافُ.
الثَّانِي: لَا اعْتِبَارَ بِرَدِّ الْوَرَثَةِ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي. فَلَوْ أَجَازُوا فِي حَيَاتِهِ، أَوْ أَذِنُوا لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ أَرَادُوا الرَّدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ. فَإِنْ أَجَازُوا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَالصَّحِيحُ لُزُومُهَا. وَقِيلَ: كَالْإِجَازَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ.
الثَّالِثُ: يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ الْوَارِثُ قَدْرَ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَدْرَ التَّرِكَةِ، فَإِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا، لَمْ يَصِحَّ إِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، فَكَالْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْأَظْهَرِ.
الرَّابِعُ: أَجَازَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقِدُ التَّرِكَةَ قَلِيلَةً، فَبَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا ظَنَنْتُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي «الْأُمِّ» : يَحْلِفُ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَتَحَقَّقُهُ. قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى الْيَمِينِ إِذَا حَصَلَ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُوصَى لَهُ.
فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْيَمِينِ إِنْ جَعَلْنَاهَا ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ، فَإِنَّ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَلْزَمُ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: التَّنْفِيذُ فِي الْقَدْرِ الْمَظْنُونِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ، فَتَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا: ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، فَإِذَا حَلَفَ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ. وَاللَّفْظُ الْمَحْكِيُّ عَنِ النَّصِّ يُنَازِعُهُ فِيمَا ادَّعَاهُ. وَلَوْ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا قَدْرَ التَّرِكَةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَزِمَتْ إِنْ جَعَلْنَاهَا تَنْفِيذًا، وَإِنْ قُلْنَا: عَطِيَّةٌ، فَلَا إِذَا لَمْ يُوجَدِ الْقَبْضُ. وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِعَبْدٍ مُعَيَّنٍ، فَأَجَازَ، ثُمَّ قَالَ: ظَنَنْتُ التَّرِكَةَ كَثِيرَةً وَأَنَّ الْعَبْدَ خَارِجٌ مِنْ ثُلُثِهَا وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ، أَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ، أَوْ بَانَ لِي أَنَّهُ تَلِفَ بَعْضُهَا، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِجَازَةُ عَطِيَّةٌ، صَحَّتْ ; لِأَنَّ الْعَبْدَ مَعْلُومٌ، وَالْجَهَالَةُ فِي غَيْرِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: الصِّحَّةُ لِلْعِلْمِ بِالْعَبْدِ. وَالثَّانِي: يَحْلِفُ وَلَا يُلْزَمُ إِلَّا الثُّلُثَ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمُشَاعِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي.
الْخَامِسُ: الِاعْتِبَارُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَابْنٍ لَهُ، فَوُلِدَ لَهُ ابْنٌ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّتْ. وَلَوْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ، فَمَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْمُوصِي، فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذَكَرْنَا فِي الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ خِلَافًا فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ الْإِقْرَارِ، أَمِ الْمَوْتِ؟ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِقْرَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ، وَلَا ثَبَاتَ لَهَا قَبْلَهُ.
السَّادِسُ: إِذَا أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَوَصِيَّتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِلَا وَصِيَّةٍ. وَيَجِئُ فِيهِ أَوْجُهٌ: أَنَّهُ يَصِحُّ ; لِأَنَّ صَاحِبَ «التَّتِمَّةِ» حَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا وَارِثٌ وَاحِدٌ فَأَوْصَى لَهُ بِمَالِهِ، الصَّحِيحُ مِنْهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَيَأْخُذُ التَّرِكَةَ بِالْإِرْثِ. وَالثَّانِي: تَصِحُّ، فَيَأْخُذُهَا بِالْوَصِيَّةِ إِذَا لَمْ يَنْقُضْهَا، قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إِذَا ظَهَرَ دَيْنٌ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ أَخَذَ التَّرِكَةَ إِرْثًا، فَلَهُ إِمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا. وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَصِيَّةِ، قَضَاهُ مِنْهَا وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الِامْتِنَاعُ لَوْ قَضَى مِنْ غَيْرِهَا.
قُلْتُ: وَمِنْ فَوَائِدِهِ لَوْ حَدَثَتْ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ زَوَائِدُ. إِنْ قُلْنَا: وَصِيَّةٌ، لَمْ يَمْلِكْهَا. وَإِنْ قُلْنَا: إِرْثٌ مَلَكَهَا عَلَى الصَّحِيحِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ أَوْصَى لِكُلِّ وَارِثٍ بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ، مِنْ ثَوْبٍ، وَعَبْدٍ، وَغَيْرِهِمَا، فَهَلْ تَحْتَاجُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إِلَى الْإِجَازَةِ، أَمْ لَا بَلْ يُخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا عَيَّنَهُ لَهُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: تَحْتَاجُ، لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي الْأَعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا. وَلِهَذَا أَوْصَى أَنْ تُبَاعَ عَيْنُ مَالِهِ لِزَيْدٍ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ.
السَّابِعُ: لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ مَالَهُ لِوَارِثِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، نَفَذَ قَطْعًا.
الثَّامِنُ: أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَجْنَبِيٍّ وَوَارِثٍ. إِنْ صَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَأَجَازَتِ الْوَرَثَةُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا، أَوْ رَدَّهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، بَقِيَ السُّدُسُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ فِيهِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَإِنْ أَوْصَى لِهَذَا بِالثُّلُثِ، وَلِهَذَا بِالثُّلُثِ، فَإِنْ صَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، وَأَجَازَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ. وَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا، أَوْ رَدُّوا فَلَا شَيْءَ لِلْوَارِثِ. ثُمَّ يُنْظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ، إِنْ رَدُّوا وَصِيَّةَ الْوَارِثِ، سَلِمَ الثُّلُثُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَسْلَمُ لَهُ إِلَّا السُّدُسُ. وَإِنْ قَالُوا: رَدَدْنَا مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنَ الْوَصِيَّتَيْنِ، فَالْأَصَحُّ: أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ الثُّلُثَ. وَقِيلَ: السُّدُسُ.
التَّاسِعُ: أَوْصَى لِأَحَدِ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنَ التَّرِكَةِ، أَوْ بِمَا دُونَهُ، وَأَجَازَ الْبَاقُونَ، سَلِمَ لَهُ الْمُوصَى بِهِ، وَالْبَاقِي مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمْ. قَالَ الْإِمَامُ: وَذَلِكَ الْقَدْرُ، خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَوْرُوثًا بِاتِّفَاقِ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ نَصِيبِهِ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَاقِيَ لِمَنْ لَمْ يُوصِ لَهُ،
لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَرَضَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ تَخْصِيصُهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا إِذَا أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلِأَحَدِ ابْنَيْهِ الْحَائِزَيْنِ بِالنِّصْفِ، وَأَجَازَا الْوَصِيَّتَيْنِ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ النِّصْفُ. وَفِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الِابْنُ الْمُوصَى لَهُ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: النِّصْفُ. وَالثَّانِي: الرُّبُعُ وَالسُّدُسُ، وَيَبْقَى نِصْفُ سُدُسِ الَّذِي لَمْ يُوصَ لَهُ. وَلَوْ أَجَازَ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يُوصَ لَهُ الْوَصِيَّتَيْنِ، وَلَمْ يُجِزِ الْمُوصَى لَهُ وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ، فَالْمَسْأَلَةُ تَصِحُّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْأَجْنَبِيِّ الثُّلُثُ أَرْبَعَةً بِلَا إِجَازَةٍ، وَيَأْخُذُ سَهْمًا آخَرَ مِنْ نَصِيبِ الَّذِي أَجَازَ، فَيَجْتَمِعُ لَهُ خَمْسَةٌ، وَلِلِابْنِ الْمُوصَى لَهُ سَبْعَةٌ، مِنْهَا سِتَّةٌ بِالْوَصِيَّةِ وَسَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ، كَذَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقِيَاسُ الثَّانِي: أَنْ يَأْخُذَ الِابْنُ الْمُوصَى لَهُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، وَيَبْقَى لِلِابْنِ الْآخَرِ سَهْمٌ. وَلَوْ لَمْ يُجِزْ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يُوصَ لَهُ وَصِيَّةَ الْأَجْنَبِيِّ، فَلِلْأَجْنَبِيِّ خَمْسَةٌ. ثُمَّ عَلَى قِيَاسِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِلِابْنِ الْمُوصَى لَهُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلْآخَرِ سَهْمٌ، وَعَلَى قِيَاسِ الثَّانِي لَهُ خَمْسَةٌ، وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ.
الْعَاشِرُ: أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلِأَحَدِ ابْنَيْهِ الْحَائِزَيْنِ بِالْكُلِّ، وَأَجَازَا الْوَصِيَّتَيْنِ، فَلِزَيْدٍ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ لِلِابْنِ الْمُوصَى لَهُ. وَلَيْسَ لَهُ زَحْمَةُ زَيْدٍ فِي الثُّلُثِ ; لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنِ الْإِجَازَةِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ. وَإِنْ رَدَّا، فَثُلُثُ زَيْدٍ بِحَالِهِ، وَلَا شَيْءَ لِلِابْنِ بِالْوَصِيَّةِ. وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِالثُّلُثِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْهِ بِالثُّلُثِ فَرَدَّا، لَمْ يُؤَثِّرْ رَدُّهُمَا فِي حَقِّ زَيْدٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا ثُلُثُ الثُّلُثِ بِالشُّيُوعِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: وَقَفَ دَارًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَى ابْنِهِ الْحَائِزِ. فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا بِالْإِجَازَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: إِنِ احْتَمَلَهَا
ثُلُثُ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ إِبْطَالُ الْوَقْفِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ; لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَرِيضِ فِي ثُلُثِ مَالِهِ نَافِذٌ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَطْعِ حَقِّ الْوَارِثِ عَنِ الثُّلُثِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَتَمَكُّنُهُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، لَمْ يَبْطُلِ الْوَقْفُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ. وَأَمَّا الزِّيَادَةُ، فَلَيْسَ لِلْمَرِيضِ تَفْوِيتُهَا عَلَى الْوَارِثِ، فَلِلْوَارِثِ رَدُّهَا وَإِبْطَالُهَا. فَإِنْ أَجَازَ، فَإِجَازَتُهُ وَقْفٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ جَعْلَنَا إِجَازَةَ الْوَارِثِ عَطِيَّةً مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا تَنْفِيذًا لَزِمَ الْوَقْفُ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَهُ رَدُّ الْكُلِّ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ كَهِيَ بِالزِّيَادَةِ فِي حَقٍّ غَيْرِ الْوَارِثِ. وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ، وَعَلَيْهِ تَتَفَرَّعُ الصُّوَرُ الْآتِيَةُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إِذَا نَجَزَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِهِ، وَكَانَ الِابْنُ طِفْلًا فَقَبِلَهُ لَهُ ثُمَّ مَاتَ فَأَرَادَ الِابْنُ الرَّدَّ أَوِ الْإِجَازَةَ، لَكِنْ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّصْوِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَقَبِلَهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الرَّدُّ بَعْدَ الْمَوْتِ، إِذِ الْإِجَازَةُ الْمُعْتَبَرَةُ هِيَ الْوَاقِعَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، فَوَقَفَ ثُلُثَ الدَّارِ عَلَى الِابْنِ، وَالثُّلُثَ عَلَى الْبِنْتِ، فَلَا رَدَّ لَهُمَا إِنْ خَرَجَتِ الدَّارُ مِنَ الثُّلُثِ. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، فَلَهُمَا رَدُّ الْوَقْفِ فِي الزِّيَادَةِ. وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهَا، فَإِنْ رَضِيَ الِابْنُ فَهِيَ كَمَا وَقَفَ، وَإِلَّا، فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَدَّادِ: أَنَّ لَهُ رَدَّ الْوَقْفِ فِي رُبُعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ النِّصْفَ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقِفَ عَلَى الْبِنْتِ الرُّبُعَ، فَإِذَا زَادَ، كَانَ لِلِابْنِ رَدُّهُ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ شَيْءٌ مِنْهُ وَقْفًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَبَ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا النِّصْفَ، بَلْ يَكُونُ الرُّبُعُ الْمَرْدُودُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا مِلْكًا، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، لِحَاجَتِنَا إِلَى عَدَدٍ لِرُبُعِهِ ثُلُثٌ، فَتِسْعَةٌ مِنْهَا وَقْفٌ عَلَيْهِمَا، وَثَلَاثَةٌ مِلْكٌ، وَكِلَاهُمَا بِالْأَثْلَاثِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلِابْنِ إِبْطَالُ الْوَقْفِ إِلَّا فِي سُدُسِ الدَّارِ،
لِأَنَّهُ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ إِجَازَتُهُ فِي حَقِّهِ، وَحَقُّهُ مُنْحَصِرٌ فِي ثُلُثِ الدَّارِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ النِّصْفَ، فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ، لَكِنْ تَتَخَيَّرُ الْبِنْتُ فِي نِصْفِ السُّدُسِ، إِنْ شَاءَتْ أَجَازَتْ، فَيَكُونُ وَقْفًا. وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْ، فَيَكُونُ مِلْكًا.
قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ هُوَ الْأَصَحُّ، أَوِ الصَّحِيحُ، أَوِ الصَّوَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَوْ وَقَفَ الدَّارَ عَلَى ابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ نِصْفَيْنِ وَلَا وَارِثَ سِوَاهُمَا، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: قَدْ نَقَصَ الْمَرِيضُ مِنْ حَقِّ الِابْنِ ثَلَاثَةَ أَثْمَانِ الدَّارِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ حَقِّهِ، فَلَهُ رَدُّ الْوَقْفِ فِي حَقِّهَا وَهُوَ الثُّمُنُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَسِبَاعِهِ، لِيَكُونَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا مَنْ نَصِيبِهَا كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْمَانًا مِلْكًا، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ، لِحَاجَتِنَا إِلَى عَدَدٍ لِثُمُنِهِ سَبْعٌ، فَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ الدَّارِ كُلِّهَا - وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ - وَقْفًا، ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا وَقْفٌ عَلَى الِابْنِ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَالْبَاقِي - وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ - مِلْكًا، مِنْهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ لِلِابْنِ، وَثَلَاثَةٌ لَهَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْوَقْفِ إِلَّا فِي تَتِمَّةِ حَقِّهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الدَّارِ، وَأَمَّا الثُّمُنُ، فَالْخِيَارُ فِيهِ لِلزَّوْجَةِ. وَلَوْ وَقَفَ ثُلُثَ الدَّارِ عَلَى أَبِيهِ، وَثُلُثَهَا عَلَى أُمِّهِ، وَلَا وَارِثَ سِوَاهُمَا، فَالْجَوَابُ عَلَى قِيَاسِ ابْنِ الْحَدَّادِ: أَنَّهُ نَقَصَ مِنْ نَصِيبِ الْأَبِ ثُلُثُ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَيْهَا، وَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ إِلَّا الثُّلُثَ، وَذَلِكَ نِصْفُ نَصِيبِهِ، فَلَهُ رَدُّ الْوَقْفِ فِي نِصْفِ نَصِيبِهَا وَهُوَ سُدُسُ الدَّارِ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا مِلْكًا. وَتَقَعُ الْقِسْمَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِحَاجَتِنَا إِلَى عَدَدٍ لِثُلُثِهِ نِصْفٌ، فَيَكُونُ نِصْفُ الدَّارِ وَقْفًا، وَنِصْفُهَا مِلْكًا أَثْلَاثًا. وَعَلَى قِيَاسِ الشَّيْخِ: لَا يُرَدُّ الْوَقْفُ إِلَّا فِي تَتِمَّةِ حَقِّهِ، وَهُوَ الثُّلُثُ، وَلَهَا الْخِيَارُ فِي السُّدُسِ. وَلَفْظُ ابْنِ الْحَدَّادِ فِي الْمُوَلَّدَاتِ يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ، فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، لَكِنَّهُ يُحْوِجُ إِلَى ضَرْبِ تَعَسُّفٍ.