الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ
يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا، كَمَنْ أَوْصَى بِعَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِصْفِهِ، وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ تَبَرُّعٍ مُعَلَّقٍ بِالْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ: إِذَا مِتُّ فَلِفُلَانٍ كَذَا، أَوْ فَادْفَعُوا إِلَيْهِ، أَوْ فَأَعْتِقُوا عَبْدِي، أَوْ فَهُوَ وَقْفٌ.
وَفِي الرُّجُوعِ عَنِ التَّدْبِيرِ صَرِيحًا خِلَافٌ، يُذْكَرُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ.
فَصْلٌ
يَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِطُرُقٍ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: نَقَضْتُ وَصِيَّتِي، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ رَفَعْتُهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ رَجَعْتُ عَنْهَا. وَلَوْ سُئِلَ عَنِ الْوَصِيَّةِ فَأَنْكَرَهَا، فَهُوَ رُجُوعٌ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَلَوْ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، فَرُجُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: هَذَا لِوَارِثِي بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ هُوَ مِيرَاثٌ عَنِّي، فَرُجُوعٌ. وَلَوْ قَالَ: هُوَ تَرِكَتِي، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَمِنْهَا: إِزَالَةُ الْمِلْكِ عَنِ الْمُوصَى بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ إِعْتَاقٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ جَعْلِهِ أُجْرَةً، أَوْ عِوَضِ خُلْعٍ، فَهُوَ رُجُوعٌ. وَالْهِبَةُ مَعَ الْإِقْبَاضِ رُجُوعٌ، وَدُونَهُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالرَّهْنُ كَالْهِبَةِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، فَأَشْبَهَ الِاسْتِخْدَامَ. وَالْكِتَابَةُ رُجُوعٌ، وَالتَّدْبِيرُ رُجُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: إِنْ جَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو، فَيَكُونُ نِصْفُهُ مُدَبَّرًا.
وَلَوْ أَوْصَى بِالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ رُجُوعٌ، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ رُجُوعٌ، وَقِيلَ: هُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ ثُمَّ عَمْرٍو. وَذَكَرَ صَاحِبُ: ((الْمُعْتَمَدِ))
الْوَجْهَيْنِ، فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدٍ لِرَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، فَفِي وَجْهٍ: يَعْتِقُ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى. وَفِي وَجْهٍ: يَعْتِقُ نِصْفُهُ، وَيُدْفَعُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنْ يُنَصَّفَ عَلَى الثَّانِي، لَكِنَّهُ قَالَ: أَحَدُهُمَا: يَتَعَيَّنُ [الْعِتْقُ]، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ. وَالثَّانِي: التَّنْصِيفُ، وَالتَّوْكِيلُ بِالتَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِهَا، وَالِاسْتِيلَادُ رُجُوعٌ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِهِ مَغْصُوبٌ أَوْ حُرُّ الْأَصْلِ، أَوْ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ فَسَخَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ يَزُولُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَصَلَ الرُّجُوعُ. وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِانْقِطَاعِ الْخِيَارِ، فَلَا، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: هُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَقْوَى مِنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ. فَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا حُصُولَ الرُّجُوعِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ رُجُوعٌ، قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي ((الرَّقْمِ)) ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعَمْرٍو، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُجُوعٌ عَنِ الْأَوْلَى، فَتَصِحُّ وَصِيَّةُ عَمْرٍو، كَمَا لَوْ وَهَبَ لِزَيْدٍ مَالًا ثُمَّ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِعَمْرٍو. وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِاحْتِمَالِ إِرَادَةِ التَّشْرِيكِ، فَيُشْرَكُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ قَالَ دُفْعَةً وَاحِدَةً: أَوْصَيْتُ لَكُمَا، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِهِ لَكُمَا، فَرَدَّ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ إِلَّا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ إِلَّا النِّصْفَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِعَمْرٍو، فَرَدَّ أَحَدُهُمَا، كَانَ لِلْآخَرِ الْجَمِيعُ. وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ أَوْصَى
بِنِصْفِهِ لِلْآخَرِ، فَإِنْ قَبِلَاهُ، فَثُلُثَاهُ لِلْأَوَّلِ، وَثُلُثَهُ لِلثَّانِي. وَإِنْ رَدَّ الْأَوَّلَ، فَنِصْفُهُ لِلثَّانِي. وَإِنْ رَدَّ الثَّانِي، فَكُلُّهُ لِلْأَوَّلِ.
فَرْعٌ
قَالَ: الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِزَيْدٍ، قَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِعَمْرٍو، أَوْ قَالَ لِعَمْرٍو: أَوْصَيْتُ لَكَ بِالْعَبْدِ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِزَيْدٍ، فَهُوَ رُجُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لِإِشْعَارِهِ بِهِ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِرُجُوعٍ كَالصُّورَةِ السَّابِقَةِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ أَنَّهُ نَسِيَ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى، فَاسْتَصْحَبْنَاهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَصَرْفِ ثَمَنِهِ إِلَى الْفُقَرَاءِ، ثُمَّ قَالَ: بِيعُوهُ وَاصْرِفُوا ثَمَنَهُ إِلَى الرِّقَابِ، جُعِلَ الثَّمَنُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى الْبَيْعِ، وَأَنَّ الزَّحْمَةَ فِي الثَّمَنِ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ، أَوْ بِخَاتَمٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِأَبْنِيَةِ الدَّارِ، أَوْ بِفَصِّ الْخَاتَمِ لِآخَرَ، فَالدَّارُ وَالْخَاتَمُ لِلْأَوَّلِ، وَالْأَبْنِيَةُ وَالْفَصُّ بَيْنَهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ، ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُكْنَاهَا، أَوْ بِعَبْدٍ، ثُمَّ أَوْصَى بِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ، نَقَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ أَنَّ الرَّقَبَةَ لِلْأَوَّلِ، وَالْمَنْفَعَةَ لِلثَّانِي، وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْأَبْنِيَةِ وَالْفَصِّ.
فَرْعٌ
هَذَا كُلُّهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِمُعَيَّنٍ، فَإِذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ بِبَيْعٍ أَوْ إِعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا. وَكَذَلِكَ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ مَالِهِ، لَمْ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ مُطْلَقًا لَا يَخْتَصُّ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ حَالَ الْوَصِيَّةِ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ زَادَ أَمْ نَقَصَ أَمْ تَبَدَّلَ.
فَرْعٌ
التَّوَسُّلُ إِلَى أَمْرٍ يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ، كَالْعَرَضِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ، رُجُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي مُجَرَّدِ الْإِيجَابِ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِحِنْطَةٍ فَطَحَنَهَا، أَوْ جَعَلَهَا سَوِيقًا، أَوْ بَذَرَهَا، أَوْ بِدَقِيقٍ فَعَجَنَهُ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ رُجُوعًا لِمَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: زَوَالُ الِاسْمِ. وَالثَّانِي: إِشْعَارُهُ بِإِعْرَاضِهِ عَنِ الْوَصِيَّةِ. وَنَسَبَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ إِلَى الشَّافِعِيِّ رحمه الله، وَالثَّانِي إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ.
فَلَوْ حَصَلَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بِغَيْرِ إِذَنِ الْمُوصِي، فَقِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، وَقِيَاسُ الثَّانِي بَقَاؤُهَا، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ وَجْهَيْنِ فِي بَعْضِهَا، وَالْبَاقِي مُلْحَقٌ بِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهَذِهِ الصُّوَرِ مَا إِذَا أَوْصَى بِشَاةٍ فَذَبَحَهَا، أَوْ بِعَجِينٍ فَخَبَزَهُ، لَكِنَّ خَبْزَ الْعَجِينِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْحَقَ بِعَجْنِ الدَّقِيقِ، فَإِنَّ الْعَجِينَ يَفْسُدُ لَوْ تُرِكَ، فَلَعَلَّهُ قَصَدَ إِصْلَاحَهُ وَحِفْظَهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَأَلْحَقَ الْعَبَّادِيُّ فِي ((الرَّقْمِ)) بِهَا مَا إِذَا أَوْصَى بِجِلْدٍ فَدَبَغَهُ، أَوْ بَيْضٍ فَأَحْضَنَهُ دَجَاجَةً، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: قِيَاسُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ الدَّبْغُ رُجُوعًا، لِبَقَاءِ الِاسْمِ، وَكَذَا الْإِحْضَانُ إِلَى أَنْ يَتَفَرَّخَ.
وَلَوْ أَوْصَى بِخُبْزٍ فَجَعَلَهُ فَتِيتًا، فَرُجُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ ثَرَدَهُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِلَحْمٍ ثُمَّ قَدَّدَهُ. وَلَوْ طَبَخَهُ أَوْ شَوَاهُ، فَرُجُوعٌ قَطْعًا. وَلَوْ أَوْصَى بِرُطَبٍ فَتَمَّرَهُ، فَوَجْهَانِ. الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَكَذَا تَقْدِيدُ اللَّحْمِ إِذَا تَعَرَّضَ لِلْفَسَادِ. وَلَوْ أَوْصَى بِقُطْنٍ فَغَزَلَهُ، فَرُجُوعٌ، أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ، فَرُجُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ حَشَا بِالْقُطْنِ فِرَاشًا أَوْ جُبَّةً، فَرُجُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِدَارٍ فَهَدَمَهَا حَتَّى بَطَلَ اسْمُ الدَّارِ، فَهُوَ رُجُوعٌ فِي الْأَخْشَابِ وَالنَّقْضِ، وَكَذَا فِي الْعَرْصَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوِ انْهَدَمَتْ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِي النَّقْضِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِزَوَالِ اسْمِ الدَّارِ، وَتَبْقَى فِي الْعَرْصَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ. وَإِنْ كَانَ الِانْهِدَامُ بِحَيْثُ لَا يُبْطِلُ اسْمَ الدَّارِ بَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ فِيمَا بَقِيَ بِحَالِهِ. وَفِي الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ. وَإِذَا قُلْنَا فِي الِانْهِدَامِ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِي النَّقْضِ، فَكَانَ الِانْهِدَامُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَطَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: تَخْرِيجُهُ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ. وَأَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَسْتَقِرُّ بِالْمَوْتِ وَكَانَ اسْمُ الدَّارِ بَاقِيًا يَوْمَئِذٍ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِثَوْبٍ فَقَطَعَهُ قَمِيصًا، أَوْ صَبَغَهُ، فَرُجُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَغَسْلُهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. وَلَوْ قَصَّرَهُ وَقُلْنَا: الْقِصَارَةُ أَثَرٌ، فَكَالْغَسْلِ. وَإِنْ قُلْنَا: عَيْنٌ، فَكَالصَّبْغِ. وَلَوْ أَوْصَى بِثَوْبٍ مَقْطُوعٍ فَخَاطَهُ، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَاتِّخَاذُ الْبَابِ مِنَ الْخَشَبِ الْمُوصَى بِهِ كَاتِّخَاذِ الْقَمِيصِ مِنَ الثَّوْبِ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِشَيْءٍ، ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْ بَلَدِ الْمُوصَى لَهُ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مَخْصُوصًا بِمَا إِذَا أَشْعَرَ التَّبْعِيدَ بِتَغَيُّرِ الْقَصْدِ. فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى صَحِيحُ الْبَدَنِ بِدَابَّةٍ، ثُمَّ أَرْكَبَهَا غُلَامَهُ، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، فَلَا إِشْعَارَ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِصَاعِ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ خَلَطَهُ بِحِنْطَةٍ، فَرُجُوعٌ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: إِنْ خَلَطَهُ بِأَجْوَدَ، فَرُجُوعٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ. وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صَبْرَةٍ، ثُمَّ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ كَانَ مَخْلُوطًا شَائِعًا، فَلَا تَضُرُّ زِيَادَةُ الْخَلْطِ. وَإِنْ خَلَطَ بِأَجْوَدَ، فَرُجُوعٌ، وَبِالْأَرْدَإِ، لَيْسَ بِرُجُوعٍ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوِ اخْتَلَطَتْ بِنَفْسِهَا بِالْأَجْوَدِ، فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي نَظَائِرِهِ. وَإِذَا أَبْقَيْنَا الْوَصِيَّةَ، فَالزِّيَادَةُ الْحَاصِلَةُ بِالْجَوْدَةِ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ، فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِصَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الصَّاعَ، وَلَا وَصَفَ الْحِنْطَةَ، فَلَا أَثَرَ لِلْخَلْطِ، وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مِمَّا شَاءَ مِنْ حِنْطَةِ التَّرِكَةِ. وَلَوْ وَصَفَهَا وَقَالَ: مِنْ حِنْطَتِي الْفُلَانِيَّةِ، فَالْوَصْفُ مَرْعِيٌّ. فَإِنْ بَطَلَ بِالْخَلْطِ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ قَالَ: مِنْ مَالِي، حَصَّلَهُ الْوَارِثُ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ سَنَةً، ثُمَّ أَجَّرَ الْمُوصَى بِهِ سَنَةً مَثَلًا، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَالْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ إِنِ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ، كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ بَقِيَّةَ السَّنَةِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا مَضَى. وَإِنِ انْقَضَتْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ الْأُولَى، فَإِذَا انْصَرَفَتْ إِلَى جِهَةٍ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَأْنَفُ لِلْمُوصَى لَهُ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَيَّدَ وَصِيَّتَهُ بِالسَّنَةِ الْأُولَى، وَجَبَ أَنَّهُ لَا يَجِيءُ الْخِلَافُ. وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمِ الْوَارِثَ حَتَّى انْقَضَتْ سَنَةٌ بِلَا عُذْرٍ، فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ، وَمُقْتَضَى الثَّانِي تَسْلِيمُ سَنَةٍ أُخْرَى.