الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ. وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، فَفِي جَوَازِ صَرْفِهِ إِلَيْهِمْ وَجْهَانِ. وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَيْهِمْ عَنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ بِلَا خِلَافٍ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ
إِحْدَاهَا: جَاءَ رَجُلٌ فَطَلَبَ إِثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ، أَجَابَهُ الْإِمَامُ: إِنْ وَجَدَ فِي الْمَالِ سَعَةً وَفِي الطَّالِبِ أَهْلِيَّةً، وَإِلَّا، فَلَا.
[الْمَسْأَلَةُ] الثَّانِيَةُ: لَا يُحْبَسُ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ خَوْفًا أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ، بَلْ يُفْرِغُ الْجَمِيعَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ. ثُمَّ إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ، فَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِأَمْرِهَا. فَإِنْ غَشِيَهُمُ الْعَدُوُّ، فَعَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَنْفِرُوا.
[الْمَسْأَلَةُ] الثَّالِثَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: يُرْزَقُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ الْحُكَّامُ وَوُلَاةُ الْأَحْدَاثِ وَالصَّلَاةِ، وَكُلُّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْفَيْءِ عَنْهُمْ. وَالْمُرَادُ بِالْحُكَّامِ: الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهِمْ. وَوُلَاةُ الْأَحْدَاثِ، قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ أَحْدَاثَ أَهْلِ الْفَيْءِ الْفُرُوسِيَّةَ وَالرَّمْيَ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يُنَصَّبُونَ فِي الْأَطْرَافِ لِتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَسُعَاةِ الصَّدَقَاتِ وَعَزْلِهِمْ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ إِلَى الثُّغُورِ وَحِفْظِ الْبِلَادِ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ. وَوُلَاةُ الصَّلَاةِ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ لَهُمُ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَكَذَلِكَ يُرْزَقُ عُرَفَاءُ أَهْلِ الْفَيْءِ. وَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، لَمْ يُرْزَقْ عَلَيْهَا غَيْرُهُ.
[الْمَسْأَلَةُ] الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْفَيْءِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ رحمه الله: عَامِلُ الْفَيْءِ إِنْ وُلِّيَ وَضْعَ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَتَقْدِيرَهَا وَتَقْرِيرَهَا اشْتُرِطَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا مُجْتَهِدًا عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ. وَإِنْ وُلِّيَ جِبَايَةَ أَمْوَالِهِ بَعْدَ تَقْرِيرِهَا، سَقَطَ
الشَّرْطُ الثَّالِثُ. وَإِنْ وُلِّيَ جِبَايَةَ نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الْفَيْءِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ فِيهِ عَنِ اسْتِنَابَةٍ، اشْتُرِطَ إِسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَاطِّلَاعُهُ بِشَرْطِ مَا وَلِيَ مِنْ حِسَابٍ وَمِسَاحَةٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْوِلَايَةِ. وَإِنِ اسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِنَابَةِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ الْمَأْمُورِ. وَأَمَّا تَوْلِيَةُ الذِّمِّيِّ، فَإِنْ كَانَتْ جِبَايَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَعُشْرِ التُّجَّارِ، جَازَتْ. وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَفِي جَوَازِهَا وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْمَنْعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا فَسَدَتْ وِلَايَةُ الْعَامِلِ، وَقَبَضَ الْمَالَ مَعَ فَسَادِهَا، بَرِئَ الدَّافِعُ، لِبَقَاءِ الْإِذْنِ. فَلَوْ نُهِيَ عَنِ الْقَبْضِ بَعْدَ فَسَادِهَا لَمْ يَبْرَأَ الدَّافِعُ إِلَيْهِ إِنْ عَلِمَ النَّهْيَ، وَإِنْ جَهِلَهُ، فَوَجْهَانِ، كَالْوَكِيلِ.
قُلْتُ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ عَنِ الْمُثْبَتِينَ فِي الدِّيوَانِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِهِمْ، وَكَانَ الْمَالُ حَاصِلًا، فَلَهُمُ الْمُطَالَبَةُ كَالدُّيُونِ. وَإِنْ أَعْوَزَ بَيْتُ الْمَالِ، كَانَتْ أَرْزَاقُهُمْ دَيْنًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَيْسَ لَهُمْ مُطَالَبَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ بِهِ. قَالَ: وَإِذَا أَرَادَ وَلِيُّ الْأَمْرِ إِسْقَاطَ بَعْضِهِمْ لِسَبَبٍ، جَازَ، وَبِغَيْرِ سَبَبٍ، لَا يَجُوزُ.
وَإِذَا أَرَادَ بَعْضُهُمْ إِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنَ الدِّيوَانِ، جَازَ إِنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا. قَالَ: وَإِذَا جُرِّدَ الْجَيْشُ لِلْقِتَالِ، فَامْتَنَعُوا وَهُمْ أَكْفَاءُ مَنْ حَارَبَهُمْ، سَقَطَتْ أَرْزَاقُهُمْ. وَإِنْ ضَعُفُوا عَنْهُ، لَمْ تَسْقُطْ. وَإِذَا جُرِّدَ أَحَدُهُمْ لِسَفَرٍ، أُعْطِيَ نَفَقَةَ سَفَرِهِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ، وَلَمْ يُعْطَ إِنْ دَخَلَ فِيهِ. وَإِذَا تَلِفَ سِلَاحُهُ فِي الْحَرْبِ، أُعْطِيَ عِوَضَهُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي تَقْدِيرِ عَطَائِهِ، وَإِلَّا، فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي الْغَنِيمَةِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا، أَنَّهَا الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْكُفَّارِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ. قَالَ الْبَغَوِيُّ: سَوَاءٌ مَا أَخَذْنَاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ قَهْرًا وَمَا اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ بَعْدَمَا هَزَمْنَاهُمْ فِي الْقِتَالِ وَتَرَكُوهُ.
وَحِلُّ الْغَنِيمَةِ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا، وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، يَصْنَعُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إِعْطَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ، فَجُعِلَ خُمُسُهَا مَقْسُومًا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كَالْفَيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الْأَنْفَالِ: 41] وَجُعِلَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ. وَيَعْرِضُ فِي أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ النَّفَلُ وَالرَّضَخُ وَالسَّلَبُ وَالْقِسْمَةُ، وَيَحْصُلُ بَيَانُهَا فِي أَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ.
الْأَوَّلُ: النَّفَلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ، وَهُوَ زِيَادَةُ مَالٍ عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ، يَشْرُطُهُ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ لِمَنْ يَقُومُ بِمَا فِيهِ نِكَايَةٌ زَائِدَةٌ فِي الْعَدُوِّ، أَوْ تَوَقُّعُ ظَفَرٍ، أَوْ دَفْعُ شَرٍّ، وَذَلِكَ كَالتَّقَدُّمِ عَلَى طَلِيعَةٍ، أَوِ التَّهَجُّمِ عَلَى قَلْعَةٍ، أَوِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهَا، وَكَحِفْظِ مَكْمَنٍ، وَتَجَسُّسِ حَالٍ وَشِبْهِهَا. وَإِنَّمَا يُنَفِّلُ إِذَا مَسَّتْ حَاجَةٌ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَاقْتَضَى الْحَالُ بَعْثَ السَّرَايَا وَحِفْظَ الْمَكَامِنِ، وَلِذَلِكَ نَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ دُونَ بَعْضٍ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيمَنْ شَرَطَ لَهُ، وَفِي مَحَلِّ الْمَشْرُوطِ وَقَدْرِهِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ، فَيَجُوزُ كَوْنُهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا وَجَمَاعَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ فَيَقُولُ: مَنْ فَعَلَ كَذَا فَلَهُ كَذَا.
وَأَمَّا مَحَلُّهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ النَّفَلَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الْمُرْصَدَةِ بِبَيْتِ الْمَالِ، وَحِينَئِذٍ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ مَعْلُومًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَهُ مِمَّا سَيُغْنَمُ وَيُؤْخَذُ مِنَ الْكُفَّارِ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَحِينَئِذٍ يَذْكُرُ جُزْءًا كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ وَغَيْرِهِمَا، وَيَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ لِلْحَاجَةِ. وَإِذَا نَفَّلَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَمِمَّ يُنَفِّلُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، وَيُقَالُ: أَقْوَالٌ. أَصَحُّهَا: مِنْ خُمُسِ خُمُسِهَا. وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِهَا. وَالثَّالِثُ: مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا.
وَأَمَّا قَدْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَضْبُوطٌ، فَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيَجْعَلُهُ بِقَدْرِ الْعَمَلِ وَخَطَرِهِ، وَقَدْ صَحَّ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ ((الْقُفُولُ)) بَدَلَ ((الرَّجْعَةِ)) ، وَقِيلَ: الْبَدْأَةُ: السَّرِيَّةُ الْأُولَى، وَالرَّجْعَةُ: الثَّانِيَةُ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْبَدْأَةُ: السَّرِيَّةُ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْإِمَامُ قَبْلَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ مُقَدِّمَةً لَهُ، وَالرَّجْعَةُ: الَّتِي يَأْمُرُهَا بِالرُّجُوعِ بَعْدَ تَوَجُّهِ الْجَيْشِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَنُقِصَ الْبَدْأَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَرِيحُونَ لَمْ يَطُلْ بِهِمُ السَّفَرُ، وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ فِي غَفْلَةٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْ وَرَائِهِمْ يَسْتَظْهِرُونَ بِهِ، وَالرَّجْعَةُ بِخِلَافِهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَحَلِّ النَّفَلِ، فَقِيلَ: الْمُرَادُ، ثُلُثُ خُمُسِ الْخُمُسِ، أَوْ رُبُعُهُ. وَقِيلَ: ثُلُثُ الْجَمِيعِ، أَوْ رُبُعُهُ. وَقِيلَ: ثُلُثُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا، أَوْ رُبُعُهَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: أَنَّهُ يُزَادُ نَصِيبُ كُلُّ شَخْصٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَالنَّقْصُ عَنِ الرُّبُعِ بِالِاجْتِهَادِ.
فَرْعٌ
إِذَا قَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ شَرْطُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
فَرْعٌ
مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي الْحَرْبِ مُبَارَزَةٌ وَحُسْنُ إِقْدَامٍ وَأَثَرٌ مَحْمُودٌ، أُعْطِيَ سَهْمُهُ، وَزِيدَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي الرَّضْخِ.
فَالصَّبِيُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْخُنْثَى، وَالزَّمِنُ، وَالذِّمِّيُّ، لَا يُسْهِمُ لَهُمْ، لَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ، وَهَذَا الرَّضْخُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفِي قَوْلٍ: مُسْتَحَبٌّ. وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ سَهْمَ رَاجِلٍ إِنْ كَانَ مَنْ يَرْضَخُ لَهُ رَاجِلًا. وَإِنْ كَانَ فَارِسًا، فَوَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ تَعْزِيرُ الْحُرِّ حَدَّ الْعَبِيدِ؟ وَبِالْمَنْعِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ. وَسَوَاءٌ حَضَرَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالصَّبِيُّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَالْمَرْأَةُ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ.
وَإِنْ حَضَرَ الذِّمِّيُّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ يُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ آنَ ذَلِكَ. وَإِنْ حَضَرَ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ، فَلَهُ الْأُجْرَةُ فَقَطْ، وَإِلَّا، فَلَهُ الرَّضْخُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَقِيلَ: إِنْ قَاتَلَ، اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا، فَلَا. وَإِذَا حَضَرَ نِسَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، فَلَهُنَّ الرَّضْخُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَرْعٌ
يُفَاوِتُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَهْلِ الرَّضْخِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ، فَيُرَجِّحُ الْمُقَاتِلَ وَمَنْ قِتَالُهُ
أَكْثَرُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْفَارِسَ عَلَى الرَّاجِلِ، وَالْمَرْأَةَ الَّتِي تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَسْقِي الْعِطَاشَ عَلَى الَّتِي تَحْفَظُ الرِّجَالَ، بِخِلَافِ سَهْمِ الْغَنِيمَةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقَاتِلُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ. وَالرَّضْخُ بِالِاجْتِهَادِ، كَدِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ.
فَرْعٌ
فِي مَحَلِّ الرَّضْخِ لِلْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَظْهَرُهَا: مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ. وَالثَّانِي: مِنْ أَصْلِهَا. وَالثَّالِثُ: مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ كَالْعَبِيدِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ قَطْعًا. وَحَيْثُ رَضَخْنَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ يُبْدَأُ بِهِ كَالسَّلَبِ، ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي خُمُسًا وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ.
فَرْعٌ
إِذَا انْفَرَدَ الْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ بِغَزْوَةٍ وَغَنِمُوا، خُمِّسَتْ. وَفِي الْبَاقِي أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ كَمَا يُقَسَّمُ الرَّضْخُ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْيُ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ. وَالثَّانِي: يُقَسَّمُ كَالْغَنِيمَةِ، لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. وَالثَّالِثُ: يُرْضَخُ لَهُمْ مِنْهُ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ. وَخَصَّصَ الْبَغَوِيُّ هَذَا الْخِلَافَ بِالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، وَقَطَعَ فِي الْعَبِيدِ بِكَوْنِهِ لِسَادَتِهِمْ، وَحَكَى أَنَّهُ لَوْ سَبَى مُرَاهِقُونَ أَوْ مَجَانِينُ صِغَارًا، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ. أَمَّا إِذَا كَانَ مَعَ أَهْلِ الرَّضْخِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، فَيُرْضَخُ لَهُمْ، وَالْبَاقِي لِذَلِكَ الْوَاحِدِ.
فَرْعٌ
لَا يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الْخُمُسَ حَقٌّ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالزَّكَاةِ.
فَرْعٌ
مَنْ قَاتَلَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، رُضِخَ لَهُ مَعَ السَّهْمِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمَسْعُودِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنَازِعُ كَلَامَهُ فِيهِ. وَقِيلَ: يُزَادُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ.
فَرْعٌ
لَوْ زَالَ نَقْصُ أَهْلِ الرَّضْخِ، فَعَتَقَ الْعَبْدُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ دَارِ الْحَرْبِ، أَسْهَمَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَقَدْ أَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الرَّضْخُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيمَا بَيْنَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَحِيَازَةِ الْمَالِ، الْخِلَافُ الْآتِي فِيمَنْ حَضَرَ فِي هَذَا الْحَالِ.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي السَّلَبِ.
هُوَ لِلْقِتَالِ، وَالْكَلَامُ فِي سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَمُسْتَحِقِّهِ وَنَفْسِهِ وَكَيْفِيَّةِ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ. أَمَّا سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ، فَقَالَ فِي ((الْوَسِيطِ)) فِي ضَبْطِهِ: هُوَ رُكُوبُ الْغَرَرِ فِي قَهْرِ كَافِرٍ مُقْبِلٍ عَلَى الْقِتَالِ بِمَا يَكْفِي شَرُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِيهِ قُيُودٌ:
أَحَدُهَا: رُكُوبُ الْغَرَرِ. فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ الصَّفِّ كَافِرًا، وَقَتَلَهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ، وَكَذَا لَوْ رَمَى مِنْ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ، فَقَتَلَ رَجُلًا.
[الْقَيْدُ] الثَّانِي: إِقْبَالُ الْكَافِرِ عَلَى الْقِتَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِغَالَهُ بِالْقِتَالِ حِينَ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَقَاتَلَا زَمَانًا ثُمَّ هَرَبَ فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُ فِي إِدْبَارِهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُقَاتَلَتُهُ مَعَ قَاتِلِهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَ كَافِرٌ مُسْلِمًا، فَجَاءَ مُسْلِمٌ آخَرُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَتَلَهُ، اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ، بَلِ الْمَرْعِيُّ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ، أَنْ يَقْتُلَهُ مُقْبِلًا أَوْ مُدْبِرًا وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، فَأَمَّا إِذَا انْهَزَمَ جَيْشُ الْكُفَّارِ فَاتَّبَعَهُمْ فَقَتَلَ كَافِرًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ سَلَبَهُ؛ لِأَنَّ بِهَزِيمَتِهِمُ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ، وَمَا دَامَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً فَالشَّرُّ مُتَوَقَّعٌ، وَالْمُوَلِّي لَا تُؤْمَنُ كَرَّتُهُ. وَلَوْ قَتَلَ كَافِرًا وَهُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِهِ، أَوْ نَائِمٌ، أَوْ مَشْغُولٌ بِأَكْلٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ مُثْخَنٌ زَائِلُ الِامْتِنَاعِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: قَهَرَهُ بِمَا يَكْفِي شَرَّهُ بِالْكُلِّيَّةِ [بِقَتْلٍ] ، أَوْ إِثْخَانٍ، أَوْ إِزَالَةِ امْتِنَاعٍ، بِأَنْ يُعْمِيَهُ، أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَلَا يَلْحَقُ بِهِ قَطْعُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ، أَوْ يَدًا وَرِجْلًا، فَهُوَ إِثْخَانٌ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ. وَلَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ إِثْخَانِهِ، فَالسَّلَبُ لَهُمْ. وَفِي وَجْهٍ: أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَا يُرْجَى نَجَاتُهُ مِنْهُمْ، لَمْ يَخْتَصَّ قَاتِلُهُ بِسَلَبِهِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ شَرُّهُ بِالْوُقُوعِ بَيْنَهُمْ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازِ: لَوْ أَمْسَكَهُ وَاحِدٌ وَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ بَيْنَهُمَا؛ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِ بِهِمَا، وَكَأَنَّ هَذَا فِيمَا إِذَا مَنَعَهُ الْهَرَبَ وَلَمْ يَضْبِطْهُ. فَأَمَّا الْإِمْسَاكُ الضَّابِطُ، فَإِنَّهُ أَسْرٌ، وَقَتْلُ الْأَسِيرِ لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ السَّلَبُ.
وَلَوْ أَثْخَنَهُ، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ لِلْمُثْخِنِ. وَلَوْ جَرَحَهُ فَلَمْ يُثْخِنْهُ، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي. وَلَوْ أَسَرَهُ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ سَلَبَهُ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ كُلَّ شَرِّهِ. وَأَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ مِنَ الْقَتْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْقَهْرِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. ثُمَّ الْإِمَامُ يَتَخَيَّرُ فِي الْأَسِيرِ الَّذِي لَيْسَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ أَرَقَّهُ، فَهَلْ لِمَنْ أَسَرَهُ رَقَبَتُهُ؟