الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْكِتَابَةِ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالْإِغْرَارِ، فَأَوْلَى أَنْ تَنْعَقِدَ بِالْكِتَابَةِ. وَلَوْ كَتَبَ: إِنِّي أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا، قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَنْعَقِدُ إِذَا كَانَ الشَّخْصُ نَاطِقًا، كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِكَذَا؟ فَأَشَارَ: أَنْ نَعَمْ. وَلَوْ وُجِدَ لَهُ كِتَابُ وَصِيَّةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَضْمُونِهِ، أَوْ كَانَ قَدْ أَشْهَدَ جَمَاعَةً أَنَّ الْكِتَابَ خَطِّي، وَمَا فِيهِ وَصِيَّتِي، وَلَمْ يُطْلِعْهُمْ عَلَى مَا فِيهِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ، وَلَا يُعْمَلُ بِمَا فِيهِ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ بِهِ مُ
فَصَّلً
ا. وَنَقَلَ الْإِمَامُ، وَالْمُتَوَلِّي: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ: يَكْفِي الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مُبْهَمًا. وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ أَنَّهُ قَالَ: يَكْفِي الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ» عِنْدَهُ أَشْعَرَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ انْعِقَادَ الْوَصِيَّةِ بِالْكِتَابَةِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَإِنِ اسْتَبْعَدُوهُ ; لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَكِنَايَاتِ الْأَلْفَاظِ. وَقَدْ سَبَقَ فِي الْبَيْعِ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِالْكِنَايَاتِ. وَذَكَرْنَا الْآنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَشَدُّ قَبُولًا لِلْكِنَايَاتِ. فَإِذَا كَتَبَ، وَقَالَ: نَوَيْتُ الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ، أَوِ اعْتَرَفَ وَرَثَتُهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَجَبَ أَنْ يَصِحَّ.
فَرْعٌ
لَوِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقَبُولُ فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ
فِيهَا الْقَبُولُ. وَإِنْ كَانَتْ لِمُعَيَّنٍ، فَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ قَبِلَ فِي الْحَيَاةِ، وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَأَشْبَهَ إِسْقَاطَ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ فِي الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ. وَفِيهِ وَجْهٌ: يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ. حَكَاهُ صَاحِبُ «الْمُسْتَظْهِرِيِّ» وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَقَعَ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَتَرْتَدُّ الْوَصِيَّةُ، وَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ فِي الْمُوصَى بِهِ. وَلَوْ أَوْصَى بِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ، وَبِالْمَنْفَعَةِ لِآخَرَ، فَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، فَهَلْ هِيَ لِلْوَرَثَةِ، أَمْ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ سَنَةً، وَقَالَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ، فَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ، لَمْ يُعْتَقْ قَبْلَ السَّنَةِ.
الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ، فَلَا يَصِحُّ رَدُّهُ، فَإِنْ رَاضَى الْوَرَثَةَ، فَهُوَ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ مِنْهُ لَهُمْ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ بَعْدَ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: رَدَدْتُ الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ، يَعْنِي أَحَدَ الْوَرَثَةِ، قَالَ فِي «الْأُمِّ» : إِنْ قَالَ: أَرَدْتُ لِرِضَاهُ، كَانَ رَدًّا عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ. وَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ تَخْصِيصَهُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ هِبَةٌ لَهُ خَاصَّةً. قَالَ الْأَصْحَابُ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى تَصْحِيحِ الرَّدِّ بَعْدَ الْقَبُولِ، [وَإِلَّا فَمَا لَا يَمْلِكُهُ] لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ غَيْرَهُ. ثُمَّ لَمْ يُعْتَبَرْ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالتَّمْلِيكِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا أَرَادَهُ، جُعِلَ رَدًّا عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ.