المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَرْعٌ إِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ، فَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَتُهُ بِأَحَدِ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٦

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَّلً

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِنَصِيبَيْنِ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ بَعْدَ كُلِّ نَصِيبٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصُلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَنْهُ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِمَّا تَبَقَّى مِنَ الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِمَّا تَبَقَّى مِنْ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ وَبِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْ بَاقِي الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ أَوْ عَدَدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، إِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ وَارِثٍ آخَرَ أَوْ عَدَدٍ مِنْهُمْ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَصِيبِ وَارِثٍ آخَرَ مِنْهُ وَجُزْءٍ شَائِعٍ أَيْضًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْمِلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مُسْتَثْنًى مِنَ التَّكْمِلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا الْمُتَعَرِّضَةِ لِلْجُذُورِ وَالْكِعَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا الْمُتَعَرِّضَةِ لِمُقَدَّرٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَغَيْرِهِمَا

- ‌فَصْلٌ فِي نَوَادِرِ الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ مَعَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ

- ‌فَصْلٌ مُحَابَاةُ الْمُشْتَرِي تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ كَمُحَابَاةِ الْبَائِعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ وَمِنْهَا الْهِبَةُ، فَإِذَا وَهَبَ مَرِيضٌ عَبْدًا، ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ إِلَى الْوَاهِبِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، دَارَتِ الْمَسْأَلَةُ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ تَزِيدُ بِقَدْرِ الرَّاجِعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ قِسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: فَرْعٌ إِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ، فَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَتُهُ بِأَحَدِ

فَرْعٌ

إِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ، وَلَمْ يَرُدَّ، فَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَتُهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. فَإِنِ امْتَنَعَ، حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.

فَرْعٌ

لَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِهِ، قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.

‌فَصْلٌ

مَتَى يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: بِالْمَوْتِ. وَالثَّانِي: بِالْقَبُولِ. وَعَلَى هَذَا، هَلِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، أَمْ لِلْمَيِّتِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَالثَّالِثُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ -: أَنَّهُ مَوْقُوفٌ. فَإِنْ قَبِلَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَ بِالْمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ أَنَّهُ كَانَ لِلْوَارِثِ. وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ إِلَى أَنْ يُعْتَقَ لِلْوَارِثِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَمْلِيكًا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَقْوَالِ مَسَائِلُ.

إِحْدَاهَا: كَسْبُ الْعَبْدِ، وَثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ، وَسَائِرُ زَوَائِدِ الْمُوصَى بِهِ، إِنْ حَصَلَتْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَهِيَ لَهُ، وَلَا تَتَنَاوَلُهَا الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ حَصَلَتْ بَعْدَهُ وَبَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ حَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ، فَهِيَ لِلْمُوصَى لَهُ، قَبِلَ الْوَصِيَّةَ أَوْ رَدَّهَا. وَفِيمَا إِذَا رَدَّهَا وَجْهٌ: أَنَّ الزَّوَائِدَ تُرْتَدُّ

ص: 143

أَيْضًا. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، لَمْ تَكُنِ الزَّوَائِدُ لِلْمُوصَى لَهُ، قَبِلَ الْوَصِيَّةَ أَوْ رَدَّهَا. وَفِيمَا إِذَا قَبِلَ وَجْهٌ: أَنَّهَا لَهُ ; لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمْلِيكِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، فَهِيَ حَادِثَةٌ فِي مَحَلِّ حَقِّهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ، فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ. فَإِنْ قَبِلَ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَحَيْثُ قُلْنَا: تُرْتَدُّ الزَّوَائِدُ، فَإِلَى مَنْ تُرْتَدُّ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إِلَى الْمُوصِي، فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ يُقْضَى مِنْهَا دَيْنُهُ، وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ كَالْأَصْلِ. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهَا لِلْوَارِثِ ; لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْمُوصِي. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَلَدُ الْجَارِيَةِ وَالْبَهِيمَةُ الْمُوصَى بِهِمَا، وَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا تَفْصِيلٌ وَأَحْوَالٌ نَذْكُرُهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْأَثَرِ مُوَضَّحَةً.

الثَّانِيَةُ: فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ إِذَا وَقَعَ وَقْتَ وُجُوبِهَا بَيْنَ الْقَبُولِ وَالْمَوْتِ عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ يَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. وَالنَّفَقَةُ وَالْمُؤَنُ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهَا بَيْنَ الْقَبُولِ وَالْمَوْتِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْفِطْرَةِ. وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ: إِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ إِنْ قَبِلَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَعَلَى الْوَارِثِ إِنْ رَدَّ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ الْأَصْحَابِ مِنْ طَرْدِ الْخِلَافِ. وَإِذَا تَوَقَّفَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، أُلْزِمَ النَّفَقَةَ فَإِنْ أَرَادَ الْخَلَاصَ رُدَّ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ حُرًّا، وَأَوْصَى لَهُ بِهَا، فَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ إِلَّا إِذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ، فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ ضَعِيفًا. وَإِنْ قَبِلَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَيَكُونُ الِانْفِسَاخُ مِنْ يَوْمِ الْقَبُولِ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، وَمِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَيُّنِ إِنْ قُلْنَا بِالتَّوَقُّفِ. وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا وَارِثَهُ، ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ إِلَّا إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ، وَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا، لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَإِنْ رُدَّ انْفَسَخَ النِّكَاحُ. وَفِي اسْتِنَادِ الْفَسْخِ إِلَى حَالَةِ الْمَوْتِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ هَذَا الْخِلَافُ. هَذَا إِذَا خَرَجَتِ الْأَمَةُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ

ص: 144

وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، لِدُخُولِ شَيْءٍ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ.

وَإِنْ أَجَازُوا وَقُلْنَا: يَمْلِكُهُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، فَهَلْ يَنْفَسِخُ؟ إِنْ قُلْنَا: إِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ لِمَا فَعَلَهُ الْمُوصِي، فَلَا.

وَإِنْ قُلْنَا: ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، فَنَعَمْ.

الرَّابِعَةُ: أَوْصَى بِأَمَتِهِ الْحَامِلِ مِنْ زَوْجِهَا لِزَوْجِهَا، وَلِابْنٍ لَهَا حُرٍّ، وَمَاتَ، وَخَرَجَتْ كُلُّهَا مِنَ الثُّلُثِ، وَقَبِلَا الْوَصِيَّةَ وَهُمَا مُوسِرَانِ، نُظِرَ إِنْ قَبِلَا مَعًا، عَتَقَتِ الْأَمَةُ كُلُّهَا عَلَى ابْنِهَا، نِصْفُهَا بِالْمِلْكِ، وَالْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، وَعَلَيْهِ لِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَتِهَا، وَيَعْتِقُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ.

أَمَّا نَصِيبُ الزَّوْجِ، فَلِأَنَّهُ وَلَدُهُ.

وَأَمَّا نَصِيبُ الِابْنِ، فَلِأَنَّ الْأُمَّ عَتَقَتْ عَلَيْهِ.

وَالْعِتْقُ يَسْرِي مِنَ الْحَامِلِ إِلَى مَا يَمْلِكُهُ الْمُعَتِقُ مِنْ حَمْلِهَا.

وَلَا يُقَوَّمُ نَصِيبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ; لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَيْهِمَا حَصَلَ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا اشْتَرَى ابْنَانِ أَبَاهُمَا، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا وَلَا تَقْوِيمَ، وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْمَوْتِ، أَوْ قُلْنَا: بِالْوَقْفِ، فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ وَقْتَ الْمِلْكِ وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَ وَقْتُ الْقَبُولِ.

وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِالْقَبُولِ، فَإِنْ تَقَدَّمَ قَبُولُ الِابْنِ، عَتَقَتِ الْأَمَةُ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْأُمُّ، فَبِالْمِلْكِ وَالسِّرَايَةِ، وَأَمَّا الْحَمْلُ فَبِسِرَايَةِ عِتْقِ الْأُمِّ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ لِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَتِهَا.

وَإِنْ تَقَدَّمَ قَبُولُ الزَّوْجِ، عَتَقَ جَمِيعُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، النِّصْفُ بِالْمِلْكِ، وَالْبَاقِي بِالسِّرَايَةِ، فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِلِابْنِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمَةِ شَيْءٌ.

فَإِذَا قَبِلَ الِابْنُ عَتَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُهَا بِالْمِلْكِ وَالسِّرَايَةِ، وَغَرِمَ لِلزَّوْجِ نِصْفُ قِيمَتِهَا.

قُلْتُ: وَيَجِيءُ وَجْهٌ: أَنَّ الْأَمَةَ تُعْتَقُ عَلَى الزَّوْجِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ: إِنَّ عِتْقَ الْجَنِينِ يَسْرِي إِلَى عِتْقِ الْأُمِّ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 145

وَأَمَّا إِذَا قَبِلَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ، فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ، نِصْفُهُ بِالْمِلْكِ، وَنِصْفُهُ بِالسِّرَايَةِ، فَيَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ مِنَ الْحَمْلِ إِلَى الْأُمِّ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ تَبَعٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ تَبَعًا لَهُ.

قُلْتُ: وَفِيهِ وَجْهُ أَبِي إِسْحَاقَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ قَبِلَ الِابْنُ وَحْدَهُ، عَتَقَا عَلَيْهِ [جَمِيعًا] ، وَغَرِمَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.

قُلْتُ: قَدْ كَرَّرَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ نِصْفَ الْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ.

وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ النِّصْفِ، وَهِيَ أَقَلُّ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَتْلَفَ نِصْفًا.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَةُ: أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، [كَأَبِيهِ وَابْنِهِ] ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، كَمَا لَا يَجِبُ شِرَاؤُهُ [إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ] ، بَلْ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقِيلَ: يُمْنَعُ الرَّدُّ إِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ ; لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعُ الْمُتَوَلِّي تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبُولِهِ.

ثُمَّ إِنْ رَدَّ فَذَاكَ، وَإِنْ قَبِلَ وَقُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، عَتَقَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ.

وَإِنْ قُلْنَا: بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْمَوْتِ.

وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ أَخِيهِ، وَأَوْصَى بِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَوَارِثُهُ أَخُوهُ، فَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، فَهُوَ لِلْأَجْنَبِيِّ إِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْمَوْتِ أَوْ مَوْقُوفٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، وَأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَارِثِ، فَمُقْتَضَاهُ الْعِتْقُ عَلَى الْوَارِثِ يَوْمَ الْمَوْتِ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَيْ لَا تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ.

وَلَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِابْنِهِ، وَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَأَوْجُهٌ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الرَّدَّ يُمْنَعُ، لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ إِذَا قُلْنَا: يَمْلِكُ بِهِ.

وَالثَّانِي: لَيْسَ لِلْوَارِثِ قَبُولُهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْعِتْقِ عَلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَإِثْبَاتِ

ص: 146

الْوَلَاءِ لَهُ.

هَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْعِتْقَ إِذَا حَصَلَ وَقَعَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ جِدًّا.

وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ؛ لِنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي حُقُوقِهِ.

فَإِنْ قَبِلَ، فَهُوَ كَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْسِهِ إِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، نُظِرَ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُوصَى بِهِ، وَوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ قَرَابَةٌ تَقْتَضِي عِتْقَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ أَخَا الْمُوصَى لَهُ، فَهَلْ نَحْكُمُ بِعِتْقِهِ؟ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ.

وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّ الْمُوصِيَ إِنَّمَا أَوْجَبَ الْمِلْكَ لِلْمُوصَى لَهُ فَلَا يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا قَبُولَ وَارِثِهِ نِيَابَةً، وَهَذَا كَمَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فِي حَيَاتِهِ وَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ.

وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُوصَى بِهِ وَوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ قَرَابَةٌ تَقْتَضِي الْعِتْقَ، بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ أَبَا الْمُوصَى لَهُ، حُكِمَ بِعِتْقِ الْمُوصَى بِهِ قَطْعًا.

وَيَعُودُ الْوَجْهَانِ، فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، أَمْ عَلَى وَارِثِهِ؟ وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ يَثْبُتُ؟ فَإِنْ قُلْنَا: عَنِ الْمُوصَى لَهُ، قَالَ الْإِمَامُ: يُسْنَدُ الْعِتْقُ إِلَى أَلْطَفِ زَمَانٍ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ.

وَإِذَا لَمْ نَحْكُمُ بِالْعِتْقِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، فَهَلْ تُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمُوصَى لَهُ؟ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ كَدِيَتِهِ فَإِنَّهُ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا تَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً.

هَذَا حُكْمُ الْعِتْقِ.

وَهَلْ يَرِثُ الَّذِي عَتَقَ مِنَ الْمُوصِي؟ أَمَّا إِذَا قَبِلَ بِنَفْسِهِ، فَيُنْظَرُ، إِنْ قَبِلَ فِي صِحَّتِهِ، فَنَعَمْ.

وَإِنْ قَبِلَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَإِرْثُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ إِذَا حَصَلَ الْمِلْكُ فِيهِ لَا بِعِوَضٍ، بَلْ بِإِرْثٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ قَبُولِ وَصِيَّةٍ، هَلْ يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ، أَمْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ.

إِنْ قُلْنَا: مِنَ الثُّلُثِ، لَمْ يَرِثْهُ، وَإِلَّا، وَرَثَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَقَبِلَ وَارِثُهُ، فَإِنْ حَكَمْنَا بِالْحُرِّيَّةِ عِنْدَ الْقَبُولِ،

ص: 147

لَمْ يَرِثْ، لِرِقِّهِ.

وَإِنْ حَكَمْنَا بِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الْقَابِلُ مِمَّنْ يَحْجُبُهُ الْمُوصَى بِهِ كَالْأَخِ، لَمْ يَرِثْ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ وَأَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ وَارِثًا، وَلَبَطَلَ قَبُولُهُ.

وَإِنْ كَانَ لَا يُحْجِبُهُ، كَابْنِ الْأَخِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْضًا، لِلدَّوْرِ فِي نِصْفِهِ.

وَقِيلَ: يَرِثُ.

وَقَالَ الدَّارِكِيُّ: إِنْ ثَبَتَ الْقَبُولُ لِلْمُوصَى لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ، لَمْ يَرِثْ ; لِأَنَّ قَبُولَ وَرَثَتِهِ كَقَبُولِهِ، وَلَوْ قَبِلَ لَكَانَ وَصِيَّةً، وَالْإِرْثُ لَا يُجَامِعُهَا.

فَرْعٌ: أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَنِ ابْنَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِي قَبُولِهِمَا تَفْرِيعًا عَلَى الْأَقْوَالِ فِي وَقْتِ الْمِلْكِ كَمَا سَبَقَ.

وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَوُقُوعُ الْعِتْقِ عَنِ الْمَيِّتِ.

وَإِنْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، صَحَّ الْقَبُولُ فِي النِّصْفِ، وَعَتَقَ عَلَى الْمَيِّتِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَآخَرُونَ: يُنْظَرُ، إِنْ وَرِثَ الْقَابِلُ مِنَ الْمُوصَى لَهُ مَا يَفِي بِبَاقِي قِيمَةِ الْمُوصَى بِهِ، قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي فِيمَا وَرِثَهُ، وَإِلَّا فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِيَسَارِ الْقَابِلِ فِي نَفْسٍ، وَلَا يَثْبُتُ التَّقْوِيمُ فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَقْبَلْ مِنَ التَّرِكَةِ.

أَمَّا عَدَمُ اعْتِبَارِ يَسَارِهِ، فَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ عَنِ الْمَيِّتِ، فَلَا يَكُونُ التَّقْوِيمُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَأَمَّا عَدَمُ ثُبُوتِهِ فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَقْبَلْ، فَلِأَنَّ سَبَبَ الْعِتْقِ الْقَبُولُ، فَالَّذِي لَمْ يَقْبِلْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَيْهِ.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَيْهِ، فَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْقَابِلِ وَاقْتِضَائِهِ التَّقْوِيمَ، فَالتَّقْوِيمُ كَدَيْنٍ يَلْحَقُ التَّرِكَةَ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يَجِبُ أَنْ لَا يُقَوَّمَ عَلَى الْمَيِّتِ، وَيُقْصَرُ الْعِتْقُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَقْبُولِ لِمَعْنَيَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، بَلْ بِقَبُولِ الْوَارِثِ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا وَرِثَ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، لَا يُقَوَّمُ الْبَاقِي.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا مَالَ لَهُ حِينَئِذٍ، فَأَشْبَهَ مَا إِذَا أَعْتَقَ شِقْصًا بَعْدَ الْمَوْتِ، لَا يُقَوَّمُ الْبَاقِي.

قَالَ: وَرَأَيْتُ

ص: 148

هَذَا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْعِتْقِ عَلَى الْمَيِّتِ لِجَعْلِنَا الْوَارِثَ نَائِبًا عَنْهُ، فَكَيْفَ يَنْتَفِي اخْتِيَارُهُ مَعَ النِّيَابَةِ؟ لَكِنَّهُمَا حُكْمِيَّانِ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَا يُسَلَّمُ أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ، بَلْ يَسْتَنِدُ إِلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ كَمَا سَبَقَ.

ثُمَّ وَلَاءُ مَا عَتَقَ مِنْهُ لِلْمَيِّتِ.

وَهَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الِابْنَانِ، أَمْ يَنْفَرِدُ بِهِ الْقَابِلُ؟ وَجْهَانِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِبَعْضِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ، وَقَبِلَ وَارِثُهُ، فَالْقَوْلُ فِي عِتْقِهِ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَقْوِيمُ الْبَاقِي عَلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

السَّادِسَةُ: أَوْصَى بِأَمَةٍ لِابْنِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ، وَقَبِلَ الِابْنُ الْوَصِيَّةَ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ.

وَإِنْ رَدَّ، بَقِيَتْ لِلْوَارِثِ.

وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ، فَالْجَوَابُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا الزَّائِدُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ وَهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ إِنْ لَمْ يَقْبَلِ ابْنُهَا الْوَصِيَّةَ، فَقَدْ تَبَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَهَا لِلْوَارِثِ، فَيَسْرِي الْعِتْقُ مِنَ الْبَعْضِ الَّذِي أَعْتَقَهُ إِلَى الْبَاقِي.

وَإِنْ قَبِلَ، عَتَقَ عَلَيْهِ مَا قَبِلَ.

قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: وَلَا يُقَوَّمُ نَصِيبُهُ عَلَى الْوَارِثِ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِالْقَبُولِ حُصُولَ مِلْكِهِ بِالْمَوْتِ وَتَقَدُّمَهُ عَلَى إِعْتَاقِ الْوَارِثِ الزِّيَادَةَ، وَلَا يُقَوَّمُ نَصِيبُ الْوَارِثِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: الصَّوَابُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْمَوْتِ ابْتِدَاءً، وَتَبَيَّنَّا، قُوِّمَ نَصِيبُ الْوَارِثِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، عَتَقَ الْكُلُّ عَلَى الْوَارِثِ ; لِأَنَّهُ يَسْرِي مِنْ نَصِيبِهِ إِلَى قَدْرِ الثُّلُثِ.

وَالْقَبُولُ بَعْدَهُ كَإِعْتَاقِ الشَّرِيكِ الثَّانِي بَعْدَ إِعْتَاقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُوسِرٌ.

هَذَا إِذَا حَكَمْنَا بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ.

فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَقَبُولُهُ كَإِعْتَاقِ الشَّرِيكِ الثَّانِي نَصِيبَهُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ.

وَفِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَنْفُذُ ; لِأَنَّهُ مِلْكُهُ.

وَأَصَحُّهُمَا: لَا ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ تَقْوِيمَهُ عَلَيْهِ.

فَعَلَى هَذَا، لَهُ قِيمَةُ نَصِيبِهِ عَلَى الْوَارِثِ.

فَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَوَارِثُ الْمُوصِي ابْنٌ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمَةِ بِنِكَاحٍ، فَإِنْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ، عَتَقَتْ عَلَى الِابْنِ الَّذِي

ص: 149

هُوَ وَارِثُ السَّيِّدِ.

وَإِنْ قَبِلَهَا، نُظِرَ، إِنْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ، عَتَقَتْ عَلَى الْمُوصَى لَهُ.

وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ، فَالزَّائِدُ مِنْهَا عَلَى الثُّلُثِ.

أَطْلَقَ ابْنُ الْحَدَّادِ: أَنَّهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ عَلَى الْوَارِثِ، وَفَصَّلَ الشَّارِحُونَ، فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يُجِزِ الْوَارِثُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ، فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَجَازَ، فَعِتْقُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ، أَمْ تَنْفِيذٌ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَقَدْ حَكَمْنَا لِلْوَارِثِ بِالْمِلْكِ قَبْلَ أَنْ يُعْطَى، فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: تَنْفِيذٌ، لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا نَجْعَلُ الزَّائِدَ لِلْوَارِثِ، بَلْ نَقِفُهُ عَلَى الرَّدِّ وَالْإِجَازَةِ.

فَإِذَا أَجَازَ، تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ.

وَأَمَّا قَدْرُ الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَلَا يُقَوَّمُ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.

السَّابِعَةُ: أَوْصَى بِعَبْدٍ لِشَخْصَيْنِ، أَحَدُهُمَا قَرِيبُهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قَبِلَا مَعًا، عَتَقَ جَمِيعُهُ عَلَى الْقَرِيبِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا، النِّصْفُ بِالْمِلْكِ، وَالنِّصْفُ بِالسِّرَايَةِ، وَيَغْرَمُ لِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفَ قِيمَتِهِ.

وَإِنْ قَبِلَ الْقَرِيبُ أَوَّلًا، فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْعِتْقِ، وَيَكُونُ غُرْمُ النِّصْفِ لِلْأَجْنَبِيِّ إِنْ قَبِلَ بَعْدِ ذَلِكَ، وَلِوَارِثِ الْمُوصِي إِنْ لَمْ يَقْبَلْ.

وَإِنْ قَبِلَ الْأَجْنَبِيُّ أَوَّلًا، مَلَكَ نَصِيبَهُ، [وَيَبْقَى نَصِيبُ الْقَرِيبِ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَقْبَلَ أَوْ يَرُدَّ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْأَجْنَبِيُّ نَصِيبَهُ قَبْلَ قَبُولِ الْقَرِيبِ، ثُمَّ قَبِلَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ، قُوِّمَ نَصِيبُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَكَانَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ]، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْمَوْتِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ عِتْقَ الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ نَافِذٍ، وَأَنَّهُ عَتَقَ جَمِيعُهُ عَلَى الْوَارِثِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ.

الثَّامِنَةُ: أَوْصَى بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ، فَلَهَا أَحْوَالٌ.

أَحَدُهَا: أَنْ تَلِدَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَيُنْظَرُ، إِنِ انْقَضَى أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ، لَمْ يَدْخُلِ الْوَلَدُ فِي الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ حُدُوثَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.

وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحَمْلِ يَوْمئِذٍ، فَلَا يُجْعَلُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالشَّكِّ.

ص: 150

وَإِنْ لَمْ يَنْقَضِ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، عَلِمْنَا وُجُودَهُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، فَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحَمْلَ [هَلْ] يُعْرَفُ وَيُعْطَى حُكْمًا قَبْلَ الِانْفِصَالِ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَالْوَلَدُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْوَصِيَّةِ، بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُوصِي، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِالْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، فَيُنْظَرُ، أَيَقْبَلُهُمَا الْمُوصَى لَهُ؟ أَمْ يَرُدُّهُمَا؟ أَمْ يَقْبَلُ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ؟ وَفِي هَذَا زِيَادَةٌ بِحَيْثُ نَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ زَوْجَ الْجَارِيَةِ، وَقَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي الْوَلَدِ، عَتَقَ [كُلُّهُ] عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ بِرَقِيقٍ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَلِدَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَهَذَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ.

(الْقِسْمُ) الْأَوَّلُ: وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ، فَالْوَلَدُ غَيْرُ مُوصًى بِهِ؛ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ زَوْجَ الْجَارِيَةِ، بُنِيَ حُكْمُ الْوَلَدِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى تُمْلَكُ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْقَبُولِ، وَأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبُولِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، فَالْوَلَدُ لَهُمْ، لَا إِرْثًا مِنَ الْمَيِّتِ، بَلْ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِمْ.

وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، فَقَبِلَ، فَالْعُلُوقُ فِي مُلْكِهِ، فَيَنْعَقِدُ الْوَلَدُ حُرًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ، وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ.

(الْقِسْمُ) الثَّانِي: وَلَدَتْ قَبْلَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمِ الْمَوْتِ، وَبَعْدَهَا مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ، فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْرَفُ، فَالْوَلَدُ زِيَادَةٌ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُوصِي، فَهُوَ لَهُ، وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُعْرَفُ، وَلَا يُعْطَى حُكْمًا، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى تُمَلَّكُ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْقَبُولِ وَأَنَّهَا لِلْوَرَثَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَالْوَلَدُ لَهُمْ؛ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِمْ.

وَإِنْ قُلْنَا: بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، وَكَانَ الْمُوصَى لَهُ

ص: 151

زَوْجَ الْجَارِيَةِ، وَقَبِلَ، عَتَقَ الْوَلَدُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ.

(الْقِسْمُ) الثَّالِثِ: أَنْ تَلِدَ قَبْلَ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ يَوْمَيِ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا.

فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْرَفُ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى بِالْجَارِيَةِ وَالْحَمْلِ جَمِيعًا، وَإِلَّا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى تُمَلَّكُ؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي.

الْحَالُ الثَّالِثِ: أَنْ تَلِدَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَلَهُ صُوَرٌ.

أَحَدُهَا: تَلِدُ بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ الْقَبُولِ، فَالْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ.

فَلَوْ كَانَ زَوْجَ الْجَارِيَةِ، انْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.

الثَّانِيَةُ: تَلِدُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَبُولِ، وَبَعْدِهَا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْوَصِيَّةُ تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، فَقَبِلَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى.

وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، وَأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبُولِ لِلْوَرَثَةِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْرَفُ، فَهُوَ زِيَادَةٌ لِلْوَرَثَةِ، وَإِلَّا فَلِلْمُوصَى لَهُ، وَإِذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ زَوْجَ الْجَارِيَةِ، عَتَقَ الْوَلَدُ عَلَيْهِ، وَثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ.

الثَّالِثَةُ: تَلِدُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَبُولِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا، وَبَعْدَهَا مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ.

فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْرَفُ، فَالْوَلَدُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَإِنْ قُلْنَا: لَا، وَاعْتَبَرْنَا حَالَةَ الِانْفِصَالِ، فَالِانْفِصَالُ حَصَلَ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، فَيَكُونُ الْوَلَدُ لَهُ، وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ زَوْجَهَا، وَلَا اسْتِيلَادَ.

الرَّابِعَةُ: تَلِدُ قَبْلَ مُضِيِّهَا مِنْ يَوْمِ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا.

فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْرَفُ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِلَّا فَهُوَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، فَيَكُونُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ زَوْجَهَا، عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَلَا اسْتِيلَادَ.

ص: 152

فَرْعٌ: نِتَاجُ بَاقِي الْحَيَوَانِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَارِيَةِ، وَيُرْجَعُ فِي مُدَّةِ حَمْلِهَا إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ.

فَرْعٌ: قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ: حَيْثُ حَكَمْنَا بِمَصِيرِ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ، هَلْ تُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْإِصَابَةِ مِنْ يَوْمِ الْمِلْكِ، أَمْ يَكْفِي إِمْكَانُ الْإِصَابَةِ؟ وَجْهَانِ.

وَالثَّانِي هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ.

قَالَ: وَحَيْثُ بَقَّيْنَا الْوَلَدِ عَلَى مِلْكِ الْوَارِثِ، فَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ قِيمَةُ الْجَارِيَة وَحْدَهَا.

وَإِذَا لَمْ نُبَقِّهِ، فَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ مَا كَانَ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي مَوْجُودًا.

فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا، اعْتُبِرَ قِيمَتُهَا وَحْدَهَا.

وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَقِيمَتُهَا مَعَ قِيمَةِ الْحَمْلِ، وَحِينَئِذٍ فَالنَّظَرُ إِلَى قِيمَتِهَا حَامِلًا يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ.

وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمئِذٍ لَوْ كَانَتْ حَائِلًا، وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْحَمْلِ فِي أَوَّلِ حَالِ الِانْفِصَالِ.

وَإِذَا قَوَّمْنَاهُمَا فَخَرَجَا مِنَ الثُّلُثِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَلَا يُقْرَعُ، بَلْ تُنَفَّذُ الْوَصِيَّةُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهُمَا عَلَى نِسْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

فَرْعٌ: نَقَلَ الْمُزَنِيُّ فِي «الْمُخْتَصَرِ» : أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَمَةٍ لِزَوْجِهَا، فَلَمْ يَعْلَمْ حَتَّى وَضَعَتْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْلَادًا.

فَإِنْ قَبِلَ عَتَقُوا وَلَمْ تَكُنْ أُمُّهُمْ أُمَّ وَلَدٍ حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ بَعْدَ قَبُولِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَفِيهِ إِشْكَالٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.

ص: 153

أَحَدُهُمَا: «أَنَّهُ» لِمَ اعْتَبَرَ عَدَمَ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ؟ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؟ وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَكَمَ بِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ، وَأَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ.

فَإِنْ فَرَّعَ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ، أَوْ عَلَى الْوَقْفِ، فَلِمَ اعْتَبَرَ مُضِيَّ الْأَشْهُرِ فِي مَصِيرِهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ وَإِنْ فَرَّعَ عَلَى الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ، فَلِمَ حَكَمَ بِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ فِي الْحَالِ؟ ! أَمَّا الْأَوَّلُ، فَعَنِ الْخُضَرِيِّ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ: لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْحُرَّةُ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلَوْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ الرَّقِيقَةَ، فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ.

وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِي أُمَّيْهِ بَيْنَ عِلْمِهِ وَعَدَمِهِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ يَظُنُّهَا أَمَةَ غَيْرِهِ، أَوْ حُرَّةً فَأَحْبَلَهَا، ثَبَتَتْ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ.

فإذًا قَوْلُهُ: «وَلَمْ يَعْلَمْ» لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً، لَا مَقْبُولَةً، وَلَا مَرْدُودَةً، إِلَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِغَيْبَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَقِيلَ: هُوَ تَخْلِيطٌ مِنَ الْمُزَنِيِّ.

فَقَوْلُهُ: «عَتَقُوا» ، تَفْرِيعٌ عَلَى حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ.

وَقَوْلُهُ: «وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ» ، تَفْرِيعٌ عَلَى حُصُولِهِ [بَالْقَبُولِ] .

وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْوَقْفِ.

وَأَرَادَ بِالْقَبُولِ، فِي قَوْلِهِ:«بَعْدَ قَبُولِهِ» الْمَوْتَ، فَسَمَّاهُ قَبُولًا ; لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَبُولِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَفْظُ الشَّافِعِيِّ الْمَوْتُ لَكِنَّ الْمُزَنِيَّ سَهَا فِيهِ.

وَلَوْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ الْمُوصَى بِهَا زَوْجَةَ الْمُوصَى لَهُ، وَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ وَرَثَتَهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ، فَإِنْ قَبِلُوا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِلْكُ مَتَّى يَحْصُلُ؟ إِنْ قُلْنَا: بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفٌ، فَقَبُولُهُمْ كَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ فِي عِتْقِ الْأَوْلَادِ بِالْمِلْكِ، وَفِي انْعِقَادِهِمْ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَمَصِيرِ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ وَفِي بَقَائِهِمْ مَمَالِيكَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ بِلَا فَرْقٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ إِذَا عَتَقُوا بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، وَرِثُوهُ.

وَإِذَا عَتَقُوا بِقَبُولِ الْوَرَثَةِ، لَمْ يَرِثُوا كَمَا سَبَقَ.

وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ.

فَإِنْ كَانَ بَيْنَ

ص: 154

الْوَارِثِ وَالْأَوْلَادِ قَرَابَةٌ تَقْتَضِي الْعِتْقَ، بِأَنْ كَانَ وَارِثُ الْمُوصَى لَهُ أَبَاهُ، عَتَقُوا عَلَيْهِ، وَإِلَّا، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ الْعِتْقُ، فَهَلْ تُقْضَى دُيُونُ الْمُوصَى لَهُ مِنْهَا؟ أَمْ تُسَلَّمُ لِلْوَرَثَةِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ أَيْضًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ الصَّحِيحَةِ

إِذَا جَمَعَتِ الْوَصِيَّةُ شُرُوطَ صِحَّتِهَا صَحَّتْ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي أَحْكَامِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: لَفْظِيَّةٌ، وَمَعْنَوِيَّةٌ، وَحِسَابِيَّةٌ.

(الْقِسْمُ) الْأَوَّلُ: اللَّفْظِيَّةُ، وَفِيهِ طَرَفَانِ.

(الطَّرَفُ) الْأَوَّلُ: فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمُوصَى بِهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الْأُولَى: إِذَا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ حَامِلٍ، وَاسْتَثْنَى حَمْلَهَا لِنَفْسِهِ، صَحَّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ.

وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْحَمْلِ وَحْدَهُ، بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ، بِخِلَافِ بَيْعِهِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِالْحَمْلِ لِرَجُلٍ، وَبِالْأُمِّ لِآخَرَ، صَحَّتِ الْوَصِيَّتَانِ.

وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِالْجَارِيَةِ، فَفِي دُخُولِ الْحَمْلِ فِيهَا وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ: الدُّخُولُ، كَالْبَيْعِ، وَلَا تَبْعُدُ الْفَتْوَى، بِخِلَافِ الْبَيْعِ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْبَيْعِ، فَجُعِلَ تَبَعًا، وَيُفْرَدُ بِالْوَصِيَّةِ، فَلَا يَتْبَعُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَنْزِيلُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ؛ وَلِأَنَّهَا عَقْدٌ ضَعِيفٌ، فَلَا يُسْتَتْبَعُ.

فَإِنْ قُلْنَا بِدُخُولِهِ، لَمْ تَنْقَطِعِ الْوَصِيَّةُ بِانْفِصَالِ الْحَمْلِ، بَلْ يَبْقَى مُوصَى بِهِ، وَالِانْفِصَالُ زِيَادَةٌ حَدَثَتْ فِيهِ.

وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِالْحَمْلِ وَالْجَارِيَةِ مَعًا، صَحَّ فِيهِمَا قَطْعًا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهِمَا لِرَجُلَيْنِ.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّانِيَةُ: الطَّبْلُ أَنْوَاعٌ سَبَقَ بَيَانُهَا.

وَذَكَرْنَا أَنَّ طَبْلَ اللَّهْوِ إِنْ صَلُحَ لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، إِمَّا عَلَى هَيْئَتِهِ، وَإِمَّا بَعْدَ التَّغْيِيرِ الَّذِي لَا يُبْطِلُ اسْمَ الطَّبْلِ،

ص: 155

صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، وَإِلَّا، فَلَا.

إِذَا عَرَفَتْ هَذَا، فَإِنْ أَطْلَقَ وَقَالَ: أَعْطُوهُ طَبْلًا مِنْ مَالِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، اشْتُرِيَ وَدُفِعَ إِلَيْهِ.

وَإِنْ قَالَ: طَبْلًا مِنْ طُبُولِي، فَإِنْ كَانَ لَهُ طَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ [بِهِ] ، كَطَبْلِ الْحَرْبِ، وَكَانَ لَهُ أَيْضًا طَبْلُ لَهْوٍ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ، صَحَّتِ [الْوَصِيَّةُ] وَنُزِّلَ عَلَى طَبْلِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا طُبُولٌ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَإِذَا صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِالطَّبْلِ، دُفِعَ إِلَى الْمُوصَى لَهُ مَعَهُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ إِنْ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّبْلِ دُونَ الْجِلْدِ.

فَرْعٌ: تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالدُّفِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ جَلَاجِلُ، وَحَرَّمْنَاهَا، نُزِعَتْ، وَلَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهَا.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّالِثَةُ: اسْمُ الْعُودِ يَقَعُ عَلَى عُودِ اللَّهْوِ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، وَعَلَى وَاحِدِ الْأَخْشَابِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْبِنَاءِ وَالَّتِي تَصْلُحُ لِلسَّقْيِ وَالْعِصِيِّ.

وَالْوَصِيَّةُ بِعُودِ اللَّهْوِ كَهِيَ بِطَبْلِ اللَّهْوِ، فَيُنْظَرُ، هَلْ يَصْلُحُ عَلَى هَيْئَتِهِ لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ أَوْ بَعْدَ التَّغْيِيرِ الَّذِي لَا يُبْطِلُ اسْمَ الْعُودِ، أَمْ لَا يَصْلُحُ؟ وَإِذَا صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ لَمْ يُدْفَعِ الْوَتَرُ وَالْمِضْرَابُ ; لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُودًا دُونَهُمَا.

وَإِذَا قَالَ: أَعْطُوهُ عُودًا مِنْ عِيدَانِي، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ [لَهُ] إِلَّا عِيدَانُ الْقِسِيِّ وَالْبِنَاءِ، أُعْطِيَ وَاحِدًا مِنْهَا.

وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهَا عِيدَانُ اللَّهْوِ الصَّالِحَةُ لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ، أَعْطَاهُ الْوَارِثُ مَا شَاءَ مِنَ الْجَمِيعِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ عِيدَانُ لَهْوٍ غَيْرُ صَالِحَةٍ لِمُبَاحٍ، وَعِيدَانُ قِسِيٍّ وَبِنَاءٍ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: تَنْزِلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى عِيدَانِ الْقِسِيِّ وَالْبِنَاءِ، كَمِثْلِهِ فِي الطَّبْلِ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا عِيدَانُ الْقِسِيِّ وَالْبِنَاءِ، فَيُعْطَى وَاحِدًا مِنْهَا.

وَأَصَحُّهُمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، تَنْزِيلًا عَلَى عِيدَانِ اللَّهْوِ ; لِأَنَّ اسْمَ الْعُودِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِهَذَا الَّذِي يُضْرَبُ، وَاسْتِعْمَالُهُ

ص: 156

فِي غَيْرِهِ مَرْجُوحٌ، وَالطَّبْلِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ وُقُوعًا وَاحِدًا.

وَلِلْقَائِلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَ ظُهُورَ اسْمِ الْعُودِ فِيمَا يُضْرَبُ بِهِ، وَيَقُولُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَفِي وَاحِدِ الْأَخْشَابِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَلَا تَرْجِيحَ.

فَرْعٌ: أَوْصَى بِعُودٍ، وَلَا عُودَ لَهُ، فَمُقْتَضَى تَنْزِيلِ مُطْلَقِ الْعُودِ عَلَى عُودِ اللَّهْوِ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ، وَأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عُودُ لَهْوٍ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ، وَأَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يُشْتَرَى مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَالِهِ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالْعُودِ بِهِ.

وَلَوْ أَوْصَى بِعُودٍ مِنْ عِيدَانِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا عُودُ لَهْوٍ، وَعُودُ بِنَاءٍ، وَعُودُ قِسِيٍّ.

فَإِنْ حَمَلْنَا لَفْظَ الْعِيدَانِ عَلَى هَذِهِ الْآحَادِ، فَقَدْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ عَلَى مَعَانِيهِ مَعًا، وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ.

فَإِنْ مُنِعَ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِعُودٍ مِنْ عِيدَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا عُودُ لَهْوٍ، أَوْ لَا عُودَ لَهُ.

قُلْتُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ الْوَصِيَّةُ بِالْمِزْمَارِ كَالْوَصِيَّةِ بِعُودِ اللَّهْوِ.

وَإِذَا صَحَّتْ، لَمْ يَلْزَمْ تَسْلِيمُ الْمُجْمَعِ، وَهُوَ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ شَفَتَيْهِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

(الْمَسْأَلَةُ) الرَّابِعَةُ: اسْمُ الْقَوْسِ يُطْلَقُ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا النَّبْلُ،

ص: 157

وَهِيَ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ، وَعَلَى الْفَارِسِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي يُرْمَى بِهَا النُّشَّابُ.

وَعَلَى الْقِسِيِّ الَّتِي لَهَا مَجْرَى تَنْفُذُ فِيهِ السِّهَامُ الصِّغَارُ، وَيُسَمَّى: الْحُسْبَانُ.

وَعَلَى الْجُلَاهِقُ، وَهُوَ مَا يُرْمَى بِهِ الْبُنْدُقُ.

وَعَلَى قَوْلٍ: النَّدْفُ.

وَالسَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ لَفْظِ الْقَوْسِ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ.

فَإِذَا قَالَ: أَعْطُوهُ قَوْسًا، حُمِلَ عَلَى أَحَدِهِمَا، دُونَ الْجُلَاهِقِ وَقَوْسِ النَّدْفِ.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ مَا يُسَمَّى قَوْسًا، فَفِي «التَّتِمَّةِ» أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا شَاءَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهَا.

وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ قَوْسًا، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: مَا يُسَمَّى قَوْسًا غَالِبًا أَوْ نَادِرًا وَمَا أَشْبَهَهُ.

قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» هُوَ الصَّوَابُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ قَوْسًا مِنْ قِسِيِّي، وَلَهُ قِسِيٌّ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ، أُعْطِيَ مَا يُرْمَى بِهِ النَّبْلُ أَوِ النُّشَّابُ أَوِ الْحُسْبَانُ، دُونَ الْبُنْدُقِ وَالْجُلَاهِقِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ.

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا قَوْسُ نَدْفٍ، أَوْ جُلَاهِقُ، حُمِلَ عَلَيْهِ، لِلتَّقْيِيدِ بِالْإِضَافَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ قَوْسُ نَدْفٍ وَجُلَاهِقُ، أُعْطِيَ الْجُلَاهِقَ ; لِأَنَّ الِاسْمَ إِلَيْهِ أَسْبَقُ.

وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.

فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ قَوْسًا يُقَاتِلُ بِهَا، أَوْ يَرْمِي الطَّيْرَ، أَوْ يَنْدِفُ بِهَا، فَقَدَ أَبَانَ الْغَرَضَ.

فَرْعٌ: لَا يَدْخُلُ الْوَتَرُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْسِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِخُرُوجِهِ عَنِ اسْمِ الْقَوْسِ.

وَكَمَا لَا يَدْخُلُ السَّرْجُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالدَّابَّةِ.

وَيُشْبِهُ أَنْ يَجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِي بَيْعِ الْقَوْسِ.

وَأَمَّا الرِّيشُ، وَالنَّصْلُ، فَيَدْخُلَانِ فِي السَّهْمِ لِثُبُوتِهِمَا.

(الْمَسْأَلَةُ) الْخَامِسَةُ: اسْمُ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَى صَغِيرَةِ الْجُثَّةِ، وَكَبِيرَتِهَا، وَالسَّلِيمَةِ،

ص: 158

وَالْمَعِيبَةِ، وَالصَّحِيحَةِ، وَالْمَرِيضَةِ، وَالضَّائِنَةِ، وَالْمَاعِزِ.

وَهَلْ يَدْخُلُ الذَّكَرُ فِيهَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ: لَا يَدْخُلُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِنَاثِ بِالْعُرْفِ.

وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَدْخُلُ ; لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْإِنْسَانِ، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ، بَلْ لِلْوَاحِدِ.

قَالَ الْحَنَّاطِيُّ: وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ عَنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ فِي الزَّكَاةِ ذَكَرًا، أَجْزَأَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَفِي السَّخْلَةِ، وَالْعَنَاقِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الشَّاةِ.

وَالثَّانِي: يَقَعُ.

فَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ شِيَاهِي، أَوْ مِنْ غَنَمِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ أُعْطِيَ وَاحِدَةً مِنْهَا سَلِيمَةً، أَوْ مَعِيبَةً مِنَ الضَّأْنِ، أَوِ الْمَعْزِ، وَإِذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا، أُعْطِيَ ذَكَرًا.

وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا إِنَاثًا أُعْطِيَ أُنْثَى.

وَإِنْ كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، جَازَ أَنْ يُعْطَى أُنْثَى.

وَفِي جَوَازِ الذَّكَرِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي تَنَاوُلِ الشَّاةِ الذَّكَرَ.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ مَالِي، أُعْطِيَ وَاحِدَةً يَتَنَاوَلُهَا الِاسْمُ.

فَإِنْ مَلَكَ غَنَمًا، فَلِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى غَيْرِ صِفَةِ غَنَمِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَنَمًا، اشْتَرَى لَهُ شَاةً، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ: مِنْ غَنَمِي، وَلَا غَنَمَ لَهُ.

وَلَوْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ شَاةً، حَكَى الْبَغَوِيُّ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِي مَعِيبَةً ; لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَمْرِ بِالشِّرَاءِ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ كَمَا فِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ، وَأَبْدَى فِيمَا حَكَاهُ احْتِمَالًا، وَلَوْ قَالَ: كَبْشًا أَوْ تَيْسًا، أَوْ شَاةً لِيُنْزِيَهَا عَنْ غَنَمِهِ، فَالْوَصِيَّةُ بِالذَّكَرِ.

وَلَوْ قَالَ: نَعْجَةٌ، أَوْ شَاةٌ يَحْلِبُهَا، أَوْ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا، فَهِيَ بِالْأُنْثَى.

قُلْتُ: لَمْ يُفْصِحِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ بِالْغَرَضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

فَإِنْ قَالَ نَعْجَةٌ: فَهِيَ لِلْأُنْثَى مِنَ الضَّأْنِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ.

وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي «تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ» .

وَإِنْ قَالَ: شَاةٌ يَحْلِبُهَا، أَوْ يَنْتَفِعُ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا، فَهِيَ لِلْأُنْثَى مِنَ الضَّأْنِ، أَوِ الْمَعْزِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 159

فَرْعٌ: الظِّبَاءُ قَدْ يُقَالُ لَهَا: شِيَاهُ الْبَرِّ، وَالثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ قَدْ يُسَمَّى شَاةً فِي اللُّغَةِ، لَكِنَّ مُطْلَقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّاةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا.

لَكِنْ لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ شِيَاهِي، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا ظِبَاءٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُعْتَمَدِ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ تَنْزِيلَ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) السَّادِسَةُ: الْبَعِيرُ، وَالْجَمَلُ، وَالنَّاقَةُ، أَسْمَاءٌ تَشْتَمِلُ السَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ، وَالْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ.

وَلَا يَتَنَاوَلُ الْجَمَلُ النَّاقَةَ، وَلَا النَّاقَةُ الْجَمَلَ.

وَفِي تَنَاوُلِ الْبَعِيرِ النَّاقَةَ مِثْلُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي تَنَاوُلِ الشَّاةِ الذَّكَرَ، وَالْحِكَايَةُ عَنِ النَّصِّ الْمَنْعُ، وَتَنْزِيلُ الْبَعِيرِ مَنْزِلَةَ الْجَمَلِ.

وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ التَّنَاوُلُ ; لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَسُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: حَلَبَ فُلَانٌ بَعِيرَهُ، وَصَرَعَتْنِي بَعِيرِي.

وَرُبَّمَا أَفْهَمَكَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَوَسُّطًا بَيْنَهُمَا، وَهُوَ تَنْزِيلُ النَّصِّ عَلَى مَا إِذَا عَمَّ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِ الْبَعِيرِ بِمَعْنَى الْجَمَلِ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ إِذَا لَمْ يَعُمَّ.

فَرْعٌ: اسْمُ الثَّوْرِ لِلذَّكَرِ.

وَفِي الْبَقَرَةِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: اخْتِصَاصُهَا بِالْأُنْثَى.

وَالثَّانِي: يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْهَاءُ لِلْوَاحِدِ، كَقَوْلِنَا: تَمْرَةٌ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي اسْمِ الْبَغْلَةِ.

فَرْعٌ: قَالَ: أَعْطُوهُ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، أَوِ الْغَنَمِ، جَازَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.

وَلَوْ قَالَ:

ص: 160

عَشْرُ أَيْنُقٍ، أَوْ بَقَرَاتٍ، لَمْ يُعْطَ إِلَّا الْإِنَاثَ.

وَلَا فَرْقَ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالْأَيْنُقِ وَالْبَقَرَاتِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: عَشْرًا وَعَشَرَةً.

وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنَّ الْبَقَرَةَ لِلْأُنْثَى.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ عَشْرًا مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ عَشَرَةً، جَازَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى؛ لِتَنَاوُلِ الْإِبِلِ النَّوْعَيْنِ، وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ السَّرْخَسِيُّ: إِنْ قَالَ: عَشَرَةٌ، فَلِلذُّكُورِ، وَعَشْرٌ لِلْإِنَاثِ.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنَ الْإِبِلِ، أَوِ الْبَقَرِ، أَوِ الْغَنَمِ، جَازَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى.

فَرْعٌ: أَوْصَى بِكَلْبٍ، أَوْ حِمَارٍ، قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّهُمْ مَيَّزُوا، فَقَالُوا: كَلْبٌ وَكَلْبَةٌ، وَحِمَارٌ وَحِمَارَةٌ.

وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا لِلْجِنْسِ ; لِأَنَّ التَّمْيِيزَ لَيْسَ مُسْتَمِرًّا فِي اللُّغَةِ، وَبِتَقْدِيرِ اسْتِمْرَارِهِ، فَلَا شَكَّ فِي اسْتِمْرَارِ الْعُرْفِ بِخِلَافِهِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لِهَذَا: يُتَّبَعُ الْعُرْفُ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: قِيَاسُ تَكْمِيلِ الْبَقْرِ بِالْجَوَامِيسِ فِي نُصُبِ الزَّكَاةِ، دُخُولُ الْجَوَامِيسِ فِي الْبَقْرِ، وَكَوْنُهُمَا نَوْعَيْ جِنْسٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ فِي «الْمُعْتَمَدِ» : لَا تَدْخُلُ فِي الْبَقَرِ، إِلَّا إِذَا قَالَ: مِنْ بَقَرِي وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْجَوَامِيسُ، فَوَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ فِي الظِّبَاءِ.

ص: 161

(الْمَسْأَلَةُ) السَّابِعَةُ: الدَّابَّةُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُرْكَبُ مِنَ الْبَهَائِمِ.

وَالْوَصِيَّةُ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الثَّانِي.

فَإِذَا قَالَ: أَعْطُوهُ دَابَّةً، تَنَاوَلَ الْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ.

هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.

فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ رحمه الله: هَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى عَادَةِ أَهْلِ مِصْرَ فِي رُكُوبِهَا جَمِيعًا وَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الدَّابَّةِ فِيهَا.

فَأَمَّا سَائِرُ الْبِلَادِ، فَحَيْثُ لَا يُسْتَعْمَلُ اللَّفْظُ إِلَّا فِي الْفَرَسِ، لَا يُعْطَى إِلَّا الْفَرَسَ.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمَا: الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.

فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَالَ: دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّي، وَلَهُ جِنْسَانِ مِنَ الثَّلَاثَةِ، تَخَيَّرَ الْوَارِثُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا جِنْسٌ، تَعَيَّنَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ «لَهُ» شَيْءٌ مِنْهَا، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالسَّلِيمُ وَالْمَعِيبُ.

هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَطْلَقَ.

فَلَوْ قَالَ: دَابَّةٌ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ، أَوْ لِلْقِتَالِ، حُمِلَ عَلَى الْفَرَسِ.

وَلَوْ قَالَ: لِيَنْتَفِعَ بِدَرِّهَا وَظَهْرِهَا، فَكَذَلِكَ.

وَلَوْ قَالَ: بِظَهْرِهَا وَنَسْلِهَا، حُمِلَ عَلَى الْفَرَسِ، وَالْجَمَلِ، وَالْحِمَارَةِ.

وَلَوْ قَالَ: لِلْحَمْلِ، حُمِلَ عَلَى الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالْحَمْلِ عَلَى الْبَرَاذِينِ، فَيَدْخَلُ الْجَمِيعُ.

قَالَ الْمُتَوَلِّي: بَلْ لَوْ كَانَ عُرْفُ بَلَدِهِمُ الْحَمْلَ عَلَى الْجِمَالِ وَالْبَقَرِ، جَازَ أَنْ يُعْطَى جَمَلًا، أَوْ بَقَرَةً.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الدَّابَّةَ عَلَى الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَى غَيْرِهَا لِقَيْدٍ أَوْ صِفَةٍ.

قُلْتُ: قَوْلُ الْمُتَوَلِّي قَوِيٌّ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّامِنَةُ: اسْمُ الرَّقِيقِ بِالْوَضْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَالسَّلِيمَ وَالْمَعِيبَ، وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ، وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى.

ص: 162

فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي، أَوْ أَوْصَيْتُ لَهُ بِرَأْسٍ مِنْ رَقِيقِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ عَبْدِيَ الْحَبَشِيَّ، أَوِ الْعَبْدَ الَّذِي صِفَتُهُ كَذَا، وَلَا عَبْدَ لَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا حَدَثَ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ.

فَلَوْ حَدَثَ لَهُ أَرِقَّاءُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِيَوْمِ الْوَصِيَّةِ، أَمْ بِيَوْمِ الْمَوْتِ؟ وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ مَا إِذَا كَانَ لَهُ أَرِقَّاءُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَحَدَثَ آخَرُونَ بَعْدَهُ، وَهَلْ لِلْوَارِثِ أَنْ يُعْطِيَهُ رَقِيقًا مِنَ الْحَادِثِينَ، أَمْ يَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُونَ؟ وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا رَقِيقًا وَاحِدًا وَقَالَ: أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي، فَهَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَيُدْفَعُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، أَمْ تَبْطُلُ؟ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرِقَّاءُ، أَعْطَاهُ الْوَارِثُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ، وَيَجُوزُ الْخُنْثَى عَلَى الْأَصَحِّ، لِشُمُولِ الِاسْمِ.

وَقِيلَ: لَا، لِانْصِرَافِ اللَّفْظِ إِلَى الْمَعْهُودِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنْ غَيْرِ أَرِقَّائِهِ وَلَوْ تَرَاضِيًا ; لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَالْمُصَالَحَةُ عَنِ الْمَجْهُولِ بَاطِلَةٌ.

فَرْعٌ: لَهُ أَرِقَّاءُ أَوْصَى بِأَحَدِهِمْ، فَمَاتُوا، أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.

وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ، تَعَيَّنَ. .

وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُمْ إِلَّا وَاحِدًا.

وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُمْسِكَ الَّذِي بَقِيَ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَةَ مَقْتُولٍ.

وَإِنْ قُتِلُوا بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، انْتَقَلَ حَقُّهُ إِلَى الْقِيمَةِ، فَيَصْرِفُ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ.

وَإِنْ قُتِلُوا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.

وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، أَوْ قُتِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي

ص: 163

وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ، فَلِلْوَارِثِ التَّعْيِينُ فِيهِ، حَتَّى يَجِبَ التَّجْهِيزُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ، وَتَكُونُ الْقِيمَةُ لَهُ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ.

وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، فَكَذَلِكَ إِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَوْتِ، أَوْ مَوْقُوفَةٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: تُمْلَكُ بِالْقَبُولِ، فَيُعْطَى وَاحِدًا مِنَ الْبَاقِينَ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي.

فَرْعٌ: أَوْصَى بِرَقِيقٍ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يُضِفْ إِلَى أَرِقَّائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَقِيقٌ، اشْتُرِيَ مِنْ مَالِهِ.

وَإِنْ كَانَ، فَالْوَارِثُ يُعْطِيهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ، أَوْ يَشْتَرِي لَهُ كَمَا يَشَاءُ.

وَإِنْ قَالَ: اشْتَرُوا لَهُ [مَمْلُوكًا، فَكَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: اشْتَرُوا لَهُ] شَاةً.

وَلَوْ قَالَ: أَعْطُوهُ رَقِيقًا، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ مَالِي، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا يَكُونُ وَصِيَّةً.

وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَالثَّانِي - قَالَ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ -: تَصْحِيحُ الْوَصِيَّةِ، وَجَعَلَهَا كَقَوْلِهِ: مِنْ مَالِي ; لِأَنَّهُ الْمُرَادُ ظَاهِرًا.

فَرْعٌ: قَالَ: أَعْطُوهُ عَبْدًا، لَمْ يُعْطَ أَمَةً، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا.

وَلَوْ قَالَ: أَمَةً، لَمْ يُعْطَ عَبْدًا، وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا.

وَفِي الْوَاضِحِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ.

وَلَوْ قَالَ: رَقِيقًا يُقَاتِلُ، أَوْ يَخْدِمُهُ فِي السَّفَرِ، تَعَيَّنَ الْعَبْدُ.

وَلَوْ قَالَ: رَقِيقًا يَسْتَمْتِعُ بِهِ، أَوْ يَحْضُنُ وَلَدَهُ، تَعَيَّنَتِ الْأَمَةُ.

وَلَوْ قَالَ: رَقِيقًا يَخْدِمُهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ.

ص: 164

فَرْعٌ (لَوْ) أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ، أُعْتِقَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ ; لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْإِعْتَاقِ، بِخِلَافِ: أَعْطُوهُ عَبْدًا، فَلَا عُرْفَ فِيهِ.

فَرْعٌ: قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي عَبْدًا وَأَعْتِقُوهُ عَنِّي، فَامْتَثَلَ الْوَارِثُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ، وَقَعَ عَنْهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، وَيَكُونُ الْعِتْقُ عَنِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّهُ أُعْتِقَ عَنْهُ.

وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، بَطَلَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ.

كَذَا ذَكَرُوهُ بِلَا خِلَافٍ.

وَقَدْ سَبَقَ فِي تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ مَعَ قِيَامِ الدَّيْنِ تَفْصِيلٌ، وَذَكَرْنَا عَلَى تَقْدِيرِ الْبُطْلَانِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ إِذَا تَصَرَّفَ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ، هَلْ يَتَبَيَّنُ الْبُطْلَانُ، أَمْ لَا؟ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى ذَلِكَ الْخِلَافُ.

فَرْعٌ: قَالَ: أَعْتِقُوا عَنِّي رِقَابًا، أَوْ قَالَ: اشْتَرُوا بِثُلُثِ مَالِي رِقَابًا وَاعْتِقُوهُمْ، فَأَقَلُ عَدَدٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الرِّقَابِ ثَلَاثَةٌ.

فَإِنْ تَيَسَّرَ شِرَاءُ ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا بِثُلُثِهِ، فَعَلَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الِاسْتِكْثَارُ مَعَ الِاسْتِرْخَاصِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِقْلَالِ مَعَ الِاسْتِغْلَاءِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ إِعْتَاقَ خَمْسِ رِقَابٍ قَلِيلَةِ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ أَرْبَعَةٍ كَثِيرَةِ الْقِيمَةِ.

وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الثُّلُثِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِلَى رَقَبَتَيْنِ.

فَإِنْ صَرَفَهُ إِلَيْهِمَا،

ص: 165

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ: يُضَمَّنُ الْوَصِيُّ لِلرَّقَبَةِ الثَّالِثَةِ.

وَهَلْ يُضَمَّنُ ثُلُثَ مَا نَفِذَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ، أَمْ أَقَلَّ مَا يَجِدُ بِهِ رَقَبَةً؟ فِيهِ الْخِلَافُ، كَمَنْ دَفَعَ نَصِيبَ أَحَدِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ إِلَى اثْنَيْنِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ [شِرَاءُ] ثَلَاثِ رِقَابٍ بِالثُّلُثِ، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهِ إِلَّا رَقَبَتَانِ، اشْتَرَيْنَاهُمَا وَأَعْتَقْنَاهُمَا.

وَإِنْ وَجَدْنَا رَقَبَتَيْنِ، وَفَضَلَ شَيْءٍ، فَهَلْ يُشْتَرَى بِالْفَاضِلِ شِقْصًا؟ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ.

وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الشِّقْصَ لَيْسَ بِرَقَبَةٍ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: اشْتَرُوا بِثُلُثِي رَقَبَةً، فَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً، لَا يَشْتَرِي شِقْصًا قَطْعًا.

فَعَلَى هَذَا، يَشْتَرِي رَقَبَتَيْنِ نَفِيسَتَيْنِ يَسْتَغْرِقُ ثَمَنُهُمَا الثُّلُثَ.

فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ وَجَدْنَاهُمَا، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْفَاضِلِ، وَرُدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ.

وَإِذَا قُلْنَا: يَشْتَرِي شِقْصًا، فَذَاكَ إِذَا وُجِدَ شِقْصٌ يُشْتَرَى بِالْفَاضِلِ وَزَادَ عَلَى ثَمَنِ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ.

فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ شِقْصٍ بِالْفَاضِلِ، إِمَّا لِقِلَّتِهِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ الشِّقْصِ، فَيُشْتَرَى رَقَبَتَانِ نَفِيسَتَانِ.

فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ وَجَدْنَاهُمَا، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْفَاضِلِ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَقِيلَ: يُوقَفُ إِلَى أَنْ يُوجَدَ شِقْصٌ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ثَمَنِ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ، بَلْ أَمْكَنَ شِرَاءُ رَقَبَتَيْنِ نَفِيسَتَيْنِ، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ خَسِيسَتَيْنِ وَشِقْصٍ مِنْ ثَالِثَةٍ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى؟ وَجْهَانِ.

أَشْبَهُهُمَا بِالْوَجْهِ الَّذِي تَفَرَّعَ عَلَيْهِ، الثَّانِي.

وَلَوْ كَانَ لَفْظُ الْمُوصِي: اصْرِفُوا ثُلُثِي إِلَى الْعِتْقِ، اشْتَرَيْنَا الشِّقْصَ بِلَا خِلَافٍ.

وَلَوْ قَالَ: اشْتَرُوا عَبْدًا بِأَلْفٍ وَأَعْتِقُوهُ، فَلَمْ يَخْرُجِ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَأَمْكَنَ شِرَاءُ عَبْدٍ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَخْرُجُ، فَيُشْتَرَى وَيُعْتَقُ.

الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْمُوصَى لَهُ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الْأُولَى: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْطُ صِحَّتِهَا.

فَالْمَقْصُودُ الْآنَ بَيَانُ مَا يَقْتَضِي اللَّفْظَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَالذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ.

فَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ

ص: 166

لِحَمْلِ هِنْدٍ بِكَذَا، فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ، وُزِّعَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا نُفَضِّلُ الذَّكَرَ عَلَى الْأُنْثَى، كَمَا لَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّفْضِيلِ.

وَلَوْ خَرَجَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْحَيِّ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ كَالْمَعْدُومِ.

وَقِيلَ: لِلْحَيِّ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي لِوَارِثِ الْمُوصِي.

فَرْعٌ: قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا، فَأَعْطُوهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً، فَكَذَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، فُعِلَ مَا ذَكَرَ.

وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى جَمِيعًا، فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّهُ شَرَطَ صِفَةَ الذُّكُورَةِ [أَوِ] الْأُنُوثَةِ فِي جُمْلَةِ الْحَمْلِ، وَلَمْ يَحْصُلْ.

وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ، قَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا شَيْءَ لَهُمَا ; لِأَنَّ التَّنْكِيرَ يُشْعِرُ بِالتَّوْحِيدِ.

وَيَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّ حَمْلَهَا غُلَامَيْنِ لَا غُلَامًا.

لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا، فَأَنْتَ طَالِقٌ طَلْقَةً، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى، فَطَلْقَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ، فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لَا تَطْلُقُ، لِهَذَا الْمَعْنَى.

وَالثَّانِي: تَطْلُقُ طَلْقَةً.

وَالْمَعْنَى: إِنْ كَانَ جِنْسُ حَمْلِكِ ذَكَرًا.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَيَجِئُ هُنَا وَجْهُ: أَنَّهُ يُقَسَّمُ الْمَذْكُورُ لِلْغُلَامِ بَيْنَهُمَا.

وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ.

قَالَ: وَبِمَثَلِهِ لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُهَا ابْنًا، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِنْتًا، فَكَذَا، فَوَلَدَتِ ابْنَيْنِ، لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَسْمَاءُ جِنْسٍ، فَتَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ، بِخِلَافِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ، وَهَذَا لَيْسَ بِوَاضِحٍ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ.

قُلْتُ: بَلِ الْفَرْقُ وَاضِحٌ، وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ أَبُو الْفَرَجِ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَ الذَّكَرَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْفَرْقِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 167

وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا، أَوِ الَّذِي فِي بَطْنِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ حَمْلُهَا غُلَامًا.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ، فَأَعْطُوهُ كَذَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً، اسْتَحَقَّ الْغُلَامُ مَا ذَكَرَ.

وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنْكِيرَ يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ.

وَأَصَحُّهُمَا: صِحَّتُهَا.

فَعَلَى هَذَا هَلْ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا، أَمْ يُوقَفُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَا فَيَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، أَمْ يَصْرِفهُ الْوَارِثُ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ وَقَعَ الْإِبْهَامُ فِي الْمُوصَى بِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.

أَصَحُّهَا: الثَّالِثُ.

وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ شَخْصَيْنِ وَجَوَّزْنَا الْإِبْهَامَ فِي الْمُوصَى لَهُ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ، فَفِي وَجْهٍ: يُعَيِّنُ الْوَارِثُ.

وَفِي وَجْهٍ: يُوَزَّعُ.

وَفِي وَجْهٍ: يُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِغُلَامٍ، أَوْ إِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا غُلَامٌ.

وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا، فَلَهُ مِائَتَانِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، فَمِائَةٌ، فَوَلَدَتْ خُنْثَى، دُفِعَ إِلَيْهِ الْأَقَلُّ.

وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ذَكَرَ.

وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَيَيْنِ، جَاءَ الْوَجْهَانِ.

ثُمَّ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ (الثَّانِيَةُ) : أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، صُرِفَ إِلَى أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ دَارِهِ الْأَرْبَعَةِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ لِلْأَصْحَابِ.

وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تُلَاصِقُ دَارُهُ دَارَهُ.

قُلْتُ: وَيُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى عَدَدِ الدُّورِ، لَا عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّالِثَةُ: أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ، لَا يُصْرَفُ إِلَّا إِلَى الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَقْرَأُ مِنَ الْمُصْحَفِ وَلَا يَحْفَظُ؟ وَجْهَانِ.

يُنْظَرُ فِي أَحَدِهِمَا إِلَى الْوَضْعِ.

وَالثَّانِي: إِلَى الْعُرْفِ.

وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: اسْمُ الْقُرَّاءِ وَالْمُقْرِئِينَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يُطْلَقُ عَلَى الْحُفَّاظِ وَعَلَى الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ بِالْأَلْحَانِ، وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي

ص: 168

لَا يُشْتَرَطُ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْحِفْظُ، وَلَا قِرَاءَةُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُفْهِمُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ، فَذَاكَ، وَإِلَّا، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِلْمَوَالِي.

قُلْتُ: الصَّوَابُ مَا رَجَّحَهُ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَا يُعْطَى إِلَّا مَنْ يَحْفَظُ الْجَمِيعَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الرَّابِعَةُ: أَوْصَى لِلْعُلَمَاءِ، أَوْ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، صُرِفَ إِلَى الْعُلَمَاءِ بِعُلُومِ الشَّرْعِ، وَهِيَ: التَّفْسِيرُ، وَالْفِقْهُ، وَالْحَدِيثُ.

وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْحَدِيثَ وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِطُرُقِهِ، وَلَا بِأَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَلَا بِالْمُتُونِ، فَإِنَّ السَّمَاعَ الْمُجَرَّدَ لَيْسَ بِعِلْمٍ.

وَلَا يَدْخُلُ أَيْضًا الْمُقْرِئُونَ وَعَابِرُو الرُّؤْيَا، وَلَا الْأُدَبَاءُ، وَالْأَطِبَّاءُ، وَالْمُنَجِّمُونَ، وَالْحُسَّابُ، وَالْمُهَنْدِسُونَ.

وَقَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ أَيْضًا، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: الْكَلَامُ يَدْخُلُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهَذَا قَرِيبٌ.

فَرْعٌ: أَوْصَى لِلْفُقَهَاءِ أَوِ الْمُتَفَقِّهَةِ أَوِ الصُّوفِيَّةِ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَقْفِ.

لَكِنْ فِي لَفْظِ الْبَغَوِيِّ: أَنَّهُ لَا يَقْنَعُ بِمَا سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَوْصَى لِلْفُقَهَاءِ، فَهُوَ لِمَنْ يَعْلَمُ عِلْمَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي كُلِّ نَوْعٍ شَيْئًا.

وَفِي التَّتِمَّةِ: أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ.

ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهًا أَنَّ مَنْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، فَهُوَ فَقِيهٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا.

(الْمَسْأَلَةُ) الْخَامِسَةُ: أَوْصَى لِأَعْقَلِ النَّاسِ فِي بَلَدِهِ، صُرِفَ إِلَى أَزْهَدِهِمْ فِي الدُّنْيَا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه.

وَلَوْ أَوْصَى لِأَجْهَلِ النَّاسِ، حَكَى الرُّويَانِيُّ: أَنَّهُ يُصْرَفُ إِلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ.

فَإِنْ قَالَ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: مَنْ يَسُبُّ

ص: 169

الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم.

وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يُصْرَفُ إِلَى الْإِمَامِيَّةِ الْمُنْتَظِرَةِ لِلْقَائِمِ، وَإِلَى الْمُجَسِّمَةِ.

قُلْتُ: وَقِيلَ: يُصْرَفُ إِلَى مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) السَّادِسَةُ: يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ الْمَسَاكِينُ، فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَى هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْمَسَاكِينِ الْفُقَرَاءُ، وَيَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَى الصِّنْفَيْنِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الِاسْمَيْنِ يَقَعُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ.

وَفِي قَوْلٍ: مَا أَوْصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ، لَا يُصْرَفُ إِلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، رَوَاهُ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنِهِمَا، فَأَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي الزَّكَاةِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِسَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: ضَعُوا ثُلُثِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهُوَ لِلْغُزَاةِ الْمَسَاكِينِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلزَّكَاةِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلرِّقَابِ، أَوْ قَالَ: ضَعُوا ثُلُثِي فِي الرِّقَابِ، فَلِلْمُكَاتَبِينَ.

فَإِنْ دَفَعَ إِلَى مُكَاتَبٍ، فَعَادَ إِلَى الرِّقِّ، وَالْمَالُ بَاقٍ فِي [يَدِهِ أَوْ فِي] يَدِ سَيِّدِهِ، اسْتَرَدَّ.

وَلَوْ أَوْصَى لِلْغَارِمِينَ أَوْ لِابْنِ السَّبِيلِ، فَلِمَنْ تُصْرَفُ إِلَيْهِ الزَّكَاةُ مِنْهُمْ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ، أَخْذًا بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِيهَا.

حَتَّى إِذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، جَعَلَ الْمَالَ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ نِصْفَيْنِ.

وَلَا يُجْعَلُ عَلَى عَدَدِ رُؤُوسِهِمْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَوْصَى لِبَنِي زَيْدٍ، وَبَنِي عَمْرٍو.

وَلَا يَجِبُ أَيْضًا الِاسْتِيعَابُ، بَلْ يَكْفِي الصَّرْفُ إِلَى الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.

وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ.

وَلَوْ دُفِعَ إِلَى اثْنَيْنِ، غَرِمَ، إِمَّا الثُّلُثَ، وَإِمَّا أَقَلَّ مَا يُتَمَوَّلُ كَمَا سَبَقَ فِي «قَسْمِ الصَّدَقَاتِ» .

ثُمَّ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ مَا يَغْرَمُهُ إِلَى ثَالِثٍ، بَلْ يُسَلِّمُهُ إِلَى الْقَاضِي لِيَدْفَعَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِ وَيَأْتَمِنَهُ بِالدَّفْعِ.

ص: 170

فَرْعٌ: الْوَصِيَّةُ لِلْعُلَمَاءِ وَسَائِرِ الْمَوْصُوفِينَ، كَالْوَصِيَّةِ لِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَالْأَفْضَلُ اسْتِيعَابُ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ.

كَمَا فِي الزَّكَاةِ.

فَرْعٌ: لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَهُمْ عَدَدٌ مَحْصُورُونَ، اشْتُرِطَ اسْتِيعَابُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ؛ لِتَعَيُّنِهِمْ.

بَلْ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِمُطْلَقِ الْفُقَرَاءِ.

ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ.

وَفِي جَوَازِ نَقْلِ مَا أَوْصَى بِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، خِلَافٌ سَبَقَ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ.

فَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجُوزُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْصَيْتُ لِلْفُقَرَاءِ - وَفُقَرَاءُ الْبَلَدِ مَحْصُورُونَ - كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لِفُقَرَاءِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ - وَهُمْ مَحْصُورُونَ -، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ أَبَا مَنْصُورٍ ذَكَرَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْغَارِمِينَ، أَنَّهُ يُعْطَى لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ إِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ، فَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ، اسْتُوعِبُوا.

فَإِنِ اقْتَصَرَ الْوَصِيُّ عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ، أَمْ يُضَمَّنُ حِصَّةَ الْبَاقِينَ؟ فِيهِ جَوَابَانِ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، فَالْحِسَابُ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ، أَمْ عَلَى رُؤُوسِهِمْ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مَا سَبَقَ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 171

فَرْعٌ: لَوْ أَوْصَى لِثَلَاثَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَجَبَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ الْمَصْرُوفِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَسَائِرِ الْأَصْنَافِ، لِأَنَّا عَرَفْنَا ذَلِكَ مِنْ مَعْهُودِ الشَّرْعِ فِي الزَّكَاةِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ هُنَا مُضَافٌ إِلَى أَعْيَانِهِمْ.

فَرْعٌ [لَوْ] أَوْصَى لِسَبِيلِ الْبِرِّ، أَوِ الْخَيْرِ، أَوِ الثَّوَابِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَقْفِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْتَ، أَوْ فِيمَا أَرَاكَ اللَّهُ، لَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْ، لَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ.

وَالْأَوْلَى صَرْفُهُ إِلَى أَقَارِبِ الْمُوصِي الَّذِينَ لَا يَرِثُونَهُ، ثُمَّ إِلَى مَحَارِمِهِ مِنَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ إِلَى جِيرَانِهِ.

(الْمَسْأَلَةُ) السَّابِعَةُ: أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ، دَخَلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ، وَالْوَارِثُ وَغَيْرُهُ، وَالْمُحْرِمُ وَغَيْرُهُ، وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، لِشُمُولِ الِاسْمِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ، فَفِي دُخُولِ وَرَثَتِهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يُوصَى لَهُ.

فَعَلَى هَذَا، يَخْتَصُّ بِالْبَاقِينَ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ الصَّيْدَلَانِيِّ.

وَالثَّانِي: الدُّخُولُ؛ لِوُقُوعِ الِاسْمِ، ثُمَّ يَبْطُلُ نَصِيبُهُمْ وَيَصِحُّ الْبَاقِي لِغَيْرِ الْوَرَثَةِ.

وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: يَجِبُ اخْتِصَاصُ الْوَجْهَيْنِ بِقَوْلِنَا: الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ.

فَأَمَّا إِنْ وَقَفْنَاهَا عَلَى الْإِجَازَةِ، فَلْيُقْطَعْ بِالْوَجْهِ الثَّانِي.

ص: 172

قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِهِمَا ; لِأَنْ مَأْخَذَهُمَا أَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا يَدْخُلُ الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ، وَيَدْخُلُ الْأَجْدَادُ وَالْأَحْفَادُ ; لِأَنَّ الْوَالِدَ وَالْوَلَدَ لَا يُعْرَفَانِ بِالْقَرِيبِ فِي الْعُرْفِ، بَلِ الْقَرِيبُ مَنْ يَنْتَمِي بِوَاسِطَةٍ.

وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ.

وَالثَّالِثُ: يَدْخَلُ الْجَمِيعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي.

وَقَدِ ادَّعَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ.

وَيُعْتَبَرُ أَقْرَبُ جَدٍّ يُنْسَبُ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، وَيُعَدُّ أَصْلًا وَقَبِيلَةً فِي نَفْسِهِ، فَيَرْتَقِي فِي بَنِي الْأَعْمَامِ إِلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَنْ فَوْقِهِ.

حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبَ حَسَنِيٍّ، أَوْ أَوْصَى حَسَنِيٌّ لِأَقَارِبَ نَفْسِهِ، لَمْ يَدْخُلِ الْحُسَيْنِيُّونَ، وَكَذَلِكَ وَصِيَّةُ الْمَأْمُونِيِّ لِأَقَارِبِهِ.

وَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ الْمَأْمُونِيِّ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ الْمُعْتَصِمِ وَسَائِرُ الْعَبَّاسِيَّةِ.

وَالْوَصِيَّةُ لِأَقَارِبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي زَمَانِهِ، تُصْرَفُ إِلَى أَوْلَادِ شَافِعٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا أَوْلَادُ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ رضي الله عنهما وَإِنْ كَانَ شَافِعٌ وَعَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ كُلُّهُمْ أَوْلَادَ السَّائِبِ بْنِ عُبَيْدٍ.

وَالشَّافِعِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، بْنِ الْعَبَّاسِ، بْنِ عُثْمَانَ، بْنِ شَافِعٍ، بْنِ السَّائِبِ، بْنِ عُبَيْدٍ، بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ، بْنِ هَاشِمٍ، بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

وَلَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِأَقَارِبَ بَعْضِ أَوْلَادِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ، دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ الشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ شَافِعٍ.

وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ.

فَرْعٌ: إِذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ، فَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا، دَخَلَ قَرَابَةُ الْأَبِ وَالْأُمِّ.

وَإِنْ كَانَ

ص: 173

عَرَبِيًّا، فَوَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا - وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» - دُخُولُهُمْ مِنَ الْجِهَتَيْنِ كَالْعَجَمِ.

وَالثَّانِي: لَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الْأُمِّ، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ، وَ [الْبَغَوِيُّ] ; لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَفْتَخِرُ بِهَا.

فَرْعٌ: لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بَيْنَ قَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لِأَقَارِبِي، أَوْ لِقَرَابَتِي، أَوْ لِذِي قَرَابَتِي، أَوْ ذِي رَحِمِي، أَوْ ذَوِي قَرَابَتِي، أَوْ ذَوِي رَحِمِي، لَكِنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ تَدْخُلُ فِي لَفْظِ الرَّحِمِ بِلَا خِلَافٍ فِي [وَصِيَّةِ] الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ جَمِيعًا.

فَرْعٌ: إِذَا لَمْ يُوجَدْ قَرِيبٌ وَاحِدٌ، صُرِفَ الْمَالُ إِلَيْهِ إِنْ أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ، أَوْ ذِي رَحِمِهِ، أَوْ لِقَرَابَتِهِ ; لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ.

فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ: لِأَقَارِبِي، أَوْ أَقْرِبَائِي، أَوْ ذَوِي قَرَابَتِي، أَوْ ذَوِي رَحِمِي، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.

الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُعْطَى كُلَّ الْمَالِ.

وَالثَّانِي: نِصْفُهُ.

وَالثَّالِثُ: ثُلُثُهُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي.

وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ مَحْصُورَةٌ، قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، وَيَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ.

وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ، فَهُوَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْعَلَوِيَّةِ وَالْقَبَائِلِ الْعَظِيمَةِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّامِنَةُ: أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ، دَخَلَ فِيهَا الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ.

فَإِنِ اجْتَمَعَ أَبٌ وَابْنٌ، فَوَجْهَانِ.

وَقِيلَ: قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: يُسَوَّى بَيْنَهُمَا، لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ، فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ.

وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ

ص: 174

طَوَائِفُ: يُقَدَّمُ الِابْنُ لِقُوَّتِهِ وَعُصُوبَتِهِ.

فَعَلَى هَذَا، الْأَوْلَادُ مُقَدَّمُونَ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، ثُمَّ يَلِيهِمُ الْبَطْنُ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثُ، إِلَى حَيْثُ يَنْتَهُونَ.

وَيَسْتَوِي أَوْلَادُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَحْفَادِ، قُدِّمَ الْأَبَوَانِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ، إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ، يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ.

أَوِ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ، إِنْ لَمْ يُوجَدِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ، فَإِنِ اجْتَمَعَ جَدٌّ وَأَخٌ، قُدِّمَ الْأَخُ عَلَى الْأَظْهَرِ.

وَالثَّانِي: يَسْتَوِيَانِ.

وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْأَخُ قَطْعًا.

وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ، وَالْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ، مَعَ الْأَخِ لِلْأُمِّ وَالْأَخِ لِأَبٍ.

فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسْوِيَةِ، فَالْجَدُّ أَوْلَى مِنِ ابْنِ الْأَخِ.

وَإِنْ قَدَّمْنَا الْأَخَ، فَكَذَا ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ.

وَالْمَذْهَبُ تَقْدِيمُ ابْنِ الْأَخِ عَلَى أَبِي الْجَدِّ.

وَقِيلَ بِطَرْدِ الْخِلَافِ.

ثُمَّ يُقَدَّمُ بَعْدَهُمْ أَوْلَادُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ، وَيُسَاوِيهِمُ الْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ، ثُمَّ أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ.

وَالْأَخُ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، يُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ مِنْ إِحْدَاهِمَا؛ لِزِيَادَةِ قَرَابَتِهِ.

كَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالْإِمَامُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي تَقْدِيمِهِ قَوْلَيْنِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ.

وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ، وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ، يَسْتَوِيَانِ.

وَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامِ، وَالْأَخْوَالِ، وَأَوْلَادِهِمْ.

وَفِي تَقْدِيمِ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةٍ، وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ، تَرْجِيحُهَا فِي الْمِيرَاثِ.

وَيَحْصُلُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ أَوْلَادُ إِخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ وَأَوْلَادُ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، فَالْمَالُ لِوَلَدِ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ وَوَلَدِ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْلَادُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَأَوْلَادُهُمْ مِنَ الْأَبِ وَأَوْلَادُهُمْ مِنَ الْأُمِّ سَوَاءٌ.

هَذَا إِذَا اسْتَوَتِ الدَّرَجَةُ.

فَإِنِ اخْتَلَفَتْ، قُدِّمَ الْأَقْرَبُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ.

فَيُقَدَّمُ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ عَلَى ابْنِ ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ ; لِأَنَّ جِهَةَ الْأُخُوَّةِ وَاحِدَةٌ.

فَرُوعِيَ

ص: 175

قُرْبُ الدَّرَجَةِ.

فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتِ الْجِهَةُ، فَالْبَعِيدُ مِنَ الْجِهَةِ الْقَرِيبَةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنَ الْجِهَةِ الْبَعِيدَةِ.

فَيُقَدَّمُ ابْنُ ابْنِ الِابْنِ عَلَى الْأَخِ.

وَيُقَدَّمُ ابْنُ ابْنِ الْأَخِ وَإِنْ سَفُلَ عَلَى الْعَمِّ.

وَلَا يُرَجَّحُ [فِي] هَذَا الْبَابِ بِالذُّكُورَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى الْوَرَثَةِ، بَلْ يَسْتَوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ، الْأَبُ وَالْأُمُّ.

وَكَذَا الِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَكَذَا الْأَخُ وَالْأُخْتُ، كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ.

وَكُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْقُرْبِ.

فَرْعٌ: أَوْصَى لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَقْرَبِ أَقَارِبِ زَيْدٍ، فَلَا بُدَّ مِنَ الصَّرْفِ إِلَى ثَلَاثَةٍ، فَإِنْ كَانَ [لَهُ] فِي الدَّرَجَةِ الْقُرْبَى ثَلَاثَةٌ، دَفَعَ إِلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ، وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِئَلَّا تَصِيرَ وَصِيَّةً لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمِ الْجِهَةُ.

وَقِيلَ: لَا، فَيَخْتَارُ الْوَصِيُّ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ.

فَإِنْ كَانُوا دُونَ الثَّلَاثَةِ، تَمَّمْنَا الثَّلَاثَةَ مِمَّنْ يَلِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَابْنُ ابْنٍ، دُفِعَ إِلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانَ ابْنٌ، وَابْنُ ابْنٍ، وَابْنُ ابْنِ ابْنٍ، دُفِعَ إِلَيْهِمْ.

وَإِنْ كَانَ ابْنٌ، وَابْنَا ابْنٍ، فَكَذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ ابْنٌ، وَابْنُ ابْنٍ، وَبَنُو ابْنِ ابْنٍ، دُفِعَ إِلَى الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ.

وَهَلْ يُدْفَعُ مَعَهُمَا إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، أَمْ يُعَمَّمُونَ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ.

وَإِذَا قُلْنَا: يُعَمَّمُونَ، فَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ كُلِّ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِمْ.

وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: أَنَّ الثُّلُثَ لِمَنْ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَالثُّلُثُ لِمَنْ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثُّلُثُ لِمَنْ فِي الثَّالِثَةِ.

هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْفَرْعِ: وَكَانَ الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.

ص: 176

قُلْتُ: الصَّوَابُ، مَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: أَوْصَى لِأَقْرَبِ أَقَارِبِ نَفْسِهِ، فَالتَّرْتِيبُ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ وَارِثًا، صَرَفْنَا إِلَى مَنْ يَلِيهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ، إِنْ لَمْ نُصَحِّحِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ، أَوْ صَحَّحْنَاهُمَا فَلَمْ يُجِزْهَا سَائِرُ الْوَرَثَةِ، كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ، لَمْ تَدْخُلِ الْوَرَثَةُ بِقَرِينَةِ الشَّرْعِ.

أَمَّا إِذَا قُلْنَا: يَدْخُلُونَ، وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ، فَهُنَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّدَ الْأَقْرَبُونَ وَيَكُونُ فِيهِمْ وَارِثٌ وَغَيْرُ وَارِثٍ.

(الْمَسْأَلَةُ) التَّاسِعَةُ: آلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَقَطْ، أَمْ جَمِيعُ أُمَّتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.

أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ.

وَلَوْ أَوْصَى لِآلِ غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، لِإِبْهَامِ اللَّفْظِ وَتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْقَرَابَةِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَغَيْرِهِمَا.

وَأَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ؛ لِظُهُورِ أَصْلٍ لَهُ فِي الشَّرْعِ.

وَعَلَى هَذَا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَوَّضَ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ.

فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَصِيٌّ، فَهَلِ الْمُتَّبَعُ رَأْيُ الْحَاكِمِ، أَمِ الْوَصِيِّ؟ حَكَى الْإِمَامُ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ وَالْوَصِيَّ يَتَحَرَّيَانِ مُرَادَ الْمُوصِي أَمْ أَظْهَرَ مَعَانِي اللَّفْظِ بِالْوَضْعِ أَوِ الِاسْتِعْمَالِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: الْمَرْعِيُّ مُرَادُهُ إِنْ أَمْكَنَ الْعُثُورُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا، فَأَظْهَرُ الْمَعَانِي.

ص: 177

قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ فِي أَهْلِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْحَمْلُ عَلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْآلُ.

وَأَصَحُّهُمَا: دُخُولُ الزَّوْجَةِ أَيْضًا.

وَفِي أَهْلِهِ دُونَ لَفْظِ الْبَيْتِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: الْحَمْلُ عَلَى الزَّوْجَةِ فَقَطْ.

وَالثَّانِي: عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.

فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَدَرَتِ الْوَصِيَّةُ مِنِ امْرَأَةٍ، بَطَلَتْ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْوَجْهُ الثَّانِي، أَوْ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ.

وَالْأَرْجَحُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الثَّانِي.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الْعَاشِرَةُ: آبَاءُ فُلَانٍ: أَجْدَادُهُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

وَأُمَّهَاتُهُ: جَدَّاتُهُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.

هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ.

وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: هَذَا.

وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ: لَا يَدْخُلُ الْأَجْدَادُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فِي الْآبَاءِ، وَلَا الْجَدَّاتُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فِي الْأُمَّهَاتِ.

وَلَا خِلَافَ فِي شُمُولِ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ الطَّرَفَيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ.

(الْمَسْأَلَةُ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الْأُخْتَانِ أَزْوَاجُ الْبَنَاتِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَزْوَاجُ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ.

وَفِي أَزْوَاجِ الْأَخَوَاتِ وَجْهَانِ.

أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ: الْمَنْعُ.

وَيَدْخُلُ أَزْوَاجُ الْحَوَافِدِ إِنْ قُلْنَا بِدُخُولِ الْأَحْفَادِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَوْلَادِ.

وَفِي وَجْهٍ: يَدْخُلُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ.

ثُمَّ الِاعْتِبَارُ بِكَوْنِهِ زَوْجَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ.

فَلَوْ كَانَتْ خَلِيَّةً يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، مَنْكُوحَةً يَوْمَ الْمَوْتِ، اسْتَحَقَّ زَوْجُهَا.

وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، مُطْلَقَةً يَوْمَ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، اسْتَحَقَّ، وَإِلَّا،

ص: 178

فَلَا.

وَإِنْ أَبَانَهَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ، اسْتَحَقَّ إِنْ قُلْنَا: يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَوْتِ أَوْ مَوْقُوفَةٌ.

وَإِنْ قُلْنَا: بِالْقَبُولِ، فَوَجْهَانِ.

وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ.

فَرْعٌ: أَحْمَاءُ الرَّجُلِ أَبَوَا زَوْجَتِهِ.

وَفِي دُخُولِ أَجْدَادِهَا وَجَدَّاتِهَا تَرَدُّدٌ حَكَاهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَدْخُلُ أَبَوَا زَوْجَةِ الْأَبِ، وَأَبَوَا زَوْجَةِ الِابْنِ، وَالْأَصْهَارُ كَالْأَحْمَاءِ، كَذَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

وَفِي أَمَالِي السَّرَخْسِيِّ: أَنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنَ الْمَحَارِمِ، فَأَبُو زَوْجَتِهِ حَمْوٌ.

وَأَنَّ الْأَصْهَارَ يَشْمَلُ الْأُخْتَانِ وَالْأَحْمَاءَ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: يَدْخُلُ فِي الْمَحَارِمِ كُلُّ مَحْرَمٍ بِالنَّسَبِ، أَوْ بِالرَّضَاعِ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ.

فَرْعٌ: الْأَوْلَادُ، وَالذُّرِّيَّةُ، وَالْعَقِبُ، وَالنَّسْلُ، وَالْعِتْرَةُ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَقْفِ.

فَرْعٌ: قَالَ: لِوَرَثَةِ فُلَانٍ، فَلِمَنْ وَرِثَهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ بِالسَّوِيَّةِ،

ص: 179

لَا عَلَى مَقَادِيرِ الْإِرْثِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ، وَصُرِفَ مَالُهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.

وَإِنْ وَرِثَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِالرَّدِّ، اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِسْطَهَا فِي الْآخَرِ.

وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي، وَبَقِيَ الَّذِي أَوْصَى لِوَرَثَتِهِ أَوْ عَقِبِهِ حَيًّا، فَالْمَنْقُولُ عَنِ الْأَصْحَابِ: بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ، وَلَا يَعْقُبُهُ أَحَدٌ فِي حَيَاتِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ: الظَّاهِرُ عِنْدِي صِحَّتُهَا فِي لَفْظِ الْعَقِبِ إِنْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ عَقِبَهُ فِي حَيَاتِهِ.

قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا مُحْتَمَلٌ فِي لَفْظِ الْوَرَثَةِ.

وَعَلَى هَذَا، فَيُوقَفُ إِلَى أَنْ يَمُوتَ فَيُتَبَيَّنُ مَنْ يَرِثُهُ.

قُلْتُ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي الْعَقِبِ، هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَجَعَلَهُ مَذْهَبَنَا، وَجَعَلَ الْبُطْلَانَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَوْصَى لِعَصَبَةِ فُلَانٍ، لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَوْنُ فُلَانٍ مَيِّتًا يَوْمَ [مَوْتِ] الْمُوصِي قَطْعًا، بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ فِي لَفْظِ الْوَرَثَةِ وَالْعَقِبِ.

ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ بِالتَّعْصِيبِ، أَوْلَادُهُمْ بِالْوَصِيَّةِ.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَقْفِ.

فَإِنْ كَانَ لَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى، وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ، فَفِيهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ، وَفِي قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةٍ الْبُوَيْطِيِّ: يُوقَفُ إِلَى الِاصْطِلَاحِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَحَدُهُمَا، فَيُصْرَفُ الْمَالُ إِلَيْهِ.

فَإِنِ اقْتَضَى الْحَالُ الْحَمْلَ عَلَى الْأَسْفَلِ، أَوْ صَرَّحَ بِهِ، اسْتَحَقَّ كُلُّ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِتَبَرُّعٍ، أَوْ مِلْكٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ.

وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَهُمَا يَعْتِقَانِ بِمَوْتِهِ وَجْهَانِ.

ص: 180

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: لَا يَدْخُلَانِ، إِذْ لَيْسَا مِنَ الْمَوَالِي، لَا حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَلَا حَالَ الْمَوْتِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: يَتَامَى الْقَبِيلَةِ، هُمُ الصِّبْيَانُ الْفَاقِدُونَ لِآبَائِهِمْ.

وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِيهِمْ، وَجْهَانِ.

أَشْبَهُهُمَا مَا قِيلَ فِي الْغَنِيمَةِ: نَعَمْ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مَنْصُورٍ.

ثُمَّ إِنِ انْحَصَرُوا، وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ، وَإِلَّا، جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ.

فَرْعٌ: الْعُمْيَانُ، وَالزَّمْنَى، كَالْأَيْتَامِ فِي التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ.

قُلْتُ: قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ فِي الزَّمْنَى، قَالَ: وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ السُّجُونِ، وَلِلْغَارِمِينَ، وَتَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَحَفْرِ الْقُبُورِ، وَيَدْخُلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ.

وَالْمُخْتَارُ طَرْدُ الْخِلَافِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اسْمُ الْأَرَامِلِ، يَقَعُ عَلَى مَنْ مَاتَ زَوْجُهَا، وَالْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمَبْتُوتَةُ دُونَ الرَّجْعِيَّةِ، وَالْأَيَامَى غَيْرُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ، هَذِهِ عِبَارَةُ الْأُسْتَاذِ، وَبِهَا أَخَذَ الْإِمَامُ وَقَالَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْمَلَةَ: مَنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَالْأَيِّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَقَدُّمُ زَوْجٍ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخُلُوِّ عَنِ الزَّوْجِ فِي الْحَالِ.

وَعِبَارَةُ صَاحِبَيِ «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» : لَا يُعْتَبَرُ تَقَدُّمُ زَوْجٍ فِي الْأَرْمَلَةِ.

وَفِي اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْأَيْتَامِ.

وَقَطَعَ الْإِمَامُ بِالِاشْتِرَاطِ هُنَا.

وَفِي دُخُولِ رَجُلٍ لَا زَوْجَةَ لَهُ فِي الْأَرَامِلِ وَجْهَانِ.

ص: 181

قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَخْصِيصُ الْأَرْمَلَةِ بِمَنْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا، وَنَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ فِي الْعُرْفِ.

وَالْأَصَحُّ: أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَرَامِلِ.

وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: ثَيِّبُ الْقَبِيلَةِ: النِّسَاءُ دُونَ الرِّجَالِ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَعَلَى الثَّانِي: يَدْخُلُ الرِّجَالُ الَّذِينَ أَصَابُوا.

وَفِي الْأَبْكَارِ هَذَا الْخِلَافُ.

(الْمَسْأَلَةُ) الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: الْمُعْتَبَرُونَ مِنَ الْأَقَارِبِ، هُمُ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ وَلَا يَسْأَلُونَ، وَذَوُو الْقُنُوعِ: الَّذِينَ يَسْأَلُونَ.

(الْمَسْأَلَةُ) السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: غِلْمَانُ الْقَبِيلَةِ، وَصِبْيَانُهُمْ، وَالْأَطْفَالُ، وَالذَّرَارِيُّ: هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا.

وَاخْتَلَفُوا فِي الشُّيُوخِ، وَالشُّبَّانِ، وَالْفَتَيَانِ، فَفِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ: أَنَّ الشُّيُوخَ: مَنْ جَاوَزُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَالْفِتْيَانُ وَالشُّبَّانُ: مَنْ جَاوَزَ الْبُلُوغَ إِلَى الثَّلَاثِينَ.

وَالْمَفْهُومُ مِنْهُ، أَنَّ الْكُهُولَ: مِنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ.

وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إِلَى اللُّغَةِ، وَاعْتِبَارِ لَوْنِ الشَّعْرِ فِي السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالِاخْتِلَاطِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَمْزِجَةِ النَّاسِ.

قُلْتُ: هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ «الْمُهَذَّبِ» «وَالتَّهْذِيبِ» قَالَهُ أَيْضًا آخَرُونَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ.

وَصَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْكُهُولَ: مَنْ جَاوَزَ ثَلَاثِينَ إِلَى أَرْبَعِينَ.

وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: إِنَّهُ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ.

لَكِنْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: إِنَّهُ يَبْقَى حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ.

وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي «تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ» .

وَمِنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا سَبَقَ، لَوْ أَوْصَى لِلْحَجِيجِ،

ص: 182