الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
تَزْوِيجُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْمُوصَى بِهِمَا، وَإِجَارَتُهُمَا، وَخِتَانُهُمَا، وَتَعْلِيمُهُمَا، وَالْإِعَارَةُ، وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ، وَالِاسْتِخْدَامُ، وَرُكُوبُ الدَّابَّةِ، وَلُبْسُ الثَّوْبِ، لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ مَعَ الْعَزْلِ، لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَكَذَا مَعَ الْإِنْزَالِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: رُجُوعٌ.
فَرْعٌ
أَوْصَى بِعَرْصَةٍ ثُمَّ زَرَعَهَا، فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ كَلُبْسِ الثَّوْبِ. وَلَوْ بَنَى فِيهَا أَوْ غَرَسَ، فَرُجُوعٌ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ رُجُوعًا، فَمَوْضِعُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ هَلْ هُوَ كَالْبَيَاضِ الْمُتَخَلَّلِ حَتَّى يَأْخُذَهُ الْمُوصَى لَهُ إِنْ زَالَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ يَوْمًا؟ أَمْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ تَبَعًا لِلْبِنَاءِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَمُطْلَقُ عِمَارَةِ الدَّارِ، لَيْسَ بِرُجُوعٍ. فَإِنْ بَطَلَ الِاسْمُ، بِأَنْ جَعَلَهَا خَانًا، فَرُجُوعٌ. وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ، وَلَكِنْ أَحْدَثَ فِيهَا بِنَاءً وَبَابًا مِنْ عِنْدِهِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ بَنَى فِي الْأَرْضِ. فَإِنْ لَمْ نَجْعَلْهُ رُجُوعًا، فَالْبِنَاءُ الْجَدِيدُ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ.
فَصْلٌ
أَوْصَى بِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ بِمِائَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَهُ الْمَائَتَانِ. وَإِنْ أَطْلَقَ إِحْدَاهُمَا، حُمِلَتِ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مِائَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى بِخَمْسِينَ، ثُمَّ بِمِائَةٍ، فَلَهُ مِائَةٌ. وَلَوْ أَوْصَى بِمِائَةٍ، ثُمَّ بِخَمْسِينَ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَيْسَ لَهُ إِلَّا خَمْسُونَ. وَالثَّانِي: لَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ.
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْأَوْصِيَاءِ
الْوِصَايَةُ مُسْتَحَبَّةٌ فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ. قُلْتُ: هِيَ فِي رَدِّ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا فِي الْحَالِ وَاجِبَةٌ.
فَإِنْ لَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ نَصَّبَ الْقَاضِي مَنْ يَقُومُ بِهَا. وَأَغْرَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فَحَكَى وَجْهًا، أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ رَشِيدٌ، قَامَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَإِنْ لَمْ يُنَصِّبْهُ الْقَاضِي.
وَلِلْوِصَايَةِ أَرْكَانٌ وَأَحْكَامٌ، أَمَّا أَرْكَانُهَا، فَأَرْبَعَةٌ.
[الرُّكْنُ] الْأَوَّلُ: الْوَصِيُّ، وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ، وَهِيَ: التَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْكِفَايَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ. فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ، وَالْمُكَاتِبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِمْ. وَفِي مُسْتَوْلَدَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْوَصِيِّ تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ، أَمْ حَالَةَ الْمَوْتِ؟ وَلَا يَجُوزُ وِصَايَةُ مُسْلِمٍ إِلَى ذِمِّيٍّ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَتَجُوزُ وِصَايَةُ الذِّمِّيِّ إِلَى الذِّمِّيِّ عَلَى الْأَصَحِّ بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ فِي دِينِهِ، وَلَا تَجُوزُ إِلَى فَاسِقٍ وَلَا إِلَى عَاجِزٍ عَنِ التَّصَرُّفِ لَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَرُبَّمَا دَلَّ كَلَامُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْأَخِيرَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
وَتَجُوزُ الْوِصَايَةُ إِلَى أَعْمَى عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا، فَتَكُونُ الشُّرُوطُ سِتَّةً. وَزَادَ الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ شَرْطًا سَابِعًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصِيُّ عَدُوًّا لِلطِّفْلِ الَّذِي يُفَوَّضُ أَمْرُهُ إِلَيْهِ، وَحَصَرُوا الشُّرُوطَ كُلَّهَا بِلَفْظٍ مُخْتَصَرٍ فَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ بِحَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ. وَكُلُّ مَا اعْتُبِرَ مِنَ الشُّرُوطِ، فَفِي وَقْتِ اعْتِبَارِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا: يُعْتَبَرُ حَالُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَالثَّانِي: عِنْدَ الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا. وَالثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ فِي الْحَالَتَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا.
فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَصِيِّ الذُّكُورَةُ، بَلْ يَجُوزُ التَّفْوِيضُ إِلَى الْمَرْأَةِ، وَإِذَا حَصَلَتِ الشُّرُوطُ فِي أُمِّ الْأَطْفَالِ، فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا، أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْوِصَايَةُ إِلَيْهَا، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ الطَّرْدُ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ.
فَرْعٌ
إِذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ مَتَى تُعْتَبَرُ؟ وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْدَ مَوْتِهِ، نُظِرَ، إِنْ فَسَقَ، إِمَّا بِتَعَدٍّ فِي الْمَالِ، وَإِمَّا بِسَبَبٍ آخَرَ، بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ حَتَّى يَعْزِلَهُ الْحَاكِمُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَفِي مَعْنَاهُ قَيِّمُ الْقَاضِي. وَفِي بُطْلَانِ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْبُطْلَانُ. وَالثَّانِي: لَا، كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، إِذَا فَسَقَا، انْتَزَعَ الْحَاكِمُ مَالَ الطِّفْلِ مِنْهُمَا.
وَلَا تَبْطُلُ وِلَايَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ بِالْفِسْقِ، لِتَعَلُّقِ الْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ بِوِلَايَتِهِ؛ بَلْ تَجُوزُ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً، إِذَا دَعَتْ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ، لَكِنْ لَوْ أَمْكَنَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ إِذَا فَسَقَ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ، اسْتُبْدِلَ. وَفِيهِ وَجْهٌ، أَنَّهَا تَبْطُلُ أَيْضًا، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَإِذَا تَابَ الْفَاسِقُ وَصَلَحَتْ حَالُهُ، فَهَلْ تَعُودُ وِلَايَتُهُ؟ أَمَّا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ، فَلَا تَعُودُ وِلَايَتُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، تَعُودُ وِلَايَتُهُمَا، وَالْقَاضِي كَالْوَصِيِّ. وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ قَدْ أَتْلَفَ مَالًا، لَمْ يَبْرَأْ عَنْ ضَمَانِهِ حَتَّى يَدْفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ إِنْ وَلَّاهُ. فَإِنْ كَانَ أَبًا، قَبَضَ الْمَضْمُونَ مِنْ نَفْسِهِ لِوَلَدِهِ، وَلَيْسَ مِنَ التَّعَدِّي أَكْلُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ مَالَ الطِّفْلِ لِضَرُورَةٍ، لَكِنْ إِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ، فَطَرِيقُ الْبَرَاءَةِ مَا ذَكَرْنَا.
فَرْعٌ
تَصَرُّفَاتُ الْوَصِيِّ بَعْدَ الِانْعِزَالِ بَاطِلَةٌ. قَالَ الْقَفَّالُ: لَكِنْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَالْعَوَارِي وَالْوَدَائِعِ وَقَضَاءُ الدُّيُونِ مِنْ جِنْسِهَا فِي التَّرِكَةِ، لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمُسْتَحَقِّ فِيهَا كَافٍ.
فَرْعٌ
إِذَا جُنَّ الْمُوصِي، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، أَقَامَ الْحَاكِمُ غَيْرَهُ مَقَامَهُ. فَإِنْ أَفَاقَ، فَهَلْ يَبْقَى عَلَى وِلَايَتِهِ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ إِذَا أَفَاقُوا؟ أَمْ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ يَلِي بِالتَّفْوِيضِ كَالتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَبِخِلَافِ الْإِمَامِ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَاضِي إِذَا أَفَاقَ. وَإِذَا أَفَاقَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بَعْدَمَا وُلِّيَ غَيْرُهُ، فَالْوِلَايَةُ لِلثَّانِي، إِلَّا أَنْ تَثُورَ فِتْنَةٌ، فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.
فَرْعٌ
لَوِ اخْتَلَّتْ كِفَايَةُ الْوَصِيِّ، بِأَنْ ضَعُفَ عَنِ الْكِتَابَةِ وَالْحِسَابِ، أَوْ سَاءَ تَدْبِيرُهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ، ضَمَّ الْقَاضِي إِلَيْهِ مَنْ يُعِينُهُ وَيُرْشِدُهُ. وَلَوْ عَرَضَ ذَلِكَ لِقَيِّمِ الْقَاضِي، عَزَلَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَلَّاهُ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمُوصِي، فَإِنْ كَانَتِ الْوِصَايَةُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، صَحَّتْ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ. وَإِنْ كَانَتْ فِي أُمُورِ الْأَطْفَالِ، اشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي وِلَايَةٌ عَلَى الْمُوصَى فِي حَقِّهِ مِنَ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ ابْتِدَاءً مِنَ الشَّرْعِ، لَا بِتَفْوِيضٍ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
إِحْدَاهَا: أَنَّ الْوَصِيَّ هَلْ يُوصِي؟ فِيهِ صُوَرٌ.
إِحْدَاهَا: لَيْسَ لِلْمُوصِي فِي الْوِصَايَةِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يُوصِيَ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ابْنِي فُلَانٌ، أَوْ يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ، فَهُوَ الْوَصِيُّ. أَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ سَنَةً وَبَعْدَهَا وَصِيِّي فُلَانٌ، فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَتَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةُ التَّعْلِيقَ كَمَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ وَالْأَخْطَارَ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ خِلَافًا كَتَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ، وَبِالْمَنْعِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ: لَوْ قَالَ: إِذَا مِتُّ فَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ إِذَا مِتُّ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، فَإِذَا حَضَرَكَ الْمَوْتُ فَقَدْ أَوْصَيْتُ [إِلَى مَنْ أَوْصَيْتَ] إِلَيْهِ، أَوْ فَوَصِيُّكَ وَصِيِّي، فَبَاطِلَةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: قَطْعًا. وَقِيلَ: صَحِيحَةٌ قَطْعًا.
الثَّالِثَةُ: أَوْصَى إِلَى زَيْدٍ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الْوِصَايَةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يُعَيِّنْ، بَلْ قَالَ: أَوْصِ بِتَرِكَتِي إِلَى مَنْ شِئْتَ، فَأَوْصَى بِهَا إِلَى شَخْصٍ، صَحَّ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَقِيلَ: قَطْعًا. وَإِنْ عَيَّنَ فَقَالَ: أَوْصِ بِهَا إِلَى فُلَانٍ، فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ قَطْعًا، لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ بَعْدَهُ إِلَى فُلَانٍ.
فَرْعٌ
لَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ: أَوْصِ إِلَى مَنْ شِئْتَ، أَوْ إِلَى فُلَانٍ، وَلَمْ يُضِفْ إِلَى نَفْسِهِ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْوِصَايَةِ عَنْهُ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ؟ أَمْ يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُوصِي عَنْهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيُّ، وَقَالَ: الْأَصَحُّ الثَّانِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ نَصْبُ وَصِيٍّ عَلَى الْأَوْلَادِ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَهُمْ. وَأَمَّا الْمَجَانِينُ، فَتَجُوزُ الْوِصَايَةُ فِي أَمْرِهِمْ كَالصِّبْيَانِ، وَلَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ لِقَضَاءِ
الدَّيْنِ وَالْوَصَايَا. وَإِذَا نَصَبَهُ لِذَلِكَ، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِلْزَامِ الْوَرَثَةِ تَسْلِيمَ التَّرِكَةِ لِتُبَاعَ فِي الدَّيْنِ، بَلْ لَهُمْ إِمْسَاكُهَا وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ. فَلَوِ امْتَنَعُوا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالْقَضَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ، أَلْزَمَهُمْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ. هَذَا إِذَا أَطْلَقَ الْوِصَايَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. فَإِنْ قَالَ: ادْفَعْ هَذَا الْعَبْدَ إِلَيْهِ عِوَضًا عَنْ دَيْنِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَرَثَةِ إِمْسَاكُهُ؛ لِأَنَّ فِي أَعْيَانِ الْأَمْوَالِ أَغْرَاضًا. وَلَوْ قَالَ: بِعْهُ وَاقْضِ الدَّيْنَ مِنْ ثَمَنِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمُ الْإِمْسَاكُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَطْيَبَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ نَصْبُ الْوَصِيِّ فِي حَيَاةِ الْجَدِّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ شَرْعًا كَوِلَايَةِ التَّزْوِيجِ. هَذَا فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ، فَأَمَّا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ وَالْوَصَايَا، فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْوَصِيُّ أَوْلَى مِنَ الْجَدِّ. وَلَوْ لَمْ يُنَصِّبْ وَصِيًّا، فَأَبُوهُ أَوْلَى بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَمْرِ الْأَطْفَالِ، وَالْحَاكِمُ أَوْلَى بِتَنْفِيذِ الْوَصَايَا، كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
الرَّابِعَةُ: لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ الْوِصَايَةُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ، وَلَا لِلْأُمِّ إِلَّا عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَنَّهَا تَلِي فَتُوصِي.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُوصَى فِيهِ، وَهُوَ التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ الْمُبَاحَةُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْوِصَايَةُ بِقَضَاءِ الدُّيُونِ، وَتُنَفَّذُ فِي الْوَصَايَا وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ، وَلَا تَجُوزُ فِي تَزْوِيجِ الْأَطْفَالِ، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ، كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ وَكُتُبِ التَّوْرَاةِ. وَذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ، أَنَّ الْوِصَايَةَ لَا تَجْرِي فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ، وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ بِعَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِأَعْيَانِهَا فَيَأْخُذُهَا أَصْحَابُهَا، وَإِنَّمَا يُوصِي فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، كَالْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مَوْضِعُ تَوَقُّفٍ نَقْلًا وَمَعْنًى.
أَمَّا النَّقْلُ، فَمَا سَيَأْتِي فِي بَقِيَّةِ الْبَابِ وَفِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ قَالُوا: إِنْ أَوْصَى إِلَى فَاسِقٍ، ضَمِنَ. وَأَمَّا الْمَعْنَى، فَلِأَنَّهُ قَدْ يُخَافُ خِيَانَةُ الْوَارِثِ.
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ، فَلَا بُدَّ فِي الْوِصَايَةِ مِنَ الْإِيجَابِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، أَوْ فَوَّضْتُ، أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّوْقِيتُ كَمَا سَبَقَ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيقِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ سَنَةً، أَوْ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ابْنِي فُلَانٌ، أَوْ أَوْصَى إِلَى زَوْجَتِهِ إِلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ.
وَأَمَّا الْقَبُولُ، فَالْمَذْهَبُ اشْتِرَاطُهُ، وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى خِلَافٍ فِيهِ. وَهَلْ يَقُومُ عَمَلُ الْوَصِيِّ مَقَامَ لَفْظِ قَبُولِهِ؟ وَجْهَانِ. وَكُلُّ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَكَالَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي. فَلَوْ قِيلَ فِي حَيَاتِهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمَالٍ، يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقِيلَ: يُعْتَدُّ بِهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِعَمَلٍ يَتَأَخَّرُ، يَصِحُّ الْقَبُولُ فِي الْحَالِ. وَالرَّدُّ فِي حَيَاةِ الْوَصِيِّ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ، لَوْ رَدَّ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، جَازَ، وَلَوْ رَدَّ بَعْدَ الْمَوْتِ، لَغَتِ الْوِصَايَةُ.
فَرْعٌ
إِنْ فَصَّلَ فَقَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ فِي قَضَاءِ دُيُونِي وَتَنْفِيذِ وِصَايَاتِي وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ أَطْفَالِي وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِمْ، أَوْ ذَكَرَ بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، فَذَاكَ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، أَوْ أَقَمْتُكَ مَقَامِي فِي أَمْرِ أَطْفَالِي، وَلَمْ يَذْكُرِ التَّصَرُّفَ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: لَهُ التَّصَرُّفُ وَالْحِفْظُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعُرْفِ. وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْحِفْظُ تَنْزِيلًا عَلَى الْأَقَلِّ. وَالثَّالِثُ: لَا تَصِحُّ الْوِصَايَةُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا فَوَّضَهُ إِلَيْهِ. وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكَ، فَبَاطِلَةٌ قَطْعًا.
فَرْعٌ
لَوِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، فَأَوْصَى بِالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابُ الْوِصَايَةِ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، صَحَّتِ الْوِصَايَةُ كَالْأَخْرَسِ.
فَرْعٌ
أَوْصَى إِلَيْهِ فِي تَصَرُّفٍ، لَا يَتَعَدَّاهُ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إِلَى اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَنْ يُوصِيَ إِلَى وَاحِدٍ وَيُنَصِّبَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، وَلَا يَتَصَرَّفَ الْوَصِيُّ إِلَّا بِإِذْنِهِ. ثُمَّ إِذَا أَوْصَى إِلَى اثْنَيْنِ، إِنْ كَانَتْ فِي رَدِّ الْوَدَائِعِ أَوِ الْغُصُوبِ وَالْعَوَارِي وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مُسْتَقِلٌّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالْأَخْذِ. هَكَذَا نَقَلَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَرَّحُوا فِيهَا بِجَرَيَانِ الْوِصَايَةِ فِي رَدِّ الْغُصُوبِ وَالْعَوَارِي، خِلَافَ مَا قَالَتْهُ تِلْكَ الطَّائِفَةُ. ثُمَّ وُقُوعُ الْمَدْفُوعِ مَوْقِعَهُ، وَعَدَمُ الرَّدِّ وَالنَّقْصِ عِنْدَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا، بَيِّنٌ، لَكِنَّ تَجْوِيزَ الِانْفِرَادِ لَيْسَ بِبَيِّنٍ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُمَا فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ مُسْتَفَادٌ بِالْوِصَايَةِ، فَلْيَكُنْ بِحَسَبِهَا، وَلْتَجِئْ فِيهِ الْأَحْوَالُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَسَتَجِدُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا هُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْتُهُ.
وَإِنْ كَانَتِ الْوِصَايَةُ فِي تَفْرِقَةِ الثُّلُثِ وَأُمُورِ الْأَطْفَالِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَلَهَا أَحْوَالٌ.