المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَدِيعَةً يَوْمًا، وَعَارِيَةً يَوْمًا، فَهُوَ وَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَعَارِيَةٌ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٦

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَّلً

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِنَصِيبَيْنِ مَعَ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ بَعْدَ كُلِّ نَصِيبٍ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصُلٌ: فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَنْهُ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِمَّا تَبَقَّى مِنَ الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِمَّا تَبَقَّى مِنْ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ وَبِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْ بَاقِي الْمَالِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ أَوْ عَدَدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ، إِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ وَارِثٍ آخَرَ أَوْ عَدَدٍ مِنْهُمْ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَصِيبِ وَارِثٍ آخَرَ مِنْهُ وَجُزْءٍ شَائِعٍ أَيْضًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْمِلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مُسْتَثْنًى مِنَ التَّكْمِلَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا الْمُتَعَرِّضَةِ لِلْجُذُورِ وَالْكِعَابِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوَصَايَا الْمُتَعَرِّضَةِ لِمُقَدَّرٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَغَيْرِهِمَا

- ‌فَصْلٌ فِي نَوَادِرِ الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ مَعَ حُدُوثِ زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ

- ‌فَصْلٌ مُحَابَاةُ الْمُشْتَرِي تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ كَمُحَابَاةِ الْبَائِعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ وَمِنْهَا الْهِبَةُ، فَإِذَا وَهَبَ مَرِيضٌ عَبْدًا، ثُمَّ رَجَعَ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ إِلَى الْوَاهِبِ بِهِبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، دَارَتِ الْمَسْأَلَةُ ; لِأَنَّ التَّرِكَةَ تَزِيدُ بِقَدْرِ الرَّاجِعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ قِسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: وَدِيعَةً يَوْمًا، وَعَارِيَةً يَوْمًا، فَهُوَ وَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَعَارِيَةٌ

وَدِيعَةً يَوْمًا، وَعَارِيَةً يَوْمًا، فَهُوَ وَدِيعَةٌ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَعَارِيَةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، ثُمَّ لَا تَعُودُ وَدِيعَةً أَبَدًا، حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَحْرِ عَنِ اتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ.

‌فَصْلٌ

إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَفَقَدَ التَّمْيِيزَ، ضَمِنَ، وَإِنْ خَلَطَهَا بِمَالٍ آخَرَ لِلْمَالِكِ، ضَمِنَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ خِيَانَةٌ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ مِنْهَا دِرْهَمًا، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ، لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ إِلَّا بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنِ الْبَاقِي، صَارَ الْجَمِيعُ مَضْمُونًا، لِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِ نَفْسِهِ. فَإِنْ تَمَيَّزَ، فَالْبَاقِي غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقِ الدِّرْهَمَ الْمَأْخُوذَ، وَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ ضَمَانِ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ، وَلَا يَصِيرُ الْبَاقِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ إِنْ تَمَيَّزَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ الْبَاقِي مَضْمُونًا لِخَلْطِهِ الْمَضْمُونَ بِغَيْرِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْخَلْطَ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الْأَخْذِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ عَشَرَةً فَتَلِفَتْ، لَمْ يَلْزَمْهُ إِلَّا دِرْهَمٌ، وَلَوْ تَلِفَتْ خَمْسَةٌ، لَزِمَهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّرَاهِمِ خَتْمٌ وَلَا قُفْلٌ، أَوْ كَانَ وَقُلْنَا: مُجَرَّدُ الْفَتْحِ وَالْفَضِّ لَا يَقْتَضِي الضَّمَانَ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا: يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَبِالْفَضِّ وَالْفَتْحِ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ.

فَرْعٌ

إِذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اتِّصَالٌ بِالْبَاقِي، كَأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ، لَمْ يَضْمَنْ إِلَّا الْمُتْلَفَ. وَإِنْ كَانَ لَهُ اتِّصَالٌ، كَتَحْرِيقِ الثَّوْبِ، وَقَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ، نُظِرَ إِنْ كَانَ عَامِلًا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى الْكُلِّ، فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ. وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا، ضَمِنَ الْمُتْلَفَ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَاقِيَ عَلَى الْأَصَحِّ.

ص: 336

السَّبَبُ السَّابِعُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْحِفْظِ. فَإِذَا أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَعَدَلَ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ وَتَلِفَتْ، فَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِسَبَبِ الْجِهَةِ الْمَعْدُولِ إِلَيْهَا، ضَمِنَ، وَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ تَقْصِيرًا. وَإِنْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَلَا ضَمَانَ.

هَذِهِ جُمْلَةُ السَّبَبِ، وَلِتَفْصِيلِهَا صُوَرٌ.

إِحْدَاهَا: أَوْدَعَهُ مَالًا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ: لَا تَرْقُدْ، فَرَقَدَ عَلَيْهِ، نُظِرَ، إِنْ خَالَفَ بِالرُّقُودِ، بِأَنِ انْكَسَرَ رَأْسُ الصُّنْدُوقِ بِثِقَلِهِ، أَوْ تَلِفَ مَا فِيهِ، ضَمِنَ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ، أَوْ فِي صَحْرَاءَ فَأَخَذَهُ لِصٌّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا. وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ وَأَخَذَهُ لِصٌّ مِنْ جَانِبِ الصُّنْدُوقِ، ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا، إِذَا سُرِقَ مِنْ جَانِبٍ لَوْ لَمْ يَرْقُدْ عَلَيْهِ لَرَقَدَ هُنَاكَ، وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا الْقَيْدِ.

وَلَوْ قَالَ: لَا تُقْفِلْ عَلَيْهِ، فَأَقْفَلَ، أَوْ لَا تُقْفِلْ إِلَّا قُفْلًا، فَأَقْفَلَ قُفْلَيْنِ، أَوْ لَا تُغْلِقْ بَابَ الْبَيْتِ، فَأَغْلَقَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ أَمَرَهُ بِدَفْنِهَا فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: لَا تَبْنِ، فَبَنَى، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: لَا تَرْقُدْ عَلَيْهِ، فَرَقَدَ، ثُمَّ هُوَ عِنْدَ الِاسْتِرْدَادِ مَنْقُوصٌ غَيْرُ مَغْرُومٍ عَلَى الْمَالِكِ، كَمَا لَوْ نَقَلَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي ((عُيُونِ الْمَسَائِلِ)) .

[الصُّورَةُ] الثَّانِيَةُ: أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا وَقَالَ: ارْبُطْهَا فِي كُمِّكَ، فَأَمْسَكَهَا، نَقَلَ الْمُزَنِيُّ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ. وَنَقَلَ الرَّبِيعُ: أَنَّهُ يَضْمَنُ. وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: إِطْلَاقُ قَوْلَيْنِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرْبِطْهَا فِي الْكُمِّ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْإِمْسَاكِ، ضَمِنَ، وَإِنْ أَمْسَكَ بِالْيَدِ بَعْدَ الرَّبْطِ، لَمْ يَضْمَنْ، وَالثَّالِثُ - وَهُوَ أَصَحُّهَا: إِنْ تَلِفَتْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْيَدَ أَحْرَزُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ. وَإِنْ سَقَطَتْ بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا

ص: 337

لَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً لَمْ تَضِعْ بِهَذَا السَّبَبِ، فَالتَّلَفُ حَصَلَ بِالْمُخَالَفَةِ. وَلَفْظُ النَّصِّ فِي ((عُيُونِ الْمَسَائِلِ)) مُصَرِّحٌ بِهَذَا التَّفْصِيلِ. وَلَوْ لَمْ يَرْبِطْهَا فِي الْكُمِّ وَجَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ، إِلَّا إِذَا كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَضْمَنُ، وَبِالْعَكْسِ يَضْمَنُ قَطْعًا. أَمَّا إِذَا امْتَثَلَ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ، فَلَا يُكَلَّفُ مَعَهُ الْإِمْسَاكَ بِالْيَدِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ الرَّابِطَ خَارِجَ الْكُمِّ فَأَخَذَهَا الطَّرَّارُ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ الْوَدِيعَةِ وَتَنْبِيهَ الطَّرَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ فِي قَطْعِهِ وَحَلِّهِ. وَإِنْ ضَاعَ بِالِاسْتِرْسَالِ وَانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ، لَمْ يَضْمَنْ إِذَا كَانَ قَدِ احْتَاطَ فِي الرَّبْطِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا انْحَلَّتْ بَقِيَتِ الدَّرَاهِمُ فِي الْكُمِّ.

وَإِنْ جَعَلَ الْخَيْطَ الرَّابِطَ دَاخِلَ الْكُمِّ، انْعَكَسَ الْحُكْمُ. فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّرَّارُ، لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ ضَاعَتْ بِالِاسْتِرْسَالِ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ إِذَا انْحَلَّتْ تَنَاثَرَتِ الدَّرَاهِمُ، هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مُطْلَقُ الرَّبْطِ. فَإِذَا أَتَى بِهِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى جِهَاتِ التَّلَفِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا عَدَلَ عَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَحَصَلَ بِهِ التَّلَفُ.

فَرْعٌ

لَوْ أَوْدَعَهُ دَرَاهِمَ فِي سُوقٍ أَوْ طَرِيقٍ، وَلَمْ يَقُلْ: ارْبُطْهَا فِي كُمِّكَ، وَلَا أَمْسِكْهَا فِي يَدِكَ، فَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ وَأَمْسَكَهَا بِالْيَدِ، فَقَدْ بَالَغَ فِي الْحِفْظِ. وَكَذَا لَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ وَهُوَ ضَيِّقٌ، أَوْ [وَاسِعٌ] مَزْرُورٌ. فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ، ضَمِنَ، لِسُهُولَةِ تَنَاوُلِهَا بِالْيَدِ. وَلَوْ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ وَلَمْ يَرْبُطْهَا، لَمْ يَضْمَنْ إِنْ تَلِفَتْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ، وَيَضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ بِغَفْلَةٍ أَوْ نَوْمٍ. فَلَوْ رَبَطَهَا وَلَمْ يُمْسِكْهَا بِيَدِهِ، فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى كَيْفِيَّةِ الرَّبْطِ وَجِهَةِ التَّلَفِ. وَلَوْ وَضَعَهَا فِي الْكُمِّ وَلَمْ يَرْبُطْهَا فَسَقَطَتْ، فَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَشْعُرُ بِهَا،

ص: 338

ضَمِنَ؛ لِتَفْرِيطِهِ فِي الْإِحْرَازِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً يَشْعُرُ بِهَا، لَمْ يَضْمَنْ، ذَكَرَهُ فِي ((الْمُهَذَّبِ)) وَقِيَاسُ هَذَا يُلْزِمُ طَرْدَهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِرْسَالِ كُلِّهَا. وَلَوْ وَضَعَهَا فِي كَوْرِ عِمَامَتِهِ وَلَمْ يَشُدَّ، ضَمِنَ.

فَرْعٌ

أَوْدَعَهُ فِي سُوقٍ وَقَالَ: احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بَيْتِهِ وَيَحْفَظَهَا فِيهِ. فَإِنْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، ضَمِنَ. وَإِنْ أَوْدَعَهُ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ وَخَرَجَ بِهَا، صَارَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا وَرَبَطَهَا فِي الْكُمِّ مَعَ إِمْكَانِ إِحْرَازِهَا فِي الصُّنْدُوقِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِقُفْلٍ تَعَذَّرَ فَتْحُهُ وَنَحْوُهُ. لَمْ يَضْمَنْ.

قَالَ فِي الْمُعْتَمَدِ: وَإِنْ شَدَّهَا فِي عَضُدِهِ وَخَرَجَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ الشَّدُّ مِمَّا يَلِي الْأَضْلَاعَ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنَ الْبَيْتِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْرَزُ مِنْهُ. وَفِي تَقْيِيدِهِمُ الصُّورَةَ بِمَا إِذَا قَالَ: احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ، إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مَرْبُوطَةً، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ إِلَى الْعَادَةِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا عَيَّنَ لِلْوَدِيعَةِ مَكَانًا فَقَالَ: احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يَنْهَاهُ مَعَ ذَلِكَ عَنِ النَّقْلِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَنَقَلَهَا إِلَى مَا دُونَهُ فِي الْحِرْزِ، ضَمِنَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ حِرْزًا لِمِثْلِهَا. وَإِنْ نَقَلَهَا إِلَى بَيْتٍ مِثْلَ الْأَوَّلِ، لَمْ يَضْمَنْ، إِلَّا أَنْ يَتْلَفَ بِسَبَبِ النَّقْلِ، كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ، فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِالْمُخَالَفَةِ. وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ كَالِانْهِدَامِ، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي. وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَا يَقْتَضِي إِلْحَاقَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

وَإِنْ نَهَاهُ فَقَالَ: احْفَظْ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا تَنْقُلْهَا، فَإِنْ نَقَلَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، ضَمِنَ؛ لِصَرِيحِ الْمُخَالَفَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ

ص: 339

الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ أَحْرَزَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِنْ كَانَ أَحْرَزَ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلَهُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِنْ نَقَلَ لِضَرُورَةِ غَارَةٍ، أَوْ غَرَقٍ، أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ غَلَبَةِ لُصُوصٍ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ حِرْزًا لِمِثْلِهَا. وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِهِ دُونَ الْأَوَّلِ إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحْرَزَ مِنْهُ. وَلَوْ تَرَكَ النَّقْلَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّهْيِ تَحْصِيلَ الِاحْتِيَاطِ.

وَلَوْ قَالَ: لَا تَنْقُلْهَا وَإِنْ حَدَثَتْ ضَرُورَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهَا، لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَتْلِفْ مَالِي، فَأَتْلَفَهُ، لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ نَقَلَ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الصِّيَانَةَ.

وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا يَجُوزُ النَّقْلُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، فَاخْتَلَفَا فِي وُقُوعِهَا، فَإِنْ عُرِفَ هُنَاكَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُودَعُ، صَدَقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، صَدَقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ. وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ الزَّازِ وَجْهًا، أَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يُغْنِيهِ عَنِ الْيَمِينِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ جَمِيعَ هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْبَيْتُ أَوِ الدَّارُ الْمُعَيَّنَةُ لِلْمُودَعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَالِكِ، فَلَيْسَ لِلْمُودَعِ إِخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِهِ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ تَقَعَ ضَرُورَةٌ.

الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا نَقَلَهَا مِنْ ظَرْفٍ إِلَى ظَرْفٍ، كَخَرِيطَةٍ إِلَى خَرِيطَةٍ، وَصُنْدُوقٍ إِلَى صُنْدُوقٍ، فَالْمُتَلَخِّصُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى اضْطِرَابِهِ، أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَجْرِ فَتْحُ قُفْلٍ وَلَا فَضُّ خَتْمٍ وَلَا خَلْطٌ، وَلَمْ يُعَيِّنِ الْمَالِكُ ظَرْفًا، فَلَا ضَمَانَ لِمُجَرَّدِ النَّقْلِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّنَادِيقُ لِلْمُودَعِ أَوْ لِلْمَالِكِ. وَإِذَا كَانَتْ لِلْمَالِكِ، فَحُصُولُهَا فِي يَدِ الْمُودَعِ قَدْ يَكُونُ بِجِهَةِ كَوْنِهَا وَدِيعَةً أَيْضًا. إِمَّا فَارِغَةً، وَإِمَّا مَشْغُولَةً بِالْوَدِيعَةِ، وَقَدْ تَكُونُ بِجِهَةِ الْعَارِيَةِ. وَإِنْ جَرَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْفَضُّ وَالْفَتْحُ وَالْخَلْطُ سَبَقَ أَنَّهَا مُضَمَّنَةٌ. وَإِنْ عَيَّنَ ظَرْفًا، نُظِرَ، إِنْ كَانَتِ الظُّرُوفُ لِلْمَالِكِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا لِأَنَّهُمَا وَدِيعَتَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا حِفْظُ أَحَدِهِمَا فِي حِرْزٍ وَالْأُخْرَى فِي آخَرَ. فَعَلَى هَذَا إِنْ نَقَلَ إِلَى مَا دُونَ الْأَوَّلِ، ضَمِنَ، وَإِلَّا، فَلَا. وَإِنْ كَانَتِ الظُّرُوفُ لِلْمُودَعِ، فَهِيَ كَالْبُيُوتِ بِلَا خِلَافٍ.

ص: 340

الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ: احْفَظْ وَدِيعَتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَلَا تُدْخِلْ إِلَيْهَا أَحَدًا، أَوْ لَا تَسْتَعِنْ عَلَى حِفْظِهَا بِالْحَارِسِينَ، فَخَالَفَ، فَإِنْ حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ الْمُخَالَفَةِ، بِأَنْ سَرَقَهَا الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ، أَوِ الْحَارِسُونَ، ضَمِنَ. وَإِنْ سَرَقَ غَيْرُهُمْ أَوْ وَقَعَ حَرِيقٌ، فَلَا ضَمَانَ.

[الصُّورَةُ] السَّادِسَةُ: أَوْدَعَهُ خَاتَمًا وَقَالَ: اجْعَلْهُ فِي خِنْصَرِكَ، فَجَعَلَهُ فِي بِنْصَرِهِ، فَهُوَ أَحْرَزُ، لَكِنْ لَوِ انْكَسَرَ لِغِلَظِهَا، أَوْ جَعَلَهُ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا، ضَمِنَ. وَإِنْ قَالَ: اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصَرِ، فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَهِي إِلَى أَصْلِ الْبِنْصَرِ، فَالَّذِي فَعَلَهُ أَحْرَزُ، وَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، ضَمِنَ. وَإِنْ أَوْدَعَهُ الْخَاتَمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ، لَمْ يَضْمَنْ، إِلَّا أَنَّ غَيْرَ الْخِنْصَرِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَالْخِنْصَرِ. وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْخِنْصَرِ، فَفِيهِ احْتِمَالَانِ عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ. أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ. وَالثَّانِي: إِنْ قَصَدَ الْحِفْظَ، لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعْمَالَ، ضَمِنَ وَفِي ((الرَّقْمِ)) لِلْعَبَّادِيِّ: أَنَّهُ إِنْ جَعَلَ فَصَّهُ إِلَى ظَهْرِ الْكَفِّ، ضَمِنَ. وَإِلَّا فَلَا.

قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، إِلَّا إِذَا قَصَدَ الْحِفْظَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الصُّورَةُ] السَّابِعَةُ: أَوْدَعَهُ وَقَالَ: لَا تُخْبِرْ بِهَا، فَخَالَفَ، فَسَرَقَهَا مَنْ أَخْبَرَهُ، أَوْ مَنْ أَخْبَرَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ، ضَمِنَ. وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ، لَمْ يَضْمَنْ. وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: لَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ لِفُلَانٍ وَدِيعَةٌ؟ فَأَخْبَرَهُ، ضَمِنَ؛ لِأَنَّ كَتْمَهَا مِنْ حِفْظِهَا.

السَّبَبُ الثَّامِنُ: التَّضْيِيعُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا بِالتَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ. فَلَوْ أَخَّرَ إِحْرَازَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ، أَوْ جَعَلَهَا فِي مُضَيِّعِهَا، أَوْ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، ضَمِنَ. وَلَوْ جَعَلَهَا فِي أَحْرَزَ [مِنْ حِرْزِ] مِثْلِهَا، ثُمَّ نَقَلَهَا إِلَى حِرْزِ مِثْلِهَا، فَلَا ضَمَانَ. ثُمَّ هُنَا صُوَرٌ.

ص: 341

[الصُّورَةُ] الْأُولَى: إِذَا أَعْلَمَ بِالْوَدِيعَةِ مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُ، ضَمِنَهَا. بِخِلَافِ مَا إِذَا أَعْلَمَهُ غَيْرُ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمِ الْحِفْظَ. وَلَوْ أَعْلَمَ الْمُودَعُ اللُّصُوصَ بِالْوَدِيعَةِ، فَسَرَقُوهَا، إِنْ عَيَّنَ الْمَوْضِعَ، ضَمِنَ، وَإِلَّا، فَلَا. كَذَا فَصَّلَهُ الْبَغَوِيُّ.

[الصُّورَةُ] الثَّانِيَةُ: ضَيَّعَ بِالنِّسْيَانِ، ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُؤَيِّدُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَهُ إِنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ، فَأَخَذَهُ الْمُودَعُ بِيَدِهِ لِيُحْرِزَهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَانْكَسَرَ، لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَصَابَهُ بِفِعْلِهِ مُخْطِئًا أَوْ عَامِدًا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ أَوْ بَعْدَمَا وَصَلَهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ. وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا؛ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا:

[لَوِ] انْتَفَعَ بِوَدِيعَةٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ مِلْكِي، لَا يُصَدَّقُ مَعَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ قَرِيبٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْغَلَطَ لَا يَدْفَعُ الضَّمَانَ.

[الصُّورَةُ] الثَّالِثَةُ: إِذَا أَخَذَ الظَّالِمُ الْوَدِيعَةَ قَهْرًا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُودَعِ، كَمَا لَوْ سُرِقَتْ مِنْهُ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهَا بِنَفْسِهِ، فَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الظَّالِمِ بِالضَّمَانِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ إِذَا غُرِّمَ، وَلَهُ أَيْضًا مُطَالَبَةُ الْمُودَعِ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ، وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى إِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، هَلْ يُطَالَبُ؟ وَمَهْمَا طَالَبَهُ الظَّالِمُ بِالْوَدِيعَةِ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ بِالْإِنْكَارِ وَالْإِخْفَاءِ وَالِامْتِنَاعِ مَا قَدَرَ. فَإِنْ تَرَكَ الدَّفْعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، ضَمِنَ. وَإِنْ أَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتَاقٍ، فَحَاصِلُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَلِفِ وَبَيْنَ الِاعْتِرَافِ وَالتَّسْلِيمِ. فَإِنِ اعْتَرَفَ وَسَلَّمَ، ضَمِنَ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى زَوْجَتَهُ بِالْوَدِيعَةِ. وَ [إِنْ] حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، طُلِّقَتْ زَوْجَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى الْوَدِيعَةَ بِزَوْجَتِهِ.

السَّبَبُ التَّاسِعُ: الْجُحُودُ. فَإِذَا قَالَ الْمُوَدَعُ: لَا وَدِيعَةَ لِأَحَدٍ عِنْدِي، إِمَّا ابْتِدَاءً، وَإِمَّا جَوَابًا لِسُؤَالِ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَلَا ضَمَانَ، سَوَاءٌ جَرَى ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ إِخْفَاءَهَا أَبْلَغُ فِي حِفْظِهَا. وَإِنْ طَلَبَهَا الْمَالِكُ فَجَحَدَهَا، فَهُوَ خَائِنٌ ضَامِنٌ.

ص: 342

وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا، بَلْ قَالَ: لِي عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، فَسَكَتَ، لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ أَنْكَرَ، لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْإِخْفَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الطَّلَبِ. فَلَوْ جَحَدَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ غَلَطْتُ أَوْ نَسِيتُ، لَمْ يَبْرَأْ، إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ.

فَرْعٌ

مَنْ أَنْكَرَ وَدِيعَةً ادُّعِيَتْ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْإِيدَاعِ، أَوِ اعْتَرَفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، طُولِبَ بِهَا. فَإِنِ ادَّعَى رَدَّهَا أَوْ تَلَفَهَا قَبْلَ الْجُحُودِ أَوْ بَعْدَهُ، نُظِرَ فِي صِيغَةِ جُحُودِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِيدَاعِ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ؛ لِتَنَاقُضِ كَلَامِهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ. وَأَمَّا فِي دَعْوَى التَّلَفِ، فَيُصَدَّقُ، لَكِنَّهُ كَالْغَاصِبِ فَيَضْمَنُ.

وَهَلْ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَالِكِ؟ وَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرَّدِّ أَوِ التَّلَفِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ نَسِيَ فَصَارَ كَمَنِ ادَّعَى وَقَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ تُسْمَعُ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرَّدِّ أَوِ الْهَلَاكِ قَبْلَ الْجُحُودِ، سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ قَامَتْ بِالْهَلَاكِ بَعْدَ الْجُحُودِ، ضَمِنَ، لِخِيَانَتِهِ. وَقَدْ حَكَيْنَا فِي أَلْفَاظِ الْمُرَابَحَةِ إِذَا قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ قَالَ: بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ لَا يَذْكُرَ وَجْهًا مُحْتَمَلًا فِي الْغَلَطِ، وَبَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمِثْلِهِ هُنَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مُتَّجِهَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ جُحُودِهِ: لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيْكَ، أَوْ مَا لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ شَيْءٌ، صُدِّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُنَاقِضُ كَلَامَهُ الْأَوَّلَ. فَإِنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا يَوْمَ الْجُحُودِ، لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنِ ادَّعَى الْهَلَاكَ، فَكَالْغَاصِبِ إِذَا ادَّعَاهُ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيَضْمَنُ.

الْحُكْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ: رَدَّهَا عِنْدَ بَقَائِهَا، فَإِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ بَاقِيَةً، لَزِمَ الْمُودَعَ رَدُّهَا إِذَا طَلَبَهَا الْمَالِكُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الرَّدِّ وَتَحَمُّلُ

ص: 343

مُؤْنَتِهِ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْمُودَعِ رَفْعُ الْيَدِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَمَالِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، دَخَلَتِ الْوَدِيعَةُ فِي ضَمَانِهِ. وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ يَعْسُرُ قَطْعُهُ، بِأَنْ طَالَبَهُ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ وَالْوَدِيعَةُ فِي خِزَانَةٍ لَا يَتَأَتَّى فَتْحُ بَابِهَا فِي الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِصَلَاةٍ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، أَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ عَلَى طَعَامٍ فَأَخَّرَ حَتَّى يَفْرَغَ، أَوْ كَانَ مُلَازِمًا لِغَرِيمٍ يَخَافُ هَرَبَهُ، أَوْ كَانَ الْمَطَرُ وَاقِعًا وَالْوَدِيعَةُ فِي الْبَيْتِ فَأَخَّرَ حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَرْجِعَ إِلَى الْبَيْتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَهُ التَّأْخِيرُ قَطْعًا. فَلَوْ تَلِفَتِ الْوَدِيعَةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَيْضًا. وَلَفْظُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ يُشْعِرُ بِتَفْصِيلٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَى الْوَدِيعَةِ، فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ لِعُسْرٍ يَلْحَقُهُ، أَوْ غَرَضٍ يَفُوتُهُ، ضَمِنَ.

قُلْتُ: الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَصَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

قَالَ الْمُودَعُ: لَا أَرُدُّ حَتَّى تُشْهِدَ أَنَّكَ قَبَضْتَهَا، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَوَجْهٌ رَابِعٌ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَالِكُ أَشْهَدَ بِالْوَدِيعَةِ عِنْدَ دَفْعِهَا، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا، فَلَا.

فَرْعٌ

يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَهْلًا لِلْقَبْضِ. فَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، أَوْ كَانَ نَائِمًا فَوَضَعَهَا فِي يَدِهِ، لَمْ يَجُزْ.

ص: 344

فَرْعٌ

أَوْدَعَهُ جَمَاعَةٌ مَالًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ بَعْضُهُمْ يَطْلُبُهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُودَعِ الْقِسْمَةُ وَلَا تَسْلِيمُ الْجَمِيعِ، بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُقَسِّمَهُ وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ.

فَرْعٌ

قَالَ لَهُ: رُدَّهَا عَلَى فُلَانٍ وَكِيلِي، فَطَلَبَ الْوَكِيلُ فَلَمْ يَرُدَّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ فَلَمْ يَرُدَّ، لَكِنْ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيَشْهَدَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ عَلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْوَكِيلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الرَّدِّ، لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ، عَزَلَهُ، فَيَصِيرُ مَا فِي يَدِهِ كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ، مِثْلَ الثَّوْبِ تُطَيِّرُهُ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ. وَفِيهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تَمْتَدُّ إِلَى الْمُطَالَبَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً وَهُوَ يَعْرِفُ مَالِكَهَا. وَذَكَرَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ، أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رُدَّ الْوَدِيعَةَ عَلَى مَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ وُكَلَائِي هَؤُلَاءِ وَلَا تُؤَخِّرْ، فَقَدَرَ عَلَى الرَّدِّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَأَخَّرَ لِيَرُدَّ عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَاصٍ بِالتَّأْخِيرِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ: وَلَا تُؤَخِّرْ، يَضْمَنُ بِالتَّأْخِيرِ، وَفِي الْعِصْيَانِ وَجْهَانِ. وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: رُدَّهَا عَلَى مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَى وَاحِدٍ لِيَرُدَّ عَلَى آخَرَ، لَا يَعْصِي، وَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ.

فَرْعٌ

هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الدَّفْعِ إِلَى الْوَكِيلِ؟ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالًا ابْتِدَاءً وَأَمَرَهُ بِإِيدَاعِهِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ: يَجِبُ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ

ص: 345