الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب الروم سأله فرسا فأعطاه، فتكلم في ذلك بعض الصّحابة فقال: إنه سيسلبها منه رجل من المسلمين. فكان كذلك.
قال أبو موسى: لا يعلم له صحبة، إنما يروي عن عبد اللَّه بن حوالة وغيره.
قلت: وذكره في التّابعين البخاريّ، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، والعجليّ، وابن يونس، وآخرون.
2764- ربيعة:
خادم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
استدركه ابن الأمين، وقد ذكره أبو عمر في موضعه على الصّواب، فقال: ربيعة بن كعب، وهو خادم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المذكور.
2765- ربيعة الكلابيّ
«1»
: ذكره أبو موسى من طريق أبي مسلم الكجيّ، قال: حدّثنا سليمان بن داود، حدثنا سعيد بن خثيم، عن ربيعة، بنت عياض حدثني عياض، حدثني ربيعة الكلابيّ، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضأ فأسبغ الوضوء «2» ..
الحديث.
ورواه يحيى الحمّاني وغيره عن سعيد، فقالوا: عن ربيعة «3» ، عن عبيدة بن عمرو الكلابيّ، وهو الصّواب. وسيأتي.
الراء بعدها التاء
2766 ز- رتن بن عبد اللَّه:
الهندي ثم البترندي، ويقال المرندي، ويقال: رطن- بالطّاء بدل التاء المثناة- ابن ساهوك بن جكندريو، هكذا وجدته مضبوطا مجوّدا بخط يوثق به، وضبطه بعضهم، - بقاف بدل الواو. ويقال رتن بن نصر بن كربال. وقيل رتن ميدن بن مندى «4» .
شيخ خفي خبره بزعمه دهرا طويلا إلى أن ظهر على رأس القرن السادس، فادّعى الصّحبة، فروى عنه ولداه: محمود، وعبد اللَّه، وموسى بن مجلى بن بندار الدنيسريّ، والحسن بن محمد الحسيني الخراسانيّ، والكمال الشيرازيّ، وإسماعيل البارقيّ «5» ، وأبو
(1) أسد الغابة ت (1661) .
(2)
أورده الهيثمي في الزوائد 1/ 241 عن عبيدة بن عمرو الكلابي قال رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توضأ فأسبغ الوضوء
…
قال الهيثمي رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات.
(3)
في أ: عن ربيعة.
(4)
في ب مندلي.
(5)
في ب الفارقيّ.
الفضل عثمان بن أبي بكر بن سعيد الإربليّ، وداود بن أسعد بن حامد القفّال المنحروريّ، والشريف علي بن محمد الخراساني الهرويّ، والمعمر أبو بكر المقدسيّ، والهمام السهركنديّ، وأبو مروان عبد الملك بن بشر المغربي، لكنه لم يسمّه، قال: لقيت المعمر فوصفه بنحو مما وصفوا به رتن، ولم أجد له في المتقدمين في كتب الصّحابة ولا غيرهم ذكرا، لكن ذكره الذّهبي في تجريده، فقال: رتن الهنديّ شيخ ظهر بعد ستمائة بالشرق، وادّعى الصّحبة، فسمع منه الجهل، ولا وجود له، بل اختلق اسمه بعض الكذابين، وإنما ذكرته تعجبا كما ذكره أبو موسى سرباتك الهندي، بل هذا إبليس اللعين قد رأي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم منه، وأغرب من ذلك صحابي هو أفضل الصّحابة مطلقا، فذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام كما سيأتي في ترجمته إن شاء اللَّه تعالى.
وذكره في «الميزان» فقال: رتن الهنديّ، وما أدراك ما رتن شيخ دجّال بلا ريب، ظهر بعد ستمائة فادّعى الصّحبة، والصّحابة لا يكذبون، وهذه جراءة على اللَّه ورسوله. وقد ألّفت في أمره جزءا، وقد قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ومع كونه كذّابا فقد كذبوا عليه جملة كثيرة من أسمج الكذب والمحال.
قلت: وزعم الإربلي أنه سمع منه بعد ذلك في سنة ستمائة وخمسة وخمسين، وما زلت أطلب الجزء المذكور حتى ظفرت به بخط مؤلفه، فكتبت منه ما أردته هنا من خطه بلفظه.
وأوله: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، سبحانك هذا بهتان عظيم،
قال شيخ الشيوخ، ومن خطه نقلت، واسمه محمد أبو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الكريم الحسيني الكاشغري: حدّثني الشّيخ القدوة مهبط الأسرار الربّانية، منبع الأنوار السبحانية، همام الدين السهركنديّ، حدّثني الشيخ المعمر بقية أصحاب سيد البشر، خواجا رطن بن ساهوك بن جكندريق الهندي البترندي، قال: كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرة أيام الخريف فهبّت ريح فتناثر الورق حتى لم يبق عليها ورقة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:«إنّ المؤمن إذا صلّى الفريضة في الجماعة تناثرت الذّنوب منه كما تناثر الورق من هذه الشّجرة» .
وقال عليه السلام: «من أكرم غنيّا لغناه أو أهان فقيرا لفقره لم يزل في لعنة اللَّه أبد الآبدين إلّا أن يتوب» «1» .
(1) أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 103 من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة أخرجه الترمذي في السنن 4/ 228 عن نبيشة بلفظ كتاب الأطعمة باب ما جاء في اللقمة تسقط (11) حديث رقم 1804 قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد وابن ماجة في السنن 2/ 1089 كتاب الأطعمة (29) باب تنقية الصحفة (10) حديث رقم 3271، 3272، وأحمد في المسند 5/ 76 والدارميّ في السنن 2/ 96، وابن سعد في الطبقات 7/ 34 وأورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 40787.
وقال عليه السلام: «من مات على بغض آل محمّد مات كافرا» .
وقال عليه السلام: «من مشّط حاجبيه كلّ ليلة وصلّى عليّ لم ترمد عيناه أبدا»
«1» . قلت: وسرد ثمانية أحاديث أخرى، ثم قال الذهبي عن الكاشغري: حدثنا السيد القدوة تاج الدين محمد بن أحمد بن محمد الخراساني بالمدينة النبويّة في ذي الحجة سنة سبع وسبعمائة، قال: أما بعد فهذه أربعون حديثا متباينات «2» رتنيات انتخبتها مما سمعت من الشّيخ المسلك أبي الفتح موسى بن مجلى الصّوفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة في الخانقاه السابقية بسمنان بقراءتي عليه
عن صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أبي الرضا رتن بن نصر، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال:«ذرّة من أعمال الباطن خير من أعمال الظّاهر كالجبال الرواسي» «3» .
وقال الفقير على فقره أغير من أحدكم على أهل بيته «4»
…
فذكر الأحاديث، ثم قال:
قال رتن: كنت في زفاف فاطمة وجماعة من الصّحابة، وكان ثمّ من يغنّي شيئا فطابت قلوبنا ورقصنا، فلما كان الغد سألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن ليلتنا، فدعا لنا ولم ينكر علينا فعلنا، وقال:
«اخشوشنوا وامشوا حفاة تروا اللَّه جهرة»
»
. قال الذّهبيّ: ووقفت على نسخة يرويها عبيد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز السمرقندي، قال: حدثني الإمام صفوة الأولياء جلال الدين موسى بن مجلى بن بندار الدنيسريّ، أخبرنا الشيخ الكبير العديم النظير رتن بن نصر كربال الهندي، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«إيّاك وأخذ الرّفق من السوقة والنّسوان، فإنّه بعد من اللَّه تعالى» .
وقال: «لو أنّ ليهوديّ حاجة إلى أبي جهل وطلب منّي قضاءها لتردّدت إلى باب أبي جهل مائة مرّة في قضائها» «6» .
(1) أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 103، 160.
(2)
في ب ثنائيات وثنيات.
(3)
أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 192.
(4)
أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 176.
(5)
أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 40 وذكره المصنف في لسان الميزان 2/ 1838.
(6)
أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 65، 104.
وقال: شقّ العالم القلم أحبّ إلى اللَّه من شقّ جوف المجاهد في سبيل اللَّه» .
وقال: نقطة من دواة عالم أو متعلّم على ثوبه أحبّ إليّ من عرق مائة ثوب شهيد» «1»
وقال: «من ردّ جائعا وهو قادر على أن يشبعه عذّبه اللَّه ولو كان نبيّا مرسلا» «2» .
وقال: «ما من عبد يبكي يوم أصيب ولدي الحسين إلّا كان يوم القيامة مع أولي العزم من الرّسل» .
وقال: «البكاء في يوم عاشوراء نور تامّ يوم القيامة» «3» .
وقال: من أعان تارك الصّلاة بلقمة فكأنّما أعان على قتل الأنبياء كلّهم» «4»
فذكر نحوا من ثلاثمائة حديث.
وفي آخر النسخة طبقة صورتها: قرأ عليّ هذه الأحاديث الشيخ أبو القاسم محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الرحيم الحسيني الكاشغري بسماعي على الإمام أبي عبد اللَّه أحمد بن أبي المحاسن يعقوب بن إبراهيم الطيبي الأسديّ بسماعه لها من الإمام الحافظ جلال الدين موسى بن مجلى الدنيسريّ بخوارزم سنة خمس وستين وستمائة وسمعها موسى من رتن.
وكتب محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن علي الأنصاريّ في شهر ربيع الأول سنة عشر وسبعمائة.
ثم قال الذّهبيّ: وأظن أنّ هذه الخرافات من وضع هذا الجاهل موسى بن مجلى أو وضعها له من اختلق ذكر رتن، وهو شيء لم يخلق، ولئن صححنا وجوده وظهوره بعد سنة ستمائة فهو إما شيطان تبدّى في صورة بشر فادّعى الصّحبة وطول العمر المفرط، وافترى هذه الطامّات، وإما شيخ ضالّ أسس لنفسه بيتا في جهنم بكذبه على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولو نسبت هذه الأخبار لبعض السلف لكان ينبغي لنا أن ننزّهه عنها فضلا عن سيد البشر، لكن ما زال عوام الصّوفية يروون الواهيات، وإسناد فيه هذا الكاشغري والطيبي وموسى بن مجلى ورتن سلسلة الكذب لا سلسلة الذّهب.
(1) أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 23.
(2)
أورده الفتني في تذكرة الموضوعات 62، 104.
(3)
أورده القرطبي في التذكرة ص 119.
(4)
أورده العجلوني في كشف الخفاء 2/ 317 قال العجلوني قال في اللآلئ موضوع وضعه رتن الهندي الكذاب وأورده الفتني في تذكرة الموضوعات 104.
ثم تكلم الذّهبي في أقل ما يروى في عصره من العدد إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وذكر طرفا من أقسام العلوّ المصطلح عليه، وأن العالي المكذوب هو ولا شيء سواء.
ثم استطرد إلى ذكر غلاة الصّوفية ومن يقول منهم حدثني قلبي عن ربي، ثم إلى الاتحادية، ومن يزعم منهم أنه عين الإله، ثم قال: وينبغي أن تعلموا همم الناس ودواعيهم متوفرة على نقل الأخبار العجيبة، فأين كان هذا الهندي مطمورا في هذه الستمائة سنة؟ أما كان الأطراف يتسامعون به وبطول عمره، فيرحلون إليه في زمن المنصور والمهدي؟ أما كان متولّي الهند يتحف به المأمون؟
قلت: يعني مع تطلّعه إلى المستغربات، أما كان بعد ذلك بمدة متطاولة يعرف به محمود بن سبكتكين لما افتتح بلاد الهند، ووصل إلى البلد الّذي فيه البدّ، وهو الصنم المعظّم عندهم، وقضيته في ذلك مشهورة مدوّنة في التواريخ، ولم يتعرض أحد ممن صنفها إلى ذكر رتن. انتهى.
ثم قال الذّهبيّ: ثم مع هذا تتطاول عليه الأعمار، ويكرّ عليه الليل والنهار إلى عام ستمائة ولا ينطق بوجوده تاريخ ولا جوّال ولا سفار، فمثل هذا لا يكفي في قبول دعواه خبر واحد، إذ لو كان لتسامع بشأنه كلّ تاجر، ولو كان الّذي زعم أنه رآه لم ينقل عنه شيئا من هذه الأحاديث لكان الأمر أخف.
ثم قال: ولعمري ما يصدّق بصحبة رتن إلا من يؤمن بوجود محمّد بن الحسن في السرداب ثم بخروجه إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلا أو يؤمن برجعة عليّ، وهؤلاء لا يؤثر فيهم علاج.
وقد اتّفق أهل الحديث على أن آخر من رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة
وثبت في الصّحيح أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال قبل موته بشهر أو نحوه: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنّه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن اليوم عليها أحد»
«1» فانقطع المقال، وماذا بعد الحق إلا الضلال. انتهى. ما ذكره الذهبيّ في خبر كسر وثن رتن ملخصا.
(1) البخاري في صحيحه 1/ 148، 156 وأحمد في المسند 2/ 88 والطبراني في الكبير 12/ 279، وابن عساكر 5/ 161.
وقد وقفت على الجزء الّذي أشار إليه وفيه أكثر من ثلاثمائة حديث كما قال، ثم وقفت على طريق أخرى إليه، فأنبأنا غير واحد عن المحدث المكثر الرحال جمال الدين الأقشهري نزيل المدينة النبويّة عن علي بن عمران الصنعانيّ، عن رفيع الدين عمر بن محمد بن أبي بكر السمرقنديّ أنه حدّثه من لفظه بالمسجد الجامع بصنعاء سنة أربعة وثمانين، عن أبي الفتح موسى بن مجلّى، فذكر النسخة بطولها.
وفي نسخة الإربلي المذكور قال رتن: كنت في زفاف فاطمة أنا وأكثر الصّحابة، وكان ثمّ من يغنّي شيئا، فطابت قلوبنا ورقصنا بضربهم الدفّ وقولهم الشعر، فلما كان من الغد سألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلتنا، فقلنا: كنا في زفاف فاطمة، فدعا لنا، ولم ينكر علينا.
وقرأت بخط المؤرّخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه، قال:
سمعت النجيب عبد الوهاب بن إسماعيل الفارسيّ الصوفيّ بمصر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة يقول: قدم علينا بشيراز سنة خمس وسبعين وستمائة الشيخ المعمر محمود ولد بابارتن، فأخبرنا أن أباه أدرك ليلة شقّ القمر، وكان ذلك سبب هجرته، وأنه حضر حفر الخندق، وكان استصحب معه سلة فيها تمر هندي أهداها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فأكل منها، ووضع يده على ظهر رتن، ودعا له بطول العمر، وله يومئذ ستّ عشرة سنة، فرجع إلى بلده وعاش ستمائة واثنتين وثلاثين سنة، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ثم أورد عنه أحاديث ذكر أنه سمعها من أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال النجيب وذكر محمود أنّ عمره مائة وسبعون سنة.
قال النّجيب: ثم قدم علينا أناس من شيراز إلى القاهرة، وأخبروني أنه حيّ وأنه قد رزق أولادا.
وقرأت قصته من وجه آخر مطوّلة بخط الأديب الفاضل صلاح الدين الصفديّ في تذكرته، وأنبأني عنه غير واحد شفاها أنه قرأ في تذكرة الأديب الفاضل علاء الدين الوداعيّ.
قلت: وأنبأنا علي بن محمد بن أبي المجد شفاها عن الوداعيّ، قال: حدّثنا جلال الدين محمد بن سليمان الكاتب بدار السعادة بدمشق، أخبرنا أقضى القضاة نور الدين علي بن محمد بن الحسيني الحنفي سنة إحدى وسبعمائة بالقاهرة، وأنبأنا غير واحد شفاها عن الإمام العلّامة شمس الدين محمد بن عبد الرّحمن بن الصّائغ الحنفيّ، قال: أخبرني القاضي معين الدين عبد المحسن ابن القاضي جلال الدّين عبد اللَّه بن هشام سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، قال: أخبرني القاضي نور الدّين، قال: أخبرنا جدّي الحسين بن محمد، قال:
كنت في زمن الصّبا وأنا ابن سبع عشرة سنة سافرت مع أبي وعمّي من خراسان إلى الهند في تجارة، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من الضياع، فعرج القفّل نحوها فنزلوا بها، فضجّ أهل القافلة فسألناهم عن ذلك. فقالوا: هذه ضيعة الشّيخ رتن المعمّر، فلما نزلنا خارج الضّيعة رأينا بفنائها شجرة عظيمة تظلّ خلقا عظيما وتحتها جمع عظيم من أهل الضّيعة، فبادر الكلّ نحو الشّجرة ونحن معهم، فلما رآنا أهل الضّيعة رحّبوا بنا فرأينا زنبيلا كبيرا معلقا في بعض أغصان تلك الشجرة، فسألناهم فقالوا: في هذا الزنبيل الشيخ رتن الّذي رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ودعا له بطول العمر ستّ مرات، فسألناهم أن ينزلوا الشيخ لنسمع كلامه وحديثه. فتقدّم شيخ منهم إلى الزنبيل وكان ببكرة فأنزله فإذا هو مملوء بالقطن والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس الزنبيل فإذا الشيخ فيه كالفرخ، فحسر عن وجهه ووضع فمه على أذنه، وقال: يا جدّاه، هؤلاء قوم قد قدموا من خراسان وفيهم شرفاء من أولاد النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ وماذا قال لك؟
فعند ذلك تنفس الشيخ، وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية ونحن نسمع ونفهم، فقال: سافرت مع أبي وأنا شابّ من هذه البلاد إلى الحجاز في تجارة، فلما بلغنا بعض أودية مكّة، وكان المطر قد ملأ الأودية، فرأيت غلاما أسمر اللون مليح الكون، حسن الشمائل، وهو يرعى إبلا في تلك الأودية، وقد حال السيل بينه وبين إبله وهو يخشى من خوض الماء لقوة السيل، فعلمت حاله، فأتيت إليه وحملته وخضت السيل إلى عند إبله من غير معرفة سابقة، فلما وضعته عند إبله نظر إليّ وقال بالعربيّة: بارك اللَّه في عمرك، بارك اللَّه في عمرك، بارك اللَّه في عمرك، فتركته ومضيت إلى حال سبيلي إلى أن دخلنا مكة، وقضينا ما أتينا له من أمر التّجارة، وعدنا إلى الوطن، فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوسا في فناء ضيعتنا هذه في ليلة مقمرة ليلة البدر، والبدر في كبد السماء إذ نظرنا إليه وقد انشق نصفين فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب ساعة زمانية، وأظلم الليل ثم طلع النصف الأول من المشرق والنّصف الثاني من المغرب إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة، فتعجبنا من ذلك غاية العجب، ولم نعرف لذلك سببا، فسألنا الرّكبان عن خبر ذلك وسببه، فأخبرونا أنّ رجلا هاشميا ظهر بمكّة، وادّعى أنه رسول اللَّه إلى كافة العالم وأن أهل مكّة سألوه معجزة كمعجزات سائر الأنبياء، وأنهم اقترحوا عليه أن يأمر القمر أن ينشقّ في السماء ويغرب نصفه في المشرق ونصفه في المغرب، ثم يعود إلى ما كان عليه، ففعل لهم ذلك بقدرة اللَّه تعالى.
فلما أن سمعنا ذلك من السفار اشتقت إلى أن أرى المذكور، فتجهزت في تجارة، وسافرت إلى أن دخلت مكة، فسألت عن الرجل الموصوف فدلّوني على موضعه، فأتيت إلى منزله فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت عليه فوجدته جالسا في وسط المنزل والأنوار تتلألأ في وجهه وقد استنارت محاسنه وتغيّرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة الأولى، فلم أعرفه، فلما سلّمت عليه نظر إليّ وتبسم وعرفني، وقال: وعليك السّلام، ادن منّي، وكان بين يديه طبق فيه رطب، وحوله جماعة من أصحابه يعظّمون ويبجّلونه، فتوقفت لهيبته، فقال: يا أبانا، ادن مني وكل، الموافقة من المروءة والمنافقة من الزندقة، فتقدمت وجلست وأكلت معهم من الرطب، وصار يناولني الرطب بيده المباركة إلى أن ناولني ستّ رطبات سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إليّ وتبسّم، وقال: ألم تعرفني؟ قلت: كأنّي، غير أني ما أتحقق، فقال: ألم تحملني في عام كذا، وجاوزت بي السّيل حين حال السّيل بيني وبين إبلي، فعرفته بالعلامة، وقلت له: بلى، يا صبيح الوجه، فقال لي: امدد يدك، فمددت يدي اليمنى إليه، فصافحني بيده اليمنى، وقال: قل أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنّ محمدا رسول اللَّه. فقلت ذلك كما علّمني، فسرّ بذلك، وقال لي عند خروجي من عنده: بارك اللَّه في عمرك، بارك اللَّه في عمرك، بارك اللَّه في عمرك.
فودّعته وأنا مستبشر بلقائه وبالإسلام، فاستجاب اللَّه دعاء نبيه، وبارك في عمري بكل دعوة مائة سنة، وها عمري اليوم ستمائة سنة وزيادة، وجميع من في هذه الضّيعة العظيمة أولادي وأولاد أولادي. فتح اللَّه عليّ وعليهم بكل خير وبكل نعمة ببركة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد وقعت لي روايات أخرى غير ما ذكره الذّهبي إلى رتن، منها ما قرأت في كتاب الوحيد في سلوك أهل طريق التّوحيد، للشّيخ عبد الغفّار بن نوح القوصي، وقد لقيت حفيده الشيخ عبد الغفار بن أحمد بن عبد الغفار وهو يروي عن أبيه عن جدّه، قال: حدّثني الشّيخ محمد العجميّ، قال: صحبت كمال الدين الشيرازي وكان قد أسنّ وبلغ مائة وستين سنة، قال: صحبت رتن الهندي، وقال: إنه حضر الخندق مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
وبه قال عبد الغفّار بن نوح: وحدثني الشيخ عماد الدين السّكري خطيب جامع الحاكم، عن الشيخ إسماعيل الفارقيّ عن خواجه رتن الهنديّ، فذكر حديثا.
وقال البهاء الجندي في تاريخ اليمن. وجدت بخط الشّيخ حسن بن عمر بن محمد بن علي بن أبي القاسم الحميريّ: أخبرني الشيخ العالم المحدّث أبو الحسن بن شبيب بن
إسماعيل بن الحسن الواسطي، حدّثنا الشيخ الصالح الفقيه داود بن أسعد بن حامد القفّال المنحروري بقرية من صعيد مصر، يقال لها أسيوط: سمعت المعمر رتن بن ميدن بن مندي الصّراف السنديّ، قال: كنت في بدء أمري أعبد صنما، فرأيت في منامي قائلا يقول لي:
اطلب لك دينا غير هذا. فقلت: أين أطلبه؟ قال: بالشّام. فأتيت الشام فوجدت دين أهلها النّصرانيّة، فتنصرت مدة، ثم سمعت بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فأتيته فأسلمت على يده، ودعا لي بطول العمر، ومسح على رأسي بيده الكريمة، ثم خرجت معه غزوة اليهود، ولما عدت استأذنته في العود إلى بلدي لأجل والدتي، فأذن لي.
قال: وتواتر عند أهل بلده أنه بلغ من العمر سبعمائة سنة ببركة دعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومات في رجب سنة ثمان وستمائة.
قال: وقدم اليمن أيضا رجل اسمه عمر بن محمد بن أبي بكر السمرقنديّ فروى عن أبي الفتح موسى بن مجلى الدنيسريّ عن أبي الرضا رتن بن نصر بن كربال.
قلت: وجدت بخط عمر بن محمد الهاشمي، عن الشيخ حسين بن عبد الرّحمن بن محمّد بن علي بن أبي بكر اليماني، أخبرنا الشيخ علي بن أبي بكر الأزرق إجازة، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير، عن والده، عن محمد بن عمرو بن علي التباعي الفقيه، عن أبيه، حدثنا الشريف موفق الدين علي بن محمد الخراساني من أهل هراة في ذي القعدة سنة سبع عشرة وستمائة بالمخلاف من بلاد الشاور، قال: دخلت الهند سنة إحدى وستمائة في جمادى الأولى
…
فذكر لي خبر رجل معمّر أدرك النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسكن بقرية من مدينة دلي، فقصدته زائرا أنا ورجل مغربي، فلما وقفنا عنده وسلّمنا عليه سألني ممّن أنا؟ فقلت: أنا رجل شريف من ولد الحسين بن علي من أهل خراسان، من هراة وهذا رجل من أهل المغرب، فقال عجب عجيب، أنا حملت جدّك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قلت: يا شيخ، كم لك من العمر؟ قال: سبعمائة، قلت: يا شيخ، أنت من قبل النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، أنا من قوم عيسى، وأنا حملت رسول اللَّه قبل النبوّة وهو صبيّ صغير قلت: وكيف كان ذلك؟ قال: سمعت بأن محمدا خاتم النبيين في الحجاز، فركبت البحر ثلاث مرات تنكسر المركب في كل مرّة إلى أن ركبت الرابعة، فوصلت إلى جدّة «1» ، وخرجت من البحر: فلما كنت بين جدّة ومكّة وقع المطر وسال الوادي، فلقيت صبيا معه جمال، وقد جاوزت الإبل الوادي، ولم يقدر هو أن يجوز، فحملته وقطعت به ذلك النّهر،
(1) جدّة: بالضم والتشديد، بلد على ساحل بحر اليمن وهي فرضة مكة. انظر معجم البلدان 2/ 133.
فقال لي: «بارك اللَّه في عمرك» - قالها ثلاثا- فدخلت مكّة وأقمت مدة ولم أعرف للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خبرا، فرجعت إلى بلدي فأقمت بها ثلاثين أو إحدى وأربعين، فسمعت بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأنه تحوّل إلى المدينة، فركبت البحر خامس مرة، فوصلت إلى المدينة، فدخلت المسجد، وأبصرت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جالسا في المحراب، فسلمت عليه، وجلست، فقال لي:«من أين أنت يا شيخ» ؟ قلت: من الهند.
قال: «أنت الّذي حملتني بين جدّة ومكّة وأنا صبيّ ومعي جمال» ؟ قلت: نعم. قال: «بارك اللَّه في عمرك» فأسلمت وأقمت عنده اثني عشر يوما، وأكلت معه الطعام، ورجعت إلى بلدي، فأقمت تحت هذه الشّجرة وهي شجرة قوقل. قال: ثم أمر لنا بطعام وأكل معنا ثلاث لقيمات، وقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الموافقة من المروءة والمنافقة من الزّندقة» .
قال: ورأيت أسنانه مثل أسنان الحنش دقاقا، ولحيته مثل الشّوك، وفيها شعر أكثره بياض، وقد سقط حاجباه على وجنتيه يرفعهما بكلاب.
قال: وسألت الشريف: هل كان للشيخ أولاد؟ فقال: سألته فذكر أنه لم يتزوّج قط ولا احتلم إلا مرة في الجاهليّة.
قال الشّريف: أقمت معه من طلوع الشمس إلى العصر، ورأيت طول قعدته ثلاثة أذرع، ومات سنة اثنتي عشرة وستمائة.
وقرأت في تاريخ اليمن للجندي، ومنها ما أنبئت عن المحدّث الرحال جمال الدين محمد بن أحمد بن أمين الأقشهري نزيل المدينة النبويّة في فوائد رحلته: أخبرنا أبو الفضل وأبو القاسم بن أبي عبد اللَّه علي بن إبراهيم بن عتيق اللواتي المعروف بابن الخبّاز المهدوي في العشرين من شوّال سنة عشر وسبعمائة بتونس، قال: سمعت أبا عبد اللَّه محمد بن علي بن محمد بن يعلى المغربي التلمساني بثغر الإسكندرية في شهر رمضان سنة ستّ وثمانين وستمائة يقول: سمعت المعمر أبا بكر المقدسي- وكان عمّر ثلاثمائة سنة من لفظه ببلدة السومنات بالهند بمسجد السلطان محمود بن سبكتكين في رجب سنة اثنتين وخمسين وستمائة يقول: حدّثنا الشيخ المعمر خواجه رتن بن عبد اللَّه في داره ببلدة توبندة من لفظه يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «يكون في آخر الزّمان للَّه تبارك وتعالى جند من قبل عسقلان، وهم ترك ما قصدهم أحد إلّا قهروه، ولا قصدوا أحدا إلّا قهروه» .
قال: وذكر خواجه رتن بن عبد اللَّه أنه شهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الخندق، وسمع منه هذا
الحديث، ورجع إلى بلاد الهند، ومات بها وعاش سبعمائة سنة ومات سنة ست وتسعين وخمسمائة.
وقال الأقشهريّ: وهذا السند يتبرك به، وإن لم يوثق بصحبته، ثم قال الأقشهريّ:
وأخبرنا الفقيه أبو القاسم بن عمر بن عبد العال الكناني ثم التونسيّ، قال: سمعت الشيخ نجم الدين عبد اللَّه بن محمد بن محمد الأصبهانيّ يقول: سمعت عبد اللَّه بن بابارتن يقول:
سمعت والدي بابارتن يقول: من قال لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له دخل الجنّة.
وعن الأقشهريّ: أخبرنا أبو زيد عبد الرحمن بن علي الجزائريّ، قال: أخبرني علي بن أحمد بن عبد الرّحمن بن حديدي، قال: سافرت من مالقة «1» إلى غرناطة «2» ، فلقيت أحمد بن محمد بن حسين الجذامي، قال لي: لقيت محمّد بن بكرون بن أبي مروان عبد الملك بن بشر، قال: قال لي محمد بن زكريّا بن براطن التجيبي: لما تكاثرت الأخبار بقصّة المعمر، ولقي أبي مروان له اجتزت على وادي آش في شهر رجب سنة إحدى وستين وستمائة، فألفيت بها أبا مروان، فسألته عن خبر المعمر، فقال لي: خرجت عن الأندلس «3» سنة سبع عشرة وستمائة إلى أن وصلت إلى مكّة، فأقمت بها سبع سنين، ثم تجولت في البلاد فوصلت إلى البصرة، فوجدت خبر المعمّر بها شهيرا، ثم قيل لي: هو في إقليم كذا، فانحدرت إلى كش «4» ، فقوي الخبر، فانحدرت أيضا إلى بلدة أخرى، فقيل لي: إن الطّريق ممتنع لأنه صحراء مسافتها خمسة وأربعون يوما، وكنت أقيم أياما لا آكل ولا أشرب، فعزمت على المسير فيها، ثم قيل لي: إن هنا طريقا أقرب، لكنها لا تسلك من أجل التّتر، فهان ذلك عليّ، فسرت ولا أكلم من يكلمني، بل أظهر الصمم ولا آكل ولا أشرب، قال:
فمشيت في عسكر التّتر ستّة أيام على ذلك، ثم خرجت عنهم، فسرت يومين حتى وصلت
(1) مالقة: بفتح اللام والقاف: مدينة بالأندلس عامرة من أعمال ريّة سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمريّة، قيل: هي على ساحل بحر المجاز المعروف بالزقاق. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 1221.
(2)
غرناطة: بفتح أوله وسكون ثانيه ثم نون وبعد الألف طاء مهملة وقيل بألف قبلها وهي أقدم مدن كورة البيرة من أعمال الأندلس يشقّها النهر المعروف بقلزم يلفظ منه سحالة الذهب وعليه في داخل المدينة أرجاء كثيرة. انظر: مراصد الاطلاع 2/ 990.
(3)
الأندلس: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتهما العرب في الإسلام وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام. انظر معجم البلدان 1/ 311.
(4)
كشّ: بالفتح ثم التشديد: قرية على ثلاثة فراسخ من جرجان على الجبل وكشّ: قرية من قرى أصفهان بكاف غير صريحة إلّا أنه يكتب بالجيم بدل الكاف. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 1167.