الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأكلت معهما فإذا فيها كمأة ورمان وكرفس. فلما أكلت قمت فتنحّيت وجاءت سحابة فاحتملته انظر إلى بياض ثيابه فيها تهوي به قبل الشّام، فقلت للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، هذا الطعام الّذي أكلنا من السماء نزل عليك! قال: سألته عنه فقال لي: أتاني به جبريل، لي كل أربعين يوما أكلة، وفي كل حول شربة من ماء زمزم، وربما رأيته على الجبّ يمسك بالدلو فيشرب، وربما سقاني.
قال ابن الجوزي. يزيد وإسحاق لا يعرفان، وقد خالف هذا الّذي قبله في طول إلياس.
وأخرج ابن عساكر من طريق علي بن الحسين بن ثابت الدّوري عن هشام بن خالد، عن الحسن بن يحيى الخشنيّ، عن ابن أبي روّاد، قال: الخضر وإلياس يصومان ببيت المقدس، ويحجّان في كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
ثم وجدت في زيادات الزهد لعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه، حدّثنا مهدي بن جعفر، حدثني ضمرة، عن السّري بن يحيى، عن ابن أبي روّاد، قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان ببيت المقدس، ويوافيان الموسم في كل عام قال عبد اللَّه: وحدثني الحسن- هو ابن رافع، عن ضمرة، عن السري، عن عبد العزيز بن أبي روّاد مثله.
وقال ابن جرير في تاريخه: حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الحكم المصري، حدثنا محمد بن المتوكل، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبد اللَّه بن شوذب، قال: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل، يلتقيان في كل عام بالموسم.
باب ما جاء في بقاء الخضر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه
قال الفاكهيّ في «كتاب مكّة» : حدّثنا الزبير بن بكّار، حدثني جمرة بن عتبة، حدثني محمد بن عمران. عن جعفر بن محمد بن علي هو الصادق بن الباقر، قال: كنت مع أبي بمكة في ليالي العشر وأبي قائم يصلّي في الحجر، فدخل عليه رجل أبيض الرأس واللحية شئن الآراب، فجلس إلى جنب أبي فخفّف، فقال: إني جئتك يرحمك اللَّه تخبرني عن أول خلق هذا البيت. قال: ومن أنت؟ قال: أنا رجل من أهل هذا المغرب. قال: إنّ أول خلق هذا البيت أن اللَّه لما ردّ عليه الملائكة حيث قالوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة:
30] غضب، فطافوا بعرشه، فاعتذروا فرضي عنهم، وقال: اجعلوا لي في الأرض بيتا يطوف به من عبادي من غضبت عليه، فأرضى عنه كما رضيت عنكم.
فقال له الرجل: إي يرحمك اللَّه، ما بقي من أهل زمانك أعلم منك. ثم ولّى فقال لي أبي: أدرك الرجل فردّه علي، قال: فخرجت وأنا انظر إليه. فلما بلغ باب الصّفا مثل فكأنه لم يك شيئا. فأخبرت أبي. فقال: تدري من هذا؟ قلت: لا. قال: هذا الخضر.
وهكذا ذكره الزّبير في «كتاب النّسب» بهذا السّند، وفي روايته: أبيض الرأس واللحية جليل العظام. بعيد ما بين المنكبين. عريض الصدر عليه ثوبان غليظان في هيئة المحرم.
فجلس إلى جنبه فعلم أنه يريد أن يخفّف. فخفف الصلاة فسلم ثم أقبل عليه. فقال له الرجل: يا أبا جعفر.
وأخرج ابن عساكر من طريق إبراهيم بن عبد اللَّه بن المغيرة، عن أبيه: حدّثني أبي أنّ قوّام المسجد قالوا للوليد بن عبد الملك: إنّ الخضر كلّ ليلة يصلّي في المسجد.
وقال إسحاق بن إبراهيم الجبليّ في كتاب «الدّيباج» له: حدثنا عثمان بن سعيد الأنطاكيّ، حدّثنا علي بن الهيثم المصّيصي، عن عبد الحميد بن بحر، عن سلام الطويل، عن داود بن يحيى مولى عون الطّفاوي، عن رجل كان مرابطا في بيت المقدس وبعسقلان، قال: بينا أنا أسير في وادي الأردنّ إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائم يصلي، فإذا سحابة تظلّه من الشمس، فوقع في قلبي أنه إلياس النبي، فأتيته فسلمت عليه، فانفتل من صلاته فردّ عليّ السلام، فقلت له من أنت يرحمك اللَّه؟ فلم يرد عليّ شيئا، فأعدت عليه القول مرّتين.
فقال: أنا إلياس النبيّ فأخذتني رعدة شديدة خشيت على عقلي أن يذهب. فقلت له:
إن رأيت يرحمك اللَّه أن تدعو لي أن يذهب اللَّه عني ما أجد حتى أفهم حديثك. قال: فدعا لي بثمان دعوات. فقال: يا برّ يا رحيم، يا حيّ يا قيّوم، يا حنّان يا منّان. «يا هيا شر» آهيا «1» ، فذهب عني ما كنت أجد فقلت له: إلى من بعثت؟ قال: إلى أهل بعلبكّ قلت: فهل يوحى إليك اليوم؟ فقال: أما بعد بعث محمد خاتم النبيّين فلا. قلت: فكم من الأنبياء في الحياة؟ قال: أربعة، أنا والخضر في الأرض وإدريس وعيسى في السماء. قلت: فهل تلتقي أنت والخضر؟ قال: نعم في كل عام بعرفات. قلت: فما حديثكما؟ قال: يأخذ من شعري وآخذ من شعره، قلت: فكم الأبدال؟ قال: هم ستون رجلا: خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطئ الفرات، ورجلان بالمصيصة «2» ، ورجل بأنطاكيّة «3» ، وسبعة في سائر الأمصار
(1) هكذا وردت بالأصول.
(2)
المصيصة: بالفتح ثم الكسر والتشديد وياء ساكنة وصاد أخرى وقيل بتخفيف الصادين: وهي مدينة مشهورة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم وكانت من الأماكن التي يرابط بها المسلمون قديما. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 1280.
(3)
أنطاكية: بالفتح ثم السكون والياء مخففة، قال الهيثم بن عدي: أول من بنى أنطاكية انطيخس وهو الملك الثالث بعد الإسكندر وذكر يحيى بن جرير المطيب التكريتي: أن أول من بنى أنطاكية انطيغونيا في السنة السادسة من موت الإسكندر ولم يتمها فأتمها بعده سلوقوس (سلوقس) . انظر معجم البلدان 1/ 316.
بهم تسقون الغيث، وبهم تنصرون على العدوّ، وبهم يقيم اللَّه أمر الدنيا حتى إذا أراد أن يهلك الدنيا أماتهم جميعا.
وفي إسناده جهالة ومتروكون.
وقال ابن أبي حاتم في التفسير: حدثنا أبي، أخبرنا عبد العزيز الأوسي، حدثنا عليّ بن أبي عليّ الهاشمي، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، أنّ عليّ بن أبي طالب قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية، فجاءهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السّلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، كلّ نفس ذائقة الموت، وإنما توفّون أجوركم يوم القيامة، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
قال جعفر: أخبرني أبي أنّ عليّ بن أبي طالب قال: تدرون من هذا؟ هذا الخضر.
ورواه محمد بن منصور الجزار، عن محمد بن جعفر بن محمد، وعبد اللَّه بن ميمون القدّاح جميعا، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين: سمعت أبي يقول: لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: جاءت التعزية يسمعون حسّه ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة اللَّه أهل البيت. إنّ في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كلّ ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنّ المحروم من حرم الثواب. فقال علي: تدرون من هذا؟ هو الخضر.
قال ابن الجوزيّ: تابعه محمد بن صالح، عن محمد بن جعفر، ومحمد بن صالح ضعيف.
قلت: ورواه الواقديّ، وهو كذّاب، قال: ورواه محمد بن أبي عمر، عن محمد بن جعفر وابن أبي عمر مجهول.
قلت: وهذا الإطلاق ضعيف، فإنّ ابن أبي عمر أشهر من أن يقال فيه هذا، هو شيخ مسلم وغيره من الأئمة، وهو ثقة حافظ، صاحب مسند مشهور مرويّ، وهذا الحديث فيه
أخبرني به شيخنا حافظ العصر أبو الفضل بن الحسين رحمه الله. قال: أخبرني أبو محمد بن القيم، أخبرنا أبو الحسن بن البخاري «1» عن محمد بن معمر، أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء،
(1) في أ: الحسين البخاري.
أخبرنا أحمد بن محمد بن النعمان، أخبرنا أبو بكر بن المقري، أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد، قال: كان أبي- هو جعفر بن محمد الصّادق- يذكر عن أبيه عن جده عن عليّ بن أبي طالب أنه دخل عليهم نفر من قريش فقال: ألا أحدّثكم عن أبي قاسم؟ قالوا: بلى، فذكر الحديث بطوله في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: وفي آخره: فقال جبرائيل: يا أحمد، عليك السّلام، هذا آخر وطئي الأرض، إنّما كنت أنت حاجتي من الدّنيا» .
فلما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية جاء آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السّلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه، إنّ في اللَّه عزاء عن كلّ مصيبة، وخلفا من كلّ هالك، ودركا من كلّ فائت، فباللَّه فثقوا، وإيّاه فارجوا، فإنّ المحروم من حرم الثّواب، وإن المصاب من حرم الثّواب. والسّلام عليكم «1» .
فقال عليّ: هل تدرون من هذا؟ هذا الخضر.
انتهى.
ومحمد بن جعفر هذا هو أخو موسى الكاظم حدّث عن أبيه وغيره.
وروى عنه إبراهيم بن المنذر وغيره، وكان قد دعا لنفسه بالمدينة ومكة، وحجّ بالنّاس سنة مائتين، وبايعوه بالخلافة، فحجّ المعتصم فظفر به، فحمله إلى أخيه المأمون بخراسان، فمات بجرجان سنة ثلاث ومائتين.
وذكر الخطيب في ترجمته أنه لما ظفر به صعد المنبر فقال: أيّها الناس، إني قد كنت حدّثتكم بأحاديث زوّرتها، فشقّ الناس الكتب التي سمعوها منه، وعاش سبعين سنة.
قال البخاريّ: أخوه إسحاق أوثق منه. وأخرج له الحاكم حديثا: قال الذهبي: إنه ظاهر النكارة في ذكر سليمان بن داود عليهما السلام.
وأخرج البيهقيّ في «الدّلائل» ، قال: حدّثنا أبو عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو جعفر البغدادي، حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الصّنعاني. حدثنا أبو الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: لما توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عزّتهم الملائكة يسمعون الحسّ ولا يرون الشّخص. فقال: السّلام عليكم ورحمة اللَّه
(1) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 7/ 268 عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ولفظه لما توفي رسول اللَّه وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل ما فات فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب.
وبركاته، إن في اللَّه عزاء من كلّ مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثّواب «1» .
والسّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
وقال البيهقيّ أيضا: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي، حدثنا الحسن بن حميد بن الربيع اللخمي، حدثنا عبد اللَّه بن أبي زياد، حدثنا سيار بن أبي حاتم، حدثنا عبد الواحد بن سليمان الحارثي، حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي- هو ابن الحسين بن عليّ، قال: لما كان قبل وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هبط إليه جبرائيل. فذكر قصّة الوفاة مطوّلة، وفيه: فأتاهم آت يسمعون حسّه ولا يرون شخصه، فقال: السّلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته
…
فذكر مثله في التعزية.
وأخرج سيف بن عمر التّميميّ في كتاب الردّة له عن سعيد بن عبد اللَّه عن ابن عمر قال: لما توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر حتى دخل عليه، فلما رآه مسجى قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة: 156] ، ثم صلّى عليه، فرفع أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلّى، فلما سكن ما بهم سمعوا تسليم رجل على الباب صيّت جليد، يقول: السّلام عليكم يا أهل البيت، كلّ نفس ذائقة الموت، وإنّما توفون أجوركم يوم القيامة، ألا وإنّ في اللَّه خلفا من كلّ أحد، ونجاة من كل مخافة، واللَّه فارجوا، وبه فثقوا، فإنّ المصاب من حرم الثواب.
فاستمعوا له وقطعوا البكاء، ثم اطلعوا فلم يروا أحدا، فعادوا لبكائهم فناداهم مناد آخر: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال تكونوا من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل هلكة، فباللَّه فثقوا، وإياه فأطيعوا. فإن المصاب من حرم الثواب.
فقال أبو بكر: هذا الخضر وإلياس قد حضرا وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وسنده فيه مقال. وشيخه لا يعرف.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا كامل بن طلحة، حدثنا عباد بن عبد الصّمد، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اجتمع أصحابه حوله يبكون، فدخل عليهم رجل أشعر
(1) أخرجه البيهقي في دلائل النبوة 7/ 269 عن جابر بن عبد اللَّه وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال البيهقي هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر ويدلك على أن له أصلا من حديث جعفر واللَّه أعلم.
طويل المنكبين في إزار ورداء، يتخطّى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أخذ بعضادتي باب البيت، فبكى ثم أقبل على أصحابه، فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل ما فات، وخلفا من كل هالك، فإلى اللَّه فأنيبوا، وبنظره إليكم في البلاء فانظروا، فإنما المصاب من لم يجز الثّواب، ثم ذهب الرجل.
فقال أبو بكر: عليّ بالرجل، فنظروا يمينا وشمالا فلم يروا أحدا فقال أبو بكر: لعل هذا الخضر، أخو نبينا جاء يعزّينا عليه صلى الله عليه وسلم «1» .
وعباد ضعّفه البخاريّ والعقيليّ.
وقد أخرجه الطّبرانيّ في «الأوسط» ، عن موسى بن أبي هارون، عن كامل، وقال:
تفرد به عباد عن أنس.
وقال الزّبير بن بكّار في كتاب «النّسب» : حدّثني حمزة بن عتبة اللهبي، حدثنا محمد بن عمران عن جعفر بن محمد- هو الصادق، قال: كنت مع أبي محمد بن علي بمكة في ليالي العشر قبل التّروية بيوم أو يومين وأبي قائم يصلّي في الحجر وأنا جالس وراءه، فجاءه رجل أبيض الرأس واللحية، جليل العظام، بعيد ما بين المنكبين، عريض الصدر عليه ثوبان غليظان في هيئة المحرم، فجلس إلى جنبه، فعلم أبي أنه يريد أن يخفف، فخفّف الصلاة، فسلم ثم أقبل عليه، فقال له الرجل: يا أبا جعفر، أخبرني عن بدء خلق هذا البيت كيف كان؟ فقال له أبو جعفر: فمن أنت يرحمك اللَّه؟ قال: رجل من أهل الشام. فقال: بدء خلق هذا البيت أنّ اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
…
[البقرة: 30] الآية وغضب عليهم، فعاذوا بالعرش، فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربّهم فرضي عنهم وقال لهم: ابنوا لي في الأرض بيتا يتعوّذ به من سخطت عليه من بني آدم، ويطاف حوله كما طفتم بعرشي فأرضى عنهم. فبنوا له هذا البيت.
فقال له الرجل: يا أبا جعفر، فما يدخل هذا الركن؟ فذكر القصّة.
قال جعفر: فقام الرجل. فذهب، فأمرني أبي أن أردّه عليه، فخرجت في أثره وأنا أرى أنّ الزّحام يحول بيني وبينه حتى دخل نحو الصّفا فتبصرته على الصّفا فلم أره، ثم
(1) أورده الهيثمي في الزوائد 3/ 6 عن أنس قال لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قعد أصحابه حزان يبكون حوله
…
الحديث قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط وفيه عباد بن عبد الصمد أبو معمر ضعفه البخاري.
ذهبت إلى المروة فلم أره عليها، فجئت إلى أبي فأخبرته فقال لي أبي: لم تكن لتجده، ذلك الخضر.
وقال ابن شاهين في كتاب الجنائز له: حدّثنا ابن أبي داود، حدّثنا أحمد بن عمرو بن السراج، حدثنا ابن وهب عمّن حدثه، عن محمد بن عجلان، عن محمد بن المنكدر، قال:
بينما عمر بن الخطاب يصلي على جنازة إذا هاتف يهتف من خلفه: ألا لا تسبقنا بالصلاة يرحمك اللَّه. فانتظره حتى لحق بالصفّ فكبر، فقال: إن تعذّبه فقد عصاك، وإن تغفر له فإنه فقير إلى رحمتك. فنظر عمر وأصحابه إلى الرجل، فلما دفن الميت سوّى الرجل عليه من تراب القبر، ثم قال: طوبى لك يا صاحب القبر إن لم تكن عريفا أو خائنا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيّا.
فقال عمر: خذوا لي هذا الرجل نسأله عن صلاته وعن كلامه، فتولى الرجل عنهم، فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر: هذا هو واللَّه الخضر الّذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزيّ: فيه مجهول وانقطاع بين ابن المنكدر وعمر.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدّثنا أبي، حدثنا علي بن شقيق، حدثنا ابن المبارك، أخبرنا عمر بن محمد بن المنكدر، قال: بينما رجل يمشي يبيع شيئا ويحلف قام عليه شيخ فقال:
يا هذا، بع ولا تحلف، فعاد يحلف فقال: بع ولا تحلف، فقال: أقبل على ما يعنيك، قال:
هذا ما يعنيني، ثم قال: آثر الصدق على ما يضرك على الكذب فيما ينفعك، وتكلّم فإذا انقطع علمك فاسكت، واتّهم الكاذب فيما يحدثك به غيرك فقال: أكتبني هذا الكلام.
فقال: إن يقدر شيء يكن، ثم لم يره، فكانوا يرون أنه الخضر.
قال ابن الجوزيّ: فكأن هذا أصل الحديث. وقد رواه أبو عمرو بن السّماك في فوائده، عن يحيى بن أبي طالب، عن علي بن عاصم، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه، قال: كان ابن عمر قاعدا ورجل قد أقام سلعته يريد بيعها، فجعل يكرر الأيمان، إذ مرّ به رجل، فقال:
اتّق اللَّه ولا تحلف به كاذبا، عليك بالصّدق فيما يضرّك، وإياك والكذب فيما ينفعك، ولا تزيدنّ في حديث غيرك. فقال ابن عمر لرجل: اتبعه فقل له: أكتبني هذه الكلمات، فتبعه، فقال: ما يقضى من شيء يكن، ثم فقده. فرجع فأخبر ابن عمر، فقال ابن عمر: ذاك الخضر.
قال ابن الجوزي: علي بن عاصم ضعيف سيّئ الحفظ، ولعله أراد أن يقول عمر بن محمد بن المنكدر فقال ابن عمر، قال: وقد رواه أحمد بن محمد بن مصعب أحد الوضّاعين
عن جماعة مجاهيل، عن عطاء، عن ابن عطاء، عن ابن عمر.
قلت: وجدت له طريقا جيدة غير هذه عن ابن عمر، قال البيهقيّ في دلائل النبوّة:
أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، حدّثنا أحمد بن سليمان الفقيه، حدّثنا الحسن بن مكرم، حدّثنا عبد اللَّه بن بكر- هو السّهميّ، حدّثنا الحجاج بن فرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد اللَّه بن عمر، فكان أحدهما يكثر الحلف، فبينما هو كذلك إذ سمعهما رجل، فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف: يا عبد اللَّه، اتّق اللَّه ولا تكثر الحلف، فإنه لا يزيد في رزقك إن حلفت، ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف. قال: امض لما يعنيك. قال إن هذا مما يعنيني- قالها ثلاث مرات، وردّ عليه قوله فلما أراد أن ينصرف عنهما قال: اعلم أن من الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك، ولا يكن في قولك فضل على فعلك، ثم انصرف.
فقال عبد اللَّه بن عمر: الحقه فاستكتبه هؤلاء الكلمات. فقال: يا عبد اللَّه، أكتبني هذه الكلمات يرحمك اللَّه، فقال الرجل: ما يقدّر اللَّه يكن، وأعادهنّ عليه حتى حفظهن، ثم مشى حتى وضع إحدى رجليه في المسجد، فما أدري أرض تحته أم سماء. قال: كأنهم كانوا يرون أنه الخضر أو إلياس.
وقال ابن أبي الدّنيا: حدثنا يعقوب بن يوسف. حدثنا مالك بن إسماعيل، حدّثنا صالح بن أبي الأسود، عن محفوظ بن عبد اللَّه، عن شيخ من حضر موت، عن محمد بن يحيى، قال: قال علي بن أبي طالب: بينما أنا أطوف بالبيت إذا أنا برجل معلّق بالأستار وهو يقول: يا من لا يشغله شيء عن سمع، يا من لا يغلظه السّائلون، يا من لا يتبرم بإلحاح الملحّين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك.
قال: قلت: دعاؤك هذا عافاك اللَّه أعده. قال: وقد سمعته؟ قلت: نعم، قال: فادع به دبر كلّ صلاة.
فو الّذي نفس الخضر بيده لو أن عليك من الذنوب عدد نجوم السماء وحصى الأرض لغفر اللَّه لك أسرع من طرفة عين.
وأخرجه الدينَوَريّ في المجالسة من هذا الوجه.
وقد روى أحمد بن حرب النيسابوريّ، عن محمد بن معاذ الهروي، عن سفيان الثوريّ، عن عبد اللَّه بن محرر، عن يزيد بن الأصمّ، عن علي بن أبي طالب، فذكر نحوه، لكن قال: فقلت: يا عبد اللَّه، أعد الكلام، قال: وسمعته؟ قلت: نعم.
قال: والّذي نفس الخضر بيده- وكان الخضر يقولهنّ عند دبر الصّلاة المكتوبة- لا
يقولها أحد دبر الصّلاة المكتوبة إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج، وعدد القطر، وورق الشّجر.
ورواه محمد بن معاذ الهروي، عن أبي عبيد اللَّه المخزومي، عن عبد اللَّه بن الوليد، عن محمد بن حميد عن سفيان الثوري نحوه.
وروى سيف في «الفتوح» أن جماعة كانوا مع سعد بن أبي وقاص فرأوا أبا محجن وهو يقاتل، فذكر قصّة أبي محجن بطولها، وأنهم قالوا- وهم لا يعرفونه: ما هو إلا الخضر.
وهذا يقتضي أنهم كانوا جازمين بوجود الخضر في ذلك الوقت.
وقال أبو عبد اللَّه بن بطّة العكبريّ الحنبلي: حدثنا شعيب بن أحمد، حدثنا أحمد بن أبي العوّام، حدثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن عبد الحميد الواسطي، حدّثنا أبين بن سفيان، عن غالب بن عبد اللَّه العقيلي، عن الحسن البصري، قال: اختلف رجل من أهل السنّة وغيلان القدري في شيء من القدر، فتراضيا بينهما على أول رجل يطلع عليهما من ناحية ذكراها، فطلع عليهما أعرابيّ قد طوى عباءته فجعلها على كتفه، فقالا له: رضيناك حكما فيما بيننا، فطوى كساءه ثم جلس عليه ثم قال: اجلسا، فجلسا بين يديه، فحكم على غيلان، قال الحسن: ذاك الخضر.
في إسناده أبين بن سفيان متروك الحديث.
وقال حمّاد بن عمر النّصيبي أحد المتروكين: حدّثنا السّري بن خالد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، أنّ مولى لهم ركب في البحر فكسر به، فبينما هو يسير على ساحله إذ نظر إلى رجل على شاطئ البحر ونظر إلى مائدة نزلت من السّماء، فوضعت بين يديه، فأكل منها، ثم رفعت، فقال له: بالذي وفقك لما أرى، أيّ عباد اللَّه أنت؟ قال: الخضر الّذي تسمع به، قال: بماذا جاءك هذا الطّعام والشّراب؟ فقال: بأسماء اللَّه العظام.
وأخرج أحمد في كتاب الزّهد له، عن حماد بن أسامة، حدّثنا مسعر، عن معن بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن عون بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: بينما رجل في بستان بمصر في فتنة ابن الزبير مهموما مكبّا ينكث في الأرض بشيء إذ رفع رأسه فإذا بفتى صاحب مسحاة قد سنح له قائما بين يديه، فرفع رأسه، فكأنه ازدراه، فقال له: ما لي أراك مهموما؟ قال: لا شيء، قال: أما الدنيا فإنّ الدّنيا عرض حاضر يأكل منه البرّ والفاجر، وإنّ
الآخرة أجل صادق يحكم فيه ملك قادر، حتى ذكر أنّ لها مفصلا كمفاصل اللحم، من أخطأ شيئا منها أخطأ الحق.
قال: فلما سمع ذلك منه أعجبه. فقال: اهتمامي بما فيه المسلمون، قال: فإن اللَّه سينجيك بشفقتك على المسلمين، وسأل من ذا الّذي سأل اللَّه فلم يعطه، أو دعاه فلم يجبه، أو توكّل عليه فلم يكفه، أو وثق به فلم ينجه قال: فطفقت أقول: اللَّهمّ سلّمني وسلّم منّي.
قال: فتجلّت ولم يصب فيها بشيء.
قال مسعر: يرون أنه الخضر.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» في ترجمة عون بن عبد اللَّه، من طريق أبي أسامة، وهو حماد بن أسامة، وقال بعده ورواه ابن عيينة عن أبي مسعر.
وقال إبراهيم بن محمّد بن سفيان الراويّ عن مسلم عقب روايته عن مسلم لحديث أبي سعيد فيه قصته الّذي يقتله الدجّال. يقال إن هذا الرجل الخضر.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي سعيد، في قصة الدجال الحديث بطوله، وفيه قصة الّذي يقتله، وفي آخره: قال معمر:
بلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس، وبلغني أنه الخضر، وهذا عزاه النوويّ لمسند معمر، فأوهم أنّ له فيه سندا، وإنما هو قول معمر.
وقال أبو نعيم في «الحلية» : فيما أنبأنا إبراهيم بن داود شفاها: أخبرنا إبراهيم بن علي بن سنان، أخبرنا أبو الفرج الحراني، عن أبي المكارم التيميّ، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم في الحلية، حدثنا عبد اللَّه بن محمد- هو أبو الشّيخ، حدثنا محمد بن يحيى- هو ابن مندة، حدثنا أحمد بن منصور المروزي، حدثنا أحمد بن حميد، قال: قال سفيان بن عيينة: بينما أنا أطوف بالبيت إذا أنا برجل مشرف على الناس حسن الشيبة، فقلنا بعضنا لبعض: ما أشبه هذا الرجل أن يكون من أهل العلم. فاتبعناه حتى قضى طوافه فسار إلى المقام فصلّى ركعتين، فلما سلّم أقبل على القبلة فدعا بدعوات، ثم التفت إلينا فقال:
هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا: وماذا قال ربّنا؟ قال: ربكم: أنا الملك أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا. ثم أقبل على القبلة فدعا بدعوات، ثم التفت إلينا، فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا له: وماذا قال ربنا؟ حدثنا يرحمك اللَّه، قال: قال ربكم: أنا الحيّ الّذي لا يموت، أدعوكم إلى أن تكونوا أحياء لا تموتون. ثم أقبل على القبلة فدعا بدعوات، ثم التفت إلينا فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم: قلنا: ماذا قال ربنا؟ حدّثنا يرحمك اللَّه قال:
قال ربكم: أنا الّذي إذا أردت شيئا كان، أدعوكم إلى أن تكونوا بحال إذا أردتم شيئا كان لكم.
قال ابن عيينة: ثم ذهب فلم نره، قال: فلقيت سفيان الثوريّ، فأخبرته بذلك: فقال:
ما أشبه أن يكون هذا الخضر أو بعض هؤلاء الأبدال، تابعه محرز بن أبي جدعة عن سفيان، ورواها زياد بن أبي الأصبغ، عن سفيان أيضا، وروى محمد بن الحسن بن الأزهر، عن العباس بن يزيد عن سفيان نحوها.
وروى أبو سعيد؟ في «شرف المصطفى» ، من طريق أحمد بن أبي برزة، حدّثنا محمد بن الفرات، عن ميسرة بن سعيد، عن أبيه: بينما الحسن في مجلس والناس حوله إذا أقبل رجل مخضرة عيناه، فقال له الحسن: أهكذا ولدتك أمك أم هي بلية؟ قال: أو ما تعرفني يا أبا سعيد؟ قال: من أنت؟ فانتسب له فلم يبق في المجلس أحد إلا عرفه. فقال: يا هذا، ما قصّتك؟ قال: يا أبا سعيد، عمدت إلى جميع مالي فألقيته في مركب فخرجت أريد الصّين، فعصفت علينا ريح فغرقت، فخرجت إلى بعض السّواحل على لوح فأقمت أتردّد نحوا من أربعة أشهر آكل ما أصيب من الشّجر والعشب، وأشرب من ماء العيون، ثم قلت لأمضينّ على وجهي إما أن أهلك وإما أن ألحق الجواء، فسرت فرفع لي قصر كأنه بناء فضة، فدفعت مصراعه، فإذا داخله أروقة في كل طاق منها صندوق من لؤلؤ وعليها أقفال مفاتيحها رأي العين، ففتحت بعضها فخرجت من جوفه رائحة طيبة، وإذا فيه رجال مدرجون في ألوان الحرير، فحرّكت بعضهم، فإذا هو ميت في صفة حيّ، فأطبقت الصّندوق وخرجت، وأغلقت باب القصر ومضيت فإذا أنا بفارسين لم أر مثلهما جمالا على فرسين أغرّين محجّلين، فسألاني عن قصتي فأخبرتهما، فقالا: تقدّم أمامك، فإنك تصل إلى شجرة تحتها روضة، هنالك شيخ حسن الهيئة على دكّان يصلّي فأخبره خبرك، فإنه سيرشدك إلى الطريق.
فمضيت فإذا أنا بالشّيخ، فسلّمت فردّ علي وسألني عن قصتي، فأخبرته بخبري كله، ففزع لما أخبرته بخبر القصر، ثم قال: ما صنعت؟ قلت: أطبقت الصناديق، وأغلقت الأبواب: فسكن، وقال: اجلس. فمرّت به سحابة، فقالت: السّلام عليك يا وليّ اللَّه.
فقال: أين تريدين؟ قالت: أريد بلد كذا وكذا. فلم تزل تمرّ به سحابة بعد سحابة حتى أقبلت سحابة فقال: أين تريدين؟ قالت: البصرة. قال: انزلي، فنزلت فصارت بين يديه.
فقال: احملي هذا حتى تردّيه إلى منزله سالما.
فلما صرت على متن السّحابة قلت: أسألك بالذي أكرمك إلّا أخبرتني عن القصر وعن
الفارسين وعنك قال: أما القصر فقد أكرم اللَّه به شهداء البحر، ووكل بهم ملائكة يلقطونهم من البحر فيصيرونهم في تلك الصّناديق مدرجين في أكفان الحرير. والفارسان ملكان يغدوان ويروحان عليهم بالسّلام من اللَّه، وأما أنا فالخضر، وقد سألت ربّي أن يحشرني مع أمّة نبيكم.
قال الرّجل: فلما صرت على السّحابة أصابني من الفزع هول حتى صرت إلى ما ترى، فقال الحسن: لقد عاينت عظيما.
وروى الطّبراني في كتاب الدعاء له قال: حدّثنا يحيى بن محمد الحنائي، حدثنا المعلى بن حرمي، عن محمد بن المهاجر البصريّ، حدّثني أبو عبد اللَّه بن التوأم الرقاشيّ أنّ سليمان بن عبد الملك أخاف رجلا وطلبه ليقتله، فهرب الرجل، فجعلت رسله تختلف إلى منزل ذلك الرجل يطلبونه فلم يظفروا به، فجعل الرجل لا يأتي بلدة إلا قيل له: قد كنت تطلب ها هنا، فلما طال عليه الأمر عزم أن يأتي بلدة لا حكم لسليمان عليها. فذكر قصّة طويلة فيها: فبينا هو في صحراء ليس فيها شجر ولا ماء إذ هو برجل يصلّي، قال: فخفته، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: واللَّه ما معي راحلة ولا دابة، قال: فقصدت نحوه فركع وسجد، ثم التفت إليّ فقال: لعل هذا الطّاغي أخافك؟ قلت: أجل. قال: فما يمنعك من السّبع؟ قلت: يرحمك اللَّه، وما السّبع؟ قال: قل سبحان [الواحد] الّذي ليس غيره إله، سبحان القديم الّذي لا بادئ له، سبحان الدائم الّذي لا نفاد له، سبحان الّذي كلّ يوم هو في شأن، سبحان الّذي يحيي ويميت، سبحان الّذي خلق ما نرى وما لا نرى، سبحان الّذي علم كل شيء بغير تعليم، ثم قال: قلها فقلتها وحفظتها والتفتّ فلم أر الرجل.
قال: وألقى اللَّه في قلبي الأمن، ورجعت راجعا من طريقي أريد أهلي، فقلت: لآتين باب سليمان بن عبد الملك، فأتيت بابه فإذا هو يوم إذنه وهو يأذن للنّاس، فدخلت وإنه لعلى فراشه، فما عدا أن رآني فاستوى على فراشه، ثم أومأ إليّ، فما زال يدنيني حتى قعدت معه على الفراش، ثم قال: سحرتني. وساحر أيضا ما بلغني عنك؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أنا بساحر، ولا أعرف السّحر ولا سحرتك. قال: فكيف؟ فما ظننت أن يتمّ ملكي إلا بقتلك. فلما رأيتك لم أستقرّ حتى دعوتك. فأقعدتك معي على فراشي، ثم قال:
أصدقني أمرك، فأخبرته.
قال: يقول سليمان: الخضر واللَّه الّذي لا إله إلا هو علّمكها، اكتبوا له أمانا، وأحسنوا جائزته، واحملوه إلى أهله.
وأخرج أبو نعيم في «الحلية» في ترجمة رجاء بن حيوة، من تاريخ السراج، ثم من
رواية محمد بن ذكوان، عن رجاء بن حيوة. قال: إني لواقف مع سليمان بن عبد الملك، وكانت لي منه منزلة إذ جاء رجل ذكر رجاء من حسن هيئته، قال: فسلّم فقال: يا رجاء، إنك قد ابتليت بهذا الرجل وفي قربه الزيغ، يا رجاء، عليك بالمعروف وعون الضعيف واعلم يا رجاء أنه من كانت له منزلة من السلطان فرفع حاجة إنسان ضعيف وهو لا يستطيع رفعها لقي اللَّه يوم القيامة وقد ثبت قدميه للحساب.
واعلم أنه من كان في حاجة أخيه المسلم كان اللَّه في حاجته. واعلم يا رجاء أنّ من أحب الأعمال إلى اللَّه فرجا أدخلته على مسلم، ثم فقده، وكان يرى أنه الخضر عليه السلام.
وذكر الزّبير بن بكّار في «الموفقيات» ، قال: أخبرني السري بن الحارث الأنصاريّ، من ولد الحارث بن الصمة، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير، وكان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ويصوم الدّهر، قال: بتّ ليلة في المسجد، فلما خرج الناس إذا رجل قد جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسلم، ثم أسند ظهره إلى الجدار. ثم قال: اللَّهمّ إنك تعلم أني كنت أمسى صائما، ثم أمسيت فلم أفطر على شيء، وظللت اليوم صائما، ثم أمسيت فلم أفطر على شيء، اللَّهمّ وإني أمسيت أشتهي الثريد، فأطعمنيها، من عندك. قال: فنظرت إلى وصيف داخل من خوخة المنارة ليس في خلقه صفة النّاس، معه قصعة فأهوى بها إلى الرجل، فوضعها بين يديه، وجلس الرجل يأكل وحصبني، فقال: هلمّ. فجئت وظننت أنها من الجنة فأحببت أن آكل منها، فأكلت منها لقمة فإذا طعام لا يشبه طعام أهل الدّنيا، ثم احتشمت فقمت فرجعت إلى مكاني. فلما فرغ من أكله أخذ الوصيف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء، ثم قام الرجل منصرفا فاتبعته لأعرفه، فمثل، فلا أدري أين سلك، فظننته الخضر.
وقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء المذكور: حدّثني أحمد بن ملاعب، حدثنا يحيى بن سعيد السعيدي، أخبرني أبو جعفر الكوفي، حدثني أبو عمر النّصيبي، قال:
خرجت أطلب مسلمة بن مصقلة بالشام، وكان يقال إنه من الأبدال، فلقيته بوادي الأردنّ، فقال لي: ألا أخبرك بشيء رأيته اليوم في هذا الوادي؟ قال: قلت: بلى، قال: دخلت اليوم هذا الوادي فإذا أنا بشيخ يصلّي إلى شجرة، فألقي في روعي أنه إلياس النبيّ، فدنوت منه فسلّمت عليه، فركع، فلما جلس سلّم عن يمينه وعن شماله، ثم أقبل عليّ فقال: وعليك السلام، فقلت من أنت يرحمك اللَّه؟ قال أنا إلياس النبيّ. قال: فأخذتني رعدة شديدة حتى خررت على قفاي، قال: فدنا مني فوضع يده بين يدي فوجدت بردها بين كتفي، فقلت: يا
نبي اللَّه، ادع اللَّه أن يذهب عني ما أجد حتى أفهم كلامك عنك فدعا لي بثمانية أسماء:
خمسة منها بالعربية، وثلاثة بالسريانية، فقال: يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا فرد، يا وتر.
ودعا بالثلاثة الأسماء الأخر فلم أعرفها، ثم أخذ بيدي فأجلسني، فذهب عني ما كنت أجد.
فقلت: يا نبيّ اللَّه، ألم تر إلى هذا الرجل ما يصنع؟ يعني مروان بن محمد، وهو يومئذ يحاصر أهل حمص، فقال لي: ما لك وما له؟ جبّار، عات على اللَّه فقلت: يا نبيّ اللَّه، أما إني قد مررت به قال: فأعرض عني. فقلت: يا نبي اللَّه، أما إني وإن كنت قد مررت بهم فإنّي لم أهو أحدا من الفريقين، وأنا أستغفر اللَّه وأتوب إليه. قال: فأقبل عليّ بوجهه. ثم قال لي: قد أحسنت، هكذا فقل ثم لا تعد.
قلت: يا نبيّ اللَّه، هل في الأرض اليوم من الأبدال أحد؟ قال: نعم، هم ستون رجلا، منهم خمسون فيما بين العريش إلى الفرات، ومنهم ثلاثة بالمصيّصة، وواحد بأنطاكيّة، وسائر العشرة في سائر أمصار العرب.
قلت: يا نبي اللَّه، هل تلتقي أنت والخضر؟ قال: نعم، نلتقي في كل موسم بمنى.
قلت: فما يكون من حديثكما؟ قال: يأخذ من شعري وآخذ من شعره، قلت: يا نبي اللَّه، إنّي رجل خلو ليست لي زوجة ولا ولد، فإن رأيت أن تأذن لي فأصحبك وأكون معك.
قال: إنك لن تستطيع ذلك، وإنك لا تقدر على ذلك.
قال: فبينما هو يحدّثني إذ رأيت مائدة قد خرجت من أصل الشجرة فوضعت بين يديه، ولم أر من وضعها، عليها ثلاثة أرغفة، فمدّ يده ليأكل، وقال لي: كل وسمّ، وكل مما يليك، فمددت يدي فأكلت أنا وهو رغيفا ونصفا، ثم إنّ المائدة رفعت ولم أر أحدا رفعها، وأتى إناء فيه شراب فوضع في يده لم أر أحدا وضعه فشرب، ثم ناولني فقال:
اشرب فشربت أحلى من العسل وأشد بياضا من اللّبن، ثم وضعت الإناء فرفع فلم أر أحدا رفعه. ثم نظر إلى أسفل الوادي فإذا دابّة قد أقبلت فوق الحمار ودون البغل، عليه رحالة، فلما انتهى إليه نزل. فقام ليركب ودرت به لآخذ بغرز الرّحالة، فركب ثم سار. ومشيت إلى جنبه وأنا أقول: يا نبيّ اللَّه، إن رأيت أن تأذن لي فأصحبك وأكون معك؟ قال: ألم أقل لك: لن تستطيع ذلك؟ فقلت له: فكيف لي بلقائك؟ قال: إني إذا رأيتك رأيتني. قلت:
(على) ذلك؟ قال: نعم، لعلك تلقاني في رمضان معتكفا ببيت المقدس، واستقبلته شجرة فأخذ من ناحية ودرت من الجانب الآخر أستقبله فلم أر شيئا.
قال ابن الجوزيّ: مسلمة والراوي عنه وأبو جعفر الكوفي لا يعرفون،.
وروى داود بن مهران، عن شيخ عن حبيب أبي محمد أنه رأى رجلا فقال له: من أنت؟ قال: أنا الخضر.
وعن محمد بن عمران، عن جعفر الصادق أنه كان مع أبيه، فجاءه رجل فسأله عن مسائل. قال: فأمرني أن أردّ الرّجل فلم أجده، فقال: ذاك الخضر.
وعن أبي جعفر المنصور أنه سمع رجلا يقول في الطّواف: أشكو إليك ظهور البغي والفساد، فدعاه فوعظه وبالغ، ثم خرج، فقال: اطلبوه. فلم يجدوه، فقال: ذاك الخضر.
وأخرج ابن عساكر، من طريق عمر بن فروخ عن عبد الرحمن بن حبيب، عن سعد بن سعيد بن أبي ظبية، عن كرز بن وبرة، قال: أتاني أخ لي من الشام: فأهدى إليّ هديّة، فقلت: من أهداها إليك؟ قال: إبراهيم التيمي. قلت: ومن أهداها إلى إبراهيم التيمي؟
قال: كنت جالسا في فناء الكعبة فأتاني رجل، فقال: أنا الخضر، وأهداها إليّ، وذكر لي تسبيحات ودعوات.
وذكر أبو الحسين بن المنادي، من طريق مسلمة بن عبد الملك، عن عمر بن عبد العزيز أنه لقي الخضر (ح) .
وفي المجالسة لأبي بكر الدينَوَريّ، من طريق إبراهيم بن خالد، عن عمر بن عبد العزيز، قال رأيت الخضر وهو يمشي مشيا سريعا وهو يقول: صبرا يا نفس صبرا لأيام تنفد، لتلك أيام الأبد، صبرا لأيام قصار، لتلك الأيام الطوال.
وقال يعقوب بن سفيان في «تاريخه» : حدّثنا محمد بن عبد العزيز الرمليّ: حدثنا ضمرة- هو ابن ربيعة، عن السريّ بن يحيى، عن رياح بن عبيدة قال: رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يده، فقلت في نفسي: إنّ هذا الرجل [جاف، فلما صلّى قلت: يا أبا حفص، من الرجل الّذي كان معك معتمدا على يدك آنفا؟ قال: وقد رأيته يا رياح؟ قلت: نعم، قال: إني لأراك رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر، بشّرني أني سألي فأعدل.
قلت: هذا أصلح إسناد وقفت عليه في هذا الباب، وقد أخرجه أبو عروبة الحراني في تاريخه، عن أيّوب بن محمد الورّاق، عن ضمرة أيضا.
وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» عن ابن المقري، عن أبي عروبة في ترجمة عمر بن عبد العزيز.
قال أبو عبد الرّحمن السّلميّ في تصنيفه: سمعت محمد بن عبد اللَّه الرّازي يقول:
سمعت بلالا الخواص يقول: كنت في تيه بني إسرائيل، فإذا رجل يماشيني فتعجّبت ثم ألهمت أنّه الخضر، فقلت: بحق الحق، من أنت؟ قال: أنا أخوك الخضر. فقلت: ما تقول
في الشافعيّ،؟ قال: من الأبدال. قلت: فأحمد بن حنبل؟ قال: صديق، قلت: فبشر بن الحارث؟ قال: لم يخلف بعده مثله. قلت: بأيّ وسيلة رأيتك؟ قال: ببرّك لأمك.
وقال أبو نعيم في «الحلية» : حدثنا ظفر بن محمد، حدّثنا عبد اللَّه بن إبراهيم الحريري، قال: قال أبو جعفر محمد بن صالح بن دريج قال بلال الخواص: رأيت الخضر في النوم، فقلت له: ما تقول في بشر؟ قال: لم يخلف بعده مثله، قلت: ما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: صديق.
وقال أبو الحسن بن جهضم: حدّثنا محمد بن داود، حدثنا محمد بن الصّلت، عن بشر الحافي قال: كانت لي حجرة، وكنت أغلقها إذا خرجت ومعي المفتاح، فجئت ذات يوم وفتحت الباب ودخلت فإذا شخص قائم يصلي فراعني، فقال: يا بشر. لا ترع، أنا أخوك أبو العباس الخضر. قال بشر: فقلت له: علمني شيئا، فقال: قل أستغفر اللَّه من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه، وأسأله التوبة وأستغفر اللَّه من كل عقد عقدته على نفسي ففسخته ولم أف به.
وذكر عبد المغيث من حديث ابن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما يمنعكم أن تكفّروا ذنوبكم بكلمات أخي الخضر»
«1» ، فذكر نحو الكلمات المذكورة في حكاية بشر.
وروى أبو نعيم، عن أبي الحسن بن مقسم، عن أبي محمد الحريري: سمعت أبا إسحاق المرستاني يقول: رأيت الخضر فعلّمني عشر كلمات وأحصاها بيده: اللَّهمّ إني أسألك الإقبال عليك، والإصغاء إليك، والفهم عنك، والبصيرة في أمرك، والنفاذ في طاعتك، والمواظبة على إرادتك، والمبادرة إلى خدمتك، وحسن الأدب في معاملتك، والتسليم والتفويض إليك.
وقال أبو الحسن بن جهضم: حدّثنا الخلدي، حدثنا ابن مسروق، حدثنا أبو عمران الخياط، قال: قال لي الخضر: ما كنت أظن أن للَّه وليّا إلا وقد عرفته. فكنت بصنعاء اليمن في المسجد والناس حول عبد الرزاق يسمعون منه الحديث، وشابّ جالس ناحية المسجد.
فقال لي: ما شأن هؤلاء؟ قلت: يسمعون من عبد الرزّاق. قال: عمّن؟ قلت: عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: هلا سمعوا عن اللَّه عز وجل؟ قلت: فأنت تسمع عن اللَّه عز وجل؟ قال: نعم. قلت: من أنت؟ قال: الخضر، قال: فعلمت أن للَّه أولياء ما عرفتهم.
(1) أخرجه السيوطي في الجامع الكبير 2/ 501.
ابن جهضم معروف بالكذب.
وعن الحسن بن غالب قال: حججت فسبقت الناس وانقطع بي فلقيت شابّا فأخذ بيدي فألحقني بهم، فلما قدمت قال لي أهلي: إننا سمعنا أنك هلكت فرحنا إلى أبي الحسن القزويني، فذكرنا ذلك له، وقلنا: ادع اللَّه له، فقال: ما هلك، وقد رأى الخضر، قال: فلما قدمت جئت إليه فقال لي: ما فعل صاحبك؟ قال الحسن بن غالب، وكنت في مسجدي فدخل عليّ رجل فقال: غدا تأتيك هديّة فلا تقبلها، وبعدها بأيام تأتيك هدية فأقبلها، قال:
فبلغني أن أبا الحسن القزويني قال عنّي: قد رأى الخضر مرتين.
قال ابن الجوزيّ: الحسن بن غالب كذبوه.
وأخرج ابن عساكر في ترجمة أبي زرعة الرازيّ بسند صحيح إلى أبي زرعة أنه لما كان شابّا لقي رجلا مخضوبا بالحناء، فقال له: لا تغش أبواب الأمراء، قال: ثم لقيته بعد أن كبرت وهو على حالته، فقال لي: ألم أنهك عن غشيان أبواب الأمراء، قال: ثم التفت فلم أره، فكأنّ الأرض انشقت فدخل فيها فخيّل لي أنه الخضر، فرجعت فلم أزر أميرا ولا غشيت بابه ولا سألته حاجة.
وذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» عبد اللَّه بن «1» عمر روى كلاما في الزهد عن رجل تراءى له ثم غاب عنه، فلم يدر كيف ذهب، فكان يرى أنه الخضر.
روى نعيم بن ميسرة عن رجل من يحصب «2» عنه، وروينا في الجزء الأول من فوائد الحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن مسلم بن وارة الرازيّ، حدثني الليث بن خالد أبو عمرو، وكان ثقة، حدثنا المسيب أبو يحيى، وكان من أصحاب مقاتل بن حيان، عن مقاتل بن حيان، قال: وفدت على عمر بن عبد العزيز فإذا أنا برجل أو شيخ يحدّثه أو قال متكئ عليه، قال: ثم لم أره. فقلت: يا أمير المؤمنين، رأيت رجلا يحدثك، قال: ورأيته؟ قلت:
نعم، قال: ذاك أخي الخضر يأتيني فيوفقني ويسدّدني.
وروينا في أخبار إبراهيم بن أدهم: قال إبراهيم بن بشار خادم إبراهيم بن أدهم:
صحبته بالشّام فقلت: يا أبا إسحاق، أخبرني عن بدء أمرك. قال: كنت شابّا قد حبّب إليّ الصيد، فخرجت يوما فأثرت أرنبا أو ثعلبا، فبينا أنا أطرده إذ هتف بي هاتف لا أراه: يا
(1) في ت: عبد اللَّه بن بحر.
(2)
يحصب: مضارع حصب: مخلاف فيه قصر ريدان، يزعمون أن لم يبن قطّ مثله وبينه وبين ذمار ثمانية فراسخ ويقال له: علو يحصب وسفل يحصب: مخلاف آخر. انظر: مراصد الاطلاع 3/ 1475.
إبراهيم، ألهذا خلقت؟ أبهذا أمرت؟ ففزعت ووقفت ثم تعوّذت وركضت الدابة، ففعل ذلك مرارا، ثم هتف بي هاتف من قربوس السّرج، واللَّه ما لهذا خلقت ولا بهذا أمرت. قال:
فنزلت فصادفت راعيا لأبي يرعى الغنم، فأخذت جبة الصوف فلبستها، ودفعت إليه الفرس وما كان معي، وتوجهت إلى مكة، فبينا أنا في البادية إذا أنا برجل يسير ليس معه إناء ولا زاد، فلما أمسى وصلّى المغرب حرّك شفتيه بكلام لم أفهمه، فإذا أنا بإناء فيه طعام وإناء فيه شراب، فأكلت معه وشربت، وكنت على هذا أياما، وعلمني اسم اللَّه الأعظم، ثم غاب عنّي، وبقيت وحدي، فبينا أنا ذات يوم مستوحش من الوحدة دعوت اللَّه فإذا شخص آخذ بحجزتي، فقال لي: سل تعطه فراعني قوله فقال لي: «لا روع عليك، أنا أخوك الخضر» .
وذكر عبد المغيث بن زهير الحربيّ الحنبليّ في جزء جمعه في أخبار الخضر عن أحمد بن حنبل، قال: كنت ببيت المقدس، فرأيت الخضر وإلياس.
وعن أحمد قال: كنت نائما فجاءني الخضر فقال: قل لأحمد: إن ساكني السماء والملائكة راضون عنك.
وعن أحمد بن حنبل أنه خرج إلى مكة فصحب رجلا. قال: فوقع في نفسي أنه الخضر.
قال ابن الجوزيّ في نقض ما جمعه عبد المغيث: لا يثبت هذا عن أحمد.
قال: وذكر فيه عن معروف الكرخي أنه قال: حدّثني الخضر قال: ومن أين يصح هذا عن معروف؟
وقال أبو حيّان في تفسيره: أولع كثير ممّن ينتمي إلى الصلاح أن بعضهم يرى الخضر.
وكان الإمام أبو الفتح القشيري يذكر عن شيخ له أنه رأى الخضر وحدثه فقيل له: من أعلمه أنه الخضر، أم كيف عرف ذلك؟ فسكت، قال: ويزعم بعضهم أن الخضرية يتولاها بعض الصّالحين على قدم الخضر. ومنه قول بعضهم لكل زمان خضر.
قلت: وهذا فيه تسليم أن الخضر المشهور مات.
قال أبو حيّان: وكان بعض شيوخنا في الحديث وهو عبد الواحد العباسي الحنبليّ يعتقد أصحابه فيه أنه يجتمع بالخضر.
قلت: وذكر لي الحافظ أبو الفضل العراقي بن الحسين شيخنا أنّ الشيخ عبد اللَّه بن أسعد اليافعيّ كان يعتقد أنّ الخضر حيّ، قال: فذكرت له ما نقل عن البخاريّ والحربي وغيرهما من إنكار ذلك، فغضب، وقال: من قال إنه مات غضبت عليه. قال: فقلنا رجعنا عن اعتقاد موته. انتهى.