الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسرائيل، وسلّط عليهم بخت نصّر ساح الخضر في الأرض مع الوحش، وأخّر اللَّه عمره إلى ما شاء، فهو الّذي يراه الناس.
باب ما ورد في تعميره والسبب في ذلك
روى الدّارقطنيّ بالإسناد الماضي، عن ابن عباس، قال:«نسيء للخضر في أجله حتّى يكذّب الدّجال» .
وذكر ابن إسحاق في المبتدإ قال: حدثنا أصحابنا أن آدم لما حضره الموت جمع بنيه وقال: إن اللَّه تعالى منزّل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة حتى تدفنون بأرض الشام. فلما وقع الطّوفان قال نوح لبنيه: إن آدم دعا اللَّه أن يطيل عمر الّذي يدفنه إلى يوم القيامة، فلم يزل جسد آدم حتّى كان الخضر هو الّذي تولّى دفنه، وأنجز اللَّه له ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء اللَّه أن يحيا.
وقال أبو مخنف لوط بن يحيى في أول كتاب المعمّرين له: أجمع أهل العلم بالأحاديث والجمع لها أنّ الخضر أطول آدمي عمرا وأنه خضرون بن قابيل بن آدم.
وروى ابن عساكر في ترجمة ذي القرنين من طريق خيثمة بن سليمان: حدثنا أبو عبيدة ابن أخي هنّاد، حدّثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبي، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبي جعفر، عن أبيه- أنه سئل عن ذي القرنين، فقال: كان عبدا من عباد اللَّه صالحا، وكان من اللَّه بمنزل ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يقال له رفائيل، وكان يزوره، فبينما هما يتحدثان إذ قال له: حدثني كيف عبادتكم في السّماء؟
فبكى، وقال: وما عبادتكم عند عبادتنا؟ إن في السّماء لملائكة قياما لا يجلسون أبدا، وسجودا لا يرفعون أبدا، وركّعا لا يقومون أبدا. يقولون ربّنا ما عبدناك حقّ عبادتك» ، فبكى ذو القرنين ثم قال: يا رفائيل، إني أحب أن أعمّر حتى أبلغ عبادة ربي حقّ طاعته، قال:
وتحبّ ذلك؟ قال: نعم، قال: فإنّ للَّه عينا تسمّى عين الحياة، من شرب منها شربة لم يمت أبدا، حتّى يكون هو الّذي يسأل ربه الموت.
قال ذو القرنين: فهل تعلم موضعها؟ قال: لا، غير أنّا نتحدّث في السّماء أنّ للَّه ظلمة في الأرض لم يطأها إنس ولا جانّ، فنحن نظنّ أن تلك العين في تلك الظلمة.
فجمع ذو القرنين علماء الأرض، فسألهم عن عين الحياة، فقالوا: لا نعرفها، قال:
فهل وجدتم في علمكم أنّ للَّه ظلمة؟ فقال عالم منهم: لم تسأل عن هذا؟ فأخبره، فقال:
إني قرأت في وصية آدم ذكر هذه الظّلمة، وأنها عند قرن الشمس.
فتجهّز ذو القرنين، وسار اثنتي عشرة سنة، إلى أن بلغ طرف الظلمة، فإذا هي ليست بليل. وهي تفور مثل الدّخان، فجمع العساكر، وقال: إني أريد أن أسلكها، فمنعوه، فسأله العلماء الذين معه أن يكفّ عن ذلك لئلا يسخط اللَّه عليهم، فأبي، فانتخب من عسكره ستة آلاف رجل على ستة آلاف فرس أنثى بكر، وعقد للخضر على مقدمته في ألفي رجل، فسار الخضر بين يديه، وقد عرف ما يطلب، وكان ذو القرنين يكتمه ذلك، فبينما هو يسير إذا عارضه واد، فظنّ أن العين في ذلك الوادي، فلما أتى شفير الوادي استوقف أصحابه، وتوجّه فإذا هو على حافة عين من ماء، فنزع ثيابه، فإذا ماء أشدّ بياضا من اللبن، وأحلى من الشّهد، فشرب منه، وتوضّأ واغتسل، ثم خرج فلبس ثيابه، وتوجّه، ومرّ ذو القرنين فأخطأ الظّلمة، وذكر بقية الحديث.
ويروى عن سليمان الأشجّ صاحب كعب الأحبار، عن كعب الأحبار، أنّ الخضر كان وزير ذي القرنين، وأنه وقف معه على جبل الهند، فرأى ورقة فيها: بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، من آدم أبي البشر إلى ذرّيته: أوصيكم بتقوى اللَّه، وأحذّركم كيد عدوّي وعدوّكم إبليس، فإنّه أنزلني هنا» ، قال: فنزل ذو القرنين، فمسح جلوس آدم، فكان مائة وثلاثين ميلا.
ويروى عن الحسن البصريّ، قال: وكل إلياس بالفيافي، ووكل الخضر بالبحور، وقد أعطيا الخلد في الدّنيا إلى الصيحة الأولى، وأنهما يجتمعان في موسم كل عام.
قال الحارث بن أبي أسامة في «مسندة» : حدّثنا عبد الرحيم بن واقد، حدثني محمد بن بهرام، حدثنا أبان عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «إنّ الخضر في البحر:
واليسع في البرّ، يجتمعان كلّ ليلة عند الرّدم الّذي بناه ذو القرنين بين النّاس وبين يأجوج ومأجوج ويحجّان ويعتمران كلّ عام، ويشربان من زمزمكم شربة تكفيهما إلى قابل»
«1» . قلت: وعبد الرحيم وأبان متروكان.
وقال عبد اللَّه بن المغيرة، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن كعب، قال: الخضر على منبر من نور بين البحر الأعلى والبحر الأسفل. وقد أمرت دوابّ البحر أن تسمح له وتطيع، وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية، ذكره العقيلي.
وقال: عبد اللَّه بن المغيرة يحدّث بما لا أصل له.
(1) أورده المتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 34051 والسيوطي في الدر المنثور 4/ 240- وابن حجر في المطالب حديث رقم 3474.
وقال ابن يونس: إنه منكر الحديث.
وروى ابن شاهين بسند ضعيف إلى خصيف، قال: أربعة من الأنبياء أحياء: اثنان في السماء عيسى وإدريس، واثنان في الأرض: الخضر وإلياس، فأما الخضر فإنه في البحر، وأما صاحبه فإنه في البرّ، وسيأتي في الباب الأخير أشياء من هذا الجنس كثيرة.
وقال الثعلبيّ: يقال إن الخضر لا يموت إلا في آخر الزمان عند رفع القرآن.
وقال النّوويّ في «تهذيبه» : قال الأكثرون من العلماء: هو حيّ موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصّوفية وأهل الصلاح والمعرفة، وحكايتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تذكر.
وقال أبو عمرو بن الصّلاح في فتاويه: هو حيّ عند جماهير العلماء الصّالحين والعامة منهم، قال: وإنما شدّ بإنكاره بعض المحدثين.
قلت: اعتنى بعض المتأخرين بجمع الحكايات المأثورة عن الصّالحين وغيرهم ممن بعد الثلاثمائة وبعد العشرين مع ما في أسانيد بعضها ممن يضعف، لكثرة أغلاظه أو اتهامه بالكذب، كأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي الحسن بن جهضم، ولا يقال يستفاد من هذه الأخبار التواتر المعنويّ، لأن التواتر لا يشترط ثقة رجاله ولا عدالتهم، وإنما العمدة على ورود الخبر بعدد يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، فإن اتفقت ألفاظه فذاك وإن اختلفت فمهما اجتمعت فيه فهو التواتر المعنوي.
وهذه الحكاية تجتمع في أنّ الخضر حيّ، لكن بطرق حكاية القطع بحياته قول بعضهم: إنّ لكل زمان خضرا، وإنه نقيب الأولياء، وكلمات مات نقيب أقيم نقيب بعده مكانه، ويسمى الخضر.
وهذا قول تداولته جماعة من الصّوفية من غير نكير بينهم، ولا يقطع مع هذا بأن الّذي ينقل عنه أنه الخضر هو صاحب موسى، بل هو خضر ذلك الزمان.
ويؤيده اختلافهم في صفته، فمنهم من يراه شيخا أو كهلا أو شابا، وهو محمول على تغاير المرئي وزمانه. واللَّه أعلم.
وقال السّهيليّ في كتاب «التعريف والأعلام» : اسم الخضر مختلف فيه، فذكر بعض ما تقدم، وذكر في قول من قال: إنه ابن عاميل بن سماطين بن أرما «1» بن حلفا «2» بن
(1) في ت أربا.
(2)
في ت علقا.
عيصو بن إسحاق، وأنّ أباه كان ملكا وأمّه كانت فارسية اسمها إلها، وأنها ولدته في مغارة، وأنه وجد هناك شاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية، فأخذه الرجل وربّاه، فلما شبّ طلب الملك كاتبا يكتب له الصّحف التي أنزلت على إبراهيم، فجمع أهل المعرفة والنبالة، فكان فيمن أقدم عليه ابنه الخضر وهو لا يعرفه، فلما استحسن خطّه ومعرفته بحث عن جليّة أمره حتى عرف أنه ابنه فضمّه إلى نفسه وولاه أمر الناس.
ثم إنّ الخضر فرّ من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها فهو حيّ إلى أن يخرج الدجّال، فإنه الرّجل الّذي يقتله الدجال ثم يحييه، قال: وقيل إنه لم يدرك زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يصح، قال: وقال البخاريّ وطائفة من أهل الحديث: مات الخضر قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة. وقال: ونصر شيخنا أبو بكر بن العربيّ هذا
لقوله صلى الله عليه وسلم: «على رأس مائة سنة لا يبقى على الأرض ممّن هو عليها أحد»
«1» يريد ممّن كان حيا حين هذه المقالة. قال: وأما اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت وهم مجتمعون لغسله عليه الصلاة والسلام فروي من طرق صحاح، منها: ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد، وكان إمام أهل الحديث في وقته، فذكر الحديث في تعزية الصحابة بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يسمعون القول ولا يرون القائل، فقال لهم علي: هو الخضر، قال: وقد ذكر ابن أبي الدنيا من طريق مكحول، عن أنس، اجتماع إلياس النبي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وإذا جاز بقاء إلياس إلى العهد النبوي جاز بقاء الخضر انتهى ملخصا.
وتعقّبه أبو الخطّاب بن دحية بأن الطرق التي أشار إليها لم يصح منها شيء، ولا يثبت اجتماع الخضر مع أحد من الأنبياء إلّا مع موسى كما قصّه اللَّه من خبره.
قال: وجميع ما ورد في حياته لا يصح منه شيء باتفاق أهل النّقل، وإنما يذكر ذلك من يروي الخبر، ولا يذكر علّته، إما لكونه لا يعرفها، وإما لوضوحها عند أهل الحديث، قال: وأما ما جاء عن المشايخ فهو مما ينقم منه كيف يجوز لعاقل أن يلقى شخصا لا يعرفه، فيقول له: أنا فلان فيصدّقه؟
قال: وأما حديث التّعزية الّذي ذكره أبو عمر فهو موضوع.
رواه عبد اللَّه بن المحرر، عن يزيد بن الأصم، عن عليّ. وابن محرر متروك، وهو الّذي قال ابن المبارك في حقه كما أخرجه مسلم في مقدّمة صحيحه: فلما رأيته كانت بعرة أحبّ إليّ منه، ففضل رؤية النجاسة على رؤيته.
(1) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/ 101 وابن حجر في الفتح 7/ 5.
قلت: قد جاء ذكر التعزية المذكورة من غير رواية عبد اللَّه بن محرر، كما سأذكره بعد، وأما حديث مكحول عن أنس فموضوع، ثم نقل تكذيبه عن أحمد ويحيى وإسحاق وأبي زرعة، قال: وسياق المتن ظاهر النكارة، وأنه من الخرافات. انتهى كلامه ملخصا.
وسأذكر حديث أنس بطوله، وأنّ له طريقا غير التي أشار إليها السّهيلي. وتمسّك من قال بتعميره بقصة عين الحياة، واستندوا إلى ما وقع من ذكرها في صحيح البخاري وجامع الترمذي، لكن لم يثبت ذلك مرفوعا، فليحرر ذكر شيء من أخبار الخضر قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم:
قد قص اللَّه تعالى في كتابه ما جرى لموسى عليه السلام، وأخرجه الشيخان من طرق، عن أبيّ بن كعب، وفي سياق القصّة زيادات في غير الصّحيح، قد أتيت عليها في فتح الباري.
وثبت في الصّحيحين أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وددت أنّ موسى صبر حتى يقصّ علينا من أمرهما»
وهذا مما استدل به من زعم أنه لم يكن حالة هذه المقالة موجودا، إذ لو كان موجودا لأمكن أن يصحبه بعض أكابر الصحابة فيرى منه نحوا مما رأى موسى.
وقد أجاب عن هذا من ادّعى بقاءه بأن التمني إنما كان لما يقع بينه وبين موسى عليه السلام، وغير موسى لا يقوم مقامه.
ومن أخباره مع غير موسى ما
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» من وجهين. عن بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد الالهاني، عن أبي أمامة الباهليّ- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:«ألا أحدّثكم عن الخضر؟» قالوا: بلى يا رسول اللَّه قال: «بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب، فقال: تصدّق عليّ بارك اللَّه فيك. قال الخضر: آمنت باللَّه، ما شاء اللَّه من أمر يكن، ما عندي من شيء أعطيكه فقال المسكين:
أسألك بوجه اللَّه لما تصدّقت عليّ، فإنّي نظرت السماحة في وجهك. ورجوت البركة عندك.
فقال الخضر: آمنت باللَّه، ما عندي شيء أعطيكه إلّا أن تأخذ بي فتبيعني. فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ فقال: نعم. الحقّ أقول، لقد سألتني بأمر عظيم، أما إنّي لا أخيّبك بوجه ربّي، بعني، قال: فقدّمه إلى السّوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له: إنّك إنما اشتريتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل. قال: أكره أن أشقّ عليك، إنّك شيخ كبير ضعيف. قال: ليس يشقّ عليّ. قال: فقم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستّة نفر في يوم، فخرج الرّجل لبعض حاجته، ثمّ انصرف، وقد نقل الحجارة في ساعة: فقال: أحسنت وأجملت، وأطقت ما لم أرك تطيقه قال: ثمّ عرض للرّجل سفر، فقال: