المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العسكرية الإسلامية والواقعية - سلم أخلاق النبوة

[محمود محمد غريب]

فهرس الكتاب

- ‌بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى

- ‌ مدرس الفقه:

- ‌الطلاق البدعى

- ‌المدافع عن السنة

- ‌ مربي المسلمات

- ‌مقاصد الرسالة وحجم كل مقصد

- ‌الرسالة الأولى من هذه السلسلة سلم أخلاق النبوة دراسة قرآنية

- ‌تقديم: بقلم الأديب حديوي حلاوة

- ‌مقدمة

- ‌ أخلاق النبوات عند مالك بن نبي

- ‌أخلاقه صلى الله عليه وسلم دليل على نبوته

- ‌ رفض التصديق، وليس تكذيب الصادق

- ‌معجزتان للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ المعجزة الثانية

- ‌الحُبّ سلاحه

- ‌ فداء وعطاء

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌ سر المعجزة عند مليك مقتدر

- ‌ القانون العام

- ‌ وضوح المنهج

- ‌ قوة التركيز

- ‌سُلم أخلاق النبوة (المرحلة الأولى)

- ‌ رحلة الأخلاق عند النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حديث شق صدره

- ‌ الاستسقاء باليتيم

- ‌ الراهب بحيرا

- ‌ رعي الغنم مدرسة للقيادة

- ‌ من يضع الحجر

- ‌سلم أخلاق النبي (المرحلة الثانية)

- ‌السُلّم يبدأ من كمال إلى أكمل

- ‌تربية القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}

- ‌{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}

- ‌{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}

- ‌{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

- ‌ قصة الهجرة

- ‌{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

- ‌{خُذِ الْعَفْوَ} المعنى الأول

- ‌{خُذِ الْعَفْوَ} نظرة في الاقتصاد

- ‌أولاً: القرض الحسن

- ‌ ضرورة السداد

- ‌ الجزاء على القرض

- ‌ثانيا: الماعون. إنفاق للعفو

- ‌ عارية الماعون

- ‌ عارية المنيحة

- ‌ استثمار الأصل

- ‌العُرف في القرآن والسنة

- ‌ نظرات في كتب السنة في الأمر بالمعروف

- ‌لم يوقف العالم - كلّ العالم - عقوبة الضرب

- ‌ الأمر بالمعروف قانون أخلاقي

- ‌خواطر متفرقة

- ‌ الحرص على وَحْدة الأمَّة لا يعني الطاعة في منكر

- ‌ غرسوا فأكلنا ونغرس ليأكل الآخرون

- ‌ الرفق في الأمر بالمعروف

- ‌ عدم كشف المستور

- ‌ مَنْ الزاني منهما

- ‌وامرأة العزيز ذكرها القرآن قبل حديث النساء عنها، كالقط الوادع

- ‌{وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}

- ‌أين النساء المسلمات

- ‌ سيدة مسلمة سألتني:

- ‌العُرف في كتب الأصول

- ‌(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) في مجال وصيِّ اليتيم

- ‌كل شيء في الحياة الزوجية بالمعروف

- ‌{وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}

- ‌الجاهل غير الأمي

- ‌ النموذج الأول للعرض والإعراض

- ‌ النموذج الثاني

- ‌ النموذج الثالث للعرض والإعراض

- ‌ النموذج الرابع في العرض والإعراض

- ‌سُلّم النبي صلى الله عليه وسلم من أدب الطعام إلى صناعة الأمراء

- ‌ منهج إعداد القادة

- ‌ الثعلب والنعامة

- ‌مساومات

- ‌هل مجرد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بالأصول الأخلاقية، يكفي لقيادة الركب إلى الله

- ‌ القرب والمؤاخذة

- ‌ أسلوب الآية الكريمة

- ‌الجزء الثاني مكارم الأخلاق وكيف تممها النبي صلى الله عليه وسلمإنّما بُعثت لأُتّمم مكارم الأخلاق

- ‌ كل نبي على خلق عظيم

- ‌التسامي في حدود البشرية. أو قل: أخلاق للجميع

- ‌ الذين يتطوعون بالمثالية

- ‌ نُصرة عمر

- ‌ واجب الضيافة بين الكرم والقضاء

- ‌ هذا ديننا

- ‌ الغني بين المثالية والواقعية

- ‌ المال خير

- ‌غنى النفس

- ‌ ضيق الشباب لماذا

- ‌ غني النفسي يترفع بصاحبه عن الحرام

- ‌ صدقانتا…إلى أين؟ ولمن

- ‌ ملكية المال بين الفرد والجماعة

- ‌ آيات وآيات

- ‌ حقوق وواجبات

- ‌ حقوق الجماعة

- ‌ لا تجارة في المحّرمات

- ‌ لا احتكار في الضروريات

- ‌ القرآن وأموال السفهاء

- ‌ أموال اليتامى

- ‌ الوصيُّ كيف يعيش

- ‌ مال الصبي وحقوق الجماعة

- ‌ مال اليتيم والتضخُّم الاقتصادي

- ‌ العسكرية الإسلامية والواقعية

الفصل: ‌ العسكرية الإسلامية والواقعية

*‌

‌ العسكرية الإسلامية والواقعية

ومن الواقعية التي رفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى المستوى الأخلاقي أنه قبل من الجنود في المعارك أن يقارنوا بين المثالية في الإقدام، والواقعية التي تُحتِّم الانسحاب عند الضرورة. فالمسألة توزن بميزان الحكمة، وليس بميزان الشجاعة فقط. فالقائد العبقري خالد بن الوليد - سيف الله - رأى أن استمرار المعركة في غزوة مؤتة أمام جيوش الروم وهو ثلاثة آلاف مسلم أمام مائة وخمسين ألفا من الروم، استمرار المعركة لون من المغامرة الخاسرة، فاحتال للانسحاب.

وفي المدينة لقيهم (المثاليون) من الشباب المتحمسين للشجاعة، مهما كان الثمن، التقوا معهم يرمونهم بالحصى، ويصفونهم بالفُرَّار.

ولكن النبي صلى الله عليه وسلم دافع عنهم، واعتبر عملهم حنكة حربية وقال "بل هم الكُرَّار - إن شاء الله -".

يقول أستاذي الدكتور يوسف القرضاوي:

إن القرآن يجيز للمقاتل أن يفرَّ من الزحف، إذا كان "مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ". ويُرخّص له في حالة الضعف أن ينسحب من المعركة، إذا كان جيش العدو أكثر من ضعف المسلمين {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (سورة الأنفال 66)

كانت الآيات التي قبلها تطلب ثبات الواحد من المسلمين أمام عشرة من المشركين {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} (سورة الأنفال 65)

والمسافة الزمنية بين الآيتين كبيرة - كما قال الكشَّاف.

ص: 175

وفي الآية تخفيف واضح من الله - سبحانه - والآية الثانية تصورُّ (الواقعية) في الطاقات الإيمانية الصابرة بل إن صاحب الظلال يذهب إلى أن آية الواحد أمام اثنين لا يُقصد بها التشريع، ولكن يُقصد بها أن تطمئن قلوبهم، وتثبت أقدامهم.

وأشعر أن الحق مع صاحب الظلال، خصوصاً بعد تطور السلاح، فقد يكون الواحد بسلاحه أخطر من عشرة، بل مائة. وللقائد المسلم الصابر أن يقدر الأمر إقداماً وإدباراً، كرًّا وفرًّا.

* * *

وكانت التربية العسكرية، والاختبارات العسكرية، تنبني على الصعاب دائماً. حتى جاء الإسلام يشهد لهذا التحول العسكري الكبير من المثالية إلى الواقعية، ما حكاه القرآن من قصة "طالوت" في سورة البقرة {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} (سورة البقرة 249)

{مَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} تربية مثالية عنيفة، فالقوم في ظمأ عظيم،

يأتي نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ويحكم بسقوط الصوم المفروض شرعاً عندما يكون الصائم مسافراً "يعني أيام السفر يُفطر وتلزمه أيام أخر".

وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم زحاما، ورأى رجلاً قد ظلل الناس عليه، قال: من هذا؟

فقالوا: صائم.

فقال: "ليس من البر الصوم في السفر" متفق عليه عن جابر، ومعلوم أن الإسلام يكره صوم المسافر إذا أوصله الصوم إلى المشقَّة.

كما في الرجل الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم والناس حوله.

ص: 176

أفطر نبي الرحمة عندما كان مسافراً لفتح مكة. أفطر أمام كل أصحابه، ليشاهدوه فيفطروا.

وفي الحديث الشريف "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء، فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام فقال: "أولئك العصاة، أولئك العصاة".

(رواه مسلم)

وفي حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إنكم دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة فمنا من صام، ومنا من أفطر.

ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنّكم مُصبِّحون عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا، وكانت عزيمة. (صحيح مسلم)

بل إن الإمام ابن تيمية أفتى الجنود بالإفطار، داخل مدينة دمشق، في حربهم، من غير سفر. وذلك لأن الفطر أقوى لهم.

ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم إنّكم مُصبِّحون عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا. (مسلم)

إن النبي صلى الله عليه وسلم تمم مكارم الأخلاق عندما جعل الحدَّ الأعلى للأخلاق هو الواقعية المثالية، وليس المثالية الخيالية، فهو لا يقول لأتباعه:{فمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} كما قال المَلِكُ في سورة البقرة: ولكن يقول عن الذين أوجبوا الصوم عليهم، ولم يقبلوا رخصة النبي صلى الله عليه وسلم:"أولئك العصاة" ويكرِّرُها.

سلامٌ عليك يا نبيَّ الرحمةِ، وسلامٌ على الذين معك.

*******************

ص: 177