الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
كل نبي على خلق عظيم
عهد القرآن شهادة حق، عن الله - سبحانه - أن كل الأنبياء على خلق عظيم. وأن اله قد اختار بعضهم وجعل منه قدوة للنبي صلى الله عليه وسلم {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (سورة الأنعام 90)
ولم يكد يدعو القرآن لمكرمة أخلاقية إلا وجعل منها صفة عملية لخُلق نبي من الأنبياء. بل إن تكامل أخلاقهم هو عامل من عوامل اختيار الله لهم {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (سورة الأنعام 124)
وشهادة القرآن لكمال أصحاب النبوات، يمثل فارقا كبيراً بين القرآن الكريم وبين التوراة - التي بين أيدي الناس - والتي لم تترك نبيا من أنبيائهم إلا ونسبت إليه من النقائص ما لا يليق برجل الشارع.
وذلك حتى تقضي اليهودية على المثالية، فلا يقف شيء أمام اليهود، يُحدّ من نشاطهم لجمع المال، حتى يقيم لليهود دولة.
وقد جمعتُ هذه الافتراءات في كتابي "هذا نبيك يا ولدي"
وبينت موقف القرآن منها.
ومن أجل الجهود الكبيرة التي بذلها الأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - في خدمة الحق.
ودفاعاًَ عن سيرة الأنبياء المظلومين، حافظ رب العالمين على القرآن بنفسه.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (سورة الحجر 9)
فما دور النبي صلى الله عليه وسلم في إتمام مكارم الأخلاق؟
الذي وصلتُ إليه في دراستي:
أن الأخلاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانت أخلاقا مثالية فقط.
أخلاقا لم تراع الطاقة الإنسانية المحددة. وما فيها من متقابلات. كالخير والضر، والقوة والضعف، والشهوة والروح.
كانت الأخلاق - قبل الإسلام - أخلاقا ملائكية في سلوك بشري.
وأقرب الأنبياء إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أخوه المسيح عليه السلام من ناحية الزمن.
ودعوة المسيح الأخلاقية دعوة غارقة في المثالية، لتواجه الإغراق المادي عند اليهود.
كما يقول أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي.
الأخلاق التي دعا إليها المسيح لا يقوى المأمور بها على تنفيذها.
فهي مثالية تتوج مجالس الكرماء بالحديث عنها، تم تنفض المجالس، وتنتهي الأخلاق.
يقول السيد المسيح:
"أحبّوا أعداءكم، وباركوا لاعينكم، وصلُّوا من أجل الذين يسبونكم"..
ويقول: "إذا ضربك رجل على خدِّك الأيمن، فأدر له خدَّك الأيسر"
مثالية مطلقة، لا يقوى عليها المخاطبون بها، والأخلاق لم يشرعها الله - سبحانه - ليجعل منها وسيلة للعفو عمَّن ضربني فقط
…
ولكن شرعها - سبحانه - لتعالج من أساء وضربني.
فليس كلّ الناس يُصلحهم أن أدير لهم الخدَّ الأيسر.
فهل العفو المطلق، وإدارة الخد الآخر، ستعالج من يعتدي على الناس؟
* فلنبحث معاً عن المتمم صلى الله عليه وسلم ودوره.
جاء الإسلام لينتقل بالأخلاق من المثالية المطلقة، إلى الواقعية المثالية.