الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
سر المعجزة عند مليك مقتدر
قلت: إن تربية الرجال معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ويلزم من كونها معجزة أن سرّها عند الله وحده. هكذا كلّ معجزة لأيّ نبيّ.
فالسيد المسيح كانت معجزاته في طبّ الجسد، حتى إحياء الموتى - بإذن الله - بل صنع الله على يديه أحياء جددا. ومع ذلك فالسيد المسيح. لم يدَّعِ معرفة بسرِّ الحياة، التي أجراها الله على يديه.
والخليل إبراهيم، وموسى عليهما السلام كذلك - لا يعرف واحد منهما سرّ الحياة التي أجراها الله على يديه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (85 سورة الإسراء)
أمّا نبينا صلى الله عليه وسلم فمعجزته إحياء الأمم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (24 سورة الأنفال)
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (122 سورة الأنعام)
فالإيمان بالله، وبالقيم حياة.
ورحم الله أحمد شوقي:
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له
…
وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
والجهل موت، فإن أوتيت معجزة
…
فابعث من الجهل أو فابعث من العدم
ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الأحداث، وفي الإجابة على الأسئلة، وفي فنّ القيادة، مسجّل كلّه في كتب السنة والسير والمغازي.
والدعاة - في مجموعهم - يقومون بتبليغ ما أدّاه النبي وحده. أو يكادون. وهذه معجزة أخرى، فالنبي صلى الله عليه وسلم جمع التخصّصات العلمية التي تفرّغت أجيال لدراستها.
جمعها في قلبه، وبلَّغها لأمتّه، وربَّاهم عليها.
استطاع أن يجمع في سنُتّه هذه العلوم، جمع أستاذ معلّم، بل مبدع أيضاً.
فهو الأمي الذي علّم الدنيا "كفاك بالتعليم في الأميّ معجزة".
فقد ناقشت الدكتور / لينو. أينو. ليناثوري. خبير الآفات الزراعية في الشرق الأوسط، ناقشته حول قوله تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (38 سورة الأنعام)
وبعد ساعة من الحديث مع الآية الكريمة، وقف الدكتور لينو. ليناثوري وضمّ يديه، وحنى رأسه، وقال: محمد يستمع إلى صوت السماء.
فقال له الدكتور المترجم "شلال" جامعة بغداد: تعني أنَّ محمد رسول الله؟
قال: هذه المعلومات عرفتها وأنا أُعدُّ رسالة الدكتوراه.
فمن عرّفها لرجل البادية محمد؟!!
واعتنقت ابنته "هيلين" الإسلام بعد عدّة جلسات مباركة.
وكان إسلامها - والحمد لله - آخر عمل لي ببغداد 11/1981م - والتي شهدت إسلام خمسة من علماء أوربا وسيدتين في بيتي.
إنّ سرّ المعجزة عند الله وحده. ونحن ورثته صلى الله عليه وسلم لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع يده على صدر بعض الناس فيعترف الرجل أنّه قد أصبح من أحبّ الناس له - كما حدث يوم فتح مكة، عندما حاول فُضالة بن عمير أن تتاح له فرصة ليقتل النبي صلى الله عليه وسلم أنه في غمرة النصر، لم يجد على الرجل. بل استدعاه، وسأله: ماذا كنت تحدّث به
نفسك؟ قال فضالة بن عمير: كنت أذكر الله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضع يده على صدر فضالة فانطلق الرجل وهو يقول: ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحبّ إليَّ منه.
"سيرة ابن هشام" بسند فيه كلام.
وتكررت هذه الحادثة.
تكررت مع الشاب الذي حاول أن يبيح له النبي صلى الله عليه وسلم الزنا.
فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:
"أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ "قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ "قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ "قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ، أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ "قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ؟ أَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ "قَالَ: لا، قَالَ:"وَكَذَلِكَ النَّاسُ لا يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ"، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ:"اللَّهُمَّ كَفِّرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ". (الطبراني في الكبير. 7577) .
ثم يضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدر الشاب ويدعو له.
يقول الشاب: والله لم يرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده عن صدري حتى أصبح الزنا أبغض شيء إلىّ، فهذا الحديث فيه المنهج، وسرّ المعجزة كلاهما.
أمّا المنهج ففي محاولة النبي صلى الله عليه وسلم أن يقنع الشاب بأنّ الإسلام يمنعه من الاعتداء على أعراض الناس.
وفي نفس الوقت يمنع كلّ الناس أن يعتدوا على حرماته.
فالإسلام يمنعك لحمايتك.
وشرطي المرور يمنع الأمير من السير بسيارته ليحيمه، لا ليتدخل في حريته.
هذا هو الجانب الأول، جانب الإقناع.
أمّا الجانب الثاني فهو وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدر الشاب - الذي يحاوره - فيتحقق مراد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أمر لا نستطيعه.
وهو من تمام المعجزة. وقد انتهى عصر المعجزات.
أقول: إذا عجز أتباع السيد المسيح عن ميراث معجزته، في إبراء الأكمة، والأبرص، وإحياء الموتى، فهم لم ييأسوا من بذل كل جهد للقرب من هذه المعجزة. في مجال إحياء الأحياء. وكلنا في جهاد علمي لإحياء الأحياء بالطبّ وعلومه.
ونحن الأمة الوارثة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ونبينا معجزته الثانية تربية الأمَّة - كما قلنا -
فعلينا أن نلتزم بقوله صلى الله عليه وسلم "فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" "البخاري. 38)
والذي لا يستطيع واحد من الدعاة، أو جماعة منهم، أن تحقّقه،
فإنّ مجموع الأمَّة من الدعاة يمكنها أن تحققه.
"سَدِّدُوا وَقَارِبُوا""البخاري ومسلم" وذلك إذا تعاونوا.
وما دام المنهج قد وصلنا - والحمد لله - فالأمل في الله كبير.
وبعد أكثر من ثلث قرن في الدعوة - على قدر الطاقة - أثمر بعضها ما يمكن أن أعيش على ذكراه، وأن أحمد الله عليه.
والدعوة إلى الله لا تضيع، ما دامت مخلصة.
المهم
…
أنني أسجل الآن هذه السطور لألخص عوامل النجاح في تبليغ المنهج النبوي، وخدمته، وكلنا في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم
* * *