الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآن مع الأمر الثاني من الآية الكريمة {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}
العُرف في القرآن والسنة
كثير من آيات القرآن الكريم، تأمر هذه الأمَّة، أن تحمي دينها بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. لما يُحدثه ذلك من عملية تجديد، مستمرة لهذا الدين، وصيانة له.
وقد أعجبني فقه الموضوع، عند العلامة أبي الأعلى المودودي،
عندما جعل تعدِّى الخير إلى الغير، دليلاً على تكامله فيك.
- فالنار من شأنها الحرارة، ولكن كمال اشتعالها أن تحرق.
والثلج من شأنه البرودة الذاتية، ولكنها تكمل عندما تنتقل برودة الثلج إلى الوسط المحيط به.
- والقرآن الكريم نقل لنا نموذجاً إيمانيا، ونموذجاً من أهل الكتاب، في موضوع انتقال التأثير للآخرين.
كلاهما في سورة آل عمران.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} (98 سورة آل عمران)
عاب عليهم كفرهم، وهو أمر ذاتي فيهم. ثم عاب عليهم سعيهم لنقل الكفر للآخرين {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ} (99 سورة آل عمران) .
فهم على ضلال وإضلال.
وفي نفس السورة الكريمة، جاء وصف الأمَّة القرآنية بالدرجتين.
الأولى: درجة الإيمان.
الثانية: درجة الدعوة لهذا الإيمان.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (102 سورة آل عمران) .
هذه درجة الإيمان..
بعدها جاء حديث القرآن عن ضرورة انتقال الإيمان وحمايته في الآخرين. {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104 سورة آل عمران)
وكما سبق أن بيَّنَّا في قانون "المطلقات" جاء في الآية الكريمة في الدعوة إلى الخير "مطلقاً" والأمر بالمعروف "مطلقاً" والنهي عن المنكر بهذا الإطلاق بدون أن يُحدّد ما هو الخير، ولا ما هو المعروف، ولا ما هو المنكر.
ومازال القرآن يُرَّبَّي النبي صلى الله عليه وسلم ويأمره بالعرف، وأن يصبر على تكاليف الدعوة.
وما زالت القلوب الكبيرة تستجيب لدعوته، فتجددّ فيه النشاط.
حتى يفاجئه القرآن بما لم يتوقّع، ولا ينتظر.
يفاجئه وهو على أبواب ختام دعوته، بأنّ كثيرا من أهل الكتاب لا يزيدهم ما أُنزل إليك من ربّك إلا طغياناً وكفرا. {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (64 سورة المائدة)
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنَّى أن يزيدهم ما أُنزل إليه من ربّه هدى وإيماناً.
أو حتى قُربا من الهدى والإيمان.
ولكن القرآن كشف له عن حقيقة القلوب الغُلْف من أهل الكتاب.
وهنا سارع القرآن ليجدّد فيه الأمر بالعرف، يجدّد فيه النشاط.
ويمسح عن نفسه ما أصابها.