المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المضمر - شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو - جـ ١

[خالد الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[خطبة المؤلف] :

- ‌[شرح خطبة الكتاب] :

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌مدخل

- ‌باب شرح المعرب والمبني

- ‌مدخل

- ‌باب النكرة والمعرفة

- ‌مدخل

- ‌فصل في المضمر

- ‌باب العلم

- ‌مدخل

- ‌باب أسماء الإشارة

- ‌مدخل

- ‌باب الموصول

- ‌مدخل

- ‌باب المعرف بالأداة

- ‌مدخل

- ‌باب المبتدأ والخبر

- ‌مدخل

- ‌باب الأفعال الداخلة على المبتدأ

- ‌مدخل

- ‌باب أفعال المقاربة

- ‌مدخل

- ‌باب الأحرف الثمانية

- ‌مدخل

- ‌باب "لا" العاملة عمل "إن" المشددة

- ‌مدخل

- ‌باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين

- ‌مدخل

- ‌باب ما ينصب مفاعيل ثلاثة:

- ‌باب الفاعل:

- ‌باب النائب عن الفاعل

- ‌مدخل

- ‌باب الاشتغال:

- ‌باب التعدي واللزوم

- ‌مدخل

- ‌باب التنازع في العمل

- ‌مدخل

- ‌باب المفعول المطلق

- ‌مدخل

- ‌باب المفعول له:

- ‌باب المفعول فيه

- ‌مدخل

- ‌المفعول معه

- ‌مدخل

- ‌باب المستثنى

- ‌مدخل

- ‌باب الحال

- ‌مدخل

- ‌باب التمييز

- ‌مدخل

- ‌باب حروف الجر

- ‌مدخل

- ‌باب الإضافة

- ‌مدخل

- ‌فهرس المحتويات:

الفصل: ‌فصل في المضمر

"‌

‌فصل في المضمر

":

بفتح الميم الثانية "المضمر": اسم مفعول من أضمرته، إذا أخفيته وسترته، وإطلاقه على البارز توسع. "والضمير" بمعنى المضمر على حد قولهم: عقدت العسل فهو عقيد، أي: معقود، وهو اصطلاح بصري، والكوفية يسمونه كناية ومكنيًّا؛ لأنه ليس باسم صريح، والكناية تقابل الصريح، قال ابن هانئ:[من الطويل]

فصرح بمن تهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللذات من دونها ستر1

فالضمير والكناية بالاصطلاحين "اسْمًا لما وضع" لتعيين مسماه، وهو إما "لمتكلم، كـ: أنا"، بزيادة الألف عند البصريين، وبأصالتها عند الكوفيين، "أو المخاطب كـ: أنت"، بزيادة التاء عند البصريين، وبأصالتها عند بعض الكوفيين، "أو الغائب كـ: هو"، بتمامها عند البصريين، والهاء وحدها عند الكوفيين، وإليه أشار في النظم بقوله:

54-

فما لذي غيبة أو حضور

كأنت وهو سم بالضمير

"أو لمخاطب تارة ولغائب أخرى، وهو" ثلاثة "الألف والواو والنون"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

59-

وألف والواو والنون لما

غاب وغيره...............

وأراد بغيره المخاطب "كقوما" للمخاطبين، "وقاما" للغائبين، "وقوموا وقاموا، وقمن" يا هندات، والهندات قمن. "وينقسم" الضمير "إلى بارز؛ وهو ما له صورة في اللفظ" به كتاء: قمت"، وكاف "أكرمك"، وهاء "غلامه"، فكل من التاء والكاف والهاء يلفظ بصورته. "وإلى مستتر وهو بخلافه"، أي: بخلاف البارز، وهو ما ليس له صورة في اللفظ، بل ينوى "كا" لضمير "لمقدر في" أقوم، و"قم"، فيقدر في "أقوم" أنا، وفي "قم" أنت. ولم تضع العرب لهما لفظًا يعبر به عنهما، ولكن لضيق العبارة عبر عنهما بلفظ الضمير المنفصل، تعليمًا للمبتدئين، وليس هما إياهما على الحقيقة.

1 البيت لأبي نواس من خمرية في ديوانه ص28، وبلا نسبة في تزيين الأسواق ص409.

ص: 97

"وينقسم البارز إلى:

متصل" بعامله، "وهو ما لا يفتتح به النطق، ولا يقع بعد: إلا كياء: ابني، وكاف: أكرمك، وهاء: سليه ويائه"، وهذا معنى قول الناظم:

55-

وذو اتصال منه ما لا يبتدا

ولا يلي إلا اختيارا أبدا

56-

كالياء والكاف من ابني أكرمك

والياء والهاء من سليه ما ملك

وشملت هذه الأمثلة أنواع الضمير الثلاثة؛ من المتكلم والمخاطب والغائب، ومحاله الثلاثة؛ من الرفع والنصب والجر، فالياء من ابني للمتكلم، ومحلها جر، والكاف من أكرمك للمخاطب، ومحلها نصب، والياء من سليه للمخاطبة، ومحلها رفع على الفاعلية. والهاء من سلنيه للغائب، ومحلها نصب على المفعولية، والحاصل أن الياء والكاف والهاء لا يبتدأ بشيء من منها، ولا تقع بعد إلا، "وأما قوله":[من البسيط]

52-

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

"أن لا يجاورنا إلاك ديار"

"فضرورة"، والقياس: إلا إياك، ولكنه اضطر فحذف "إيا" وأبقى "الكاف"، أو أوقع المتصل موقع المنفصل، و"ما" الأولى نافية، و"ما" الثانية زائدة؛ لا مصدرية؛ لأن "إذا" الشرطية مختصة بالجمل الفعلية، و"نبالي": من المبالاة؛ بمعنى الاكتراث، و"جارتنا": خبر "كان"، من الجوار، و"أن": مصدرية، و"ديار": بمعنى أحد، فاعل "يجاورنا"، وأن وصلتها: مفعول "نبالي"، وهي مفرد لا جملة، و"إلا": حرف إيجابي، والكاف في موضع نصب على الاستثناء لتقدمه على المستثنى منه وهو ديار، والمعنى: إذا كنت جارتنا فلا نكترث بعدم مجاورة أحد غيرك. وأجاز ابن الأنباري وقوع المتصل بعد "إلا" مطلقا، ومنعه المبرد مطلقا؛ وأنشد مكان "إلاك""سواك"، ويحتاج إلى الجواب عن قول الشاعر:[من الطويل]

53-

أعوذ برب العرش من فئة بغت

علي فما لي عوض إلاه ناصر

فأوقع الهاء المتصلة موقع "إياه".

52- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 129، وأمالي ابن الحاجب ص385، وأوضح المسالك 1/ 83، وتخليص الشواهد ص100، وخزانة الأدب 5/ 278، 279، 325، والخصائص 1/ 307، 2/ 195، والدرر 1/ 84، وشرح الأشموني 1/ 48، وشرح شواهد المغني 884، وشرح ابن عقيل 1/ 90، وشرح المفصل 3/ 101، ومغني اللبيب 2/ 441، والمقاصد النحوية 1/ 253، وهمع الهوامع 1/ 57، وشرح ابن الناظم ص34.

53-

البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 84، وشرح ابن عقيل 1/ 89، والمقاصد النحوية 1/ 255.

ص: 98

"وإلى منفصل" عن عامله، "وهو" أي: المنفصل، "ما يبتدأ به" في النطق، "ويقع بعد: إلا" وذلك "نحو: أنا، تقول" في ابتداء النطق به:"أنا مؤمن، و" في وقوعه بعد "إلا""ما قام إلا أنا"، وتقسيمه هنا البارز إلى متصل ومنفصل، لا ينافي تقسيمه المتصل إلى مستتر وبارز في باب العطف، لاختلاف المدركين، فإنه هنا ناظر إلى مواقعه من الإعراب، وهناك ناظر إلى صحة العطف على الضمير المرفوع، وظاهر صنعه أن كلا من المتصل والمنفصل أصل برأسه، وذهب بعضهم إلى أن المتصل أصل للمنفصل؛ محتجا بأن مبنى الضمائر على الاختصار، والمتصل أخصر من المنفصل.

"وينقسم" الضمير "المتصل بحسب مواقع الإعراب" من رفع ونصب وجر "إلى ثلاثة أقسام":

الأول: "ما يختص بمحل الرفع" فقط، "وهو خمسة": أحدها: "التاء" مضمومة كانت أو مفتوحة أو مكسورة "كقمت" بالحركات الثلاث. "و" ثانيها: "الألف" الدالة على اثنين أو اثنتين "كقاما" وقامتا. "و" ثالثها: "الواو" الدالة على جمع المذكر "كقاموا. و" رابعها: "النون" الدالة على جمع الإناث "كقمن. و" خامسها: "ياء المخاطبة" بناء على أنها ضمير، وهو قول سيبويه1، وخالفه الأخفش والمازني وزعما أنها حرف تأنيث2، والفاعل ضمير مستتر، وتقع في الأمر "كقومي"، والمضارع كتقومين، وخرج بقيد المخاطبة ياء المتكلم، فإنها لا تكون في محل رفع أصلا.

"و" القسم الثاني من الأقسام الثلاثة: "ما هو مشترك بين محل النصب والجر فقط، وهو ثلاثة": أحدها: "ياء المتكلم نحو: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15] ، فالياء من "ربي" في محل جر بإضافة "رب" إليها، وفي "أكرمني" في محل نصب على المفعولية بـ"أكرم". "و" ثانيها: "كاف المخاطب" بفتح الطاء "نحو: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: 3] فالكاف من "ودعك" في محل نصب على المفعولية، ومن "ربك"

1 الكتاب 4/ 155.

2 قال السيوطي: إن النون والألف والواو والياء؛ حروف علامات؛ كتاء التأنيث في "قامت"، لا ضمائر، والفاعل ضمير مستكن في الفعل، وعليه المازني؛ ووافقه الأخفش في الياء، وشبهة المازني أن الضمير لما استكن في فعل وفعلة؛ استكن في التثنية والجمع، وجيء بعلامات للفرق؛ كما جيء بالتاء. وشبهة الأخفش أن فاعل المضارع المفرد لا يبرز؛ بل يفرق بين المؤنث والمذكر بالتاء أول الفعل في الغيبة، ولما كان الخطاب بالتاء في الحالين احتيج إلى الفرق، فجعلت الياء علامة للمؤنث. انظر حاشية يس 1/ 99.

ص: 99

في محل جر بإضافة "رب" إليها. "و" ثالثها: "هاء الغائب نحو: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 37] فالهاء من "له" و"صاحبه" في محل جر؛ في الأول باللام، وفي الثاني بالإضافة، وفي "يحاوره" في محل نصب على المفعولية بـ"يحاوره" وذلك داخل تحت قول الناظم:

57-

....................

ولفط ما جر كلفظ ما نصب

"و" القسم الثالث من الأقسام الثلاثة: "ما هو مشترك بين" المحال "الثلاثة"، محل الرفع ومحل النصب ومحل الجر، "وهو "نا" خاصة" بشرطين: اتحاد المعنى والاتصال "نحو: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا} [آل عمران: 193] فـ"نا" في "ربنا" في محل جر، بإضافة "رب" إليها، وفي "إننا" في محل نصب بـ"إن"، وفي "سمعنا" في محل رفع على الفاعلية بـ"سمع"، ونظير ذلك قول الناظم:

58-

.................

كاعرف بنا فإننا نلنا

"وقال بعضهم" وهو أبو حيان معترضا على الناظم في وقوله:

58-

للرفع والنصب وجر نا صلح

.................................

"لا يختص ذلك بكلمة "نا" بل "الياء" وكلمة "هم" كذلك"، فإنهما يقعان في المحال الثلاثة، "لأنك تقول" في الياء في الرفع:"قومي، و" في النصب: "أكرمني، و" في الجر: "غلامي، و" تقول في "هم" في الرفع: "هم فعلوا، و" في النصب: "أنهم، و" في الجر: "لهم مال. و" رده المتأخرون فقالوا: "هذا" النقص "غير سديد" بالسين المهملة؛ لأن المدعى أن يكون الضمير في الأحوال الثلاثة متحد المعنى ومتصلا، وما أورده ليس كذلك، "لأن ياء المخاطبة غير ياء المتكلم"، بدليلين:

أحدهما: أن "ياء المخاطبة" مختلف في اسميتها، و"ياء المتكلم" لم يختلف فيها، والمختلف فيه غير المتفق عليه.

والثاني: أن "ياء المخاطبة" موضوعة للمؤنث، و"ياء المتكلم" موضوعة للمذكر، و"ما" للمؤنث غير "ما" للمذكر، "و" لأن الضمير "المنفصل غير" الضمير "المتصل" ضرورة، فانتفى الإيراد وثبت المراد.

"وألفاظ الضمائر كلها مبنية" وجوبا، وذلك مفهوم من قول الناظم:

57-

وكل مضمر له البنا يجب

..............................

واختلف في سبب بنائها، فقيل: شبه الحرف في المعنى؛ لأن كل مضمر

ص: 100

مضمن معنى التكلم أو الخطاب أو الغيبة، وهي من معاني الحروف، وقيل: شبه الحرف في الوضع؛ لأن أكثر المضمرات على حرف واحد أو حرفين، وحمل الأقل على الأكثر، وقيل: شبه الحرف في الافتقار؛ لأن المضمر لا تتم دلالته على مسماه إلا بضميمة مشاهدة أو غيرها، وقيل: شبه الحرف في الجمود، وقيل: اختلاف صيغه لاختلاف معانيه، وقيل غير ذلك. ولا يختص الإبراز بضمير بعينه بل يكون في ضمير الرفع والنصب والجر، "ويختص الاستتار بضمير الرفع" فقط. "وينقسم المستتر إلى قسمين: مستتر وجوبا، وهو" المقتصر عليه في النظم بقوله:

60-

ومن ضمير الرفع ما يستتر

................................

بقرينة تمثيله بقوله:

60-

...........................

كأفعل أو افق نغتبط إذ تشكر

وضابط واجب الاستتار "ما لا يخلفه" في مكانه اسم ظاهر، ولا "ضمير منفصل، وهو المرفوع بأمر الواحد" المذكر "كـ: قم"، واستخرج بخلاف المرفوع بأمر الواحدة والمثنى والجمع، فإنه يبرز في الجميع نحو: قومي وقوما وقوموا وقمن، "أو" المرفوع "بمضارع مبدوء بتاء خطاب الواحد كـ: تقوم"، وتستخرج بخلاف المبدوء بتاء الغائبة، نحو: هند تقوم، فإن استتاره جائز لا واجب، وبخلاف المبدوء بتاء خطاب الواحدة والتثنية والجمع، فإنه يبرز في الجميع، نحو: تقومين وتقومان وتقومون وتقمن، "أو" المرفوع "بمضارع مبدوء بالهمزة كـ"أقوم" وأستخرج، "أو" المرفوع بمضارع مبدوء "بالنون كـ: تقوم" ونستخرج، "أو" المرفوع "بفعل استثناء كـ: خلا، وعدا" وليس، "ولا يكون، في نحو قولك": القوم "قاموا ما خلا زيدا، وما عدا عمرا"، وليس بكرا، "ولا يكون زيدا"، ففي خلا وعدا وليس ولا يكون ضمير مستتر وجوبا مرفوع عائد على البعض المفهوم من كله السابق، أو على اسم الفاعل المفهوم من الفعل السابق، "أو" المرفوع "بأفعل في التعجب، أو بأفعل" في "التفضيل"، فالأول "كـ: ما أحسن الزيدين"، بفتح الدال وكسرها، "و" الثاني نحو: "{هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا} [مريم: 74] ففي "أحسن" فيهما ضمير مرفوع على الفاعلية مستتر وجوبا، و"أثاثا" تمييز، "أو" المرفوع "باسم فعل غير ماض كـ: أوه" بمعنى أتوجع، "ونزال" بمعنى انزل، أو المرفوع بالمصدر النائب عن فعله نحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] فجميع هذه الأمثلة لا ترفع الاسم الظاهر، ولا الضمير البارز، إلا "أفعل" التفضيل،

ص: 101

فإنه قد يرفع الظاهر في مسألة "الكحل" عند جميع العرب" ويرفع الضمير البارز على لغة، نحو: "مررت برجل أفضل منه أنت" إذا لم يعرب "أنت" مبتدأ، وعلى هذا فعد "أفعل" التفضيل من أمثلة ما يستتر فيه الضمير وجوبا يشكل على الضابط المذكور. "و" ينقسم "إلى مستتر جوازا، وهو ما يخلفه ذلك" الظاهر أو الضمير المنفصل، "وهو" الضمير "المرفوع بفعل الغائب، أو" بفعل "الغائبة، أو الصفات المحضة"، وهي الخالصة من شائبة الاسمية، "أو اسم الفعل الماضي"، فالمرفوع بفعل الغائب "نحو: زيد قام، و" بفعل الغائبة نحو:"هند قامت" أو تقوم، "و" بالصفات المحضة، وهي: إما اسم فاعل نحو: "زيد قائم، أو" اسم مفعول نحو: زيد "مضروب، أو" صفة مشبهة نحو: زيد "حسن"، أو أمثلة المبالغة نحو: زيد ضراب أو مضراب أو مضروب أو ضريب أو ضرب، "و" باسم الفعل الماضي نحو: زيد "هيهات"، أي: بعد. فالضمير في هذه الأمثلة وما أشبهها مستتر جوازا، وإذا برز انفصل، تقول:"زيد قام هو" وكذا الباقي، والدليل على جواز ذلك أنه يخلفه الظاهر أو الضمير المنفصل، "ألا ترى أنه يجوز" في الفصيح:"زيد قام أبوه"، فيخلفه الظاهر وهو "أبوه"، "أو: ما قام إلا هو"، فيخلفه الضمير المنفصل الواقع بعد "إلا"، "وكذا الباقي" من الأمثلة المذكورة بلا فرق. وهذا الحكم جار في الضمير المنتقل إلى الظرف. وعديله، إذا وقعا صفة أو صلة أو خبرا أو حالا، نحو: "مررت برجل أمامك" وفي مجلسك"، و"جاء الذي عندك، أو في الدار"، و"زيد خلفك، أو في المسجد" و"جاء زيد فوق فرس، أو على حمار"، وقد يجب إبراز الضمير المستتر إذا جرى رافعه على غير من هو له، نحو: غلام زيد ضاربه هو.

"تنبيه: هذا التقسيم" للضمير إلى مستتر وجوبا وجوازا "تقسيم ابن مالك" في التسهيل1 وغيره، "وابن يعيش" في شرح المفصل2، "وغيرهما" من النحويين، ووافقهما الموضح في شرح القطر3، وخالفهم هنا فقال:"و" هذا التقسيم "فيه نظر الاستتار" للضمير "في""قام" من "نحو: زيد قام" واجب"، لا يجوز إبرازه متصلا، "فإنه" لو برز وجب انفصاله فيقال: "قام هو" و"لا يقال: "قام هو" على الفاعلية"، بل على التوكيد لذلك المستتر، "وأما" خلف الظاهر له أو الضمير المنفصل،

1 شرح التسهيل 1/ 166.

2 شرح المفصل 3/ 108-109.

3 شرح قطر الندى ص94.

ص: 102

ففي غير تركيبه، فـ"زيد قام": تركيب أسند فيه القيام إلى ضمير "زيد" من غير حصر، وأما "زيد قام أبوه، أو: ما قام إلا هو، فتركيب آخر" أسند فيه القيام إلى سببي زيد، وإلى ضميره المحصور بـ"إلا". هذا تقرير كلامه وفيه أمران:

أحدهما: أن قوله: "فتركيب آخر" يوهم أن ابن مالك وابن يعيش وغيرهما قائلون بأن نحو: "زيد قام هو" و"زيد قام أبوه" تركيب واحد مع اختلاف المسند إليه، ولا يظن بهم ذلك، إلا أن يقع النظر عن خصوصية المسند إليه.

والثاني: أنه نفى أن يقال: "قام هو" على الفاعلية، والمنقول عن سيبويه أنه أجاز في "هو" من نحو قوله تعالى:{أَنْ يُمِلَّ هُوَ} [البقرة: 282] أن يكون فاعلا، وأن يكون توكيدا، ونقل المرادي عنه أيضا في شرح التسهيل أنه أجاز في "هو" من نحو:"مررت برجل مكرمك هو" أن يكون فاعلا، وأن يكون توكيدا. وكذلك إذا جرى الوصف على غير من هو له، وأبرز الضمير يكون فاعلا بالاتفاق عند البصريين والكوفيين، والنظر الجيد أن يقال: ما ذهب إليه ابن مالك وابن يعيش وغيرهما مشكل؛ لأنه لا يخلو إما أن يريدوا بجواز الاستتار أنه يجوز إبراز الضمير متصلا أو منفصلا، والأول متعذر، والثاني مخالف لما أصلوه من القواعد، وهو أنه إذا أمكن الاتصال لا يعدل عنه إلى الانفصال، إلا فيما يستثنى، وليس هذا منه، "والتحقيق" في التقسيم "أن يقال: ينقسم العامل إلى ما لا يرفع، إلا الضمير المستتر كـ"أقوم" وقم، "وإلى ما يرفعه، وغيره"، أي: الظاهر "كـ: قام" وهيهات، "وينقسم" الضمير "المنفصل بحسب مواقع الإعراب" الثلاثة "إلى قسمين":

أحدهما: "ما يختص بمحل الرفع" لا يتجاوزه إلى غيره، "وهو: أنا" للمتكلم، "وأنت" بفتح التاء للمخاطب، "وهو" للغائب وفروعهن، "ففرع أنا" واحد فقط، وهو "نحن"؛ لأن المتعدد فرع المفرد، "وفرع أنت" بفتح التاء أربعة وهي: "أنت" بكسر التاء، "وأنتما، وأنتم، وأنتن"؛ لأن المؤنث فرع المذكر، والمثنى والجمع فرع المفرد، "وفرع هو" أربعة أيضا وهي: "هي وهما وهم وهن"، وتعليله ما تقدم.

تنبيه: المختار في "أنا" أن الضمير هو الهمزة والنون فقط، والألف زائدة لبيان الحركة. ومذهب الكوفيين أنه الأحرف الثلاثة1، واختاره ابن مالك2، وفي

1 انظر شرح المفصل 3/ 93.

2 شرح التسهيل 1/ 134.

ص: 103

"أنت" وفروعه أن الضمير نفس "أن" عند البصريين، واللواحق لها حروف خطاب1. وذهب الفراء إلى أن "أنت" بكماله هو الضمير، وذهب ابن كيسان إلى أن "التاء" هي الضمير، وهي التي في: "فعلت" وكسرت بـ"أن".

وفي "هو وهي" الجميع ضمير، وهو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الضمير هو الهاء فقط، والواو والياء إشباع، وفي "هما وهم" الضمير "الهاء" وحدها2. وحكي عن الفارسي أنه المجموع، وفي "هن" الهاء وحدها، والنون الأولى كالميم في "هم"، والثانية كالواو في "هو".

"و" القسم الثاني "ما يختص بمحل النصب لا يتجاوزه إلى غيره، "وهو إيا" بتشديد الياء المثناة، تحت حال كونه "مردفا بما يدل على المعنى المراد" من تكلم وخطاب وغيبة وتذكير وتأنيث وإفراد وتثنية وجمع، "نحو: "إياي" للمتكلم" وحده، "و: إياك، للمخاطب" المذكر، "و: إياه، للغائب" المذكور، هذه الثلاثة هي الأصول، "وفروعها" تسعة، ففرع إياي: "إيانا" لا غير، "و" فرع "إياك" بفتح الكاف؛ أربعة: "إياك" بكسر الكاف، "وإياكما، وإياكم، وإياكن. و" فرع إياه أربعة أيضا:"إياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن"، على ما تقدم من التعليل، وفي بعض النسخ بإسقاط العاطف.

"تنبيه: المختار" من الخلاف "أن الضمير نفس: إيا" فقط، "وأن اللواحق لها حروف تكلم وخطاب وغيبة"، وهو مذهب سيبويه3. واستشكل بأن الضمير ما دل على متكلم أو مخاطب أو غائب، و"إيا" على حدتها لا تدل على ذلك، وأجيب بأنها وضعت مشتركة بين المعاني الثلاثة، فعند الاحتياج إلى التمييز أردفت بحروف تدل على المعنى المراد، كما أردف الفعل المسند إلى المؤنث بناء التأنيث ومقابل المختار مذاهب:

أحدها: ما ذهب إليه بعض البصريين وجمع من الكوفيين واختاره أبو حيان، أن اللواحق هي الضمائر، وكلمة "إيا" عماد4، أي: زيادة يعتمد عليها لواحقها، ليتميز الضمير المنفصل من المتصل.

1 شرح المفصل 3/ 93، 95.

2 ذكر الأنباري آراء الكوفيين والبصريين في الإنصاف 2/ 677، المسألة رقم 96:" الحروف التي وضع عليها الاسم في هو وهي". وانظر شرح المفصل 3/ 95-97.

3 الكتاب 2/ 355، وانظر شرح المفصل 3/ 98-99.

4 الإنصاف 2/ 695، المسألة رقم 97:"الضمير في إياك وأخواتها".

ص: 104

والثاني: ما ذهب إليه الخليل وجمع، واختاره ابن مالك، أن "إيا" ضمير إلى ما بعده، وأن ما بعده ضمير أيضا في محل خفض بإضافة "إيا" إليه1.

والثالث: ما ذهب إليه الزجاج أن "إيا" اسم ظاهر لا ضمير، واللواحق له ضمائر، أضيف "إيا" إليها، فهي في محل خفض بالإضافة. وهذه الضمائر الأربعة والعشرون ضميرا من المرفوعة والمنصوبة المنفصلة مستفادة من قول الناظم:

61-

وذو ارتفاع وانفصال أنا هو

وأنت والفروع لا تشتبه

62-

وذو انتصاب في انفصال جعلا

إياي والتفريع ليس مشكلا

وجملة الضمائر البارزة ستون ضميرا؛ وذلك لأن البارز إما متصل أو منفصل، مرفوع ومنصوب ومجرور، والمنفصل مرفوع ومنصوب فقط، فهذه خمسة أقسام، ثلاثة للمتصل واثنان للمنفصل، ولكل من هذه الخمسة اثنتا عشرة لفظة: واحدة للمتكلم وحده، وواحدة له ولمن معه، وخمس للمخاطب: واحدة للمذكر، وواحدة للمؤنث، وواحدة لمثنييهما، وواحدة لجمع المذكر، وواحدة لجمع المؤنث، وخمس للغائب كذلك، وإذا ضربنا خمسا في اثني عشر خرج منها ستون.

أمثلة المرفوع المتصل: قُمْتُ؛ قُمنا؛ قُمتِ؛ قُمتما؛ قُمتم؛ قُمتُنّ؛ قامَ؛ قامَتْ؛ قامَا؛ قاموا؛ قُمْنَ.

أمثلة المنصوب المتصل: أكْرَمَنِي؛ أكْرَمَنا؛ أكْرَمَكَ؛ أكْرَمَكِ؛ أكْرَمَكُما؛ أكرمَكُم؛ أكرَمَكُنّ؛ أكرَمَهُ؛ أكرَمَهَا؛ أكْرَمَهُما؛ أكْرَمَهُم؛ أكرَمَهُنّ.

أمثلة المخفوض؛ ولا يكون إلا متصلا؛ غلامي لي؛ غلامنا لنا؛ غلامكَ لكَ؛ غلامكِ لكِ؛ غلامكما لكما؛ غلامكم لكم؛ غلامكنَ لكنَ؛ غلامه له؛ غلامها لها؛ غلامهما لهما؛ غلامهم لهم؛ غلامهنّ لهنّ.

وتقدمت أمثلة المرفوع المنفصل والمنصوب المنفصل في كلام الموضح، فلم أحتج لسردها مرة ثانية. فهذه الستون متفق عليها، وزاد سيبويه في ضمائر الرفع المتصلة: ياء المخاطبة في: تقومين وقومي، وخالف الأخفش والمازني ذاهبين إلى أنها حرف تأنيث، والفاعل مستتر، كما يستتر ضمير المفرد في: تقوم وقم، وقد تقدم ما فيه.

1 انظر رأي الخليل في الإنصاف 2/ 695: والكتاب 1/ 279، واستشهد الخليل بقولهم:"إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب".

ص: 105

"فصل":

القاعدة لغة: الأساس، واصطللاحا: حكم كلي منطبق على جميع جزئياته لتتعرف أحكامها منه. وهي هنا "أنه متى تأتي" وأمكن "اتصال الضمير لم يعدل إلى انفصاله"؛ لأن وضع الضمير على الاختصار؛ والمتصل أخصر من المنفصل "فنحو: قمت" بضم التاء "وأكرمتك، لا يقال فيهما: قام أنا؛ ولا أكرمتك إياك"؛ لأن التاء أخصر من "أنا" والكاف أخصر من "إياك"، وإلى هذا أشار الناظم بقوله:

63-

وفي اختيار لا يجيء المنفصل

إذا تأتى أن يجيء المتصل

"فأما قوله" وهو زياد بن حمل التميمي: [من البسيط]

54-

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

..................................

أي: قومي.

54-

..........................

"إلا يزيدهم حبا إلي هم"

فأوقع الضمير المرفوع المنفصل مكان المرفوع المتصل، "وقوله" وهو الفرزدق:[من البسيط]

55-

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

"إياهم الأرض في دهر الدهارير"

فأوقع الضمير المنصوب المنفصل مكان المنصوب المتصل، "فضرورة" فيهما، ومعنى البيت الأول على ما قاله ابن كيسان: ما صحبت قوما بعد قومي؛ فذكرت لهم

54- البيت لزياد بن منقذ في خزانة الأدب 5/ 250، 255، وسر صناعة الإعراب 1/ 271، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1392، وشرح شواهد المغني 1/ 135، 137، 428، وشرح المفصل 7/ 26، والشعر والشعراء 2/ 701 ومعجم الشعراء ص409، والمقاصد النحوية 1/ 256، ولبدر بن سعيد أخي زياد "أو المرار" في الأغاني 10/ 330، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 90، وتخليص الشواهد ص83، وشرح ابن الناظم ص38، وشرح الأشموني 1/ 51، ومغني اللبيب 1/ 146.

55-

البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 214، وخزانة الأدب 5/ 288، 290، والدرر 1/ 98، والمقاصد النحوية 1/ 274، ولأمية بن أبي الصلت في الخصائص 1/ 307، 2/ 195، ولم أقع عليه في ديوانه، ولأمية أو للفرزدق في تخليص الشواهد ص87، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 129، والأغاني 10/ 323، والإنصاف 2/ 698، وأوضح المسالك 1/ 92، وتذكرة النحاة 43، وشرح ابن عقيل 1/ 101، 108 وشرح ابن الناظم ص38، وهمع الهوامع 1/ 62.

ص: 106

قومي؛ إلا بالغوا في الثناء عليهم، حتى يزيدوا قومي حبًّا إلَيّ، ويدل عليه أنه وجد في أصل قصيدته:

لم ألق بعدهم حيًّا فأخبرهم

إلا.....................

إلى آخره. و"هم" الأولى مفعول أول ليزيد، و"حبًّا" مفعوله الثاني، و"هم" الثانية، آخر البيت: فاعل يزيد، والأصل: يزيدون، فعدل عن الواو إلى هم للضرورة. وقال ابن مالك:"الأصل: إلا يزيدون أنفسهم، فحذف المضاف، وفصل ضمير الفاعل". قال الموضح في المعنى: وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى واحد، وليس كذلك، فإن مسمى "الواو" المصاحبون ثانيًا، ومسمى "هم" المصاحبون أولًا. ومراده: أنه ما يصاحب قومًا بعد قومه فيذكر قومه لهم، إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًّا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم عليهم. ويجوز في:"فأذكرهم" النصب في جواب النفي، والرفع بالعطف على "أصاحب". قاله الموضح في شرح الشواهد.

و"الباء" في قول الفرزدق: "بالباعث" متعلقة بـ"حلفت" في بيت قبله1. والباعث: هو الذي يبعث الأموات ويحييهم. والوارث: هو الذي ترجع إليه الأملاك؛ بعد فناء الملاك. والأموات: إما مجرور بإضافة الباعث والوارث إليه، على حد قولهم2:[من المنسرح]

..............................

بين ذراعي وجبهة الأسد

أو منصوب "بالوارث"، على أن الوصفين تنازعاه، وأعمل الثاني. وضمنت؛ بكسر الميم مخففة: بمعنى تضمنت، أي: اشتملت عليهم، أو بمعنى تكلفت بأبدانهم. والأرض: فاعل "ضمنت"، و"إياهم": مفعوله، والقياس اتصاله، ولكنه فصل للضرورة. والدهر: الزمان، و"الدهارير"، بمعنى الشدائد: مضاف إليه.

1 وهو قوله:

"إني حلفت ولم أحلف على فند

فناء بيت من الساعين معمور".

انظر ديوان الفرزدق 1/ 214، والدرر 1/ 99.

2 صدر البيت:

"يا من رأى عارضا أُسَرُّ به"

، وهو الفرزدق في ديوانه ص215 "طبعة الصاوي"، وخزانة الأدب 2/ 319، 4/ 404، 5/ 289، وشرح شواهد المغني 2/ 799، وشرح المفصل 3/ 21، والكتاب 1/ 180، والمقاصد النحوية 3/ 451، والمقتضب 4/ 229، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 100، 2/ 264، 390، وتخليص الشواهد ص87، وخزانة الأدب 10/ 187، والخصائص 2/ 407، والدرر 1/ 99، ورصف المباني ص341، وسر صناعة الإعراب ص297، وشرح الأشموني 2/ 366، وشرح عمدة الحافظ ص502، ومغني اللبيب 2/ 380، 621.

ص: 107

"و" إذا لم يتأتّ الاتصال وجب الانفصال، "مثال ما لم يتأت فيه الاتصال أن" يرفع الضمير بمصدر مضاف إلى المنصوب نحو قوله:[من البسيط]

56-

بنصركم نحن كنتم ظافرين.....

......................................

أو ينصب بمصدر مضاف إلى المرفوع نحو: " عجبت من ضرب الأمير إياك". فإن قالوا: يجوز: "ضربك الأمير"، قلنا: ويجوز: "بنصرنا إياكم" فما كان جوابهم فهو جوابنا1.

أو أن يرفع بصفة جرت على غير من هي له مطلقا عند البصريين، وبشرط خوف اللبس عند الكوفيين، نحو:"زيد عمرو ضاربه هو"، أو أن يحذف عامله؛ كقوله:[من الطويل]

57-

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلك تهديك القرون الأوائل

أي: فإن ضللت لم ينفعك علمك.

وأن يكون عامله حرف نفي نحو: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] وأن يقع بعد واو المصاحبة كقوله: [من الطويل]

58-

فآليت لا أنفك أحدو قصيدة

تكون وإياهم بها مثلا بعدي

أو أن يفصله متبوع نحو: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ} [الممتحنة: 1] .

أو أن يلي "إما" المكسورة الهمزة المشددة الميم، نحو: إما أنا وإما أنت.

أو يلي اللام الفارقة2، كقوله:[من الخفيف]

56- تتمة البيت:

"............................. وقد

أغرى العدى بكم استسلامكم فشلا"

،وهو بلا نسبة في الدرر 1/ 100، والمقاصد النحوية 1/ 289، وهمع الهوامع 1/ 63.

1 في حاشية يس 1/ 105: "قال الزرقاني: والجواب من الجهتين أن الكلام في ضمير الرفع الخاص بذلك، لا فيما يقع في محل رفع، ولا في المشترك"

57-

البيت للبيد بن ربيعة في ديوانه ص255، وخزانة الأدب 3/ 34، والدرر 1/ 102، وشرح الأشموني 1/ 188، وشرح شواهد المغني 1/ 151، والمعاني الكبير ص1211، والمقاصد النحوية 1/ 8، 291، وهمع الهوامع 2/ 114، وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 63.

58-

البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 219، وخزانة الأدب 8/ 15، 519، والدرر 1/ 103، 480، وشرح شواهد الإيضاح ص180، والمقاصد النحوية 1/ 295، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص44، وهمع الهوامع 1/ 63، 220.

2 أي: بين "أن" المخففة من الثقيلة والنافية. انظر الدرر 1/ 104.

ص: 108

59-

إن وجدت الصديق حقا لإيا

ك فمرني فلن أزال مطيعا

أو أن يكون منادى، نحو: يا إياك، ويا أنت.

أو أن ينصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع أن أتحدث رتبته، نحو:"ظننتني إياي"، وسيأتي.

أو أن "يتقدم الضمير على عامله، نحو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 4] ، أو" يتأخر عن عامله "يلي إلا" لفظا، نحو:{أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف: 40] .

أو معنى، نحو: إنما قام أنا، "ومنه قوله" وهو الفرزدق:[من الطويل]

60-

أنا الذائد الحامي الذمار "وإنما

يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي"

"لأن""أنا" ولي "إلا" في المعنى؛ لأن "المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا"، أو مماثلي في إحراز الكمالات. ولما كان غرضه أن يحصر المدافع لا المدافع عنه؛ فصل الضمير وأخره، ولو وصله وقال: وإنما أدافع عن أحسابهم، لصار المعنى: أنه يدافع عن أحسابهم؛ لا عن أحساب غيرهم. وذلك غير مقصود، ولا يصح حمله على الضرورة؛ لأنه كان يصح أن يقال: إنما أدافع عن أحسابهم أنا، على أن يكون "أنا" توكيدا، وليست "ما" موصولة، و"أنا" خبر إن، إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ "من" إلى لفظ "ما"، وما نقل عن سيبويه من امتناع فصل الضمير بعد "إنما"؛ محمول على أنه لا يرى الحصر بـ"إنما"، وخولف في ذلك.

والذائد؛ بذال معجمة أوله؛ ومهملة آخره: من ذاد يذود: إذا منع، أو من الذود وهو الطرد. يقال: رجل ذائد أي: حامي الحقيقة، والحامي هنا تفسير للذائد، وهو اسم فاعل من الحماية، وهي الدفع، والذمار؛ بكسر الذال المعجمة وتخفيف الميم: وهو ما لزم الشخص حفظه مما وراءه ويتعلق به. والأحساب: جمع حسب؛ بفتح السين. "قال شَمَر: الحسب: الفعل الحسن للرجل ولآبائه؛ مأخوذ من الحساب، كأنهم يحسبون مناقبهم

59- البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 103، والمقاصد النحوية 1/ 301، وهمع الهوامع 1/ 63.

60-

البيت للفرزدق في ديوانه 2/ 153، وتذكرة النحاة ص85، والجنى الداني ص397، وخزانة الأدب 4/ 465، والدرر 1/ 99، وشرح شواهد المغني 2/ 718، ولسان العرب 15/ 200 "فلا"، والمحتسب 2/ 195، ومعاهد التنصيص 1/ 260، ومغني اللبيب 1/ 309، والمقاصد النحوية 1/ 277، ولأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص48، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 111، 114، 7/ 242، وأوضح المسالك 1/ 95، ولسان العرب 13/ 31 "أنن"، وهمع الهوامع 1/ 62، وتاج العروس "ما".

ص: 109

ويعدونها عند المفاخرة، فالحسب؛ بالسكون: العدد، وبالتحريك: الشيء المعدود على القياس في مثله". ا. هـ. قاله التجاني في تحفة العروس1.

"ويستثنى من هذه القاعدة" المذكورة، وهي أنه إذا تأتى اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله "مسألتان"، ويجوز فيهما الانفصال مع تأتي الاتصال، وهما المشار إليهما في النظم بقوله:

64-

وصل أو افصل هاء سلنيه وما

أشبهه في كنته الخلف انتمى

65-

كذاك خلتنيه........

............................

"إحداهما"؛ وهي الأولى في النظم: "أن يكون عامل الضمير" الجائز فيه الاتصال والانفصال، "عاملا في ضمير آخر أعرف منه مقدم عليه"، وهو مراد الناظم بقوله:

66-

وقدم الأخص في اتصال

..............................

"وليس" المقدم "مرفوعا"، بأن كان منصوبا أو مجرورا، "فيجوز" حينئذ في الضمير الثاني "الوجهان" المتقدمان، وهما: الاتصال نظرا إلى الأصل؛ والانفصال هربا من توالي اتصالين في فضلتين. "ثم إن كان العامل" في الضميرين المذكورين "فعلا غير ناسخ"، كما في باب "أعطى"، "فالوصل أرجح" لكونه الأصل، ولا مرجح لغيره، ولذلك اقتصر عليه سيبويه2 "كالهاء من" قولك لشخص في عبد:"سلنيه" أو ملكنيه، وكالكاف من قولك لعبدك:"زيد سألنيك"، ويجوز على مرجوح: سَلْني إياه ومَلِّكني إياه وسَأَلَني إياك ولكون الموصل أرجح لم يأت التنزيل إلا به، قال الله تعالى:{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} [البقرة: 137]، {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} [هود: 28] ، {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} [محمد: 37] ، كل ذلك من الوصل. "ومن الفصل" قوله صلى الله عليه وسلم:"إن الله ملككم إياهم" 3، ولو وصل لقال:"مَلَّكَكُمُوهم"، ولكنه فر من الثقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمات، "وإن كان" العامل في الضميرين "اسما"، وكان أول الضميرين مجرورا، "فالفصل أرجح"، لاختلاف محلي الضميرين، سواء أكان الاسم العامل مصدرا، "نحو: عجبت من حبي إياه"، فـ"حب": مصدر مضاف إلى فاعله؛

1 تحفة العروس ص57، باب تخير الرجل لنطفته.

2 الكتاب 2/ 363.

3 من شواهد شرح ابن الناظم ص39.

ص: 110

وهو ياء المتكلم، و"إياه": مفعوله. هذا من الفصل، "ومن الوصل قوله" في الحماسة:[من المتقارب]

61-

لئن كان حبك لي كاذبا

"لقد كان حبيك حقا يقينا"

اللام في "لئن": موطئة للقسم، وفي "لقد": جواب القسم؛ هذا هو المعتمد؛ ولا التفات لغيره، وفي "لي" تقوية العمل المصدر في مفعوله؛ لكونه فرعا عن الفعل في العمل، و"حبك" الأول، بغير ياء، و"الكاف": مضاف إليها من إضافة المصدر إلى فاعله، و"حبيك" الثاني، بالياء، وفيه الشاهد، فإنه أتى معه الضمير الثاني، وهو "الكاف" متصلا، ولو فصله لقال:"حبي إياك"، أو كان الاسم العامل اسم فاعل، نحو:"عجبت من الموليك إياه"، ومن الوصل قوله:[من البسيط]

62-

لا ترج أو تخش غير الله إن أذى

واقيكه الله لا ينفك مأمونا

فأتى بالضمير الثاني متصلا، ولو فصله لقال: واقيك الله إياه.

"وإن كان" العامل في الضميرين "فعلا ناسخا" من باب ظن "نحو: خلتنيه، فالأرجح عند الجمهور الفصل"؛ لأنه خبر في الأصل، وحق الفصل قبل وجود الناسخ، فيترجح بعده، وهو المراد بقول الناظم:

65-

.................................

.................. غيري اختار الانفصالا

"كقوله": [من البسيط]

63-

"أخي حسبتك إياه" وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحن

أخي: مفعول بفعل محذوف يفسره حسبتك، أو مبتدأ وما بعده خبره، على الوجهين في الاشتغال، لا منادى سقط منه حرف النداء، لفساد المعنى. والأرجاء: النواحي، جمع رجا كعصا، والأضغان: جمع ضغن؛ بكسر الضاد المعجمة؛ وهو: الحقد. والإحن؛ بكسر الهمزة وفتح الحاء المهملة؛ جمع إحنة؛ بكسر الهمزة وسكون الحاء؛ وهو:

61- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 97، وشرح الأشموني 1/ 52، المقاصد النحوية 1/ 283، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص962، وقيل البيت المستشهد به قوله:

لئن كنت أوطأتني عشوة

لقد كنت أصفيتك الود حينا

وما كنت إلا كذي نهزة

تبدل غثا وأعطى سمينا

62-

البيت بلا نسبة في المقاصد النحوية 1/ 308.

63-

البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 99، وشرح ابن الناظم ص41، وشرح الأشموني 1/ 53، والمقاصد النحوية 1/ 286.

ص: 111

الحقد أيضا؛ فهو من باب عطف أحد المترادفين على الآخر. والشاهد في "حسبتك إياه"، حيث فصل الضمير الثاني، "و" الأرجح "عند الناظم والرماني وابن الطراوة الوصل"، وقد صرح بذلك الناظم فقال:

65-

......................... واتصالا

أختار................................

وحجته أن الأصل الاتصال، وقد أمكن، وجاء به التنزيل، قال الله تعالى:{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: 43]، وورد به الشعر "كقوله":[من البسيط]

64-

"بلغت صنع امرئ بر إخالكه"

إذ لم تزل لاكتساب الحمد مبتدرا

المسألة "الثانية" من المسألتين المستثناتين من القاعدة المذكورة "أن يكون" الضمير "منصوبا بكان أو إحدى أخواتها"، سواء أكان قبله ضمير أم لا1، وبذلك فارقت المسألة الأولى، "نحو: الصديق كنته، أو كأنه زيد"، فيجوز في الهاء الوجهان، الاتصال والانفصال، "وفي الأرجح من الوجهين الخلاف المذكور" في الترجيح في نحو: "خلتنيه" فالأرجح عند الجمهور الفصل، وعند الناظم والرماني وابن الطراوة الوصل2، وتوجيههما مع سبق، وكلاهما ورد، "ومن ورود الوصل الحديث"، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه لما طلب أن يقتل ابن صياد حين أخبر بأنه الدجال: "إن يكنه فلن تسلط عليه" وأن لا يكنه فلا خبر لك في قتله"3. "ومن ورود الفصل قوله" وهو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: [من الطويل]

65-

"لئن كان إياه لقد حال بعدنا

عن العهد" والإنسان قد يتغير

ثم شرع في محترزات القيود المتقدمة في المسألة الأولى، فقال:"ولو كان الضمير السابق في المسألة الأولى مرفوعا وجب الوصل نحو: ضربته"، ولا يجوز: ضربت إياه

64- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 100، وشرح الأشموني 1/ 53، والمقاصد النحوية 1/ 287.

1 يشترط لجواز الوجهين أن يكون المتقدم أعرف، وإلا فيجب الفصل؛ كما يفهم من قول الناظم:

وقدم الأخص....................

...............................

2 انظر المقتضب 3/ 98، وشرح التسهيل 1/ 154، وشرح ابن الناظم ص39.

3 أخرجه البخاري في الجنائز، باب 78: إذا أسلم الصبي فمات

برقم 1289، وأخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر ابن صياد، رقم 2930، 2931، وهو من شواهد شرح ابن الناظم ص39، وشرح الأشموني 1/ 53.

65-

البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص94، وتخليص الشواهد ص93، وخزانة الأدب 5/ 312، 313، وشرح المفصل 3/ 107، والمقاصد النحوية 1/ 314 وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 102، وشرح ابن الناظم ص40، وشرح الأشموني 1/ 53، والمقرب 1/ 95.

ص: 112

لما تقدم، "ولو كان الضمير المتقدم" على الضمير الثاني "غير أعرف"، أي: غير أخص، "وجب الفصل"؛ لأنه مع الاتصال يجب تقديم الأخص، فمع تقديم غير الأخص يجب الانفصال، وهذا معنى قول الناظم:

66-

وقدمن ما شئت في انفصال

.................................

"نحو: أعطاه إياك، أو" أعطاه "إياي"، فإن كلا من ضميري المخاطب والمتكلم أخص من ضمير الغائب، "أو أعطاك إياي"؛ لأن ضمير المتكلم أخص من ضمير الغائب، وأما قول عثمان رضي الله عنه:"أراهمني الباطل شيطانا"1 فنادر، والأصل: أراهم الباطل إياي شيطانا، والمعنى: أرى الباطل القوم أني شيطان. وأجاز المبرد2 وكثير من القدماء تقديم غير الأخص مع الاتصال نحو: أعطيتهموك، ولكن الانفصال عندهم راجح، "ومن ثم" بفتح التاء المثلثة، أي: من هنا، أي: من أجل أنه يجب الفصل إذا تقدم غير الأعرف "وجب الفصل إذا اتحدت الرتبة"؛ بأن يكونا لمتكلم أو مخاطب أو غائب؛ لأنه يصدق أن المتقدم منهما غير أعرف، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

67-

وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا

..................................

وذلك "نحو" قول العبد لسيده: "مَلَّكتني إياي، و" قول السيد لعبده: "مَلَّكتُكَ إياك، و" قول السيد إذا أخبر شخصا أنه مَلَّك عبده نفسه: "مَلَّكتَه إياه"، أن شرط جواز الاتصال تقدم الأخص، "وقد يباح الوصل؛ إن كان الاتحاد في" ضميري "الغيبة، واختلف لفظ الضميرين" تذكيرا وتأنيثا، وإفرادا وتثنية وجمعا، وهو مراد الناظم بقوله:

67-

.....................

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

وفي بعض النسخ مع اختلاف ما "كقوله": [من الطويل]

66-

لوجهك في الإحسان بسط وبهجة

"أنالهماه قفو أكرم والد"3

بسط، بمعنى بشاشة وطلاقة وجه مبتدأ تقدم خبره في المجرور باللام قبله. وبهجة؛ بمعنى

1 من شواهد شرح ابن عقيل 1/ 106.

2 انظر رأي المبرد في شرح المفصل 3/ 105.

66-

البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 105، وتخليص الشواهد ص97، وتذكرة النحاة ص50، والدرر 1/ 104، وشرح ابن الناظم ص42، وشرح الأشموني 1/ 54، والمقاصد النحوية 1/ 342، وهمع الهوامع 1/ 63.

3 في ط: "وارد" مكان "والد".

ص: 113

حسن وسرور: معطوف على بسط. وأنال: فعل ماض متعد لاثنين؛ أولهما: ضمير التثنية الراجع إلى بسط وبهجة؛ وثانيهما: ضمير المفرد الراجع إلى الوجه، وأتى به متصلا، والأكثر:"أنالهما إياه" بالانفصال وقفو؛ بمعنى اتباع: فاعل "أنال". وأكرم: مضاف إليه.

واحترز بالغيبة من ضميري المتكلم؛ وضميري المخاطب، فإنه لا يكاد يصح فيهما الاختلاف المذكور؛ لاتحاد مدلولي الضميرين، فلا يقال: علمتناني، ولا: علمتنينا، ولا: ظننتكماك، وصح الاختلاف في ضميري الغيبية لصحة تعدد مدلوليهما، نحو: جارية زيد أعطيتهاه وأعطيتهوها، واحترز باختلاف لفظ الضميرين من أن لا يختلف لفظهما، فلا بد من الفصل، نحو: مال زيد أعطيته إياه.

ص: 114

"فصل":

قد مضى في تقسيم الضمير بحسب مواقع الإعراب "أن ياء المتكلم من الضمائر المشتركة بين محل النصب والخفض"، فتنصب بواحد من ثلاثة: فعل واسم فعل وحرف، وتخفض بواحد من اثنين: حرف واسم، وهذه العوامل على قسمين: ما تمتنع معه نون الوقاية، وما تلحقه، فالذي تلحقه نون الوقاية على أربعة أحوال: وجوب وجواز بتساوي رجحان الثبوت ورجحان الترك، "فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو ليت، وجب قبلها نون الوقاية"؛ لنفي الفعل أو شبهه من نظير ما لا يدخله، وهو الكسر الشبيه بالجر، ولتقي ما بني على الأصل وهو السكون من الخروج عن ذلك الأصل. "فأما الفعل فنحو: دعاني" في الماضي، "و: يكرمني" في المضارع، "و: أعطني" في الأمر، وهذه الثلاثة ملازمة للفعلية، "وتقول" فيما تردد بين الفعلية والحرفية: "قام القوم ما خلاني وما عداني وحاشاني"، بنون الوقاية "إن قدرتهن أفعالا"، فإن قدرتهن أحرف جر و"ما" زائدة؛ أسقطت النون، وتقدير الفعلية هو الراجح، فتثبت النون. "قال": [من الطويل]

67-

"تمل الندامي ما عداني فإنني"

بكل الذي يهوي نديمي مولع

والندامي: جمع ندمان، وهو نديم الرجل في الشرب، مرفوع على النيابة عن الفاعل بـ"تمل"، ومولع؛ بفتح اللام؛ بمعنى: بمعنى: مغرَّى، خبر "إن"، والمعنى: تمل الندامى مللا مجاوزا إلى غيري، وأما أنا فلا أمل؛ فإنني مغرى بكل ما يهواه نديمي.

"وتقول" في المختلف فيه بين الاسمية والفعلية والأصح الفعلية، "ما أفقرني إلى عفو الله، وما أحسنني إن اتقيت الله"، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه، والمثال الأول شاذ، والثاني منقاس.

"و" تقول في المختلف فيه بين الفعلية والحرفية، والأصح الفعلية: قام القوم ليسني، "قال بعضهم" وقد بلغه أن إنسانا يهدده:"عليه رجلا ليسني"، حكاه سيبويه عن بعض العرب1. فـ"عليه": اسم فعل بمعنى الأمر، و"رجلا": مفعول به،

67- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 107، والجنى الداني ص566، وجواهر الأدب ص382، والدرر 1/ 501، وشرح الأشموني 1/ 230، وشرح شذور الذهب ص262، وشرح التسهيل 2/ 307، والمقاصد النحوية 1/ 363، و3/ 134، وهمع الهوامع 1/ 233.

1 الكتاب 2/ 395، واستشهد به ابن الناظم في شرحه ص39.

ص: 115

و"ليس": فعل ماض؛ واسمه مستتر فيه عائد على رجل، وياء المتكلم خبره، "أي: ليلزم رجلا غيري"، وهذا مبني على جواز إغراء الغائب، وهو شاذ؛ لأنه ليس أمره بفعل وضع للأمر، بل بفعل مقرون بلام الأمر، كما أن النهي بفعل مقرون بـ"لا"، فكما أن أسماء الأفعال لا تكون نائبة عن فعل مقرون بحرف النهي؛ لا تكون نائبة عن فعل مقرون بحرف الأمر؛ لأن الفعل والحرف مختلفا الجنس، فلا ينبغي أن ينوب عنهما الاسم، وما ذكره من لزوم النون في نحو: "ما أحسنني" هو قول البصري، وهو مبني على أن "أفعل" في التعجب فعل ماض، "وأما تجويز الكوفي: ما أحسني" بحذف نون الوقاية سماعا؛ كما في شرح الكافية1 "فمبني على قوله: أن أحسن، ونحوه" في الوزن من أفعال التعجب "اسم"، بدليل تصغيره، سمع ما أحيسنه، ورد بأن التصغير فيه شاذ، وأما تجويز بعضهم "ليس" بحذف نون الوقاية من "ليس" لجموده، فلا يعول عليه، "وأما قوله" وهو رؤبة: [من الرجز]

68-

عددت قومي كعديد الطيس

"إذ ذهب القوم الكرام ليسي"

بغير نون؛ "فضرورة أشار لها الناظم بقوله:

68-

.......................

............ "وليسي قد نظم"

والعديد: كالعدد، يقال: هم عديد الثرى، أي: عدد الثرى، والطيس؛ بفتح الطاء المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفي آخره سين مهملة: الرمل الكثير، وليس: فعل ماض؛ واسمه مستتر فيه وجوبا عائد على البعض المفهوم من القوم، وياء المتكلم المتصلة به: خبره، وما ذكره من لزوم نون الوقاية في الفعل مطلقا، هو ما أشار إليه الناظم بقوله:

68-

وقبل يا النفس مع الفعل التزم

نون وقاية..........................

1 شرح الكافية لابن جماعة ص242.

68-

الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص175، واللسان 6/ 128 "طيس"، وخزانة الأدب 5/ 324، 325، والدرر 1/ 105، 503، وشرح التسهيل 1/ 136، وشرح شواهد المغني 2/ 488، 769، والمقاصد النحوية 1/ 344، وتهذيب اللغة 13/ 28، 74، وتاج العروس 16/ 219 "طيس"، وكتاب العين 7/ 280، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 108، وتخليص الشواهد ص99، والجنى الداني ص150، وجواهر الأدب ص15، وخزانة الأدب 5/ 396، 9/ 266، وسر صناعة الإعراب 2/ 32، وشرح ابن الناظم ص40، وشرح الأشموني 1/ 55، وشرح ابن عقيل 1/ 109، وشرح المفصل 3/ 108، ولسان العرب 6/ 211 "ليس"، ومغني اللبيب 1/ 171، 2/ 344، وهمع الهوامع 1/ 64، 233 وجمهرة اللغة ص839، 861، ومقاييس اللغة 3/ 436، وأساس البلاغة "ليس".

ص: 116

"وأما نحو: "تَأْمُرُوني" [الزمر: 64] ، و: "أَتُحَاجُّوني" [الأنعام: 80] بتخفيف النون في قراءة نافع1، "فالصحيح" عند سيبويه "أن المحذوف نون الرفع"، والمذكور نون الوقاية2، واختاره ابن مالك3؛، لأن نون الرفع عهد حذفها للجازم والناصب ولتوالي الأمثال في نحو:{لَتُبْلَوُنَّ} [آل عمران: 186]، ولغير ذلك نحو قوله:[من الرجز]

69-

أبيت أسري وتبيتي تدلكي

ولا نون الرفع نائبة عن الضمة، والضمة تحذف تخفيفًا في قراءة أبي عمرو4 نحو:"يَأْمُرْكُمْ"[البقرة: 67] ، فحذف النون ليس من تفضيل الفرع على الأصل، وقيل: المحذوف نون الوقاية، وجزم به الموضح في شذوره، وأسقطه من شرحه، وهو مذهب الأخفش والمبرد وأبي علي وابن جني وأكثر المتأخرين5، واستدلوا له بأوجه:

أحدها: أن نون الوقاية حصل بها التكرار والاستثقال، فكانت أولى بالحذف.

وثانيها: أن نون الرفع علامة الإعراب، فالمحافظة عليها أولى.

وثالثها: أن نون الرفع لعامل، فلو حذفت لزم وجود مؤثر بلا أثر مع إمكانه.

"وأما اسم الفعل" المزيد على النظم "فنحو دراكني وتراكني" بكسر الكاف فيهما، "وعليكني" بفتحها، الأول "بمعنى: أدْرِكْني" بقطع الهمزة، "و" الثاني "بمعنى: اتركني، و" الثالث بمعنى:"الزمني" بوصل الهمزة فيهما، "وأما: ليت" المشار إليه بقول الناظم:

1 انظر قراءة ابن نافع في الإتحاف ص212، 376، والنشر 2/ 259، 363.

2 في الكتاب 3/ 519: "بلغنا أن بعض القراء قرأ: "أتحاجّوِني"".

3 شرح التسهيل 1/ 137.

69-

الرجز بلا نسبة في الارتشاف 1/ 420، والأشباه والنظائر 1/ 82، 3/ 95، وخزانة الأدب 8/ 339، 340، 425، والخصائص 1/ 388، والدرر 1/ 70، ورصف المباني ص361، وشرح التسهيل 1/ 52، 53، ولسان العرب 10/ 426 "دلك"، 12/ 237 "ردم"، والمحتسب 2/ 22، وهمع الهوامع 1/ 51.

4 الرسم المصحفي: {يَأْمُرُكُمْ} ، وقرأها أبو عمرو بتسكين الراء. انظر الإتحاف ص136.

5 قال أبو حيان في الارتشاف 1/ 420: "إذا اجتمعت "نون الرفع" مع نون الوقاية، نحو: هل تضربانني، وهل تضربونني، وهل تضربينني؛ فيجوز إثباتها، وإدغام نون الرفع في نون الوقاية وحذف إحداهما، فمذهب سيبويه أن المحذوفة نون الرفع؛ وإليه ذهب أكثر المتأخرين، وذهب الأخفش والمبرد وعلي بن سليمان وأبو علي وابن جني إلى أن المحذوفة نون الوقاية". وانظر الكتاب 3/ 519.

ص: 117

69-

وليتني فشا..............

...............................

"فنحو: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24] .

وإنما وجبت النون مع "ليت" لقوة شبهها بالفعل، لكونها تغير معنى الابتداء ولا تعلق ما بعدها بما قبلها.

"وأما قوله" وهو ورقة بن نوفل ابن عم خديجة رضي الله عنها لما ذكرت له خديجة عن غلامها ميسرة ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وما قاله بحيرا الراهب في شأنه:[من الوافر]

70-

"فيا ليتني إذا ما كان ذاكم"

ولجت وكنت أولهم ولوجا

بإسقاط نون الوقاية من "ليتني"، "فضرورة عند سيبويه"؛ لأنه يوجب "ليتني" بإثبات نون الوقاية.

"وقال الفراء: يجوز" اختيار "ليتني" بإثبات النون، "وليتي" بحذفها، "وإن نصبها لعل" المشار إليه في النظم بقوله:

69-

..................................

ومع لعل اعكس.......................

"فالحذف" لنون الوقاية "نحو: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر: 36] أكثر من الإثبات" لها، "كقوله" وهو حاتم بن عي الطائي، وقيل حطائط بن يعفر أخو الأسود النهشلي يخاطب امرأة عذلته على إنفاقه ماله:[من الطويل]

71-

"أريني جوادا مات هزلا لعلني"

أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا

والمعنى: أريني جوادا مات لأجل الهزل، أو بخيلا مخلدا لم يمت لعلني أرى ما ترين، وحاصله أن إنفاق المال لا يميت الكريم لهزاله، ولا إمساكه يخلد البخيل في الدنيا. "و" إثبات النون في "لعلني""هو أكثر من" حذفها في "ليتي، وغلط ابن الناظم"

70- البيت لورقة بن نوفل في المقاصد النحوية 1/ 365، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 110، وتخليص الشواهد ص100.

71-

البيت لحاتم الطائي في ديوانه ص218، ولحطائط بن يعفر في خزانة الأدب 1/ 406، وسمط اللآلي ص714، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص1733، وشرح المفصل 8/ 78، والشعر والشعراء 1/ 254، ولحاتم أو لحطائط في المقاصد النحوية 1/ 369، ولهما أو لدريد في لسان العرب 11/ 474 "علل"، ولهم أو لمعن بن أوس في لسان العرب 13/ 34 "أنن"، ولمعن بن أوس في ديوانه ص39، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 112، وتخليص الشواهد ص105، وسر صناعة الإعراب 1/ 236.

ص: 118

في شرح النظم في النقل، "فجعل ليتني نادرا"1، مع أنه ضرورة عند سيبويه2 كما تقدم، "و" وجعل "لعلني، ضرورة" مع أنه نادر3، بل كثير، كما تقدم. وهو في الأولى تابع لأبيه في قوله:

69-

................. وليتي ندرا

.................................

ومخالف له في الثانية؛ وفي قوله:

69-

..........................

ومع لعل اعكس................

وإنما كان الأكثر، وفي "لعل" التجرد؛ لأنها سبيهة بحروف الجر في تعليق ما بعدها بما قبلها، كما في قولك:"تب لعلك تفلح"4، بخلاف "ليت" فإنها شبيهة بالفعل في تغيير معنى الابتداء؛ وعدم تعلق ما بعدها بما قبلها "وإن نصبها بقية أخوات ليت ولعل"، وإليها أشار الناظم بقوله:

69-

...........................

....................... وكن مخيرا

70-

في الباقيات.................

...................................

"وهي إن" المكسورة، "وأن" المفتوحة، "ولكن، وكأن، فالوجهان" على السواء، فالإثبات نظرا إلى شبهها بالأفعال المتعدية في عمل النصب والرفع والحذف؛ نظرا إلى كراهية اجتماع الأمثال، فلما تعارض التوجيهان تساقطا واستوى الأمران؛ "كقوله" وهو قيس بن الملوح:[من الطويل]

72-

"وإني على ليلى لزار وإنني"

على ذاك فيما بيننا مستديمها

1 قال ابن الناظم في شرح الألفية ص43، 44:"إذا نصب "الياء" الحرف، أعني "إن" أو إحدى أخواتها ففيه تفصيل، فإن الناصب إن كان "ليت" وجب إلحاق النون، نحو:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ} [النساء: 73] ولم تترك إلا فيما ندر من نحو قوله: [من الوافر]

كمنية جابر إذ قال ليتي

أصادفه وأفقد بعض مالي

...... واستأثرت "ليت" بلزومها في الغالب إلحاق النون قبل ياء المتكلم تنبيها على مزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل".

2 في الكتاب 2/ 369، 370:"قد قال الشعراء: "ليتي" إذا اضطروا، كأنهم شبهوه بالاسم حيث قالوا الضاربي والمضمر منصوب".

3 شرح ابن الناظم ص43.

4 هذا القول ذكره ابن الناظم في شرحه ص44.

72-

البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص198، ولسان العرب 12/ 213 "دوم"، والمقاصد النحوية 1/ 374، وبلا نسبة في لسان العرب 14/ 356 "زري".

ص: 119

فأتى مع "إن" بنون الوقاية؛ وجردها منها أولا. و"زار" خبر "إن" وهو بزاي ثم راء: منقوص من زَرَيْت عليه زراية إذا عتبت عليه. والمعنى: وإني لعاتب على ليلى، وإني مستديمها على ذلك العتب، وكقول امرئ القيس:[من الطويل]

73-

كأني لم أركب جوادا للذة

..............................

ويجوز "كأنني" وكقوله تعالى: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29] وكقول الشاعر: [من الطويل]

74-

.......................

ولكنني عن حبها لعميد

"وإن خفضها حرف: فإن كان" ذلك الحرف "من، أو عن، وجبت النون" قبل ياء المتكلم، محافظة على بقاء السكون؛ لأنه الأصل في البناء، "إلا في الضرورة"، فلا تلحقها النون، وإلى ذلك أشار بقوله في النظم:

70-

.............. واضطرارا خففا

مني وعني بعض من قد سلفا

"كقوله": [من المديد]

75-

"أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني"

بتخفيف نون "من" و"عن". وقيس هو ابن عيلان؛ بالعين المهملة واسمه النَّأس؛ بفتح النون وسكون الهمزة وبالسين المهملة؛ ابن مضر بن نزار، واسم أخيه اليأس؛ بالياء المثناة تحت.

73- عجز البيت:

"ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال"

، وهو لامرئ القيس في ديوانه 35، ولسان العرب 13/ 57 "بطن"، وتهذيب اللغة 13/ 376، وتاج العروس "خلل""بطن"، وأساس البلاغة "بطن".

74-

صدر البيت:

"يلومونني في حب ليلى عواذلي"

، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 38، والإنصاف 1/ 209، وتخليص الشواهد ص357، والجنى الداني ص132، 618، وجواهر الأدب ص87، وخزانة الأدب 1/ 16، 10/ 361، 363، والدرر 1/ 295، ورصف المباني ص235، وسر صناعة الإعراب 1/ 380، وشرح ابن الناظم ص123، وشرح الأشموني 1/ 141، وشرح شواهد المغني 2/ 605، وشرح ابن عقيل 1/ 363، وشرح المفصل 8/ 62، 64، وكتاب اللامات ص158، ولسان العرب 13/ 391 "لكن"، ومغني اللبيب 1/ 233، 292، والمقاصد النحوية 2/ 247، وهمع الهوامع 1/ 140.

75-

البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 90، وأوضح المسالك 1/ 118، وتخليص الشواهد 106، والجنى الداني 151، وجواهر الأدب 152، وخزانة الأدب 5/ 380، 381، ورصف المباني 361، والدرر 1/ 109، وشرح ابن الناظم ص44، وشرح الأشموني 1/ 56، وشرح ابن عقيل 1/ 114، وشرح التسهيل 1/ 138، وشرح المفصل 3/ 125، والمقاصد النحوية 1/ 352، وهمع الهوامع 1/ 64.

ص: 120

"وإن كان" الخافض لياء المتكلم "غيرهما"، أي: غير "من" و"عن"، "امتنعت" نون الوقاية "نحو: لي، و: بي" مما هو على حرف واحد، "وفي" بتشديد الياء، مما هو على حرفين، وعلى مما هو على ثلاثة أحرف، "وخلاي وعداي وحاشاي" بفتح الياء فيهن، وإنما امتنعت النون في "لي" و"بي" لأنهما مبنيان على الكسر، وأما "في" فلأنه وإن كان مبنيا على السكون فإن سكونه الأصلي لا يزول عند اتصاله بياء المتكلم، بل تدغم الياء في الياء، وأما "خلاي وعداي وحاشاي" فإن الألف لا تقبل التحريك، ومقتضى هذا التعليل: أن لا تلحقهن نون الوقاية إذا قدرن أفعالا، ولكنهم أجروا باب الفعل مجرى واحدا، وحملوا المعتل على الصحيح، بخلاف الحروف فإنها لا حظ لها في ذلك، بل تفتح ياء المتكلم بعد الألف، "قال" الأقيشر واسمه المغيرة بن الأسود، لقب بالأقيشر؛ لأنه كان أحمر الوجه أقشر:[من الكامل]

76-

"في فتية جعلوا الصليب إلههم

حاشاي إني مسلم معذور"

بعين مهملة وذال معجمة، أي: مقطوع العذرة وهي قلفة الذكر، ويقال فيه: مختون؛ من الختان؛ وهو قطع قلفة الذكر.

"وإن خفضها مضاف، فإن كان" المضاف "لدن، أو قط، أو قد" مما آخره ساكن، "فالغالب الإثبات" لنون الوقاية محافظة على السكون، "ويجوز الحذف فيه قليلا"؛ لأن "لدن" بمعنى:"عند"، و"قط" و"قد": بمعنى حسب، و"عند" و"حسب" لا يلحقهما النون، فكذلك ما كان بمعناهما عند التحقيق، "ولا يختص" الحذف "بالضرورة" كما قال ابن مالك؛ "خلافا لسيبويه"1 لما سيأتي، "وغلط ابن الناظم" في شرح النظم2، "فجعل الحذف في "قد" و"قط" أعرف من الإثبات"، والصواب العكس كما مر، "ومثالهما" أي: الحذف والإثبات في: لدن وقط وقد: " {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] قرئ مشددا" على الإثبات، "ومخففا" على الحذف والتشديد وهو الأكثر، وقرأ به من السبعة من عدا نافعا وعاصما من رواية أبي بكر

76- البيت للأقيشر الأسدي في ديوانه ص41، والدرر 1/ 500، ولسان العرب 14/ 182 "حشا"، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 119، والجنى الداني ص566، وجواهر الأدب ص426، ولسان العرب 4/ 551 "عذر"، وهمع الهوامع 1/ 232.

1 إثبات النون هو الأشهر عند سيبويه، والحذف ضرورة لا يكون إلا في الشعر. انظر الكتاب 2/ 371، وشرح المفصل 3/ 124.

2 في شرح ابن الناظم ص44: "قدي وقطي في كلامهم أشهر من قدني وقطني".

ص: 121

عنه، والتخفيف هو القليل، وقرأ به نافع وأبو بكر1، "و" روي "في حديث النار" بالإضافة:"قطني قطني" بنون الوقاية، "وقَطِي قَطِي" بحذفها2، والنون أشهر حفظا للبناء على السكون، "وقال" حميد بن مالك الأرقط:[من الرجز]

"قدني من نصر الخبيبين قدي"

بإثبات نون الوقاية في الأول؛ وحذفها في الثاني؛ ولك أن تقول: لا شاهد فيه على ترك النون، ويكون أصله "قد" بإسكان الدال، ثم ألحق ياء القافية لا ياء الإضافة؛ وكسر الدال لالتقاء الساكنين؛ لا لمناسبة الياء، قاله الموضح في شرح الشواهد.

والخبيبين: تثنية خبيب، بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف؛ وهو من باب التغليب كالقمرين، وأراد بهما عبد الله بن الزبير وأخاه مصعبا، وكان عبد الله يكنى بأبي خبيب، وقيل: هما عبد الله وولده خبيب الذي كان يكنى به، ويروى: الخبيبين؛ بكسر الباء؛ على إرادة الجمع، وأراد بالثلاثة عبد الله وأخاه مصعبا وابنه خبيبا، وذلك مستفاد من قول الناظم:

71-

وفي لدني لدني قد وفي

قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي

وعلم منه أن "قد" و"قط" بمعنى: حسب؛ لأنهما لو كانا اسمي فعلين بمعنى يكفي لكانت ياء المتكلم معهما منصوبة لا مخفوضة، وكانت نون الوقاية واجبة لا جائزة، ولو كانت "قد" حرفا و"قط" ظرفا لم تتصل بهما ياء المتكلم أصلا.

"وإن كان" المضاف "غيرهن"، أي: غير "لدن وقط وقد""امتنعت" نون الوقاية، "نحو: أني وأخي" لعدم السكون.

1 الإتحاف ص293.

2 أخرجه البخاري في التوحيد برقم 6949، واستشهد به ابن الناظم ص46، وقال:"يروى بسكون الطاء وكسرها، مع ياء ودونها، ويروى: قطني قطني، وقط قط".

77-

الرجز لحميد بن مالك الأرقط في خزانة الأدب 5/ 382، 383، 385، 389، 391، 392، والدرر 1/ 107، وشرح شواهد المغني 1/ 487، ولسان العرب 1/ 344 "خبب"، والمقاصد النحوية 1/ 357، والتنبيه والإيضاح 2/ 47، 53، وتاج العروس 2/ 333 "خبب"، 8/ 37 "حكد"، ولحميد بن ثور في لسان العرب 3/ 389 "لحد"، وليس في ديوانه، ولأبي بجدلة في شرح المفصل 3/ 124، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4/ 241، وأوضح المسالك 1/ 120، وتخليص الشواهد ص108، ورصف المباني ص362، وشرح ابن عقيل 1/ 115، وشرح ابن الناظم ص45، والكتاب 2/ 371، ولسان العرب 3/ 155 "حكد"، ومغني اللبيب 1/ 170، ونوادر أبي زيد ص205، والتنبيه والإيضاح 2/ 46، وتهذيب اللغة 14/ 124، والإنصاف 131، وسفر السعادة 770، وعمدة الحفاظ 3/ 275 "قدد" وإصلاح المنطق 342، 401، وأمالي ابن الشجري 1/ 14، 2/ 142، والكامل 1/ 144.

ص: 122