الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاشتغال:
"هذا باب الاشتغال":
وحده أن يتقدم اسم، ويتأخر عنه فعل متصرف، أو اسم يشبهه ناصب لضميره، أو لملابس ضميره بواسطة أو غيرها، ويكون ذلك العامل بحيث لو فرّغ من ذلك المعمول، وسلط على الاسم المتقدم لنصبه، إذا تقرر ذلك فنقول:"إذا اشتغل فعل متأخر بنصبه محل ضمير اسم متقدم عن نصبه للفظ ذلك الاسم" المتقدم "كـ"زيدًا ضربته""، أو لمحله" أي: لمحل ذلك الاسم المتقدم؛ "كـ: هذا ضربته" وإلى هذا أشار الناظم بقوله:
255-
إن مضمر اسم سابق فعلا شغل
…
عنه بنصب لفظه أو المحل
وذهب جمهور الشارحين إلى أن نصب اللفظ أو المحل إنما هو للضمير المشتغل به العامل مدعين أن العامل إذا وصل إلى الضمير بنفسه ينصب لفظه، وإذا وصل إليه بحرف جر ينصب محله. والتحقيق أن نصب اللفظ أو المحل إنما هو للاسم المتقدم كما شرح الموضح، وأن الضمير لا ينصب له لفظ "فالأصل" جواب إذا "أن ذلك الاسم" المتقدم "يجوز فيه وجهان:
أحدهما راجع لسلامته من التقدير" للعامل، "وهو الرفع بالابتداء، فما بعده" من الجملة الفعلية "في موضع رفع على الخبرية" للمبتدأ، والرابط، بينهما الهاء المتصلة بالفعل، "وجملة الكلام" من المبتدأ والخبر "حينئذ" أي: حين إذ جعل الاسم المتقدم مبتدأ؛ جملة "اسمية" لتصديرها بالاسم.
"و" الوجه "الثاني" من الوجهين "مرجوح لاحتياجه إلى التقدير" للعامل، "وهو النصب فإنه بفعل موافق للفعل المذكور" فيما يلائمه "محذوف وجوبًا" لأن الفعل المذكور مفسر له، ولا يجمع بينهما، وأما قوله تعالى:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] فتوكيد، خلافًا لمن أجاز الجمع بين المفسِّر والمفسَّر، "فما بعده" أي: الاسم المتقدم "لا محل له؛ لأنه مفسِّر" للفعل
المحذوف، والجملة المفسرة لا محل لها على الأصح، وقال في المغني1: إن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاح جملة تفسيرية، وإن حصل بها تفسير، ا. هـ.
"وجملة الكلام" من الفعل المحذوف وما بعده "حينئذ" أي: حين إذ جعل الاسم المتقدم منصوبًا بفعل محذوف جملة "فعلية" لتصديرها بالفعل المحذوف.
وهذا الوجه المرجوح مراتبه متخالفة، فالنصب في نحو:"زيدا ضربته" أقوى من النصب في نحو: "زيدًا ضربت أخاه" والنصب في "زيدًا ضربت أخاه" أحسن من النصب في
"زيدًا مررت به" والنصب في "زيدًا مررت به" أحسن من النصب في "زيدا مررت بأخيه"، قاله المرادي في تلخيص شرح أبي حيان على التسهيل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
256-
فالسابق انصبه بفعل أضمرا
…
حتما مواق لما قد أظهرا
وزعم الكسائي أن نصب الاسم المتقدم بالفعل المتأخر، وألغى الضمير وزعم تلميذه الفراء أنهما منصوبان بالفعل المذكور؛ لأنهما في المعنى لشيء واحد2. ويرد عليهما "أزيدًا مررت به؟ " و"أزيدًا هدمت داره؟ ".
"ثم قد يعرض لهذا الاسم" المتقدم "ما يوجب نصبه، وما يرجحه، وما يسوى" فيه "بين الرفع والنصب، ولم نذكر" نحن "من الأقسام ما يجب رفعه، كما ذكر الناظم" في النظم بقوله:
258-
وإن تلا السابق ما بالابتدا
…
يختص فالرفع التزمه أبدا
259-
كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد
…
ما قبل معمولا لما بعد وجد
"لأن حد الاشتغال السابق" أو الباب "لا يصدق عليه"؛ لأنه يعتبر فيه أن يكون الاسم المتقدم بحيث لو فرغ الفعل من الضمير وسلط عليه لنصبه، وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثية، "وسيتضح ذلك" في التنبيه الأول الآتي. "فيجب النصب إذا وقع الاسم بعد ما يختص بالفعل كأدوات التحضيض" بحاء مهملة وضادين معجمتين "نحو: هلا زيدًا أكرمته" وأهمله في الارتشاف.
"وأدوات الاستفهام غير الهمزة، نحو: هل زيدًا رأيته" فيجب نصب "زيد" بفعل محذوف يفسره المذكور، وهو "رأيت" ولا يجوز رفعه؛ لأن "هل" إذا جاء بعدها
1 مغني اللبيب ص526.
2 الارتشاف 3/ 110، وهمع الهوامع 2/ 114.
اسم وفعل لم يجز تقديم الاسم على الفعل، فلا يجوز "هل زيدًا رأيت" إلا في الشعر، هذا مذهب سيبويه1، وخالفه الكسائي في ذلك، فأجاز أن يليها الاسم الذي بعد فعل، ولم يخص ذلك بالشعر2، فعلى قوله يجوز الاشتغال في النثر، ولا يجب النصب بل يترجح، وما تقدم في صدر الكتاب3 من أن "هل" مشتركة بين الأسماء والأفعال مقيد عند غير الكسائي بما إذا لم يكن في حيزها فعل، نحو:"هل زيد أخوك" فإنها إذا لم يكن في حيزها فعل تسلت عنه، بخلاف ما إذا كان الفعل في حيزها، فلا تدخل إلا عليه، ولم ترض بافتراق الاسم بينهما، قاله التفتازاني4 وغيره.
"و: متى عمرًا لقيته" فيجب النصب لما ذكر، وسيأتي الكلام على الهمزة في المسألة الثالثة. "وأدوات الشرط، نحو: حيثما زيدًا لقيته فأكرمه" فيجب النصب، لما ذكر من الاختصاص بالفعل. "إلا أن هذين النوعين" وهما أدوات الاستفهام غير الهمزة وأدوات الشرط "لا يقع الاشتغال بعدهما إلا في الشعر" عن سيبويه5، "وأما في" نثر "الكلام فلا يليهما إلا صريح الفعل"، فلا يجوز في الكلام "متى عمرًا لقيته" و"حيثما زيدًا لقيته فأكرمه""إلا إن كانت أداة الشرط "إذا" مطلقًا، سواء أكان الفعل ماضيًا أم لا "أو: إن" بكسر الهمزة وسكون النون "والفعل ماض" لفظًا أو معنى "إذا زيدًا "تلقاه فأكرمه""، لا فرق في ذلك بين الماضي والمضارع مع "إذا" "و" تقول في "إن" والفعل ماض لفظًا: "إن زيدًا لقيته فأكرمه" أو معنى فقط "إن زيدًا لم تلقه فانتظره". "ويمتنع" الاشتغال "في" نثر "الكلام" بعد "إن" الجازمة لفعل التفسير لفظًا نحو: "إن زيدًا تلقه" بحذف الألف "فأكرمه"؛ لأن "إن" لما جزمت الفعل قوي طلبها له، فلا يليها غيره، بخلاف ما إذا لم تجزمه لفظًا، إما لمضيه، وإما لجزمه بغيرها كما تقدم، فيضعف طلبها للفعل، فيليها غيره.
"ويجوز" الاشتغال "في الشعر" بعد "إن" الجازمة لفعل التفسير، نحو "إن" زيدًا تلقه فأكرمه". "وتسوية الناظم" في الناظم "بين "إن" و "حيثمًا" مردودة"،
1 الكتاب 3/ 99.
2 انظر الكشاف 3/ 107.
3 انظر ما تقدم ص37.
4 مختصر التفتازاني 2/ 260، 361.
5 الكتاب 1/ 101.
لأن الاشتغال بعد "حيثما" لا يقع إلا في الشعر، وأما بعد "إن" فإنه إن كان الفعل المشتغل ماضيًا لفظًا أو معنى يقع الاشتغال بعدها في الكلام والشعر، وإن كان مضارعًا مجزومًا بها فالاشتغال بعدها مختص بالشعر.
وجوابه إن الغرض من التسوية بينهما إنما هو في وجوب النصب حيث وقع الاشتغال بعدهما، وأما التسوية بينهما في جميع الوجود فليست بلازمة، وعبارة الناظم ناطقة بذلك، ونصبها:
257-
والنصب حتم إن تلا السابق ما
…
يختص بالفعل كإن وحيثما
"ويترجح النصب في ست مسائل:
إحداها أن يكون الفعل" المشتغل "طلبًا1، وهو الأمر والدعاء" بخير أو شر، "ولو" كان الدعاء "بصيغة الخبر" المقابل للإنشاء، "فالأمر نحو: زيدًا اضربه، و" الدعاء بصيغة الطلب، نحو: "اللهم عبدك ارحمه، و" الدعاء بصيغة الخبر، نحو: "زيدًا غفر الله له".
فالنصب فيهن بفعل محذوف من لفظ الأولين، ومن معنى الثالث لقصوره، والتقدير: اضرب زيدًا وارحم عبدك، وارحم زيدًا غفر الله له، وإنما ترجح النصب فيهن على الرفع؛ لأن الطلب إنما يكون بالفعل، فكان حمل الكلام عليه أولى؛ ولأن في الرفع الإخبار بالطلب، وحق الخبر أن يكون محتملا للصدق والكذب، قاله ابن الشجرى2 ونوقش فيه3.
وقال أبو علي4: كنت أستبعد إجازة سيبويه الإخبار بجملتي الأمر والنهي5 حتى مر بي قوله: [من البسيط]
368-
إن الذين قتلتم أمس سيدهم
…
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما
1 انظر الكتاب 1/ 137، 138، 142، وشرح ابن الناظم ص173، والارتشاف 3/ 107.
2 أمالي ابن الشجري 1/ 331.
3 انظر الدرر اللوامع 1/ 183، 184، وهمع الهوامع 1/ 96.
4 أمالي ابن الشجري 1/ 331، 332.
5 الكتاب 1/ 138.
368-
البيت لأبي مكعت أخي بني سعد بن مالك في خزانة الأدب 1/ 247، 249، 250، والدرر 1/ 285، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 914، ومغني اللبيب 2/ 585، وهمع الهوامع 1/ 135، وأمالي ابن الشجري 1/ 332، وشرح التسهيل 2/ 11.
"وإنما وجب الرفع في نحو: "زيدًا أحسن به" لأن الضمير" المجرور بالباء "في محل رفع" على الفالية عند سيبويه، وزيدت الباء لإصلاح اللفظ، فليس من الاشتغال في شيء، وكذا إن قلنا: الضمير في محل نصب، لأن فعل التعجب جامد لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.
"وإنما اتفق السبعة عليه" أي على الرفع "في نحو: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا" كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]"لأن" الفاء مانعة من حملة على الاشتغال، فإن "تقديره عند سيبويه1: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني"، فحذف المضاف الذي هو "حكم"، وأقيم المضاف إليه مقامه وهو "الزانية والزاني"، وحذف الخبر وهو المجرور، "ثم" بعد تمام الجملة "استؤنف الحكم" وهو "فاجلدوا" فصارت جملة الطلب مستأنفة، فلم يزلم الإخبار بالجملة الطلبية وهي "فاجلدوا" عن المبتدأ وهو "الزانية والزاني"، ولم يستقم عمل فعل من جمل مستأنفة في مبتدأن مخبر عنه بغير ذلك الفعل من جملة أخرى، وهذا التقدير متعين عند سيبويه2، "وذلك لأن الفاء لا تدخل عنده في الخبر في نحو هذا"ن المثال، فإنه يمنع زيادة الفاء في خبر المبتدأ، ما لم يكن المبتدأ موصولًا بفعل أو ظرف، وصلة "أل" غير ذلك، "ولذا" أي ولأجل منع سيبويه زيادة الفاء في خبر المبتدأ إذا لم يكن موصولًا بفعل أو ظرف "قال في قوله: [من الطويل]
369-
وقائلة خولان فانكح فتاتهم"
…
وأكرومة الحيين خلو كما هيا
"إن التقدير: هذه خولان"، هذا مقول قول سيبويه3، فجعل "خولان" خبر مبتدأ محذوف، وجملة "فانكح فتانهم" مستأنفة هربًا من زياة الفاء في خبر المبتدأ غير
1 الكتاب 142، 143.
2 الكتاب 1/ 139، 140.
369-
البيت بلا نسبة في الأزهية ص243، وأوضح المسالك 2/ 163، والجني الداني ص71، وخزانة الأدب 1/ 315، 455، 4/ 369، 8/ 19، 11/ 367، والدرر 1/ 201، والرد على النحاة ص104، ورصف المباني ص386، وشرح أبيات سيبويه 1/ 413، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 279، 294، وشرح الأشموني 1/ 189، وشرح التسهيل 1/ 331، وشرح شواهد الإيضاح ص86، وشرح شواهد المغني 1/ 468، و2/ 873، وشرح المفصل 1/ 100، 8/ 95، والكتاب 1/ 139، 143، ومغني اللبي 1/ 165، والمقاصد النحوية 2/ 529، وهمع الهوامع 1/ 110، ومعاني القرآن للأخفش 1/ 247/ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/ 407.
3 الكتاب 1/ 138، 139.
الموصول وأجاز الأخفش زيادتها مطلقًا1، ونقله ابن إياز في نتيجة المطارحة أيضًا عن الفارسي2 وابن جني3 وغيرهما من البصريين.
وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرًا أو نهيًا4، و"خولان" بفتح الخاء المعجمة: قبيلة من اليمن، "والنكاح": التزويج، و"الفتاة": الشابة، و"أكرومة" بضم الهمزة: من الكرم، كالأعجوبة من العجب، مبتدأ، و"الحيين": تثنية حي، والمراد حي أبيها، وحي أمها، يعني أن كرمها من جهتي نسبها، و"الخلو" بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام: الخالية من الأزواج، خبر "أكرومة"، و"كما": جار ومجرور، خبر بعد خبر "وما" المجرورة بالكاف: اسم موصول، وكلمة "هي" مبتدأ محذوف الخبر، والجملة صلة "ما" والعائدة محذوف، بمعنى "على"، والتقدير: على ما هي عليه.
"وقال المبرد5: الفاء" في {فَاجْلِدُوا} [النور: 2]"لمعنى الشرط"؛ لأن الموصول فيه معنى الشرط، فتدخل الفاء في خبره كما تدخل في جواب الشرط، والمعنى: إن زنيا فاجلدوهما، "ولا يعمل الجواب في الشرط، فكذلك ما أشبههما" مما هو منزل منزلة الشرط والجواب. فكما لا يعمل الجواب في الشرط لا يعمل الخبر المشبه للجواب في المبتدأ المشبه للشرط، "وما لا يعمل لا يفسر عاملا".
فعلى قولي سيبويه والمبرد ليست الآية من الاشتغال"، "فالرفع" على الابتداء "عندهما واجب" والخبر على قول سيبويه محذوف، وعلى قول المبرد مذكور وهو "فاجلدوا". وقال أبو علي
الفارسي6: من جعل الفاء زائدة أجاز النصب في "زيد فاضربه" وأنشد ثعلب أحمد بن يحيى: [من الرجز]
370-
يا رب موسى أظلمي وأظلمه
…
فاصبب عليه ملكًا لا يرحمه
1 معاني القرآن للأخفش 1/ 247، وانظر الدر 1/ 201.
2 شرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 279، 280، 294، وفي الدرر 1/ 201:"قال أبو علي: من جعل الفاء زائدة أجاز في "خولان" الرفع والنصب".
3 سر صناعة الإعراب 1/ 260.
4 الارتشاف 2/ 66، 70.
5 الكامل ص822.
6 الدرر اللوامع 1/ 201، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 280.
370-
الرجز بلا نسبة في الارتشاف 2/ 69، وخزانة الأدب 4/ 369، 370، والدرر 1/ 202، وشرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 294، وشرح عمدة الحافظ ص653، وهمع الهوامع 1/ 110.
المعنى: أظلمنا1.
وقرأ عيسى بن عمر وابن أبي عبلة "وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ"[المائدة: 38] بالنصب2، و"قال" أبو محمد، عبد الله بن محمد "ابن السيد"؛ بكسر السين، وسكون الياء آخر الحروف؛ البطليوسي، "و" أبو الحسن، طاهر بن أحمد "ابن بابشاذ"، بالتركيب، كلمة أعجمية يتضمن معناها الفرح والسرور "يختار الرفع في" الاسم المنظور فيه "إلى العموم" بالأمر، "كالآية" ونحوها كـ:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] لشبهه بالشرط في العموم والإبهام، "و" يختار "النصب في" الاسم المنظور فيه إلى الخصوص" بالأمر، "كـ: زيدًا اضربه" لعدم مشابهته للشرط3.
المسألة "الثانية:" مما يترجح فيه النصب "أن يكون الفعل" المشتغل "مقرونا باللام أو بلا الطلبيتين، نحو: "عمرًا ليضربه بكر" و"خالدًا لا تهنه"".
فإن قيل: كيف جاز ذلك، وقد فسر العامل ما لا يعمل؛ لأن "اللام" و"لا" الطلبيتين لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما قياسًا؟. قلت: أجاب ابن عصفور بأنهم أجروا الأمر بـ"اللام" مجرى الأمر بغيرها، وأجروا النهي بـ"لا" مجرى النفي بها.
ويشمل الطلب ما لفظه لفظ الخبر، "ومنه: زيدًا لا يعذبه الله" برفع "يعذب"؛ "لأنه نفي بمعنى الطلب"، فـ"زيدًا" منصوب بفعل محذوف، تقديره: رحم الله زيدًا؛ لأن عدم التعذيب رحمة. "ويجمع المسألتين" هذه والتي قبلها "قول الناظم":
260-
واختير نصب "قبل ذي طلب"
…
.....................................
"فإن ذلك" الفعل المصاحب للطلب "صادق" على شيئين: "على الفعل الذي هو طلب" كالأمر والدعاء، "وعلى الفعل المقرون بأداة طلب"، كالمقرون "باللام" و"لا" الطلبيتين.
المسألة "الثالثة: أن يكون الاسم" المشتغل عنه "واقعًا بعد شيء، الغالب" في ذلك الشيء "أن يليه فعل"، وإليه أشار الناظم بقوله:
260-
....................
…
وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب
1 شرح الأبيات المشكلة الإعراب 1/ 294.
2 انظر هذه القراءة في البحر المحيط 3/ 476، والكشاف 1/ 377، ومعاني القرآن وإعرابه 2/ 172.
3 انظر رأي البطليوسي في كتابه الحلل ص154، ورأي ابن بابشاذ في همع الهوامع 2/ 113، وانظر الارتشاف 3/ 107.
"ولذلك أمثلة، منها همزة الاستفهام، نحو: {أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} "[القمر: 24] فيترجح نصب، "بشرا" بفعل محذوف يفسره المذكور؛ لأن الغالب في الهمزة أن تدخل على الأفعال، وإنما لم يجب دخولها على الأفعال كباقي أخواتها؛ لأنها أم الباب، وهم يتوسعون في أمهات الأبواب ما لم يتوسعوا في غيرها. "فإن فصلت الهمزة" من الاسم المشتغل عنه "فالمختار الرفع نحو: أأنت زيد تضربه"؛ لأن الاستفهام حينئذ داخل على الاسم، لا على الفعل، هذا إن جعلت "أنت" مبتدأ، كما هو رأي سيبويه1، وإن جعلته فاعلا بفعل مقدر، وانفصل بعد حذفه كما هو رأي الأخفش فالمختار النصب2؛ لأن الهمزة داخلة في التقدير، "إلا في نحو: أكل يوم زيدًا تضربه"، فيترجح النصب؛ "لأن الفصل بالظرف" وهو "كل يوم" بنصب "كل" "كلا فصل" وحرف الاستفهام داخل في الحكم على الفعل.
"وقال ابن الطراوة3: إن كان الاستفهام عن الاسم فالرفع" واجب، "نحو: أزيد ضربته أم عمرو" لأن الضرب محقق، وإنما الشك في المفعول، فالاستفهام عن تعيينه "وحكم" ابن الطراوة "بشذوذ النصب في قوله" وهو جرير يمدح ثعلبة ورياحًا، ويذم طهية والخشاب:[من الوافر]
371-
أثعلبة الفوارس أم رياحا
…
عدلت بهم طهية والخشابا
بنصب "ثعلبة" بفعل محذوف تقديره: أحقرت ثعلبة، ولا يجوز إضمار "عدلت" لتعديه بالياء، قاله الموضح في الحواشي.
و"ثعلبة" بتاء مثلثة وعين مهملة وباء موحدة و"الفوارس" نعته، وإن كان جمعًا، نظر إلى معنى أهل القبيلة، و"رياحًا" بمثناة من تحت، وحاء مهملة، "وطهية" بضم الطاء المهملة، وفتح الهاء وتشديد الياء آخر الحروف، و"الخشاب" بكسر الخاء المعجمة وبالشين المعجمة: كلها قبائل، قاله الموضح في الحواشي.
1 الكتاب 1/ 104، وانظر الارتشاف 3/ 106.
2 شرح التسهيل 2/ 144، والارتشاف 3/ 112.
3 الارتشاف 3/ 108.
371-
البيت لجرير في ديوانه ص814، والأزهية ص114، وأمالي المرتضى 2/ 57، وجمهرة اللغة ص290، وخزانة الأدب 11/ 69، وشرح أبيات سيبويه 1/ 288، والكتاب 1/ 102، 3/ 183، ولسان العرب 1/ 355، "خشب" 15/ 17 "طها" والمقاصد النحوية 2/ 533، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 166، والرد على النحاة ص105، وشرح الأشموني 1/ 190.
وفي مثل الزجاجي1، قال المازني: سأل مروان الأخفش عن "أزيدًا ضربته أم عمرًا" فقال الأخفش: المختار النصب لأجل الألف. فقال: إنما المستفهم عنه هنا الاسم لا الفعل. وإنما ينبغي أن يختار الرفع. فقال: هذا هو القياس. قال المازني: وكذا القياس عندي، ولكن النحاة أجمعوا على اختيار النصب لما كان معه حرف الاستفهام الذي هو في الأصل للفعل. فظهر بهذا أن ما قاله ابن الطراوة شاذ، بدليل قول العرب:"أزيدًا ضربته أم عمرًا" بالنصب، ا. هـ.
"وقال الأخفش2: أخوات الهمزة" في ترجيح النصب "كالهمزة" في ذلك "نحو: أيهم زيدًا ضربه"، فـ"أيهم": مبتدأ، و"زيدًا" منصوب بفعل محذوف يفسره "ضربه" والجملة خبر "أيهم" والتقدير:"أيهم ضرب زيدًا"، "ومن أمة الله ضربها" فـ"من" بفتح الميم: مبتدأ، و"أمة الله": منصوب بفعل محذوف، خبر "من" والتقدير: من ضرب أمة الله؟.
"ومنها" أي: من الأمثلة "النفي بـ"ما" أو "لا" أو "إن" نحو: ما زيدًا رأيته" أو: لا زيدًا رأيته، أو: إن زيدًا رأيته، فيترجح النصب؛ لأنهم شبهوا أحرف النفي بأحرف الاستفهام في أن الكلام معها غير موجب.
"وقيل: ظاهر مذهب سيبويه اختيار الرفع" في الاسم بعدها3.
"وقال" أبو عبد الله4 "ابن الباذش"؛ بباء موحدة وألف فذال وشين معجمتين، والذال مكسورة؛ "وابن خروف": لا يترجح النصب مع هذه الأحرف، وإنما الرفع والنصب "يستويان" معها لدخولها على الأسماء والأفعال، بخلاف غيرها من أحرف النفي وهي:"لم" و"لما" و"لن" فإنها مختصة بالأفعال، فحكها حكم "إن" الشرطية في وجوب النصب إن اضطر شاعر إلى ذلك. قاله ابن مالك في شرح الكافية5.
"ومنها "حيث" نحو: حيث زيدًا تلقاه فأكرمه، قاله الناظم" في شرح الكافية ونصه6: ومن مرجحات النصب تقدم" حيث" مجردة من "ما" نحو: حيث
1 أي: في مجالس العلماء ص61.
2 انظر الارتشاف 3/ 108.
3 الكتاب 1/ 145، 146، وانظر الارتشاف 3/ 108.
4 كذا في "أ"، "ب"، "ط" والصواب: أبو الحسن، انظر بغية الوعاة 2/ 142.
5 شرح الكافية الشافية 2/ 619، 620.
6 شرح الكافية الشافية 2/ 620.
زيدًا تلقاه فأكرمه؛ لأنها تشبه أدوات الشرط فلا يليها في الغالب إلا فعل، فإن اقترنت بـ"ما" صارت أداة شرط، واختصت بالفعل. ا. هـ. وهو في ذلك تابع لسيبويه، فإنه قال1:"إذا" و"حيث" مما يقبح بعده ابتداء الأسماء، وإذا أوقعت الفعل على شيء من سببه نصب في القياس، تقول:"إذا عبد الله تلقاه فأكرمه" و"حيث زيدًا تجده فأكرمه".
ونوزع سيبويه في "إذا" لأنها عنده مختصة بالأفعال، ولم ينازع في "حيث" فظن الموضح أن المنازعة في "حيث" فقال:"وفيه نظر"، والعجب منه أنه وافق النتاظم في المغني فقال2: وإضافة "حيث" إلى الفعلية أكثر ومن ثم ترجح النصب في نحو: جلست حيث زيدًا أراه. ا. هـ.
ولعل وجه النظر في قوله: "فأكرمه"، فإنه يوهم أنه جواب "حيث"، و"حيث" المجردة من "ما" لا جواب لها عند البصريين، ومن جازى بها من الكوفيين أوجب النصب بعدها، فلا يكون راجحًا.
المسألة "الرابعة:" مما يترجح فيه النصب "أن يقع الاسم" المشتغل عنه "بعد عاطف غير مفصول" ذلك العاطف من الاسم "بـ: أما" المفتوحة الهمزة، المشددة الميم، "مسبوق" العاطف "بفعل غير مبني" ذلك الفعل "على اسم" قبله، والمراد ببنائه عليه أن يجعل الفعل خبرًا عن ذلك الاسم، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
261-
وبعد عاطف بلا فصل على
معمول فعل مستقر أولًا
ولا فرق في الفعل بين أن تكون رافعًا للفاعل أو ناصبًا للمفعول، فالأول "كـ: قام زيد وعمرا أكرمته"، "و" الثاني "نحو: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} [النحل: 5] بعد" قوله: "{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} " [النحل: 4] وإنما ترجح نصب المعطوف فيهما؛ لأن المتكلم به عاطف جملة فعلية على جملة فعلية، والرافع عاطف جملة اسمية على جملة فعلية، وتشاكل الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى أحسن من تخالفهما، قاله في شرح الكافية3. ما إذا فصل بين العاطف والاسم بـ"أما" "نحو: ضربت زيدًا وأما عمرو فأهنته، فالمختار الرفع"؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير.
وحكم الاسم الواقع بعد "أما" في الأحوال الخمسة حكم الاسم الواقع في ابتداء الكلام،
1 الكتاب 1/ 106، 107.
2 مغني اللبيب ص177.
3 شرح الكافية الشافية 2/ 620، 621.
"لأن "أما" تقطع ما بعدها عما قبلها" لكونها من الحروف التي يبتدأ بها الكلام، قاله الشاطبي:"وقرئ "وَأَمَّا ثَمُودًا فَهَدَيْنَاهُمْ" [فصلت: 17] بالنصب لـ"ثمود" منونا وغير منون، قاله الزمخشري في كشافه1، والبيضاوي في تفسيره2، والتنوين باعتبار الحي، وعدمه باعتبار القبيلة، والنصب بلا تنوين قراءة الحسن البصري، وبالتنوين3 قراءة ابن عباس، والنصب بفعل محذوف يفسره ما بعده، "على حد: زيدًا ضربته"، إلا أن الفعل المحذوف لا يقدر قبل "ثمود" كما يقدر قبل "زيد" في "زيدًا ضربته" لئلا يلزم الفصل بين "أما" و"الفاء" بجملة تامة، وذلك لا يجوز، فلا يقال: وأما هدينا ثمود فهديناهم، وإنما يقدر بعد الفاء من لفظ المذكور، والأصل: وأما ثمود فهدينا هديناهم، فلما حذف الفعل المفسر بالفتح؛ دخلت الفاء على مفسره فصار "وأما ثمود فهديناهم"، فإن قلت: ما بعد فاء الجزاء لا يعلم فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، قلت: الفاء ليست هنا في مركزها الأصلي فلا تكون مانعة من العمل. وشمل قوله: العاطف "الواو" و"الفاء" و"ثم" و"أو"، قاله الشاطبي.
"و "حتى" و"لكن" و"بل" كالعطف نحو: ضربت القوم حتى زيدًا ضربته" و"ما رأيت زيدًا لكن عمرًا رأيت أباه" و"ما أكرمت زيدًا بل عمرًا أكرمته" وإنما قال: كالعاطف؛ لأن المعطوف بهذه الثلاثة يشترط كونه مفردًا، وهو هنا جملة، فجعلت هذه الأحرف منزلة منزلة العاطف في إعطاء حكمه.
المسألة "الخامسة": مما يترجح فيه النصب "أن يتوهم في الرفع أن الفعل المشتغل بالضمير "صفة" لما قبله، "نحو: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ " بِقَدَر} [القمر: 49] ؛ لأنه إذا رفع "كل"4 احتمل "خلقنا" أن يكون خبرا له، فيكون المعنى على عموم خلق كل الممكنات الموجودة بقدر خيرًا كانت أو شرا كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
واحتمل أن يكون "خلقنا" صفة لشيء، و"بقدر" خبر "كل"، والتخصيص باللغة يفهم أن ما لا يكون موصوفًا بها لا يكون بقدر، والصفة هي المخلوقية المنسوبة له، فالمخلوقية التي لا تكون منسوبة له لا تكون بقدر، فيوهم أن ثم مخلوقًا لغيره تعالى، وهو مذهب المعتزلة.
1 الكشاف 3/ 388.
2 أي: في كتابه أنوار التنزيل 4/ 116.
3 في "ب": "بالنصب".
4 هي قراءة أبي السمال، انظر الكشاف 4/ 41، والمحتسب 2/ 300.
"وإنما لم يتوهم ذلك مع النصب" لـ"كل" على أنه مفعول بفعل محذوف، يفسره "خلقنا"، ويمتنع جعله صفة لـ"كل شيء"؛ "لأن الصفة لا تعمل بالموصوف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا".
"ومن ثم" بفتح المثلثة، أي: من أجل أن الصفة لا تعمل في الموصوف "وجب الرفع" لـ"كل""إن كان الفعل" المتصل بالضمير "صفة" لـ"كل شيء""نحو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُر} "[القمر: 52] أي: الكتب، ولا يصح نصب "كل" لأن تقدير تسليط الفعل عليها إنما يكون على حسب المعنى المراد، وليس المعنى هنا أنهم فعلوا كل شيء في الزبر، حتى يصح تسليط "فعلوا" على "كل شيء" وإنما المعنى: وكل شيء مفعول لهم، ثابت في الزبر، وهو مخالف لذلك المعنى، فرفع "كل" واجب على الابتدائية، والفعل المتأخر صفة له أو لـ"شيء" و"في الزبر" خبر "كل".
"أو" إن كان الفعل "صلة" لموصول "نحو: زيد الذي ضربته، أو" إن كان الفعل "مضافًا إليه نحو: زيد يوم تراه تفرح" فـ"زيد" فيهما واجب الرفع بالابتدائية، ولا يجوز نصبه بفعل يفسره "ضربته" في الأول، و"تراه" في الثاني؛ لأن كلا منهما لا يعمل فيما قبله، أما الأول فلأنه صلة؛ والصلة لا تعمل فيما قبل الموصول؛ وأما الثاني فلأنه مضاف إليه "يوم" وهو شبيه الصلة في تتميم ما قبله، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، وما لا يعمل لا يفسر عاملا.
"أو" إن "وقع الاسم بعد ما يختص بالابتداء، كـ"إذا" الفجائية على الأصح" متعلق بـ"يختص" وفي المسألة ثلاثة أقوال، أصحها هذا مطلقًا والثاني: جواز دخولها على الفعلية مطلقًا، والثالث: التفرقة بين أن يقترن الفعل بـ"قد" فيحوز دخولها عليه، وألا يقترن فيمتنع حكاها في المغني1، وعلى الأصح فيجب الرفع "نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو"، ويجوز النصب على الثاني، ويمتنع على الثالث لفقدان "قد" وإليها أشار الناظم بقوله:
262-
وإن تلا السابق ما بالابتدا
…
يختص فالرفع التزمه أبدا
"أو" إن وقع الاسم "قبل ما لا يرد قبله معمولًا لما بعده" وإليها أشار الناظم بقوله:
259-
كذا إن الفعل تلا ما لم يرد
…
ما قبل معمولا لما بعد وجد
1 مغني اللبيب ص132، 233.
"نحو: زيد ما أحسنه، أو" زيد "إن رأيته فأكرمه، أو" زيد "هل رأيته، أو" زيد "هلا رأيته" أو ما زيد إلا يضربه عمرو، فيجب رفع "زيد" في هذه الأمثلة؛ لأن ما بعد "ما" التعجبية و"إن" الشرطية و"هل" الاستفهامية و"هلا" التخضيضية و"إلا" الاستثنائية، لا يعمل فيما قبلها، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، ويقاس على ذلك سائر أدوات الصدور.
"تنبيهان" اثنان: "الأول: ليس من أقسام مسائل الباب ما يجب فيه الرفع كما في مسألة "إذا" الفجائية" المتقدمة "لعدم صدق الضابط عليها" لأن من جملة الضابط المذكور أن يكون الفعل بحيث لو فرغ من الضمير لنصب الاسم السابق، وذلك ممتنع مع "إذا" الفجائية وما ذكر معها، "وكلام الناظم" في البيتين السابقين "يوهم ذلك"؛ لأنه جعله من جملة أقسام الباب، لكن ضرورة تتميم الأقسام ألجأته إلى ذلك. وهذا التنبيه تقدم التنبيه عليه فلا حاجة إلى ذكره.
التنبيه "الثاني: لم يعتبر سيبويه إيهام الصفة مرجحًا للنصب" كما فعل الناظم في شرح التسهيل حيث قال: ومن المرجحات للنصب أن يكون مخلصًا من إيهام غير الصواب، والرفع بخلاف ذلك كقوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ثم علله بأخصر مما قدمناه. "بل جعل" سيبويه "النصب في الآية" المذكورة مرجوحًا "مثله في زيدًا ضربته" فإنه "قال" في أثناء كلام: فأما قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فإنما جاء على حد قوله: "زيدًا ضربته""وهو عربي كثير". انتهى كلام سيبويه1. فيكون الرفع أحسن من النصب.
قال ابن الشجري2: أجمع البصريون في هذه الآية على أن الرفع أرجح لعدم تقدم ما يقتضي النصب. وقال الكوفيون: النصب فيها أجود؛ لأنه تقدم على كل عامل ينصب وهو "إن" فاقتضى ذلك إضمار "خلقنا" ا. هـ.
المسألة "السادسة:" مما يترجح نصبه "أن يكون الاسم" المشتغل عنه "جوابًا لاستفهام منصوب" لفظًا أو محلا بما يليه "كـ"زيدًا ضربته" جوابًا لمن قال: "أيهم ضربت" أو "من ضربت" فـ"زيدًا" يترجح نصبه لكونه جوابًا لاستفهام منصوب لفظًا في الأول، ومحلا في الثاني، ليطابق الجواب السؤال في الجملة الفعلية.
1 الكتاب 1/ 148.
2 أمالي ابن الشجري 1/ 338، 339.
أما إذا كان الاستفهام مرفوعا نحو: "أيهم ضربته" برفع "أيهم" فإنك تجيب بالرفع فتقول: "زيد ضربته" برفع "زيد" راجحًا، ليطابب الجواب السؤال في الجملة الاسمية.
وجوز الأخفش مراعاة الصغرى والكبرى بعد "أيهم ضربته" كما يجيز الوجهين في "زيد ضربته وعمرًا أكرمته"، وأجرى الجواب مجرى العطف1، وإنما يجيز سيبويه ذلك في النصب على حده في "زيدا ضربته"2. ويقال:"هل رأيت زيدًا" فتقول: "لا، ولكن عبد الله لقيته"، ينزل ذلك منزلة الجواب، وإن لم يكن جوابًا، عن المسئول عنه، وكذا لو عطفته فقلت:"لا، بل عمرًا لقيته"، أو:"وعمرًا لقيته"، قاله الموضوح في الحواشي، ومن خطه نقلت.
"و" الرفع والنصب "يستويان في مثل الصورة الرابعة"، على أن يقع الاسم بعد عاطف غير مفصول بـ"أما"، مسبوق بفعل "إذا بني الفعل" السابق "على اسم" بأن أخبر بالفعل عن اسم "غير "ما" التعجبية، وتضمنت الجملة الثانية" المعطوفة على الجملة المبني فعلها على مبتدئها "ضميره، أو كانت" الجملة الثانية "معطوفة بالفاء" المفيدة للسببية "لحصول المشاكلة" متعلق بيستويان وعلى أنه علة له "رفعت أو نصبت" الاسم المشتغل عنه بالضمير في الجملة الثانية، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
262-
وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا
…
به عن اسم فاعطفن مخيرا
"وذلك نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته لأجله" أو "فعمرو أكرمته"" فيجوز في "عمرو" الرفع والنصب على السواء؛ وذلك لأن "زيد قام" جملة كبرى ذات وجهين، ومعنى قولنا: كبرى، أنها جملة في ضمنها جملة مبنية على مبتدئها. ومعنى قولنا: أنها ذات وجهين، أنها اسمية الصدر بالنظر إلى مبتدئها، فعلية العجز بالنظر إلى خبرها، فإن راعيت صدرها رفعت "عمرًا" وكنت قد عطفت جملة اسمية على جملة اسمية، وكلاهما لا محل له من الإعراب، وإن راعيت عجزها نصبته، وكنت قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية محلها الرفع على الخبرية، والرابط بين الجملة المعطوفة والمعطوف عليها إما الضمير من "لأجله" العائد على صدر الجملة الأولى، أو "الفاء" فالمناسبة حاصلة على كلا التقديرين، فاستوى الوجهان.
1 انظر الارتشاف 3/ 109.
2 الكتاب 1/ 93.
وقال في البسيط: إن أبا علي رجح افرفع، ا. هـ. وهو مقتضى قول ابن الشجري1: إن اعتبار الاسم الذي ضمنه فعل أولى من اعتبار الفعل.
وقال أبو حيان2: قال بعض معاصرينا: لم يصرح سيبويه بأنهما على حد سواء، وإنما ذلك قول الجزولي3. والأظهر ترجيح النصب؛ لأن الحمل على الصغرى أقرب وهم يراعون الجوار ما أمكن نحو:"هذا جحر ضب خرب"4 وعورض بأن الرفع ترجح بعدم الإضمار، فلكل منهما مرجح، فتساويا "بخلاف" ما إذا بني الفعل على "ما" التعجبية نحو:"ما أحسن زيدًا، وعمرو أكرمته عنده، فلا أثر للعطف" على الجملة الفعلية، فرفع "عمرو" في هذا هو المختار، وذكر ذلك سيبويه5؛ لأن فعل التعجب قد جرى مجرى الأسماء لجموده، ولذلك صغر6. واعتقد الكوفيون اسميته، فكأنه ليس في الكلام فعل مبني على اسم، فيترجح الرفع لعدم الإضمار.
"فإن لم يكن في" الجملة "الثانية ضمير الأول، ولم يعطف بالفاء فالأخفش والسيرافي" بكسر السين "يمنعان النصب" بناء على العطف على الصغرى، "وهو المختار7"؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا بد فيه من رابط، وهو مفقود، فالرفع عندهما واجب، وإن ورد النصب فهو على حده في "زيدًا ضربته" ابتداء، ويكون من عطف جملة فعلية على جملة اسمية، وهو جائز بلا خلاف، قال المرادي في التلخيص.
"والفارسي وجماعة" كثيرة من المتقدمين "يجيزونه" أي: النصب، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال8: وقد ذكر المسألة: وذلك قولك: "عمرو لقيته وزيد كلمته" إن حملت الكلام على الأول، وإن حملته على الآخر قلت:"عمرو لقيته وزيدًا كلمته" ا. هـ. يعني بالنصب، فصرح
بأنك إن حملت على الآخر، نصبت، وليس في هذا المثال الذي ذكره ما يقتضي كون ما بعد العطف خبرًا.
1 أمالي ابن الشجري 1/ 337.
2 الارتشاف 3/ 110.
3 الجزولية ص101.
4 انظر الكتاب 1/ 436، 437، والاقتضاب ص247 "طبعة دار الجيل".
5 الكتاب 1/ 96.
6 الكتاب 3/ 478.
7 الارتشاف 3/ 110.
8 الكتاب 1/ 91.
ونقل ابن عصفور1 إن سيبويه وغيره لم يشترطوا ضميرا2، واستدلوا لذلك بإجماع القراء على نصب:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن: 7] وهي معطوفة على "يسجدان" في قوله تعالى: "وَالنَّجْمَ وَالشَّجَرَ يَسْجُدَانِ"[الرحمن: 6] وليس فيها ضمير يعود على "النجم والشجر".
"وقال هشام" الضرير من الكوفيين3: "الواو كالفاء" في حصول الربط؛ لأن الواو فيها معنى الجمعية، كما أن الفاء فيها معنى السببية، بدليل "هذان زيد وعمرو"، ورد بأن الواو إنما تكون للجمع في المفردات، ولهذا لا يجوز "هذان يقوم ويقعد"، وقال ابن خروف تبعًا لطائفة من المتقدمين: جميع حروف العطف يحصل بها الربط، واحتجوا ببيت أنشده ثعلب:[من الطويل]
272-
فذرني أجول في البلاد لعلني
…
أسر صديقا أو يساء حسود
وخرج على التقدير: أو يساء بي حسود. "وهذه أمور متممات لما تقدم"، وفي بعض النسخ تنبيهات.
"أحدها: أن" العامل "المشتغل عن الاسم السابق كما يكون فعلًا كذلك يكون اسمًا لكن بشروط ثلاثة:
أحدها: أن يكون واصفا"، فلا يكون اسم فعل ولا مصدرا.
"الثاني: أن يكون" الوصف "عاملًا" عمل الفعل، فلا يكون وصفًا غير عامل.
والشرط "الثالث: أن يكون" الوصف العامل "صالحًا للعمل فيما قبله"، فلا يكون وصفًا مقرونًا بـ"أل"، ولا صفة مشبهة، ولا اسم تفضيل، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
265-
وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل
…
بالفعل إن لم يك مانع حصل
"وذلك" الاسم المستوفي للشروط الثلاثة يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة.
1 شرح الجمل 1/ 367، 368.
2 شرح التسهيل 2/ 144.
3 الارتشاف 3/ 110.
372-
البيت بلا نسبة في أمالي القالي 2/ 136.
فالأول "نحو: زيدًا أنا ضاربه"، والثاني نحو:"الدرهم أنت معطاه".
والثالث1 نحو: "العسل أنت شرّابه، و"النِّعم أنت مِنحارها". و"العبد أنت ضروبه" أو "ضربيه" و"القدر أنت حذره" "الآن، أو: غدًا" في الجميع، فالاسم السابق فيهن منصوب بوصف محذوف يفسره الوصف المذكور، والتقدير: أنا ضارب زيدًا، وأنت معطًى الدرهم، وأنت شراب العسل، وأنت منحار النعم، وأنت ضروب أو ضريب العبد، وأنت حذر القدر، "بخلاف "زيد عليكه" و"زيد ضربا إياه"" بالياء المثناة تحت، فلا يجوز نصب "زيد" فيهما "لأنهما" أي: "عليك" و"ضربًا" "غير صفة"؛ لأن الأول اسم فعل، والثاني مصدر، واسم الفعل والمصدر لا يعملان فيما قبلهما، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، فـ"زيد" في المثالين واجب الرفع على الابتدائية، وخبره ما بعده من الفعل النائب عنه اسم الفعل والمصدر.
"نعم يجوز النصب" فيه "عند من جوز تقديم معمول اسم الفعل، وهو الكسائي2، و" عند من جوز تقديم "معمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري" كـ"ضربًا" النائب عن فعله الطلبي، "وهو المبرد3، والسيرافي"، وعند من جوز عمل اسم الفعل والمصدر محذوفين.
"وبخلاف "زيد أنا ضاربه أمس" لأنه غير عامل على الأصح"؛ لأنه بمعنى الماضي4، نعم يجوز النصب عند من جوز عمل الوصف إذا كان بمعنى الماضي، وهو الكسائي5.
"و "زيد أنا الضاربه" و"وجه الأب زيد حسنه"" فـ"زيد" في المثال الأول، و"وجه الأب" في المثال الثاني فرفعهما واجب على الابتدائية، وما بعدهما من الجملة الاسمية خبرهما، ولا يجوز نصبهما؛ "لأن الصلة" وهي "ضارب""والصفة المشبهة" وهي "حسن""لا يعملان فيما قبلهما"، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا، وبخلاف "زيد عمرو أكرم منه"؛ لأن اسم التفضيل لا يعمل في مفعول به اتفاقًا لا تقديمًا ولا تأخيرًا.
1 سقطت من "ب".
2 الارتشاف 3/ 104، 107.
3 المقتضب 1/ 13، والارتشاف 3/ 103.
4 شرح ابن عقيل 1/ 274.
5 شرح التسهيل 3/ 75.
الأمر "الثاني: لا بد في صحة الاشتغال من علقة" رابطة "بين العامل والاسم السابق"؛ لأن الأصل في ذلك المبتدأ والخبر، ودخل حكم الاشتغال عليه فهو فرعه، "وكما تحصل العلقة" الرابطة "بضميره" أي: ضمير الاسم السابق "المتصل بالعامل كـ"زيدًا ضربته"" فالعلقة الرابطة بين العامل وهو "ضربت" وبين الاسم وهو "زيد" الهاء المتصلة بـ"ضربت""كذلك تحصل" العلقة "بضميره المنفصل من العامل بحرف جر" متعلق بالمنفصل "نحو: "زيدا مررت به""، فالهاء المجرورة بالباء هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بحرف جر وهو الباء.
"أو" المنفصل من العامل "باسم مضاف نحو: زيدا ضربت أخاه" فالهاء المجرورة بإضافة "الأخ" إليها هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالاسم المضاف الذي هو "الأخ"1 وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
264-
وفصل مشغول بحرف جر
…
أو بإضافة كوصل يجري
"أو" المنفصل من العامل "باسم أجنبي"، أتبع بتابع مشتمل" ذلك التابع "على ضمير الاسم" السابق، "بشرط أن يكون التابع" للأجنبي "نعتًا له" لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد. قاله في المغني "نحو: زيدا ضربت رجلًا يحبه" فالهاء من "يحبه" هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالأجنبي وهو "رجلًا"، وجملة "يحبه" نعت "رجلًا" وهو أجنبي من "زيد" لأنه ليس سببًا له. "أو" يكون التابع "عطفًا" على الأجنبي "بالواو" خاصة، لما فيها من معنى الجمع، فالاثنان معها أو الجمع بمنزلة اسم مثنى أو مجموع فيه ضمير، قاله الموضح في الحواشي، "نحو: زيدًا ضربت عمرًا وأخاه، أو" يكون التابع "عطف بيان" على الأجنبي؛ لأن عطف البيان كالنعت في الإيضاح والتخصيص "كـ: زيدا ضربت عمرًا أخاه" فالهاء في "أخاه" فيهما هي الرابطة بين العامل والاسم السابق، وهي منفصلة من العامل بالمعطوف، وذلك مستفاد من قول الناظم:
266-
وعلقة حاصلة بتابع
…
كعلقة بنفس الاسم الواقع
مسألة عطف البيان زائدة على التسهيل، "فإن قدرت" الأخ" فيها "بدلًا" من "عمرًا" "بطلت" هذه "المسألة، نصبت الاسم" السابق "أو رفعت" لأن "الأخ" يصير من جملة ثانية؛ لأن البدل على نية تكرار العامل فتخلوا الجملة
1 انظر الارتشاف 3/ 104، وشرح ابن عقيل 1/ 273، وشرح ابن الناظم ص176.
الأولى من ضمير يعود على المبتدأ إن رفعت، وعلى المشتغل عنه إن نصبت. قاله ابن عصفور1. اللهم "إلا إذا قلنا: عامل البدل والمبدل منه واحد صح الوجهان"، النصب والرفع لوجود الرابط فيهما، فإن قلت: ويمكن أن يصح الوجهان على القول الأول أيضًا، بأن يجعل العامل في "الأخ" خبرًا في الرفع، ومفسرًا في النصب، وجملة "ضربت عمرًا" معترضة بينهما، قلت: عامل البدل ليس كالملفوظ به من كل وجه حتى يصلح أن يكون خبرًا أو مفسِّرًا لغيره، وإنما هو على تقدير معنوي، وإلا لم يكن من بدل المفرد من المفرد بل هو من بدل الجملة من الجملة، وذلك باطل بالاتفاق، وبقي من التوابع التوكيد2، ولا يصح مجيئه هنا؛ لأن الضمير المتصل به عائد على المؤكد أبدًا، فلا يصح عوده على الاسم السابق، قاله الشاطبي.
الأمر "الثالث: يجب كون المقدر في نحو: "زيدًا ضربته" من معنى العامل المذكور ولفظه" فيقدر: ضربت زيدًا ضربته. "وفي بقية الصور من معناه" أو لازمه، "دون لفظه، فيقدر" في نحو: "زيدًا مررت به""جاوزت زيدًا مررت به"، ولا يقدر "مررت"؛ لأنه لا يصل إلى الاسم بنفسه، ويقدر في نحو:"زيدًا لست مثله": خالفت زيدًا لست مثله؛ لأن "خالفت" هو معنى "لست مثله"، قاله أبو البقاء. "و" يقدر في نحو:"زيدا ضربت أخاه""أهنت زيدا ضربت أخاه"، ولا يقدر "ضربت" لأنك لم تضرب زيدًا، وإنما ضربت أخاه، ومن لازمه إهانة. "زيد" لأن من ضرب أخا شخص فقد أهان ذلك الشخص3. وجميع ما يقدر في هذا الباب يقدر متقدمًا على الاسم المنصوب إلا أن يمنع مانع من حصر أو غيره، فيقدر متأخرًا عنه.
الأمر "الرابع": ما تقدم من الأوجه الخمسة فيما إذا نصب فعل ضمير اسم سابق أو ملابسًا لضميره يجري "إذا رفع فعل ضمير اسم سابق" لفظًا "نحو: زيد قام، أو" تقديرًا نحو: "زيد "غضب عليه""، فالهاء المجرورة بـ"على" في محل رفع على النيابة عن الفاعل بـ"غضب" "أو" رفع "ملابسًا لضميره نحو:"زيد قام أبوه"".
"فقد يكون ذلك الاسم" السابق "واجب الرفع بالابتداء كـ: خرجت فإذا زيد" قد "قام" لأن "إذا" الفجائية لا تدخل على الأفعال على الأصح السابق4،
1 شرح الجمل 1/ 362.
2 بعده في "ط": "نحو: زيدًا ضربت عمرا نفسه".
3 انظر شرح ابن الناظم ص274، 276، وشرح المفصل 2/ 30، 31.
4 انظر شرح الكافية الشافية 2/ 615، والارتشاف 3/ 105.
"و "ليتما عمرو قعد"، إذا قدرت "ما" كافة" لـ"ليت" عن العمل، فـ"عمرو": مبتدأ، و"قعد"، خبره، ولا يجوز أن يكون "عمرو" فاعلًا لمحذوف؛ لأنه لم يسمع "ليتما قعد عمرو" فإن قدرت "ما" زائدة غير كافة لم يكن الرفع واجبًا بل جائزًا، لما تقدم من أنها إذا اتصل بها "ما" الزائدة جاز إعمالها وإلغاؤها لعدم زوال اختصاصها بالجمل الاسمية، وإن قدرت "ما" مصدرية كان الرفع واجبًا، لكن على الفاعلية؛ لأن "ما" المصدرية يجب أن يليها فعل ظاهر أو مقدر.
"أو" واجب الرفع "بالفاعلية نحو: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] ، و: هلا زيد قام" لأن أدوات الشرط والتحضيض بالأنفال خلافًا للكوفيين1 فيهما، قاله ابن عصفور2 في شرح الإيضاح.
"وقد يكون" الاسم السابق" "راجح الابتدائية على الفاعلية نحو: "زيد قام" عند المبرد ومتابعيه"، فإنهم أجازوا رفعه بفعل محذوف من باب الاشتغال. ذكر ذلك الفارسي في التذكرة ونقله ابن الحاج عنه في النقد على مقرب ابن عصفور، فسقط ما قيل: إنه لا يعلم من أجاز رفعه على الفاعلية.
وعكس ابن العريف الترجيح، فرجح الفاعلية على الابتدائية، "وغيرهم" من البصريين "يوجبون ابتدائيته لعدم تقدم طالب الفعل" من نفي أو استفهام. وتقدم عن الكوفيين إجازة تقديم الفاعل في بابه.
"وقد يكون" الاسم السابق "راجح الفاعلية على الابتدائية نحو: زيد ليقم" لأن الرفع على الابتدائية يستلزم الإخبار بالجملة الطلبية عن المبتدأ، وهو خلاف القياس؛ لأنها لا تحتمل الصدق والكذب، والفاعلية سالمة من ذلك فترجحت، هذا تقرير كلامه، وفيه نظر؛ لأن رفع "زيد" على الفاعلية يستلزم أن يكون بفعل محذوف مقرون بلام الأمر كمفسره، وقد قال في باب التحذير من هذا الكتاب3: إن اجتماع حذف الفعل ولام الأمر شاذ، فكيف يكون راجحًا مع كونه شاذا؟ "ونحو: قام زيد وعمرو قعد" فيترجح رفع "عمرو" على الفاعلية بفعل محذوف يفسره "قعد" لتناسب العطف على الجملة الفعلية.
"ونحو {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] و {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} "[الواقعة: 59] فيرتجح رفع "بشر" و"أنتم" على الفاعلية بفعل محذوف؛ لأن الغالب في الهمزة دخولها
1 ومنهم الأخفش، انظر همع الهوامع 2/ 114.
2 انظر المقرب 1/ 260.
3 أوضح المسالك 2/ 86.
على الأفعال، وتقدم في باب الفاعل ما يغني هنا عن إعادته.
نعم الرفع على الفاعلية في "أبشر يهدوننا" أرجح في الرفع على الفاعلية في "أأنتم تخلقونه" وتقدير الاسمية في "أأنتم تخلقونه" أرجح منه في "أبشر يهدوننا" لمعادلتها الاسمية، وهي:{أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 59] صرح بذلك في المغني1.
"و" الابتدائية والفاعلية "قد يستويان" في "نحو: زيد قام وعمرو قعد عنده" ففي الفاعلية مراعاة الصغرى، ففيه عطف فعلية على فعلية. وفي الابتدائية مراعاة الكبرى، ففيه عطف اسمية على مثلها، فالتناسب حاصل على كلا التقديرين.
1 مغني اللبيب ص62.