الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب "لا" العاملة عمل "إن" المشددة
مدخل
…
باب "لا" العاملة عمل "إن" المشددة:
وتسمى "لا"1 التبرئة دون غيرها من أحرف النفي، وحق "لا" التبرئة أن تصدق على "لا" النافية كائنة ما كانت؛ لأن كل من برأته فقد نفيت عنه شيئًا، ولكنهم خصوها بالعاملة عمل "إن" فإن التبرئة فيها أمكن منها في غيرها، لعمومها بالتنصيص، وتسمى النافية للجنس، وأفردت بباب لطول الكلام عليها.
قال أبو البقاء وإنما عملت "لا"1 عمل "إن" لمشابهتها لها من أربعة أوجه.
أحدها: أن كلا منهما يدخل على الجملة الاسمية.
الثاني: أن كلا منهما للتأكيد، فـ"لا" لتأكيد النفي، و"إن" لتأكيد الإثبات.
والثالث: أن "لا" نقيضة "إن"، والشيء يحمل على نقيضه، كما يحمل على نظيره.
والرابع: أن كلا منهما له صدر الكلام، ولكون "لا" محمولة على "إن" في العمل انحطت درجتها عن "إن" في أمور:
منها أن اسم "لا" لا يكون إلا مظهرًا، واسم "إن" يكون مظهرًا ومضمرًا.
ومنها أن اسم "لا" لا يكون إلا نكرة، واسم "إن" يكون نكرة ومعرفة.
ومنها أن "لا" لا يجوز أن يتقدم خبرها على اسمها إذا كان ظرفًا أو مجرورًا ويجوز في "إن".
ومنها أن اسم "لا" لا ينون، واسم "إن" ينون.
ومنها أن اسم "لا" المفرد مختلف في إعرابه وبنائه، واسم "إن" لا خلاف في إعرابه، ا. هـ.
1 سقطت من "ب".
ومنها أن "إن" تعمل بلا شرط، و"لا" لا تعمل إلا بشرط، "وشرطها أن تكون نافية" لا زائدة. "وأن يكون المنفي" بها "الجنس" بأسره، "وأن يكون نفيه نصا" وذلك إذا دخلت على نكرة، وأريد بها النفي العام، وقدر فيه "من" الاستغراقية؛ لأن "من" هي الموضوعة للجنس، فإذا قلت: لا رجل في الدار، وأنت تريد نفي الجنس كله لم يصح إلا بتقدير "من"، ولو لم ترد "من" لكنت نافيًا رجلًا واحدا، وجاز أن يكون في الدار اثنان فأكثر، ومن هنا قال النحويون إن "لا رجل" جواب لمن قال: هل من رجل في الدار؟، فهو سائل عن كل الجنس، قاله أبو البقاء في شرح لمع ابن جني "وأن لا يدخل عليها جار"، وهو المراد بقولهم أن لا تقع بين عامل ومعمول، "وأن يكون اسمها نكرة" لأنه على تقدير "من" كما تقدم، و"من" الاستغراقية مختصة بالنكرات، وأن تكون النكرة "متصلة بها"، خلافًا لأبي عثمان فإنه أجاز فيها أن تعمل مع فصلها، ولكنه لا يبنى، فقد جاء في السعة، لا منها بد، بالبناء مع الفصل، وليس مما يعول عليه، قاله الموضح في الحواشي، "وأن يكون خبرها نكرة" على الأصل، فجملة الشروط سبعة، أربعة راجعة إلى "لا" واثنان إلى اسمها، وواحد إلى خبرها، وستأتي محترزاتها.
وإذا اجتمعت هذه الشروط عملت "لا" عمل "إن" من نصب الاسم ورفع الخبر، "نحو: لا غلام سفر حاضر"، فـ"غلام سفر" اسمها، وهو منصوب، و"حاضر" خبرها، وهو مرفوعًا بها اتفاقًا؛ لأنها غير مركبة، وأما إذا ركبت فعن سيبويه أنها لا تعمل في الخبر، بل النكرة مع "لا" في موضع رفع بالابتداء والخبر خبر المبتدأ، مرفوع بما كان مرفوعًا به قبل دخول "لا"، والأصح عند الناظم أنه مرفوع بها أيضًا، وهو مذهب الأخفش والمازني والمبرد1، "فإن كانت غير نافية لم تعمل" في الأسماء شيء "وشذ إعمال" "لا" "الزائدة في قوله" وهو الفرزدق يهجو عمر بن هبيرة الفزاري: [من البسيط]
260-
"لو لم تكن غطفان لا ذنوب بها
…
إذن للام ذوو أحسابها عمرا"
فأعمل "لا" الزائدة، "وذنوب" اسمها: و"لها" خبرها، وإنما عملت مع
1 انظر الارتشاف 2/ 165، والمقتضب 4/ 357.
260-
البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 230، وخزانة الأدب 4/ 30، 32، 50، والدرر 1/ 320، والارتشاف 2/ 168، وشرح التسهيل 2/ 59، والمقاصد النحوية 2/ 322، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 3، والخصائص 2/ 36، ولسان العرب 6/ 269، "غطف"، وهمع الهوامع 1/ 147.
الزيادة؛ لأنها أشبهت النافية لفظًا وصورة، فلوحظ فيها جانب اللفظ دون جانب المعنى، والدليل على زيادتها أن المعنى المستفاد مستفاد من "لو" لأن "لو" شرطها ممتنع، والغرض أنه منفي بـ"لم"، وامتناع النفي إثبات، فدل على إثبات الذنوب لغطفان، لا نفيها عنها، وإذا ثبتت الذنوب امتنع اللوم؛ لأن جواب "لو" إذا كان مثبتًا في نفسه يكون منفيا بعد دخول "لو"، وإنما شذ عمل الزائدة؛ لأنها غير مختصة، وشرط العمل الاختصاص، فإن قيل:"لا" النافية غير مختصة مع أنها عاملة، فالجواب ما قاله المرادي أن "لا" إذا قصد به النفي العام اختصت بالاسم فليست إذن الداخلة على الفعل "ولو كانت""لا" لغير نفي الجنس بل "لنفي الوحدة عملت عمل "ليس""، فترفع الاسم وتنصب الخبر "نحو: لا رجل قائمًا"، فالمنفي هنا الواحد دون الجنس إذا قلت عقبه: "بل رجلان"، فيكون المنفي واحدًا، والمثبت اثنان، "وكذا" تعمل عمل "ليس" "أن أريد بها نفي الجنس لا على سبيل التنصيص" بل على سبيل الظهور، نحو: لا رجل قائمًا، ويمتنع أن يقال بعده: بل رجلان.
والحاصل أن "لا" إذا عملت عمل "ليس" احتمل نفي الواحد ونفي الجنس، وهو الظاهر؛ لأن النكرة في سياق النفي تعم، فإذا أردت نفي الواحد ميزته بقولك عقبه: بل رجلان، وإذا أردت نفي الجنس لم تعقبه بشيء، بل لا يجوز أن تقول بعده: بل رجلان، هذا حاصل كلام ابن عقيل1.
"وإن" وقعت2 "لا" بين عامل ومعمول كما إذا "دخل علها الخافض" فإنها لا تعمل شيئًا، "وخفض" الخافض "النكرة" لقوته؛ ولأن "لا" لا تحول بين العامل ومعموله "نحو: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء" بالجر فيهما بحرف الجر.
وعن الكوفيين أن "لا" هنا اسم بمعنى غير، وأن الخافض دخل عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفًا، ويسميها زائدة، ويعنون بذلك أنها معترضة بين شيئين مطالبين، وإن لم يصح أصل المعنى بإسقاطها، "وشذ: جئت بلا شيء، بالفتح" على الإعمال والتركيب، ووجهه أن الجار دخل بعد التركيب نحو: لا خمسة عشر، وليس حرف الجر معلقًا، بل "لا" وما ركب معها في موضع جر؛ لأنهما جريا مجرى الاسم الواحد، قاله ابن جني في كتاب القد. وقال في الخاطريات إن "لا" نصبت
1 شرح ابن عقيل 1/ 393.
2 سقطت من "ب".
"شيء"، ولا خبر لها؛ لأنها صارت فضلة نقله عن أبي علي وأقره1، "وإن كان الاسم معرفة أو منفصلًا منها أهملت" وجوبًا "ووجب عند غير المبرد وابن كيسان تكرارها" في الصورتين مع العاطف ليكون تكرارها عوضًا من مصاحبة ذي العموم2، أو لأن العرب جعلتها في جواب من سأل بالهمزة، وأم، والسؤال بهما لا بد فيه من العطف. فكذلك الجواب، "نحو: لا زيد في الدار ولا عمرو، ونحو:{لَا فِيهَا غَوْلٌ" وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] . "وإنما لم تتكرر" مع المعرفة "في قولهم: لا نولك أن تفعل، و" في "قوله": [من البسيط]
261-
"أشاء ما شئت حتى لا أزال لما
…
لا أنت شائية من شأننا شاني"
"للضرورة في هذا" البيت، واللام في الضرورة للتعليل متعلقة بـ"لم" تتكرر، والمعنى: وإنما لم تتكرر في "لا أنت" للضرورة، و"أشاء" مضارع شاء مسند للمتكلم، و"ما" موصول في موضع نصب على المفعولية بـ"أشاء"، وشئت بكسر التاء صلة "ما"، والعائد محذوف، "وحتى" بمعنى: إلى، و"أزال" مضارع زال، منصوب بـ"أن" مضمرة بعد حتى وجوبًا، واسم "أزال" مستتر فيه وجوبًا، وخبره "شاني" آخر البيت بنون من الشنآن، وهو: البغض، وقف عليه بحذف الألف على لغة ربيعة، و"لما" متعلق به، و"ما" موصول اسمي، و"لا" نافية، و"أنت" مبتدأ، و"شائية" من المشيئة خبره، و"من شأننا" متعلق به، والجملة صلة "ما"، والعائد محذوف، والمعنى: أن أشاء الذي شئته حتى لا أزال شانيًا للذي لا أنت شائيته من شاننا، أي: أمرنا، "ولتأول" معطوف على الضرورة "لا نولك" بلا ينبغي لك"، "ولا" إذا دخلت على الفعل لا يجب تكرارها؛ لأنه في معنى النكرة، "ونولك" بتفح النون وسكون الواو من التنويل والنوال وهو: العطية مبتدأ، وأن تفعل سد مسد خبره كما في الوصف مع مرفوعه قاله الخضراوي.
وقال أبو حيان: والذي أذهبت إليه أنه خبر لا فاعل؛ لأن "نولك" ليس بوصف.
وقال الموضح: لا أدري كيف يتأتى أن يقول هذا مع قوله: إن "لا نولك" مؤول بلا ينبغي لك، ولم ينزل كتاب بأن المرفوع الساد مسد الخبر لا يرفع إلا بالوصف ا. هـ.
1 المسائل البصريات 2/ 906-908، والمسائل المنثورة ص85.
2 انظر الارتشاف 2/ 172، والتسهيل ص68.
261-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 7، والدرر 1/ 325، وشرح الأشموني 1/ 149، والمقاصد النحوية 2/ 325، وهمع الهوامع 1/ 148.
وإذا قلنا بالأول فالظاهر أن المرفوع هنا نائب عن الفاعل. قال الرضي: والنول مصدر بمعنى: التناول وهو هنا بمعنى المفعول، أي: ليس متناولك هذا الفعل، أي: لا ينبغي لك أن تتناوله ا. هـ. فسقط بالتأويل في المثال ودعوى الضرورة في البيت ما احتج به المبرد1 وابن كيسان على عدم وجوب تكرار "لا" إذا دخلت على معرفة، وإلى إعمال "لا" عمل "إن" أشار الناظم بقوله:
197-
عمل إن اجعل للا في نكره
…
مفردة جاءتك أو مكرره
1 المقتضب 4/ 359.
"فصل":
"وإذا كان اسمها مفردًا، أي: غير مضاف ولا شبيه به بني على الفتح إن كان مفردًا" لفظًا ومعنى أو لفظًا لا معنى. "أو جمع تكسير" لمذكر أو مؤنث، فالأول "نحو: لا رجل"، والثاني نحو: لا قوم ولا شجر. "و" الثالث نحو: "لا رجال" ولا هنود، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
199-
وركب المفرد فاتحًا........
…
...................................
"و" بني "عليه" أي: على الفتح "أو على الكسر إن كان جمعًا بألف وتاء" مزيدتين، "كقوله" هو سلامة بن جندل يبكي على فراق الشباب، لا ابن مقبل، خلافًا لابن عصفور:[من البسيط]
262-
"إن الشباب الذي مجد عواقبه
…
فيه نلذ ولا لذات للشيب"
بكسر التاء وفتحها، "روى بهما" في "لذات" جمع لذة، وهو اسم "لا" و"للشيب" بفتح الشين خبرها، وفي الجمع بالألف والتاء إذا كان اسم "لا" أربعة أقوال:
أحدها: أنه يجعل في البناء كما هو في الإعراب، فكما أن فتحته في الإعراب كسرة، فكذلك في البناء قاله بان عذرة، وهو قول الأكثيرين. "و" قال أبو الفتح ابن جني "في الخصائص1" ما حاصله "أنه لا يجيز فتحه بصري إلا أبو عثمان" المازني، وعبارة الخصائص: لم يجز أصحابنا الفتح إلا شيئًا قياسه أبو عثمان، والصواب الكسر بغير تنوين، ا. هـ.
262- البيت لسلامة بن جندل في ديوانه ص91، وتخليص الشواهد ص400، وخزانة الأدب 4/ 27، والدرر 1/ 319، والشعر والشعراء ص278، والمقاصد النحوية 2/ 326، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 9، وشرح شذور الذهب ص85، وشرح ابن عقيل 1/ 397، وهمع الهوامع 1/ 146.
1 الخصائص 3/ 305.
الثاني: كالأول إلا أنه ينون؛ لأن تنوينه كون "مسلمين"، لا كتنوين "زيد" فلا ينافي البناء، جزم به ابن مالك في سبك المنظوم، ونقله ابن الدهان عن قوم، وتابعه ابن خروف.
الثالث: أنه يفتح؛ لأن الحركة ليست له، بل لمجموع المركب، وهو "لا" والاسم، قاله المازني والفارسي1، وهو حسن في القياس، ورجحه الموضح في المغني وشرح الشواهد.
الرابع: أنه يجوز الفتح والكسر بغير تنوين، وهو الصحيح، واقتصر عليه هنا، وقال بعض المغاربة: جواز الأمرين مبني على الخلاف في اسم "لا".
فمن قال هي إعراب وحذف تنوينه للتخفيف كالزجاج، والجرمي والرماني والكوفيين كسر2، ومن قال هي بناء كجمهور البصريين فتح3، "و" بني "على الياء إن كان مثنى أو مجموعًا على حده"، أي: على حد المثنى وطريقته في إعرابه بالحروف وسلامة واحده واختتامه بنون زائدة تحذف للإضافة "كقوله: [من الطويل]
263-
"تعز فلا إلفين بالعيش متعا"
…
ولكن لوراد المنون تتابع
فـ"إلفين" بكسر الهمزة تثنية: إلف، اسم "لا" مبني على الياء، "ومتعا" بالبناء للمفعول خبرها، و"تعز" أمر من التعزية، وهي الحمل على الصبر عند المصيبة، و"المنون": الموت، و"وراده" الذين يردونه، وهو جمع وارد، "وقوله:[من الخفيف]
264-
"يحشر الناس لا بنين ولا آ
…
باء إلا وقد عنتهم شئون"
فـ"بنين" بكسر النون الأولى جمع ابن، اسم "لا" مبني على الياء، ولا آباء جمع أب، عطف على ما قبله "إلا" حرف إيجاب، وقد عنتهم بفتح العين المهملة والنون
1 الارتشاف 2/ 165.
2 انظر الارتشاف 2/ 164، وشرح التسهيل 2/ 58، 59.
3 انظر الإنصاف 1/ 366.
263-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 10، وتخليص الشواهد 395، والدرر 1/ 317، وشرح ابن الناظم 134، وشرح الأشموني 1/ 145، وشرح شذور الذهب ص83، والمقاصد النحوية 2/ 333، وهمع الهوامع 1/ 146.
264-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 11، وتخليص الشواهد ص396، 1/ 318، وشرح ابن الناظم ص134، وشرح الأشموني 1/ 150، وشرح التسهيل 2/ 55، وشرح شذور الذهب ص84، والمقاصد النحوية 2/ 334، وهمع الهوامع 1/ 146.
وسكون التاء المثناة فوق بمعنى: أهمتهم، وشئون: جمع شأن وهو الخطب فاعل "عنتهم"، والجملة في موضع رفع خبر "لا"، ولا يضر اقترانه بالواو؛ ولأن خبر الناسخ يجوز اقترانه بالواو، كقول الحماسي:[من الهزج]
265-
.................
…
فأمسى وهو عريان
وقولهم: ما أحد إلا وله نفس أمارة1، وليست حالا خلافا للعيني2؛ لأن واو الحال لا تدخل على الماضي التالي "إلا" كما قال في الموضح في باب الحال3، وذهب المبرد4 إلى أن المثنى والمجموع على حده في باب "لا" معربان بناء على أن التثنية والجمع عارضا التضمن أو التركيب في علة البناء، ولو صح ذلك لزم الإعراب في: يا زيدان ويا زيدون ولا قائل به والقول بالبناء في اسم "لا" المفرد اختلف في علته. "قيل: وعلة البناء" فيه "تضمن معنى "من"" الاستغراقية "بدليل ظهورها في قوله:"[من الطويل]
266-
فقام يذود الناس عنها بسيفه
…
"وقال ألا لا من سبيل إلى هند"
واختار هذا القول ابن عصفور، وعلله بأن تركيب الاسم مع الحرف قليل، والبناء للتضمن كثير، واعترضه ابن الضائع بأن المتضمن لمعنى "من" هو "لا" نفسها، لا الاسم بعدها، "وقيل"، علة البناء "تركيب الاسم مع الحرف" كما في تركيب الاسمين، "كخمسة عشر"، هذا قول سيبويه والجماعة5، ويؤيده أنهم إذا فصلوا
265- صدر البيت:
"فلما صرح الشر"
وهو للفند الزماني "شهل بن شيبان" في أمالي القالي 1/ 260، وحماسة البحتري ص56، والحيوان 6/ 416، وخزانة الأدب 3/ 431، وسمط اللآلي ص578، 490، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص34، والمقاصد النحوية 3/ 122.
1 شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص34.
2 المقاصد النحوية 3/ 122.
3 أوضح المسالك 2/ 353.
4 المقتضب 4/ 366.
266-
البيت بلا نسبة في كتاب العين 8/ 352، وأوضح المسالك 2/ 13، وتهذيب اللغة 15/ 423، وتاج العروس "ألا"، "لا" وأوضح المسالك 2/ 13، وتخليص الشواهد ص396، والجنى الداني ص292، والدرر 1/ 317، وشرح ابن الناظم ص134، وشرح الأشموني 1/ 148، ولسان العرب 15/ 434، "ألا"، 15/ 468 "لا"، ومجالس ثعلب ص176، والمقاصد النحوية 2/ 332، وهمع الهوامع 1/ 146.
5 الكتاب 2/ 474.
أعربوا، فقالوا: لا فيها رجل ولا امرأة، وقد جاء تركيب الاسم مع الحرف المؤخر كقوله:[من الرجز]
726-
أثور ما أصيدكم أم ثورين
ودليل التركيب والبناء ترك تنوينه وهو مفعول مقدم لـ"أصيد"، وأما "كم" فعلى التوسع بإسقاط اللام، والمعنى: أصيد لكم ثورًا أم ثورين.
"وأما المضاف وشبهه فمعربان" اتفاقًا، نحو: لا غلام سفر حاضر، ولا طالبًا علما ممقوت، وأما: لا أبا لك، فاللام زائدة، لتأكيد معنى الإضافة، وهي معتد بها من وجه دون وجه، وأما وجه الاعتداد فلأن اسم "لا" لا يضاف لمعرفة، فاللام مزيلة لصورة الإضافة، وأما وجه عدم الاعتداد فهو أن ما قبلها معرب بالألف، وإنما يعرب إذا كان مضافًا أو شبهه، هذا مذهب سيبويه والجمهور1، ويشكل عليه2: لا أبا لي، بالألف مع الإضافة إلى ياء المتكلم، "والمراد بشبهه" أي: شبه المضاف "ما اتصل به شيء من تمام معناه" مرفوع أو منصوب أو مجرور، "نحو: لا قبيحًا فعله محمود، ولا طالعًا جبلًا حاضر، ولا خيرًا من زيد عندنا" فـ"لا" في الجميع نافية، وما بعدها اسمها وهو منصوب بها، والمتأخر خبرها، وفعله في الأول فاعل "قبيحًا"؛ لأنه صفة مشبهة، "وجبلًا" في الثاني مفعول "طالعًا"؛ لأنه اسم فاعل، "ومن زيد" في الثالث متعلق بـ"خيرًا" لأنه اسم تفضيل، وما ذكره من نصب الشبيه بالمضاف وتنوينه هو مذهب البصريين، وأجاز البغداديون: لا طالعا جبلا، بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجري مجراه في الإعراب، وعليه يتخرج الحديث: "لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت" 3، قاله في المغني4.
267- الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 140، والخصائص 2/ 180، ورصف المباني ص336، ولسان العرب 4/ 111 "ثور" 13/ 333 "قرن" وتهذيب اللغة 9/ 90.
1 الكتاب 2/ 287.
2 في "ط": "عليهم".
3 انظر الكلم الطيب ص37.
4 مغني اللبيب ص313.
"فصل":
"ولك في نحو: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، خمسة أوجه:
أحدها: فتحهما"، أي: فتح ما بعد "لا" الأولى وما بعد "لا" الثانية، "وهو الأصل، نحو:{لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا ُلَّةَ} [البقرة: 254] ، بفتحهما "في قراءة ابن كثير وأبي عمرو" بن العلاء1.
"والثاني: رفعهما إما بالابتداء، أو على إعمال "لا" عمل "ليس"، كالآية" المتقدمة "في قراءة الباقين من سبعة، وقوله" وهو عبيد الراعي بن حصين: [من البسيط]
268-
وما هجرتك حتى قلت معلنة
…
"لا ناقة لي في هذا ولا جمل"
برفع "ناقة" و"جمل"، والمعنى: وما تركتك حتى تبرأت مني وقلت صريحًا: لا ناقة لي ولا جمل، وهو مثل، ضربه لبراءتهما منه2.
و"الثالث: فتح الأول، ورفع الثاني، كقوله:"[من الكامل]
269-
هذا لعمركم الصغار بعينه
…
"لا أم لي إن كان ذاك ولا أب"
1 الرسم المصحفي: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} ، بالرفع. وقرأها بالنصب: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محصين والحسن واليزيدي، انظر الإتحاف ص135، والنشر 2/ 211.
268-
البيت للراعي النميري في ديوانه ص198، وتخليص الشواهد ص405، وشرح المفصل 2/ 111، 113، والكتاب 2/ 295، ولسان العرب 15/ 254 "لقا"، ومجالس ثعلب ص35، والمقاصد النحوية 2/ 336، وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 15، وشرح الأشموني 1/ 152، واللمع ص128.
2 المثل في المستقصى 2/ 267، وفصل المقال ص388، ويروى:
"لا ناقتي في هذا ولا جملي"
في مجمع الأمثال 2/ 220، وكتاب الأمثال لابن سلام ص275، وجمهور الأمثال 2/ 391.
269-
البيت لضمرة بن جابر في خزانة الأدب 2/ 38، 40، وهو لرجل من مذحج أو لضمرة بن ضمرة، أو لهمام أخي جساس ابني مرة في تخليص الشواهد ص405، وهو لرجل من بني عبد مناة في الدرر 2/ 476، وهو لهني بن أحمر أو لزرافة الباهلي في لسان العرب 6/ 61 "حيس"، وتاج العروس 15/ 569 "حيس"، وهو لابن أحمر في المؤتلف والمختلف 38، والمقاصد النحوية 2/ 339، ولرجل=
"الخامس: فتح الأول ونصب الثاني: كقوله" وهو أنس بن العباس السلمي جد العباس بن مرداس، وقيل: أبو عامر جد العباس: [من السريع]
272-
"لا نسب اليوم ولا خلة"
…
اتسع الخرق على الراقع
وهذه الأوجه الخمسة الجارية في نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله مستفادة من قول الناظم:
199-
وركب المفرد فاتحًا كلا
…
حول ولا قوة والثاني اجعلا
200-
مرفوعًا أو منصوبًا أو مركبا
…
وإن رفعت أولًا لا تنصبا
ولكل منها توجيه يخصه، أما فتحهما فوجهه أن تجعل "لا" فيهما مركبة مع اسمها كما لو انفردت.
فعلى مذهب سيبويه1 يجوز أن يقدر بعدهما خبرًا لهما معًا، أي: لا حول ولا قوة لنا، أي: موجودان لنا؛ لأن مذهبه أن "لا" المفتوح اسمها لا تعمل في الخبر فهما في موضع رفع "ولا قوة" مبتدأ معطوف على مبتدأ، والمقدر مرفوع بأنه خبر عنهما جميعًا، فيكون الكلام جملة واحدة، نحو: زيد وعمرو قائمان، ويجوز أيضًا عنده أن يقدر لكل واحدة منهما خبر، أي: لا حول موجود لنا، ولا قوة موجودة لنا، فيكون الكلام جملتين.
وعلى مذهب غير سيبويه القائل بأن "لا" المفتوح اسمها عاملة في الخبر، كما عملت فيه "لا" الناصبة اسمها، فيجوز أيضًا أن يقدر لهما معًا خبر واحد، وذلك الخبر يكون مرفوعًا بـ"لا" الأولى والثانية، وإن كانت عاملتين إلا أنهما متماثلان فيجوز أن يعملا في اسم واحد عملًا واحدًا، كما في: إن زيدًا وإن عمرًا قائمان؛ لأنهما شيء واحد، ويجوز أيضًا عند هؤلاء أن يقدر لكل منهما خبر على حياله، وأما رفعهما فوجهه أن تجعل
272- البيت لأنس بن العباس بن مرداس في تخليص الشواهد ص405، والدرر 2/ 476، 2/ 573، وشرح شواهد المغني 2/ 601، والكتاب 2/ 285، 309، ولسان العرب 5/ 511 "قمر" 10/ 238، "عتق"، والمقاصد النحوية 2/ 351، وله أو لسلامان بن قضاعة في شرح أبيات سيبويه 1/ 583، 587، ولأبي عامر جد العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلي 37، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 172، وأمالي ابن الحاجب 1/ 421، وأوضح المسالك 2/ 20، وشرح ابن الناظم ص135، وشرح الأشموني 1/ 151، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص75، 967، وشرح شذور الذهب ص87، وشرح ابن عقيل 1/ 400، وشرح المفصل 2/ 101، 135، 9/ 138، واللمع في العربية ص128، ومغني اللبيب 1/ 226، وهمع الهوامع 2/ 144، 211.
1 الكتاب 2/ 284، 285.
"لا" الأولى ملغاة لتكرارها، فما بعدها مرفوع بالابتداء، أو عاملة عمل "ليس"، فيكون ما بعدها مرفوعًا بها، وعلى الوجهين فـ"لنا" خبر عن الاسمين إن قدرت "لا" الثانية تكرار للأولى وما بعدها معطوف فإن قدرت الأولى مهملة، والثانية عاملة عمل "ليس" أو بالعكس، فـ"لنا" خبر عن إحداهما، وخبر الأخرى محذوف، كما في: زيد وعمرو قائم، ولا يكون خبرًا عنهما لئلا يلزم محذوران: أحدهما: كون الواحد مرفوعًا منصوبًا. والثاني: توارد عاملين على معمول واحد، قاله في المغني1 في مسألة: لا رجل ولا امرأة، برفعهما، وأما فتح الأول ورفع الثاني، فوجهه أن "لا" الأولى عاملة عمل "إن" ولا الثانية زائدة، وما بعدها معطوف على محل "لا" الأولى مع اسمها، فعند سيبويه2 يجوز أن يقدر لهما معًا خبر واحد؛ لأنه خبر مبتدأ، وما عطف عليه، وعند غيره لا بد لكل واحد من خبر لئلا تجتمع "لا" والابتداء في رفع الخبر الواحد، ويجوز أن نجعل "لا" الثانية غير زائدة، وهي ملغاة، أو عاملة عمل "ليس".
وأما رفع الأول وفتح الثاني فوجهه أن "لا" الأولى ملغاة. أو عاملة عمل "ليس" و"لا" الثانية عاملة عمل "إن"، وتقدير الخبر في هذا الوجه كالوجه الذي قبله، سواء على المذهبين.
وأما فتح الأول ونصب الثاني فوجهه أن "لا" الأولى عاملة عمل "إن"، و"لا" الثانية زائدة، وما بعدها منصوب منون، "وهو أضعفها"؛ لأن نصب الاسم مع وجود "لا" ضعيف والقياس فتحه بلا تنوين، "حتى" قال ابن الدهان في الغرة:"خصه يونس وجماعة" من النحويين "بالضرورة، كتنوين المنادى" المفرد المعرفة3، وجعله الزمخشري منصوبًا على إضمار فعل أي: ولا أرى قوة4، "وهو عند غيرهم على تقدير "لا" زائدة مؤكدة، وأن الاسم" بعدها "منتصب بالعطف" على محل اسم "لا" الأولى عند ابن مالك5، وعند غيره على لفظ اسم "لا" لأنه لما اطرد في "لا" بناء اسمها معها على الفتح نزلت منزلة العامل المحدث للفتحة الإعرابية، وأما الخبر فلا يجوز عند سيبويه6 أن يقدر لهما خبر واحد بعدهما؛ لأن خبر ما بعد "لا" الأولى مرفوع بما كان مرفوعًا، قبل دخول "لا" عنده، وخبر ما بعد "لا" الثانية مرفوع بـ"لا" الأولى؛ لأن الناصب لاسمها عاملة في الخبر عنده، كما يقول غيره، فيلزم ارتفاع الخبر بعاملين
1 مغني اللبيب 1/ 242.
2 الكتاب 2/ 285، 286.
3 الارتشاف 2/ 173.
4 المفصل ص75.
5 شرح التسهيل 2/ 68.
6 الكتاب 2/ 285.
مختلفين، وهو لا يجوز، فيجب أن يقدر لكل منهم خبر [على حياله وعند غيره يقدر لهما خبر واحد؛ لأن العامل عندهم "لا" وحدها، ويجوز أن يقدر لكل خبر]1.
وهذه الأوجه الخمسة مأخوذة من اثني عشر وجهًا، وذلك لأن ما بعد "لا" الأولى يجوز فيه البناء على الفتح والرفع على الإلغاء، والرفع على إعمالها عمل "ليس"، فهذه ثلاثة، وما بعد "لا" الثانية يجوز فيه ذلك، ووجه رابع وهو النصب، وإذا ضربت هذه الأربعة في الثلاثة الأول بلغت اثني عشر وجها، وكلها جائزة إلا اثنين، وهما رفع الأول على الإلغاء أو على الإعمال عمل "ليس"، ونصب الثاني، وأنهاها ابن الفخار في شرح الجمل إلى مائة وأحد وثلاثين وجهًا، هذا إذا عطفت وكررت "لا"، "فإن عطفت ولم تكرر "لا" وجب فتح الأول" على إعمال "لا" عمل "إن"، وجاز في الثاني النصب" عطفًا على محل الأول، "والرفع" عطفًا على محل "لا" مع اسمها، وامتنع الفتح لعدم ذكر "لا" "كقوله"، وهو رجل من بني عبد مناة يمدح مروان بن الحكم وابنه عبد الملك:[من الطويل]
273-
"فلا أب وابنًا مروان وابنه"
…
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
يروى "وابنًا" بالنصب، "ويجوز "وابن" بالرفع"، ولا يجوز "وابن" بالفتح، "وأما حكاية الأخفش": لا رجل وامرأة، بالفتح، بلا تنوين "فشاذة"2، والأصل: ولا امرأة فحذفت "لا" وبقي البناء بحاله على نية "لا"، كما قالوا: ولا بيضاء شحمة3، على نية "كل"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
203-
والعطف إن لم تتكرر لا احكما
…
له بما للنعت ذي الفصل انتمى
1 سقطت ما بين المعقوفين من الأصل، وتم استدراكه من "ب"، "ط".
273-
البيت لرجل من عبد مناة بن كنانة في تخليص الشواهد ص413، 414، وخزانة الأدب 4/ 67، 86، وشرح شواهد الإيضاح ص207، والمقاصد النحوية 2/ 355، وله أو للفرزدق في الدرر 2/ 474، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 419، 2/ 593، 847، وأوضح المسالك 2/ 22، وجواهر الأدب ص241، وشرح ابن الناظم ص138، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح قطر الندى ص168، وشرح المفصل 2/ 101، 110، والكتاب 2/ 285، واللامات ص105، واللمع 130، والمقتضب 4/ 372، وهمع الهوامع 2/ 143.
2 شرح ابن الناظم ص138، وشرح التسهيل 2/ 68.
3 في الكتاب 1/ 65: "ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة، وإن شئت نصبت "شحمة" و"بيضاء": في موضع جر، كأنك أظهرت "كل" فقلت: "ولا كل بيضاء"، ومن الأمثال قولهم: "ما كل سوداء تمرة ولا كل بيضاء شحمة" والمثل في الفاخر ص195، وجمهرة الأمثال 2/ 226، 287، والمستقصى 2/ 328، ومجمع الأمثال 2/ 281.
"فصل":
"وإذا وصفت النكرة المبنية بمفرد" متعلق بوصفت "متصل" نعت مفرد جاز في الوصف المفرد "فتحه على أنه ركب معها" أي: مع النكرة "قبل مجيء "لا"" وصار الوصف والموصوف كالشيء الواحد، ثم دخل عليهما "لا" "مثل": لا "خمسة عشر" عندنا، وقيل: علة النباء كون الوصف ما تمام اسم "لا" واسم "لا" وجب له البناء لتضمنه معنى "من" فصارا كأنهما معًا تضمنا معنى "من" وقيل: إنه أجري على لفظ الموصوف؛ لأنه أشبه المعرب، وقيل: فتحته فتحة إعراب، وحذف تنوينه للمشاكلة.
وجاز نصبه مراعاة لمحل النكرة الموصوفة؛ لأنها في محل نصب "بلا"، وقال الشاطبي: النصب بالحمل على لفظ النكرة، وإن كان مبنيا؛ لأن حركة البناء هناء شبيهة بحركة الإعراب بل الإعراب أصلها ا. هـ.
"و" جاز "رفعه مراعاة لمحلها مع "لا"" لأنهما في محل رفع بالابتداء لصيرورتها بالتركيب كشيء واحد، فحكموا على محلهما بالرفع، وجعلوا النعت للمجموع كما عكسوا في النعت المقرون بـ"لا"، نحو: مررت برجل لا ظريف ولا كريم. قال الرضي1: جعل حرف النفي مع الاسم الذي بعده صفة لـ"رجل" ا. هـ.
"نحو: لا رجل ظريف فيها" هذا من أمثلة الخليل، فيجوز فيه: لا رجل ظريف، بفتح "ظريف"، ولا رجل ظريفًا، بنصبه، ولا رجل ظريف، برفعه ومثله: "لا رجلين ظريفين، وظريفان،
ولا رجال ظريقين، وظريفون، يستوي فيهما لفظ المفتوح والمنصوب ولا هندات ظريفات؛ لأن اسم "لا" في ذلك كله مبني، ولا فرق في النعت بين المشتق، كما مر، والجامد المنعوت بمشتق، "ومنه2 ألا ماء ماء باردًا عندنا" فيجوز في "ماء" الثاني الفتح على أنه مركب مع الأول، والنصب والرفع على ما مر، وضعف الكمال الأنصاري
1 شرح الرضي 1/ 291.
2 الكتاب 2/ 289.
في شرح المفصل كون "ماء" الثاني صفة "لماء" الأول، وقال: كيف يوصف الشيء بنفسه مع أنه جامد، وإنما هو من قبيل التوكيد اللفظي، أو البدل، ا.هـ. وجوابه أنه لا بعد في جعله صفة؛ لأنه لما وصف بـ"باردًا" صار مغايرًا للأول تغاير المطلق والمقيد، "ولأنه يوصف بالاسم" الجامد "إذا وصف" كـ: مررت برجل رجل عاقل، "والقول بأنه توكيد" لفظي أو بدل "خطأ"؛ لأن "الماء" الثاني لما وصف وتقيد بقيد خرج عن كونه مرادفًا للأول، فلا يصح كونه توكيدًا له، ولا بد منه لعدم مساواته للأول، وإن جعلنا "باردًا" نعتًا "لماء" الأول، "وماء" الثاني بدلًا من الأول لزم مع ذلك تقديم البدل على النعت وهو ممتنع.
وقال أبو حيان1: وتكرير النكرة هنا توطئة للنعت كما جاءت توطئة للحال في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: 4، 5] واعترضه الموضح في الحواشي بأنه إنما جيء بالجامد توطئة للحال ليجرى على منعوته إذا كان ذلك حق المشتقات [ومن ثم قال ابن عصفور وغيره في: جاء زيد ضاحكًا، كما أنه على حذف الموصوف] 2، وهنا لو لم يذكر
التابع لجرى قولك: "باردًا" نعتًا على "ماء" الأول، فما فائدة هذه التوطئة ا. هـ.
قلت: هذا كلام مخالف لقول سيبويه لا بد من تنوين "بارد" لأنه وصف ثان، "فإن فقد الإفراد" في النعت "نحو: لا رجل قبيحًا فعله عندنا، أو" فقد الإفراد في المنعوت، نحو: "لا غلام سفر ظريفًا عندنا، أو" فقد "الاتصال" بأن كان بين النعت والمنعوت فاصل، "نحو: لا رجل في الدار ظريف، أو: لا ماء عندنا ماء باردًا امتنع الفتح" فيهن؛ لأنه يستدعي التركيب وهم لا يركبون ما زاد على كلمتين "وجاز الرفع" بالنظر إلى المحل، "والنصب" بالنظر إلى لفظ المنعوت إن كان معربًا، وإلى محله إن كان مبنيا.
قال ابن خروف: الحمل على الموضع في هذا الباب حسن في المعرب والمبني؛ لأن الموضع للابتداء ا. هـ. وإلى هذه المسألة أشار الناظم بقوله:
201-
ومفردًا نعتا لمبني يلي
…
فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل
202-
وغير ما يلي وغير المفرد
…
لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد
1 الارتشاف 2/ 175.
2 إضافة من "ط".
"كما" تقدم "في المعطوف بدون تكرار: لا" فشبه النعت المفصول في جواز الرفع والنصب بالمعطوف بدون تكرار "لا" والناظم عكس ذلك، فشبه المعطوف بدون تكرار "لا" بالنعت المفصول فقال:
203-
والعطف إن لم تتكرر لا احكما
…
له بما للنعت ذي الفصل انتمى
وصنيع الموضح أقعد من جهة التقسيم وأنسب لقوله: "وكما في البدل الصالح لعمل "لا"" وهو المنكر "فالعطف" بدون تكرار "لا""نحو: لا رجل وامرأة فيها" بنصب امرأة ورفعها، "والبدل" الصالح لعمل "لا" "نحو: لا أحد رجل وامرأة فيها"، بنصب "رجل وامرأة" ورفعهما، ولا يجوز الفتح في المعطوف والبدل لوجود الفاصل في العطف بحرفه، وفي البدل بعامله؛ لأن البدل على نية تكرار العامل "فإن لم يصلح" البدل "له" أي: لعمل "لا" بأن كان معرفة، "فالرفع" واجب بالنظر إلى محل "لا" مع اسمها ويمتنع النصب بالنظر إلى محل اسم "لا"؛ لأنها لا تعمل في معرفة، "نحو: لا أحد زيد وعمرو فيها" فـ"زيد وعمرو" بدل تفصيل من "أحد"، و"كذا" يجب الرفع مع تكرار "لا" "في المعطوف الذي لا يصلح لعمل "لا"، نحو: لا امرأة فيها ولا زيد" لأن "لا" الجنسية لا تعمل في معرفة.
قال أبو حيان1: ومن قال: رب شاة وسخلتها، قال، لا غلام ولا العباس ولا رجل عندنا ولا أخاه، قاله صاحب البسيط، ووجهه أنهم يغتفرون في الثواني ما لا يغتفرون في الأوائل، وسكت الموضح عن البيان والتوكيد المعنوي بناءًا على أنهما لا يتبعان نكرة، وسيأتي الخلاف فيهما.
1 الارتشاف 2/ 175.
"فصل":
"وإذا دخلت همزة الاستفهام على "لا"" النافية للجنس "لم يتغير الحكم"، بل يكون حكمها مع الهمزة كحكمها بدونها من عمل في اللفظ1، نحو: ألا غلام سفر حاضر، بنصب "غلام" لا غير، ومن تركيب نحو: ألا رجل في الدار بفتح "رجل" لا غير، وتكرار نحو: ألا رجوع وألا حباء، بالأوجه الخمسة، "ثم تارة يكون الحرفان باقيين على معنييهما" من الاستفهام والنفي، وذلك إذا كان الاستفهام عن النفي، "كقوله"، وهو قيس بن الملوح على ما قيل:[من البسيط]
274-
"ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد"
…
إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي
والمعنى: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت، هل عدم الاصطبار ثابت لسلمى أم لها تجلد، وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها، وأدخل "إذا" الظرفية على المضارع بدل الماضي وهو نادر وبقاء الحرفين على معنييهما "قليل، حتى توهم" أبو علي "الشلوبين أنه غير واقع" في كلام العرب2، ورد على الجزولي إجازته إياه3، وألحق وقوعه في كلامهم على قلة، كقولهم في المثل: أفلا قماص بالعير4،
1 انظر الكتاب 2/ 306، والمسائل المنثورة ص105.
274-
البيت لقيس بن الملوح في ديوانه ص178، وجواهر الأدب 245، والدرر 1/ 322، وشرح شواهد المغني 1/ 42، 213، والمقاصد النحوية 2/ 358، وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 176، وأوضح المسالك 2/ 24، وتخليص الشواهد ص415، والجنى الداني ص384، وخزانة الأدب 4/ 70، وشرح ابن الناظم ص139، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح ابن عقيل 1/ 410، وشرح عمدة الحافظ ص320، 384، ومغني اللبيب 1/ 15، وهمع الهوامع 1/ 147، وتاج العروس "ألا".
2 الارتشاف 2/ 176.
3 الجزولية ص219.
4 من شواهد الكتاب 2/ 306، ويروى:"ما بالعير من قماص" في مجمع الأمثال 2/ 268، وجمهرة الأمثال 2/ 237، والمستقصى 2/ 317.
والقماص بكسر القاف وبالصاد المهملة، والعير بفتح العين المهملة: الحمار، والشلوبين لفظ أعجمي ينطق بالحرف الذي بعد واوه بين الباء الموحدة والفاء ولامه مضمومة وقد تفتح، قاله الدماميني. "وتارة يراد بهما" أي: بالهمزة و"لا""التوبيخ" والإنكار، "كقوله":[من البسيط]
275-
"ألا ارعواء لمن ولت شبيته"
…
وآذنت بمشيت بعده هرم
فـ"ألا" حرف توبيخ، و"ارعواء" مصدر ارعوى، أي: انكف عن الشيء، يستعمل كثيرًا في ترك ما يستهجن، يقال: ارعوى فلان عن القبيح، أي: انكف عنه، و"ولت": أدبرت وذهبت و"الشبيبة": الشباب قال في المطول1: والشباب في الحقيقة عبارة عن كون الحيوان في زمان تكون حرارته الغريزية مشبوبة، أي: قوية مشتعلة ا. هـ.
وهو مأخوذ من كلام الأطباء، و"آذنت" أعلمت، والمشيب والشيب واحد.
وقال الأصمعي: المشيب دخول الرجل في حد الشيب من الرجال. والشيب بغير ميم: بياض الشعر، والهرم: كبر السن. "و" كون الحرفين يراد بهما التوبيخ "هو الغالب" في الاستعمال، واعترضه الدماميني فقال: اعلم أن المفيد للإنكار التوبيخي هو الهمزة وحدها لا مجموع "ألا" والنفي المفاد بـ"لا" باق على حاله، ففي البيت عدم الارعواء أمر ثابت، والتوبيخ تسلط2 على ذلك، وحينئذ لهما حرفان، كل منهما يفيد ما اختص به. وأجاب الشمني3 بأن المراد أن الهمزة تفيد الإنكار التوبيخي، وكلمة "لا" تفيد النفي فمجموع "ألا" يفيد الإنكار التوبيخي على النفي. "وتارة يراد بهما التمني، كقوله": [من الطويل]
276-
"ألا عمر ولى مستطاع رجوعه"
…
فيرأب ما أثأت يد الغفلات
275- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 177، وأوضح المسالك 2/ 25، وتخليص الشواهد ص414، والدرر 1/ 324/ وشرح ابن الناظم ص139، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح التسهيل 2/ 70، وشرح شواهد المغني 1/ 212، وشرح ابن عقيل 1/ 409، وشرح عمدة الحافظ ص319، ومغني اللبيب 1/ 68، والمقاصد النحوية 2/ 360، وهمع الهوامع 1/ 147.
1 المطول "شرح التلخيص" 1/ 250.
2 في "ط": "مسلط".
3 حاشية الصبان 2/ 16.
276-
البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 26، وتخليص الشواهد ص415، والجنى الداني ص384، وخزانة الأدب 4/ 70، وشرح الأشموني 1/ 153، وشرح شواهد المغني ص800، وشرح ابن عقيل 1/ 411، وشرح عمدة الحافظ ص318، ومغني اللبيب ص69، 381، والمقاصد النحوية 2/ 361.
والعمر: المدة، ويرأب: بفتح الياء المثناة تحت وسكون الراء وفي آخره باء موحدة قبلها همزة بمعنى: يصلح، منصوب في جواب التمني، وفاعله ضمير العمر، وأثأت: بمثلثة بعد الهمزة الأولى: أي: أفسدت، ويد الغفلات فيه استعارة بالكناية، واستعارة تخييلية، استعار للغفلات يدا تشبيها بمن يكسب أشياء بيده. "وهو" أي كون الحرفين يراد بهما التمني "كثير"، واختلف في "ألا" هذه في رفعها الخبر ومراعاة محلها مع اسمها وإلغائها، "و" المعتمد "عند سيبويه1 والخليل أن "ألا" هذه" ملاحظ فيها معنى الفعل والحرف، فهي "بمنزلة: أتمنى، فلا خبر لها" كما أن أتمنى لا خبر له، "وبمنزلة: "ليت" فلا يجوز مراعاة محلها مع اسمها ولا إلغائها إذا تكررت" كما أن "ليت" كذلك؛ لأن "ليت" تركب مع اسمها، ولا تكرر فتلغى، فلا تعمل "ألا" عندهما إلا في الاسم خاصة فينبني إن كان مفردا، ويعرب نصبًا إن كان مضافًا أو شبهه، "وخالفهما المازني2 والمبرد3" فجعلاها كالمجردة من همزة الاستفهام، فلها عندهما مركبة ما لها مجردة من تركيب ونصب وخبر وإلغاء وإتباع للفظ اسمها أو محله، واستدلا بالبيت السابق ووجه الدلالة منه أن "مستطاع" إما خبر لـ"ألا"، وإما صفة لاسمها مراعاة لمحلها مع اسمها لا لمحل اسمها فقط، وإلا نصب، وعليهما فـ"رجوعه" مرفوف بـ"مستطاع" على النيابة عن الفاعل، فاللازم أحد الأمرين، إما ثبوت الخبر، أو مراعاة لمحلها مع اسمها، وأيا ما كان فهو المدعى، "و" رد بأنه "لا دليل لهما في البيت"، أي: الذي استدلا به، "إذ لا يتعين كون "مستطاعًا" خبرًا" لـ"ألا"، "أو صفة" لاسمها، "و "رجوعه" فاعلًا" على حذف مضاف، أي: نائب فاعل لـ"مستطاع" "بل يجوز كان "مستطاع" خبرًا مقدمًا، "و "رجوعه" مبتدأ مؤخرًا، والجملة" من المبتدأ والخبر "صفة ثانية" لـ"عمر" وصفته الأولى جملة "ولى"، وإذا طرقه هذا الاحتمال سقط منه الاستدلال.
ولما فرغ من الكلام على "ألا" المركبة اتفاقًا، وهي المشار إليها في النظم بقوله:
204-
وأعط لا مع همزة استفهام
…
ما تستحق دون الاستفهام
شرع في "ألا" البسيطة على الأصح تكملة للأقسام فغير الأسلوب وقال: "وترد "ألا" للتنبيه" والاستفتاح "فتدخل على الجملتين" الاسمية والفعلية، ولا تعمل شيئًا، فالاسمية "نحو:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [يونس: 62] ،
1 الكتاب 2/ 308، وانظر الارتشاف 2/ 177.
2 الأصول 1/ 397، وشرح التسهيل 2/ 71.
3 المقتضب 4/ 382.
والفعلية نحو: " {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} "[هود: 8] فـ"ألا" داخلة على "ليس" تقديرًا؛ لأن "يوم" منصوب بـ"مصروفًا " مقدم من تأخير، والأصل: ألا ليس مصروفًا عنهم يوم يأتيهم.
"و" ترد "ألا""عرضية"، بسكون الراء "وتحضيضية"، بحاء مهملة وضادين معجمتين، "فتنختصان" بالجملة "الفعلية" الخبرية، ولا تعملان شيئا، فالعرضية "نحو:{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] والتحضيضية نحو: " {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 13] ، وإنما اختصا بالفعلية؛ لأنهما للطلب لأن العرض طلب بلين ورفق، والتحضيض طلب بحث وإزعاج، ومضمون الفعلية، أمر حادث متجدد، فيتعلق الطلب به بخلاف الاسمية فإنها للثبوت وعدم الحدوث.
قال ابن الحاجب في شرح المفصل: حروف التحضيض معناها الأمر إذا وقع بعدها المضارع، والتوبيخ إذا وقع بعدها الماضي.
"مسألة:
وإذا جهل الخبر" سواء قلنا: إنه خبر "لا" أم خبر المبتدأ "وجب ذكره" للجهل به، "نحو: "لا أحد أغير من الله عز وجل" 1، وإذا علم" من سياق أو غيره فحذفه كثير، نحو: {فَلَا فَوْتَ} [سبأ: 51] ، أي: لهم، "{قَالُوا لَا ضَيْرَ} "، [الشعراء: 50] أي: علينا، ولو ذكر لجاز عند الحجازيين2، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
205-
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر
…
إذا المراد مع سقوطه ظهر
"و" حذف الخبر المعلوم "يلتزمه التميميون والطائيون" هذا نقل ابن مالك3، ونقل ابن خروف عن بني تميم4 أنهم لا يظهرون خبرًا مرفوعًا، ويظهرون المجرور والظرف، وهو ظاهر كلام سيبويه5، وقال أبو حيان6: وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع "إلا"، نحو: لا إله إلا الله، أي: لنا، أو في الوجود، أو نحو ذلك. قال الزمخشري في جزء لطيف على كلمة الشهادة، هكذا قالوا، والصواب أنه كلام تام، ولا
1 أخرجه البخاري في النكاح برقم 4358، 4924.
2 انظر الارتشاف 2/ 166، وشرح التسهيل 2/ 56.
3 شرح التسهيل 2/ 56، وشرح الكافية الشافية 1/ 535.
4 انظر الارتشاف 2/ 167.
5 الكتاب 2/ 267.
6 الارتشاف 2/ 166، 167.
حذف، وان الأصل: الله إله مبتدأ وخبر، كما تقول: زيد منطلق، ثم جيء بأداة الحصر، وقدم الخبر على الاسم وركب مع "لا"، كما ركب المبتدأ معها في نحو: لا رجل في الدار، ويكون "الله" مبتدأ مؤخرًا، و"إله" خبر مقدمًا، وعلى هذا تخريج نظائره، نحو:"لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي"1. نقله الموضح منه، وذلك على قول الجمهور، ومن الإخبار عن النكرة بالمعرفة، وعن العام بالخاص، وذلك على قول من يجعل المرفوع خبرًا، ا. هـ.
1 شرح المفصل 1/ 107.